إرشاد العقول إلى مباحث الأصول - ج ٤

الشيخ جعفر السبحاني

إرشاد العقول إلى مباحث الأصول - ج ٤

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-128-1
الصفحات: ٥٦٤

المستصحِب ملتفت إلى شكّه.

نعم لو ثبت كونه أصلاً تعبدياً عندهم وانّهم يعملون به لحفظ النظام ، كان دليلاً على حجّية الاستصحاب ، ولكنّه غير ثابت.

وهناك مشكلة أُخرى وهي أنّهم إنّما يعملون به في الأُمور الحقيرة لا الخطيرة بل يتوقّفون حتى يحصل لهم الاطمئنان.

وأمّا الثاني : فقد أورد عليه المحقّق الخراساني بأنّه يكفي في الردع ما دلّ في الكتاب والسنّة على النهي عن اتّباع غير العلم ، أو ما دلّ على البراءة والاحتياط في مورد الشبهات.

وأورد عليه المحقّق النائيني : بأنّ ما ذكره هنا ينافي ما تقدّم منه في باب حجّية الخبر الواحد حيث قال هناك : بأنّ ما دلّ من الكتاب والسنّة على النهي عن اتباع غير العلم لايكون رادعاً لبناء العقلاء على العمل بخبر الواحد لاستلزامه الدور ، ولكنّه سلّم في المقام بأنّها صالحة لردع بناء العقلاء على العمل بالاستصحاب مع أنّ بناء العقلاء على الأخذ بالحالة السابقة لو لم يكن أقوى من بنائهم على العمل بالخبر الواحد فلا أقلّ من التساوي بين المقامين.

يلاحظ على هذا الإشكال : بوجود الفارق بين قول الثقة والأخذ بالحالة السابقة ، فإنّ الأوّل عند العرف مساوق للعلم بمعنى الاطمئنان ، وهذا بخلاف الأخذ بالحالة السابقة ، إذ لايفيد إلاّ الظن دون الاطمئنان.

وعلى ضوء ذلك فلاينتقل العرف من قوله سبحانه : ( وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) (١) إلى قول الثقة المفيد للعلم العرفي ، بخلاف الاستصحاب فبما أنّه مفيد

__________________

١. الإسراء : ٣٦.

٢١

للظن الضعيف ينتقل إليه من هذه الآية ونظائرها إلى أنّها بصدد الرد على العمل بهذا الظن.

والأولى أن يجاب بأنّ الآيات الناهية عن العمل بالظن أو العمل بغير العلم ناظرة إلى ما كان عليه العرب في العصر الجاهلي ، حيث كان ديدنهم العمل ، وفق الخرص والتخيّل ، ولذلك يقول سبحانه : ( إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاّ الظّنَّ وَما تَهْوَى الأَنْفُسُ ) (١) ، وقوله سبحانه : ( إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاّيَخْرُصُون ) (٢). ففي الآية الأُولى عطف ( وما تهوى الأنفس ) ، على الظن ، كما أنّه في الآية الثانية فسّر ( الظن ) بالخرص ، كلّ ذلك شاهد على أنّ الآيات الناهية بصدد نفي ما كان عليه العرب في العصر الجاهلي من العمل بموازين موهومة ، فكانوا يقولون : بأنّ الملائكة بنات اللّه ، أو انّ عيسى ابن اللّه ، إلى غير ذلك وأين هذا من بناء العقلاء على الأخذ بالحالة السابقة الذي يدور عليه نظام الحياة في غالب الأُمور؟ فبناء العقلاء خارج عن مدلول الآيات تخصصاً وموضوعاً.

الثاني : الاستقراء

قال الشيخ : إنّا تتبّعنا موارد الشكّ في بقاء الحكم السابق المشكوك من جهة الرافع فلم نجد مورداً إلاّ وقد حكم فيه الشارع بالبقاء ، إلاّ مع أمارة توجب الظن بالخلاف. وهي لاتتجاوز عن موارد ثلاثة :

أ : الحكم بنجاسة البلل الخارج قبل الاستبراء ، فانّ الحكم بها ليس لعدم اعتبار الحالة السابقة ، وإلاّ لوجب الحكم بالطهارة لقاعدة الطهارة ، بل لغلبة بقاء

__________________

١. النجم : ٢٣.

٢. يونس : ٦٦.

٢٢

جزء حتى البول أو المني في المخرج فرجّح الظاهر على الأصل ، وهو أصالة الطهارة.

ب : غسالة الحمام عند بعض ، فانّ مقتضى الاستصحاب أو قاعدة الطهارة ، طهارة الماء ، إلاّ أنّ الظاهر هو انفعال هذه المياه القليلة بالنجاسة ، فقدّم الظاهر على الأصل.

ج : ظهور فعل المسلم في الصحّة ، حيث يقدّم على أصالة الفساد التي هي مفاد الاستصحاب.

يلاحظ عليه : أنّ الاحتجاج بالاستقراء على حجّية قاعدة يتوقف على تتبع الأحكام الشرعية من الطهارة إلى الديات حتى يعلم بعلم قطعي أنّه يحكم بالأخذ وفق الحالة السابقة في مورد الشك ، وتحصيل هذا العلم أمر مشكل.

والاستدلال على الاستقراء بما ورد في الحديث : « يستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة » ، وقوله عليه‌السلام : « صم للرؤية وأفطر للرؤية » لايكون استقراء ناقصاً ، فكيف استقراء كاملاً؟

نعم حَكَم الشارع في مسألة استظهار الحائض قبل تجاوز العشرة ، أو يوم الشكّ على وفق الاستصحاب وهما موردان لايفيان بالمقصود.

الثالث : الاستصحاب مفيد للظن

إنّ الثبوت السابق مفيد للظن به في اللاحق ، وإليه استند شارح المختصر الحاجبي ، فقال : معنى استصحاب الحال : انّ الحكم الفلاني قد كان ولم يظن عدمه ، وكلّ ما كان كذلك فهو مظنون البقاء.

٢٣

يلاحظ عليه : بعدم ثبوت الكبرى أوّلاً ، لمنع إفادته للظن في كلّ مورد ، وبعدم الدليل على حجّية هذا الظن ثانياً.

الرابع : الإجماع المنقول

استدل صاحب المبادئ على حجية الاستصحاب بالإجماع ، فقال : الاستصحاب حجّة لإجماع الفقهاء على أنّه متى حصل حكم وقع الشكّ في أنّه طرأ ما يزيله أو لاوجب الحكم ببقائه على ما كان أوّلاً ، ولولا القول بأنّ الاستصحاب حجّة لكان ترجيحاً لأحد طرفي الممكن من غير مرجّح. (١)

يلاحظ عليه : أنّه لم يثبت إجماع العلماء على الحجية ، وعلى فرض ثبوته لعلهم اعتمدوا على أحد هذه الوجوه المذكورة من سيرة العقلاء ، أو الاستقراء ، أو كونه مفيداً للظن ، ومعه لايبقى اعتمادعليه ، لأنّ مدارك حكمهم عندنا ضعيفة.

الخامس : الأخبار المستفيضة

تضافرت الأخبار على عدم جواز نقض اليقين بالشك ، وهي أوضح الوجوه في المقام ، وقد استمرّ الاستدلال بها من عصر الشيخ الجليل حسين بن عبد الصمد ( ٩١٨ ـ ٩٨٤ هـ ) والد الشيخ بهاء الدين العاملي ( قدّس سرّهما ) إلى يومنا هذا ، واستدل بها في كتاب « العِقْد الطهماسبي » ، وإليك الروايات :

١. مضمرة زرارة الأُولى

روى الشيخ في التهذيب باسناده عن الحسين بن سعيد ، عن حمّاد ، عن

__________________

١. مبادئ الوصول في علم الأُصول : ٥٦ ، ط طهران.

٢٤

حريز ، عن زرارة قال : قلت له : الرجل ينام وهو على وضوء أتوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ فقال : « يا زرارة قد تنام العينُ ولاينام القلب والأُذن ، فإذا نامت العين والأُذن والقلبُ وجب الوضوء ».

قلت : فإن حُرِّك الى جنبه شيء ولم يعلم به؟ قال : « لا ، حتى يستيقن أنّه قد نام ، حتى يجيء من ذلك أمر بيّن ، وإلاّ فانّه على يقين من وضوئه ، ولاتنقض اليقين أبداً بالشك وإنّما تنقضه بيقين آخر ». (١)

والاستدلال يتوقف على صحّة السند ، والدلالة.

أمّا السند ، فقد أخذ الشيخ الطوسي الحديث عن كتاب الحسين بن سعيد الأهوازي الثقة ، وهو يروي عن حمّاد ، أي حمّاد بن عيسى ( المتوفّى عام ٢٠٩ ، أو ٢٠٨ هـ ) المعروف بغريق الجحفة ، صاحب الرواية التعليميّة في الصلاة لا عن حمّاد بن عثمان ( المتوفّى عام ١٩٠ هـ ) لعدم رواية الحسين بن سعيد عنه ، وهويروي عن حريز بن عبد اللّه السجستاني الثقة ، عن زرارة ، عن أحدهما.

وأمّا سند الشيخ إلى سعيد ، فهو صحيح في المشيخة والفهرست ، فقد ذكر في الأُولى إلى كتبه أسانيد مختلفة منها : انّه يرويها عن مشايخه الثلاثة : المفيد ، الغضائري ، وابن عبدون ، عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن أبيه محمد بن الحسن بن الوليد ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد. (٢) وكلّهم ثقات على الأظهر ، والطريق صحيح.

وأمّا الإضمار فلايضر بالاستدلال لجلالة زرارة ، فهو لايصدر إلاّ عن

__________________

١. الوسائل : الجزء ١ ، الباب ١ من أبواب الوضوء ، الحديث ١ ، والخطاب في قوله : « ولاتنقض » من قبيل الالتفات ، حيث عدل من الغيبة إلى الخطاب.

٢. التهذيب : ١٠ / ٣٨٦.

٢٥

أحاديث الأئمّة المعصومين ، ومشاركة هذه الرواية مع سائر الروايات في التعبير ، ومع ذلك فقد رواه المحدّث الاسترآبادي وصاحب الحدائق والفصول عن الإمام الباقر عليه‌السلام ، ولعلّهما وقفاً على ما لم نقف عليه. (١)

وأمّا الدلالة فيتوقف البحث فيها على عدّة أُمور :

أ : ما هو محور السؤال؟

لا شكّ انّ قوله : « فإن حرّك في جنبه شيء ، ولم يعلم به » ، سؤال عن شبهة موضوعية ، والشكّ في تحقّق النوم وعدمه بعد الوقوف على الحدّ الناقض منه.

إنّما الكلام في السؤال الأوّل ، أعني قوله : « أتوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ » ففيه احتمالات ثلاثة :

١. أن يكون السؤال عن مفهوم النوم ، لا عن مفهومه الإجمالي بل عن مفهومه الدقيق ، فحاول التعرّف عليه حتى يطبقه على مورد الشبهة ، فتكون الشبهة عندئذ ، شبهة مفهوميّة.

٢. أن يكون عارفاً بمفهوم النوم ، إجمالاً وتفصيلاً ، وكان السؤال عمّا هو الموضوع للناقضية ، فهل هو مطلق تعطيل حاسّة من الحواس كالعين؟ أو المرتبة الوسطى منه ، لتحصيل العين والسمع أو المرتبة العليا منه؟ فأجاب الإمام بأنّ الموضوع هو المرتبة العليا ، أعني : إذا تعطّلت الحواس الثلاث.

٣. أن يكون السؤال عن ناقضية الخفقة ، مع العلم بعدم دخولها في النوم ، ولكن يحتمل أن تكون ناقضة برأسها.

__________________

١. الفوائد المدنية : ١٤٢ ، مبحث التمسّك بالاستصحاب ؛ الحدائق : ١ / ١٤٣ ، المقدمة الحادية عشرة ؛ وحكي عن رسال المحقّق البهبهاني انّه أيضاً أسندها إلى الإمام الباقر عليه‌السلام.

٢٦

والثالث غير مراد قطعاً ، لأنّ النواقض محدودة ومن البعيد أن لايعرف زرارة نواقض الوضوء ، مع أنّ جواب الإمام لايوافق هذا الاحتمال ، فدار الأمر بين الأوّل حيث تكون الشبهة عندئذ مفهومية تستعقب شبهة حكمية ، والثاني فتكون الشبهة شبهة حكمية محضة ، ولعلّه المتعيّن حيث إنّ الإمام بشرحه مفهوم النوم ، عيّن الناقض ، وانّه عبارة فيما إذا نامت فيه الحواس الثلاثة.

ب : ما هو الجزاء لقوله : وإلاّ فإنّه على يقين؟

إنّ قوله « وإلاّ » قضية شرطية ، أي « وإن لم يجئ من ذلك بأمر بيّن » فيحتاج إلى الجزاء. فما هو الجزاء؟ هنا احتمالات ثلاثة :

١. أن يكون الجزاء محذوفاً : أي فلايجب الوضوء.

٢. أن يكون الجزاء قوله : « فإنّه على يقين من وضوئه ».

٣. أن يكون الجزاء قوله : « ولاتنقض اليقين أبداً بالشكّ ».

أمّا الاحتمال الأوّل ، فهو أوضح الوجوه حيث حذف الجزاء وأُقيمت العلّة المركبة من صغرى وكبرى مكانه ، أعني قوله عليه‌السلام : « فإنّه على يقين من وضوئه ولاتنقض اليقين أبداً بالشك » وله نظائر في التنزيل مثل قوله سبحانه : ( إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ) (١) ، وغير ذلك.

وأورد عليه المحقّق النائيني : إنّ فرض الجزاء مقدّراً كقوله : « فلايجب الوضوء » يستلزم التكرار لسبق نظيره في قوله : « لا حتى يستيقن » ، أي لايجب الوضوء حتى يستيقن.

__________________

١. يوسف : ٧٧.

٢٧

يلاحظ عليه : أنّ نكتة التكرار هو التركيز على عدم الوجوب ، مضافاً إلى أنّه إنّما يستهجن لو كان الجزاء مذكوراً لامحذوفاً مقدّراً.

وأمّا الاحتمال الثاني أي كون الجزاء ، قوله : « فإنّه على يقين » ، فهولا يخلو إمّا أن يكون باقياً على ظاهره من الإخبار عن كونه على يقين من وضوئه ، أو غير باق بل يكون مؤوّلاً إلى الإنشاء ، أي « وليكن على يقين من وضوئه » ، فالأوّل لايصلح أن يقع جزاء ، لعدم الصلة عندئذ بين الشرط والجزاء ، وعدم ترتّبه على الشرط ؛ والثاني بعيد عن ظاهر الكلام حيث أطلق الجملة الخبرية وأُريد بها الإنشاء بلا قرينة.

وأمّا الاحتمال الثالث بأن يكون الجزاء قوله : « ولاتنقض اليقين أبداً بالشك » ، ويكون قوله : « فهو على يقين » توطئة للجزاء فهو أبعد ، إذ لايدخل حرف العطف على الجزاء.

نعم الجزاء عند الأُدباء هو قوله : « فانّه على يقين » لكنّهم يدرسون الظاهر وإلاّ فالجزاء محذوف.

ج : دلالة الرواية على حرمة النقض في جميع الأبواب

إذا قلنا بكون الجزاء محذوفاً تكون الجملة الواقعة بعده تعليلاً مركباً من صغرى وكبرى ، أعني :

١. انّه على يقين من وضوئه ، ٢. ولاتنقض اليقين أبداً بالشك.

فدلالة التعليل على حرمة نقض اليقين في باب الوضوء لاغبار عليه ، إنّما الكلام في دلالته على حرمته مطلقاً في جميع الأبواب.

فربما يحتمل اختصاص التعليل بباب الوضوء حيث إنّ اليقين في الصغرى

٢٨

تعلّق بالوضوء حيث قال : « وإلاّ فانّه على يقين من وضوئه » ، وعندئذ يكون الحدّ الوسط في الكبرى هو أيضاً اليقين بالوضوء ، أي ولاتنقض اليقين بالوضوء أبداً بالشكّ ، فلايعمّ الحديث عامة الأبواب.

وبعبارة أُخرى : تكون « اللام » في الكبرى للعهد لاللجنس.

وأجاب عنه المحقّق الخراساني بأنّ قوله : « من وضوئه » ، في الصغرى ليس من متعلّقات اليقين حتى يكون اليقين مقيداً به ، بل هو ظرف مستقر متعلّق بلفظ مقدّر ، أي هو من طرف وضوئه على يقين فيكون الحدّ الأوسط في الصغرى كالكبرى هو نفس اليقين.

ولكنّه بعيد عن الذوق العربي إذ المتبادر من العبارة تعلّق الظرف باليقين ، والأولى أن يجاب بأنّ العرف يساعد على إلغاء التقيّد به ، وذلك للوجوه التالية :

أ : انّ التعليل بأمر ارتكازي غير مختص بباب دون باب ، ومفاده : انّ اليقين أمر مبرم مستحكم لاينقض بالأمر الرخو.

ب : قوله : « أبداً » يناسب عدم اختصاصه بباب.

ج : ورود الكبرى في غير باب الوضوء أيضاً ، كما سيوافيك.

وبذلك يعلم أنّه لو قلنا : إنّ الجزاءمحذوف تكون الجملتان أظهر في العموم والشمول ، بخلاف ما لو قلنا : إنّ الجزاء هو الصغرى ، أو الجزاء هو الكبرى ، فإنّ استفادة الشمول يكون أمراً مشكلاً كما لايخفى.

٢. الصحيحة الثانية لزرارة

روى في « علل الشرائع » في الباب الثمانين تحت عنوان « علّة غَسْلِ المنيّ إذا

٢٩

أصاب الثوب » عن أبيه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن زرارة قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ...

ورواه الشيخ في « التهذيب » مضمرة عن الحسين بن سعيد ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن زرارة قال : قلت له ...

وعلى ذلك فلاغبار على الرواية سنداً ، أضف إليه ما ذكرناه في المضمرة السابقة في حقّ زرارة ، والرواية مشتملة على ستة أسئلة ، وسبعة أجوبة ، فإنّ للسؤال السادس شقين في كلام الإمام بهما صارت الأجوبة سبعة ، وإليك الأسئلة والأجوبة واللفظ للتهذيب.

١. أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره ، أو شيء من مني ، فعلّمتُ أثره إلى أن أصيب له من الماء ، فأصبتُ وحضرت الصلاة ونسيت أنّ بثوبي شيئاً وصلّيتُ ، ثمّ إنّي ذكرت بعد ذلك.

قال : « تعيدُ الصلاة وتغسله ».

٢. قلت : فإنّي لم أكن رأيتُ موضِعَه ، وعلمتُ أنّه قد أصابه فطلبته فلم أقدر عليه فلما صلّيت وجدته؟ قال : « تغسله وتعيد »

٣. قلت : فإن ظننت أنّه قد أصابه ولم أتيقّن ذلك فنظرتُ فلم أر شيئاً ثمّ صليتُ فرأيت فيه؟

قال : « تغسله ولاتعيد الصلاة ».

قلت : لم ذلك؟

قال : « لأنّك كنت على يقين من طهارتك ثمّ شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً ».

٤. قلت : فإنّي قد علمتُ أنّه قد أصابه ولم أدر أين هو فأغسله؟

٣٠

قال : « تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنّه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك ».

٥. قلت : فهل عليّ إن شككتُ في أنّه أصابه شيء أن أنظر فيه؟

قال : « لا ، ولكنّك إنّما تريد أن تُذْهِبَ الشكَ الذي وقع في نفسك ».

٦. قلت : إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة؟

فأجاب الإمام بأنّ له صورتين.

أ : قال : « لاتنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته ».

ب : « وإن لم تشكّ ثمّ رأيته رطباً قطعت الصلاة وغسلته ثمّ بنيت على الصلاة ، لأنّك لاتدري لعلّه شيء أوقع عليك ، فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك ». (١)

إنّ الكلام في مقامات :

الأوّل : في سند الحديث

إنّ سند الرواية صحيح ، فقد رواه الشيخ بسنده الماضي ، عن الحسين بن سعيد الأهوازي ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن زرارة ، قال قلت له : ... وهي أيضاً كسابقتها مضمرة ، ولكن لايضر الإضمار كما مر.أضف إليه انّ الصدوق نقله مسنداً.

الثاني : في توضيح الأسئلة الواردة فيها

إنّ الرواية مشتملة على أسئلة وأجوبة ستة غير انّ للسؤال السادس شقّين ـ

__________________

١. التهذيب : ١ / ٤٤٦ ح ١٣٣٥ ، باب تطهير البدن والثياب من النجاسات ؛ الوسائل : ٢ / ١٠٥٣ و ١٠٦١ و ١٦٠٥ ، ح١ و ٢ ، الباب ٤١ و ٤٤ و ٣٧ من أبواب النجاسات.

٣١

كما يظهر من جواب الإمام ـ والفرق بين الأسئلة واضح.

فالأوّل من الأسئلة يركز على وجود العلم التفصيلي بإصابة النجس الثوبَ مع العلم بمحله مشخصاً ، لكنّه صلّى فيه نسياناً.

والثاني منها يركز على العلم الإجمالي بإصابة النجس الثوبَ مع عدم العلم بمحله مشخصاً ، فقد حكم الإمام بالإعادة في كلتا الصورتين ، وانّ النسيان ليس بعذر مع سبق العلم تفصيلاً أو إجمالاً.

والثالث منها ناظر إلى الظن بوجود النجاسة دون العلم حيث ظن ونظر ولم ير شيئاً ، ثمّ صلّى فرأى فيه النجاسة. وفي السؤال احتمالان كما سيوافيك.

والرابع منها ناظر إلى كيفية تحصيل البراءة اليقينية إذا علم بإصابة النجس الثوب ولم يعرف مكانه مشخصاً ، فأجاب الإمام بأنّه تغسل الناحية التي قد أصابها.

والخامس ناظر إلى وجوب الفحص عن إصابة النجاسة وعدمه ، فأجاب الإمام بعدمه ، مع أنّ مقتضى القاعدة هو وجوب الفحص لسهولة تحصيل العلم بالواقع ، لكن الجواب حاك عن وجود السهولة في باب النجاسات.

وأمّا السؤال السادس بكلا شقيه فسيوافيك الكلام فيه.

الثالث : في إيضاح السؤال الثالث

جاء في السؤال الثالث قول الراوي : « فإن ظننت انّه قد أصابه ولم أتيقّن ذلك فنظرت فلم أرَشيئاً ، ثمّ صلّيت فرأيت فيه » فقد فسر بوجهين :

١. انّه ظن الإصابة دون أن يتيقّن ، وبعد الفراغ عن الصلاة رأى فيه

٣٢

النجاسة التي ظن بها قبل الصلاة ، وهذا هو أحد الاحتمالين عند الشيخ حيث قال : أن يكون مورد السؤال إن رأى بعد الصلاة نجاسة يعلم أنّها هي التي خفيت عليه قبل الصلاة ، فالمراد من اليقين هو اليقين قبل ظن الإصابة ، ومن الشك هو الشكّ حين إرادة الدخول في الصلاة ، فيكون ظرف الاستصحاب هو قبل الدخول في الصلاة.

٢. أن يكون مورد السؤال رؤيةَ النجاسة بعد الصلاة مع احتمال وقوعها بعدها ( لامع العلم بوجودها قبل الصلاة كما في الاحتمال الأوّل ) فالمراد أنّه ليس ينبغي ـ بعد الفراغ عن الصلاة ـ أن تنقض اليقين بالطهارة بمجرّد احتمال وجود النجاسة حال الصلاة ، فالعلم بطهارة الثوب قبل الصلاة ، لايُنقض بالشك إلى الفراغ منها. نعم لايثبت بالأصل ، تأخّرها عن الصلاة ، فيكون ظرف الاستصحاب هو بعد الصلاة ، بخلافه على الاحتمال الأوّل فانّ ظرفه هو قبلها.

يلاحظ عليه : انّه مخالف لقول السائل : « فصلّيت فيه فرأيت فيه » أي رأيت النجاسة التي ظننت إصابتها للثوب قبل الدخول في الصلاة.

الرابع : في كيفية الاستدلال بالفقرة الثالثة

إذا كان المراد هو ما اخترناه ، فالمراد انّه كان قبل ظن الإصابة على يقين من طهارة ثوبه ، فإذا شكّ حين الدخول في الصلاة فليس له أن ينقض اليقين بالطهارة ، بالشك في الإصابة حين الدخول.

وهنا إشكال واضح : انّ عدم جواز نقض اليقين بالشكّ حين الدخول ، صالح لتجويز الدخول في الصلاة المشروطة بالطهارة ، حيث إنّ الامتناع عن الدخول فيها نقض لآثار تلك الطهارة المحرزة قبل الدخول ، ولايصلح علة

٣٣

لعدم الإعادة إذ ظرف الإعادة إنّما هو بعد الصلاة ، ولو حكم بها يكون من قبيل نقض اليقين بالطهارة ، باليقين بالنجاسة حيث إنّ المفروض أنّه رأى بعد الصلاة نفس النجاسة التي خفيت عليه حين الدخول.

وحاصل الإشكال : انّ كلام الإمام ـ أعني : « فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً » ـ راجع إلى إحدى الحالتين :

أ : حالة ما قبل الدخول في الصلاة ، وهناك يقين بالطهارة وشكّ في طروء النجاسة ، فأركان الاستصحاب موجودة ، لكنّه يصلح أن يكون علّة لجوازالدخول في الصلاة. وليس هناك موضوع للإعادة.

ب : حالة الفراغ من الصلاة ، فهناك تبدّل اليقين بالطهارة إلى اليقين بالنجاسة ، فلايصحّ تعليل عدم الإعادة باستلزامه نقض اليقين بالشكّ ، لأنّ المفروض تبدّل يقينه إلى يقين آخر فأركان الاستصحاب مختلّة.

وقد أُجيب عن الإشكال بوجوه :

١. ما نقله الشيخ الأعظم عن بعضهم : أنّ عدم الإعادة بملاحظة اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء ، فتكون الصحيحة من حيث تعليلها دليلاً على القاعدة وكاشفة عنها.

يلاحظ عليه : أنّ الرواية لاتعلّل الصحة بالقاعدة وهو انّ ثوب المصلّي حين الدخول كان محكوماً بالطهارة وكان المصلي مأموراً بالصلاة معها ، وامتثال الأمر الظاهري مجز عن امتثال الأمر الواقعي ، بل تعلل بأنّه لو أعاد الصلاة لكان هذا نقضاً لليقين بالشكّ مع أنّه لو حكم بالإعادة لزم نقض اليقين بالطهارة باليقين بالنجاسة.

٣٤

٢. انّ ظاهر قوله : « صلّ في الثوب الطاهر » هو لزوم إيقاع الصلاة في الطاهر الواقعي ، فلو تبيّن الخلاف وانّ الثوب كان نجساً ، تبيّن فقدُ الصلاة ، الشرط اللازم.

لكن بعد ضمِّ قاعدة الطهارة أو الاستصحاب إلى الدليل المذكور ، تتسِّع دائرةُ الشرطِ ويكون المأخوذ في صحّة الصلاة ، هو إحراز الطهارة من حين الدخول إلى الفراغ عنها ، كان الثوب طاهراً في الواقع أم لا.

وعلى ضوء هذا فلو صلّى الرجل في ثوب كان محكوماً بالطهارة بحكم الأصل أو القاعدة ، فقد صلّى في ثوب جامع لشرط الصحة ، وبذلك يعلم أنّ ظرف الاستصحاب إنّما هو حالة الدخول في الصلاة لا الفراغ عنها.

إذا علمت هذا فنرجع إلى فقه الرواية فنقول :

إنّ الإمام عليه‌السلام فرّق بين الصورتين الأُوليين والصورة الثالثة ، فحكم بالبطلان في صورة نسيان النجاسة والصحة في صورة الجهل بها ، مع اشتراك الصور في شيء واحد ، وهو إيقاع الصلاة في ثوب نجس ، ولذلك تعجب زرارة عن التفريق ، فصار الإمام بصدد الجواب بوجود الفرق بين الأُوليين والثالثة ، وذلك بعدم الاستصحاب المحرز فيهما ، لسبق العلم بالنجاسة وإن عرض له النسيان ، ومعه لا موضوع للاستصحاب ، بخلاف الصورة الثالثة فانّ الأصل المحرِز كاف في إحراز الشرط ( الطهارة المحرِزة ) ولايلزم الطهارة الواقعية ، فلو وجبت الإعادة يلزم عدم حجّية الاستصحاب وجواز نقض اليقين بالطهارة بالشكّ فيها والمفروض عدم جوازه.

وبعبارة أُخرى : انّ لازم الأخذ باليقين السابق هو كون الصلاة مشتملة على الشرط اللازم ، ومعه لا وجه للإعادة ، والحكم بها يعد دليلاً على عدم الاعتبار.

٣٥

ثمّ إنّ صاحب الكفاية بعد الإشارة إلى هذا الجواب بوجه موجز أعقبه بذكر إشكالين وجوابين بما لاحاجة إليهما.

٣. انّ صحة الصلاة وعدم وجوب الإعادة رهن أمرين حاصلين :

أ : كون الثوب محكوماً بالطهارة شرعاً ، بفضل الاستصحاب الجاري حين الدخول فيها.

ب : امتثال الأمر الظاهري المتعلّق بإقامة الصلاة فيه مقتضياً للإجزاء وسقوط الأمر الواقعي به.

وعلى هذا ، يصحّ تعليل صحّة الصلاة بالأمر الأوّل ، وحده ، وبالثاني كذلك ، وبهما مجموعاً كما في تعليل حدوث العالم ، فتارة يعلّل بأنّه متغيّر ، وأُخرى بأنّ كلّ متغيّر حادث ، وأُخرى يؤتى بكليها. والإمام عليه‌السلام اقتصر في المقام بالأمر الأوّل وانّ المصلي كان حين الدخول محرزاً لها ، والصلاة جامعة للشرط ، وكان مأموراً بإقامة الصلاة معه ، ولو ضُمَّ إليه الأمر الثاني وهو أنّ امتثال الأمر الظاهري موجب للإجزاء ، يكون التعليل كاملاً مركباً من صغرى وكبرى.

ولعلّ هذا مراد من قال بدلالة الرواية على إجراء الأمر الظاهري.

الخامس : دراسة الفقرة السادسة بكلا شقيها

إنّ زرارة تابع الأسئلة الخمسة المتقدمة بسؤال سادس ، وهو :

قلت : إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة؟

فأجاب الإمام بأنّ له صورتين :

أ : « تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته ».

٣٦

ب : « وإن لم تشكّ ثمّ رأيته رطباً قطعت الصلاة وغسلته ثمّ بنيت على الصلاة ، لأنّك لاتدري لعلّه شيء أوقع عليك ، فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك ». يقع الكلام في موضعين :

الأوّل : ما هو المقصود من الشقّ الأوّل؟

هل المراد منه السؤال عمّا سبق العلم الإجمالي بالنجاسة ، بأن علم طروء النجاسة على ثوبه إجمالاً ، ثمّ عرض النسيان؟ أو السؤال عن الشكّ البدوي ، وانّه شكّ قبل الدخول في الصلاة ولم ير شيئاً ، ثمّ رآه في أثناء الصلاة؟ الظاهر هو الأوّل ، بالقرائن التالية :

أ : تعبيره في الشقّ الثاني بقوله : « وإن لم تشك » الظاهر في أنّ الفرق بين الشقين هو وجود الشكّ في الأوّل دون الثاني ، لاسبق العلم الإجمالي في أحدهما دون الآخر.

ب : ظاهر الرواية أنّ الحكم بالإعادة لأجل رؤية النجاسة في أثناء الصلاة دون العلم الإجمالي المتقدّم ، ولو كان هناك علم إجمالي متقدّم لكان البطلان مستنداً إليه كما في السؤال الثاني حيث قال : قلت : فإنِّي لم أكن رأيت موضعه ، وعلمت أنّه أصابه فطلبته فلم أقدر عليه فلمّا صلّيت وجدته؟

ج : انّ السؤال السادس ترتب على السؤال الخامس ، وكان السؤال في الخامس عن الشبهة البدوية حيث قال : قلت : فهل عليّ إن شككتُ في أنّه أصابه شيء أن أنظر فيه؟ فقال : « لا ».

فعندئذ خطر بباله أنّه لو كان الوضع كذلك فلو شكّ قبل الدخول ، ولم يجد شيئاً ودخل في الصلاة فرآه في أثنائها فما هو واجبه؟ فأجاب الإمام : لو علم

٣٧

بأنّ المرئي ، هو المشكوك الذي احتمله قبل الدخول فيها ولايحتمل أنّه شيء أُوقع عليه في الأثناء ، فيعيد وإلاّ فلا.

وهذا الوجه يقتضي حمل الفقرة الأُولى من الجواب على الشكّ البدئي حين الدخول في الصلاة ثمّ تبدّله إلى العلم في أثنائها.

الثاني : ما هو الفرق بين هذا الشق ومورد السؤال الثالث؟

إنّ الشقّ الأوّل من السؤال السادس يشارك مورد السؤال الثالث في أمر ويفارقه في آخر.

يشاركه في الدخول في الصلاة مع الشكّ في كون الثوب نجساً أو لا.

ويفارقه في أنّ الشكّ تبدّل إلى اليقين بعد الفراغ في مورد السؤال الثالث ، وفي الأثناء في هذا الشق.

وعندئذ يتوجّه إشكال على الجواب بوجوب الإعادة في هذا الشقّ وعدمه في مورد السؤال الثالث مع اشتراكهما في وقوع الصلاة في النجس إمّا كلاً أو بعضاً مع أنّ الثاني أولى بالصحة.

الجواب عن الإشكال

إنّ بين الصورتين وراء اختلافهما في وقوع جميع الصلاة أو بعضها في النجس ، فرقاً آخر ، وهو أنّ من المحتمل أن يكون المانع عن صحة الصلاة هو النجاسة المعلوم حالها ، وهو موجود في الصورة الأُولى دون هذا الشقّ.

وبعبارة أُخرى : ادّعاء الأولوية ممنوعة ، إذ من الممكن أن تكون النجاسة المكشوفة حال الصلاة ، المقترنة معها من أوّلها إلى زمان الوقوف عليها ، مانعة ، دون

٣٨

ما إذا لم تنكشف إلاّ بعد الصلاة.

بقي الكلام في الشقّ الثاني من السؤال السادس ، أعني : ما إذا دخل في الصلاة ، متيقناً بطهارة ثوبه فإذا رأى الدم الرطب في ثوبه ، فقال الإمام : « قطعت الصلاة وغسلته ، ثمّ بنيت على الصلاة ، لأنّك لاتدري لعلّه شيء أُوقع عليك ، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك ».

فظرف الاستصحاب في هذا الشق إنّما هو حالة عروض الشك ، لاقبله فتستصحب طهارة ثوبه إلى زمان الرؤية فلم يثبت كون الصلاة مقرونة بالمانع ، فلا وجه للبطلان والإعادة ، فله أن يقطع الصلاة ويغسل الثوب على وجه لايكون العمل ماحياً لصورتها ويبني على ما مضى.

ويبقى اقتران جزء صغير من الصلاة بها ولعلّه لصغرها معفو عنه ، واللّه العالم.

السادس : الرواية تهدف إلى الاستصحاب

قد عرفت الفرق بين الاستصحاب وقاعدة اليقين ، وأنّ اليقين محفوظ في ظرفه حين الشكّ في الاستصحاب دونه في قاعدة اليقين ، فانّ الشكّ يسري إليه في ظرفه.

وبعبارة أُخرى : انّ في الاستصحاب في ظرف الشكّ يقيناً فعلياً وشكاً كذلك ، بخلاف قاعدة اليقين إذ ليس في ظرف الشكّ أي يقين.

فعلى هذا فلابدّ لنا من دراسة قوله : « لاتنقض » في السؤال الثالث والشقّ الثاني من السؤال السادس ، فهل ينطبق على الاستصحاب أو على قاعدة اليقين؟

٣٩

واعلم أنّ الكبرى الكلية وردت في الصحيحة في موردين : أحدهما : جواب السؤال الثالث ، والأُخرى : جواب الشقّ الثاني من السؤال السادس ، فنقول :

أمّا الوارد في جواب السؤال الثالث من قوله : « لأنّك كنت على يقين من طهارتك ثمّ شككت » فهنا احتمالان :

١. اليقين الحاصل قبل ظن الإصابة.

٢. اليقين الحاصل بعده ، وبعد الفحص وعدم الرؤية شيء.

فقال المحقّق الخراساني : لو كان المراد من اليقين هو الوجه الأوّل لانطبق على الاستصحاب ، وأمّا لو كان المراد اليقين الحاصل بعد الفحص ، فينطبق على قاعدة اليقين لزواله بعد الرؤية.

الظاهر هو الوجه الأوّل ، لما قلنا من أنّ ظرف الاستصحاب إنّما هو قبل الدخول في الصلاة ، لما مرّ عند بيان كون الاستصحاب سبباً لعدم الإعادة ، من أنّ المصلّي في تلك الحالة مخاطب بعدم نقض اليقين بالشك ، وليس هذا اليقين ، إلاّ اليقين قبل ظن الإصابة.

أضف إلى ذلك ، عدم حدوث اليقين بعد الفحص غاية الأمر عدم رؤية شيء بعد الفحص ، لا الإذعان بالعدم كما هو واضح.

وأمّا الوارد في الشقّ الثاني من السؤال السادس ، أعني : قوله : « وإن لم تشك ثمّ رأيته رطباً قطعت الصلاة وغسلته ، ثمّ بنيت على الصلاة لأنّك لاتدري لعلّه شيء أُوقع عليك ، فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك أبداً » ، فلا شكّ أنّه ليس فيه إلاّ يقين واحد ، لافتراض أنّه لم يشكّ إلى زمان رؤية الدم في ثوبه أثناء الصلاة ، لكنّه يحتمل طروءه قُبَيل الصلاة ، أو أثناءها ، فيستصحب اليقين السابق ، لأنّه كان

٤٠