أشهد أنّ عليّاً ولي الله

السيد علي الشهرستاني

أشهد أنّ عليّاً ولي الله

المؤلف:

السيد علي الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الإجتهاد
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5331-19-6
الصفحات: ٥٩٤

( جامع المقاصد في شرح القواعد ) (١) ، و ( حاشية المختصر النافع ) (٢) ، و ( حاشـية شرائع الإسلام ) (٣) ، و ( حاشية إرشاد الأذهان ) (٤).

ونحو ذلك السيّد محمد بن علي الموسوي العاملي ( ت ١٠٠٩ ه‍ ) في ( مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام ) (٥) وغيرهم من فقهاء القرن العاشر الهجري.

لكنّ هذا لا يشير إلى أنّ موضوع الشهادة بالولاية في الأذان لم يكن منتشرا ورائجا عند الشيعة آنذاك.

إذ فيما حكاه المجلسيّ الأوّل ممّا دار بينـه وبين أستاذه الملاّ عبداللّه‏ ما يؤكّد بأن هذه السيرة كانت منتشرة بأعلى صورها في ذلك العصر لأن شيوع أمر الشهادة ـ أو أي امر آخر ـ لا يمكن أن يكون وليد ساعته ، بل لابدّ أن تكون له جذور سابقة من القرون الماضـية وهذا ما اكدنا ونؤكد عليه.

قال المجلسيّ الأوّل ما ترجمته :

وبناءً على هذا ، فالقولُ بأنّ هذه الأخبار موضوعة أمرٌ مشكل ، إلاّ أن يَرِدَ ذلك عن أحد المعصومين : ، وإذا قال بها بعنوان التيمّن والتبرّك فلا بأس به ، وإن لم يقلها كان أَفْضَلَ [ حتى لا يتوهّم فيها الجزئية ] إلاّ أن يخاف من عدم ذكرها ، لأنّ الشائع في أكثر البلدان [ ذكرها ] ، وقد سمعتُ كثيرا أنّ من تركها قد اتُّهِمَ بأ نّه من العامّة (٦).

وأمّا القرن الحادي عشـر الهجري فقد عاش فيه فقهاء وحكماء ومتكلّمون

__________________

(١) جامع المقاصد ٢ : ١٨١.

(٢) حاشية المختصر النافع : ١٤٥ ، المطبوع ضمن (حياة المحقق الكركي واثاره ج ٧).

(٣) حاشية شرائع الإسلام : ١٤٣ ، المطبوع ضمن (حياة المحقق الكركي واثاره ج ١٠).

(٤) حاشية ارشاد الاذهان : ٧٩ ، المطبوع ضمن (حياة المحقق الكركي واثاره ج ٩).

(٥) مدارك الاحكام ٣ : ٢٥٤ ـ ٣٠٤.

(٦) لوامع صاحبقراني ٣ : ٥٦٦.

٣٦١

كُثُرٌ ، فمن كبار الفقهاء والمحدّثين الذين عاشوا في هذا العصر الشيخ حسن بن زين الدين العاملي « ابن الشهيد الثاني » ( ت ١٠١١ ه‍ ) صاحب ( منتقى الجمان ) (١) ، وابنه الشيخ محمد بن الحسن ( ت ١٠٣٠ ه‍ ) صاحب ( استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار ) (٢) ، والشـيخ البهائي ( ت ١٠٣١ ه‍ ) صاحب المصنفات المتعدّدة والكثيرة ، منها ( الحبل المتين ) (٣) ، و ( الإثنا عشرية ) (٤) ، و ( الجامع العباسي ) (٥) ، و ( مفتاح الفلاح ) (٦) وغيرها ، فإنّ هؤلاء الأعاظم لم يتعرّضوا إلى الشهادة بالولاية في كتبهم السـابقة رغم أنّهم تعـرّضوا إلى الأذان والإقامة وفصـولهما وأحكامهما.

لكنّ هناك فقهاء آخرين ، كالشـيخ محمد تقي المجلسيّ ( ت ١٠٧٠ هـ ) ، والمحقّق السبزواري ( ت ١٠٩٠ ه‍ ) ، والفيض الكاشاني ( ت ١٠٩١ ه‍ ) ، قد أشاروا إلى موضوع الشهادة بالولاية في الأذان ضمن ما كتبوه ، بفارق أنّ التقيّ المجلسي قال بعدم اثم فاعلها من دون قصد الجزئية ، وقد يكون بنظره أنّها شرعت واقعا وتركت تقية ، والمحقق السبزواري والفيض الكاشاني كانا مخالِفَين في الإتيان بها ، وإليك الآن قول المولى محمد تقي المجلسي.

١١ ـ الشيخ محمد تقي المجلسي ( ت ١٠٧٠ ه‍ )

قال المولى محمد تقي المجلسي في ( روضة المتّقين في شـرح من لا يحضره الفقيه ) معلّقا على كلام الصدوق :

__________________

(١) منتقى الجمان ١ : ٥٠٢.

(٢) استقصاء الاعتبار ٥ : ٣٦ ـ ٨٤.

(٣) انظر الحبل المتين ٢ : ٢٦٣ ـ ٣٠٢.

(٤) انظر الاثنا عشرية : ٣٨ / الفصل الرابع الأفعال اللسانية المستحبة.

(٥) الجامع العباسي : ٣٥.

(٦) انظر مفتاح الفلاح : ١١٢ ، صورة الأذان.

٣٦٢

الجزم بأنّ هذه الأخبار من موضوعاتهم مشكلٌ ، مع ان الأخبار الّتي ذكرنا في الزيادة والنقصان ، وما لم نذكره كثيرةٌ ، والظاهر أنّ الأخبار بزيادة هذه الكلمات أيضا كانت في الأُصول ، وكانت صحيحةً أيضا ، كما يظهر من المحقّق (١) والعلاّمة والشهيد رحمهم‌الله‏ ، فإنّهم نسبوها إلى الشذوذ ، والشاذُّ : ما يكون صحيحا غير مشهور ، مع أنّ الذي حكم بصحّته أيضا شاذٌّ كما عرفت ، فبمجرّد عمل المفوّضة أو العامّة على شيء لا يمكن الجزم بعدم ذلك ، أو الوضع إلاّ أن يرد عنهم صلوات اللّه‏ عليهم ما يدلّ عليه ، ولم يَرِدْ ، مع أنّ عمل الشيعة كان عليه في قديم الزمان وحديثه.

والظاهر أنّه لو عمل عليه أحدٌ لم يكن مأثوما إلاّ مع الجزم بشرعيّته فإنّه يكون مخطئا ، والأَولى أن يقوله على أنه جزء الإيمان لا جزء الأذان ، ويمكن أن يكون واقعا ، ويكون سبب تركه التقيّة ، كما وقع في كثير من الأخبار ترك « حيّ على خير العمل » تقية.

على أنّه غير معلوم أنّ الصدوق ، أيَّ جماعةٍ يريد من المفوِّضة ، والذي يظهر منه ـ كما سيجيء ـ أنّه يقول : كلُّ من لم يقل بسهو النبي فإنّه [ من ] المفوّضة ، وكلّ من يقول بزيادة العبادات من النبيّ فإنّه من المفوّضة ، فإن كان هؤلاء ، فهم كلُّ الشيعة غيرَ الصدوق وشيخه ، وإن كانوا غير هؤلاء فلا نعلم مذهبهم حتى

__________________

(١) قال بهذا هنا ، وفي شرحه على الفقيه بالفارسية « لوامع صاحبقراني » ٣ : ٥٦٦ مصرحا بأنّ المحقّق قالها في المعتبر ، لكنّا لم نر ما يدل على ذلك في كتب المحقّق إلاّ ما نقله في ( نكت النهاية ) عن الشيخ ، فلعلّ المجلسي الأوّل أراد الشيخ الطوسيّ فوقع سهو من قلمه الشريف فقال « المحقق » ، ويؤ يّد مدعانا ما حكاه المجلسيّ الثاني عن الشيخ والعلاّمة والشهيد ، ولم يحكه عن المحقّق ، فتأمل.

٣٦٣

ننسب إليهم الوضع واللعن ، نعم كلّ من يقول بأُلوهية الأئمة أو نبوّتهم فإنّهم ملعونون (١).

وقال في كتابه الآخر ( حديقة المتقين ) باللغة الفارسية ما ترجمته :

يكره تكرار الفصول زيادة على القدر الوارد من الشارع المقدّس فيه ، وهكذا قول « الصلاة خير من النوم » ، وقال البعض : إنّه حرام ؛ لأ نّه غير متلقّى من الشارع المقدّس ، وهكذا قول « أشهد أنّ عليّا وليّ اللّه‏ ، ومحمد وعليّ خير البشر» وأمثالها ؛ لأ نّها ليست من أصل الأذان وإن كان عليّا ولي اللّه‏ ، ومحمّدٌ وعليٌّ خيرَ الخلائق ، لكن لا كلّ حق يجوز إدخاله في الأذان.

ولو أتى بها شخص اتّقاءً من الجَهَلَة أو تيمّنا وتبرّكا وهو يعلم أنّه ليس من فصول الأذان فذاك جائز ، ونقل بعض الأصحاب ورودها في بعض الأخبار الشاذّة على أنّها جزء الأذان ، فلو ثبت ذلك عند الشارع وعمل بها أحدٌ فلا بأس وإلاّ فالإتيان بها من باب التيمّن والتبرّك أفضل (٢).

نلخص كلام التقي المجلسي رحمه‌الله في نقاط ، نظرا لاهميته ولاشتماله على فوائد متعددة :

١ ـ عدم قبوله بجزم الصدوق ومن تبعه بكون الأخبار موضوعة.

٢ ـ وجود اخبار كثيرة في الزيادة والنقصان في فصول الأذان والإقامة ، وفي

__________________

(١) روضة المتقين ٢ : ٢٤٥ ـ ٢٤٦. وقريب منه في شرحه على ( من لا يحضره الفقيه ) والمسمى بـ ( لوامع صاحبقرانى ) ٣ : ٥٦٦ بالفارسية فراجع.

(٢) حديقة المتقين مخطوط ، الرقم ٧٩١ ، الصفحة ١٨١ ، مؤسسة كاشف الغطاء ، قال الملا محمد باقر المجلسي في تعليقته على « حديقة المتقين » ، بالفارسية ـ مخطوط يحمل / الرقم ٧٨٦ ، صفحة ٩٨ ، مكتبة كاشف الغطاء ـ قال : عدل المصنف عن هذا الرأي في أواخر عمره ، وصار يعتبرها من الفصول المستحبّة في الأذان.

٣٦٤

غيرها.

٣ ـ وجود هذه الزيادات في اصول اصحابنا.

٤ ـ كون هذه الزيادات صحيحة ، لأن الشاذّ بتعريف الشيخ المجلسي هو ما يكون صحيحا غير مشهور ، وما حكم به الصدوق بالصحة هو خبر شاذّ كذلك.

٥ ـ عمل المفوّضة أو العامّة لا يعني عدم الورود أو الوضع إلاّ أن يرد عن الأئمّة ما يدل على ذلك ، ولم يرد.

٦ ـ ان سيرة الشيعة كانت قائمة على الأذان بالولاية من قديم الزمان إلى عهد الشيخ المجلسي الأوّل رحمه‌الله لا على نحو الجزئية ، ولا يمكن نقض دعواه بكلام الصدوق والشهيد الثاني والمولى الاردبيلي وغيرهم لأ نّهم ينكرون قولها على نحو الجزئية لا بقصد القربة.

٧ ـ إن الآتي بالشهادة الثالثة في الأذان لم يكن مأثوما وإن كان مخطئا بصناعة الاستنباط ، لأ نّه بذل وسعه وعمل باخبار شاذة تاركا المحفوظ والمعمول عليه عند الاصحاب.

٨ ـ الاولى باعتقاد الشيخ المجلسي أن ياتي بالشهادة بالولاية على أنّها جزء الإيمان لا جزء الأذان ، وإن أمكن القول بوجـودها واقعا وتركها للتقيّة كما وقع في كثـير من الأخبار ترك « حيّ على خير العمل » تقيّة.

٩ ـ ثبت ان للتفويض معاني عديدة فلذلك تساءل المجلسي رحمه‌الله : أي جماعة يريده الصدوق من المفوّضة ، فلو أراد القائلين بعدم سهو النبيّ أو ان للنبيّ الزيادة في العبادات وامثالها فهو ما يقول به « كل الشيعة غير الصدوق [ وشيخه ابن الوليد ] ، وان كانوا غير هؤلاء فلا نعلم مذهبهم حتى ننسب إليهم الوضع واللعن ، نعم كل من يقول بالوهية الأئمّة أو نبوتهم فإنهم ملعونون ».

١٠ ـ ان تكرار فصول الأذان مكروه ، وقيل يحرم في « الصلاة خير من النوم » لأ نّه غير متلقى من الشارع المقدّس ، ولا يجوز ادخال الشهادة بالولاية في الأذان

٣٦٥

لأ نّها ليست من أصل الأذان ، نعم لو اتي بها شخص ـ بدون اعتقاد الجزئية ـ اتقاءً من جهلة الشيعة الذين يرمونه بالنصب أو تيمنا وتبركا فذاك جائز وخصوصا مع ورودها في شواذ الأخبار ، ثم لخص كلامه بالقول : « فلو ثبت ذلك عند الشارع وعمل بها أحد فلا باس ، وإلاّ فالإتيان بها من باب التيمن والتبرك أفضل » مع التاكيد على أنّها ليست من اصل الأذان.

١٢ ـ الملا محمد باقر السبزواري ( ت ١٠٩٠ ه‍ )

قال المحقق السبزواري في « ذخيرة المعاد في شرح الارشاد » :

واما اضافة ان عليا ولي اللّه‏ وآل محمد خير البرية وامثال ذلك ، فقد صرح الاصحاب بكونها بدعة وان كان حقا صحيحا ، إذ الكلام في دخولها في الأذان ، وهو موقوف على التوقيف الشرعي ، ولم يثبت (١).

ولا يخفى أنّ حاصل عبارتـه رحمه‌الله أنّ الشهادة الثالثة لا يمكن أن تدخل في ماهية الأذان حتى تصير جزءا منه ؛ لأنّ مثل هذا يحتاج إلى دليل شرعيّ معتبر ، ولم يثبت ، فالمحقّق السبزواري تحدّث عن جهة ، وسكت عن الجهة الثانية ؛ وهي جواز الشهادة الثالثة من باب التيمّن والتبرّك وبقصد القربة المطلقة ، فبعض الفقهاء كانوا يشيرون إلى الجهة المانعة للشهادة بالولاية فقط خوفا من وقوع الناس في ذلك دون الإشارة إلى الجهة الأُخرى ، لكن منهج غالب الفقهاء كان الإشارة إلى الأمرين معا ابتـداءً من الشيخ الطوسي حتّى يومنا هذا ، فهم يجمعون بين الجهتين في كلامهم.

__________________

(١) ذخيرة المعاد ٢ : ٢٥٤ وصفحة ٢٥٤ من الطبعة الحجرية ، لكنه لم يشر في « كفاية الفقه » المشتهر بـ « كفاية الأحكام » إلى موضوع الشهادة بالولاية ، راجع صفحه ٨٧ ـ ٨٨ ، من المجلد الأول ، طـ جامعة المدرسين / قم.

٣٦٦

١٣ ـ الفيض الكاشاني ( ت ١٠٩١ ه‍ )

قال الفيض الكاشاني في المفتاح ١٣٥ من ( مفاتيح الشرائع ) : « ما يكره في الأذان والإقامة » :

وكذا التثويب سواء فُسِّر بقول « الصلاة خير من النوم » أو بتكرير الشهادتين دفعتين ، أو الإتيان بالحيعلتين مثنى بين الأذان والإقامة ، وكذا غير ذلك من الكلام وإن كان حقّا ، بل كان من أحكام الإيمان ، لأنّ ذلك كلّه مخالف للسنة ، فإن اعتقده شرعا فهو حرام (١).

فالفيض الكاشاني قال بهذا في ( مفاتيح الشرائع ) ولم يقله في كتابه ( النخبة في الحكمة العملية والأحكام الشرعية ) (٢) ، مع أنّه كان قد أشار في ( النخبة ) إلى الأذان والإقامة واستحباب حكايتهما وعدد فصولهما.

بلى ، علّق الفيض في ( الوافي ) على ما جاء في ( التهذيب ) عن أبي عبداللّه‏ : سئل عن الأذان هل يجوز أن يكون من غير عارف؟

قال عليه‌السلام : لا يستقم الأذان ولا يجوز أن يؤذّن به إلاّ رجل مسلم عارف ، فإن عَلِمَ الأذان فأذّن به ولم يكن عارفا لم يجزئ أذانه ولا إقامته ولا يقتدى به.

قال رحمه‌الله : المراد بالعارف ، العارف بإمامة الأئمّة كما مرّ مرارا فإنّه بهذا المعنى في عرفهم عليهم‌السلام ، ولعمري إنّ من لم يعرف هذا الأمر لم يعرف شيئا كما في الحديث النبوي : من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ، ومن عرفه كفاه به معرفةً إذا عرفه حقّ معرفته ... (٣)

__________________

(١) مفاتيح الشرائع ١ : ١١٨.

(٢) النخبة : ١٠٨. وانظر مفاتيح الشرائع ١ : ١١٦ / المفتاح ١٣٢.

(٣) الوافي ٧ : ٥٩١.

٣٦٧

فكلامـه في ( الوافي ) كان عن شرائط المؤذّن ، وأمّا وجود معنى الولاية في الأذان وعدمه فهو مما لم يتطرّق إليه فيه.

ولا يفوتنك أنّ عبارات المجلسي والسبزواري والفيض الكاشاني وان اختلفت في الظاهر لكنّها جاءت في إطار واحد وهو حرمة الإتيان بالشهادة بالولاية على نحو الجزئية والشطرية ، لأن الأذان أمرٌ توقيفيٌّ.

أمّا لو أتى بها تيمّنا وتبـرّكا فالظاهر أنّ هذا ما يقبله المحقّق السبزواري والفيض الكاشاني ، لأ نّك لو تأمّلت في عباراتهم لرأيتهم يؤكّدون على بدعية وحرمة الإتيان بها جزءا ، لقول السبزواري « إضافة » « بدعة » « إذ الكلام في دخولها في الأذان وهو موقوف على التوقيف الشرعيّ ولم يثبت » ، وقول الفيض الكاشاني « فإن اعتقده شرعا فهو حرام » وكلّ هذه التعابير تشبه ما جزم به الشهيد الثاني والمقدّس الأردبيلي وغيرهما حيث ذكروا جواز الإتيان بها بشرط أن لا تكون على نحو الجزئيّة ، فالعبارات واحدة المؤدّى عند كلّ العلماء ابتداءً من الشيخ الطوسي حتّى الفيض الكاشاني.

نعم ، في كلام السـيّد عبداللّه‏ بن نور الدين الجزائري ( ت ١١١٤ ه‍ ) ـ عند شرحه لكلام الفيض في كتابه ( التحفة السنية في شرح النخبة المحسنية ) ـ ما يفهم منه بأنّ بعض فقهاء الشيعة كانوا يأتون بها على أنّها جزءٌ ، ولأجله قال رحمه‌الله : زلّة العالِم زلّةُ العالَم (١).

في حين لو تأ مّلت فيما قلناه سابقا ، لعرفت بأنّ غالب الشيعة لم يأتوا بهذه الصيغ على أنّها جزءٌ وشطرٌ في الأذان ، بل كانوا يأتون بها على نحو الذكر المحبوب تيمّنا وتبرّكا ، وأنّ اختلاف الصيغ الرائجة عند الشيعة آنذاك ، ومنذ عهد الصدوق إلى يومنا هذا ، يؤكّد بأ نّهم لا يأتون بها إلاّ على هذا النحو ، وقد صرّح

__________________

(١) التحفة السنية في شرح النخبة المحسنية : ١٢٩ ، (مخطوط) ، مكتبة الحضرة الرضوية.

٣٦٨

الفقهاء بذلك من قديم الزمان إلى يومنا هذا في رسائلهم العملية.

فلا تخالف إذن بين من يقول بجوازها وبين من يقول بحرمتها وبدعيتها حسب التوضيح الّذي قلناه.

القرن الثاني عشر الهجري

وهو قرن حافل بالأعلام والفقهاء العظام ، ولو راجعت كتاب « طبقات أعلام الشيعة » لوقفـت على أسمائهم ، وفي هذا القرن لم يتعرّض الفاضل الهندي ( ت ١١٣٧ ه‍ ) في ( كشف اللثام ) (١) ، ولا جدّي السيّد محمد إسماعيل المرعشي الشهرستاني في ( المقتضب ) (٢) ، ولا الحرّ العاملي ( ت ١١٠٤ ه‍ ) في ( هداية الامة ) (٣) إلى موضوع الشهادة بالولاية في الأذان ، وإن كان المحدّث الحرّ العاملي قد أشار إلى هذا الموضوع تلويحا بعد أن ذكر الروايات المختلفة في عدد فصول الأذان والإقامة ، وأنه : ٣٧ أو ٣٨ أو ٤٢ ، فقال :

وهنا اختـلافٌ غير ذلك ، وهو من أمارات الاستحباب (٤).

لكنّ بعض الأعـلام في هذا القرن تطرّقوا إلى موضوع الشهادة الثالثة في كتبهم ورسائلهم العملية بشيء من التفصيل ، وهو يشير إلى جواز هذا العمل عندهم وعدم لزومه ، وان اشارة هؤلاء إلى هذه المسألة كاف للدلالة على امتداد السيرة بالشهادة بالولاية في هذا القرن ، وهم :

__________________

(١) كشف اللثام ٣ : ٣٧٥.

(٢) وهو أول عَلَم من أعلام أُسرتنا جاور الحائر الحسيني ، وكتابه مخطوط ومحفوظ في خزانة العائلة في كربلاء المقدّسة.

(٣) هداية الأ مّة إلى احكام الأئمّة ٢ : ٢٥٨.

(٤) هداية الأ مّة ٢ : ٢٥٩.

٣٦٩

١٤ ـ علي بن محمّد العاملي ( ت ١١٠٣ ه‍ ) سبط الشهيد الثاني

أتى الشيخ علي بن محمد بن الحسن العاملي « سبط الشهيد الثاني » ـ في حاشيته على شرح اللمعة الدمشقية لجدّه الشهيد الثاني ، المسمى : بـ ( الزاهرات الرويّة في الروضة البهية ) ـ بكلام الشيخ في المبسوط ، ثمّ قال :

وأطلق عدم الإثم به ، أي لم يقيّده بعدم الاعتقاد ، أو بعدم نيّة أنّه منه ، وفي البيان : قال الشيخ : فأمّا قول أشهد أنّ عليّا ولي اللّه‏ ... وفي الذكرى نقل عدم الإثم عن المبسوط بعد قول الشيخ : ومن عمل به كان مخطئا (١).

فالشـيخ العاملي أراد من مجموع كلامه السابق الإشارة إلى جواز الإتيان بها ، لكن ربّما يظهر من عبارته أنّه فهم من كلام الشيخ الطوسي أنّ القائل بالشهادة الثالثة بنيّة أنّها جزء الأذان جائز لقوله رحمه‌الله : « واطلق عدم الاثم به ، أي لم يقيده بعدم الاعتقاد ، أو بعدم نية أنّه منه ».

لكن يـردّه أن الشيخ حكم بخطأ ذلك في النّهاية ، بحسب الجمع بين قوليه والذي تقدّم التفصيل فيه.

والحاصل : أنّ سـبط الشهيد الثاني قائل بأنّ الشهادة الثالثة من الأذان ، وأنّ من عمل بشواذ الأخبار هنا ليس مأثوما وان كان مخطئا للأخذه بالمرجوح وترك الراجح.

١٥ ـ الشيخ محمد باقر المجلسي ( ت ١١١١ ه‍ )

قال الشيخ محمد باقر المجلسي في ( بحار الأنوار ) :

__________________

(١) الزهرات الروية في الروضة البهية ، نسخة خطية برقم ٨٠١. مؤسسة كاشف الغطاء العامة ـ النجف الأشرف.

٣٧٠

لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبّة للأذان ، لشهادة الشيخ والعلاّمة والشهيد وغيرهم بورود الاخبار بها.

قال الشيخ في المبسوط : فأمّا قول «أشهد أنّ عليا أمير المؤمنين» ، و «آل محمد خير البرية» على ما ورد في شواذّ الأخبار ، فليس بمعمول عليه في الأذان ، ولو فعله الإنسان لم يأثم به ، غير أنّه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله.

وقال في النّهاية : فأمّا ما روي في شواذّ الأخبار من قول : « أنّ عليا ولي اللّه‏ » و «أنّ محمدا وآله خير البشر » ، فمما لا يعمل عليه في الأذان والإقامة ، فمن عمل به كان مخطئا.

وقال في المنتهى : وأمّا ما روي في الشاذّ من قول : « [ أشهد ] أنّ عليا ولي اللّه‏ » ، و « آل محمد خير البرية » ، فمما لا يعوّل عليه.

ويؤيّده ما رواه الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي ; في كتاب الاحتجاج عن القاسم بن معاوية ، قال : قلت لأبي عبداللّه‏ عليه‌السلام : هؤلاء يروون حديثا في معراجهم أنّه لمّا اُسري برسول اللّه‏ رأى على العرش لا إله إلاّ اللّه‏ ، محمّد رسول اللّه‏ ، أبو بكر الصدّيق.

فقال : سبحان اللّه‏!! غيرّوا كلّ شيءٍ حتّى هذا؟!

قلت : نعم.

قال : إنّ اللّه‏ عزّ وجلّ لمّا خلق العرش كتب عليه « لا إله إلاّ اللّه‏ ، محمد رسول اللّه‏ ، علي أمير المؤمنين » ، ثمّ ذكر كتابة ذلك على الماء ، والكرسي ، واللوح ، وجبهة إسرافيل ، وجناحي جبرئيل ، وأكناف السماوات والأرضين ، ورؤوس الجبال والشمس والقمر ، ثم قال عليه‌السلام : « فإذا قال احدكم : لا إله إلاّ اللّه‏ ، محمد رسول اللّه‏ ،

٣٧١

فليقل : علي أمير المؤمنين » ، فيدلّ على استحباب ذلك عموما ؛ والأذان من تلك المواضع ، وقد مرّ أمثال ذلك في أبواب مناقبه عليه‌السلام ، ولو قاله المؤذّن أو المقيم لا بقصد الجزئيّة ، بل بقصد البركة ، لم يكن آثِما ، فإنّ القوم جوّزوا الكلام في أثنائهما مطلقا ، وهذا من أشرف الأدعية والأذكار (١).

ولا يخفى ان الشيخ المجلسي كان لا يستبعد القول بأنّها من الاجزاء المستحبة لورود الأخبار الشاذه بها لقوله في بداية كلامه : ( لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الاجزاء المستحبة للأذان لشهادة الشيخ والعلاّمة وغيرهم بورود الأخبار بها ) وأنّ فتواه في قوله « فيدل على استحباب ذلك عمـوما » مبنيّ على أساس قاعدة التسامح في أدلّة السنن الّتي تسوّغ لبعض الفقهاء أن يحتجوا بالأخبار المرسلـة ، كمرسلة القاسم بن معاوية الآنفة.

١٦ ـ السيّد نعمة اللّه‏ الجزائري ( ت ١١١٢ ه‍ )

قال السيّد نعمة اللّه‏ الجزائـري في ( الأنوار النعمانية ) معلّقا على خبر القاسم بن معاو ية :

ويستفادُ من قوله عليه‌السلام : « إذا قال أحدكم : لا إله إلاّ اللّه‏ ، محمّد رسول اللّه‏ ، فليقل علي أمير المؤمنين » عمومُ استحباب المقارنة بين اسميهما عليهما‌السلام إلاّ ما أخرجه الدليل كالتشهّدات الواجبة في الصّلوات ، لأ نّها وظائف شـرعية ، وأمّا الأذان فهو وإن كان من مقدّمات الصلاة إلاّ أنّه مخالف لها في أكثر الأحكام ، فلا يبعد القول من هذا الحديث باستحباب لفظ « علي ولي اللّه‏ » أو « أمير

__________________

(١) بحار الانوار ٨١ : ١١١ ـ ١١٢ وانظر تمام الخبر في الاحتجاج ١ : ٢٣٠.

٣٧٢

المؤمنين » أو نحو ذلك في الأذان ، لأنّ الغرض الإتيان باسمه كما لا يخفى.

ثم ذكر السيّد الجزائري مناما بهذا الصدد فقال :

فلمّا تيقّظت رأيت ذلك الدعاء في بعض الكتب وفيه اسم علي عليه‌السلام ، والّذي يأتي على هذا أن يذكر اسم علي عليه‌السلام في الأذان وما شابهه ، نظرا إلى استحبابه العامّ ولا يقصد أنّه وظيفة شرعية في خصوص هذا الموضع ، وهكذا الحال في أكثر الأذكار ، مثلاً « قول لا إله إلاّ اللّه‏ » مندوب إليه في كلّ الأوقات ، فلو خُصّ منه عدد في يوم معيّن لكان قد ابتدع في الذكر (١) ، وكذا سائر العبادات المستحبّة ، فتأمّل (٢).

فالملاحظ أنّ الجزائـري قدس‏سره قد أفتى باستحباب الشهادة الثالثة في الأذان لا بعنوان أنّها وظيفة شرعية فيه ، ولا أنّها من فصوله أو جزءٌ منه ، غاية ما في الأمر هو اسـتحباب الاقتران العامّ في ذكر عليٍّ بعد ذكر النبيّ استنادا لخبر القاسم بن معاوية ، وهذا يعني أنّ الاسـتحباب على قسمين :

الأول : أن يبتـني على نصّ خاصّ في خصوص الأذان ، وهو مفقود في المقام إلاّ ما ذكره الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي ، وقد تقدّم البحث في ذلك.

والثاني : ينطلق من منطلق الاسـتحباب النفسي للشهادة بالولاية ، وهذا ثابت لا كلام فيه.

وقيل أنّ هذا الاستحباب يمكن تعميمه لكن بشرط أن لا يدخل في ماهيّة العبادات الأخرى ؛ وعلى هذا الأساس فالشهادة بالولاية مستحبّة في كلّ حال ،

__________________

(١) نعم هذا الابتداع لو كان بقصد الورود لكان حراما ممنوعا ، لكن تحديده وردا لنفسه غير مدعي صدوره عن الشارع فلا مانع.

(٢) الانوار النعمانية ١ : ١٦٩.

٣٧٣

لكنّها ليست جزءا من الأذان ؛ أي ليست داخلة في ماهيّته ، وعلى هذا الأساس يتفرّع التفصيل : فإن كانت الشهادة الثالثة تدور مدار الأول فهي بدعة عند السيّد الجزائري ، وإذا دارت مدار الثاني فهي مستحبة لعموم الاقتران لا غير ، ولا دخل لها في الأذان ، ألا كونها مما ينطبق عليها ذلك العموم لا غير.

١٧ ـ محمد بن حسين الخونساري ( ت ١١١٢ ه‍ )

قال آقا جمال الدين محمد بن حسين الخونساري في ( آداب الصلاة ) :

ويكره الكلام في أثنائهما ، وخصوصا في الإقامة بعد الإتيان بـ « قد قامت الصلاة » ، وإذا أتى شخص بعد الشهادتين ـ بقصد التيمّن والتبرّك ، ولتجديد الإيمان لا اعتقادا منه أنّها جزء الأذان ، مرة أو مرتين ـ بـ « أشهد أنّ عليّا ولي اللّه‏ » ، فلا اشكال فيه (١).

ولا ريب في أنّ زبدة فتـواه هي الجواز ، لكن لا بعنوان الجزئية بل بعنوان التيمّن والتـبرّك وتجديد الإيمان ، وقد مرّ عليك كلام المجلسي الثاني الذي أكّد بأنّ ذكر علي مقترنا بذكر النبيّ من أشرف الأذكار ، لِما في ذلك من التيمّن والتبرّك والثبات على الإيمان.

١٨ ـ الشيخ يوسف البحراني ( ت ١١٨٦ ه‍ )

قال الشيخ يوسـف البحراني ـ بعد أن نقل بعض الروايات في الباب وبياناته عليها ، وما ذكره الصدوق قدس‏سره من قوله : « والمفوضة لعنهم اللّه‏ » ، وتعليقة شيخنا المجلسي في البحار عليه ـ قال :

انتهى [ كلام المجلسي ] ، وهو جيّد ، أقول : أراد بالمفوّضة هنا

__________________

(١) آداب الصلاة باللغة الفارسية ، المطبوع ضمن « رسائل / ست عشرة رسالة » : ٤٢١.

٣٧٤

القائلين بأنّ اللّه‏ عزّ وجلّ فوّض خلق الدُّنيا إلى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ عليه‌السلام ، والمشهور بهذا الاسم إنّما هم المعتزلة القائلون بأنّ اللّه‏ عزّوجلّ فوّض إلى العباد ما يأتون به من خير وشر (١).

وأشـار في آخر كلامه إلى بعض الأمور المهمّة التي تتعلّق بأصل الأذان وأنّه وحيٌّ لا منام عند أهل البيت ، نزل به جبرئيل على رسول اللّه‏ ، وأنّ جبرئيل أذّن له به في صلاته بالنبيّين والملائكة في حديث المعراج ، ثمّ ناقش الشيخ البحراني ما قالته العامّة من أنّ الأذان كان برؤ يا ، وأخيرا نقل ما رواه الصدوق في كتاب العلل والعيون عن الفضل بن شاذان في العلل في معنى الحيعلة ، وجاء بما روي عن الإمام الكاظم عن معناها وأنّها الولاية ، وفي كلّ هذه الأمور التي ذكرها إشارات إلى محبوبيّة ذكر الولاية في الأذان عنده.

والحاصل هو أنّ المحقق البحراني يذهـب إلى ما ذهب إليه المجلسي قدس‏سره ، حيث علق على كلامه بقوله : « وهو جيّد » ، أي أنّ البحراني قائل على غرار ما قاله المجلسي.

القرن الثالث عشر الهجري

وإليك الآن كلمات علماء هذا القـرن حول الشهادة بالولاية مع بعض تعليقاتنا عليها.

١٩ ـ الوحيد البهبهاني ( ١١١٧ ـ ١٢٠٥ ه‍ )

قال جدّي لأمي (٢) المولى محمد باقـر الوحيد البهبهاني ـ معلّقا على قول

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٧ : ٤٠٤.

(٢) أنا علي بن عبدالرضا بن زين العابدين بن محمد حسين بن محمد علي الحسيني المرعشي

٣٧٥

صاحب المدارك : « فتكون الزيادة فيه تشريعا محرما » ـ :

التشريع إنَّما يكون إذا اعتقد كونه عبادة مطلوبة من الشرع من غير جهةٍ ودليلٍ شرعيِّ ، والترجيعُ على ما حقّقه ليس إلاّ مجرّد فعل وتكرار ، أمّا كونه داخلاً في العبادة ومطلوبا من الشارع فلا ، فيمكن الجمع بين القولين بأنّ القائل بالتحريم بناؤه على ذلك ، والقائل بالكراهة بناؤه على الأوّل ، وكونُهُ مكروها لأ نّه لغوٌ في أثناء الأذان وكلامٌ ، أو للتشبّه بالعامّة أو بعضهم ، فتأمّل.

وممّا ذكرنا ظهر حال « محمّد وآله خير البريّة » و « أشهد أنّ عليا ولي اللّه‏ » بأ نّهما حرامان بقصد الدخول والجزئية للأذان لا بمجرّد الفعل.

نعم ، توظيف الفعل في أثناء الأذان ، ربّما يكون مكروها ( بكونه مغيِّرا لهيئة الأذان ) (١) بحسب ظاهر اللفظ ، أو كونه كلاما فيه ، أو للتشبّه بالمفوّضة ، إلاّ أنّهُ ورد في العمومات : أنّه متى ذكرتم محمّدا فاذكروا آله ، أو متى قلتم : محمد رسول اللّه‏ ، فقولوا : علي ولي اللّه‏ ، كما رواه في الاحتجاج (٢) ، فيكون حاله حال الصلاة على محمد وآله بعد قوله : « أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه‏ » في كونه

__________________

الشهرستاني ، وقد تزوج جدّي السيّد محمد علي فاطمة ابنة الشيخ أحمد بن محمد علي بن محمد باقر البهبهاني ، فأنا سبط الوحيد وهو جدّي من جهة الأمّ ، وعن طريقه نرتبط بشيخنا المفيد ، لأنّ الوحيد من أحفاده حسبما ذكرته كتب التراجم ، وبالتقي المجلسي ، لان ام الوحيد هي بنت آمنة بنت المجلسي الاول والتي تزوجها ملا صالح المازندراني ـ شارح الكافي ـ.

(١) قال محقق الكتاب : بدل ما بين القوسين في « ب » و « ج » و « د » : من كونه بغير هيئة الأذان.

(٢) انظر الاحتجاج ١ : ٢٣١ ، البحار ٨١ : ١١٢.

٣٧٦

خارجا عن الفصول ومندوبا إليه عند ذكر محمّد ، فتأ مّل جدّا (١).

وقال في ( مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرائع ) :

السابع : قد عرفت كيفيّة الأذان والإقامة وهيئتهما ، وأنّه ليس فيهما « أشهد أنّ عليّا وليّ اللّه‏ » ، ولا « محمّد وآله خير البريّة » وغير ذلك ، فمن ذكر شيئا من ذلك ، بقصد كونه جزء الأذان ، فلا شكّ في حرمته ، لكونه بدعة.

وأمّا من ذكر لا بقصد المذكور ، بل بقصد التيمّن والتبرّك ، كما أنّ المؤذّنين يقولون بعد « اللّه‏ أكبر » ، أو بعد « أشهد أن لا إله إلاّ اللّه‏ » : جلَّ جلاله ، وعَمَّ نواله ، وعظم شأنه ، وأمثال ذلك تجليلاً له تعالى ، وكما يقولون : صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد « محمّد رسول اللّه‏ » ، لِما ورد من قوله عليه‌السلام : «من ذكرني فليصلّ عليّ » (٢) ، وغير ذلك ممّا مرّ في شرح قول المصنّف : « والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذ لا شكّ في أنّ شيئا من ذلك ليس جزءً من الأذان ».

فإن قلت : الصلاة على النبي وآله : ورد في الأخبار (٣) ، بل احتُمِل وجوبهما ، لما مرّ ، بخلاف غيره.

قلت : ورد في الأخبار مطلوبيّتهما عند ذكر اسمه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا أنّهما جزء الأذان ، فلو قال أحد بأ نّه جزء الأذان ، فلا شكّ في حرمته ، وكونه بدعة ، وإن قال بأ نّه لذكر اسمه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو مطلوب.

__________________

(١) حاشية المدارك ٢ : ٤١٠.

(٢) لاحظ وسائل الشيعة ٥ : ٤٥١ / الباب ٤٢ / في وجوب الصلاة على النبي كلّما ذكر في أذان أو غيره.

(٣) لاحظ وسائل الشيعة ٥ : ٤٥١ / الباب ٤٢ / في وجوب الصلاة على النبي كلّما ذكر في أذان أو غيره.

٣٧٧

وورد في « الاحتجاج » خبر متضمّن لمطلوبيّة ذكر « عليّ وليّ اللّه‏ » ، في كلّ وقت يذكر محمّد رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) ، مضافا إلى العمومات الظاهرة في ذلك.

مع أنّ الشيخ صرّح في ( النّهاية ) بورود أخبار تتضمّن ذكر مثل « أشهد أنّ عليّا وليّ اللّه‏ » في الأذان (٢).

والصدوق أيضا صرّح به ، إلاّ أنّه قال ما قال (٣).

ومرّ في بحث كيفيّة الأذان ، فأيّ مانع من الحمل على الاستحباب؟ موافقا لما في « الاحتجاج » ، و [ ما ] ظهر من العمومات ، لا أنّه جزء الأذان ، وإن ذكر فيه.

ألا ترى إلى ما ورد من زيادة الفصول ، وحملوه على الاستحباب والمطلوبيّة في مقام الإشعار وتنبيه الغير (٤) على ما مرّ ، مضافا إلى التسامح في أدلّة السنن.

وغاية طعن الشيخ على الأخبار المتضمّنة لما نحن فيه أنّها شاذّة (٥) ، والشذوذ لا ينافي البناء على الاستحباب ، ولذا دائما شغل الشيخ بحمل الشواذّ على الاستحباب.

منها صحيحة ابن يقطين الدالّة على استحباب إعادة

__________________

(١) الاحتجاج ١ : ٢٣٠.

(٢) النّهاية للشيخ الطوسي : ٦٩.

(٣) من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٩٠ / ذيل الحديث ٨٩٧.

(٤) تهذيب الأحكام ٢ : ٦٣ / ذيل الحديث ٢٢٥ ، الاستبصار ١ : ٣٠٩ / ذيل الحديث ١١٤٨.

(٥) النّهاية للشيخ الطوسي : ٦٩ ، المبسوط ١ : ٩٩.

٣٧٨

الصلاة مطلقا عند نسيان الأذان والإقامة (١) ، ورواية زكريّا بن آدم السابقة (٢) ، مع تضمّنها ما لم يقل به أحد ، بل وحرام ، من قوله : « قد قامت الصلاة » في أثناء الصلاة ، وغير ذلك من الحزازات التي فيها وعرفتها.

وبالجملة : كم من حديث شاذّ ، أو طعن عليه بالشذوذ ، أو غيره ، ومع ذلك عمل به في مقام السنن والآداب ، بل ربّما يكون حديث مطعون عليه عند بعض الفقهاء والمحدّثين غير مطعون عليه عند آخرين ، فضلاً عن الآخر ، سيّما في المقام المذكور.

والصدوق وإن طعن عليها بالوضع من المفوّضة (٣). لكن لم يُجْعَلْ كلّ طعن منه حجّة ، بحيث يرفع اليد من جهته عن الحديث ، وإن كان في مقام المذكور. ومن هنا ترى الشيخ لم يطعن عليها بذلك أصلاً.

على أنّا نقول : الذكر من جهة التيمّن والتبرّك ، لا مانع منه أصلاً ، ولا يتوقّف على صدور حديث ، لأنّ التكلّم في خلالهما جائز ، كما عرفت ، فإذا كان الكلام اللغوُ الباطلُ غيرَ مضرٍّ ، فما ظنّك ربمّا يفيد التبرّك والتيمّن؟

لا يقال : ربّما يتوهّم الجاهل كونه جزءَ الأذان ، إذا سمع الأذان كذلك ، فيفسّر فيقول على سبيل الجزئيّة.

لأنّا نقول : ذكر « صلى‌الله‌عليه‌وآله » في الأذان والإقامة ،

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٢ : ٢٧٩ / الحديث ١١١٠ ، الاستبصار ١ : ٣٠٣ / الحديث ١١٢٥ ، وسائل الشيعة ٥ : ٤٣٣ / الحديث ٧٠١٢.

(٢) تهذيب الأحكام ٢ : ٢٧٨ / الحديث ١١٠٤ ، وسائل الشيعة ٥ : ٤٣٥ / الحديث ٧٠١٨.

(٣) من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٩٠ / ذيل الحديث ٨٩٧.

٣٧٩

والالتزام به أيضا ، ممّا يصير منشأً لتوهّم الجاهل الجزئيّة ، بل كثير من المستحبّات والآداب في الصلاة وغيرها من العبادات يتوهّم الجاهل كونها جزء.

وكان المتعارف من زمان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الآن يرتكب في الأعصار والأمصار من دون مبالاة من توهّم الجاهل ، فإنّ التقصير إنّما هو من الجاهل ، حيث لم يتعلّم فتخرب عباداته ، ويترتّب على جهله مفاسد لا تحصى ، منها استحلاله كثيرا من المحرّمات من جهة عدم فرقه بين الحرام من شيء والمباح منه. وربّما يعكس الأمر .. إلى غير ذلك من الأحكام.

هذا ؛ مع أنّه يمكن تعبيره بنحو يرتفع توهّم المتوهّم ، بأن يذكر مرّة ، أو ثلاث مرّات ، أو يجعل من تتمّته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وغير ذلك (١).

وشـيخنا الوحيد البهبهاني قدس‏سره أراد بكلامه في ( حاشـية المدارك ) و ( مصابيح الظلام ) نفي الجزئية عن الشهادة الثالثة ، لأنّ الإتيان بها بهذا القصد بدعة محرمة ، لكنّه فرّق بين الإتيان بالترجيع وبين الإتيان بالشهادة بالولاية ، فقال بكراهة الأوّل ، لأ نّه لغو في أثناء الأذان ، وأنّه كلام آدمي ، أو للتشبّه بالعامة أو ببعضهم ، بعكس الشهادة بالولايه لعلي فهي مستحبّة ومندوبة لما دلّت عليه أدلّة الاقتران ، لقوله رحمه‌الله في حاشية المدارك : « إلاَّ أنَّه ورد في العمومات : أنّه متى ذكرتم محمدا فاذكروا آله ، أو متى قلتم : محمد رسول اللّه‏ فقولوا : علي ولي اللّه‏ كما رواه في الاحتجاج فيكون حاله حال « الصلاة على محمد وآله » بعد قوله : أشهد ان محمدا رسول اللّه‏ في كونه خارجا عن الفصول ومندوبا إليه عند ذكر محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ).

ثمّ ذكر الوحيد البهبهاني هذا الأمر بتفصيل أكثر في ( مصابيح الظلام ) متعرّضا

__________________

(١) مصابيح الظلام ٧ : ٣١ ـ ٣٤.

٣٨٠