إرشاد العقول إلى مباحث الأصول - ج ٤

الشيخ جعفر السبحاني

إرشاد العقول إلى مباحث الأصول - ج ٤

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-128-1
الصفحات: ٥٦٤

الشكّ في حدوثه. (١)

وجه النظر واضح انّ المستشكل نظر إلى الموجود التدريجي من منظار العقل فهو عنده شكّ في الحدوث ، لا من منظار العرف الدقيق فهو أمر واحد شخصي شكّ في طول وجوده وقصره.

الصورة الثانية : إذا شكّ في استمراره لأجل الشكّ في بقاء المقتضي

كأن لم يعلم مقدار ما نواه من السفر ، فهل نوى السفر فرسخين أو أربع فراسخ ، وجريان الاستصحاب يتوقف على وجود الإطلاق في أدلّة الاستصحاب حتى يعم الشكّ في النقض ، وقد مرّ.

الصورة الثالثة : في احتمال نيابة داع آخر مكانه

إذا شكّ في الاستمرار بعد العلم بانتفاء الداعي الأوّل واحتمال نيابة داع آخر مكانه ، كما إذا علمنا أنّه نوى السفر إلى فرسخين ولكن يحتمل عروض داع آخر ، لأنّ يستمر في سفره إلى أربعة فراسخ ، وربّما يقال بعدم الجريان ، لأنّ وحدة السير بوحدة الداعي فلو تعدّد ، يتعدّد السير ، فإذا شك في حدوث داع ثان يوجب استمراره في السير ، فهو في الحقيقة شكّ في حدوث سير آخر والأصل عدمه.

يلاحظ عليه : أنّه في نظر العرف استمرار لوجود واحد وإن اختلف الداعي ، والمقام أشبه بحفظ خيمة واحدة بدعامتين ، فتعويض الدعامة الأُولى بنصب الثانية لايوجب تعدّداً في جانب البقاء ، فهكذا المقام.

والحاصل : أنّ وحدة العمل تابع لتلاصق أجزائه ، وتعدّد الداعي بعد

__________________

١. الكفاية : ٢ / ٣١٦.

١٤١

تلاحقها لايؤثّر في كيفية العمل الخارجي.

ثمّ إنّ المحقّق الخراساني أشار إلى تصوير استصحاب الكلّي بأقسامه الثلاثة في المقام وقال : إنّ استصحاب بقاء الأمر التدريجي إمّا يكون من قبيل استصحاب الشخصي أو من قبيل استصحاب الكلّي بأقسامه ، فإذا شكّ في أنّ السورة المعلومة ـ التي شرعت فيها ـ تمّت قراءتُها أو بقي شيء منها صحّ استصحاب الجزئي والكلّي وإذا شكّ فيه من جهة تردّدها بين القصيرة والطويلة كان من القسم الثاني ، وإذا شكّ من أنّه شرع من أُخرى مع القطع بأنّه قد تمّت الأُولى كان من القسم الثالث.

الموضع الثالث : الفعل ( القارّ ) المقيّد بالزمان

إذا أمر المولى بالإمساك إلى الغروب ، أو الجلوس في المسجد إلى الظهر ، فتارة تكون الشبهة موضوعية ، وأُخرى حكميّة.

أمّا الأوّل : فكما إذا شكّ في تحقّق المغرب والظهر ، وهذا ما فرغنا منه في الموضع الأوّل فانّه كان مخصَّصاً لاستصحاب الزمان كالليل والنهار فيما إذا كان قيداً للواجب.

وأمّا الثاني : وهو كما إذا قطع بتحقّق الظهر لكن يشكّ في بقاء الحكم لاحتمال أن يكون التعبّد به إنّما هو بلحاظ كمال المطلوب ، لا أصله.

وبذلك يعلم أنّ الموضع الأوّل والثالث من مقولة واحدة وهو كون الزمان قيداً للفعل غير أنّ الشبهة تارة تكون موضوعية ويكون الشكّ متعلّقاً ببقاء الزمان وعدمه ، وأُخرى حكميّة ، ويكون الشكّ متعلّقاً ببقاء الحكم لأجل احتمال بقائه ، حتى بعد القطع بانتفاء الزمان ، والمتكفل لبيان حكم الشبهة الموضوعية هو

١٤٢

الموضع الأوّل ، والمتكّفل لبيان حكم الشبهة الحكمية هوالموضع الثالث ، ولقد قدّم المحقّق الخراساني البحث في الزمانيات ( الموضع الثاني ) ثمّ طرح البحث في الموضع الأوّل والثالث معاً.

وبذلك يعلم أنّ ذكره استصحابَ الليل والنهار عند البحث في الموضع الثاني في غير محله ، لأنّه من قبيل استصحاب الزمان لا الزمانيات.

وإلى ما ذكرنا ( استصحاب الزمان والفعل المقيد به ) ينظر قول المحقّق الخراساني : « وأمّا الفعل المقيد بالزمان فتارة يكون الشكّ في حكمه من جهة الشكّ في بقاء قيده (١) وطوراً مع القطع بانتفائه ، من جهة أُخرى كما إذا احتمل أن يكون التعبد ، إنّما هو بلحاظ تمام المطلوب لا أصله ومع احتماله يصحّ استصحاب الحكم بشرط آخر إذ انّ القيد ـ أي الزمان ـ ظرف لاقيد ، وذلك لأنّ الأمر الوجودي المجعول إن لوحظ الزمان قيداً له ( للوجوب ) أو لمتعلّقه ( الجلوس ) بأن لوحظ وجوب الجلوس المقيد بكونه إلى الزوال شيئاً ، والمقيد بكونه بعد الزوال شيئاً آخر متعلّقاً للوجوب فلامجال لاستصحاب الوجوب للقطع بارتفاع ما علم وجوده والشكّ في حدوث ما عداه ، ولذا لايجوز الاستصحاب في صم يوم الخميس إذا شكّ في وجوب صوم يوم الجمعة ، وإن لوحظ الزمان ظرفاً لوجوب الجلوس فيجري استصحاب وجوب الجلوس.

فإن قلت : إنّ الزمان لامحالة يكون من قيود الموضوع وإن أُخذ ظرفاً لثبوت الحكم في دليله ضرورة دخل مثل الزمان فيما هو المناط لثبوته فلامجال للاستصحاب لتبدّل الموضوع.

قلت : العبرة في تعيين الموضوع هو العرف لا العقل ، والفعل في كلا الزمانين

__________________

١. أي تكون الشبهة موضوعية ، وهذا هوالموضع الأوّل حسب تقسيمنا.

١٤٣

واحد ، قطع بثبوت الحكم له في الزمان الأوّل وشكّ في بقائه في الزمان الثاني.

هذا ما يرجع إلى المقام.

ثمّ الشيخ الأنصاري نقل عن المحقّق النراقي شبهة في جريان استصحاب الحكم الشرعي المجعول ، بأنّه معارض باستصحاب عدم جعله في الزمان المشكوك وأطال الكلام ، كما أنّ المحقّق الخراساني نقل نفس الشبهة في ضمن إشكال أورده على نفسه وقال : لايقال كلّ واحد من الثبوت والعدم يجري لثبوت كلا النظرين ، ثمّ أجاب :

ولكنّ الحقّ أنّ البحث حول تعارض الاستصحابين لا صلة له باستصحاب الفعل المقيّد بالزمان ، بل هو شبهة كلية له صلة بمبحث آخر وهو منع جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية من رأس ، وذلك لتعارض استصحاب بقاء الحكم في زمان الشكّ مع أصالة عدم جعله فيما عد المتيقّن ، وكان اللازم على الشيخ وتلميذه عقد تنبيه خاص لهذا الموضوع ونقد إشكال المحقّق النراقي بعده ، ولأجل ذلك خصصنا تنبيهاً مستقلاً له كالآتي.

١٤٤

التنبيهات

٦

في جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية

أو

جريانه في الفعل المقيّد بالزمان

كان التنبيه السابق معقوداً لبيان جواز استصحاب الزمان والزمانيّات ، وقد عرفت حقيقة الحال فيهما ، وبقي البحث في استصحاب القسم الثالث ، أي الفعل المقيّد بالزمان ، كالإمساك في النهار إذا شكّ في بقاء وجوبه بعد غروب الشمس ، وقد جعله الشيخ ذيلاً للتنبيه السابق ، وتبعه المحقّق الخراساني.

وبما انّ الأعلام خصُّوا الكلام بما إذا كان القيد زماناً كالنهار بالنسبة إلى الإمساك جعلوه ذيلاً للتنبيه السابق ، وبما أنّه لاخصوصية لكون القيد زماناً ، يأتي البحث في سائر القيود أيضاً عند ارتفاعها والشك في بقاء الحكم الكلّي كما في المثالين التاليين :

أ : إذا دلّ الدليل على أنّ الماء المتغيّر نجس ، فلو زال تغيّره بنفسه ، يقع الكلام في بقاء النجاسة بعد ارتفاع القيد.

ب : إذا ورد الدليل على أنّه يحرم مسُّ الحائض ، فلو حصل النقاء ولم تغتسل ، يقع الكلام في بقاء حرمة المس.

١٤٥

وبذلك يظهر أنّ ملاك البحث هو استصحاب الحكم الشرعي الكلّي بعد ارتفاع بعض قيوده سواء أكان القيد زماناً أم غيره.

وعلى ضوء ذلك : كان اللازم على الشيخ عقدَ تنبيه خاص لجواز جريانه فيه وعدمه ، لكنّه اكتفى بما في ذيل التنبيه السابق ، ولأجل الحفاظ على النظام السائد في كتاب « الفرائد » و « الكفاية » نقتفي أثر الشيخ والمحقّق الخراساني أوّلاً ، ثُمّ نوسِّع البحث في استصحاب كل حكم كلّي شرعي عند انتفاء بعض قيوده ثانياً.

إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّ منشأ الشك في بقاء الحكم الشرعي ، تارة يكون خلط الأُمور الخارجية ، وهو المعبَّر عنه بالشبهة الموضوعية ، وأُخرى فقدان النص أو إجماله أو تعارضه ، وهذا ما يعبَّر عنه بالشبهة الحكمية.

أمّا الأوّل : فلا شكّ في جريانه عند قاطبة الأخباريّين والأُصوليّين ، فمثلاً إذا شُك في بقاء النهار يُستصحب بقاؤه ، ومثله إذا شُكّ في بقاء الليل.

إنّما الكلام إذا كان الشكّ في الشبهة الحكمية ، فهناك أقوال خمسة :

الأوّل : التعارض بين الاستصحابين ، أي استصحاب العدم واستصحاب الوجود. وهذا هو خيرة المحقّق النراقي والمحقّق الخوئي.

الثاني : التفصيل بين كون القيد المرتفع ظرفاً فيجري استصحاب الوجود. أو قيداً فيجري استصحاب العدم. وهذا هو خيرة الشيخ الأنصاري والمحقّق الخراساني.

الثالث : عدم جريان الاستصحاب العدمي ، وجريان خصوص الاستصحاب الوجودي. وهو خيرة المحقّق النائيني. وقد قوّيناه لكن بطريق آخر.

١٤٦

الرابع : جريان الاستصحاب الوجودي والعدمي بلا منافاة بينهما. وهو خيرة شيخ مشايخنا الحائريّ والسيّد الأُستاذ ( قدّس سرّهما ).

الخامس : عدم جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية الكلّية أصلاً ، واختصاصه بالحكم الجزئي والشبهة الموضوعية. وهو خيرة الأخباريين. (١) وإنّما أخّرنا هذا القول عن الأقوال الأربعة ، لأجل انطباق البحث على « الفرائد » و « الكفاية » ، وإلاّ فطبع الحال كان يقتضي تقديمه على الأقوال كلّها.

القول الأوّل : جريان الاستصحابين وتعارضهما

ذهب المحقّق النراقي إلى جريان الاستصحاب في الحكم الشرعي الكلّي ، لكن تكون النتيجة هي تعارض الاستصحابين ، وقال : إذا علم أنّ الشارع أمر بالجلوس يوم الجمعة ، وعلم انّه واجب إلى الزوال ، ولم يعلم وجوبه فيما بعده ، فاستصحاب وجوبه بعده ، معارض بعدم وجوبه مطلقاً قبل التكليف ، فخرج الجلوس قبل الزوال وبقي ما بعده تحت عدم الوجوب الأزلي. (٢)

وحاصل الاستدلال : وجود التعارض بين جرّ وجوب الجلوس إلى ما بعد الزوال ، واستصحاب عدم جعل الوجوب بتاتاً ، لاقبل الزوال ولابعده ، خرج عنه ، الجلوسُ إلى الزوال بالدليل الشرعي ، فيُستصحب عدم الوجوب المطلق من بعد الزوال إلى الغروب.

__________________

١. هذا هو القول الخامس من بين الأقوال البالغة أحد عشر قولاً في حجية الاستصحاب في الفرائد ، لاحظ ص ٣٤٧.

٢. الفرائد : ٣٧٦ ط رحمة الله.

١٤٧

القول الثاني : التفصيل بين كون الزمان ظرفاً وقيداً

ذهب الشيخ والمحقّق الخراساني إلى جريان الاستصحاب في الحكم الشرعي الكلّي من دون أن يكون هنا تعارض ، وذلك لأنّ الزمان في دليل المستصحب لايخلو إمّا أن يكون قيداً للموضوع ومفرِّداً له ، وبين كونه ظرفاً للفعل (١) فإن كان قيداً للموضوع ، بمعنى أنّ الجلوس المقيد إلى الزوال واجب ، فلايجري استصحاب الحكم الوجودي ، لتبدّل الموضوع ، وعدم صدق النقض لو لم نقل بجريانه ، بل يكون أشبه بالقياس ، بل يجري استصحاب عدم الوجوب لأنّ انتقاض عدم الوجود المقيّد لايستلزم انتقاض المطلق ، والأصل عدم الانتقاض كما إذا ثبت وجوب صوم يوم الجمعة ولم يثبت غيره.

وإن أُخذ الزمان ظرفاً للفعل ، بتصوّر أنّ الجلوس فعل لايتحقّق إلاّ في الزمان ، فلايجري إلاّ الاستصحاب الوجودي ، لأنّ العدم المطلق انتقض بالوجود المطلق وقد حكم عليه بالاستمرار بمقتضى أدلة الاستصحاب. (٢)

ثمّ إنّ المحقّق الخراساني بعد ما ذكر ـ في مقام الإجابة عن التعارض ـ خلاصة كلام الشيخ أورد على نفسه إشكالاً ليس في كلام الشيخ ، وهو : انّه لما كان كل من النظرين ( كون الزمان قيداً أو ظرفاً ) أمراًمحتملاً ، يجري كلا الاستصحابين ، لأنّ كلاً منهما محتمل البقاء.

فأجاب عن الإشكال بأنّه إنّما يصحّ إذا كان في أخبار الباب ما بمفهومه يعمّ كلا الاستصحابين ، وإلاّ فلايكون هنا إلاّ استصحاب واحد لما عرفت من أنّ

__________________

١. وما في الكفاية : ظرفاً للحكم لايخلو من تسامح.

٢. الفرائد : ٣٧٧ ، ط رحمة الله.

١٤٨

استصحاب الأمر الوجودي فرع لحاظ الزمان ظرفاً ، واستصحاب الأمر العدمي فرع لحاظه قيداً ولايمكن الجمع بين اللحاظين في دليل واحد.

نقد تفصيل الشيخ

ثمّ إنّ المحقّق الخوئي أنكر احتمال أن يكون الزمان المأخوذ في لسان الدليل ظرفاً ، وقال : بأنّه قيد دائماً ، وعلى هذا يكون المورد صالحاً للاستصحاب العدمي دون الوجودي ، وقال ماهذا حاصله :

إنّ الإهمال في مقام الثبوت غير معقول ، فالأمر بالشيء إمّا أن يكون مطلقاً ، أو يكون مقيداً بزمان خاص ، ولانتصور الواسطة ، ومعنى كونه مقيَّداً بزمان خاص عدم وجوبه بعده ، فأخذ الزمان ظرفاً للمأمور به ـ بحيث لاينتفي المأمور به بانتفائه في مقابل أخذه قيداً للمأمور به ـ مما لايرجع إلى معنى معقول ، فانّ الزمان بنفسه ظرف لايحتاج إلى الجعل التشريعي ، فإذا أخذ زمان خاص في المأمور به فلامحالة يكون قيداً له ، فلا معنى للفرق بين كون الزمان قيداً أو ظرفاً ، فانّ أخذه ظرفاً ليس إلاّ عبارة أُخرى عن كونه قيداً. (١)

يلاحظ عليه : أنّ معنى كون الزمان أو مطلق القيود ظرفاً ليس بمعنى عدم مدخليته حدوثاً وبقاءً ، وإلاّ يكون أخذه في لسان الدليل لغواً ، بل المراد مدخليته حدوثاً لابقاءً مقابلَ مدخليته حدوثاً وبقاءً.

فعلى الأوّل يكون الزمان ظرفاً وعلى الثاني قيداً.

وبذلك صحّحنا استصحاب نجاسة الماء المتغيّر الذي زال تغيّره بنفسه ، فانّ النجاسة ليست محمولة على مطلق الماء ، ولاعلى الماء مادام متغيّراً حتى تلزم

__________________

١. مصباح الأُصول : ٣ / ١٣١.

١٤٩

طهارته إذا زال تغيره بنفسه ، بل على الماء الذي صار متغيّراً في آن من الآنات فهو محكوم بالنجاسة إلى أن تثبت طهارته.

وإن شئت قلت : إنّ القيود بعامتها سواء أكانت زماناً أم غيره من قبيل الواسطة في الثبوت ، التي تكفي في استمرار الحكم وجود القيد آناً ما ( كالتغيّر ) لا الواسطة في العروض التي يدور استمرار الحكم على وجود الواسطة حدوثاً وبقاءً كجريان الماء على الميزاب المصحّح لنسبة جريانه إلى الميزاب مادام الجريان حاصلاً بالفعل.

إلى هنا تمت النظريتان : نظرية التعارض ، ونظرية التفصيل ، وإليك النظرية الثالثة ، وهي تعني جريان خصوص الاستصحاب الوجودي دون العدمي.

القول الثالث : جريان خصوص الاستصحاب الوجودي

ذهب المحقّق النائيني إلى أنّ المورد صالح للاستصحاب الوجودي دون العدمي ، حتى ولو كان الزمان قيداً ، وحاصل ما أفاد هو مايلي :

إنّ العدم الأزلي هو العدم المطلق الذي يكون كلّ حادث مسبوقاً به ، وانتقاض هذا العدم بالنسبة إلى كلّ حادث إنّما يكون بحدوث الحادث وشاغليّته لصفحة الوجود ، فلو ارتفع الحادث بعد وجوده ، فهذا العدم غير العدم الأزلي ، بل هو عدم آخر حادث بعد وجود الشيء.

وذلك لأنّ العدم المقيّد بقيد خاص من الزمان أو الزماني إنّما يكون متقوّماً بوجود القيد ، كما أنّ الوجود المقيّد بقيد خاص إنّما يكون متقوّماً بوجود ذلك القيد ، ولايعقل أن يتقدّم العدم أو الوجود المضاف إلى زمان خاص عليه (١) ، بل يكون

__________________

١. في النسخة المطبوعة أخيراً « عنه » والظاهر « عليه » أي على الزمان.

١٥٠

العدم بعد الزوال كالوجود المقيّد به ، ويكون قوامه وتحقّقه بعد الزوال ، ولايكون له تحقّق قبل الزوال فلايمكن استصحاب العدم بعد الزوال إلاّ إذا آن وقت الزوال ، ومن المعلوم ليست لهذا العدم المقيد حالة سابقة آن وقت الزوال.

فتكون النتيجة ، أنّ العدم المطلق وإن كان ذا حالة سابقة ، لكنّه انتقض بوجوب الجلوس إلى الزوال ، وأمّا العدم المضاف إلى الزوال الذي لايتحقّق إلاّ بتحقّق الزوال فليس له حالة سابقة إلاّ بنحو السالبة بانتفاء الموضوع. (١)

يلاحظ عليه : أنّ حدوث كلّ فرد مسبوق بعدم نفسه ، فكما أنّ وجوب الجلوس إلى الزوال كان مسبوقاً بعدم نفسه ، فهكذا وجوب الجلوس بعد الزوال مسبوق بعدم نفسه ، بشهادة أنّه حادث ، وكلّ حادث مسبوق بالعدم ، وعلى ذلك يكون عدمه نفس العدم الأزلي.

وما ذكره من أنّ هذا العدم إنّما يتحقّق عند الزوال ، فهو خلط بين العدم المضاف إلى « الزوال » والعدم المقيّد بالزوال ، فالأوّل مضاف إلى المعدوم وهو عدم أزلي سابق ، والثاني أي ما يكون العدم مقيّداً بالزوال فهو عدم مقارن مع الزوال وليس أزلياً.

فالأوّل منه متحقّق قبل الزوال مع إضافة العدم إليه ، بخلاف الثاني فانّه يتوقف على حلول الزوال.

نظرية النراقي بثوبها الجديد

ثمّ إنّ المحقق الخوئي أحيا نظرية المحقّق النراقي ببيان آخر ، وحاصله : أنّ للأحكام مرحلتين :

____________

١. فوائد الأُصول : ٤ / ٤٤٥ ـ ٤٤٦.

١٥١

١. مرحلة الإنشاء والجعل.

٢. مرحلة الفعلية والتحقّق.

أمّا الأُولى : هو عبارة عن إنشاء الحكم على العنوان إذا لم يكن هناك مصداق له ، كإنشاء وجوب الحج على المستطيع مع عدم مصداق له.

وأمّا الثانية : فهي عبارة عن تحقّق الموضوع ، أي وجود المستطيع مع عامة شرائطه. هذا وبإمكاننا أن نعبّر عن الأُولى بمرحلة الجعل ، وعن الثانية ، بمرحلة المجعول.

إذا عرفت هذا فنقول : إنّ الشكّ في المجعول في الشبهات الحكمية على قسمين :

أ : ما كان الزمان مفرِّداً للموضوع ، وكان الحكم انحلاليّاً ، كحرمة وطأ المرأة الحائض حسب أفرادها ، وكوطئها قبل النقاء أو بعده قبل الاغتسال ، ففي مثله لايجري استصحاب الحرمة ، لأنّ الفرد المحقّق بعد النقاء وقبل الاغتسال لم تعلم حرمته من أوّل الأمر ، فيكون الاستصحاب في المقام من قبيل إسراء حكم من موضوع إلى موضوع آخر.

ب : ما إذا لم يكن الزمان مفرِّداً للموضوع ، أو لم يكن الحكم انحلالياً ، كنجاسة الماء القليل المتمَّم كرّاً ، فانّ الماء شيء غير متعدد حسب امتداد الزمان في نظر العرف ، ونجاسته حكم مستمر لكنّه مبتلى بالمعارض ، فلنا يقين متعلّق بالمجعول ، ويقين متعلّق بالجعل ، فبالنظر إلى المجعول يجري استصحاب النجاسة ، وبالنظر إلى الجعل يجري استصحاب عدمها ، إذ المتيقن جعلها للماء النجس غير المتمَّم كراً ، وأمّا جعلها مطلقاًحتى للقليل المتمَّم فهو مشكوك فيه ،

١٥٢

فيستصحب عدمه ، فتقع المعارضة بين بقاء المجعول وعدم الجعل ، ومثله استصحاب الملكية والزوجية إذا رجع البائع وشككنا في بقاء الملكية به ، أو طلَّق الزوج بلفظ نشك في كونه صيغة طلاق ، مثل قوله : أنتِ خلية. فباعتبار المجعول يجري استصحاب الملكية والزوجية ، وباعتبار الجعل يجري استصحاب عدمهما ، ويكون المقام من قبيل الأقل والأكثر ويجري الأصل في الأكثر. (١)

يلاحظ عليه أوّلاً : أنّ تفسير الحكم الإنشائي والفعلي بما ذكر خلاف ما هو المصطلح الدارج من عصر الشيخ إلى يومنا هذا ، فالحكم الإنشائي هو الحكم المجعول الذي لم يصل إلى حد الإعلام للناس والفعلي هو الحكم المجعول الذي بلّغه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على نحو لو تفحَّص المكلف مظان الحكم لوصل إليه.

فالحكم الشرعي الذي بلّغه الرسول ولم يعثر عليه المكلّف ، فعلي غير منجز ، فإذا وقف عليه أو على طريقه صار الحكم منجزاً.

وثانياً : أنّ لازم ما ذكره القول بعدم جريان استصحاب عدم النسخ ، مثلاً اتّفق الفريقان على مشروعية المتعة قبل عام الفتح ، أو عام خيبر ، فادّعت السنّة منسوخيتها ، والشيعة على استمرارها أخذاً بأصالة عدم النسخ ، مع أنّ لازم ما ذكره عدم جريانه لأنّ الأصل عدم جعل الجواز عليها بعد عام الفتح ، مع أنّ استصحاب عدم النسخ مما اتّفق عليه الأخباري والأُصولي كما نقله الشيخ الأعظم في فرائده من الأمين الاسترابادي. (٢)

وثالثاً : أنّ الجمع بين استصحابي الجعل والمجعول جمع بين المتنافيين ، فانّ استصحاب المجعول مبنيّ على أخذ الجلوس بما هو هو موضوعاً للحكم حتى

__________________

١. مصباح الأُصول : ٣ / ٣٧ ـ ٣٩.

٢. الفرائد : ٣٤٧.

١٥٣

يصح استصحابه إلى ما بعد الزوال. ولكن استصحاب عدم الجعل مبني على تقسيم الجلوس إلى قبل الزوال وما بعده حتى يقال بأنّ القدر المتيقّن هو الأوّل دون الثاني ، وهو نفس أخذ الزمان قيداً وجعله موضوعاً مستقلاً. فلم يكن الأصلان جاريين في ظرف واحد.

وأظن انّه قدس‌سره لما لم يتصوّر معنى واضحاً لظرفية الزمان ، لم يكن له بدّ إلاّ من جعل الزمان قيداً ومعه لايجري إلاّ الاستصحاب العدمي فقط.

إلى هنا تمّ بيان الأقوال الثلاثة ، وإليك بيان القول الرابع.

القول الرابع : لاتعارض بين الاستصحابين

وحاصله : انّه لاتعارض بين الاستصحابين ، إذ لا مانع من أن يكون الجلوس بما هو هو « كما هو مقتضى الاستصحاب الوجودي » واجباً وبما هو جلوس مقيدٌ بالزوال إلى المغرب غير واجب ، ولأجل اختلاف الموضوعين يختلف الحكمان ، لأنّ لازم الاستصحاب الوجودي أخذ الجلوس بما هو هو موضوعاً للحكم ، وجعل الجلوس من الزوال استمراراً للجلوس السابق من دون نظر استقلاليّ إليه حتى يتسنَّى استصحاب الحكم السابق ، واسراؤه من الزمان السابق إلى الزمان اللاحق. فيحكم على مطلق الجلوس بالوجوب.

ولكن لازم الاستصحاب العدمي هو أخذ الجلوس منقطعاً عن السابق ومحدّداً بالزوال إلى المغرب ، موضوعاً للوجوب ، ومن المعلوم انّ الحكم بعدم الوجوب للمقيّد لاينافي الحكم بالوجوب على المطلق.

وهذا ـ كما عرفت ـ خيرة شيخ مشايخنا العلاّمة الحائري ، قال قدس‌سره : لا مانع من جريان الاستصحابين ، وكون الجلوس بعد الزوال محكوماً بحكمين مختلفين ،

١٥٤

فهو بما انّه جلوس وأنّه من مصاديق مطلق الجلوس وأفراده ، محكوم بالوجوب ، وبما انّ جلوسه مقيّد ، محكوم بعدمه ، وهذا بمكان من الإمكان ، بل لا مانع من حصول القطع بذينك الحكمين فلاغرو في أن نقطع بوجوب الجلوس بعد الزوال بما هو جلوس ، وبعدمه بما انّه جلوس مقيد. (١) وقد اختاره السيد الأُستاذ.

وحاصل كلامهما يرجع إلى اختلاف الحيثيتين ، فمن حيثية يحمل عليه بالوجوب ، ومن حيثية أُخرى يحمل عليه بعدمه ، فلاتعارض في مقام الجعل ، لكن يبقي الكلام في مقام الامتثال.

فهل يصح للعبد أن يترك الجلوس بعد الزوال محتجّاً باستصحاب عدم الوجوب؟

الظاهر : لا ، وذلك لعدم التزاحم في مقام الامتثال ، فانّ عدم الوجوب لحيثية لاينافي الوجوب من حيثية أُخرى ، فليس هناك أيّ تزاحم بين الحكمين في مقام الامتثال ، فللمولى أن يحتج على العبد بالاستصحاب الوجودي.

نظرية المحقّق النائيني بثوبها الجديد

وهذا القول يُشاطر القول الثالث ، أعني : قول المحقّق النائيني ، في اختصاص المقام بالاستصحاب الوجودي دون العدمي ، ولكن يختلف معه في الدليل.

وحاصل دليل هذا القول ، هو : انّ أدلّة الاستصحاب لاتشمل استصحاب العدم الأزلي ، ولايعدُّ عدمُ الاعتداد بهذا النوع من اليقين نقضاً له ، وذلك لأنّ الظاهر من الأدلّة هو الأمر بحفظ اليقين في الأُمور التي لها مساس بالحياة العملية

__________________

١. درر الفوائد : ٢ / ١٥٩.

١٥٥

سواء أكانت أمراً تكوينياً أم تشريعياً ، فلو تعلّق اليقين بواحد من هذه الأُمور فلايصح نقضها.

وأمّا الأمر الخارج عن هذا الإطار والذي يرجع إلى ما قبل الخلقة ، فلايشمله قوله : « لاتنقض اليقين بالشك » ولايعدّ عدم العمل به نقضاً لليقين ، لأنّ المفروض أنّ المتيقن هو الأُمور الخارجة عن إطار الحياة العملية.

وبالجملة : انّ استصحاب العدم الأزلي وإن كان فرداً عَقلانياً لليقين ولكنّه ليس فرداً عُقلائياً عرفياً له ، ولذلك لايتبادر من أدلة الاستصحاب هذا الفرد من اليقين والمتيقن.

وبذلك تبين انّه لايجري في المورد إلاّ الاستصحاب الوجودي.

إيقاظ

عقد المحقّق الخراساني في المقام عنواناً أسماه « إزاحة وهم » فحاول به دفع نظرية النراقي في تعارض الاستصحابين ، وقد أخذ ما ذكره من الشيخ الأنصاري في ذيل التنبيه الثاني ، حيث قال الشيخ في جواب ما أورد على نفسه :

قلت : لابدّأن يلاحظ انّ منشأ الشك في ثبوت الطهارة بعد المذي [ هل هو ] الشكّ في مقدار تأثير الوضوء؟ أو في رافعية ما أحدثه الوضوء من الأمر المستمر .... (١)

ثمّ إنّ المحقّق الخراساني تناول الشقَّ الثاني بالبحث وقال ما حاصله : من انّه إذا كان المقام من قبيل الشكّ في الرافع فلامجال لاستصحاب العدم الأزلي ، وذلك لأنّه بعد ما وقفنا على أنّ الوضوء سبب للطهارة المستمرة التي لاترتفع إلاّ

__________________

١. لاحظ الفرائد : ٣٧٧ ، طبعة رحمة الله.

١٥٦

بما جعله الشارع سبباً ، أو جعل ملاقاة النجس مع الماء القليل سبباً للنجاسة المستمرة ، لايكون هنا أيّ شكّ في المقتضي ، ولو كان هنا شك فإنّما هو في الرافع ، وهو هل المذي رافع للأمر المستمر أو انّ إتمام الماء كراً رافع للنجاسة أو لا؟

فإذا كان كذلك ، فليس هناك مجال إلاّ لاستصحاب الأمر المستمر المتيقن سابقاً والمشكوك لاحقاً ، ولايصحّ التمسّك بعدم جعل الوضوء سبباً للطهارة بعد المذي ، أو عدم جعل الملاقاة سبباً للنجاسة بعد الغسل مرة. إذ لانشكّ في إنشاء الأمر المستمر من دون تحديد بحدّ. وعلى ضوء ذلك فليس هناك شكّ في تأثير مقدار المقتضي ، بل العلم حاصل في أنّه أثر بلا تحديد وتقييد ، وإنّما الشكّ في القاطع والرافع فليس المرجع إلاّ أصالة عدم الرافع.

القول الخامس : عدم الحجية في الحكم الشرعي الكلّي

إلى هنا تمّت التفاصيل في جريان الاستصحاب في الحكم الشرعي الكلّي بعد البناء على حجيته في ذلك المجال. وهناك من يمنع حجيته في الشبهة الحكمية بتاتاً ، ومعه لاتصل النوبة إلى التعارض ، واستدلّ على ذلك بوجهين :

الأوّل : اختصاص مورد روايات الاستصحاب بالشبهات الموضوعية كما هو الحال في صحاح زرارة الثلاث وغيرها. فانّ السؤال والجواب منصبَّان على الشبهة الموضوعية ، ومعه كيف يمكن التمسّك بها لتصحيح استصحاب الحكم الكلّي؟

والجواب : انّ المورد غير مخصّص كما هو واضح ، والمسوّّغ للاستصحاب هو اليقين الذي هو أمر مبرم لاينقضه الشك الذي هو أمر موهون من غير فرق بين تعلّقه بالموضوع أو بالحكم ، والمجوِّز للاستصحاب هو استحكام اليقين ووهن الشك وهو موجود في كلا المقامين.

١٥٧

الثاني : انّ استصحاب الحكم الكلّي أشبه بالقياس ، لأنّ الموضوع في المتيقّن غير الموضوع في المشكوك ، فالموضوع في الأوّل :

المرأة الحائضة التي لم تزل ترى الدم.

أوالماء القليل قبل الإتمام بكرّ.

ولكن الموضوع في الثاني هو :

المرأة التي حصل لها النقاء من الحيض.

أو الماء القليل المتمم كرّاً.

فكيف يصح إسراء العنوان الأوّل إلى العنوان الثاني مع أنّ الماهيات والعناوين مثار الكثرة والوجود مثار الوحدة؟

قال الأمين الاسترابادي : إنّ صور الاستصحاب المختلف فيها راجعة إلى أنّه إذا ثبت حكم بخطاب شرعي في موضوع في حال من حالاته ، نجريه في ذلك الموضوع عند زوال الحالة القديمة وحدوث نقيضها فيه فما سمُّوه استصحاباً راجع في الحقيقة إلى إجراء حكم من موضوع إلى موضوع آخر. (١)

وسوف نرجع إلى حلّ هذا الإشكال في التنبيه القادم.

__________________

١. الفرائد : ٣٤٧ ، نقلاً عن الفوائد المدنية.

١٥٨

التنبيهات

٧

في الاستصحاب التعليقي

وقبل الخوض في المقصود نقدّم أُموراً :

١. إذا كان الحكم الشرعي محمولاً على الموضوع بلا قيد ولاشرط ، فالحكم تنجيزيّ وإلاّ فتعليقي ، سواء عُبِّر عنه بالجملة الخبرية التي قصد منها الإنشاء في نحو قولك : العصير العنبيّ حرام إذا غلى ، أو بالجملة الإنشائية نحو قولك : اجتنب عن العصير العنبي إذا غلى ، وقد مرّ الكلام في إمكان تقييد الهيئة في الأوامر.

وإن شئت قلت : محل الكلام إنّما هو في استصحاب الوجوب المشروط بالمعنى الذي اختاره المحقّق الخراساني خلافاً للشيخ الأعظم الذي ارجع القيد إلى الواجب على ما مرّ.

٢. انّ الشكّ في بقاء الحكم الشرعي تارة ينشأ من الشكّ في بقاء موضوعه كحياة زيد ، أو بقاء المائع على الخمرية وعدم تبدّله إلى الخلّية ، وأُخرى من الشكّ في بقاء نفس الحكم الشرعي.

أمّا الأوّل : فلا شكّ في جريان الاستصحاب فيه ، إنّما الكلام في جريانه في الثاني وهو على قسمين :

تارة يكون الشك متعلِّقا بسعة الجعل ، كما إذا احتملنا استمرار مشروعية

١٥٩

حلّية المتعة إلى عام الفتح فقط.

وأُخرى نعلم سعة الجعل وشموله لعامّة الأزمان والأجيال ، لكن حصل التغيير في جانب الموضوع بارتفاع بعض القيود كصيرورة العنب زبيباً ، والماء المضاف مطلقاً ، فجريانه في القسم الأوّل منهما مورد اتفاق ، إنّما الكلام في جريانه في القسم الثاني.

وإن شئت فسمِّه الشك في سعة المجعول ـ حسب اصطلاح السيد الخوئي ـ حيث صار الحكم فعلياً بتحقّق موضوعه وفعليته في برهة من الزمان ، لكن طرأ التغيّر على بعض القيود فتعلّق الشك بسعة المجعول.

٣. انّ العنوان المأخوذ في الموضوع على أقسام : فتارة يدور الحكم مداره ، كما في قولنا : الكلب نجس ، والخمر حرام ، فلو انقلبا ملحاً أو خلاّ ، ارتفع الحكمان.

وأُخرى يدور مدار ذات الشيء لاعنوانه ، كالحنطة ، فهو حلال ومملوك وإن انقلب دقيقاً وخبزاً.

وثالثة يُشك في أنّه من أي من القسمين ، كما هو الحال في الماء المتغيّر بالنجاسة. والحاجة إلى الاستصحاب إنّما هو في القسم الأخير دون الأوّلين ، لوضوح ارتفاع الحكم في الأوّل وبقائه في الثاني قطعاً ، وطروء الشك في الثالث فلو كان الموضوع هو الماء ، والتغيّر دخيلاً ثبوتاً لابقاءً ، يبقى الحكم وإن زال تغيّره ، وإن كان الموضوع هو الماء المتغيّر مادام متغيراً يرتفع الحكم بارتفاع القيد.

٤. المثال المعروف للاستصحاب التعليقي هو قولهم : « العنب حرام إذا غلى » ، فلو طرأ التغيّر في جانب الموضوع وصار زبيباً ، فهل تستصحب الحرمة التعليقية بحجة أنّ الرطوبة والجفاف من حالات الموضوع كالخبز الناعم واليابس أو لا؟

١٦٠