أشهد أنّ عليّاً ولي الله

السيد علي الشهرستاني

أشهد أنّ عليّاً ولي الله

المؤلف:

السيد علي الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الإجتهاد
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5331-19-6
الصفحات: ٥٩٤

الحيعلة الثالثة معيار الانتماء ومحك الاختلاف

قال سعد التفتازاني المتوفّى ٧٩٣ ه‍ ، في شرح المقاصد في علم الكلام وفي حاشيته على شرح العضد ، وكذا القوشجي المتوفّى ٨٧٩ ه‍ في شرح التجر يد في مبحث الإمامة ، وغيرهما : إنّ عمر بن الخطاب خطب الناس وقال : أيّها الناس ، ثلاثٌ كُنَّ على عهد رسول اللّه‏ أنا أنهى عنهنّ وأحرّمهنّ وأعاقب عليهنّ ، وهي : متعة النساء ، ومتعة الحجّ ، وحيّ على خير العمل (١).

وقال المجلسيّ الأوّل في روضة المتّقين : أنّه روى العامّة أنّ عمر كان يباحث = [ يجادل ] مع رسول اللّه‏ في ترك حيّ على خير العمل ، ويجيبه [ الرسول ] بأنّها من وحي اللّه‏ ، وليست منّي وبيدي ، حتى قال عمر : [ أيام خلافته ] : ثلاث كنّ في عهد رسول اللّه‏ وأنا أحرّمهن وأعاقب عليهنّ : متعة النساء ، ومتعة الحج ، وقول حي على خير العمل ، رواه العامة في صحاحهم (٢).

فهنا سؤال يرد على الأذهان ، وهو : ما وجه الترابط بين المنع عن المتعتين وبين رفع حي على خير العمل من الأذان؟ وعلى أيّ شيء يدل؟ ولماذا نرى الذي يقول بشرعيّة « الصلاة خير من النوم » لا يقول بإمامة علي بن أبي طالب ، ومن يقول بـ « حي على خير العمل » يرى شرعية الولاية لعلي بن أبي طالب؟

وهل حقا أنّ « حي على خير العمل » يرتبط بموضوع الإمامة والخلافة؟ وإذا كان فكيف يستدلّ به؟

__________________

ولكي يقف المؤمن على السبب الخفيّ في محو تشريع الحيعلة الثالثة وما دعا عمر لأن يحذفها ، لان السائل سأل عن سبب الترك ، والإمامُ وضّحها لأنّ عمر حذفها كي لا يقف المسلمون على تفسيرها معها ، فحذفها خوفا من مستلزماتها.

(١) شرح المقاصد في علم الكلام ٢ : ٢٩٤ ، شرح التجريد : ٣٧٤ ، كنز العرفان ٢ : ١٥٨. وانظر الغدير ٦ : ٢١٣ ، والصراط المستقيم ٣ : ٢٧٧ ، والمسترشد : ٥١٦.

(٢) انظر روضة المتقين ٢ : ٢٢٧ ـ ٢٢٨.

١٦١

وهل من الصدفة في شيء أن يكون الإمام عليٌّ هو محور هذه الفقرات الثلاث؟

إن موضوع « حي على خير العمل » ما هو إلاّ نافذة واحدة من النوافذ الكثيرة إلى الفقه الأصيل والفقه المحرَّف ، وإنّ شأنه في مفردات الفقه الخلافيّ شأنُ التكبير على الميّت أربعا أم خمسا ، وشأن حكم الأرجل في الوضوء هل هو المسح أو الغسل؟ وأنّ المتعة جائزة أم حرام؟ والتختّم في اليمين أو الشمال؟ والمصلي هل عليه القبض أو الارسال؟ وهل أن الجهر بالبسملة سنة أم الإخفات بها هو السنة؟ وأن صلاة الضحى والتراو يح شرعية أم بدعية؟ وهكذا عشرات المسائل في الفقه المقارن.

فالذي يكبّر على الميّت خمسا يقول : لا أتركها لقول أحد (١) ، والقائل بالمسح على الأرجل يراها موافقه للذكر الحكيم ، حيث لا يوجدُ في كتاب اللّه‏ إلاّ غسلتان ومسحتان (٢) ، وأمّا الذي يمنع من المتعة فيستدلُّ بمنع عمر لها (٣) ، وهكذا الحال بالنسبة إلى غيرها من الأُمور الخلافيّة عند الطرفين ، فالبعض يستدلّ بالنصّ القرآنيّ والحديث المتواتر النبويّ ولا يرتضي استبدالهما بقول أحد ، وهناك من يأخذ بسيرة الشيخين معيارا للنفي والإثبات.

إذن هناك سنّة لرسول اللّه‏ ، وهناك سنّة للشيخين ، فالبعض كان لا يرتضي ترك سنّة رسول اللّه‏ لقول أحد ، والآخر يرى الخليفة هو الأعلم بالأحكام وروح التشريع فيجب اتّباعه حتّى لو خالف سنّة النبيّ الثابتة.

إنّ ربط عمر بن الخطاب بين هذه المسائل الثلاث ـ المتعتين وحيَّ على خير

__________________

(١) أنظر مسند أحمد ٤ : ٣٧٠ / ١٩٣١٩ ، وشرح معاني الأثار ١ : ٤٩٤ عن زيد بن أرقم.

(٢) سنن الدارقطني ١ : ٩٦ / ح ٥ ، سنن البيهقي الكبرى ١ : ٧٢ / ح ٣٤٥ عن ابن عباس.

(٣) مسند أحمد ٣ : ٣٢٥ / ح ١٤٥١٩ ، وانظر ١ : ٥٢ / ح ٣٦٩ ، معرفة السنن والآثار ٥ : ٣٤٥ / ح ٤٢٣٧ ، سنن سعيد بن منصور ١ : ٢٥٢ / ح ٨٥٣ ، مسند أبي عوانة ٢ : ٣٣٨ / ح ٣٣٤٩.

١٦٢

العمل ـ يعني في آخر المطاف ارتباط الأمر بالخلافة والإمامة ومنزلة الهاشميّين ، لأنّ هذه المسائل الثلاث أبرز عناوين مدرسة التعبّد المحض التي ترى وتعتقد بإمامة علي عليه‌السلام ، وقول عمر : « أنهي عنها » أو « اعاقب عليها » بمثابة اعتراف مبدئيّ منه بشرعية « حيّ على خير العمل » واعتراف ضمنيّ كاشفٌ عمّا يجول في دواخله ، ولذلك ربط نهيه عن « حي على خير العمل » بنهيه عن متعتي النساء والحج اللَّتين أكّد الإمام علي (١) وابن عباس (٢) ورعيل من الصحابة على شرعيّتهما (٣) ، بخلاف عمر والنهج الحاكم اللذين دعيا إلى تركهما.

فترك هذه الثلاث عمري ، وأمّا لزوم الاعتقاد بشرعيّتها فهو علوي ونبوي ، إذا الأمر لم يكن اعتباطا ، بل جاء لوجود رابطة وعلاقة متينة بين كلّ الأُمور المنهيّ عنها متأخراً والمعمول بها عند الرعيل الأول ، ولأجل هذا نرى ارتباطا تاريخيّا وثيقا بين القول بامامة عليّ والقول بشرعيّة الحيعلة الثالثة ، وبين رفض الولاية

__________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ٥٦٧ / ح ١٤٨٨ ، مسند أحمد ١ : ٥٧ / ح ٤٠٢ ، سنن النسائي ( المجتبى ) ٥ : ١٥٢ / ح ٢٧٣٣ ، المستدرك على الصحيحين ١ : ٦٤٤ / ح ١٧٣٥ ، الموطّأ ١ : ٣٣٦ / ح ٧٤٢.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ٥٦٨ / ح ١٤٩٢ ، مسند أحمد ١ : ٥٢ / ح ٣٦٩ ، و ١ : ٢٣٦ / ح ٢١١٥ و ١ : ٣٣٧ / ح ٣١٢١ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٨٥ / ح ١٢١٧.

(٣) كسعد بن أبي وقاص؛ انظر سنن الترمذي ٣:١٨٥ / ح ٨٢٣ ، موطأ مالك ١:٣٤٤ / ح ٧٦٣ ، سنن النسائي ( المجتبى ) ٥:١٥٢ / ح ٢٧٣٤ ، مسند أحمد ١:١٧٤ / ح ١٥٠٣.

وكابنِ عمر ؛ انظر سنن الترمذي ٣ : ١٨٥ / ح ٨٢٤ ، معجم الشيوخ : ٢٧٦ ـ ٢٧٧ ، شرح سنن ابن ماجة ١ : ٢١٤ / ح ٢٩٧٨.

وكأبي موسى الأشعري ؛ انظر صحيح مسلم ٢ : ٨٩٦ / ح ١٢٢٢ ، مسند أحمد ١ : ٥٠ / ح ٣٥١ ، سنن النسائي ( المجتبى ) ٥ : ١٥٣ / ح ٢٧٣٥ ، السنن الكبرى للبيهقي ٥ : ٢٠ / ح ٨٦٥٤ ، الجمع بين الصحيحين ١ : ٣١٣ / ح ٤٦٩ ، باب المتفق عليه من مسند أبي موسى الاشعري ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٩٢ / ح ٢٩٧٩.

وكعمران بن حصين ؛ انظر صحيح مسلم ٢ : ٨٩٨ / ح ١٢٢٦ ، شرح صحيح مسلم للنووي ٨ : ٢٠٥ / باب جواز التمتع / ح ١٢٢٦ ، سنن النسائي ( المجتبى ) ٥ : ١٥٥ / ح ٢٧٣٩ ، الجمع بين الصحيحين ١ : ٣٤٩ / ح ٥٤٨ من المتفق عليه من حديث عمران بن الحصين.

١٦٣

والإمامة لعليّ والقول برفع « حي على خير العمل ».

قال ابن أبي عبيد : إنّما أسقط « حي على خير العمل » مَنْ نهى عن المتعتين ، وعن بيع أمّهات الأولاد ، خشيةَ أن يتّكل الناس بزعمه على الصلاة ويَدَعُوا الجهاد ، قال : وقد رُوي أنّه نهى عن ذلك كلّه في مقام واحد (١).

وثبت أيضا أنّ رسـول اللّه‏ أذّن ، وكان يقول : « أشهد أنِّي رسول اللّه‏ » ، وتارة يقول : « أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه‏ » ، وأنكر العامّة أذانه عليه‌السلام (٢).

نعم ان النهج الحاكم طرح مفاهيم وتبنى افكارا تصب فيما يهدفون إليه ، منها تشكيكهم في أذان الرسول ؛ لعدم ارتضاء الشيخين التأذين بها في خلافتهما ، فأرادوا القول بعدم أذان رسول اللّه‏ ، لكي يعذروا الشيخين ولكي يقولوا بأ نّهم اقتدوا برسول اللّه‏ في عدم أذانه!!

إِبعادُ قريشٍ آلَ البيت عن الخلافة!!

لا شكّ ـ نظرا لرواية الإمام الكاظم عليه‌السلام الآنفة ـ في أنّ موضوع الخلافة والإمامة يرتبط بنحوٍ وآخر بمسألة الحيعلة الثالثة في الأذان ، وأنّ عمر أراد أن لا يكون حَثٌّ عليها كي يوقف مستلزماتها وتواليها معها ، وأنّ البحث عن دواعي إبعاد عمر أهل البيت عن الخلافة له ارتباط وثيق مع تصر يحات رسول اللّه‏ عن آل البيت وأنّهم عترته وخلفاؤه من بعده ، وهم القربى المأمور بمودّتهم في القرآن ، والمؤكَّد على اتّباعهم في سنّة رسول اللّه‏ ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أذكّركم اللّه‏ في أهل بيتي ،

__________________

(١) البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار ٢ : ١٩٢ ، وشرح الأزهار ١ : ٢٢٣. وانظر شرح العضدي على المختصر الأصولي لابن الحاجب بحاشية السعد التفتازاني ٢ : ٤١ ـ ٤٢.

(٢) الكلام السابق وما بعده نقلناه عن ذكرى الشيعة ٣ : ٢١٥ للشهيد الاول رحمه‌الله ، والرواية موجودة في « من لا يحضره الفقيه » ١:٢٩٧ / ذيل الحديث ٩٠٥ ، ووسائل الشيعة ٥:٤١٨ / ح ٦٩٧٤ عن الفقيه ، وانظر حاشية الجمل على شرح المنهاج ١:٣٨٧.

١٦٤

أذكّركم اللّه‏ في أهل بيتي ، أذكّركم اللّه‏ في أهل بيتي » (١).

وبما أنّ الإمام عليّا هو أعلم الناس وأقضاهم (٢) ، وهو خير البشر (٣) ، وإمام المتّقين ، وقائد الغرّ المحجّلين (٤) ، وأنّ عمر كان قد عرف بأنْ ليس بين هذه النصوص وبين التصريح باسم عليّ إلاّ خطواتٍ ، سعى لإبعاده وإبعاد كلّ شيء يَمُتُّ إليه.

ومن المعلوم أنّ عمر بن الخطّاب كان لا يرضى باجتماع النبوّة والخلافة في بني هاشم ، لذلكَ سأل ابنَ عبّاسٍ عمّا في نفس عليّ بن أبي طالب بقوله : أيزعم أنّ رسول اللّه‏ نصّ عليه؟

قال ابن عباس : نعم ، وأزيدك : سألت أبي عما يدّعيه ، فقال : صدّق ، قال عمر : لقد كان من رسول اللّه‏ في أمره ذَروٌ من قول لا يثبت حجّة ، ولا يقطع عذرا ، كان يَرْبَعُ في أمره وقتا ما ، ولقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه فمنعتُ من ذلك إشفاقا وحيطةً على الإسلام ... فعلم رسولُ اللّه‏ أنّي علمت ما في نفسه فأمسك (٥).

__________________

(١) صحيح مسلم ٤ : ١٨٧٣ / ح ٢٤٠٨ ، سنن الدارمي ٢ : ٥٢٤ / ح ٣٣١٦ ، مسند أحمد ٤ : ٣٦٦ / ١٩٢٨٥.

(٢) الكافي ٧ : ٤٠٨ / ح ٥ ، الخصال : ٥٥١ ، سمط النجوم العوالي ٢ : ٤٠٧ ، أحكام القرآن لابن العربي ٤ : ٤٣ ، ٤٥ ، تاريخ دمشق ٥١ : ٣٠٠. انظر المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٤٥ / ح ٤٦٥٦ ، وفيه عن ابن مسعود قال : كنّا نتحدّث أن اقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب ، صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وروي عن عمر قوله : أقضانا علي ... ، المعجم الأوسط ٧ : ٣٥٧ ، طبقات ابن سعد ٢ : ٣٣٩ ، أخبار المدينة ١ : ٣٧٤.

(٣) تاريخ بغداد ٧ : ٤٢١ / ت ٣٩٨٤ ، تاريخ دمشق ٤٢ : ٣٧٢ ، ٣٧٣ ، حديث خيثمة : ٢٠١ ، وانظر الدرّ المنثور ٨ : ٥٨٩.

(٤) المستدرك على الصحيحين ٣: ١٤٨ / ح ٤٦٦٨ ، المعجم الصغير ٢ : ١٩٢ / ح ١٠١٢ ، حلية الأولياء ١ : ٦٣ ، ورواه ابن حجر في الإصابة ٤ : ٦ / ت ٤٥٣١ ، مبتورا ، الإصابة ٤ : ٦ / ت ٤٥٣١ ، الخصال : ١١٦ / ح ٩٤ ، أمالي الصدوق : ٤٣٤ / ح ٥٧٣ ، مستدرك الوسائل ١٦ : ١٧١ / ح ١٩٤٨٣.

(٥) شرح النهج ١٢ : ٢١ ، عن أحمد بن أبي طاهر ( ت ٢٨٠ ه‍ ) في كتابه « تاريخ بغداد في أخبار

١٦٥

وقال العيني في عمدة القاري : واختلف العلماء في الكتاب الذي هَمَّ النبيّ بكتابته ، فقال الخطّابي : يحتمل وجهين ، أحدهما أنّه أراد أن ينصّ على الإمامة بعده فترتفع تلك الفتن العظـيمة كحرب الجمل وصفين (١).

وقد تناقل أصحاب كتب التاريخ والسـير أنّ عمر بن الخطاب منع من تدو ين حديث رسول اللّه‏ ، كي لا يختلط التنزيل مع أسباب النزول ، ونحن فصّلنا البحث عن هـذا الأمر في كتابنا ( منع تدو ين الحديث ) فليراجع.

قال المعلمي ـ من علماء العامّة ـ تعليقا على مرسلة ابن أبي مُليكة في منع أبي بكر لحديث رسول اللّه‏ : إنْ كان لمرسل ابن أبي مُليكة أصل فكونه عقب الوفاة يشعر بأ نّه يتعلّق بأمر الخلافة.

كأنّ الناس عقب البيعة بقوا يختلفون يقول أحدهم : أبو بكر أهلها ، لأنّ النبي قال : كيت وكيت ، فيقول آخر : وفلان [ أي علي ] قد قال له النبي : كيت وكيت.

فأحبّ أبو بكر صرفهم عن الخوض في ذلك وتوجيههم إلى القرآن (٢).

فقريش كانت لا ترتضي أن تكون الخلافة في عليّ وولده ، بل كانت تريد مشاركة الرسول في الوصاية والخلافة ، وقد اشترطت على رسول اللّه‏ بالفعل أن يشركها في أمر الخلافة ، وأنّهم لا يبايعوه إلاّ أن يجعل لهم في الأمر نصيبا ، فنزل فيهم قوله تعالى : ( يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الاْءَ مْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الاْءَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ) (٣) ، مؤكدا سبحانه وتعالى لهم بأن ليس بيده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيء ، فإنّ اللّه‏ هو الذي ينصب الخليفة.

__________________

الخلفاء والأمراء وأيّامهم ».

(١) عمدة القارئ ٢ : ١٧١.

(٢) الانوار الكاشفة للمعلمي : ٥٤.

(٣) سورة آل عمران : ١٥٤.

١٦٦

لكنّهم كانوا يتصوّرون أنّ بمقدورهم التلاعب بالذكر الحكيم وتغيير الآي الكريم.

وممّا قيل بهذا الصدد : أنّ ضيفين نزلا قرية انطاكية ، فأبى أهلها أن يضيّفوهما ، فنزل فيهم الوحي ، وصار هذا عارا وشنارا عليهم ، فأرادوا أن يغيّر الرسول ما نزل فيهما بإبدال حرف الباء في ( أبوا ) ويجعلها تاءا ( أتوا ) في قوله تعالى : ( حَتَّى إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا ) (١) فجاؤوه بأحمال الذهب والفضة والحرير كرشوة له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مقابل ما يريدونه ، لكنّه أبى مستنكِرا فعلهم (٢).

إنّ قبائل العرب ـ وخصوصا قريشا ـ كانوا لا يعلمون بأنّ دين اللّه‏ خالصٌ نقيٌّ ، ورسوله مُطهّرٌ زكيٌّ مصطفى ، بعيدٌ عن الأهواء والمغريات ، ولاجل هذا نزل الوحي موضحا لهم ، بأ نّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الاْءَقَـاوِيلِ * لاَءَخَـذْنَا مِنْـهُ بِالْيمِينِ * ثُمَّ لَقَطَـعْنَا مِنْهُ الْوَتِـينَ * فَـمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ) (٣) ، وأنّه ( مَا يَكُـونُ لِي أَنْ أُبَـدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّـبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَـذَابَ يَـوْمٍ عَظِيمٍ ) (٤).

فنحن لو جمعنا ما مرّ عن ابن عباس آنفا ، وما قاله عمر بأ نّه عرف مقصود رسـول اللّه‏ ، وأنّه أراد أن يصـرّح باسم الإمام عليّ وأن ينصّ عليه بالإمامـة ، فمنعه إشفاقا على الإسلام ، كلّ ذلك لو جمعناه مع قوله « إن الرجل ليهجر » (٥) أو « إنّ

__________________

(١) سورة الكهف : ٧٧.

(٢) انظر التفسير الكبير ٢١ : ١٣٤ وفيه : قيل ان اسم تلك القرية الأيلة.

(٣) سورة الحاقة : ٤٤ ـ ٤٧.

(٤) سورة يونس : ١٥.

(٥) تذكرة الفقهاء ٢ : ٤٦٩ ، المسترشد : ٥٥٣ / ح ٢٣٤ ، شرح أصول الكافي ١٢ : ٤١٢ في شرح الحديث ٤٥٤ ، وفيه « إنّ الرجل ليهذر » ، المنتقى في منهاج الاعتدال : ٣٤٧. وانظر

١٦٧

النبي غلبه الوجع وعندنا كتاب اللّه‏ حسبنا » (١) ، لعلمنا أنّ تلك النصوص قيلت تعريضا بالنبيّ وآله ، لأ نّه وحسب كلامه كان قد عرف تأكيدات النبي على أهل البيت في حجّة الوداع « أُذكّركم اللّه‏ في أهل بيتي ، أُذكّركم اللّه‏ في أهل بيتي ، أُذكركم اللّه‏ في أهل بيتي » (٢) ، وفي حديث الثقلين « كتاب اللّه‏ وعترتي أهل بيتي ما إن أخذتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا » ، وفي عشرات بل مئات الأحاديث الأخرى.

فإنّ تأكيد النبيّ على العترة ، وأنّ تركهم يعني الضلال عن الجادّة ، يفهمنا بارتباط أمر آل البيت بالشريعة ، لا بالمحبّة فقط كما يصوّره البعض.

فنحن لو جمعنا كلّ هذه المفردات ، وطابقناها مع مواقف النهج الحاكم بعد رسول اللّه‏ من أهل بيت الرسالة ، وموت الزهراء وهي واجدة على أبي بكر وعمر (٣) ، لعرفنا مدى المفارقة بين ترك بِرِّ فاطمة وترك الدعوة للولاية بـ « حيّ على خير العمل » في الأذان ، ولماذا جاء تفسير « حيّ على خير العمل » في كلام الإمامين الباقر والصادق بـ « بر فاطمة وولدها » وغيرها من النصوص الأخرى.

إنّ وقوف الرسول كل يوم على باب فاطمة ولمدّة ستة أشهر بعد نزول آية التطهير ، وقوله لأهل بيت الرسالة : « الصلاة ، الصلاة إنّما يريد اللّه‏ ليذهب عنكم

__________________

الجمع بين الصحيحين للحميدي ٢ : ٩ ـ ١٠ / ح ٩٨٠ ، وفيه : قالوا : ما شأنه هجر استفهموه ، من المتفق عليه من حديث ابن عباس.

(١) صحيح البخاري ١ : ٥٤ / ح ١١٤ ، و ٤ : ١٦١٢ / ح ٤١٦٩ ، و ٦ : ٢٦٨٠ / ح ٦٩٣٢ ، مسند أحمد ١ : ٣٢٤ / ح ٢٩٩٢ ، الطبقات الكبرى ٢ : ٢٤٤. وانظر البداية والنهاية ٥ : ٢٢٧ وفيه فقال بعضهم : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غلبه الوجع ...

(٢) صحيح مسلم ٤ : ١٨٧٣ / ح ٢٤٠٨ ، مسند أحمد ٤ : ٣٦٦ / ح ١٩٢٨٥ ، سنن الدارمي ٢ : ٥٢٤ / ح ٣٣١٦.

(٣) سنن الترمذي ٤ : ١٥٧ / ح ١٦٠٩ ، صحيح البخاري ٤ : ١٥٤٩ / ح ٣٩٩٨ ، وانظر ٦ : ٢٤٧٤ / ح ٦٣٤٦ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٨٠ / ح ١٧٥٩.

١٦٨

الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا » (١) يؤكّد على وجود ترابط بين التوحيد والنبوّة والإمامة في الأذان وكذا في الصلاة ، بل في كلّ شيء ، وقد كان الرسول الأكرم هو حلقة الوصل والرابط بين ركيزتي التوحيد ( الصلاة ) والعترة ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) (٢).

وكان القوم قد عرفوا هذا الارتباط من خلال الآيات الكثيرة النازلة في حقّ أهل البيت ، وتأكيدات الرسول المتوالية عليهم ، فأرادوا إبعادهم عما خصهم به اللّه‏ ورسوله حسدا وازورارا ، وهم يعلمون بهذه الحقيقة ، وأنّ موضوع آل البيت ولزوم اتّباع عترته كان من موارد الابتلاء والفتنة التي أخبر بها رسول اللّه‏ أُمّته ، وقد نقلنا سابقا ما جاء عن أبي سفيان (٣) ومعاوية (٤) في الأذان وأنّهما كانا لا يحبّان أن يذكر اسم النبي محمّد في الأذان.

بل إنّ معاوية (٥) ، وعثمان (٦) حذفا اسمه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من آخر الأذان.

وجاء في مجمع الزوائد عن عبدالرحمن بن أبي ليلى ، قال : كان علي ابن أبي طالب إذا سمع المؤذّن يؤذّن ، قال كما يقول ، فإذا قال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه‏ ،

__________________

(١) الفضائل لأحمد بن حنبل ٢ : ٧٦١ / ح ١٣٤٠ ، ذخائر العقبى ١ : ٢٤ ، سير أعلام النبلاء ٢ : ١٣٤ ، المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٧٢ / ح ٤٧٤٨ ، سنن الترمذي ٥ : ٣٥٢ / ح ٣٢٠٦ ، المصنف لابن أبي شيبة ٦ : ٣٨٨ / ح ٣٢٢٧٢ ، المعجم الكبير ٣ : ٥٦ / ح ٢٦٧٢ ، الدرّ المنثور ٦ : ٦٠٥.

(٢) سورة الاحزاب : ٣٣.

(٣) انظر الباب الأوّل من هذه الدراسة المطبوعة تحت عنوان ( حي على خير العمل الشرعية والشعارية : ١٠٥ ).

(٤) انظر الباب الأوّل من هذه الدراسة المطبوعة تحت عنوان : ( حي على خير العمل الشرعية والشعارية : ١٠٧ ).

(٥) بحار الأنوار ٨١ : ١٧٠ عن العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم. وانظر ( حي على خير العمل ) لنا صفحة ١٢٥.

(٦) من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٩٩ / ح ٩١٣.

١٦٩

وأشهد أن محمدا رسول اللّه‏.

قال علي : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه‏ ، وأشهد أنّ محمدا رسول اللّه‏ ، وأنّ الذين جحدوا محمّدا هم الكاذبون (١).

وفي هذا الكلام من الإمام علي معنى لطيف وتنو يه ظريف إلى الجاحدين بنبوّة محمد من القرشيّين وغيرهم من الكاذبين.

لكن لا يتسنى لأولئك الذين أسلموا والسيفُ على رقابهم في فتح مكة أن يجحدوا النبوة بصراحة أو أن يجحدوا ارتباط القربى بالرسول والرسالة ، لذلك عمدوا إلى أن لا يذكر النبيّ في الأذان ، ومع كلّ هذا الصلف والحقد كيف يرضون بذكر وصيه وخليفته من بعده علي بن أبي طالب ، فيما لو تصوّرنا ثبوت التشريع بذكره في الأذان؟! وقس على ذلك بترهم الآل من الصلاة على محمد وآل محمد ، وغير ذلك.

وجاء في ( الفقيه ) عن الصادق أنّه قال : من سمع المؤذّن يقول : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه‏ ، وأشهد أن محمدا رسول اللّه‏ ، فقال مصدقا محتسبا : « وأنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه‏ ، وأشهد أن محمّدا رسول اللّه‏ ، أكتفي بهما عن كل من أبى وجحد ، وأعين بهما من أقرَّ وشهد » ، كان له من الأجر عدد من أنكر وجحد ، وعدد من أقرَّ وشهد (١).

نعم ، إنّ مسألة اصطفاء النبي محمد من بين ولد آدم ، واصطفاء أهل بيت الرسول من بين قريش ، دعت الناس أن يحسدوهم ( عَلَى مَآ آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ) ، فسعوا ليطفئوا نور اللّه‏ بأفواهم ، محرّفين ومزوّرين كلامه جلّ جلاله.

فهم أوّلاً أرادوا أن يكون التحريف على لسان رسوله الأمين ـ كما مرّ عليك في قضيّة أهل أنطاكية ـ ولمّا علموا عدم إمكان ذلك سعوا إلى التحريف المعنويّ وسلكوا شتى من الطرق الملتوية التي كانوا يرونها مناسبة ، لكن الحقيقة بقت

__________________

(١) مسند أحمد ١ : ١١٩ / ح ٩٦٥ ، مجمع الزوائد ١ : ٣٣٢.

(٢) من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٨٨ / ح ٨٩١ ، مكارم الاخلاق : ٢٩٨.

١٧٠

واضحة لا غبار عليها رغم كلّ محاولات التضليل والإيهام من القرشيّين ، وعلى سبيل المثال ـ لا الحصر ـ فإنّ عبداللّه‏ بن الزبير مكث أيّام خلافته أربعين جمعة لا يصلّي على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صلاة الجمعة ، فقيل له في ذلك ، فقال : لا يمنعني من ذكره إلاّ أن تشمخ رجال بآنافها ؛ إنّ له أُهيل بيت سوء ينغضون رؤوسهم عند ذكره (١)!

الاسراء والمعراج ، الهاشميون والقرشيون

فلنأخذ مثالاً على ذلك ، وهو موضوع الإسراء والمعراج ؛ لأ نّه يرتبط بموضوع الأذان ، والمطالع فيما قلناه سابقا يقف على الأقوال التي قيلت في مكان الإسراء ، فهو : إمّا من شعب أبي طالب (٢) ، أو من بيت خديجة (٣) ، أو من بيت أُمّ هاني بنت أبي طالب (٤) ـ أُخت الإمام عليّ ـ هذه هي الأقوال المشهورة ، وكلّها ترتبط بنحوٍ ما بآل أبي طالب.

لكنّهم حرَّفوا الأمر وجعلوه من بيت عائشة ، في حين يعلم المحقّق الخبير وبتأمّل بسيط بأنّ هذا تحريف للحقائق ؛ لأنّ المعروف عن عائشة أنّها كانت صغيرة لم تشاهد ، ولا حدثت عن النبي ، وكذا معاو ية فإنّه كان كافرا في ذلك الوقت غير مشاهد للحال ولم يحدث عن النبي ، هذان الشخصان هما مَن روى بأنّ إسراء رسول اللّه‏ كان في المنام ، لا في اليقظة ، في حين أنّ الباري جلّ شأنه يقول في محكم كتابه : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً ) والعرب لا تقول للنائم : ( أَسْرَى ) وخصوصا لو جاء مع قوله : ( بعبده ) والذي هو عبارة عن مجموع الروح

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٦١ ، شرح النهج لابن أبي الحديد ٤ : ٦٢ والنصّ من الاخير.

(٢) فتح الباري ٧ : ٢٠٤ ، الدر المنثور ٥ : ٢٢٧.

(٣) التفسير الكبير للرازي ٤ : ١٦ ، المجموع للنووي ٩ : ٢٣٥ ، شرح الازهار ١ : ١٩٩.

(٤) تفسير الطبري ١٥ : ٢ ، الدر المنثور ٥ : ٢٠٩ ، فتح الباري ٧ : ٢٠٤.

١٧١

والجسد (١).

نعم ، قد يمكن أن يقال للذي يرى الأُمور في المنام أنّها ( رؤيا ) لا إسراء ، وهذا ما كانت بنو أُميّة تريد التأكيد عليه في موضوع الإسراء ، والأذان المشرّع فيه ، إذ القول بأنّ الإسراء كان مناما ينسف إعجازه ، ومن ثمّ يتسنى لهم الطعن والتلاعب بالأذان المشرّع فيه ، لذلك كان أئمّة مدرسة أهل البيت يصرّون على أنّ الإسراء كان جسمانيا ، وأنّه معجز ربّانيّ فوق الفهم الإنساني ، وليس كما تقوله بنو أُميّة.

وقد اعترف بعض العامة بذلك ؛ فقال ابن كثير : ... فلو كان مناما لم يكن فيه كبير شيء ولم يكن مستعظَما ، ولَمَا بادرت قريش إلى تكذيبه ، ولما ارتدّت جماعة ممّن كان قد أسلم (٢).

وأجاب ابن عطية عن دعوى عائشة ومعاو ية ، بقوله : .. واعتُرِضَ قولُ عائشة بأنّها كانت صغيرة لم تشاهد ، ولا حدّثت عن النبي ، وأمّا معاو ية فكان كافرا في ذلك الوقت ، غير مشاهد للحال ، صغيرا ، ولم يحدّث عن النبي (٣).

بلى ، إنّهم بتشكيكهم هذا أرادوا أن يقولوا بأنّ الأذانَ لم يُشرّع في السماء بل شُرّع في المنام (٤) ، وأنَّ بعض الصحابة قد شُرّف بهذا المنام الوحياني الذي لم يُحْظَ به رسول اللّه‏ ، إذ سمع النداءَ السماويَّ : عبدُاللّه‏ بن زيد ، أو عمرُ ، أو معاذُ ، ولم يسمعه رسول اللّه‏ ، فأمر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلالاً أن يأخذ الأذان من عبداللّه‏ بن زيد!!

وجاءت روايات أُخرى تقول : إنّ رسول اللّه‏ استشار بعض الصحابة في هذا

__________________

(١) انظر تفسير القرطبي ١٠ : ٢٠٩ ، والتفسير الكبير ٢٠ : ١٢١ ، واضواء البيان ٣ : ٣.

(٢) تفسير ابن كثير ٣ : ٢٤ ، سورة الاسراء : ١.

(٣) المحرر الوجيز ٣ : ٤٣٥ ، تفسير القرطبي ١٠ : ٢٠٩.

(٤) سنن أبي داود ١ : ١٣٤ / باب بدء الاذان / ح ٤٩٨ ، الجامع الصحيح للترمذي ١ : ٣٥٨ / باب ما جاء في الاذان / ح ١٨٩ ، الموطّأ ١ : ٦٧ / ح ١٤٧ ، مصنف عبدالرزاق ١ : ٤٥٥ / ح ١٧٧٤ ، كنز العمال ٧ : ٢٨٣ / ح ٢٠٩٥٢.

١٧٢

الحكم الإلهيّ ، فأشاروا عليه بأشياء استقبح الرسول بعضها ، ورضي بالآخر منها.

وفي آخر : إنّ عمر أضاف الشهادة بالنبوّة في الأذان (١) ، إلى غيرها من التمحّلات الكثيرة التي أُسْقِطَتْ على الأذان وحرّفته عن وجهته الحقيقية.

في حين قد وقفت سابقا على كلام الإمامين الحسن والحسين وكلام محمد بن الحنفية وغيرهم في بدء الأذان وعدم قبولهم لما طُرح من قبل الامو يّين في هذا الأمر ، مؤكِّدين بأنّ اللّه‏ سبحانه رفع ذكر الرسول في الصلاة والتشهد والأذان (٢) ، فلا حاجة بعد ذلك لمدح المادحين ولا خوف من جحود الضالّين المعاندين.

وممّا يجب التنبيه عليه كذلك هو أنّ قريشا كانت تقول لمن مات الذكور من أولاده : أبتر ، فلمّا مات أبناء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ـ القاسم وعبداللّه‏ بمكة ، وإبراهيم بالمدينة ـ قالوا : بُتِرَ ، فليس له من يقوم مقامه (٣).

فنزلت سورة الكوثر ردّا على من عابه بعدم الأولاد ، فالمعنى أنّه جل شأنه يعطيه نسلاً يبقون على مرّ الزمان.

قال الفخر الرازي : فانظُرْ كم قُتِلَ من أهل البيت ثم العالم ممتلئ منهم ، ولم يبق من بني أُميّة في الدنيا أحد يُعبأ به.

ثم انظُر كم فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر ، والصادق ، والكاظم ، والرضا ، والنفس الزكية وأمثالهم (٤).

__________________

(١) روى ابن خزيمة عن ابن عمر أنّ بلالاً كان يقول أول ما أذن : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه‏ ، حي على الصلاة ، فقال له عمر : قل في أثرها أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه‏ ، فقال رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قل ما أمرك عمر. صحيح ابن خزيمة ١ : ١٨٨ / ح ٣٦٢ ، كنز العمال ٨ : ١٥٧ / ح ٢٣١٥٠٤.

(٢) انظر تفسير قوله تعالى ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) ، في تفسير الطبري ٣٠ : ٢٣٥ ، والتفسير الكبير ٣٢ : ٦ ، والكشاف ٤ : ٧٧٥ ، وكذلك في مسند الشافعي : ٢٣٣ / كتاب الرسالة إلاّ ما كان معادا ، ومصنّف بن أبي شيبة ٦ : ٣١١ / ح ٣١٦٨٩ ، وسنن البيهقي الكبرى ٣ : ٢٠٩ / باب ما يستدل به على وجوب ذكر النبي / ح ٥٥٦٢.

(٣) التفسير الكبير ٣٢ : ١٢٤ ، تفسير القرطبي ٢٠ : ٢٢٣. وانظر طبقات ابن سعد ٣ : ٧.

(٤) التفسير الكبير ٣٢ : ١١٧.

١٧٣

تحريفات مقصودة

إنّ أُطروحة كون حقيقة الأذان مناميّة وليست سماو يّة هي اُطروحة أمو ية طُرحت بعد صلح الإمام الحسن مع معاو ية للاستنقاص من الرسول ومن آله الكرام ، لأنّ أوّل نصّ وصلنا في ذلك هو لسفيان بن الليل ، إذ قال :

لمّا كان من أمر الحسن بن علي ومعاو ية ما كان ، قدمتُ عليه المدينة وهو جالس في أصحابه ... فتذاكرنا عنده الأذان ، فقال بعضنا : إنّما كان بدء الأذان برؤ يا عبداللّه‏ بن زيد ، فقال له الحسن بن علي : إنّ شأن الأذان أعظمُ من ذلك ، أذَّن جبرائيل في السماء مثنى مثنى وعلَّمَهُ رسول اللّه‏ ... الخبر (١).

وجاء عن الإمام الحسين أنّه سئل عن هذا الأمر كذلك ، فقال : الوحيُ يتنزّل على نبيّكم وتزعمون أنّه أخذ الأذان عن عبداللّه‏ بن زيد؟! والأذان وَجْهُ دينكم (٢).

وجاء عن أبي العلاء قال : قلت لمحمّد بن الحنفية : إنّا لنتحدث أنّ بدء هذا الأذان كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه.

قال : ففزع لذلك محمد بن الحنفية فزعا شديدا ، وقال : عمدتم إلى ما هو الأصل في شرائع الإسلام ومعالم دينكم ، فزعمتم أنّه إنّما كان من رؤ يا رآها رجل من الأنصار في منامه ، تحتمل الصدق والكذب ، وقد تكون أضغاث أحلام؟

قال : فقلت [ له ] : هذا الحديث قد استفاض في الناس!

قال : هذا واللّه‏ هو الباطل ، ثم قال : وإنما أخبرني أبي : أنّ جبريل ... الخبر (٣).

__________________

(١) نصب الراية ١ : ٢٦١ ، المستدرك للحاكم ٣ : ١٨٧ / ح ٤٧٩٨ ، كتاب معرفة الصحابة.

(٢) دعائم الإسلام ١ : ١٤٢ ، ورواه الاشعث الكوفي في الجعفريات (المطبوع ضمن كتاب قرب الاسناد للحميري ) : ٤٢ ، وليس فيه ( والأذان وجه دينكم ) ، وعنه في مستدرك الوسائل ٤ : ١٧ / ح ٤٠٦١.

(٣) أحكام القرآن للجصاص ٤ : ١٠٣ ، السيرة الحلبية ٢ : ٣٠٠ ـ ٣٠١ ، أمالي أحمد بن عيسى بن زيد ١ : ٩٠ ، الاعتصام بحبل اللّه‏ ١ : ٢٧٧ ، النص والاجتهاد : ٢٣٧.

١٧٤

إذا الأمر يتعلّق بالأمويين وأنّهم يريدون أن يشكّكوا في قوله تعالى ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِيآ أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ ) (١) وفي منام الرسول الأكرم الّذي شاهد فيه بني أمية ينزون على منبره الشريف نزو القردة (٢) ، وربط هذا المنام بخبر الإسراء والمعراج ، والذي جاء في صدر هذه السورة المباركة.

فأبو سفيان ، ومعاو ية ، ويزيد كانوا يريدون طمس ذكر محمّد ، فكيف بذكر عليّ وآل محمّد ، والذي مرَّ عليك كلامهم (٣).

وحكى الأبشيهي في ( المستطرف في كلّ فنّ مستظرف ) عن الإمام [ علي بن ] الحسين أنّه دخل يوما على يزيد بن معاو ية ، فجعل يزيد يفتخر ويقول : نحن ونحن ، ولنا من الفخر والشرف كذا وكذا ، و [ علي ابن ] الحسين ساكت ، فأذّن المؤذّن ، فلمّا قال : أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه‏ ، قال [ علي بن ] الحسين : يا يزيد جَدُّ من هذا؟ فخجل يزيد ولم يردَّ جوابا (٤).

وروى صاحب الأغاني بسنده إلى يحيى بن سليمان بن الحسين العلوي ، قال : كانت سكينة في مأتم فيه بنتٌ لعثمان ، فقالت بنتُ عثمان : أنا بنت الشهيد ،

__________________

(١) سورة الاسراء : ٦٠.

(٢) مسند أبي يعلى ١١ : ٣٤٨ / ح ٦٤٦١ ، المطالب العالية ١٨ : ٢٧٩ ، مجمع الزوائد ٥ : ٢٤٤ ، تاريخ الخلفاء ١ : ١٣ ... وغيره.

(٣) انظر كلام أبي سفيان في قصص الأنبياء للراوندي : ٢٩٣ بالإسناد عن الصدوق ، جاء فيه ، قال ابن عباس : لقد كنا في محفل فيه أبو سفيان وقد كف بصره ، وفينا علي عليه‌السلام فأذن المؤذن ، فلما قال أشهد أن محمدا رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال أبو سفيان : ههنا من يحتشم؟ قال واحد من القوم : لا ، فقال : للّه‏ در أخي بني هاشم أنظروا اين وضع اسمه ، فقال علي عليه‌السلام : أسخن اللّه‏ عينك يا ابا سفيان ، اللّه‏ فعل ذلك بقوله عزّ من قائل : ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) ، فقال أبو سفيان : أسخن اللّه‏ عين من قال لي : ليس ههنا من يحتشم ، وعنه في بحار الأنوار ٣١ : ٥٢٣ ، وكلام معاوية في الموفّقيات للزبير بين بكار : ٥٧٦ ، وعنه في كشف الغمة ٢ : ٤٦ ، وشرح النهج ٥ : ١٣٠ ، ومروج الذهب ٣ : ٤٥٤.

(٤) المستطرف في كل فنّ مستظرف ١ : ٢٨٩ / باب في الفخر والمفاخرة.

١٧٥

فسكتت سكينة ، فلمّا قال المؤذّن : أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه‏ ، قالت سكينة : هذا أبي أو أبوكِ؟

فقالت العثمانية : لا جَرَمَ ، لا أفخر عليكم أبدا (١).

وهذا معناه أنّ القرشيين كانوا يتحينون الفرص للحطّ من شأن قربى الرسول وأهل بيته علاوة على أمير المؤمنين علي الذي هو على رأس هذا البيت المقدس ، وهذا يوقفنا على أنّ الشهادة بالولاية لعلي مع افتراض تشريعها أو محبوبية ذكرها أو جواز ذكرها من باب التفسير سيعارض الاتّجاه القرشي أقوى معارضة ، ولهذا وأدلّة أخرى احتملنا أنّ الشهادة بالولاية لعلي في الأذان لم ينشرها النبيّ بنحو الجزئية خوفا على الأ مّة من التقهقر ؛ إذ بالنظر لمجموع الأدلة في الشهادة الثالثة ـ علاوةً على اعتراف الشيخ الطوسي بوجود أخبار شاذّة فيها ، وأنّ الشاذّ ـ كما عرفه المجلسي ـ هو الصحيح غير المعمول به ، وذهاب طائفة عظيمة من فقهاء الأصحاب إلى محبوبيّتها ـ يمكن احتمال أنْ يكون ملاك التشريع موجودا فيها لكنّ المانعَ أيضا موجود آنذاك.

ومما يدل على ان القوم كانوا بصدد اخماد ذكر محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو ما جاء في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : أن فاطمة الزهراء لامت الإمام عليّا على قعوده ، وأطالت عتابَهُ ، وهو ساكت حتى أذّن المؤذّن ، فلمّا بلغ إلى قوله : « أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه‏ » قال لها : أتحبّين أن تزول هذه الدعوة من الدنيا؟

قالت : لا.

قال : فهو ما أقول لك (٢).

وفي نص آخر : قد روي عن عليّ أنّ فاطمة حرّضته يوما على النهوض

__________________

(١) الأغاني ١٦ : ١٥٠.

(٢) شرح النهج ٢٠ : ٣٢٦ / الرقم ٧٣٥.

١٧٦

والوثوب ، فسمع صوت المؤذّن « أشهد أن محمدا رسول اللّه‏ » فقال لها : أيسرك زوال هذا النداء من الأرض؟

قالت : لا.

قال : فإنّه ما أقول لك (١).

فقريش كانت لا تريد الجهر باسم الرسول الأكرم ، فكيف ترضى الجهر باسم وصيّه وخليفته من بعده؟! وحسبك أنّ أبا محذورة المؤذن خفض صوته بالشهادة الثانية استحياءً من أهل مكة ، لأ نّهم لم يعهدوا ذكر اسم رسول اللّه‏ بينهم جهرا ، ففرك رسول اللّه‏ أذُنه وقال : ارفع صوتك (٢). فماذا يمكن أن نتوقّع لو ذكر اسم علي في الأذان على سبيل الجزئية كل يوم؟!

بلى ان بلالاً كان لا يستحي من قريش ولا يداهن فكان يجهر ويصيح بأعلى صوته : « أشهد أنّ محمدا رسول اللّه‏ » من على بيت أبي طلحة (٣).

ونقل الواقدي قصة فتح مكة ، وفيه : إنّ رسول اللّه‏ أمر بلالاً أن يؤذّن فوق ظهر الكعبة ... فلمّا أذّن وبلغ إلى قوله « أشهد أن محمّدا رسول اللّه‏ » رفع صوته كأشدّ ما يكون ، فقالت جو يرية بنت أبي جهل : قد لعمري « رفع لك ذكرك » ... وقال خالد بن سعيد بن العاص : الحمد للّه‏ الذي اكرم أبي فلم يدرك هذا اليوم.

وقال الحارث بن هشام : واثكلاه ، ليتني مت قبل هذا اليوم ، قبل ان اسمع بلالاً ينهق فوق الكعبة!(٤).

وغيرها من النصوص الكثيره الدالة على وجود مجموعتين إحداهما تحرص

__________________

(١) شرح النهج ١١ : ١١٣.

(٢) انظر المبسوط للسرخسي ١ : ١٢٨ ـ ١٢٩.

(٣) أخبار مكة للازرقي ١ : ٢٧٥ ، شرح النهج ١٧ : ٢٨٤ ، إمتاع الإسماع ١ : ٣٩٦ ، سبل الهدى والرشاد ٥ : ٢٤٩.

(٤) شرح النهج ١٧ : ٢٨٤ ، إمتناع الإسماع ١ : ٣٩٦ ، و ١٣ : ٣٨٥ ، السيرة الحلبية ٣ : ٥٤.

١٧٧

على إعلاء ذكر محمد ، والأُخرى تسعى لإخماده ، وهذا هو الذي كان يدعو آل البيت لأن يشيدوا بهذه المفخره أمامَ من ينكرونها.

ولأجل هذا وغيره نرى النصوص الحديثية تؤكّد على لزوم رفع الصوت بالصلاة على محمّد وآل محمد ؛ وأنّه يبعد النفس عن النفاق (١).

ومن خلال كلما مضى تعرف أنّ سمات الولاية يجب أن تظهر ملامحها بصورتها الكنائية في الأذان وهو المعنى في كلام الفقهاء بالشعارية وان تاكيدهم على القول بالشهادة الثالثة جاء من هذا الباب.

أذان النبي يتضمّن ولاية علي

لقد أكّد الإمام علي بن الحسين عليه‌السلام على أنّ « حي على خير العمل » كانت في الأذان الأوّل (٢) ، ويعني بكلامه أنّه قد شُرّع في الإسراء والمعراج ، وأنّ جبرئيل قد أذّن بها هناك ، وهذه الحقيقة قد وضّحها الإمام الباقر كذلك بقوله :

إنّ رسول اللّه‏ لما أُسري به إلى السماء نزل إليه جبرئيل ومعه محملة من محامل الرب عزّ وجلّ ، فحمل عليها رسول اللّه‏ إلى السماء ، فأذّن جبرئيل فقال : اللّه‏ اكبر ، اللّه‏ أكبر ، اللّه‏ أكبر ، اللّه‏ أكبر ، أشهد أن ... ـ إلى أن قال ـ حيّ على خير العمل ، حيّ على خير العمل ... (٣).

وروي عن جعفر بن محمد الصادق ، عن أبيه ، عن جده ، أنّه قال : أوّل من أذّن

__________________

(١) الكافي ٢ : ٣٩٤ / ح ١٣ ، وعنه في وسائل الشيعة ٧ : ١٩٣ / ح ٩٠٨٨ ، ثواب الاعمال : ٥٩ ، وعنه في بحار الانوار ٩١ : ٥٩ / ح ٤١.

(٢) مصنف بن أبي شيبة ١ : ١٩٥ / ح ٢٢٣٩ ، سنن البيهقي الكبرى ١ : ٤٢٥ / ح ١٨٤٤ ، المسترشد : ٥١٧ ، نيل الاوطار ٢ : ١٩ / باب صفة الأذان.

(٣) الأذان بحي على خير العمل للحافظ العلوي : ٨٣ ، الاعتصام بحبل اللّه‏ ١ : ٢٨٦ ، وكذا في الكافي ٨ : ١٢١/ ح ٩٣ ، وتهذيب الاحكام ٢ : ٦٠ / ح ٢١٠ ، والاستبصار ١:٣٠٥ / ح ١١٣٤ ، ووسائل الشيعة ٥ : ٤١٤ / ح ٦٩٦٤.

١٧٨

في السماء جبرئيل حين أُسري بالنبي ، فقال : اللّه‏ أكبر ... ـ إلى أن قال ـ فقال : حي على خير العمل ، حي على خير العمل ، فقالت الملائكة : أُمِرَ القوم بخير العمل (١).

وقد ثبت قبل كلّ هذا عن الإمام علي أنّه كان يقول حينما يسمع المؤذن ابن النباح (٢) يقول في أذانه : « حيّ على خير العمل ، حي على خير العمل » : « مرحبا بالقائلين عدلاً ، وبالصلاة مرحبا وأهلاً » (٣).

وجاء عن محمد بن الحنفية أنّه ذكر عنده خبر بدء الأذان ، فقال : لمّا أُسري بالنّبي إلى السماء وتناهز إلى السماء السادسة ... ثم قال : حي على خير العمل ، فقال اللّه‏ جل جلاله : هي أفضل الأعمال وأزكاها عندي ... (٤).

وهذه النصوص عن الأئمة : السجاد ، والباقر ، والصادق وقبلهم عن أمير المؤمنين علي عليهم‌السلام وعن محمّد بن الحنفية كلّها تؤكّد تشريع الحيعلة الثالثة في الأذان الأوّل وعند الإسراء والمعراج.

ولا شكَّ أنّ الإمام عليا بكلامه السابق كان يشير إلى الجاحدين لرسالة الرسول والمنكرين لوصايته ، خصوصا بملاحظة سياق الرواية ، حيث إنّه كان يقول عند سماعه الشهادتين : « وأشهد أنّ محمّدا رسول اللّه‏ وأنّ الّذين جحدوا محمّدا هم الكاذبون » ، وعند سماعه الحيعلة الثالثة : « مرحبا بالقائلين عـدلاً » ، كلّ ذلك تعريضا بمن جحدوها ورفعوها بغضا وعنادا.

__________________

(١) الأذان بحي على خير العمل : ٢٠. وانظر الباب الاول من هذه الدراسة ( حيّ على خير العمل الشرعية والشعارية ) صفحة ٥٣.

(٢) أو ابن التيّاح.

(٣) من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٨٨ / ح ٨٩٠ ، وسائل الشيعة ٥ : ٤١٨ / ح ٦٩٧٣ ، وقعة صفين : ٣٣٠ ، الفتوح لابن أعثم ٣ : ٨٥ ، شرح النهج ٨ : ١٤.

(٤) معاني الأخبار : ٤٢ / ح ٤ ، وعنه في بحار الأنوار ١٨ : ٣٤٤ / ح ٥٣ ، ومستدرك الوسائل ٤ : ٧٠ / ٤١٨٨.

١٧٩

فعلي بن أبي طالب هو خير العمل كما نصّت عليه حسنة ابن أبي عمير عن الكاظم عليه‌السلام الآنفة ، وهي مؤ يدَّة بعشرات الأدلّة التي منها أنّ ضربةً واحدةً منه يوم الخندق عدلت عبادة الثقلين (١) ، فكيف بمن كان كلّ وجوده عدلاً وعملاً صالحا ، وهو خيّر البرية وخير البشر بعد الرسول بلا منازع.

وعن حذيفة ، عن رسول اللّه‏ أنّه قال : لو علم الناس متى سُمّي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله ، تسمّى أميرَ المؤمنين وآدمُ بين الروح والجسد ؛ قال اللّه‏ تعالى ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيء آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ )؟ قالت الملائكة : بلى ، فقال : أنا ربكم ، محمّد نبيّكم ، عليّ أميركم (٢).

إن أئمة النهج الحاكم قد عرفوا مغزى « خير العمل » ، وأنَّ اللّه‏ قد أنزل أكثر من ثلاثمائة آية في علي وأهل بيته ، منها آية التطهير ، والمباهلة ، وسورة الدهر ، وقوله ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ ) (٣) ، و ( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولِ وَأُوْلي الاْءَ مْرِ مِنكُمْ ) (٤) و ( فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) (٥) ، و ( فَسْـئَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) (٦) و ( إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ

__________________

(١) عوالي اللآلي ٤ : ٨٦ / ح ١٠٢ ، الفردوس بمأثور الخطاب ٣ : ٤٥٥ / ح ٥٤٠٦ ، والمستدرك على الصحيحين ٣ : ٣٤ / ٤٣٢٧ ، وفيهما : لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة ، المواقف ٣ : ٦٢٨ ، ٦٣٧ ، شرح المقاصد في علم الكلام ٢ : ٣٠١.

(٢) الفردوس بمأثور الخطاب ٣ : ٣٥٤ / ح ٥٠٦٦ ، اليقين لابن طاووس : ٢٣١ ، ٢٨٤ ، من طريق آخر. امثال هذه الروايات سنتعرض لها في آخر الكتاب « الشهادة الثالثة الشعار والعبادة ».

(٣) المائدة : ٥٥.

(٤) النساء : ٥٩.

(٥) الانفال : ٤١.

(٦) النحل : ٤٣ ، الأنبياء : ٧.

١٨٠