إرشاد العقول إلى مباحث الأصول - ج ٤

الشيخ جعفر السبحاني

إرشاد العقول إلى مباحث الأصول - ج ٤

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-128-1
الصفحات: ٥٦٤

الموضع الأوّل : فيما جهل تاريخهما

إذا كان كلّ من الحادثين مجهول التاريخ ، فهو على أقسام أربعة ، لأنّ الأثر إمّا يترتب على نوع وجود الحادث عند وجود الحادث الآخر ، أو على نوع عدمه عند وجود الحادث الآخر.

وعلى كلّ تقدير فإمّا أن يترتب على نوع وجود الحادث أو عدمه بالمعنى التام ، أو بالمعنى الناقص ، فتكون الأقسام أربعة ، وإليك التفصيل :

١. أن يترتب الأثر على نوع وجود الحادث عند وجود الحادث الآخر على نحو مفاد كان التامة.

٢. أن يترتب الأثر على نوع وجود الحادث عند وجود الحادث الآخر على نحو مفاد كان الناقصة.

٣. أن يترتب الأثر على نوع عدم الحادث عند وجود حادث آخر على نحو مفاد النفي الناقص. (١)

٤. أن يترتب الأثر على نوع عدم الحادث عند وجود حادث آخر على نحو مفاد النفي التام. فهذه هي الأقسام الأربعة للموضع الأوّل.

وها نحن نتناول كلّ واحد من هذه الأقسام بالبحث.

١. ترتب الأثر على وجود نالحادث على نحو مفاد كان التمامة

القسم الأوّل : ما إذا ترتّب الأثر على نوع وجود الحادث عند وجود الحادث الآخر على نحو مفاد كان التامة ، وله صور أربع :

ـــــــــــــــــ

١. قدمنا مفاد كان الناقصة على التامة في المقام خلافاً لما سبق ـ تبعاً للكفاية.

٢٢١

الصورة الأُولى : أن يترتب الأثر على الحالة الخاصة من وجود أحد الحادثين دون الحادث الآخر ، وأن يترتب الأثر على حالة واحدة منه كالسبق مثلاً ، دون الحالات الأُخر من التقارن والتأخر.

الصورة الثالثة : يترتب الأثر على وجود أحد الحادثين دون الآخر لكن على أكثر من حالة واحدة له كالتقدم والتأخر.

الصورة الثالثة : أن يترتب الأثر على الحالة الخاصة لوجود كلّ واحد من الحادثين.

الصورة الرابعة : أن يترتب الأثر على الحالتين من كل واحد من الحادثين كالسبق والتأخر.

إذا عرفت هذه الصور من القسم الأوّل ، فلنذكر حكم كلّ صورة على حدة.

الصورة الأُولى : إذا علمنا بموت أخوين أحدهما غير عقيم وله أولاد والآخر عقيم.

أمّا غير العقيم منهما فيرثه أولاده سواء أكان متقدّماً موته على موت الأخ العقيم أو مقارناً أو متأخراً ، فهذا لايترتب أثر على أية حالة من حالاته.

وإنّما يترتب الأثر على سبق موت الأخ العقيم على ذاك الأخ الذي له ولد ، حيث لو سبق موت العقيم على غيره لورثه الأخ ثمّ أولاده ، فالأثر يترتب على حالة واحدة من وجود أحد الحادثين دون الآخر فتجري ـ إذا كان الأثر مترتباً على مفاد كان التامة كموت الأخ المتقدّم على موت الأخ الآخر ـ أصالة عدم سبق موت الأخ العقيم على غيره ، فتكون النتيجة انّه لايرثه غير العقيم لاحتمال تقارنهما أو تأخر موت العقيم عن غيره.

٢٢٢

ونظيره ما إذا كان أحد المتوارثين كافراً فان استصحاب عدم موت مسلمهما إلى زمان موت الآخر الكافر جار ويترتب عليه الأثر ولا يجري استصحاب عدم موت الآخر غلى زمان موت المسلم لعدم ترتّب أثر شرعي له حتى في ظرف العلم بتأخر موته عن موت المسلم لانّ الكافر لا يرث المسلم.

الصورة الثانية : ما إذا كان الأثر يترتب على أحد الحادثين لكن دون أن يقتصر على حالة واحدة ، بل يترتب على كلتا الحالتين منه. مثلاً إذا نذر أحد انّه لو سبق زيد على عمرو فعليه أن يعطيه ديناراً إلى الفقير وان تأخر عن عمرو فعليه أن يعطي درهماً إليه.

فقد ذهب المحقّق الخراساني إلى تعارض الأصلين وتساقطهما ، فأصالة عدم سبق زيد على عمرو معارضة بأصالة عدم تأخره عنه فيتساقطان ، لكن بناء على ما ذكرنا يجري فيه التفصيل السابق في الصورة الثانية ، وهو انّه لو علمنا بالسبق والتأخر وانّ زيداً إمّا كان سابقاً على عمرو أو متأخراً عنه ففي ذلك يجري الأصلان فيتعارضان فيسقطان للعلم بكذب أحد الأصلين ، فمقتضى العلم الإجمالي وجوب احد الأمرين يجب الاحتياظ.

وأمّا لو لم نعلم بوجود أحد الوصفين بل احتملنا التعارض فيجري الأصلان بلا تعارض لاحتمال تقارنهما فلايجب عليه دفع شيء.

الصورة الثالثة : ونمثل لذلك بالتقارن ـ مكان السبق ـ صوناً للاذهان عن التشويش. فان لتقارن عقدي الاختين ، زماناً لزيد موضوع للبطلان ، فكل نوع ( التقارن ) من الحادثين : عقد زينب ، وهند ، موضوع للاثر ، فأصالة عدم تقارن احدهما ، يعارض الآخر.

الصورة الرابعة : أن يترتب الأثر على الحالتين من كل واحد من الحادثين كما إذا نذر فيما لو سبق زيد ديناراً ولو تأخر دينارين وهكذا في جانب عمرو.

٢٢٣

ثم إن المحقق الخراساني أشار إلى الصور الأربعة بالنحو التالي :

إلى صورة الأُولى بقوله : « فتارة كان الأثر الشرعي لوجود أحدهما بنحو خاص من التقدم أو التأخر ، أو التقارن ، لا للاخر ، ولا له بنحو آخر».

وإلى الصورة الثانية ، بقوله في العبارة المتقدمة «ولا له بنحو آخر».

وإلى الصورة الثالثة بقوله : «بخلاف ما إذا كان الآثر لوجود كل منهما كذلك».

إلى الرابعة : بقوله : أو لكل انحاء وجوده.

وحاصل الكلام يجري الاستصحاب في الصورة الأُولى دون الصورة الأخيرة لوجود التعارض بين الأصلين أو الأُصول. وإلىما ذكرنا يشير المحقق الخراساني بقوله : « فلا مجال لاستصحاب العدم في واحد للمعارضة باستصحاب العدم في آخر لتحقق أركانه في كل منهما ».

هذا كله حول القسم الأول بصوره الأربعة.

٢. ترتب الأثر على وجود الحادث على مفاد كان الناقصة

القسم الثاني : أن يترتب الأثر على نوع وجود الحادث عند وجود حادث آخر على مفاد كان الناقصة.

فقد ذهب المحقّق الخراساني إلى عدم جريانه وقال : « فلا مورد هاهنا للاستصحاب ، لعدم اليقين السابق فيه بلا ارتياب » ولأجل ذلك لم يذكر فيه الصور الثلاث التي ذكرها في القسم الأوّل ، وذلك كما إذا قال : « إذا كان موت الوالد متقدّماً على موت الابن يرثه الابن » ، فلايجوز فيه الاستصحاب لعدم اليقين السابق فيه ، كما ذكره في الكفاية.

فإن قلت : ان اتصاف موت زيد بكونه متقدماً على موت عمرو المفروض

٢٢٤

توارثهما غير متيقن سابقاً حتى يستصحب ، وأما استصحاب العدم الأزلي فله حالة سابقة كأن يقول : ان موت زيد حال الحياة لما لم يكن نفسه ، كذلك لم يكن وصفه أعني تقدمه على موت زيد وبعد حصول اليقين بموت زيد ، يشك في انتقاص عدم تقدمه فيستصحب كاستصحاب عدم القرشية بعد العلم بوجودها.

قلت : ان إرثه مترتب على اتصاف موته بالتقدم على موت غمرو ن وعدم إرثه مترتب على اتصاف موته بعدم على موت عمره ومقتضى الأصل الأزلي هو عدم اتصافه بالتقدم ، وهو ليس موضوعاً لعدم إرثه.

٣. ترتب الاثر على عدم الحادث على مفاد النفي الناقص

القسم الثالث : إذا ترتب الأثر على عدم أحدهما في ظرف حصول الآخر على نحو النفي الناقص كأن يكون موضوع الأثر « الماء غير الكر في زمان حدوث الملاقاة ». وعلمنا بحدوث الكرية والملاقاة ، ولم نعلم المتقدّم والمتأخر فلايجري فيه الأصل ( أصالة عدم كرية الماء إلى زمان الملاقاة ) لإثبات كون الماء موصوفاً بالعدم المذكور ، لأنّه يتوقف على اليقين بكونه موصوفاً بالعدم في وقت ثمّ يُشك في بقائه على ما كان من الوصف المذكور ، إذ الماء من الأوّل غير معلوم الاتصاف ، لأنّ الوصف ( الكريّة ) إن كان وجد متأخراً عن زمان حدوث الآخر ( الملاقاة ) كان الماء موصوفاً بالعدم المذكور وإن كان متقدّماً أو مقارناً له فهو غير موصوف ، وحيث لم يعلم أنّه متأخر أو متقدّم فقد شكّ في اتصافه بذلك في جميع الأزمنة.

وأمّا استصحاب عدم الماء بصورة السالبة بانتفاء الموضوع ، بأن يقال : لم يكن ماء ولا كرّية ، فقد انقلب العدم في الماء إلى الوجود ونشك في انقلابه في جانب الكرّية فنستصحب عدم الماء الكرّ ، فهو لايثبت موضوع الأثر ، أي الماء غير الكرّ.

٢٢٥

٤. ترتب الأثر على عدم الحادث على نحو النفي التام

القسم الرابع : إذا كان الأثر مترتباً على عدم وجود حادث عند وجود حادث آخر لكن على مفاد النفي التام كالنجاسة المترتبة على عدم كرّية الماء عند الملاقاة ، فقد منع المحقّق الخراساني من جريان الأصل وعلله بعدم اتصال زمان الشكّ بزمان اليقين.

وقد اختلفت كلمة الشرّاح والمحقّقين في بيان مراده ، فقد أوضحه المحقّق النائيني بالبيان التالي بتصرّف منّا :

وحاصله : انّ هنا ساعات ثلاث :

الساعة الأُولى : وهو ظرف اليقين بعدم الكرّية والملاقاة.

الساعة الثانية : وهو ظرف اليقين بتحقّق إحداهما وليس هناك أيُّ شك.

الساعة الثالثة : العلم بوجود الكرية والملاقاة ، وهذه الساعة هي ظرف الشك ، وذلك لأنّ الشكّ في بقاء عدم الكرية إلى زمان الملاقاة لايحصل إلاّ بعد العلم بالملاقاة ، ولايحصل العلم بها إلاّ في الساعة الثالثة ، ويكون الشكّ حاصلاً حين العلم بالملاقاة ، وليس إلاّ الساعة الثالثة ، فتكون الساعة الثانية خالية عن اليقين التفصيلي والشكّ.

أمّا اليقين التفصيلي أي اليقين بأحدهما المعين فواضح.

وأمّا الشكّ فلأنّه فرع حصول المتعلّق ، أعني : الملاقاة.

وباختصار

١. انّ الشكّ في المتقدّم والمتأخر لايحصل إلاّ بعد العلم بحدوث الحادثين.

٢. العلم بحدوث الحادثين حاصل في الساعة الثالثة ، فيكون موطن الشك

٢٢٦

هو الساعة الثالثة.

٣. فالاستصحاب يتبع الشك ولايتقدّم عليه ، فاستصحاب عدم تقدّم كلّ إنّما يجري في الساعة الثالثة.

٤. وعلى ذلك لايكون زمان الشكّ متصلاً بزمان اليقين ، لأنّ موطن اليقين هو الساعة الأُولى وموطن الشكّ هو الساعة الثالثة ، فالساعة الثانية تكون فاصلة بين اليقين والشكّ.

يلاحظ عليه : أوّلاً : أنّ مفاد استصحاب « عدم الكرّية إلى زمان وجود الملاقاة » ليس بمعنى استصحابه إلى زمان العلم بالملاقاة حتى لايتحقق الشكّ بهذا النحو إلاّ في الساعة الثالثة فتكون الساعة الثانية خالية عنه. بل المراد استصحابه في كلّ زمان احتمل فيه تحقّق الملاقاة ، ومن المعلوم أنّه كما يحتمل تحقّق وجودها في الساعة الثالثة كذلك يحتمل تحقّقها في الساعة الثانية.

وبعبارة أُخرى : نحن نحتمل فرض وجود كلّ منهما في الساعة الثانية ، فيكون الشكّ في كلّ من الحادثين متصلاً بيقينه ، ويجري استصحاب عدم كلّ منهما في زمان الشكّ في كلّ من الحادثين.

ثانياً : انّه لا دليل على اتصال زمان الشكّ بزمان اليقين ، فلو أيقن إنسان بطهارة ثوبه ثمّ أغشي عليه ، فلما أفاق شك في بقاء طهارة ثوبه ، واحتمل أنّه صار نجساً عندما أغشي عليه ، فظرف الشكّ غير متصل بظرف اليقين مع أنّه لا شكّ في استصحابه.

ولذلك نقول بجريان الاستصحاب في الأمثلة التالية إذا كان الأثر متعلّقاً بالعدم التام.

أ : إذا أذن المرتهن لبيع العين المرهونة ثمّ رجع عن إذنه ، وشكّ في تاريخ

٢٢٧

كلّ من البيع والرجوع عن الاذن ، فيجري استصحاب العدم في كلّ منهما فيقال أصالة عدم البيع إلى زمان الإذن أو أصالة عدم صدور الرجوع إلى زمان البيع.

ب : نفس المثال السابق ، أي استصحاب عدم الكرّية إلى زمان الملاقاة ، أو استصحاب عدم الملاقاة إلى زمان الكرّية لعدم ترتب الأثر عليه.

وعلى كلّ تقدير : هذا التقرير الذي جنح إليه المحقّق النائيني يطابق عبارات الكفاية الواردة بصيغة الإشكال والجواب ، ولكنّه لاينطبق على العبارات الواردة قبل الإشكال والجواب فالذي ينطبق عليه هو تقرير المحقّق المشكيني ، حيث قال ما هذا إيضاحه :

تقرير المحقّق المشكيني لعدم الاتصال

انّ الظاهر من قوله : « لأنّك كنت على يقين من طهارتك فشككت » ، هو اعتبار اتصال زمان الشكّ بزمان اليقين في حرمة نقضه بالشك ، فلايصحّ التمسّك به في الموارد التي لم يحرز فيها اتصال زمان الشكّ بزمان اليقين ، سواء أحرز عدم الاتصال بأن توسط يقين ثان بين اليقين الأوّل والشكّ الطارئ ، أم شكّ في توسطه.

أمّا الصورة الأُولى : فواضح ، لأنّه يكون من قبيل نقض اليقين بمثله ، ولأجل ذلك لو أذعن بوجوب الجلوس إلى الزوال ، ثمّ شك في بقائه بعده فلايصحّ عند القوم استصحاب عدم الوجوب المعلوم أزلاً ، لفصل اليقين الثاني بين اليقين الأوّل والشكّ الطارئ.

وأمّا الصورة الثانية : فلأنّ احتمال توسّط يقين ثان بين الأوّل والثاني ، يجعله

__________________

١. مصباح الأُصول : ٣ / ٢٠٠.

٢٢٨

من قبيل الشبهة المصداقية ، لقوله : « لاتنقض اليقين بالشكّ » ويكون مآله إلى الشكّ في أنّه هل هو نقض اليقين باليقين أو بالشكّ ومع هذا لايصحّ التمسك بالعام ، ومورد المثال من قبيل الصورة الثانية ، وذلك لأنّ زمان الملاقاة لو كان هو الساعة الثانية لكان زمان الشك في بقاء عدم الكرّيّة متصلاً بزمان اليقين به ، وأمّا لو كان هي الساعة الثالثة فلا اتصال في البين ، لتخلّل وجود الكرّية حينئذ بين المتيقّن والمشكوك.

وعلى هذا الوجه ينطبق قول المحقّق الخراساني حيث يقول : لعدم إحراز اتصال زمان شكه وهو زمان حدوث الآخر ( أي الملاقاة ) بزمان يقينه أي اليقين بعدم كلّ من الحادثين ، لاحتمال انفصال زمان المشكوك عن زمان المتيقّن باتصال حدوثه أي وجود الكرّيّة.

يلاحظ عليه : انّه لو تم ذلك يلزم سدّ باب الاستصحاب بتاتاً ، إذ ما من استصحاب إلاّ ويحتمل معه انقلاب المتيقّن فيه إلى ضده في زمان الشكّ ، ولولا هذا الاحتمال لما حصل الشكّ ، فاحتمال حدوث الكرّيّة في الساعة الثانية وانقلاب عدمها إلى نقيضه ، لايضرّ به إذ ليس أزيد من احتمال عدم بقاء المتيقّن وانقلابه إلى ضدّه أو نقيضه الذي هو الحاكم في جميع الموارد.

وبالجملة : المعتبر في الاستصحاب وجود يقين وشكّ فعلي ، وأنّه لو رجع المستصحب القهقرى لايقف على متيقّن متضادّ مع المتيقّن السابق ، لا أن لايحتمله ، وهذا الشرط حاصل ، واحتمال تقدّم الكرّيّة وإن كان حاصلاً لكنّه ليس بأمر متيقّن ، بل محتمل ، فلايعتنى به ، إذ الاعتناء يستلزم رفع اليد عن الأمر اليقيني بأمر مشكوك.

٢٢٩

الموضوع الثاني : فيما إذا علم تاريخ أحدهما

إذا كان احد الحادثين معلوم التاريخ والآخر مجهوله ، فقد قسّمه المحقّق الخراساني إلى أقسام أربعة على غرار مجهولي التاريخ ، وإليك البيان :

١. ترتب الأثر على وجود الحادث على نحو مفاد كان التامة

القسم الأول : أن يكون الأثر مترتباً على حالة من وجود الشيء عل نحو مفاد كان التامة ، وذكر المحقق الخراساني لها ثلاث صور :

الأُولى : أن يترتب الأثر على وجود أحد الحادثين ـ عند وجود الحادث الخاص بنحو خاص من التقدّم أو التأخر أو التقارن ، ولا يكون لوجود الحادث الآخر أي أثر كارث الوارث المترتب على إسلامه بوجوده الخاص وهو تقدّم إسلامه على موت المورث حيث إن ارثه مترتب على إسلامه في زمان حياة المورث ، لا على إسلامه في زمان موت المورث ، فذهب المحقق الخراساني إلى انه لا مانع من استصحاب عدمه إلى زمان موت المورث إذ المفروض عدم أثر للحادث الآخر حتى يجري فيه استصحاب عدمه.

الثانية : إذا ترتب الأثر على وجود كل من الحادثين ـ بنحو خاص من التقدم والتأخر والتقارن على نحو كان التامة كإسلام الوارث قبل القسمة ، والقسمة قبل الإسلام حيث إن لكل منهما متقدّماً على الآخر ، أثر شرعياً ، فإن الإسلام قبل القسمة يوجب إرث المسلم عن الميت ، والقسمة قبل الإسلام يوجب حرمانه فيجري الاستصحاب في كلا الجانبين : عدم الإسلام إلى الزمان الواقعي

٢٣٠

للقسمة وبالعكس.

الثالثة : أن يترتب الأثر الواحد من الحادثين أكثر من حالة واحدة ، وال يترتب على الآخر أثر شرعي.

وإلى الصور الثلاث أشار المحقق الخراساني بقوله :

أ. امّا أن يكون الأثر المهم مترتباً على الوجود الخاص من المقدم والمؤخر أو المقارن فلا إشكال في استصحاب عدمه.

ب. المعارضة باستصحاب العدم في طرف الآخر.

ج. أو طرفه ( كما إذا كان الآثر مترتباً لأحد الحادثين على أكثر من حالة واحدة ).

٢. ترتب الأثر على وجود الحادث على مفاد كان الناقصة

القسم الثاني : إذا ترتب الأثر على حالة لأحد الحادثين بالنسبة إلى الحادث الآخر على نحو كان الناقصة ، مثلاً إذا علم بموت الأب يوم الجمعة ، ولم يعلم زمان موت الابن وانه كان يوم الخميس أو يوم أو يوم السبت والمفروض ان موت كل منهما متصفاً بتقدمه على موت الآخر ممّا يترتب عليه الأثر الشرعي وموت كل منهما بهذا الوصف بهذا الوصف ليس له حالة سابقة فلا يجري فيه الاستصحاب فعدم جريانه لأجل عدم الحالة السابقة لا لوجود التعارض.

وإلى هذا القسم أشار المحقق الخراساني بقوله : « وإما ان يكون مترتباً على ما إذا كان متصفاً بكذا ، فلا مورد للاستصحاب أصلاً لا في مجهول التاريخ ولا في معلومه كما لا يخفى لعدم اليقين بالاتصاف به سابقاً منهما.

والفرق بين القسمين هو ان الأثر مترتب في الأول على وجود الشيء بنحو

٢٣١

كان التامة ، فيصح استصحاب عدمه إلى زمان الآخر ، بخلاف المقام فان الأثر مترتب على وجود الشيء بنحو كان الناقصة فاستصحاب الوجود فاقد للحالة السابقة ، واستصحاب عدمه فاقد للأثر.

٣. ترتب الأثر على عدم الحادث على النفي التام

القسم الثالث : إذا ترتب الأثر على الحالة الخاصة من عدم الحادث في زمان الحادث الآخر على وجه النفي التام كعدم القسمة حين إسلام ولد الميت ، فقد فصل المحقق الخراساني بين مجهول التاريخ ومعلومه. فقال : مجريان الاستصحاب في مجهول التاريخ لاتصال الشك بزمان اليقين ، وعدم جريانه في معلوم التاريخ لعدم اتصال الشكّ به.

أمّا الأول أي اتصال زمان الشك بزمان اليقين إذا كان أُجري الاستصحاب في مجهول التاريخ فلتحقق ركني الاستصحاب من اليقين السابق والشك اللاحق فيه مع اتصال زمان الشك بزمان اليقين مثلاً إذا كانت قسمة التركة يوم الأربعاء معدومة يقيناً وشكّ في تحققها يوم الخميس أو يوم الجمعة ، وعلم بوجود الإسلام يوم الجمعة وعدمها قبله فحينئذٍ يتصل زمان الشك في القسمة وهو يوم الخميس بزمان اليقين لعدمها أعني يوم الأربعاء فلا مانع من انستصحاب عدمها إلى يوم الجمعة.

وأما عدم جريانه في معلوم التاريخ فلانتفاء ثاني ركني الاستصحاب وهو الشك في البقاء في عمد الزمان وذلك لأن الإسلام في المثال قبل يوم الجمعة معلوم العدم وفي يوم الجمعة معلوم الحدوث ومع العلم بكل من زماني عدمه ووجوده ، لا يتصوّر فيه الشك حتّى يجري فيه الاستصحاب.

٢٣٢

وإلى هذا القسم أشار المحقق الخراساني بقوله واما أن يكون مترتباً على عدمه الذي هو مفاد كان التامة في زمان الآخر باستصحاب العدم في مجهول التاريخ منهما كان جارياً لاتصال زمان شكه بزمان يقينه دون معلومه لانتهاء الشك فيه في زمان وإنما الشكّ باضافة زمانه إلى الآخر.

٤. ترتب الأثر على عدم الحادث بصورة النفي الناقص

القسم الرابع : ما إذا ترتب الأثر على عدم الشيء بصورة النفي الناقص ، كالماء غير الكرّ إلى زمان الملاقاة ، فإذا كان هناك ماء قليل نعاقب عليه حالتان : الكرّيّة والملاقاة بالنجس ، وكان زمن الملاقاة يوم الجمعة ، فلا يجري الاستصحاب في جانب الكرّيّة ، وذلك لعدم الحالة السابقة أي الماء غير الكر إلى وقت الملاقاة ، والفرق بين هذا القسم وما سبق واضح ، لأن الموضوع هناك أمر إيجابي يتوجه إليه السبق فيكون المستصحب السالبة المحصلة ، وهذا بخلاف المقام فان السلب جزء للموضوع وهو نفس المستصحب ، اعني : الماء غير الكر.

إلى هنا تم ما أردنا من الستعراض الأقسام الثمانية التي تعرض إليها المحقق الخراساني ، بقيت هنا تطبيقات :

٢٣٣

تطبيقات

يترتب على مسألة تأخّر الحادث فروع مختلفة نذكر قسماً منها ، وقبل الإشارة إليها نشير إلى ما أوضحنا حاله في مبحث الاشتغال ، وهو :

إنّ من شرائط تنجيز العلم الإجمالي كونه مؤثراً على كلّ تقدير ، وموجباً للأثر على كلّ فرض ، وإلاّ فلو كان مؤثراً على فرض دون فرض آخر ، فلايكون مثل ذلك العلم منجِّزاً للتكليف ، لعدم العلم به على كلّ تقدير بل العلم به على تقدير دون تقدير ، وهو يساوق الشك دون العلم.

وعلى ضوء ذلك فلندرس الفروع التالية :

الفرع الأوّل : إذا كان ثوبه نجساً بالدم ، وعلم بطروء دم آخر عليه مع غسل الثوب بالماء الطاهر ، وتردّد الدم بين كونه بعد الدم الأوّل ، أو بعد الغَسْل ، فالثوب يكون محكوماً بالطهارة المستصحبة ، لأنّ العلم بطروء الدم على الثوب ليس علماً بالسبب المؤثِّر وإنّما هو علم بالسبب المردّد بين الفعلي والشأني ، وذلك لأنّه لو طرأ قبل الغسل لايكون سبباً مؤثراً ، لأنّ طروء الدم بعد الدم لايحدث تكليفاً وإن كان متأخراً عن الغسل فهو مؤثر ، فيدور أمره بين المؤثر وغير المؤثر ، فلايكون منجزاً للتكليف.

وأمّا الطهارة فقد علمنا بطروئها على الثوب بعد الدم مؤثرة سواء كانت

٢٣٤

بين الدمين أو بعد الدم الثاني فنشكُّ في انتفائها فيحكم بالبقاء ويكون الثوب محكوماً بالطهارة.

الفرع الثاني : إذا كان ثوبه نجساً بالدم ، ثمّ علم بطروء نجاسة شديدة كالبول الذي يحتاج إلى الغَسْل مرّتين ، وافترضنا غَسْل الثوب مرّة واحدة ، وهذا الفرع يختلف عما سبق ، لأنّ كلاً من شقِّي العلم الإجمالي مؤثر ، وذلك امّا في جانب البول فلأنّه لو كان طرأ على الثوب بعد عروض الدم فقد شدّد حكم الغسْل ، لأنّ ملاقي الدم لو غسل مرّة واحدة يطهر ، بخلاف ملاقي البول فيحتاج إلى غسلتين ، فكذلك لو طرأ البول بعد غسل الثوب مرة واحدة يؤثر أيضاً فيجب غسل الثوب مرتين.

هذا هو حكم البول ، وأمّا الغسل فلو توسط بين الدم والبول فقد ارتفع أثره بطروء البول ، ولو تأخّر بعد طروء البول يجب غسل الثوب مرة أُخرى.

فالأصلان ـ أي أصالة عدم تقدّم البول على الغسل وأصالة عدم تقدم الغسل على البول ـ لأجل ترتب الأثر عليهما يتعارضان فيتساقطان ، ولكن لما كان العلم بوجود النجاسة المشدّدة حاصلاً فلايرتفع اليقين بالنجاسة بالغسل مرّة واحدة ، بل يجب الغسل مرتين.

الفرع الثالث : لو كان هناك ماء طاهر قليل ، ثمّ علم بعروض كلّ من الكرّيّة والنجاسة عليه ، وشكّ في تقدّم عروض الكرّية على عروض النجاسة حتى يكون طاهراً ، أو تقدّم عروض النجاسة على الكرية حتى يحكم بنجاسته ، لأنّ تتميم الماء النجس كرّاً لايوجب طهارته.

فالظاهر جريان الاستصحابين وتساقطهما ، لأنّ لكلّ من العلمين أثراً شرعياً ، فلو كان عروض الكرّيّة متقدّماً على الملاقاة تثبتت له العاصمية ، ولو

٢٣٥

تأخرت تكون الملاقاة مؤثرة ، وكذلك لو كانت الملاقاة متقدمة أثَّرت في النجاسة ، ولو كانت متأخرة كان الماء معتصماً لاينجسه شيء ، وهو حكم شرعي لقوله : « الماء إذا بلغ قدر كرّ لم ينجسه شيء » ، فيتعارضان ويتساقطان ، ويرجع في مورد الماء إلى قاعدة الطهارة ، في جميع الصور سواء أكانا مجهولي التاريخ أو كان أحدهما معلوماً والآخر مجهولاً.

والمقام من أمثلة ما يكون الأثر مترتباً على وجود الشيء حسب مفاد كان التامة.

غير أنّ المحقّق النائيني ذهب إلى نجاسة الماء في جميع الصور ، وحاصل ما أفاده :

إنّ الظاهر من قوله عليه‌السلام : « الماء إذا بلغ قدر كرّ لاينجسّه شيء » هو انّه يعتبر في العاصمية وعدم تأثير الملاقاة ، سبقُ الكرّيّة ولو آناً ما ، لأنّ الظاهر منه كون الكرّيّة موضوعاً للحكم بعدم تنجيس الملاقاة ، وكلّ موضوع لابدّ وأن يكون مقدَّماً على الحكم ، فيعتبر في الحكم بعدم تأثير الملاقاة ، إحرازُ سبق الكرية.

إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّ هنا أصلين :

أ : أصالة عدم الكرّيّة إلى زمان الملاقاة.

ب : أصالة عدم الملاقاة إلى زمان الكرّيّة.

أمّا الأصل الأوّل فيكفي في الحكم بالانفعال ، لأنّ مدلوله عدم إحراز الكرّيّة إلى زمان الملاقاة ، فتكون النتيجة عدم الموضوع للعاصمية إلى زمانها ويكون مقتضاه نجاسة الماء.

وأمّا الأصل الثاني فهو عقيم لايثبت عاصمية الماء من التأثر ، لأنّها من آثار

٢٣٦

سبق الكرّيّة على الماء كما هو اللائح من الحديث ، ولايثبت بهذا الأصل ، سبقُ الكرّيّة عليها ولاتأخر الملاقاة عن الكرّيّة.

وبعبارة أُخرى : الأثر مترتب على مفاد كان الناقصة « الماء الموصوف بالكرّيّة لاينجس بالملاقاة » وأصالة عدم الملاقاة إلى حين الكرّيّة لايثبت وصف الماء بها حين الملاقاة. (١)

يلاحظ عليه : أنّ الحديث بصدد بيان انّ الكرّيّة تعصم الماء عن الانفعال ، وأمّا لزوم سبقها على النجاسة فلايستفاد من أمثال هذا التركيب. مثلاً يقال : الرطوبة تمنع من اشتعال الحطب ، أو انّ الريح تمنع عن اشتعال المصباح ، فالمقصود هو بيان التضاد بينهما ، لاشرطية سبق الرطوبة والريح.

وعلى هذا فكما أنّ أصالة عدم الكرّيّة إلى زمان الملاقاة تستلزم الحكم بنجاسة الماء ، هكذا أصالة عدم الملاقاة إلى زمان الكرّيّة تستلزم عاصمية الماء من التأثر بالملاقاة ، فيتعارضان ويتساقطان ، ويكون المرجع جريان قاعدة الطهارة في الماء.

الفرع الرابع : إذا تطهّر عن حدث وأحدث ولم يعلم حال كلّ منهما من التقدّم والتأخّر ، فيقع البحث في مقامين :

أ : أن تكون الحالة السابقة على عروض الحالتين مجهولة.

ب : أن تكون الحالة السابقة على عروضهما معلومة.

وعلى كلّ تقدير فإمّا أن يكونا مجهولي التاريخ ، أو يكون أحدهما معلوماً والآخر مجهولاً ، فيقع الكلام في مقامين :

__________________

١. فوائد الأُصول : ٤ / ٥٢٨ ـ ٥٣٠ ، بتصرف يسير.

٢٣٧

المقام الأوّل : فيما إذا كانت الحالة السابقة مجهولة

إذا كانت الحالة السابقة مجهولة وعلم بالطهارة والحدث ، فالظاهر جريان الاستصحاب في كلتا الحالتين ، سواء أكانتا مجهولتي التاريخ ، أو كانت إحداهما معلومة والأُخرى مجهولة ، وقد عرفت جريانه في جانب معلوم التاريخ على قول ، ويكون المرجع بعد التعارض لزوم إحراز الطهارة الحدثية للصلاة.

المقام الثاني : فيما إذا كانت الحالة السابقة معلومة

إذا كانت الحالة السابقة على عروض الحالتين معلومة ، فهناك صور :

الصورة الأُولى : إذا كانت الحالة السابقة معلومة وكانت الحالتان مجهولتي التاريخ.

الصورة الثانية : فيما إذا كانت الحالة السابقة معلومة ، وكان تاريخ إحدى الحالتين معلوماً.

فلنأخذ الصورة الأُولى بالبحث ، فنقول :

اختلفت كلمتهم في حكمها إلى قولين :

١. لزوم إحراز الطهارة الحدثية للدخول في الصلاة لتعارض الاستصحابين فلامناص عن لزوم إحراز الطهارة للدخول فيها. وهذا هو المشهور.

٢. يؤخذ بضد الحالة السابقة. وهو خيرة المحقّق في المعتبر ، وحكي عن المحقّق الثاني وجماعة المختار عندنا.

وذلك لأنّه إذا كان في أوّل النهار متطهّراً ثمّ علم بطروء الحالتين من الطهارة والنوم يحكم عليه بكونه محدثاً ، وذلك للعلم التفصيلي بالحدث وانتقاض

٢٣٨

الطهارة قطعاً بلا إشكال ، إمّا بتوسط النوم بين الطهارتين ، أو بوقوعه بعد الطهارة الثانية ، وعلى كلّ تقدير يعلم بعروض الحدث ، ويشك في ارتفاعه ، فيستصحب.

وأمّا استصحاب الطهارة فلاعلم بها لا تفصيلاً ولا إجمالاً ، فانّ الطهارة المعلومة أوّل النهار قد زالت يقيناً فهو قطعي الارتفاع ، وأمّا عروضها مجدّداً بعد النوم فهو مشكوك بالشكّ البدوي ، لأنّه يحتمل أن تكون الطهارة الثانية بعد الطهارة الأُولى بلا فاصل زماني ، فارتفاع الطهارة قطعي وعروضه مجدداً مشكوك وهو فرع أن تكون الطهارة بعد النوم.

وتختلف النتيجة عمّا سبق إذا عكسنا المثال السابق بأن كان أوّل النهار محدثاً ثمّ علم بطروء الحالتين من الطهارة والنوم ، فيحكم بطهارته للعلم بالطهارة تفصيلاً ، وذلك للعلم بأنّ الحالة الأُولى قد زالت وانقلبت إلى الحالة الأُخرى أي الطهارة ، فهي محقّقة الحدوث ، وإنّما الشكّ في ارتفاعها.

وأمّا الحالة الحدثية فلاعلم تفصيلي بها ولا إجمالي للعلم بانّها زالت بالعلم بطروء الطهارة ، وعروضها بعد الطهارة مشكوك بدوي ، لأنّه رهن أن يكون النوم بعد الطهارة ، وهو غير ثابت لاحتمال أن يكون النوم بعد النوم بلا فاصل زماني ، وقدعرفت في مقدمة البحث انّ العلم الإجمالي إنّما ينجِّز إذا كان منجزاً على كلّ تقدير ، فالنوم في المثال الأوّل منجز على كلّ تقدير سواء وقع بين الطهارتين أو بعد الطهارة الثانية ، ولذلك نأخذ به ، وقلنا إنّه فيها محدث.

كما أنّ الطهارة في المثال الثاني محدثة للأثر على كلّ تقدير سواء وقع بين النومين أو بعد النوم الثاني.

فعلى غرار هذه القاعدة يجب أن نأخذ بالشق المؤثر على كلّ تقدير للعلم الإجمالي ، وليس هو إلاّ ضدّ الحالة السابقة.

٢٣٩

فإن قلت : إنّ هناك استصحاباً آخر لايمكن إنكاره ، مثلاً في المثال الثاني يعلم إجمالاً بوجود الحدث بعد السبب ، وإن لم يعلم أنّه من السبب الأوّل أو الثاني ، فيستصحب ، ومثله في الصورة الأُولى حرفاً بحرف.

قلت أولاً : إنّ هنا علماً بالسبب ، لاعلماً بالسبب المؤثر ، إذ لو كان السببان متعاقبين لما كان للسبب الثاني تأثير.

وثانياً : إنّ العلم الإجمالي ( العلم الإجمالي بالحدث بعد السبب الثاني ) ينحل إلى : علم تفصيلي وشك بدوي ، إذ الحدث الذي دلّ السبب على وجوده لو كان هو الحدث السابق فقد ارتفع قطعاً وحدوثه بعد الوضوء مشكوك فيه.

والقول بأنّه يعلم بوجود الحدث بعد السبب الثاني مرجعه إلى القول بأنّه يعلم بطروء الحدث إمّا قبل الوضوء أو بعده ، فلو طرأ قبله فقد ارتفع قطعاً ، ولو طرأ بعده يكون مؤثراً ولكنّه مشكوك جداً.

ونظير ذلك انّه لو رأى الجنب المغتسل عن جنابته ، أثرَ الجنابة في ثوبه ، فلايجب عليه الاغتسال وإن كان يعلم بحدوث الجنابة بعد هذا الأثر ، وذلك لأنّ الأثر الحاصل في ثوبه إن كان من الجنابة السابقة فقد ارتفع ، وإن كان من الجنابة الجديدة ، فهو وإن كان مؤثراً لكنّه مشكوك الحدوث ، فليس هناك علم بالجنابة الحادثة بعد ذلك الأثر.

الصورة الثانية : فيما إذا كانت الحالة السابقة معلومة ، وكان تاريخ أحدهما معلوماً ، فالأقوى أنّ حكمها حكم الصورة الأُولى على غرار ما ذكرنا من انحلال العلم الإجمالي ، مثلاً : إذا كان في أوّل النهار محدثاً وعلم بالطهارة في أوّل الظهر وعلم بالنوم امّا قبل الطهارة أو بعدها ، فبما أنّ العلم بالنوم ليس علماً بالسبب الفعلي بل اقصاه العلم بوجود الحدث بعده إمّا من السبب السابق أو منه نفسه ،

٢٤٠