أشهد أنّ عليّاً ولي الله

السيد علي الشهرستاني

أشهد أنّ عليّاً ولي الله

المؤلف:

السيد علي الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الإجتهاد
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5331-19-6
الصفحات: ٥٩٤

هَادٍ ) (١) ، و ( وَالَّذِي جَآءَ بِالصِّدقِ وَصَدَّقَ بِهِ ) (٢) ، و ( رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىْ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ) (٣) ، و ( وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ) (٤) و ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيما فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ ) (٥) ، وغيرها من النصوص النبو ية المتواترة فيه وفي عترته الطاهرين ، فأرادوا الحدّ من نشر فضائل علي عليه‌السلام كي لا يقف المسلمونَ على كُنْهِ مكانته ، بل جدّوا لِسَبِّه (٦) ، وحذفوا الصلاة على النبي محمد من الخطبة بدعوى أنّ للرسول أبناء سوء يشمخون بأُنوفهم عند سماعهم أسم جدّهم يعلو على المنابر (٧) ، فكيف بهم لو سمعوا بذكر علي؟!

فالقوم وبقولهم أنّ الأذانَ مناميٌّ جدّوا لتحريف الحقائق ، وأنكروا أن يكون تشريعه في الإسراء والمعراج ـ الدال على أنّه سماوي ـ لأنّ القول بذلك يستتبع ذكر أُمور اُخرى ؛ كوجود اسم الإمام علي على ساق العرش ، وأن مثاله موجود في الجنة ، وأنّ النّبي نودي وكُلِّم بصوت عليّ ، وغيرها من الأمور.

ولمّا صرّح النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك وشاع وذاع حاولوا معارضة تلك المنازل المعراجية بمنازل مختلقة لآخرين ، فذكروا أن لبلال خشخشة في الجنة ، ولم يذكروا وجود اسم الإمام في الجنة ، لا حبا ببلال ، بل كرها للإمام علي ، وقالوا أن اسم أبا بكر كان على ساق العرش بدل اسم الإمام علي.

__________________

(١) الرعد : ٧.

(٢) الزمر : ٣٣.

(٣) الاحزاب : ٢٣.

(٤) التوبة : ١١٩.

(٥) الأنعام : ١٥٣.

(٦) مسند أحمد ٦ : ٣٢٣ / ح ٢٦٧٩١ ، ورجاله رجال الصحيح ، مسند أبي يعلى ٢ : ١١٤ / ح ٧٧٧ ، المستدرك على الصحيحين ١ : ٥٤١ / ح ١٤١٩ ، مسند سعد : ١٨٩ / ح ١١٢ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٣٠ ، الكامل في التاريخ ٣ : ٢٧٨ ، و ٤ : ٤٣٩ ، بغية الطلب ٧ : ٣٠٣٣.

(٧) اشارة إلى ابن الزبير وقد مر آنفا.

١٨١

اقتران ذكر علي بالنبيّ في الإسراء

روى القاسم بن معاوية ، قال : قلت لأبي عبداللّه‏ الصادق :

هؤلاء يروون حديثا في معراجهم أنّه لمّا أُسرى برسول اللّه‏ رأى على العرش مكتوبا : « لا إله إلاّ اللّه‏ ، محمد رسول اللّه‏ ، أبو بكر الصدّيق ».

فقال : سبحان اللّه‏!! غيّروا كلَّ شيء ، حتّى هذا!!

قلت : نعم.

فقال الصادق ـ ما ملخّصه ـ : إنّ اللّه‏ تعالى لمّا خلق العرش ، والماء ، والكرسي

واللوح ، وإسرافيل ، وجبرائيل ، والسماوات والأرضين ، والجبال ، والشمس ، والقمر ، كتب على كل منها : « لا إله إلاّ اللّه‏ ، محمّد رسول اللّه‏ ، عليّ أمير المؤمنين » ، ثمّ قال عليه‌السلام : فإذا قال أحدكم « لا إله إلاّ اللّه‏ ، محمد رسول اللّه‏ » فليقل « علي أمير المؤمنين » (١).

ويؤيّد المروي عن الإمام الصادق بما جاء عن أنس بن مالك ، قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لمّا عُرِجَ بي رأيت على ساق العرش مكتوبا : « لا إله إلاّ اللّه‏ ، محمّد رسول اللّه‏ ، أيّدته بعليّ ، نصرته بعليّ » (٢).

وعن جابر بن عبداللّه‏ الأنصاري ، قال : قال رسول اللّه‏ : مكتوب على باب الجنة

__________________

(١) الاحتجاج ١ : ٢٣١ ، بحار الأنوار ٣٨ : ٣١٨ / ح ٢٦ ، و ٨١ : ١١٢ / ح ٧.

(٢) كفاية الأثر : ٧٤ ، شواهد التنزيل ١ : ٢٩٣ ؛ الدر المنثور ٥ : ٢١٩ ، الخصائص للسيوطي ١ : ١٣ ، كنز العمال ١١ : ٢٨٧ / ح ٣٣٠٤٢ رواه عن جابر الأنصاري.

مناقب الكوفي ١ : ٢١٠ / ح ١٣٠ ، رواه عن ابن عباس.

روضة الواعظين : ٤٢ ، تاريخ دمشق ٤٢ : ٣٦٠ ، خصائص الوحي المبين : ١٩٠ / ح ١٣٥ ، الدر المنثور ٤ : ١٠٠ ، الجميع عن أبي هريرة.

ورواه أيضا حذيفة في كفاية الأثر : ١٣٨.

وأبو امامة في كفاية الأثر : ١٠٥ ، ومناقب بن شهرآشوب ١ : ٢٥٤.

وأبو الخميس كما في ذخائر العقبى ١ : ٦٩.

وأمّا ما روي عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام فقد رواه فرات الكوفي في مناقبه ١ : ٢٠٩ ، عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام ورواه أيضا الخزار القمي في كفاية الأثر : ٢٤٥ ، عن الإمام محمد بن علي الباقر عليه‌السلام.

١٨٢

قبل أن يُخُلِق السماوات والأرض بألفي عام : « لا إله إلاّ اللّه‏ ، محمد رسول اللّه‏ ، أيّدته بعلي » (١).

وعن أبي الحمراء ـ خادم الرسول ـ قال : قال رسول اللّه‏ : لمّا أُسرى بي إلى السماء نظرت إلى ساق العرش الأيمن فإذا عليه : « لا إله إلاّ اللّه‏ ، محمد رسول اللّه‏ ، أيّدته بعلي ، ونصرته بعلي » (٢).

ويؤكد هذا الكلام ما رواه فرات الكوفي ، عن علي بن عتاب معنعنا ، عن فاطمة الزهراء أنّها قالت : قال رسول اللّه‏ : لمّا عرج بي إلى السماء صرت إلى سدرة المنتهى ( فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ) فأبصرته بقلبي ، ولم أره بعيني ، فسمعت أذانا مثنى مثنى وإقامة وترا وترا.

فسمعت مناديا ينادي : يا ملائكتي وسكّان سماواتي وأرضي وحملة عرشي اشهدوا أنّي لا إله إلاّ أنا وحدي لا شريك لي ، قالوا : شهدنا وأقررنا.

قال : اشهدوا يا ملائكتي وسكّان سماواتي وأرضي وحملة عرشي أنّ محمدا عبدي ورسولي ، قالوا : شهدنا وأقررنا.

قال : اشهدوا يا ملائكتي وسكّان سماواتي وأرضي وحملة عرشي أنّ عليّا وليّي ، ووليّ رسولي ، ووليّ المؤمنين من بعد رسولي ، قالوا : شهدنا وأقررنا (٣).

__________________

(١) تاريخ دمشق ٤٢ : ٣٣٦ ، شواهد التنزيل ١ : ٢٩٦ / ح ٣٠٢ ، كنز العمال ١١ : ٢٨٧ / ح ٣٣٠٤٢.

(٢) المعجم الكبير ٢٢ : ٢٠٠ / ح ٢٥٦ ، تاريخ دمشق ١٦ : ٤٥٦ ، و ٤٢ : ٣٣٦ ، ٣٦٠ ، وشواهد التنزيل ١ : ٢٩٦ / ح ٣٠٣ ، شرح الاخبار ١ : ٢١٠ / ح ١٧٩ و ٢ : ٣٨٠ / ح ٧٣٥ ، امالي الصدوق : ٢٨٤ فضائل ابن شاذان : ١٦٨ ، معجم الصحابة لابن قانع ٣ : ٢٠٢ ، حلية الاولياء ٣ : ٢٧ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٢١ ، مناقب الكوفي ١ : ٢٤٠ ، كنز العمال ١١ : ٢٨٧ / ح ٣٣٠٤ و ٣٣٠٤١.

(٣) تفسير فرات الكوفي : ٢٤٢ في ذيل الآية ٧٢ من سورة الأحزاب ، وبحار الأنوار ٢٣ : ٢٨٢ / ح ٢٨.

١٨٣

ومما يحتمل أن يقال جمعا واستنتاجا لاخبار الاسراء والمعراج في الأذان هو إن غالب روايات ذكر اسم علي بعد اسم النبي كانت عند سدرة المنتهى وفي السماء السابعة ، ولم ترد رواية بذلك في السماوات التي دون الرابعة ، وإذا ثبت أن الأذان قد شرّع في السماء الثانية أو الثالثة (١) ، فإن معنى ذلك ان الشهادة الاقتضائية لعلي بالولاية ذكرت في السماء الثانية أو الثالثة ثم ابلغت الملائكة بذلك ، ولذلك شهدت الملائكة بالشهادة الثالثة عند السماء السابعة ، وفي هذا ما يمكن أن يستند عليه القائل بالجزئية ، في حين إنا نستفيد منها على أنّها محبوبة للشارع لا غير.

وكذا أن رواية القاسم بن معاوية الآنفة هي من الأدلّة التي استدلّ بها بعض فقهاء الإمامية على جواز ذكر الشهادة الثالثة في الأذان وفي غيره. لكن لا ينبغي أن تفرد هذه الرواية بالاستدلال عندهم ، لأنّ مجموع تلك الروايات تثبت التقارن بين علي والنبي في الذكر مطلقا ، وعلى هذا الأساس أفتى بعض الفقهاء بالاستحباب الشرعيّ فضلاً عن الجواز والإباحة ؛ من دون اعتقاد الجزئية ، والشهادة الثالثة تكون حينئذ ذكرا محبوبا في الأذان وفي غيره يراد منه التيمّن والتبرّك ويؤتى بها بقصد القربة المطلقة ؛ إذ عمومات وإطلاقات الاقتران تتناول الأذان وغيره ، خصوصا إذا جمع مع حسنة ابن أبي عمير عن الكاظم الاتية بعد قليل والداعية إلى الحث على الولاية في الأذان.

وعليه فإن ما جاء في تفسير فرات يوضّح الارتباط الوثيق بين الشهادات الثلاث ، لأنّ الفاء في « فسمعتُ » إن أُخذت على أنّها تفسيرية كان النداء الذي سمعه رسول اللّه‏ من جملته الشهادة بالولاية ، وهذا يكون نصّا على وجود الشهادة بالولاية لعليٍّ في الأذان.

__________________

(١) انظر رواية عمر بن اذينه عن الصادق في الكافي ٣ : ٤٨٢ ـ ٤٨٦ / ١ وعلل الشرائع ٢ : ٣١٢ / باب علل الوضوء والأذان والصلاة / ح ١ ، وعنه في بحار الانوار ١٨ : ٣٥٤ / ح ٦٦ و ٧٩ : ٢٣٧ / ح ١.

١٨٤

أمّا لو لم تكن ضمن الأذان ـ المسموع للنبي ـ بل كان المنادي قد نادى بها بعد الأذان ، فهذا الترتيب أيضا يدلّ على الترابط الملحوظ بين الشـهادات الثلاث في كلِّ شيء ويوكد على محبوبية الاجهار به.

وقد يكون ذلك معنى آخر لما قاله الإمام علي بن الحسين عن الحيعلة الثالثة وأنّها كانت في الأذان الأوّل. وانّ الملائكة أتو بالحيعلة مع تفسيرها.

كلّ هذه النصوص تؤكّد وجود شيء دالّ على الإمامة والولاية في الأذان ، وخاصّة حسنة ابن أبي عمير عن الإمام الكاظم عليه‌السلام التي جزمت بأنّ صيغة « حيّ على خير العمل » تدلّ على معنى الولاية.

صحيحة ابن اذينة تقرن ذكر علي بالنبيّ

والآن مع خبر آخر أخرجه الكليني بسند صحيح وكذلك الصدوق ـ بأكثر من طريق ـ عن سدير الصيرفي ومحمد بن النعمان الأحول مؤمن الطاق وعمر بن اذينة مستفيضا عن الإمام الصادق أنّه قال: يا عمر بن أُذينة ، ما تروي هذه النّاصبة؟

قال : قلت : في ماذا؟

قال : في أذانهم وركوعهم وسجودهم.

قال : قلت : إنّهم يقولون أنّ أبيّ بن كعب رآه في النوم.

قال : كذبوا ، فإنّ دين اللّه‏ عزّوجلّ أعزّ من أن يُرى في النوم.

قال : فقال له سدير الصيرفي : جعلت فداك فأَ حْدِثْ لنا مِن ذلك ذِكرا ، فبدا الإمام الصادق ببيان عروج الرسول إلى السماوات السبع ، وذكر لهم خبر الأذان والصلاة هناك بكلّ تفاصيله.

وإليك بعض الفقرات الحساسة منه : فقال جبرئيل : اللّه‏ أكبر ، اللّه‏ أكبر ، ثم فتحت أبواب السماء واجتمعت الملائكة فسلّمت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفواجا ، وقالت :

١٨٥

يا محمّد كيف أخوك ، إذا نزلت فَأَقْرِئْهُ السلام.

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أفتعرفونه؟

قالوا : وكيف لا نعرفه وقد أخذ ميثاقك وميثاقه منّا ، وميثاق شيعته إلى يوم القيامة علينا ، وإنّا لنتصفح وجوه شيعته في كلّ يوم وليلة خمسا [ يعنون في كل وقت صلاة ] وإنّا لنصلّي عليك وعليه.

ـ إلى أن يقول ـ فقال جبرئيل : أشهد أنّ محمدا رسول اللّه‏ ، أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه‏.

فاجتمعت الملائكة وقالت : مرحبا بالأوّل ، ومرحبا بالآخر ، ومرحبا بالحاشر ، ومرحبا بالناشر ، محمّد خير النبيين ، وعليّ خير الوصيين ... إلى آخر خبر الإسراء والمعراج (١).

وجاء في العلل لمحمّد بن علي بن إبراهيم بن هاشم أنه قال : علّة الأذان أن تكبّر اللّه‏ وتعظّمه ، وتقرّ بتوحيد اللّه‏ وبالنبوّة والرسالة ، وتدعو إلى الصلاة ، وتحثّ على الزكاة.

ومعنى الأذان : الإعلام ؛ لقوله تعالى ( وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسولِهِ إِلَى النَّاسِ ) أي إعلام ، وقال أمير المؤمنين : كنت أنا الأذان في الناس بالحجّ ، وقوله : ( وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ) أي أعلمهم وادْعُهُمْ (٢).

وفي « من لا يحضره الفقيه » عن الإمام الرضا أنّه قال في علل الأذان : ... إنما امر الناس بالأذان لعلل كثيره ، منها أن يكون تذكيرا للناسي ، وتنبيها للغافل ، وتعريفا لمن جهل الوقت واشتغل عنه ، ويكون المؤذن بذلك داعيا لعبادة الخالق ومرغبا

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٨٢ باب النوادر / ح ١ ، وعلل الشرائع ٢ : ٣١٤ / باب علل الوضوء والأذان / ح ١ ، وعنه في بحار الأنوار ١٨ : ٣٥٤ / ح ٦٦ و ٧٩ : ٢٣٩ / ح ١.

(٢) بحار الأنوار ٨١ : ١٦٩/ ح ٧٣ عن كتاب العلل لمحمّد بن علي بن إبراهيم بن هاشم ، وعنه في مستدرك الوسائل ٤ : ٧٤ / ح ٤١٩٣.

١٨٦

فيها ، ومقرا للّه‏ بالتوحيد مجاهرا بالإيمان معلنا بالإسلام (١) مؤذنا لمن ينساها إلى أن يقول : وجعل بعد التكبير الشهادتان لأن أول الإيمان هو التوحيد والإِقرار للّه‏ تبارك وتعالى بالوحدانية والاقرار للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالرسالة وأن اطاعتهما ومعرفتهما مقرونتان ، ولأن أصل الإيمان إنّما هو الشهادتان فجعل شهادتين شهادتين كما جعله في ساير الحقوق شاهدان فإذا أقر العبد للّه‏ عزّ وجلّ بالوحدانية وأقر للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالرسالة فقد أقر بجملة الإيمان ، لأن أصل الإيمان إنما هو [ الشهادة ] باللّه‏ وبرسوله وإنما جعل بعد الشهادتين الدعاء إلى الصلاة ، لأن الأذان إنما وضع لموضع الصلاة وإنما هو نداء إلى الصلاة في وسط الأذان والدعاء إلى الفلاح وإلى خير العمل ، وجعل ختم الكلام باسمه كما فتح باسمه (٢).

موثقة طريف تقرن الشهادة بالولاية مع الشهادة بالرسالة

وروى الكليني عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الوليد ، قال : سمعت يونس بن يعقوب ، عن سنان بن طريف ، عن أبي عبداللّه‏ الصادق ، قال : إنّا أوّل بيت نوّه اللّه‏ بأسمائنا ، إنّه لمّا خلق السماوات والأرض أمر مناديا فنادى :

أشهد أنّ لا إله إلاّ اللّه‏ ، ثلاثا.

أشهد أنّ محمدا رسول اللّه‏ ، ثلاثا.

أشهد أنّ عليا أمير المؤمنين حقّا ، ثلاثا (٣).

__________________

(١) وفي علل الشرائع ١ : ٢٥٨ ، مقرا له بالتوحيد ، مجاهرا بالايمان ، معلنا بالإسلام ، مؤذنا لمن يتساهى.

(٢) من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٩٩ ـ ٣٠٠ / ٩١٤ ، وسائل الشيعة ٤١٩ / ح ٦٩٧٤.

(٣) الكافي ١ : ٤٤١ / ح ٨ ، وعنه في بحار الأنوار ١٦ : ٣٦٨ / ح ٧٨. والرواية موثّقة لكون محمد بن الوليد ـ والذي هو الخزاز الثقة ـ فطحيا على قول ، كما أنّ سنان بن طريف وجه من شخصيات الطائفة الجليلة ؛ الحجة بالاتّفاق ، وأما يونس فمجمع على وثاقته وقبول

١٨٧

وقد أخرجها الشيخ الصدوق في أماليه ، قال : حدثنا محمّد بن علي بن ماجيلويه رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، قال : حدثني سهل بن زياد ... ، وساق ما أخرجه الكليني سندا ومتنا (١).

وروى الصدوق في « كمال الدين » بسند متّصل إلى ابن أبي حمزة الثمالي ، عن الصادق ، عن أبيه ، عن آبائه ، قال : قال رسول اللّه‏ : حدّثني جبرئيل عن رب العزة جل جلاله أنّه قال : « من علم أن لا إله إلاّ أنا وحدي ، وأنّ محمدا عبدي ورسولي ، وأنّ علي بن أبي طالب خليفتي ، وأنّ الأئمة من ولده حُججي » أدخلته الجنّة برحمتي ، ونجّيته من النار بعفوي ، ومَن لم يشهد أن لا إله إلاّ أنا وحدي أو شهد بذلك ولم يشهد أنّ محمّدا عبدي ورسولي أو شهد بذلك ولم يشهد أنّ الأئمّة من ولده حججي فقد جحد نعمتي وصغّر عظمتي وكفر بآياتي ... (٢).

فإذا كان اللّه‏ قد أمر ملكا بأن ينادي بهذه الشهادات الثلاث ، فهو يعني محبوبيتها وكمال الحسن في الإتيان بها عنده ، لأنّ اللّه‏ لا يأمر بشيء عبثا إلاّ وفيه مصلحة ، فكيف يُشكَل على العامل بها في الحياة الدنيا ، لا على أنّها أمر من اللّه‏ سبحانه واجبٌ في خصوص الأذان ، بل لأ نّها محبوبة عنده سبحانه وتعالى بنحو مطلق ، أي من دون اعتقاد الجزئية.

فإِذَنْ مضمون الشهادة بالولاية في الأذان لم يكن منافيا للشريعة حتّى يقال بحرمة الإجهار بها ، بل هو جاء ضمن السياق المأمور به في الشريعة.

__________________

رواياته ، إلاّ أنّه فطحيّ على احتمال ، وأمّا سهل بن زياد فمختلف فيه ، والأقوى عندنا وثاقته. والحاصل : فالرواية حسنة أو موثّقة.

(١) امالي الصدوق : ٧٠١ / ح ٩٥٦ ، وعنه في بحار الانوار ٣٧ : ٢٥٩ / ح ١٠.

(٢) اكمال الدين : ٢٥٨ / ح ٣ ، من الباب ٢٤ ، وأخرجه الخزّار القمي بسنده عن علي بن أبي حمزة عن الإمام الصادق عليه‌السلام كما في كفاية الأثر : ١٤٤ / باب في النصوص على الأئمة الاثني عشر. وهو في الاحتجاج للطبرسي ١ : ٨٧.

١٨٨

فلو ثبت جواز ذكرها ـ فضلاً عن استحبابها قاصداً بعمله امتثال امر الباري ـ فكيف يجوز نسبة الحرمة إلى اللّه‏.

الم يكن ذلك تحريما للحلال ، وهو الداخل ضمن قوله تعالى : ( آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ).

إن البدعة هو ادخال في الدين ما ليس منه تحليلاً وتحريما ، فكما ان تحليل الحرام غير جائز. فتحريم الحلال هو حرام بإجماع المسلمين.

ان الإتيان بذكر علي من الذكر الجائز ، وقيل انه مستحب لمجيئه في شواذ الاخبار ، فلو كان جائزا فلا يجوز منعه خصوصا بعد علمنا بأن القوم منعوا من الجهر بالبسملة ، والمُتعتين ، وحيّ على خير العمل ، وغيرها من المسائل الخلافية إخماداً لسنّة رسول اللّه‏ وبغضاً لعلي ، والذي وضّحناها في كتابنا « منع تدوين الحديث » وان اعمالهم تلك هي اماتة للدين وتحريف للشريعة وهو مصداق لقوله تعالى ( وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ ألْسِنَتُكُمُ ألْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ ألْكَذِبَ إِنَّ ألَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ ألْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ ).

وعلى ضوء ما سبق نقول : إنّ اللّه‏ ورسوله قد أعلنا عن ولاية علي في كتابه وسنته تصريحا وتلميحا ، وإنّ الأذان المشرّع في الإسراء والمعراج كان فيه : « حي على خير العمل » الدالة على الولاية ، ونحن ناتي بتفسيرها معها لا على أنّها جزءُ بل لمحبوبيتها عند رب العالمين ، ولمعرفتنا بأن القوم غيروا اسم الإمام علي الذي كان مكتوبا على ساق العرش إلى أبي بكر ، وشكّكوا في كون الإسراء جسمانيا ، إذ ذهب كُلٌّ من عائشة ومعاو ية إلى القول بأنّ الإسراء كان مناميّا ، وذلك مثل ما قالوه في الأذان وأنه مناميّ ، كل ذلك للحدّ من تناقل فضائل الإمام علي الظاهرة في السماوات والأرض ، في حين قد عرفت أنّ آل البيت كانوا يرفضون فكرة تشريع الأذان في المنام وما اتى به القوم من تحريفات.

إذن التحريف والز يادة والنقصان في الدين جاءت من قِبَلِهِم وكانت هي

١٨٩

سجيَّتهم ، وقد طالبوا الرسول أن يحرّف الكتاب العزيز فأبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يغيّر ( فأبوا ) إلى ( فأتوا ) ، لكنّ عثمان ما رأى بأسا في أن يزيد الأذان الثالث يوم الجمعة (١) ، وعمر ما رأى ضيرا في أن ينقص الحيعلة الثالثة من أصل الأذان ويضيف : « الصلاة خير من النوم » في أذان صلاة الصبح (٢).

كل ذلك وهم يتهموننا بالزيادة في الدين وأني في كتابي « وضوء النبي » وضحت بأنهم زادوا في الوضوء على ما فرض اللّه‏ على عباده ، فغيروا صريح الآية من المسح إلى الغسل.

وعليه لا وجه للترابط بين المنع من المتعتين ورفع الحيعلة الثالثة من قبل عمر ، إلا أن نقول أنهما مرتبطتان بالولاية والخلافة ، لان الرواية في فضائل علي يعني لزوم الاتباع له ، أي ان لتلك الروايات الطريقية للاخذ عن علي. لان نقل الفضائل هو مقدمة لاخذ الدين عنه ، وبما أنّ الطالبيّين كانوا يتبنون فكر ومنهج الإمام علي وخصوصا في هذه المفردات الثلاث ـ تبعا له عليه‌السلام ـ ، ولهذا ترى التخالف قائم بين المدرستين في هذه المفردات إلى يومنا هذا ولا يمكن تصوّر شيء آخر غير هذا؟

وإلاّ فما هو سّر حذف الحيعلة الثالثة واستبدالها في أذان الصبح بالتثويب؟ وهل هما يرتبطان بموضوع الخلافة والإمامة كذلك؟ انه تساءل يمكن أن تقف على جوابه في كتابنا « الصـلاة خير من النوم شرعة أم بدعة ».

وبعد كلّ هذا نقول : يمكننا أن نستدلّ على رجحان الشهادة بالولاية من خلال وجود الحيعلة الثالثة في الأذان الأوّل ، كما يمكننا أن نستدلّ على رجحانها أيضا من خلال أمر الإمام الكاظم عليه‌السلام بالحث عليها مطلقا ، مضافا إلى الاستدلال على رجحانها بأخبار الاقتران المعتبرة حين العروج برسول اللّه‏ إلى السماء ، وأنّها

__________________

(١) انظر صحيح البخاري ١ : ٣٠٩ / ح ٨٧٠ من باب الأذان يوم الجمعة.

(٢) سنن الدراقطني ١ : ٢٤٣ / ح ٤٠ من باب ذكر الإقامة ، سنن البيهقي الكبرى ١ : ٤٢٣ / ح ١٨٣٨ ، من باب التثويب في أذان الصبح.

١٩٠

كانت تعني الإمامة والولاية لعلي ، كما جاء في روايات أهل البيت ، وتمّ التوصّل إليه خلال الصفحات السابقة ، لكن من دون اعتقاد الجزئية.

وقفة مع ما رواه الصدوق في العلل

لنتوقف هنا قليلا عند ما رواه الشيخ الصدوق في علله : حدثنا عبدالواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا علي بن [ محمد بن [ قتيبة ، عن الفضل بن شاذان قال : حدثني محمد بن أبي عمير : أنّه سأل أبا الحسن [ الكاظم ] عليه‌السلام عن « حي على خير العمل » لِمَ تُركتْ من الأذان؟ فقال : ... فإنّ خير العمل الولاية ، فأراد مَنْ أمر بترك « حي على خير العمل » من الأذان [ وهو عمر كما في روايات اُخرى ] ألاّ يقع حَثٌّ عليها ودعاءُ إليها (١).

والخبر مسند كما تراه ، ووجود عبدالواحد بن محمد بن عبدوس فيه لا يخدشه ، لأ نّه من مشايخ الصدوق ، وقد ترضّى عليه كثيرا (٢) ، قال الوحيد البهبهاني : وأكثر الرواية عنه ، مترضّيا ، وحسَّنَهُ خالي (٣) ، ولم يرد فيه قدح من أحد.

وكذا علي بن محمد بن قتيبة ، فقد اعتمده الكشّي ، وروى عنه كثيرا ، والعلاّمة حكم بصحة روايته (٤) وقد أدرجه في القسم الأول من رجاله ، وكذلك ابن داود ،

__________________

(١) علل الشرائع للصدوق ٢ : ٣٦٨ / ح ٤ ، وعنه في بحار الانوار ٨١ : ١٤٠ / ح ٣٤ والوسائل ٥ : ٤٢٠ / ح ٦٩٧٧.

(٢) التوحيد : ٢٤٢ / ح ٤ ، ٢٦٩/ ح ٦ ، ٤١٦/ ح ١٦ ، عيون أخبار الرضا ٢ : ١١٩/ ح ٢٧ و ٢ : ١٢٤/ ح ٣٤ ، ٢ : ١٨٧/ ح ١.

(٣) هذا كلام الوحيد في تعليقته : ٢٣٥ ، وانظر حاوي الأقوال ٣ : ٢١/ الترجمة ٧٧٤ ، وتحرير الأحكام ٢ : ١١٠ ومسالك الإفهام ٢ : ٢٣ ، ومدارك الأحكام ٦ : ٨٤ ، ومنتهى المقال ١ : ٩٤ ، ٤ : ٢٧٥.

(٤) خلاصة الأقوال : ١٧٧ / ت ١٦.

١٩١

بل قد جزم الجزائري بوثاقته حيث أدرجه في قسم الصحاح ، وكذلك جزم به الكاظمي في هداية المحدّثين ، وقال الشيخ عنه : « فاضل » ، وهو مدح للرجل (١).

قال الشهيد الثاني عن بن عبدوس : وهو مجهول الحال مع انه شيخ ابن بابويه ، وهو قد عمل بها ، فهو في قوة الشهادة له بالثقه ، ومن البعيد أن يروي الصدوق رحمه‌الله عن غير الثقه بلا واسطة واعلم أن العلامة في التحرير في باب الكفارات شهد بصحة الرواية وهو صريح في التزكية لعبد الواحد (٢).

وقال المحقق السبزواري في ذخيرة المعاد : ولا يخفى أن عبدالواحد بن عبدوس وان لم يوثق صريحا لكنه من مشايخ الصدوق المعتبرين الذين اخذ منهم الحديث ، وفي ذلك اشعار بالاعتماد على ما نقله على ان الظاهر انه من مشايخ الاجازة من المصنفين والنقل من كتاب بعض الرواة المتقدمة عليه فلا يتوقف الاعتماد على الرواية على حسن حاله ، وفي طريق الرواية علي بن محمد القتيبي ولم يوثقوه لكن مدحه الشيخ في كتاب الرجال بأنه فاضل وذكر النجاشي في ترجمته أن عليه اعتمد أبو عمرو الكشي في كتاب الرجال وانه صاحب الفضل بن شاذان ومن رواية كتبه وفي ذلك اشعار بحسن حاله (٣).

وقد نقل الشيخ يوسف البحراني عن بعض مشايخه قوله : صحّح العلامة في الخلاصة في ترجمة يونس بن عبد الرحمن طريقين فيهما علي بن محمد بن قتيبة واكثر الكشي الرواية عنه في كتابه المشهور في الرجال ، فلا يبعد الاعتماد على حديثه لأنه من مشايخه المعتبرين الذين اخذ الحديث عنهم (٤). فالرواية حسنة

__________________

(١) رجال الطوسي : ٤٢٩ / ت ٦١٥٩.

(٢) مسالك الافهام ٢ : ٢٣.

(٣) ذخيرة المعاد ١ : ٥١٠ ط قديم.

(٤) الحدائق الناظرة ٦ : ٤٧ ـ ٤٨ و ١٣ : ٢٢١ ـ ٢٢٢ وانظر مستند الشيعة ٥ : ٤٣٥ ـ ٤٣٦ ، وجواهر الكلام ١٦ : ٢٧٠.

١٩٢

على أقّل تقدير.

فإنّ قوله عليه‌السلام : « فإنّ خير العمل الولاية » يفهم بأنّ عمر بن الخطاب كان لا يريد أن يقع حثٌّ على الولاية ودعوةٌ إليها ، وهو ما يفنّد قول من يدّعي أنّ الضمير في ( عليها ) أو ( فيها ) راجع إلى الصلاة ، إذ لا يعقل أن يكون عمر لا يريد حثا على الصلاة والدعوة إليها لان منصبه يمنعه من ذلك ، مع أنّ الدعوة إلى الصلاة ، وإلى الفلاح قد كانت موجودة في الفصلين السابقين ، فلا معنى لحذفها ، فلم يبق إلاّ أن نقول بأنّ لـ « حي على خير العمل » معنىً آخر غير الصلاة والفلاح ، وهذا هو الصحيح ، ويتأكّد ذلك لكلّ من يتأمل قليلاً في لغة العرب ، إذ من غير الطبيعي أن يأتي العربي بالكناية بعد التصريح ، فالمؤذّن حينما يقول وبلسان عربي فصيح : « حيّ على الصلاة » فلا معنى لإتيانه بمعناها الكنائيّ ثانية.

نعم قد يمكن أن يأتي بالكناية أولاً ثم يصرّح بالمقصود ، كل هذا يرشدنا إلى أنّ المعنيَّ في جملة « حي على خير العمل » شيءٌ غير الصلاة ، وهو الّذي وضّحه آل بيت الرسالة.

وعليه ، فالمعنيُّ بالحيعلة الثالثة ـ وحسب كلام الإمام الكاظم ـ هو الولاية ، لأنّ الأذان ـ وكما وضّحنا سابقا (١) ـ هو بيان لأُصول العقيدة من التوحيد ، والنبوة ، والإمامة حسب نظر الإمامية ، لا أنّه مختصّ ببيان وقت الصلاة كما يفهمه الآخرون.

__________________

(١) انظر الكتاب الأوّل من هذه الدراسة ( حيّ على خير العمل الشرعية والشعار ية ) صفحة ١٤٩.

١٩٣

دفعُ دَخْل

لكن هنا سؤال يطرح نفسه ، وهو : كيف تكون الحيعلة الثالثة حثا على الولاية ودعوة إليها ، في حين نعلم أنّ جملة « حيَّ على خير العمل » ليس لها ظهور في الولاية ، بل ظاهرها يشمل كلّ عمل صالح من صلاة وغيرها.

الجواب :

إنّا لو ألقينا نظرة سريعة إلى أسباب النزول لاتّضح لنا جواب هذا السؤال وغيره ، إذ من المعلوم أنّ الصحابة كانت لهم مصاحف وقراءات مختلفة ، والبعض

منهم كان يدرج شأن النزول مع الآية ، والآخر يذكر تفسيرها ـ من المعصوم ـ معها ، وثالث يأتي بها بصورة ثالثة ، فمثلاً جاء عن جابر بن عبداللّه‏ الأنصاري ، قال : سمعت رسول اللّه‏ قرأ ( فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ ) ، فقال : بعلي بن أبي طالب (١).

وعن شقيق ، قال : قرأتُ في مصحف عبداللّه‏ بن مسعود ( إِنَّ اللَّهَ أصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحا وَءَالَ إِبْرَاهِيمَ وَءَالَ عِمْرَانَ ) وآل محمد ( عَلَى ألْعَالَمِينَ ) (٢).

وعن زبيد اليامي ، عن مرّة ، قال : كان عبداللّه‏ بن مسعود يقرأ ( وَكَفَى اللَّهُ ألْمُؤْمِنِينَ ألْقِتَالَ ) بعليّ ( وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّا عَزِيزا ) (٣).

وفي مصحف عائشة وحفصة وأُم سلمة ، وأُبيّ ، وابن عمر ، وابن عباس أنّهم قرؤوا الآية ( حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ ألْوُسْطَى ) هكذا : ( حافظوا على

__________________

(١) المحرر الوجيز ٥ : ٥٦. وانظر تفسير النيسابوري ٦ : ٩٣ ، من سورة الزخرف : الآية : ٤١.

(٢) العمدة : ٥٥/ ح ٥٥ ، شواهد التنزيل ١ : ١٥٢ / ح ١٦٥ ، وقرا بمثلها ابن عباس كما في شواهد التنزيل ١ : ١٥٣ / ح ١٦٦ ، من سورة آل عمران : الآية ٣٣.

(٣) شواهد التنزيل ٢ : ٧ / ح ٦٣٠ ، ٦٣١ ، ٦٣٢ ، بطرق عديدة ، الدر المنثور ٦ : ٥٩٠ ، قال : أخرجه ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وابن عساكر عن ابن مسعود. ومثله عن ابن عباس ، انظر شواهد التنزيل ٢ : ١٠ / ح ٦٣٣ ، وجاء أيضا من طريق زبيد اليامي عن مرة ، عن ابن مسعود ، كما في : تاريخ دمشق ٤٢ : ٣٦٠ ، الاكمال ٧ : ٥٣ ، سورة الاحزاب : الآية ٢٥.

١٩٤

الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا للّه‏ قانتين ) (١).

وفي قراءة أُبيّ بن كعب للآية ١١ من سورة الرعد : ( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ) ورقيب من خلفه ( يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ) (٢).

وقرأ أُبيّ قوله تعالى ( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أيَّامٍ أخَرَ وَعَلَى ألَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ ) : ( فعدّة من أيام اُخر متتابعات ) (٣).

وفي مصحف أُبي : ( وإذا أردنا أن نهلك قرية بعثنا أكابر مجرميها ). بدل قوله ( وَإِذَآ أرَدْنَآ أَن نُّهلِكَ قَرْيَةً أمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا ألْقَوْلُ ) (٤).

وقرأ كذلك قوله تعالى ( وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أهْلِهِ ) : ( فتحرير رقبة مؤمنة لا يجزئ فيها صبي ) (٥).

وفي مصحفه أيضا : ( يا أيّها الناس ان اللّه‏ أسرع مكرا وإن رسله لديكم يكتبون ما تمكرون ) (٦).

وجاء في مصحف عبداللّه‏ بن مسعود : ( وربائبكم اللاتي دخلتم بأ مّهاتهم ) بدل

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٤٣٧ / ح ٦٢٩ ، مسند أحمد ٦ : ١٧٨ / ح ٢٥٤٨٩ ، سنن أبي داود ١ : ١١٢ / ح ٤١٠ ، سنن الترمذي ٥ : ٢١٧ / ح ٢٩٨٢ ، عن عائشة. وصحيح ابن حبان ١٤ : ٢٢٨ / ح ٦٣٢٣ ، عن حفصة. ومصنف عبدالرزاق ١ : ٥٧٨ / ح ٢٢٠٢ ، وتفسير الطبري ٢ : ٥٥٥ ، ومصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٢٤٤ / ح ٨٦٠٠ ، عن أُم سلمة. وأما عن الباقين فانظر الكشاف ١ : ٣١٦ ، والدر المنثور ١ : ٧٢٣ ـ ٧٢٧ ، وتفسير الطبري ٢ : ٥٥٥ ـ ٥٦٤ في معرض تفسيره لسورة البقرة : الآية ٢٣٨.

(٢) تفسير الطبري ١٣ : ١١٦ ، المحرر الوجيز ٣ : ٣٠٢ ، الدر المنثور ٤ : ٦١٤ ، من سورة الرعد : الآية ١١.

(٣) التفسير الكبير ١٢ : ٦٥ ، الكشاف ١ : ٢٥٢ ، الدر المنثور ١ : ٤٦٤ ، سورة البقرة : الآية ١٨٤.

(٤) المحرر الوجيز ٣ : ٤٤٤ ، تفسير الثعالبي ٢ : ٣٣٥ ، تفسير القرطبي ١٠ : ٢٣٤.

(٥) مصنف عبدالرزاق ٩ : ١٧٩ / ح ١٦٨٣١ ، الدر المنثور ٢ : ٦١٧ ، سورة النساء : الآية ٩٢.

(٦) المحرر الوجيز ٣ : ١١٢ ، بدل قوله : ( قُلِ اللَّهُ أسْرَعُ مَكْرا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ ) سورة يونس : الآية ٢١.

١٩٥

قوله ( وَأَمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ ألَّـتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ ألَّـتِي دَخَلْتُم بِهَنَّ ) (١).

وفي مصحف عبداللّه‏ بن مسعود : ( ما يكون من نجوى ثلاثةٍ إلاّ اللّه‏ رابعهم ، ولا أربعة إلاّ اللّه‏ خامسهم ، ولا خمسة إلاّ اللّه‏ سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلاّ هو معهم إذا أَخَذُوا في التناجي ) (٢).

وفي مصحفه أيضا عن الآية ٧٩ من سورة النساء : ( فمن نفسك وأنا قضيتها عليك ) ، وقرأ بها ابن عباس ، وحكى أبو عمرو أنّها في مصحف ابن مسعود ( وأنا كتبتها ) وروي أنّ أُبيّا وابن مسعود قرآ ( وأنا قدرتها عليك ) (٣).

وفي مصحف ابن مسعود بدل قوله تعالى ( إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) : ( إنّه عمل غير صالح أَنْ تسأَلَني ما ليس لك به علم ) (٤).

وفي مصحفه أيضا : ( تبيَّنتِ الإنس أنّ الجنّ لو كانوا يعلمون الغيب ) بدل قوله ( فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ ألْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ألْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي ألْعَذَابِ ألْمُهِينِ ) (٥).

وغيرها الكثير ، فترى الصـحابيَّ يذكر في بعضها ما يظهر فضائل أهل البيت ، وفي بعضها الآخر مثالب الآخرين ، وفي ثالث يذكرها توضيحا لبعض الأحكام ،

__________________

(١) الدر المنثور ٢ : ٤٧٤ ، سورة النساء : الآية ٢٣.

(٢) التفسير الكبير ٢٩ : ٢٣١ ، الكشاف ٤ : ٤٨٩ ، المحرر الوجيز ٥ : ٢٧٦ ، بدل قوله : ( مَا يَكون من نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَبِعُهُم وَلاَ هُوَ رَابِعُهُم وَلاَ خَمْسُةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أكَثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُم أينَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنِّبِّئهُمُ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ القِيَامَةِ ... ) ، المجادلة : الآية ٧.

(٣) المحرر الوجيز ٢ : ٨٢ ، تفسير الثعالبي ١ : ٣٩٣ ، بدل قوله : ( ... وَمَا أصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةِ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ ... ).

(٤) المحرر الوجيز ٣ : ١٧٧ ، معاني القرآن للجصاص ٣ : ٣٥٥ ، سورة هود : الآية ٤٦.

(٥) تفسير بن أبي حاتم ٩ : ٢٩١٤ ، والمحرر الوجيز ٤ : ٤١٢ ، تفسير البغوي ٣ : ٥٥٣ ، في قراءة ابن مسعود وابن عباس ، وكذا في تفسير القرطبي ١٤ : ٢٧٩ ، سورة سبأ : الآية ١٤.

١٩٦

وكان عمر بن الخطاب قد منع هذا النوع من التفسير والبيان مع القرآن ، بدعوى اختلاطه مع القرآن (١) ؛ كما أنّه منع من الأخذ بالقرآن الذي جمعه وفسّره علي بن أبي طالب عن رسول اللّه‏ لأ نّه وجد فيه الكثير من التفسير السياقي والبياني والذي يكشف فيه فضائحهم ، ويبيّن منزلة المطّهرين من آل البيت (٢) ، ويكشف جهل الخلفاء بالأحكام الشرّعية وعلوم السماء.

قال سليم الكوفي : فلمّا رأى عليٌّ غـدرهم لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه فلم يخرج من بيته حتى جمعه ... ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول اللّه‏ ، فنادى عليٌّ بأعلى صوته :

يا أيّها الناس ، إنّي لم أزل منذ قبض رسـول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشغولاً بغسله ، ثم بالقرآن حتى جمعته كلّه في هذا الثوب الواحد ، فلم ينزل اللّه‏ تعالى على رسول اللّه‏ آية إلاّ وقد جمعتها ، وليست منه آية إلاّ وقد أقرأنيها رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلّمني تأو يلها ... ثم قال لهم علي عليه‌السلام : لئلاّ تقولوا يوم القيامة أنّي لم أدعكم إلى نصرتي ولم أُذُكّركم حقّي ، ولم أدعكم إلى كتاب اللّه‏ من فاتحته إلى خاتمته.

فقال عمر : ما أغنانا بما معنا من القرآن عمّا تدعونا إليه (٣).

وفي مناقب ابن شهرآشوب : انه [ أي علي ] آلى أن لا يضع رداءه على عاتقه إلاّ

__________________

(١) مصنف عبدالرزاق ١١ : ٢٥٧ / ح ٢٠٤٨٤ ، تقييد العلم : ٤٩ ، ٥٠ ، ٥١ ، المدخل إلى السنن الكبرى ١ : ٤٠٧ / ح ٧٣١.

(٢) انظر الكافي ٢ : ٦٣٣ / ح ٢٣ / باب النوادر.

(٣) كتاب سليم : ١٤٧ الحديث الرابع ، وعنه في بحار الأنوار ٢٨ : ٢٥٦ / ح ٤٥ / الباب الرابع ، و ٨٩ : ٤١ / باب ما جاء في كيفية جمع القران. وفي اصول الكافي ٢ : ٦٣٣ ان الصادق عليه‌السلام اخرج مصحف علي وقال : اخرجه علي عليه‌السلام إلى الناس حين فرغ منه وكتبه فقال لهم : هذا كتاب اللّه‏ عزّوجلّ كما انزله اللّه‏ على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد جمعته من اللوحين ، فقالوا : هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه.

فقال : اما واللّه‏ ما ترونه بعد يومكم هذا ابدا انما كان عليّ أن اخبركم حين جمعته لتقرؤوه.

١٩٧

للصلاة حين يؤلف القرآن ويجمعه ، فانقطع عنهم مدة إلى أن جمعه ، ثم خرج إليهم به في ازار يحمله وهم مجتمعون في المسجد ، فانكروا مصيره بعد انقطاع مع البته ، فقالوا : الأمر ما جاء به أبو الحسن ، فلما توسطهم وضع الكتاب بينهم ثم قال : ان رسول اللّه‏ قال : اني مخلف فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا ، كتاب اللّه‏ وعترتي أهل بيتي ، وهذا الكتاب وانا العترة.

فقام إليه الثاني فقال له : ان يكن عندك قرآن فعندنا مثله فلا حاجة لنا فيكما ، فحمل الكتاب وعاد بعد ان الزمهم الحجة (١).

وفي الاحتجاج : فلمّا فتحه أبو بكر خرج في أوّل صفحة فتحها فضائح القوم ، فوثب عمر وقال : يا علي اردده فلا حاجة لنا فيه (٢).

وقيل : بأنّ الإمام عليّا أرسل مصحفه إلى عثمان لمّا أراد جمع القرآن فردّه (٣).

نعم ، إنّهم ردّوا مصحف علي ، وهو أعلم الناس بتنز يله وتأو يله ، وكذا تركوا مصحف ابن مسعود ذلك الغلام المُعَلّم (٤) حسب تعبير الرسول والذي أمر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقراءة وفق مصحفه بقوله : ( اقرؤوا بقراءة ابن أُمّ عبد ) (٥) ، وأيضاً لم يأخذوا بقراءة عبداللّه‏ بن عباس وهو حبر الأمة في كثير من الآيات ، بل لم يكتفوا بذلك حتى نسبوا إليه الإسرائيليات في التفسير ، ولم يكن ذلك إلاّ اتّباعا للسياسة المسنونة المشؤومة.

إنّها سياسة الحكّام وبني أميّة وقريش في ردّ ما هو مرتبط بأهل البيت وذو يهم ،

__________________

(١) مناقب ابن شهرآشوب ١ : ٣١٩.

(٢) الاحتجاج ١ : ٢٢٨ ، وعنه في بحار الأنوار ٨٩ : ٤٠ / ح ١ / باب ما جاء في كيفية جمع القرآن.

(٣) انظر الكافي ٢ : ٦٣٣ / ح ٢٣.

(٤) المعجم الكبير ٩ : ٧٩ / ح ٨٤٥٧ ، تاريخ دمشق ٣٣ : ٧٠ ، ٧٢ ، سير اعلام النبلاء ١ : ٤٦٥ ، النَّهاية في غريب الاثر ، للجزري ٣ : ٢٩٢ : غُليم معلَّم ، أي ملهم للصواب والخير.

(٥) سنن ابن ماجه ١ : ٤٩ / ح ١٣٨ ، مسند أحمد ١ : ٧ / ح ٣٥.

١٩٨

والاستنان بسنّة الخلفاء ، وقد أكّدت الصدّيقة فاطمة الزهراء على هذه الحقيقة في خطابٍ وجّهته إلى نساء المهاجرين والأنصار ، قالت فيه : « ويعرف التالون غب ما أسّس الأوّلون ... » (١).

اذن قضية الأذان لا تختلف عن القرآن ، فالخُلّص من الصحابة كانوا يفتحون بعض جمله ، لكونهم قد عرفوا معناها ، أو لدفع تهمة الغلوّ عنهم ، أو لرفع شأن ومنزلة الإمام علي عند المنكرين لها ، وهذا هو الذي دعا عمر للوقوف ضدّه ، ورفع الحيعلة الثالثة من الأذان.

والأفصح من ذلك ما جاء في كتاب الفضائل لابن شاذان بإسناده إلى المقداد بن الأسود الكندي ، قال : كنّا مع سيّدنا رسول اللّه‏ وهو متعلّق بأستار الكعبة وهو يقول : اللَّهم أعضدني واشدد أَزْري ، واشرح صدري ، وارفع ذكري ، فنزل عليه جبرئيل عليه‌السلام وقال : اقرأ يا محمد.

قال : وما أقرأ؟

قال : اقرأ ( ألَمْ نَشْرَحَ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * ألَّذِيآ أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) مع علي بن أبي طالب صهرك.

فقرأها النبيّ وأثبتها عبداللّه‏ بن مسعود في مصحفه ، فأسقطها عثمان ابن عفان حين وحّد المصاحف (٢).

فالمعية في قوله ( مع علي بن أبي طالب صهرك ) صريحة في لزوم رفع ذكر الوصي مع رفع ذكر النبي ، فتكون هذه الرواية وما كان على شاكلتها فيما يمكن أن يقال استنادا للعموم الآنف بمحبوبيّة ذكر عليّ بعد النبيّ بنحو مطلق ، وهو بالتالي من الأدلّة على اقتران ذكر علي بذكر النبيّ.

__________________

(١) معاني الأخبار : ٣٥٥ ، بلاغات النساء : ٢٠ ، أمالي الطوسي : ٣٧٦.

(٢) الفضائل لابن شاذان : ١٥١ ، وعنه في بحار الانوار ٣٦ : ١١٦ / ح ٦٣ / الباب ٣٩ ، وفيه « بعلي صهرك ».

١٩٩

وفي اُخرى عن عبداللّه‏ بن مسعود أنّه كان يقرأ قوله تعالى ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) بعلي بن أبي طالب صهرك (١).

والباء في ( بعلي ) للسببية ، أي بسبب علي بن أبي طالب سيبقى ذكرك وأنّه سيحفظ شريعتك من الضلال ، وأنّ كلمة ( صهرك ) فيها إشارة إلى ديمومية النهج النبوي بواسطة علي وفاطمة وآل البيت الطاهرين المطّهرين ، وهو معنى آخر لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « خلفائي اثنا عشر كلّهم من قريش » (٢) وهم عليّ والأحد عشر من ولد فاطمة ، وهو كذلك بيان ضمنيّ لمعنى « لا تصلّوا عَلَيَّ الصلاة البتراء » ، بل قولوا : « اللهم صَلِّ على محمد وآل محمد » و « حسين منّي وأنا من حسين ، أحبّ اللّه‏ من أحبّ حسينا » (٣) و « أنا وعليّ أبوا هذه الأمة » (٤) ، و « فاطمة أم أبيها » (٥) ، وغيرها من الأحاديث الكثيرة الدالة على الاقتران ووحدة الملاك بين الرسالة والإمامة ، وهي التي جاءت نصّا وإجمالاً في كثير من الأمور العبادية والأدعية في أطار الصلاة على محمدٍ وآل محمد.

وبما أنّ اللّه‏ رفع ذكر الرسول في الأذان ، والتشهد ، والخطبة ـ كما في روايات العامة والخاصة ، ولمناسبة الحكم والموضوع بين النبي والوصي ، ولوحدة الملاك

__________________

(١) نفس الرحمن في فضائل سلمان للنوري : ٤٦٣ عن الفضائل المنتخبة عن سلمان ، عن النبي أنّه قال : أوحى اللّه‏ تعالى إليّ ليلة المعراج : يا محمد رفعت ذكرك بعلي صهرك. وانظر الروضة لابن شاذان : ١٦٨ كذلك.

(٢) صحيح البخاري ٦ : ٢٦٤٠ / ح ٦٧٩٦ ، صحيح مسلم ٣ : ١٤٥٢ / ح ١٨٢١.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٥١ / ح ١٤٤ ، سنن الترمذي ٥ : ٦٥٨ / ح ٣٧٧٥ قال : حديث حسن ، وإنّما نعرفه من حديث عبداللّه‏ بن عثمان بن خثيم ، وقد رواه غير واحد عنه. ورواه الحاكم في المستدرك ٣ : ١٩٤ ، قال : حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

(٤) المفردات في غريب القرآن : ٧ ، اتّفاق المباني وافتراق المعاني : ٢٣٣ ، علل الشرائع ١ : ١٢٧ ، الغارات ٢ : ٧١٧ ، ٧٤٥.

(٥) المعجم الكبير ٢٢ : ٣٩٧ / ٩٨٥ ، المقتنى في سرد الكنى ٢ : ١٦٧ ، الاستيعاب ٤ : ١٨٩٩ ، تاريخ دمشق ٣ : ١٥٨ ، الإصابة ٨ : ٥٣ / الترجمة ١١٥٨٣ ، لفاطمة الزهراء سلام اللّه‏ عليها.

٢٠٠