إرشاد العقول إلى مباحث الأصول - ج ٤

الشيخ جعفر السبحاني

إرشاد العقول إلى مباحث الأصول - ج ٤

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-128-1
الصفحات: ٥٦٤

الحالة السابقة موهومة وخلافها مظنونة ، وأمّا إذا أُريد به مطلق التردد وخلاف اليقين فيعمّ جميع الأحوال إلاّ إذا كان هناك يقين على الخلاف.

وقد استدل الشيخ في الفرائد (١) على انّ المراد هو الوجه الثاني ، لوجوه ثلاثة أوضحها هو الوجه الثاني ، أعني : الرجوع إلى روايات الباب واستظهار المراد بها ، حيث إنّ فقرات الصحاح الدالّة على المقصود وهي كالتالي :

١. قوله عليه‌السلام : قال : « حرك في جنبه شيء وهو لايعلم ... » ، فانّ ظاهره فرض السؤال بما كان معه أمارة النوم.

٢. قوله عليه‌السلام : « لا حتى يستيقن » حيث جعل غاية وجوب الوضوء ، الاستيقان بالنوم ومجيء أمر بيّن منه.

٣. قوله عليه‌السلام : « ولكن تنقضه بيقين آخر » فانّ الظاهر سوقه في مقام بيان حصر ناقض اليقين في اليقين.

٤. قوله عليه‌السلام : في الصحيحة الثانية لزرارة : « فلعلّه شيء أوقع عليك وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ » فانّ كلمة « لعل » ظاهرة في مجرد الاحتمال مع وروده في مقام إبداء ذلك ، كما في المقام فيكون الحكم متفرعاً عليه.

٥. قوله عليه‌السلام في مكاتبة القاساني حيث فرّع قوله : « صم للرؤية وأفطر للرؤية » على قوله « اليقين لايدخل فيه الشك » والمراد عدم كفاية الظن بدخول رمضان أو شوال.

وهناك وجه آخر قد سبق منّا عند البحث في روايات الباب وهو أنّ المراد من اليقين ، ليس هو اليقين المنطقي ، أعني : الاعتقاد الجازم المطابق للواقع ، بل

__________________

١. الفرائد : ٣٩٨.

٢٦١

المراد هو الحجّة الشرعية ، وبذلك يعلم معنى الشكّ لأجل التقابل فيكون معنى قوله : « لاتنقض اليقين بالشك » ، لاتنقض الحجّة باللا حجة ، ويكون الملاك عدم وجود الحجّة ، من دون نظر إلى كون بقاء المتيقّن ، راجحاً أو مرجوحاً أو متساوياً.

والظن على خلاف المسألة السابقة إذا لم يقم دليل على حجّيته ، يدخل تحت قوله « باللا حجة » سواء قام الدليل على عدم حجّيته كالقياس والاستحسان ، أو شك في حجّيته ، فإنّ الشكّ في الحجّية كاف في الحكم بعدم الحجّية على ما مرّ فيكون الجميع داخلاً في قوله : « بالشك » أي اللا حجة ، فلاينقض بها اليقين.

ثمّ إنّ الشيخ استدل بوجهين آخرين :

الأوّل : الإجماع القطعي على تقدير اعتبار الاستصحاب من باب الاخبار.

يلاحظ عليه : انّ هذا النوع من الإجماع المحصَّل ، ليس بحجة ، لاحتمال اعتماد المجمعين على الدليل الماضي.

الثاني : انّ الظنّ المخالف للحالة السابقة إمّا أن يكون من الظنون المنهية كالقياس فمعناه انّ وجوده كعدمه ، أو يكون من المشكوكة حجّيتها ، فرفع اليد عن الحالة السابقة بهذا النوع من الظن ، من مقولة نقض اليقين بالشكّ. (١)

وأورد عليه في الكفاية : بأنّ مرجع عدم اعتباره لأجل الغاية ، أو لعدم الدليل على اعتباره إلى عدم إثبات مظنونه به تعبّداً ، لا ترتيب آثار الشكّ عليه مع عدمه. (٢)

__________________

١. الفرائد : ٣٩٨.

٢. كفاية الأُصول : ٢ / ٣٤٥.

٢٦٢

توضيحه : انّه لو غُضّ النظر عمّا أقمنا من الدليل على أنّ المراد من الشكّ ، هو خلاف اليقين ، وصرنا إلى انّ المراد به هو حالة تساوي النقيضين ، بكون الظنون غير المعتبرة هادماً لهذه الحالة فهي وإن لم تكن حجّة مثبتة لمظنونه ، لكنّها تصلح تكويناً لرفع موضوع الاستصحاب ، أعني حالة التساوي بين الأمرين ، فكونها هادمة لا يلازم حجّيتها واستعدادها لا ثبات متعلّقه.

والحقّ أن الباحث لغني بما ذكر من تفسير اليقين والشكّ عن ذينك الدليلين ، فتدبّر.

٢٦٣

خاتمة

في شرائط جريان الاستصحاب

أو العمل به

ذُكر للاستصحاب شروط وصفها بعضهم بشروط العمل به ، وجعلها الشيخ شروطاً لجريانه ، والفرق بينهما واضح ، حيث إنّها على القول الثاني شرائط تحقّقه ولولاها لايكون هناك موضوع للاستصحاب ، بخلافه على الأوّل فالاستصحاب بدونها متحقق غير انّه لا يعمل به.

ولكن الحقّ انّ أكثرها من شروط جريانه كوحدة الموضوع ، واتحاد متعلّقي اليقين والشكّ ، وبقاء اليقين في طرف الشكّ ، وبعضها كعدم أصل معارض من قبيل شروط العمل ، وسيتضح حال الجميع في البحوث التالية :

الشرط الأوّل : بقاء الموضوع أو وحدة القضيّتين

وقد عُبِّر عن هذا الشرط تارة ببقاء الموضوع ، وأُريد به معروض المستصحب ، وأُخرى باتحاد القضية المشكوكة مع المتيقّنة.

نقول إنّ هنا مقامات ثلاثة :

١. هل الشرط بقاء الموضوع أو وحدة القضيتين؟

٢. ما هو الدليل على هذا الشرط؟

٢٦٤

٣. ما هو الملاك لوجود هذا الشرط وعدمه؟

وإليك الكلام فيها :

المقام الأوّل : هل الشرط بقاء الموضوع أو وحدة القضّيتين؟

ذهب الشيخ الأعظم إلى أنّ الشرط هو بقاء الموضوع ، والمراد به موضوع المستصحب ، فاستصحاب وجود زيد ، أو قيامه رهن تحقّق الموضوع ( زيد ) في الزمن اللاحق على النحو الذي كان معروضاً في السابق سواء أكان تحقّقه في السابق بتقرره ذهناً أو لوجوده خارجاً ، فزيد بوصف تقرره ذهناً معروض للوجود ، وبوجوده خارجاً معروض للقيام. (١)

وبعبارة أُخرى : المستصحب لو كان مفاد كان التامة ( أي وجود زيد ) فالموضوع هو ماهيته التي عرضها الوجود ، والتي يصلح لأن يحكم عليها بالوجود والعدم ، ولو كان هو مفاد كان الناقصة كحياته فالموضوع هو وجوده الخارجي التي يصلح لأن يحكم عليه بالحياة تارة والموت أُخرى.

يلاحظ عليه : أوّلاً : أنّ اللائح من عبارته انّ المستصحب هو المحمول دون مجموع القضية وهو غير تام ، لأنّ المفروض انّ المستصحب هو الذي يتعلّق به اليقين في السابق ، وهو لايتعلّق بالمفرد ، أعني : نفس المحمول أو النسبة التصوّرية ، وإنّما يتعلّق بمفاد القضية ومفهومها ، سواء أكانت مصاغة على نحو مفاد كان التامة نحو كان زيد موجود أو مفاد كان الناقصة نحو كان زيد قائماً ، فلابدّ أن يكون المستصحب نفس القضية ، لامحمولها ولا النسبة التصوّرية فيها.

وثانياً : انّ اشتراط بقاء الموضوع إنّما يصحّ في الوجود الرابط أي مفاد كان

__________________

١. الفرائد : ٣٩٩.

٢٦٥

الناقصة كاستصحاب حياة زيد وعدالته القائمتين بوجوده الخارجي ، لا في الوجود المحمولي ومفاد كان التامة كوجود زيد ، فإذا كان المستصحب هو وجود زيد ، فما هو الموضوع وراءه وليس هنا وراء المستصحب شيء؟! ولذلك التجأ الشيخ إلى تصوير موضوع لوجوده باسم الماهية والتقرر الذهني ، ومن المعلوم انّه فكر فلسفي غير مطروح في الخطابات العرفية.

وبذلك يعلم أنّ اشتراط وحدة الموضوع إمّا هو غير جامع كما في الوجود المحمولي ، أو أمر مستدرك كما في الوجود الرابط حيث يغني عنه اشتراط وحدة القضيتين ، بخلاف الثانية فانّها تعمّ كلا النحوين من الوجود ، فالاولى التعبير عن هذا الشرط بوحدة القضيتين.

المقام الثاني : ما هو الدليل على هذا الشرط؟

استدل الشيخ على اعتبار هذا الشرط بأنّ نسبة المستصحب إلى الموضوع نسبة العرض إلى موضوعه ، فإذا لم يكن الموضوع باقياً وأُريد إبقاء المستصحب فله حالتان :

الأُولى : أن يبقى العرض بلا موضوع ومحل ، وهو محال.

الثانية : أن يبقى في موضوع غير الموضوع السابق ، فيرد عليه أمران :

١. انّ هذا ليس إبقاء لنفس العارض ، وانّما هو حكم بحدوث عارض مثله في موضوع جديد ، والحكم بعدم ثبوته لهذا الموضوع الجديد ، ليس نقضاً للمتيقّن السابق.

٢. انّه يستلزم انتقال العرض الذي هو محال لاستلزامه كون العرض بلا

٢٦٦

موضوع في حالة الانتقال.

يرد عليه أوّلاً : إنّما ذكره من قبيل إسراء حكم الحقائق إلى الأُمور الاعتبارية ، فلو أُريد إثبات وجود العرض تكويناً فهو لامحالة رهن تحقّق الموضوع وإلاّ يلزم أحد الأمرين : إمّا بقاء العرض بلا موضوع ، أو بقاءه في موضوع آخر ، وكلاهما باطلان ، وأمّا إذا أُريد به التعبّد ببقاء العرض حتى يترتب عليه الأثر الشرعي فهو رهن عدم العلم بارتفاع الموضوع إذ العلم به يلازم حدوث اليقين بارتفاع المتيقّن ولايتوقف على إحراز وجود الموضوع.

ثانياً : إذا كان المستصحب أمراً وجودياً فهو رهن وجود الموضوع ، دون ما إذا كان عدمياً كما في السلب التحصيلي : إذا قلت : ليس زيد قائماً ، فانّ عدم القيام يصدق تارة مع وجود الموضوع ، وأُخرى مع عدمه فاستصحاب مثله لايتوقّف على الموضوع ، نعم يتوقّف على وحدة القضيتين.

فالأولى الاستدلال عليه بما يلي :

إنّ صدق الشك في البقاء ، وكون رفع اليد نقضاً لليقين السابق فرع وحدة القضيتن ، فلو كان هناك تغاير في الموضوع كما إذا تعلّق اليقين بعدالة زيد وشك في عدالة عمرو ، أو في المحمول كما إذا تعلّق اليقين بعدالة زيد والشكّ باجتهاده فلايعد مثل هذا الشكّ ، شكاً في البقاء ، ولارفع اليد ، نقضاً لليقين السابق ، فانّ صدق الأمرين اللّذين يعدان ركنين للاستصحاب رهن وحدة القضيتين موضوعاً ومحمولاً ونسبة ، كما لايخفى.

المقام الثالث : ما هو الملاك لوحدة القضيتين؟

إذا كان الشرط لجريان الاستصحاب هو وحدة القضيتين موضوعاً ومحمولاً

٢٦٧

ونسبة ، أو كان الشرط بقاء الموضوع ، فما هو الملاك لتميّز وحدتهما عن كثرتهما؟ هاهنا احتمالات :

أ : الملاك قضاء العقل بأحد الأمرين

ربما يحتمل أنّ الملاك هو قضاء العقل بوحدة القضيتين أو كثرتهما ، ومن المعلوم أنّ قيود القضايا وشروطها ترجع عند العقل إلى الموضوع وتشكِّل برمتها موضوعاً واحداً ، فلو قال : إذا جاء زيد وسلَّم عليك وأكرمك ، فاطعمه ، فالموضوع في لسان الدليل وإن كان هو زيد ولكنّه عند العقل هو المركب منه ومن سائر القيود ، كأنّه قال : زيد الجائي غداً المُسلِم المُكرم ، يُطعَم. ولذلك يقول الحكماء : « الجهات التعليلية عند العقل جهات تقييدية » ، فلو كان أكرم زيداً لعلمه ، فالموضوع زيد العالم لازيد فقط.

فلو صحّ ذلك الاحتمال وكان المرجع هو العقل فهو قاض دقيق الملاحظة يجعل كلّ القيود جزء الموضوع ، وعندئذ يمتنع جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية الكلية ، لأنّ الشكّ في بقاء الحكم الكلي نابع عن اختلال قيد من قيود الحكم ، فلو كانت القيود محفوظة لما تسرّب الشك.

مثلاً : الشك في بقاء نجاسة الماء المتغيّر إذا زال تغيّره نابع عن زوال التغيّر بنفسه ، فهو عند العقل قيد لموضوع الحكم ، ومع زواله يكون الموضوع في الآن اللاحق مختلفاً كما تكون القضيتان متعدّدتين فلايصدق الشك في البقاء ، ولايعد رفع اليد نقضاً لليقين السابق ، فيختصّ جريانه بالشبهات الموضوعية كاستصحاب حياته.

فإن قلت : على هذا الاحتمال يختص عدم الجريان بالشبهات الحكمية إذا

٢٦٨

كان الشك فيها ، شكاً في المقتضي كالمثال السابق ، وأمّا إذا كان الشك في الرافع ذاتاً أو وصفاً فلايمنع عن جريانه كما أفاده الشيخ الأعظم في فرائده. (١)

قلت : بل لايجري في الشكّ في الرافع بكلا قسميه أيضاً ، لأنّ الموضوع في قوله « المتوضئ متطهر » عند العقل هو المتوضئ الذي لم يصدر منه الحدث يقيناً ، وهذا النوع من العلم الذي هو قيد للموضوع مرتفع في الآن اللاحق لكونه شاكاً في صدور الحدث وجوداً أو وصفاً ، كما إذا تردّد البلل بين كونه بولاً أو مذيّاً.

فتبين انّه لو كان الملاك هو قضاء العقل بالوحدة والكثرة فلايجري في الشبهات الحكمية وإنّما تجري في الشبهات الموضوعية فقط ، كما مثّلناه.

هذا هو عصارة الوجه الأوّل ، ولكنّه غير صحيح بالمرة. لأنّ العقل هو المرجع الوحيد في أحكامه ، فهو الحاكم الذي يعيِّن موضوع حكمه وحدوده وسائر خصوصياته ، كقولنا العدل حسن والظلم قبيح.

وأمّا الأحكام الشرعية الواردة في الكتاب والسنة فالمخاطب فيها هو العقل الحاكم في العرف لا الحاكم في الفلسفة : النظرية والعملية.

وهذا ليس بمعنى الازدراء بالعقل الفلسفي ، بل مع ما نكنّ له من التبجيل والتكريم فله مجال واسع في باب المعارف والعقائد ، لا الخطابات العرفية التي صدرت لإفهام عامة الناس.

ب : الملاك هو لسان الدليل

إنّ الملاك لإحراز الوحدة أو الكثرة هو ملاحظة لسان الدليل ، مثلاً إذا قال : الماء المتغيّر نجس ، فإذا زال تغيّره يرتفع موضوع الدليل ، بخلاف ما إذا

__________________

١. الفرائد : ٤٠١ ، ط رحمة الله.

٢٦٩

قال : الماء نجس إذا تغيّر ، فزوال التغيّر لايثبت زوال الموضوع ، لأنّه في لسان الدليل هو الماء والمفروض بقاؤه.

يلاحظ عليه : أوّلاً : أنّ الاعتماد على لسان الدليل الوارد في مجال الأحكام والأخلاق أمر من الصعوبة بمكان ، وذلك لأنّ الرواة لم يلتزموا بنقل ما سمعوه من الإمام بحذافيره وكيفيته ، بل كان اهتمامهم منصباً على أداء المفاهيم التي تلقّوها من الإمام سواء أوافقت لفظ الإمام كماً وكيفاً أو لا ، ولذلك لما سأل محمد بن مسلم أبا عبد الله عليه‌السلام عن نقل الحديث بالمعنى ، فقال : « إن كنت تريد معانيه فلا بأس ». (١)

نعم كان الرواة ملتزمين بنقل الخطب والأدعية بنصوصها ، لأنّ روعتها تكمن في ألفاظها الناصعة وتراكيبها الخلاّبة ، وهذا بخلاف ماله صلة بالأحكام والأخلاق ، ولأجل ذلك لايمكن الاعتماد كلياً على لسان الدليل.

وثانياً : أنّ هذا الاحتمال إنّما يتميّز عن الاحتمال الثالث إذا كان المراد الجمود على ظاهر اللفظ من دون ملاحظة المناسبات بين الموضوع والحكم الموجودة في أذهان العرف ، وأمّا مع هذه الملاحظة فهو يرجع إلى الاحتمال الثالث الذي سنذكره.

ج : المرجع فهم العرف من الدليل

المرجع هو الدليل الاجتهادي المتكفّل للحكم الأوّلي الكلّي ، لكن حسب ما يفهم العرف منه ، فسواء أورد ، قوله : الماء المتغيّر نجس ، أم ورد قوله : الماء ينجس إذا تغيّر.

__________________

١. بحار الأنوار : ٢ / ١٦٤.

٢٧٠

فإن استظهر العرف حسب المناسبات المغروسة في ذهنه انّ الموضوع هو الماء ، والتغيّر علة لعروض النجاسة عليه ، ويكفي في السببية وجوده آناً ما ، يكون المورد صالحاً للاستصحاب ، أخذاً بوحدة القضيتين.

وإن استظهر كون الموضوع هو الماء المقيّد بالتغيّر ، فلايكون صالحاً له ، وعلى ضوء ذلك فليس ظاهر الدليل مقياساً للوحدة وخلافها ، بل ما يفهمه العرف منه حسب ارتكازه.

وعلى ذلك تستطيع أن تميّز بقاء الموضوع وعدم بقائه في الأمثلة التالية :

١. إذا صار الخشب النجس رماداً.

٢. إذا صار الخمر خلاً.

٣. إذا باع الفرس فبان بغلاً.

٤. إذا باع الفرس الأصيل فبان غير أصيل.

فالعرف يتلقّى الأمثلة الثلاثة الأوّلية انّه من قبيل انتفاء الموضوع واختلاف القضيتين ، لأنّ الصورة الجسمية وإن كانت مشتركة لكن المهم هو الصورة النوعية ، وأين هي في الرماد والخل والبغل؟ ولكن العقل يقضي في المثال الرابع بخلاف ذلك فيرى الصورة النوعية محفوظة وإنّما الاختلاف في الشرط ، وهو كونه أصيلاً.

ثمّ إنّ المحقّق الخراساني صحّح استصحاب الأحكام الكلية ، من عنوان إلى عنوان آخر ، وقال : إذا ورد : العنب إذا غلى يحرم ، كان الموضوع هو خصوص العنب ، لكن العرف حسب مرتكزاته وما يتخيل من المناسبات بين الحكم والموضوع يتلقّى الموضوع للحرمة ما يعم الزبيب ، ويرى العنبية والزبيبية من حالات الموضوع المتبادلة ، بحيث لو لم يكن الزبيب محكوماً بحكم العنب كان من قبيل ارتفاع الحكم بموضوعه.

٢٧١

أقول : ما ذكره من المناسبات والارتكازات صحيح ، لكن ظرف اعمالها إنّما هوبعد عروض الحكم على العنب الخارجي وحكم عليه بأنّه إذا غلى يحرم ، فعندئذ يشير إليه ويقول :

هذا ما إذا غلى يحرم ، والأصل بقاؤه على ما كانت على النحو الذي أوضحناه عند البحث في استصحاب الأحكام التعليقية.

وأمّا اعمال المناسبات قبل تطبيق الحكم على الخارج فممّا لايقبله فهم العرف ، إذ كيف يتحد مفهوم العنب مع مفهوم الزبيب. فانّهما مفهومان متغايران لايكون واحد منهما نفس الآخر؟

والحاصل : انّه لا شكّ أنّ العرف يتلقّى الموضوع أعمّ من العنب والزبيب ، لكن لا في مجال الأحكام الكلية ، فانّ العناوين الكلية مثار الكثرة ، بل يتلقّى بعد تطبيقه على الخارج على وجه تدعوه المناسبات إلى الغاء الخصوصيات ، ومن تلك المناسبات هي أنّ الحامل للحكم هو الصورة النوعية المحفوظة في العنب والزبيب ، وإنّما اختلفا في الرطوبة والجفاف ، نظير ما قلناه في الماء المتغيّر.

ثمّ إنّ المحقّق الخراساني أسقط الشرط الثاني والثالث لجريان الاستصحاب واكتفى بذكر الشرط الرابع ، كما أنّ الشيخ الأعظم أسقط الشرط الثاني فقط ، ونحن نذكرمجموع الشروط الثلاثة الباقية لجريان الاستصحاب.

الشرط الثاني : وحدة متعلّق الشك واليقين

يفترق الاستصحاب عن قاعدة المقتضي والمانع بوحدة متعلّق اليقين والشكّ في الاستصحاب ، فالرجل يكون على يقين من وضوئه فيشكّ في نفس الوضوء بقاءً كما هو المتبادر من قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : « فانّه على يقين من

٢٧٢

وضوئه ولاتنقض اليقين أبداً بالشك » أي بالشك فيما تعلّق به اليقين.

بخلاف قاعدة المقتضي والمانع التي ابتكرها المحقّق الشيخ محمد هادي الطهراني قدس‌سره ، فانّ متعلّق اليقين فيها ، غير متعلّق الشكّ ، فالأوّل يتعلّق بالسبب الذي يُعبِّر عنه بالمقتضي ، والثاني بالمانع عن تأثيره ، كما إذا صبّ الماء على البشرة ويعد صبّ الماء سبباً لغسلها ، لولا المانع ، وتعلّق الشك بوجود المانع فيها ، فالقائل بحجية هذه القاعدة يقول المقتضي محرز بالوجدان وعدم المانع بالأصل فيثبت غَسْل البشرة.

ونظيره إذا رمى إنساناً بالسهم ، على وجه لولا المانع لقتله ، فاليقين تعلّق بالسبب وهو الرمي ، والشكّ بالمانع ، فيقال المقتضي محرز بالوجدان وعدم المانع بالأصل فيثبت كونه مقتولاً.

وعلى كلّ تقدير سواء أقلنا بحجية تلك القاعدة أم لا ، فلا صلة لها بالاستصحاب لوحدة المتعلّقين فيه وتغايرهما في القاعدة ، وقد اهمل الشيخ الأعظم هذا الشرط ، ووجهه واضح ، لأنّ القاعدة من إبداعات تلميذه الطهراني ولم يكن منها أي أثر في عصره. وأمّا المحقّق الخراساني فقد أهمله في المقام ، لكنّه طرحه في تعليقته على الفرائد وأدّى حقّ المقال. (١)

__________________

١. درر الفوائد في شرح الفرائد : ١٩٥ ، ط عام ١٣١٨ هـ. وأقصى ما عنده من الدليل على تطبيق روايات الاستصحاب على قاعدة المقتضي والمانع ، جعل غاية عدم الوضوء في الصحيحة الأُولى ، الاستيقان بالنوم الّذي يكون رافعاً له.

يلاحظ عليه أوّلاً : أنّه من خصوصيات المورد ، وهو لايلازم كونها بصدد جعل القاعدة.

وثانياً : أنّ نفي إيجاب الوضوء مع الشكّ في النوم إنّما هو لتحقيق الشكّ في الوضوء وارتفاعه الّذي يكون صغرى لقوله : « لاتنقض ».

وثالثاً : أنّ الظاهر وحدة متعلّق اليقين والشكّ : لاتنقض اليقين بشيء بالشك فيه لا بالشك في رافعه. لاحظ درر الفوائد.

٢٧٣

الشرط الثالث : بقاء اليقين في ظرف الشك

وهذا الشرط أهمله المحقّق الخراساني وذكره الشيخ بتفصيل ، وخلاصة القول فيه : إنّ الاستصحاب يعتبر فيه أمران :

الأوّل : أن يكون الشكّ في البقاء دون الحدوث ، كما إذا تعلّق اليقين بعدالة زيد يوم الجمعة ، وتعلّق الشك بعدالته يوم السبت ، فالشك في جميع الأحوال متعلّق بالبقاء دون الحدوث.

الثاني : أن يكون اليقين بالحدوث محفوظاً في ظرف الشك في البقاء فهو في وقت واحد يكون مذعناً بعدالة زيد يوم الجمعة ، شاكاً في عدالته يوم السبت.

وبذلك يظهر الفرق بينه وبين القاعدة ، حيث إنّ اليقين فيه يتعلّق بالبقاء ، وفي القاعدة بنفس الحدوث ، كما أنّ اليقين يكون محفوظاً فيه حالة الشك ، بخلافه فيها فانّه يكون زائلاً في ذلك الظرف مثاله : إذا أذعن بعدالة زيد يوم الجمعة ، ثمّ سرى الشكّ إلى نفس اليقين فتردد في عدالته في نفس ذلك اليوم ، وانّه هل كان علمه مطابقاً للواقع أو كان جهلاً مركباً ، فشكّ في أصل العدالة ، وبالتالي ، زال اليقين بها في ظرف الشك لامتناع اجتماعها مع وحدة متعلّقهما عقلاً.

هذا هو حال الاستصحاب والقاعدة والفارق بينهما ، إذا عرفت هذا فاعلم أنّه يقع الكلام في مقامين :

١. إمكان الجمع بينهما ثبوتاً في اللحاظ

لا شكّ انّ عامّة ما ورد من الروايات ناظر إلى الاستصحاب بشهادة موردهما ، غير ما ورد في حديث الأربعمائة المروي عن علي عليه‌السلام أعني قوله : « من

٢٧٤

كان على يقين ثمّ شكّ فليمض على يقينه » فهل هو ناظر إلى الاستصحاب أو قاعدة اليقين أو إلى كليهما؟ فاستفادة حجّية كلا الأمرين فرع إمكان الجمع بينهما ثبوتاً ، ولذلك عقدنا بحثاً خاصاً لذلك تبعاً للشيخ الأعظم فقد ذهب الشيخ وغيره إلى امتناع الجمع بينهما لحاظاً ، وذكروا هناك وجوهاً نشير إلى بعضها :

الأوّل : انّ المضيّ في الاستصحاب عبارة عن الحكم ببقاء المتيقّن سابقاً من غير تعرّض لحال حدوثه ، والمضي في القاعدة هو الحكم بحدوث ما تيقّن من غير تعرّض للبقاء ، فلاتصح إرادة المعنيين من قوله : « من كان على يقين فشكّ فليمض على يقينه » لتغاير معنى المضيّ فيهما.

يلاحظ عليه : أنّه إنّما يلزم ذلك لو استعمل لفظ المضيّ في كلا المعنيين أي المضي حدوثاً والمضي بقاء ، دونما إذا استعمل في الجامع وهو عدم التوقف لأجل الشكّ وفرضه كالعدم ، غير انّه يختلف باختلاف متعلّقه ، فلو تعلّق الشكّ بالبقاء يكون معناه الحكم بالبقاء ، ولو تعلّق بالحدوث يكون معناه الحكم به.

الثاني : ما ذكره أيضاً وحاصله : انّ شمول الحديث للاستصحاب والقاعدة متفرّع على تعدّد اليقين حتى يشمله شمولَ القضية الحقيقية لافرادها المختلفة ، ولكن اليقين واحد ، لوحدة متعلّقه وهو العدالة ، وليس هنا يقينان مختلفان حتى يعمّ الحديثُ عموم القضية ، لافرادها.

نعم يختلف اليقين في الاستصحاب عن اليقين في القاعدة بالعوارض المتأخرة عنه وهو أخذ الزمان قيداً في القاعدة وظرفاً في الاستصحاب ، وليس اليقين بتحقق مطلق العدالة يوم الجمعة واليقين بعدالته المقيّدة بيوم الجمعة فردين من اليقين ، داخلين تحت عموم الخبر ، ضرورة انّ الطوارئ المتأخرة عن اليقين لاتوجب تعدّد اليقين مع وحدة المتعلّق.

٢٧٥

يلاحظ عليه : انّ تعدّد اليقين كما يمكن بتعدّد المتعلّق ، كما إذا أيقن بعدالة زيد ، وفسق عمرو ، كذلك يمكن تعدّده فيه باختلاف المحلِّ القائم به وإن كان المتعلّق واحداً كما إذا تعلّق يقين زيد على عدالة شخص مقيّدة بيوم الجمعة ، ثمّ شكّ في حدوثها ، وتعلّق يقين عمرو على عدالته المطلقة يوم الجمعة وشكّ في بقائها ، فلا شكّ انّ هنا فردين من اليقين فيعمّهما قوله « من كان على يقين » عمومَ القضايا الحقيقية لافرادها.

الثالث : ما ذكره شيخ مشايخنا العلاّمة الحائري قدس‌سره ونقله المحقّق الخوئي عن أُستاذه النائيني ( قدّس سرّهما ) ، ولعلّ العلمين تلقياه عن شيخهما السيد الفشاركي ـ قدّس اللّه أسرارهم ـ وحاصله : انّ الزمان إمّا يلاحظ قيداً للمتيقّن ، أو يلاحظ ظرفاً له ، وإمّا أن يُهمل رأساً ، فعلى الأوّل ينطبق على القاعدة ، لأنّ الشكّ في الحدوث ، والبقاء لايكون ملحوظاً ، وعلى الأخيرين ينطبق على الاستصحاب ، لأنّ الزمان ملغى فيه وإلاّ لم يصدق النقض ولا اتحدت القضيتان.

يلاحظ عليه : أنّ الاستدلال مبني على أمرين :

الأوّل : انّ اليقين بمعنى المتيقّن ، فيدور كون الزمان قيداً أو ظرفاً ولايمكن الجمع بينهما.

الثاني : انّ التفاوت بين القاعدة والاستصحاب بكون الزمان في الأُولى قيداً وفي الآخر ظرفاً أو مهملاً ، وكلا الأمرين غير تامين.

أمّا الأوّل : فلأنّ اليقين بمعنى نفسه والنقض منسوب إليه وبذلك صحّحنا عموم الروايات للشك في المقتضي ، وعند ذلك يصح الزمان ظرفاً مطلقاً ، لعدم المعنى لكونه قيداً لليقين.

٢٧٦

وأمّا الثاني : فهو مبني على كون الزمان قيداً في القاعدة ، وظرفاً أو غير ملحوظ في الاستصحاب ، لكنّه غير صحيح ، لأنّ الفرق بينهما يرجع إلى تعلّق الشك في القاعدة بالحدوث ـ مع قطع النظر عن البقاء ـ وفي الاستصحاب على البقاء ، مع تسليم الحدوث ، وتعلّقه بالحدوث ليس بمعنى تقيّده به ، بل بمعنى كونه الملحوظ دون غيره ، وعدم لحاظ الغير غير كون الملحوظ مقيّداً بعدم لحاظ الغير ، فانّك إذا رأيت زيداً اليوم فقد رأيته اليوم لا أمس ، لأنّ الرؤية مقيّدة بعدم الرؤية في الأمس.

وقد تسرّب كون الزمان قيداً في القاعدة من كلام الشيخ الأنصاري كما سبق. (١)

الرابع : ما ذكره المحقّق النائيني وهو انّ المتيقّن في مورد الاستصحاب مفروض الوجود وإنّما الشكّ في بقائه ، وهذا بخلاف مورد القاعدة فانّ المتيقّن فيه ليس بمفروض الوجود ، إذ المفروض انّ أصل حدوثه فيه مشكوك ، وعليه فلايمكن التعبد بالمتيقّن في مورد كلّ من الاستصحاب والقاعدة في دليل ضرورة عدم إمكان الجمع بين تصوّر الشيء مفروض الوجود ، وتصوّره مشكوكاً فيه في لحاظ واحد لرجوعه إلى الجمع بين المتناقضين. (٢)

يلاحظ عليه : انّه مبني على تفسير اليقين بمعنى المتيقّن فعند ذاك يأتي ما ذكره من عدم صحة تصوّر الشيء بصورتين متضادتين ، وأمّا إذا كان اليقين بمعنى نفسه والنهي متوجهاً إلى نقضه ، من دون نظر إلى المتيقّن ، فلا مورد للإشكال ، إذ ليس لليقين إلاّ صورة واحدة ، وعند ذاك يشمل الحديث القاعدة والاستصحاب

__________________

١. الفرائد : ٤٠٥.

٢. مباني الاستنباط : ٢٧٩.

٢٧٧

بملاك « من كان على يقين فشك » من دون نظر إلى انّ المتيقّن كان مفروض الوجود أو لا.

ثمّ إنّ المحقّق النائيني ذكر وجهاً آخر ، لعدم إمكان الجمع بين القاعدتين ، نقلناه في الدورة السابقة. (١)

والحقّ انّ هذه الوجوه ، غير صالحة لإثبات امتناع الجمع بين القاعدة والاستصحاب في لحاظ واحد وانما المهم هو المقام الثاني.

المقام الثاني : في تحديد دلالة الرواية

قد عرفت إمكان الجمع بين الأمرين ثبوتاً إنّما الكلام في تحديد دلالة الروايات الواردة في المقام.

قد عرفت سابقاً انّ أكثر الروايات الواردة في المقام ظاهر في الاستصحاب لأجل أمرين :

١. كون المورد من مقولة الاستصحاب ، كالوضوء وغيره.

٢. ظهور الروايات في فعلية اليقين ووجوده ، وهو كذلك في الاستصحاب دون القاعدة.

نعم يقع الكلام في حديث الخصال ، أعني قوله :

« من كان على يقين فشكّ ، فليمض على يقينه ، فانّ الشكّ لاينقض اليقين ».

وفي رواية أُخرى : « من كان على يقين فأصابه شك فليمض على يقينه ».

__________________

١. لاحظ المحصول : ٤ / ٢٣٢.

٢٧٨

وربما يتوهم ظهوره في القاعدة دون الاستصحاب ، لأنّ تخلّل « الفاء » يعرب عن تأخر الشك عن اليقين ، وهو كذلك في القاعدة دون الاستصحاب ، إذ من الممكن أن يحصل اليقين والشك فيه معاً ، بل يتقدم الشكّ على اليقين كما لايخفى.

يلاحظ عليه : بأنّه لا شكّ في أنّ الغالب في الاستصحاب هو تأخر الشكّ عن اليقين ، وانّ حصولهما معاً ، أو تقدّم الشكّ على اليقين نادر جداً ، وعلى ذلك فيُحمل القيد على الغالب ، فيكون القيد غالبياً لا احترازياً ، فتتحد الروايات مضموناً وغاية.

قد سبق انّ لجريان الاستصحاب شروطاً قدّمنا ذكر ثلاثة منها ، وهي :

١. وحدة القضيتين.

٢. وحدة متعلّق اليقين والشكّ.

٣. فعلية اليقين في ظرف الشك.

وبقي الرابع ، وهذا هو الذي ندرسه.

الشرط الرابع : عدم أمارة في مورده

اتّفقت كلمة الأُصوليّين المتأخرين على تقدّم الأمارة على الاستصحاب ـ خلافاً للمتقدّمين منهم ـ من غير فرق بين كون الشبهة حكمية أو موضوعية ، ولكنّهم اختلفوا في وجه التقدّم ، فهناك أقوال أو وجوه :

١. أن يكون تقدّمها عليه من باب الورود. وعليه المحقّق الخراساني قدس‌سره ، وهو المختار.

٢٧٩

٢. أن يكون تقدّمها عليه من باب الحكومة ، وهو خيرة الشيخ الأنصاري والمحقّق الخوئي قدس‌سره.

٣. أن يكون من باب التخصيص ، أي تخصيص دليل حجّية الاستصحاب بدليل حجّية الأمارة.

٤. أن يكون من باب التوفيق العرفي.

وإليك دراسة الوجوه واحداً بعد الآخر :

١. دليل الأمارة وارد على دليل الاستصحاب

إنّ دليل حجّية الأمارة وارد على دليل حجّية الاستصحاب ويتضح ذلك بذكر أُمور :

أ : انّ النسبة بين دليلي حجّيتهما ـ مع قطع النظر عن كون أحدهما أظهر ـ هو العموم والخصوص من وجه ، فما دلّ على حجّية الأمارة ظاهر في وجوب العمل بها ، سواء أوافق مدلُولها مقتضى الاستصحاب أم خالفه ، كما أنّ ما دلّ على حجّية الاستصحاب ظاهر في لزوم العمل على وفق الحالة السابقة ، سواء أكانت موافقة لمفاد الأمارة أم لا ، فلابدّ من العلاج بتقديم أحد الدليلين على الآخر.

ب : انّ نسبة كلّ من الأمارة والاستصحاب بالنسبة إلى المورد ، متساوية ، فلو كانت المرأة غير ذات بعل وشكّ ثمّ قامت الأمارة على كونها ذات بعل ، فلايمكن استظهار تقدّم أحدهما على الآخر إلاّ عن طريق لحاظ دليل حجّيتهما وملاحظة لسانهما ، وإلاّ فليس في مضمون الأمارة ، ومفاد الاستصحاب ما يقتضي تقدّمَ أحدهما على الآخر إذا قلنا بحجّية الاستصحاب من باب الأخبار.

٢٨٠