جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٤

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٤

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٧

______________________________________________________

فأما بالجبر : بأن نفرض المستثنى شيئا ، فالمبيع السلعة إلاّ شيئا يعدل أربعة أشياء بأربعة دراهم ، لأنا فرضنا أنّ المقابل بدرهم شي‌ء ، فيكون المقابل بأربعة دراهم أربعة أشياء ، فإذا جبرنا السلعة إلاّ شيئا بشي‌ء ، وزدنا على أربعة أشياء شيئا للمقابلة ، كانت السلعة تعدل خمسة أشياء ، فالشي‌ء خمسها ، فيكون المستثنى خمسها يخص درهما ، والذي صح فيه البيع أربعة أخماسها بأربعة دراهم.

ولو قلت : المستثنى شي‌ء ، فالمبيع السلعة إلاّ شيئا ، كل ربع منها بدرهم ، وهو ربعها إلا ربع شي‌ء ، وذلك يعدل شيئا كاملا ، فإذا جبرناه بربع شي‌ء كان ربعا كاملا ، فيقابل الشي‌ء ربع شي‌ء ، فيكون ربع السلعة معادلا لشي‌ء وربع شي‌ء ، فتكون السلعة معادلة لخمسة أشياء ، فالشي‌ء خمسها.

وأما بالخطأين الزائدين : فبأن نفرض المستثنى ثلث السلعة تارة ، وربعها اخرى ، فلنطلب المخرج المشترك لهما ، طلبا لتسهيل العمل بصيرورتهما صحاحا ، وذلك اثنا عشر ، الثلث منها أربعة ، وقد فرضنا اختصاصها بدرهم ، فتكون بالثمن ستة عشر ، لأنه أربعة دراهم ، فإذا ضممنا المستثنى إليها بلغت عشرين ، وقد كانت اثنتي عشر ، فأخطأ بثمانية زائدة ، والربع ثلاثة ، فتكون بأربعة ، اثنا عشر هي مع المستثنى خمسة عشر ، فأخطأ بثلاثة زائدة ، فلنضرب المال الأول وهو أربعة في الخطأ الثاني ، يبلغ اثني عشر.

وكذا المال الثاني ، وهو ثلاثة في الخطأ الأول ، وهو ثمانية تبلغ أربعة وعشرين ، نقسم الفضل بين حاصلي الضرب ، وهو اثنا عشر ، لأنك إذا أسقطت أقل المرتفعين وهو اثنا عشر من أكثرهما ، وهو أربعة وعشرون يبقى اثنا عشر ، فنأخذ الفضل بين الخطأين ، وهو الباقي من أكثرهما ، بعد إسقاط الأقل منه ، وهو خمسة.

وأنت بالخيار إن شئت رددت اثني عشر إلى واحد ، لأنها في الأصل شي‌ء واحد ، وإنما صار إلى اثني عشر محاولة لجعل الكسور صحاحا ، ثم تنسبه إلى الفضل بين الخطأين ، يكون خمسا ، فيكون المستثنى خمس السلعة.

١٢١

______________________________________________________

وإن شئت قسمت اثني عشر على خمسة ، يخرج اثنان ، وخمسان هي المستثنى من مجموع السلعة ، وهو الخمس من اثني عشر.

أو الناقصين : بأن تفرض المستثنى الثمن تارة ، والسدس اخرى ، والمخرج المشترك لهما أربعة وعشرون ، فعلى تقدير كونه الثمن ، وهو ثلاثة منها يكون بأربعة دراهم اثني عشر ، هي مع المستثنى خمسة عشر ، فيكون الخطأ بتسعة ناقصة.

وعلى تقدير كونه السدس ، وهو أربعة منها يكون بأربعة دراهم ستة عشر ، هي مع المستثنى عشرون ، فيكون الخطأ بأربعة ناقصة.

فإذا ضربت المال الأول وهو ثلاثة في الخطأ الثاني ، وهو أربعة يبلغ اثني عشر ، وإذا ضربت المال الثاني وهو أربعة ، في الخطأ الأول وهو تسعة ، يبلغ ستة وثلاثين ، نأخذ الفضل بينهما ، وهو أربعة وعشرون.

فاما أن ترده إلى الواحد كما قلناه ، وتقسمه على الفضل بين الخطأين وهي خمسة ، أي : تنسبه إليه ، لأنّ قسمة الأقل على الأكثر هي نسبته إليه ، أو تقسم الفضل بين حاصلي الضرب ، أعني : أربعة وعشرين على الفضل بين الخطأين ، وهو خمسة ، تخرج أربعة وأربعة أخماس هي خمس أربعة وعشرين التي فرض كونها السلعة ، فيكون المستثنى خمسها.

ولو كان أحد الخطأين زائدا ، والآخر ناقصا كالثمن والثلث ، فان مخرجهما أربعة وعشرون ، فإنّ الخطأ بالفرض الأول تسعة ناقصة ، وبالفرض الثاني ستة عشر زائدة ، تجمعهما وتحفظهما للقسمة.

وكذا تعمل في كل ما يختلف فيه الخطآن بالزيادة والنقصان ، ثم تضرب المال الأول وهو ثلاثة في الخطأ الثاني ، وهو ستة عشر يكون ثمانية وأربعين ، ثم المال الثاني وهو ثمانية في الخطأ الأول ، وهو تسعة ، يكون اثنين وسبعين ، تضمها إلى المرتفع الأول ، يكون مائة وعشرين ، تقسمها على أربعة وعشرين ، وهو المخرج المشترك لكل من الثمن والسدس يكون خمسة ، تنسبها إلى المحفوظ يكون الخمس.

١٢٢

ولو باعه بعشرة وثلث الثمن فهو خمسة عشر ، لأن الثمن شي‌ء يعدل عشرة وثلث شي‌ء ، فالعشرة تعدل ثلثي الثمن.

______________________________________________________

وإن شئت قسمت مائة وعشرين على خمسة وعشرين ، تخرج أربعة وأربعة أخماس ، تنسبها إلى المخرج المشترك يكون خمسه ، فذلك هو المستثنى ، وبالأربعة الأعداد المتناسبة ، تقول : لما كان نسبة المستثنى إلى الدرهم الذي يخصه ، كنسبة المبيع إلى الأربعة الدراهم التي تخصه ، باعتبار كونها ثمنا له ، لأنّ الاستثناء بما يخص درهما من السلعة ، إنما كان باعتبار مقابلة ما انعقد عليه البيع من المبيع للثمن المقتضي لمقابلة الأجزاء بالأجزاء ، وجب أن تكون نسبة المستثنى إلى مجموع المستثنى والمبيع ، كنسبة الدرهم الى مجموع الدرهم وثمن المبيع ، والدرهم خمس المجموع.

وتحقيقه : أن أقليدس قد برهن على أن الأربعة إذا تناسبت ، كان نسبة الأول إلى الثالث كنسبة الثاني إلى الرابع ، وهو إبدال النسبة ، أي : جعل النسبة للمقدم إلى المقدم كنسبة التالي إلى التالي.

وبرهن أيضا على أنّ المقادير الأربعة إذا تناسبت مفصلة تناسبت مركبة ، فتكون نسبة مجموع المقدمين إلى المقدم كنسبة مجموع التاليين إلى التالي ، فإذا عكست كان نسبة المقدم إلى المقدمين كنسبة التالي إلى التاليين ، وهو محقق لما ذكرناه ، فيكون المستثنى خمس مجموع السلعة.

أو يقال : لمّا كان نسبة المستثنى إلى الدرهم كنسبة المبيع الى الثمن ، وجب أن تكون نسبة المستثنى إلى المبيع كنسبة الدرهم الى الثمن ، وهو بقدر ربعه ، وذلك لأنّ أقليدس قد برهن على أنّ الأربعة إذا تناسبت ، كانت بعد الإبدال متناسبة كتناسبها قبله ، فتكون خمس المجموع ، فيكون المستثنى خمس السلعة.

قوله : ( ولو قال : بعتك بعشرة وثلث الثمن ، فهو خمسة عشر ).

لأنك تقول : الثمن شي‌ء ، والمبيع بعشرة وثلث شي‌ء يعدل شيئا كاملا ، وبعد إسقاط المشترك تكون العشرة معادلة لثلثي شي‌ء.

أو تقول : ثلث الثمن شي‌ء ، فالمبيع بعشرة وشي‌ء يعدل ثلاثة أشياء ، وبعد‌

١٢٣

ولو قال : وربع الثمن ، فهو ثلاثة عشر وثلث ،

______________________________________________________

إسقاط المشترك تكون العشرة معادلة لشيئين ، فالشي‌ء خمسة ، وبالخطأين تفرض ثلث الثمن ستة ، فيكون الثمن ثمانية عشر ، وقد كان بضميمته إلى العشرة ستة عشر ، فالخطأ باثنين زائدين ، ثم تفرضه سبعة ، فيكون الثمن إحدى وعشرين ، وبالإضافة إلى العشرة سبعة عشر ، فالخطأ بأربعة زائدة.

ومضروب المال الأول وهو ستة ، في الخطأ الثاني وهو أربعة ، أربعة وعشرون ، ومضروب المال الثاني وهو سبعة ، في الخطأ الأول وهو اثنان ، أربعة عشر ، فإذا أسقط أقل الخطأين من أكثرهما بقي اثنان.

وكذا أقل حاصلي الضرب من أكثرهما بقي عشرة ، فإذا قسمت على ما بقي من الخطأين خرج خمسه ، وهي ثلث الثمن المجهول ، فالثمن خمسة عشر.

قوله : ( ولو قال : وربع الثمن ، فهو ثلاثة عشر وثلث ).

لأنك تقول : الثمن شي‌ء ، فالمبيع بعشرة وربع شي‌ء يعدل شيئا كاملا ، وبعد إسقاط المشترك تكون العشرة معادلة لثلاثة أرباع شي‌ء ، فربع الثمن ثلاثة وثلث.

أو تقول : ربع الثمن شي‌ء ، فالثمن في تقدير أربعة أشياء تعدل عشرة وشيئا ، فإذا أسقطت المشترك تكون العشرة في معادلة ثلاثة أشياء ، وبالخطأين تفرض الربع أربعة ، فيكون الثمن ستة عشر ، فأخطأ باثنين ، إذ الأربعة مع العشرة أربعة عشر ، ثم تفرضه خمسة ، فيكون الثمن عشرين ، فأخطأ بخمسة ، إذا أسقط أقلهما من الأكثر بقي ثلاثة.

ومضروب المال الأول وهو أربعة ، في الخطأ الثاني وهو خمسة ، عشرون ومضروب المال الثاني وهو خمسة ، في الخطأ الأول وهو اثنان ، عشرة ، إذا أسقطت أقلهما من الأكثر بقي عشرة ، تقسم على ما بقي من الخطأين ، يكون ثلاثة وثلثا ، وهي الربع المجهول.

١٢٤

ولو قال : إلاّ ثلث الثمن ، فهو سبعة ونصف.

المقصد الثالث : في أنواع المبيع ، وفيه فصول :

الأول : الحيوان ، وفيه مطلبان :

______________________________________________________

قوله : ( ولو قال : إلاّ ثلث الثمن ، فهو سبعة ونصف ).

لأنك تقول : الثمن شي‌ء ، فالمبيع بعشرة إلاّ ثلث شي‌ء يعدل شيئا كاملا ، فبعد الجبر والمقابلة يكون شي‌ء وثلث شي‌ء يعدل عشرة ، فالشي‌ء سبعة ونصف.

أو تقول : المستثنى شي‌ء ، فالمبيع بعشرة إلاّ شيئا يعدل ثلاثة أشياء ، لأنّ ثلث الثمن شي‌ء ، فبعد الجبر والمقابلة ، العشرة تعدل أربعة أشياء ، فالشي‌ء اثنان ونصف.

أو تقول : المستثنى شي‌ء ، والثمن ثلاثة أشياء ، فالعشرة تعدل أربعة أشياء ، لأنها تعدل الثمن وثلاثة ، فالشي‌ء اثنان ونصف ، وهو المستثنى ، وبالخطأين تفرض المستثنى ثلاثة ، إذا أسقط من العشرة بقي سبعة هي الثمن ، وبذلك الفرض يكون الثمن تسعة ، فقد أخطأ باثنين.

ثم تفرضه أربعة ، فيبقى ستة هي الثمن ، وبمقتضى الفرض يكون الثمن اثني عشر ، فقد أخطأ بستة ، تضرب المال الأول ، وهو ثلاثة في الخطأ الثاني ، وهو ستة يكون ثمانية عشر ، ثم المال الثاني ، وهو الأربعة في الخطأ الأول ، وهو اثنان يكون ثمانية ، إذا أسقطت من المضروب الآخر بقي عشرة ، تقسّمها على ما بقي من الخطأين بعد الإسقاط وهو أربعة ، يكون اثنين ونصف هي الثلث المستثنى ، فيكون الثمن ما ذكر.

قوله : ( في أنواع المبيع ).

قد سبق الكلام على ما يعتبر في الموضعين ، وهذا الكلام على أمور مخصوصة من أنواع المبيع ، أعني : الحيوان والثمار والنقدين ، لأنّ هذه يشترط فيها أمور زائدة على ما تقدم ، مثل : تحريم بيع الام من دون الولد ، واعتبار بدو الصلاح في الثمرة ، والتقابض في المجلس في بيع النقدين.

١٢٥

الأول : الأناسي من أنواع الحيوان إنما يملكون بسبب الكفر الأصلي إذا سبوا ، ثم يسري الرق إلى ذرية المملوك وأعقابه وإن أسلموا ، ما لم ينعتقوا.

ولو التقط الطفل من دار الحرب ملك ، ولا يملك من دار الإسلام ولا من دار الحرب إذا كان فيها مسلم ، فإن أقرّ بعد بلوغه بالرقية حكم بها

______________________________________________________

وإطلاقه ( أنواع ) ربما فهم منه أنه يذكر جميع أنواع المبيع هنا ، وليس كذلك ، وكأنه اعتمد في البيان على ما أتى به ، ثم إنّ هذه الأشياء لا تختص بكونها مبيعا ، بل يجوز جعلها ثمنا.

ثم اعلم أنه سيجي‌ء في كلامه الكلام في أنواع المبيع باعتبار النقد والنسيئة ، والبيع مع الإخبار برأس المال ، ومساواة الثمن للعوض.

قوله : ( إذا سبيوا ).

صوابه سبوا بغير ياء ، مثل دعوا ونهوا ، لكنه منقول عن خط المصنف كذلك ، ولعل الخطأ من الناقل.

قوله : ( ثم يسري الرق إلى ذرية المملوك وأعقابه ).

الذرية والأعقاب : هم النسل من الأولاد وأولادهم.

قوله : ( ولا من دار الحرب إذا كان فيها مسلم ).

بشرط إمكان تولده منه عادة ، تمسكا بأصل الحرمة ، ولا فرق بين كون المسلم ذكرا أو أنثى.

قوله : ( فإن أقرّ بعد بلوغه بالرقية حكم عليه بها ).

أي : فان أقرّ المأخوذ من دار الحرب ، وفيها مسلم يتولد عنه بعد بلوغه ، ولا بد من كونه رشيدا ، وكأنه تركه استغناء بذكره في المسألة التي بعده.

١٢٦

عليه ، ما لم يكن معروف النسب ، وكذا كلّ من أقرّ بها بالغا رشيدا مجهولا وإن كان المقرّ له كافرا ، ولا يقبل رجوعه.

______________________________________________________

قوله : ( وكذا كل من أقرّ بها بالغا رشيدا ).

اعتبر في التذكرة في باب اللقطة بلوغه وعقله (١) ، وكأنه يرى أنّ الرشد غير شرط ، لأنّ إقرار السفيه بالرقية ليس إقرارا بالمال ، فيكون مسموعا ، كإقراره بما يوجب القصاص.

ويشكل لو كان له مال ، فإنّ الإقرار على نفسه بالرق يقتضي كون المال للمقر له ، فيكون إقرارا بالمال ، إلا أن يقال : يثبت المال للمقر له تبعا لثبوت الرقية ، لا لأنه إقرار بالمال ، فلا يكون ذلك من صحة إقرار السفيه بالرقية ، وهو محتمل.

قوله : ( ولا يقبل رجوعه ).

قال في التذكرة : لاشتماله على تكذيب إقراره ، ودفع ما ثبت عليه بغير موجب ، قال : ولو أقام بينة لم تسمع ، لأنه بإقراره أولا قد كذبها (٢).

قلت : قد يقال : إذا أظهر لرجوعه تأويلا يسمع ، ـ كأن قال : لم أعلم بكوني تولدت بعد إعتاق أحد الأبوين مثلا ، ثم علمته بعد ذلك بالبينة وهو متجه ـ فالمصير اليه ليس بذلك البعيد ، وستأتي له نظائر في باب القضاء وغيره إن شاء الله تعالى.

ولو أقر بالرقية لمعين فردّ ، فادعى الحرية ، ففي اعتبار رجوعه وجهان :

أحدهما : يعتبر ، لأنّ إقراره قد سقط اعتباره برد المقر له ، فإذا انتفت رقيته وجب أن يكون حرا ، خصوصا على قول الشيخ بأنه لو أقرّ لآخر بالرقية لا يسمع (٣).

والثاني : لا يعتبر ، لأنه لما أقر بالرقية للمعين نفذ إقراره لا محالة ، لعموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » فتحقق كونه رقا ، ورد المقر له إنما ينفي ملكه إياه بالنسبة إليه ظاهرا ، لا لكونه رقا الثابت شرعا بإقراره.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٨٣.

(٢) التذكرة ١ : ٤٩٧.

(٣) المبسوط ٣ : ٣٥٢.

١٢٧

ولو اشترى عبدا يباع في الأسواق فادّعى الحرية ، لم يقبل إلاّ بالبينة.

ويملك الرجل كلّ بعيد وقريب ، سوى أحد عشر : الأب ، والام ، والجدّ ، والجدّة لهما وإن علوا ، والولد ذكرا وأنثى ، وولد الولد كذلك وإن نزل ، والأخت ، والعمة ، والخالة وإن علتا ، وبنت الأخ ، وبنت الأخت وإن نزلتا ، فمن ملك أحدهم عتق عليه.

______________________________________________________

ولهذا لو رجع الى التصديق قبل منه ، ولأنه لما أقر بالرقية اقتضى ذلك منعه من التصرفات التي تعتبر فيها الحرية ، فزوال ذلك يحتاج إلى دليل. وما أشبه هذه المسألة بمسألة ما لو أقر لزيد بمال معين ، فرد المقر له الإقرار ، فادعاه المقر حين إنكار المقر له.

ومن هذا يظهر الحكم فيما لو أقر بالرقية ولم يعين. ثم ادعى الحرية ، ولو أظهر ـ في الموضعين ـ لرجوعه تأويلا ، يخرج به عن منافاة الإقرار ، ثم أقام بينة ، فعلى ما سبق تسمع هنا بطريق الاولى.

قوله : ( ولو اشترى عبدا يباع في الأسواق ، فادّعى الحرية لم يقبل إلا بالبينة ).

ظاهر العبارة أنه ادعى الحرية بعد الشراء ، نظرا الى مقتضى الفاء ، فانّ فاء الجزاء تقتضي ذلك ، وليس الحكم مخصوصا بذلك ، فإنه لو ادعى الحرية مع كونه يباع لم يثبت إلا بالحجة ، لأنّ ظاهر اليد والسلطنة يقتضي الملك ، حتى يثبت ما ينافيه.

قوله : ( ويملك الرجل ... ).

أي : ملكا مستقرا ، وإلا لم يستقم الاستثناء ، لأنّ المستثنيات تملك أيضا ، لكن يعتق حين الملك ، فلا يستقر ملك أحد منهم.

وقوله : ( فمن ملك أحدهم ) المراد به : في الجملة من غير تقييد بقولنا : غير مستقر ، وإلا لم يبق لقوله : ( عتق عليه ) موقع.

١٢٨

وتملك المرأة كلّ أحد ، سوى : الآباء وإن علوا ، والأولاد وإن نزلوا ، والرضاع كالنسب على راي.

ويكره ملك القريب غير من ذكرنا ، ويصحّ أن يملك كلّ من الزوجين صاحبه ، فيبطل النكاح وإن ملك البعض.

وما يؤخذ من دار الحرب بغير إذن الامام فهو للإمام خاصة ،

______________________________________________________

قوله : ( والرضاع كالنسب على رأي ).

هذا هو الأصح ، لأنّ الأم من الرضاعة أم حقيقية ، وكذا الأخت والبواقي ، ولظاهر قوله : « الرضاع لحمة كلحمة النسب » ، وللرواية بذلك (١).

قوله : ( وإن ملك البعض ).

أي : يبطل النكاح فيه أيضا ، لمنافاة الملك العقد ، ويستحيل التبعيض ، لأنّ التفصيل قاطع للشركة.

قوله : ( وما يؤخذ من دار الحرب بغير اذن الامام ، فهو للإمام خاصة ).

المراد : ما يؤخذ بالقتال ، وهو المعبر عنه بغنيمة من غزا بغير إذن الامام عليه‌السلام ، وهذا هو المشهور ، للرواية الواردة به (٢) وان كانت مرسلة. أما ما يأخذه نحو الواجد ، لا على هذا الوجه ، بل على وجه الاختلاس ، أو على وجه المغالبة في المواضع المنفردة ونحوها على وجه الغصب فإنه لآخذه ، فان الحربي وماله في‌ء فكل من قهره ملكه ، ولو قهره على ماله ملك ماله ولو كان حربيا ، وقد سبق بيان ذلك في أحكام الغنيمة من الجهاد ، وسيأتي من قوله : ( وكل حربي قهر حربيا ... ) يدل على أنّ المصنف لا يريد هنا إلا ما ذكرناه.

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢٤٣ حديث ٨٧٧ ـ ٨٧٩.

(٢) التهذيب ٤ : ١٣٥ حديث ٣٧٨.

١٢٩

لكن رخّصوا لشيعتهم في حال الغيبة التملك والوطء وإن كانت للإمام أو بعضها.

______________________________________________________

قوله : ( لكن رخصوا لشيعتهم حال الغيبة التملك والوطء ، وإن كانت للإمام أو بعضها ).

أول هذه العبارة وآخرها غير ملتئمين ، لأنّ أولها يقتضي كون الحكم في غنيمة من غزا بغير اذن الامام ، كما يتبادر من قوله : ( لكن ) ، فإنها لاستدراك ما فهم من كونها للإمام عليه‌السلام ، وهو عدم جواز التصرف فيها ، وآخرها يقتضي شمول الحكم لها ولغيرها لأنه قد سلف أنّ جميع المأخوذ بغير اذنه عليه‌السلام له ، فكيف يستقيم قوله : ( أو بعضها )؟ ولعله حاول التنبيه بذلك على الحكم عند القائل بأنّ المأخوذ بغير اذنه عليه‌السلام كالمأخوذ بإذنه.

أو أنه تخيل شمول العبارة لمن يشتري ممن لا يعتقد الخمس ، فإنه لا يجب إخراج خمسها ، كمن اشترى جارية بمال غير مخمس وهو لا يعتقد ذلك ، أو نمت عنده جارية مخمسة ، أو قهر حربيا على ابنته مثلا ، فإنها من الأرباح.

ولا يمكن أن يقال : إن هذه الغنيمة وإن كانت كلها للإمام ، إلا أنه لا يمتنع أن يجب فيها الخمس ، كما احتمله في المختلف (١) ، لأنّ ذلك لا يصحح ما ذكره ، لأنها إن كانت كلها للإمام ، وان وجب عليه فيها الخمس ، لم يستقم ان يقال : بعضها له ، وان كان بعضها له لم يستقم ان يقال : كلها له ، والترديد بين الأمرين يشعر بالتنافي بينهما.

واعلم أنّ الضمير في قوله : ( رخصوا لشيعتهم ) يريد بهم : أئمة الهدى عليهم‌السلام وإن لم يجر لهم ذكر ، لدلالة ذكر الامام عليه‌السلام عليهم ، ولشدة ظهور ذلك ، كما في قوله سبحانه ( حَتّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ ) (٢) ، ومقتضاه أنها لا تحل للمخالف ، وهو كذلك كما دلت عليه الاخبار (٣).

__________________

(١) المختلف : ٣٨١.

(٢) سورة ( ص ) : ٣٢.

(٣) التهذيب ٤ : ١٣٦ حديث ٣٨٣ ، ٣٨٤ ، الاستبصار ٢ : ٥٧ حديث ١٨٨ ، ١٨٩.

١٣٠

ولا يجب إخراج حصّة غير الامام منها. ولا فرق بين أن يسبيهم المسلم والكافر.

وكلّ حربي قهر حربيا فباعه صحّ

______________________________________________________

لكن هذا في الغنيمة المذكورة ، دون ما لو قهر مخالف حربيا على ابنته مثلا فإنه يملكها ، إذ ليس هو بأسوأ حالا من الحربي. ولو أنّ مخالفا اشترى جارية من الغنيمة المذكورة بعد تملك الإمامي لها ، ففي بقاء التحريم عليه تردد.

وهل يملك الإمامي المغنومة من الغنيمة المذكورة بمجرد الاستيلاء عليها؟ قوة كلام الاخبار وعبارات الأصحاب تقتضي ذلك ، ويحتمل توقفه على بذل العوض ، لأنّ هذه يد ظاهرا ، فلا بد من بذل عوض في مقابلها ، فيكون حينئذ استنقاذا.

قوله : ( ولا يجب إخراج حصة غير الإمام منها ).

لظاهر ترخيصهم عليهم‌السلام لشيعتهم من غير اشتراط ، لإخراج الحصة المذكورة.

قوله : ( ولا فرق بين أن يسبيهم المسلم والكافر ).

لعل هذا راجع إلى أول الباب ، وهو قوله : ( الأناسي من أنواع الحيوان انما يملكون (١) بالكفر الأصلي إذا سبوا ) وان بعد هذا المرجع.

ويمكن أن يكون راجعا الى قوله : ( ما يؤخذ من دار الحرب ، فإنه لا فرق في الحكم بين كون الآخذ ـ وهو السابي ـ مسلما كسلطان الجور من المسلمين ، أو كافرا كسلطان كافر ، ونحوهما ).

قوله : ( وكل حربي قهر حربيا فباعه صح ).

قد سبق مرارا ما يصلح لكونه تقريبا لذلك ، وهو أنّ الحربي وماله في‌ء ، والظاهر أنه لا فرق في ذلك بين من يدين بتحريم هذا النوع من القهر وغيره ، وكونه فيئا للمسلمين يقتضي عدم احترامه ، فيصير ملكا بالقهر والغلبة.

__________________

(١) في النسخة الخطية للقواعد : بسبب الكفر الأصلي.

١٣١

وإن كان أخاه أو زوجته ، أو من ينعتق عليه كابنه وبنته وأبويه على إشكال ، ينشأ : من دوام القهر المبطل للعتق لو فرض ، ودوام القرابة الرافعة للملك بالقهر.

______________________________________________________

وتعليل الشارح في باب الجهاد ، بأنّ أهل الحرب لما لم يلتزموا شرعا لم يثبت في ذمة المتلف العوض (١) غير جيد ، لاقتضائه أنّ من التزم شرعا يثبت في ذمته العوض ، وليس كذلك.

قوله : ( وإن كان أخاه أو زوجته ).

لا وجه لذكر الأخ بخصوصه ، أما الزوجة ففي ذكرها تنبيه على سقوط حقوق الزوجية بانفساخ النكاح بتملكها.

قوله : ( أو من ينعتق عليه على اشكال ينشأ : من دوام القهر المبطل للعتق لو فرض ، ودوام القرابة الرافعة للملك بالقهر ).

مقتضى عبارته تكافؤ الوجهين ، وأنه لا ترجيح لأحدهما على الآخر ، وهو كذلك ، لأنّ القرابة المخصوصة تقتضي العتق ، وقهر الحربي يقتضي الملك ، والمقتضيان دائمان.

وقول المصنف : ( المبطل للعتق لو فرض ) مقتضاه أنّ العتق لا يقع ، لأنه حكم ببطلانه على تقدير فرض وقوعه ، وكأنه نظر الى أن القهر دائم ، وهو في كل آن يقتضي الملك ، فيمتنع حصول العتق حقيقة لوجود منافيه ، فلا يكون إلا بطريق الفرض.

ولك أن تقول : القهر إنما يقتضي ملك غير المملوك ، أما المملوك فلا يعقل ملكه ، فانّ من اشترى حربيا لا يقال : ملكه بالقهر ، فإذا تحقق الملك ، لم يكن القهر مملكا في ذلك الحال ، فيعمل المقتضي للعتق ـ وهو القرابة المخصوصة ـ حينئذ عمله ، لقبول المحل له حينئذ فيصير حرا ، وحينئذ فيعود الى الملك بالقهر المقتضي له.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٣٦٣.

١٣٢

والتحقيق : صرف الشراء إلى الاستنقاذ ، وثبوت الملك للمشتري بالتسلّط ، ففي لحوق أحكام البيع حينئذ نظر.

______________________________________________________

وعلى هذا فلا يعد هذا إبطالا للعتق ، لأنّ العتق إذا وقع صحيحا كيف يبطل ، وإنما هو ملك طارئ بسبب مستقل؟ وأيضا فإن القرابة إنما تمنع دوام الملك لا ابتداءه ، لإمكان ملك القريب ، ولو كان دوام القرابة يمنع ابتداء الملك لامتنع دخول القريب في الملك المقتضي لانعتاقه.

ويمكن أن يقال : لما كان القهر دائما امتنع حصول العتق ، لأنه وإن لم يكن موجبا لحصول ملك آخر ، فهو مانع من الخروج عن الملك ، فان تحقق امتناع الخروج عن الملك بملاحظته ، فما ذكره المصنف صحيح ، وإلا فلا.

قوله : ( والتحقيق صرف الشراء إلى الاستنقاذ ، وثبوت الملك للمشتري بالتسلّط ).

هذا التحقيق جيد ، لأنّ الوجهين لما تعارضا وتكافئا لم يمكن الحكم بأحدهما دون الآخر ، فلم يبق إلا أن يكون تملك المشتري بتسلطه على الحربي الذي هو المبيع ، فيكون البيع الواقع ظاهرا استنقاذا في نفس الأمر لا بيعا حقيقيا ، لأنّ الشرط ـ وهو تحقق ملك البائع ـ غير معلوم ، والاستنقاذ هو : بذل عوض عن يد شرعية في نفس الأمر ، وظاهرا ، أو غير شرعية ، وهو الاقتدار. واليد الشرعية في نفس الأمر كهذه ، وظاهرا كما في الحربي في نفس الأمر إذا استولى عليه ظاهرا.

قوله : ( ففي لحوق أحكام البيع حينئذ نظر ).

توجيه هذا النظر تفريعا على أنّ الشراء حينئذ استنقاذ غير ظاهر ، لأنه إذا لم يكن هناك بيع ، كيف تلحق أحكامه؟ وما ذكره أحد الشارحين من التوجيه بوجود عقد البيع ، وانه استنقاذ : غير جيد ، لأنه إن كان استنقاذا لم يكن بيعا.

وكذا ما بيّن به ولد المصنف من أنه كالبيع ، ومن انتفائه ، وهو ظاهر (١) ، والذي يختلج بخاطري أنّ هذا النظر من جانب المشتري لا وجه له‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٤٣٦.

١٣٣

المطلب الثاني : في الأحكام :

يجوز ابتياع بعض الحيوان بشرطين : الإشاعة ، وعلم النسبة ، فلو باعه يده أو رجله أو نصفه الذي فيه رأسه أو الآخر بطل ، ولو باعه شيئا منه أو جزءا أو نصيبا أو قسطا بطل.

______________________________________________________

أصلا ، لأنّ انتقال الملك اليه ليس بالعقد ، وما بذله لا يعد ثمنا.

أما من جانب البائع فلا يبعد ذلك ، لأنّ ما بيد الحربي إذا دخل بأمان محترم ، فلا يجوز انتزاعه بغير السبب المبيح له شرعا ، ويجب أن تترتب عليه أحكامه ، فيكون له خيار المجلس ، والرد بعيب الثمن ، ونحو ذلك ، وهو الذي يظهر من عبارة الدروس في كتاب العتق ، حيث قال : يكون استنقاذا لا شراء من جانب المشتري ، لكن جوّز له الرد بالعيب ، وأخذ الأرش (١) ، ولعله نظر الى أنه إنما بذل العوض عن اليد بناء على سلامته. وفي اقتضاء ذلك المطالبة بالأرش تردد ، لأنه عوض الجزء الفائت من المبيع ، ولا مبيع هنا. وجواز الرد مشكل أيضا ، بناء على الاستنقاذ ، لأنه إذا ملكه بالقهر والتسلط ، لم يكن له إبطال ملكه بدون حصول سبب شرعي.

قوله : ( فلو باعه يده ، أو رجله ، أو نصفه الذي فيه الرأس ، أو الآخر بطل ).

أي : أو النصف الآخر يعني : مقابل الذي فيه الرأس ، ووجه البطلان الجهالة ، فإنّ مقدار المبيع لا يعلم أين ينتهي. وعلل أيضا بعدم القدرة على التسليم ، فان كان منظورا فيه الى جهالة عين المبيع ، حيث أنّ أجزاءه غير متعينة فهو حق ، وإن نظر فيه الى غير ذلك انتقض بحال الإشاعة ، فإنّ تسليم المشاع أيضا غير مقدور.

إلا أن يقال : إذا باعه مشاعا فالإشاعة ملحوظة في البيع ، فتجب القدرة‌

__________________

(١) الدروس : ٢٠٩.

١٣٤

ويصح لو باعه نصفه أو ثلثه ، ويحمل مطلقه على الصحيح.

______________________________________________________

على التسليم بحسبها ، بخلاف ما إذا باعه معينا ، فإنه لا بد من القدرة على التسليم بحسب التعيين ، فتكون القدرة على التسليم معتبرا فيها حال المبيع على ما وقع عليه حالة البيع.

قوله : ( ويصح لو باعه نصفه أو ثلثه ).

مراده : إذا باعه ذلك على طريق الإشاعة ، وإلا لم يبق فرق بينه وبين قوله : ( ويحمل مطلقه على الصحيح ) ، وعبارة التذكرة (١) تنبيه على أنّ هذا هو المراد ، وصحة البيع حينئذ بالإجماع.

قوله : ( ويحمل مطلقه على الصحيح ).

أي : لو أطلق بيع النصف من الحيوان فهو وإن احتمل النصف معينا ، لكن الشائع والغالب هو بيعه مشاعا ، فيحمل مطلق النصف الواقع في العقد على النصف المشاع ، وعلله في التذكرة بأصالة صحة العقد (٢) ، وهو الذي يشعر به‌

قوله : ( على الصحيح ) ، فانّ لفظ المسلم يجب أن يصان عن الهذر.

ويرد عليه : أنّ مجرد أصالة صحة العقد لا يكفي في وجوب حمل اللفظ على المعنى الصحيح ، بل لا بد من دلالة اللفظ عليه ، إما بذاته أو بقرينة ، ليحكم بصحته.

وجوابه : انّ للفظ صلاحية الدلالة هاهنا ، وأقل المراتب أن تكون دلالته على كل من المعنيين مساوية للدلالة على الآخر ، فالقرينة : إرادته نقل الملك ، وصيانة كلام المسلم عن الهذر ، على أنّ الاستعمال في النصف الشائع أكثر.

فرع :

قوّى في التذكرة جواز بيع النصف معينا من الحيوان المذبوح ، معللا‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٩٨.

(٢) التذكرة ١ : ٤٩٨.

١٣٥

ولو استثنى البائع الرأس والجلد فالأقرب بطلان البيع ، والصحة في المذبوح.

______________________________________________________

بزوال المانع ، فإنّ القدرة على التسليم ثابتة هنا (١). ولقائل أن يقول : إنّ الجهالة ثابتة هنا ، وهي مفضية الى عدم القدرة على التسليم ، كما قدمناه.

قوله : ( ولو استثنى البائع الرأس والجلد ، فالأقرب بطلان البيع والصحة في المذبوح ).

أقوال الأصحاب هنا أربعة :

الأول : القول بالصحة مطلقا (٢).

الثاني : القول بالبطلان مطلقا للجهالة ، فان كلا منهما مجهول (٣).

الثالث : تفصيل المصنف ، وهو القول بالصحة في المذبوح ـ وألحق به في المختلف ما يقصد به الذبح (٤) ـ والبطلان فيما ليس كذلك (٥).

الرابع : تفصيل شيخنا الشهيد في الدروس بالصحة مطلقا ، لكن يكون فيما لا يقصد بالذبح شريكا بنسبة القيمة (٦).

وقال الشيخ في المبسوط (٧) والنهاية : يكون شريكا بنسبة القيمة (٨) ، فإن كان مراده على الإطلاق فهو قول خامس ، وهو الذي افتى به ابن سعيد في الشرائع (٩) ، وإن أراد فيما عدا المذبوح كان كقول الدروس.

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) ذهب اليه السيد في الانتصار : ٢١٢ ، وابن الجنيد كما في المختلف : ٣٨٤ ، وغيرهما.

(٣) لم نعثر على قائله ، وفي المفتاح ٤ : ٣٢٣ : « القول ببطلان البيع والشرط ، وقد نقله الفخر في الإيضاح ، وأبو العباس في المهذب. » ، ولم يذكروا اسم القائل.

(٤) المختلف : ٣٨٤.

(٥) كما ذهب اليه هنا في القواعد ، وكذا في التذكرة ١ : ٤٩٨.

(٦) الدروس : ٣٤٥.

(٧) المبسوط ٢ : ١١٦.

(٨) النهاية : ٤١٣ ، وفيه : وإذا باع الإنسان بعيرا أو بقرا أو غنما واستثنى الرأس والجلد كان شريكا للمبتاع بمقدار الرأس والجلد.

(٩) الشرائع ٢ : ٥٧.

١٣٦

ولو اشتركا في الشراء وشرط أحدهما الرأس والجلد لم يصحّ ، وكان له بقدر ماله.

______________________________________________________

لكن ظاهر العبارة الإطلاق ، وفي رواية السكوني (١) وهارون الغنوي (٢) ما يشهد لقول المبسوط والنهاية ، وأول الروايتين مشعر بأنّ الاستثناء كان في بعير يراد به الذبح ، والقول بالبطلان مطلقا متجه ، فانّ العمل بهما ينافي مقتضى القرآن ، فإنّ المأمور به هو الوفاء بالعقد ، وهو هنا ممتنع ، لما سبق.

فالعدول عما يقتضيه خروج عن الوفاء به ، ومصير الى البيع بغير عقد ، والتزام غير ما وقع التراضي عليه. ومتى حكمنا ببطلان الاستثناء ، لم يبق في اللفظ ما يدل على استثناء جزء مشاع بوجه من الوجوه.

تفريع :

لا يصح استثناء اللحم بالوزن ، للتفاوت بالاختلاط بالعظم قلة أو كثرة ، وكذا بالشحم ، إلا أن يعين مكانا لا يختلط بغيره فإنه يجوز ، كما اختاره ابن الجنيد (٣) ، وحسنه في المختلف (٤).

قوله : ( ولو اشتركا في الشراء ، وشرط أحدهما الرأس والجلد لم يصح ، وكان له بقدر ماله ).

لدلالة رواية هارون بن حمزة على ذلك (٥) ، ويشكل الحكم بما قدمناه ، ويعارض ظاهر الرواية بمقتضى القرآن (٦) ، وبأنّ العقود بالقصود. ويرد على المصنف أنّ البطلان الذي افتى به في مسألة استثناء البائع آت هنا ، ودليل الصحة مشترك بين المسألتين ، لأنّ الروايتين المذكورتين وردتا بالصحة فيهما.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٠٤ حديث ١.

(٢) الكافي ٥ : ٢٩٣ حديث ٤ ، التهذيب ٧ : ٧٩ حديث ٣٤١.

(٣) نقله عنه في المختلف : ٣٨٤.

(٤) المصدر السابق.

(٥) هي رواية هارون الغنوي السابقة.

(٦) المائدة : ١.

١٣٧

ولو قال له : الربح بيننا ولا خسران عليك ، فالأقرب بطلان الشرط.

ولو وطأها أحدهما لشبهة فلا حدّ ، وبدونها يسقط بقدر نصيبه خاصّة ، فإن حملت قومت عليه حصة الشريك ، وانعقد الولد حرا ، وعلى أبيه قيمة حصة الشريك منه يوم الولادة ، ولا تقوّم بنفس الوطء على رأي.

______________________________________________________

ولا جواب له إلا بأحد أمرين : إما أن يكون الحكم في مسألة الشريك مجمعا عليه ، فيعمل بالإجماع في موضعه ، أو أنّ رواية هارون صحيحة بخلاف رواية السكوني ، والذي يقتضيه النظر البطلان مطلقا ان لم يلزم في ذلك مخالفة الإجماع.

قوله : ( ولو قال : الربح بيننا ولا خسران عليك ، فالأقرب بطلان الشرط ).

الأصح بطلانه وبطلان العقد ، لأنه خلاف مقتضى الشركة ، وخلاف مقتضى أصول المذهب ، لأنّ نماء ملك الشخص إنما يكون له.

قوله : ( وبدونها يسقط بقدر نصيبه خاصة ).

الظاهر أنه لا فرق بين كونه محصنا وبكرا ، فان الحد إنما يتبعض إذا كان جلدا ، وفي رواية : يدرأ عنه من الحد بقدر ماله فيها من النقد ، ويضرب بقدر ما ليس له (١).

قوله : ( فان حملت قومت عليه حصة الشريك ).

ظاهره ثبوت هذا الحكم وإن كان عالما بالتحريم ، وربما أشكل من جهة أنه زان على ذلك التقدير ، فكيف يلحقه الولد؟ ويجاب بأنّ له فيها حقا ، فباعتباره يخرج عن كونه زانيا ، ولا يتبعض النسب ولا أمومة الولد ، وللرواية.

والمعتبر في التقويم قيمتها السوقية وإن زادت عن الثمن ، والرواية بلزوم‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢١٧ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٧٢ حديث ٣٠٩.

١٣٨

ويتخير المشتري إذا تجدد العيب في الحيوان بعد العقد ، وقبل القبض في الفسخ ، والإمساك مجانا ، وبالأرش على رأي.

ولو تلف بعد قبضه في الثلاثة فمن البائع ، إن لم يحدث فيه المشتري حدثا.

ولو تجدّد فيه عيب من غير جهة المشتري ، فان كان في الثلاثة تخير كالأول ، وفي الأرش نظر.

ولا يمنع من الردّ بالعيب السابق ، فلو كان بعدها ، أو أحدث المشتري فيه حدثا منع من الرد بالعيب السابق.

والحمل حال البيع للبائع على رأي ، إلاّ أن يشترطه المشتري ،

______________________________________________________

الأكثر (١) متأولة بالحمل على ما إذا نقصت القيمة بالوطء.

قوله : ( وبالأرش على رأي ).

هذا هو الأصح ، لأنّ جميعه مضمون حينئذ فكذا أبعاضه ، لمقابلتها بأبعاض الثمن.

قوله : ( وفي الأرش نظر ).

هو كما سبق في الفتوى.

قوله : ( ولو كان بعدها ، أو أحدث المشتري فيه حدثا ، منع من الرد بالعيب السابق ).

لا من الأرش.

قوله : ( والحمل حال البيع للبائع على رأي ، إلا أن يشترطه المشتري ).

هذا هو الأصح ، وقيل : للمشتري ، ولا يصح استثناؤه للبائع (٢) ، وقيل :

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) قاله الشيخ في المبسوط ٢ : ١٥٦.

١٣٩

فيثبت له معه ، فان سقط قبل قبضه أو في الثلاثة من غير فعله قوّمت في الحالين ، وأخذ من الثمن بنسبة التفاوت.

______________________________________________________

له ، ويصح استثناؤه (١) ، وكلاهما ضعيف.

قوله : ( فان سقط قبل قبضه ، أو في الثلاثة من غير فعله ، قوّمت في الحالين ، وأخذ من الثمن بنسبة التفاوت ).

أي : قومت في حال كونها حاملا ، ومجهضا ، وينسب التفاوت الى قيمتها حاملا ، ويؤخذ من الثمن بهذه النسبة ، وفي حواشي شيخنا الشهيد ما حاصله : أنّ هذا ليس على إطلاقه ، وإنما تمّ : إما على رأي المصنف من أنّ الحمل لا يدخل الا بالشرط فيكون خارجا عن المبيع ، أو على القول : بأنّ العيب الحادث في جملة ليس لأجزائها قسط من الثمن يوجب الأرش.

وما ذكره من أنّ عبارة المصنف لا تجري على إطلاقها صحيح ، فإنّ عبارة المصنف وإن لم يكن فيها دلالة على أنّ الحمل كان داخلا في المبيع ، ليتعرض الى قيمته ، بان يعتبر تقويمها حاملا مع الحمل ، لكنها مطلقة فيجب تنقيحها ، بان الحمل إن اشترط فلا بد من إدخاله في التقويم ، وإن لم يشترط قوّمت هي خاصة حاملا ، إلا أنّ في عبارته مناقشتين :

إحداهما : أن قوله : إنّ هذا يتمشى على رأي المصنف ، غير جيد ، لأنّ المصنف يرى دخول الحمل مع الشرط ، فمقالته لا تقتضي عدم دخوله مطلقا ، بل في بعض الأحوال ، فلا بد حينئذ من التقييد ، ومع ذلك فلو كانت مقالته تقتضي هذا لوجب إجراء كلامه على إطلاقه ، بناء على مذهبه ، فلا يستقيم ما ذكره ، وحقه أن يقول : هذه العبارة مطلقة ، ويجب تقييدها بما إذا كان الحمل غير داخل في البيع.

الثانية : قول : أن هذا يتمشى على القول بان العيب الحادث في جملة ليس لاجزائها قسط من الثمن الى آخره ، غير مستقيم ، فان الثمن إذا قوبل بالمبيع كان‌

__________________

(١) ذهب اليه ابن حمزة في الوسيلة : ٢٨٥.

١٤٠