أشهد أنّ عليّاً ولي الله

السيد علي الشهرستاني

أشهد أنّ عليّاً ولي الله

المؤلف:

السيد علي الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الإجتهاد
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5331-19-6
الصفحات: ٥٩٤

للشهادة الثالثة ، فلا يمكن أن يتحقق الأذان بدونها ، وهذا هو رأي نزر قليل من علمائنا.

أمّا القائلون بجزئيتها الندبيّة ـ أي ما يتحقق به الكمال ـ وهم الأكثر بين فقهائنا ، فيرونها كالقنوت في الصلاة.

وهناك من يرى حرمة أو كراهة الاتيان بها حسب تفصيل قالوا به.

وإليك الآن الأقـوال المطروحة فيها ، ثمّ بيان ما نريد قوله بهذا الصدد ، والأقوال في المسألة ، هي :

١ ـ إنّ الشهادة الثالثة هي شرط الإيمان لا جزء الأذان ؛ لكونها مستحبّا نفسيا وعملاً راجحا بالأصالة ، وهو عمل حسن لا يختص بالأذان فحسب ، بل هو ما يجب الاعتقاد به قلبا ، فالمسلم يمكنه أن يأتي بالشهادة الثالثة على أمل الحصول على الثواب المرجوّ من إعلانها ، بقصد القربة ، لا بعنوان الجزئية الواجبة أو الاستحبابية ، بل إعلاما لما يعتقد به قلبا من الولاية لعلي وأبنائه المعصومين.

فإذا كان كذلك فليكن واضحا صريحا معلنا في الأذان ، وذلك للعمومات الكثيرة الواردة في القرآن الحكيم ، كقوله تعالى : ( أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلي الاْءَمْرِ مِنْكُمْ ) وقوله : ( فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) وقوله : ( مَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرْى ، فَلِلَّهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُربَى ) ، والاحاديث النبوية المتواترة في علي وما جاء عن المعصومين ، ومنها ما جاء في رواية القاسم بن معاو ية عن الصادق عليه‌السلام ؛ « إذا قال أحدكم لا إله إلاّ اللّه‏ ، محمد رسول اللّه‏ ، فليقل : عليّ امير المؤمنين [ ولي اللّه‏ ] » (١).

وهذا هو الرأي المشهور عند أصحابنا رضوان اللّه‏ تعالى عليهم.

قال العلاّمة بحر العلوم :

__________________

(١) انظر الاحتجاج ٢ : ٢٣٠ ، وبحار الأنوار ٨١ : ١١٢ ، والاضافة الاخيرة من نسخة المجلسي للاحتجاج ، انظر بحار الانوار ٢٧ : ١ و ٢.

١٤١

وصورةُ الأذان والإقامه

هذا الشِّعار رافعا أعلامه

أو سنّة ليس من الفصولِ

وإن يكن من أعظم الأُصولِ

وأكمل الشهادتين بالتي

قد أكمل الدين بها في الملّةِ

وإنها مثل الصلاة خارجه

عن الخصوص بالعموم والِجَه

٢ ـ إن الشهادة الثالثة هي شطر الأذان وجزء منه كسائر الأجزاء (١) ، يجب الإتيان بها ، وإن تَرَكَها أخلّ بالأذان ، فلا يتحقّق الأذان بدونها ، وبهذا تكون جزءا واجبا لابدّ من الإتيان به حتّى يتحقّق الأذان.

وقد اراد الشيخ عبدالنبي النجفي العراقي الذهاب إلى هذا الراي في رسالته المسماة « الهداية في كون الشهادة بالولاية في الأذان والاقامة جزء كسائر الاجزاء » (٢) لكنه لم يجرا وقال بكلام هو أقل من ذلك ، وهو قريب من كلام صاحب الجواهر ، لكن السيد محمد الشيرازي في كتابه « الفقه » (٣) ورسالته العملية قال بالجزئية.

قال العراقي ـ ملخّصا رأيه في آخر رسالته ، غير مفتٍ بالجزئية الواجبة ـ قال : فإنّ مقتضى القاعدة الأوّليّة وجوب الشهادة فيهما [ أي الأذان والإقامة ] كما فصّلنا ، لكنّ دعوى الشهرة على الخلاف يمنعنا عن القول بالوجوب ، فلابدّ أن نقول بها وأنّه مشروع فيهما بنحو الجزئية الندبية دون الاستحباب النفسيّ أيضا فضلاً عن الطريقي ، لعدم مقاومة الأدلّة معه (٤).

وكان قد قال قبل ذلك :

وعليه ، لولا دعوى تسالم [ صاحب ] الجواهر من شهرتهم على عدم كونها من

__________________

(١) فلما كانت ( لا إله إلاّ اللّه‏ ) جزءا و ( محمّد رسول اللّه‏ ) جزءا ، لذا فانَّ ( علي ولي اللّه‏ ) جزءٌ كسائر الاجزاء.

(٢) المطبوع في إيران سنة ١٣٧٨ ه‍ مطبعة الحكمة / قم في ٥٢ صفحة.

(٣) الفقه ١٩ : ٣٣١ ـ ٣٣٥.

(٤) الهداية ، للعراقي : ٤٩.

١٤٢

الأجزاء الواجبة فيهما ، لكنّا نقول بها فيهما ، على النحو الذي نقول بها في غيرها من الجزئية الواجبة ، لأنّ وزان أدلّتها يكون وزان أدلّة سائر الأجزاء ، فدلالتها على أصل المشروعية للشهادة بالولاية بعد الرسالة فيهما ممّا لا غبار فيه ، غايةُ الأمر ادُّعي ـ كما عن الجواهر ـ قيام الشهرة المنقولة على عدم كونها من الأجزاء الواجبة (١) ، فلو تمَّ حينئذ فتكون من الأجزاء المستحبة ، إذ هو مقتضى الجمع بين الدليلين ... (٢).

٣ ـ إن الشهادة الثالثة جزءٌ مستحبٌّ في الأذان ، كالقنوت في الصلاة ، والسلام على النبيّ في الصلاة ، وما يماثلها من أحكام عبادية ، وهي أُمور يستحبّ الإتيان بها ، كما لا ضير في تركها.

وقد ذهب كثير من فقهائنا ومحدّثينا إلى هذا القول كالشيخ المجلسي (٣) ، وصاحب الجواهر (٤) ، وصاحب الحدائق (٥) ، وغيرهم.

٤ ـ إن الشـهادة الثالثة يؤتى بها من باب : الاحتياط ، لأ نّه طريق النجاة ، وهو حسنٌ في كلّ الأحوال ، أي أنّ رجحانها عندهم طريقيُّ وليس بنفسي ، ولذا تراهم يجوّزون الإتيان بها احتياطا لا باعتبارها جزءا من الأذان ، وذلك لقوّة أدلة الشطريّة عندهم وعدم وصولها إلى حدٍّ يمكنهم طبقَها الإفتاء بالجزئية ، فيأتون بها احتياطا.

وقد قال الشيخ عبدالنبي العراقي ـ في رسالته آنفة الذكر ـ عنهم : وهم الأكثرون بالنسبة إلى القائلين بالشطرية الواجبة ، والأقلّون بالنسبة للقائلين بالجزئية

__________________

(١) ليس في الجواهر من ذكر لمصطلح الجزء الواجب أو الجزء المستحب ؛ فهو قدس‏سره قد ذكر الجزئية بلا قيد الواجب أو المستحب انظر جواهر الكلام ٩ : ٨٧.

(٢) الهداية ، للعراقي : ٤٦.

(٣) بحار الأنوار ٨١ : ١١١.

(٤) جواهر الكلام ٩ : ٨٧.

(٥) الحدائق الناضرة ٧ : ٤٠٤.

١٤٣

الاستحبابية (١) ، قال بهذا ولم يذكر أسماءهم.

٥ ـ وهناك رأي خامس يدّعي أنّ الإتيان بالشهادة الثالثة هو عمل مكروه ، وذلك لعدم ثبوت النصوص الدالّة على الشهادة الثالثة عنده ، هذا من جهة ، ومن جهة أُخرى يعتقد بأنّ الكلامَ في الأذان غير جائز ، وبذلك تدخل الشهادة الثالثة عنده في باب التكلّم المنهيّ عنه (٢) ، قال الوحيد البهبهاني في «حاشية المدارك» : ومما ذكرنا ظهر حال « محمد وآله خير البرية » و « أشهد أن عليّا ولي اللّه‏ » بأنهما حرامان بقصد الدخول والجزئية للأذان ، لا بمجرد الفعل.

نعم ، توظيف الفعل في أثناء الأذان ربّما يكون مكروها ، لكونه مغيرا لهيئة الأذان بحسب ظاهر اللفظ ، أو لكونه كلاما فيه ، أو للتشبّه بالمفوضة ، إلاّ أنّه ورد في العمومات : أنه متى ذكرتم محمدا فاذكروا آله أو متى قلتم : محمد رسول اللّه‏ فقولوا : علي ولي اللّه‏ ، كما رواه في الاحتجاج ... (٣) ، مع العلم بأنّ الكثير من الفقهاء قد أجازوا الكلام في الأذان. وحتى في الإقامة.

وقد ذهب إلى هذا الرأي الفيض الكاشاني في كتابه « مفاتيح الشرائع » فقال : وكذا غير ذلك من الكلام وإن كان حقّا ؛ بل كان من أحكام الإيمان ، لأنّ ذلك كلّه مخالف للسنّة ، فإِنِ اعتقده شرعا فهو حرام (٤) ، ومال إليه آخرون.

٦ ـ القول برجحان الشهادة الثالثة ، لأ نّها صارت شعارا للشيعة.

وهذا ما قاله السيّد الحكيم (٥) والسيّد الخوئي (٦) وآخرون (٧).

__________________

(١) الهداية ، للعراقي : ١٠.

(٢) انظر في ذلك مستند الشيعة ٤ : ٤٨٧.

(٣) حاشية المدارك ٢ : ٤١٠ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

(٤) مفاتيح الشرائع ١ : ١١٨ / المفتاح ٣٥ ، باب ما يكره في الأذان والإقامة.

(٥) مستمسك العروة ٥ : ٥٤٤. وسنشرح كلامه في آخر الكتاب «الشعارية».

(٦) اُنظر كتاب الصلاة ٢ : ٢٨٧ ، مستند العروة الوثقى ١٣ : ٢٥٩ ـ ٢٦٠.

(٧) كالسيّد محمد مهدي الصدر الكاظمي في بغية المقلدين : ٥٢ ، والشيخ محمد رضا آل

١٤٤

وهناك ثلاثة آراء أُخرى تدّعي الحرمة ، ذكرت كل واحدة منها ببيان وتعليل خاص به.

٧ ـ فقال البعض بحرمة الإتيان بها ، لعدم ورودها في النصوص الشرعية عن المعصومين ، فيكون الإتيان بها بدعة ، لأ نّه إدخال ما ليس من الدين في الدين ، إذ أنّ الأذانَ أمرٌ توقيفيّ ، وحيث لم تثبت هذه الجملة فيما جاء عن الأ ئمّة في الأذان فيجب تركها.

وقد ادّعى الشيخ الصدوق قدس‏سره بأن هذه الزيادة هي من وضع المفوِّضة لعنهم اللّه‏ ، ومعنى كلامه : أنّ قول « محمد وآل محمد خير البرية » ، و « أنّ عليّا أمير المؤمنين » ، ليس من أجزاء الأذان والإقامة الواجبة ولا المستحبّة (١) ، في حين ستقف لاحقا على أنّ بعض الشيعة كانوا يؤذّنون بهذا الأذان في عهد الرسول ، والأئمّة ، وقبل ولادة الصدوق رحمه‌الله لمحبوبيتها وللحدّ من أهداف الحكام ، ولنا معه رحمه‌الله وقفة طويلة لاحقا (٢) فانتظر.

هذا ، وقد مال إلى هذا الرأي المحقّق السبزواري في «ذخيرة المعاد» (٣) ، والشهيد الثاني في «روض الجنان» (٤) وغيرهما (٥).

٨ ـ ومنهم من ذهب إلى حرمتها ، لتوهمّ الجاهل بأنّها جزء ، وذلك لإصرار المؤذّنين على الإتيان بها على المآذن ، وعدم تركهم لها لمرّة واحدة ؛ فإنّ هذا

__________________

ياسين في حاشيته على رسالة الصدر الكاظمي : ٣٥ ، والعم ـ أبو زوجتي ـ المرحوم الشيخ حسن علي مرواريد ، انظر ملحق سر الإيمان للمقرم : ٩٤ وغيرهم.

(١) مستند الشيعة ٤ : ٤٨٦.

(٢) من صفحة ٢٤٥ إلى ٢٨٢.

(٣) ذخيرة المعاد ٢ : ٢٥٤.

(٤) روض الجنان : ٢٤٢.

(٥) كالشيخ جعفر كاشف الغطاء في كشف الغطاء ٣ : ١٤٥ ، والعلاّمة في نهاية الاحكام ١ : ٤١٢.

١٤٥

الإصرار من المؤذنين يوهم الجاهلين بأنّها جزء من الأذان ، فيجب تركه حتّى لا يقع الجاهل في مثل هكذا توهّم.

وقد أشار الوحيد البهبهاني إلى هذا الراي في شرح مفاتيحه (١) ، ورَدَّهُ.

لأن توهمُّ الجزئيّة لا يوجب الحرمة ، لأنَّ التوهمُّ إما أن يكون من قِبَلَ الجاهل أو من قبل العالم؟ وتصوّر وقوع التوهّم من قِبَلِ العالِم بعيد جدّا ، فطالما أكَّد العلماء في مؤلّفاتهم وصرّحوا بأقوالهم بأنَّ الشهادة الثالثة ليست جزءا مِنَ الأذان ودعموا أقوالهم بالأدلّة.

وأمّا توهّم الجاهل فقد جزم الوحيد البهبهاني بأ نّه ليس من وظيفة العلماء رفع هذا التوهّم عنهم (٢) ، لان الجهال قد فوّتوا كثيرا من الأُمور عليهم لجهلهم وقصور فهمهم ، وما على العالم إلاّ البلاغ وبيان الأمور ، وعلى المكلّف أن يسعى لتعلّم أحكام دينه ، وإلاَّ فسيكون مقصِّرا ، وبذلك يكون هو المدان أمام حكم اللّه‏ لا العالم.

وأيُّ توهّم يمكن تصوّره مع وقوفنا على الصيغ المختلفة لهذه الشهادة : « أشهد أنَّ عليّا وليُّ اللّه‏ » ، « أشهد أنَّ عليّا أمير المؤمنين وأولاده المعصومين حجج اللّه‏ » ، ( أشهد أن عليا حجة اللّه‏ ) ، و ( أشهد أن عليا أمير المؤمنين ولي اللّه‏ ) عند الاصحاب.

كل هذه الصيغ تُظهر بأنّها ليست جزءا من الأذان ، وقد أشار الشيخ الصدوق رحمه‌الله إلى بعضها إذ قال : أنَّ البعض يقول : « أشهد أنَّ عليّا وليُّ اللّه‏ » ، والبعض الآخر يقول : « أشهد أنّ محمّدا خير البريَّة » وثالث : « محمد وآل محمد خبر البرية مرتين ، وفي بعض رواياتهم بعد أشهد ان محمدا رسول اللّه‏ أشهد أن عليا ولي اللّه‏ مرتين ، ومنهم من روى بدل ذلك : أشهد ان عليا أمير المؤمنين حقا مرتين » وحكى

__________________

(١) مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرائع ، للوحيد البهبهاني ٧ : ٣٣.

(٢) مصابيح الظلام ٧ : ٣٤.

١٤٦

السيّد المرتضى بأن هناك من يقول « محمد وعلي خير البشر » وكلُّ هذا يدلّ على أنّه لم يُؤتَ بالشهادة الثالثة بعنوان أنّها جزء من الأذان ، بل يؤتى بها على أنّها عمل محبوب وذكر فيه فضيلة عامّة وهي من شروط الإيمان.

٩ ـ وهناك من يقول بحرمتها أو كراهتها (١) ، لأجل فوت الموالاة بين فصول الأذان ، وبذلك تكون حرمتها أمرا وضعيا وهي بطلان الأذان بها ، لأنّ الّذي أَتى بالشهادة الثالثة فقد فوَّت الموالاة بزعمهم من جهتين :

١ ـ من جهة فوت شرطية الاتّصال ـ بين محمد رسول اللّه‏ ، وبين حيّ على الصلاة.

٢ ـ ومن جهةِ حصول المانع بعدَ فوت الموالاة من جهة مانعيّة الانفصال.

ولو دقّقنا النظر بهذا الأمر لوجدنا أن ليس ثمّة علاقة له بالموالاة ، وقد ذهب صاحب المستند وآخرون إلى عدم لزوم الموالاة في الأذان (٢) ، وقالوا بجواز التكلّم في الأذان ، بل جوّزوا فيه حتّى الكلام الباطل ، فكيف والحال هذه إذا كان التكلم أثناء الأذان بكلامٍ محبوب وله رجحان ذاتيُّ وبالأصالة ، ألا وهو الشهادة بالولاية لعلي بن أبي طالب.

فإذا كان الكلام العاديّ جائزا وغير مخلٍّ بالأذان ، فهل يعقل أن يكون التشهد بالولاية كلاما مخلاً وغير جائز فيه.

إن فوت الموالاة ليس بمخل بالأذان ، لأنّ العامّة لا تعتقد بإخلال جملة : « الصلاة خير من النوم » بالموالاة ، وكذلك جمهور الشيعة فانها لا تعتقد أنّ الشهادة بالولاية مخلة ، وهي عندهم ـ مع الفارق ـ نظير ما فعله أمير المؤمنين مع ذلك السائل واعطاءه خاتمه وهو في الصلاة.

فإذا كان اعطاء الصدقة لا يخل بالصلاة الواجبة ، فكيف يخل الإتيان بالشهادة

__________________

(١) الحاشية على مدارك الاحكام ٢ : ٤١٠ ، وانظر المستند ، للنراقي ٤ : ٤٨٦.

(٢) مستند الشيعة ٤ : ٤٨٦.

١٤٧

الثالثة في الأذان المستحب؟

وزبدة القول : لمَّا لم يكن في البين ثمّة كلام باطل مضاف ، فإنَّ الأذان سوف لا يخرج عن صيغته السليمة ، وهو نحو مشي المتوضّئ عدّة أقدام ثم مسحه على قدميه ، وهذا لا يُّعد إخلالاً بالموالاة في الوضوء عند المتشرِّعة يقينا.

وبهذا فقد وقفنا على أهمّ الأقوال وأشهرها وإليك الآن قولاً آخر يمكن إضافته إلى الأقوال السابقة ، وهو :

١٠ ـ من المعلوم شرعا أنّ الامور المستحبّة أو المباحة هي مما يجوز تركها ، لكن قد تحرم في بعض الأحيان ، وقد تجب في حالات أُخرى ، فمثلاً شرب الماء مباحٌ ، ولكنه قد يجب عند العطش الشديد والخوف من الهلاك ، وقد يحرم عند نهي الطبيب من شربه.

والأمر المستحبّ مثل ذلك ، فقد يحرم الاتيان به إذا استلزم الضرر البالغ ، وقد يجب الإصرار عليه لو رأينا الاخرين يريدون محوه ، وقد يجب الاتيان به من باب الشعارية كما هو ديدن الفقهاء فيما لو دعت إليه المصلحة الشرعية القطعية أو دفع المفسدة القطعية ، ولا شك في أن الشهادة بالولاية لعلي من هذا القبيل اليوم.

لأنّ ذكر الإمام علي وآل بيته الأطهار محبوبٌّ على كلّ حال ـ وبشكل مطلق ـ لكن من دون قصد التشريع ، مؤكّدين بأنّ جزمنا بمحبوبيتها في كل حال لا يلزمنا القول بتشريعها أو أنّها أحد أجزاء الأذان ، نعم قد يمكن القول بمطلوبيتها والاصرار عليها في الازمنة المتأخرة ، وذلك لارتفاع التقيّة ـ إلى حد ما ـ ولأ نّها صارت شعارا لمذهب الحق ، يبيّن فيه الشيعي إيمانه باللّه‏ واقراره بنبوة رسول اللّه‏ ، ومكانة الإمام علي.

ويشتد ضرورة توضيح هذا الأمر خصوصا بعد أن اتّهمونا خصومنا ونسبوا إلينا الكثير من الاكاذيب ؛ « كقولنا بأُلوهيّة الإمام عليّ » ، أو « اعتقادنا بخيانة الأمين جبرئيل ، بدعوى ان اللّه‏ بعث جبرئيل إلى عليّ فغلط ونزل على النبيّ محمّد » ،

١٤٨

وغيرهما ، فكلّ هذه الأكاذيب تدعونا لأن نجهر بأصواتنا : « أشهد أن لا إله إلاّ اللّه‏ » نافين بذلك كوننا من الغلاة القائلين بأُلوهيّة الإمام علي ، بل نحن نوحّد اللّه‏ ونعبده. وكذا يجب علينا أن نقول : « أشهد أن محمدا رسول اللّه‏ » التزاما بالشرع ، واعلانا باتباعنا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واوامره ونواهيه ولكي ننفي ما افتروه علينا من مقولة « خان الامين ».

وبعد كل ذلك علينا الجهر ومن على المآذن والمنابر وفي كلّ اعلان ب : « أشهد أن عليّا ولي اللّه‏ » دفعا لاتّهامات المتَّهِمين وافتراءات المفتَرِين ، وإن عليّا واولاده المعصومون عندنا ما هم إلاّ حجج رب العالمين على عباده أجمعين ـ مؤكدين من خلال رسائل فقهائنا العظام ـ بأن ما نشهد به ليس جزءً داخلاً في الأذان ، بل هو شعار نتخذه لبيان توحيدنا للّه‏ رب العالمين ، والإشادة برسوله الأمين محمد ، وأنّ عليّا واولاده المعصومين عبيداللّه‏ واوليائه وحججه على عباده.

نقول بذلك إعلاءً لذكرهم ، الذي جدّ القوم لاخماده هذا من جهة. ومن جهة أُخرى قد يمكننا أن نعدّ ترك الشهادة الثالثة حراما اليوم ، وذلك مقارنة بأُمور مستحبّة أُخرى ، لأ نّا قلنا قبل قليل بأن بعض الأُمور المباحة والمستحبّة قد تصير واجبة أو محرّمة بالعنوان الثانوي ، كأن نرى البعض يؤكّد على إبعاد سنّة ثابتة (١) أو يُحرّم امرا مباحا ، فيجب على المسلم أن يحافظ على هذه السنة وأن يصر على الاتيان بها ، وقد يصير في بعض الاحيان ذلك الأمر المستحب أو المباح واجبا بالعنوان الثانوي.

ومن الأمثلة على ذلك ما رواه الفريقان سنة وشيعة عن أمير المؤمنين علي أنّه رأى ضرورة شرعية لأن يشرب الماء واقفا في رحبة مسجد الكوفة (٢) ؛ دفعا

__________________

(١) كما في قول الأئمة : «ليس منّا من لم يؤمن بالمتعة» ، مع أنّها مستحبة ، لكن محاولة اعداء أهل البيت تحريمها ، جعل الاعتقاد باستحبائها أو جوازها واجبا.

(٢) انظر سنن النسائي (المجتبى) ١ : ٦٩ / باب عدد غسل اليدين / ح ٩٥ ، مصنف عبدالرزاق

١٤٩

لتوهم كثير من المسلمين حرمة الشرب واقفا ، وكذلك من هذا القبيل ما ورد عن بعض المعصومين عليهم‌السلام أنّه شرب الماء أثناء الطعام مع أنّه منهي (١) عنه ؛ دفعا لتوهم حرمة شرب الماء أثناء الطعام ، ومن هذا القبيل أيضا ترك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لنوافل بعض أيام شهر رمضان (٢) خوفا على الأمة من الوقوع فيما هو عسير.

وكذا الحال بالنسبة إلى ترك المستحبّ ، فقد يكون حراما في بعض الحالات ، فمثلاً الكلّ يعلم بأن بناء المساجد ليس واجبا ، وكذا الصلاة فيها ، أمّا تخريبها وعدم الصلاة فيها فهي محرمة يقينا لقوله تعالى ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا ) (٣) ، ومثلها البناء على المشاهد المشرِّفة فهي ليست بواجبة أما تهديم القبور فهي حرام قطعا ، لأن في ذلك توهينا واضعافا للعقيدة والمذهب ، وهكذا الحال بالنسبة للأمور المستحبّة الأُخرى ، والتي يسعى الخصم لمحوها ، فينبغي الحفاظ عليها ، وقد أكدّ الفقهاء على لزوم المحافظة على الأُمور المباحة ، التي حُرِّمت من قبل الآخرين ، كلّ ذلك إصرارا وثباتا على الحكم الإلهي.

فلو كان هذا في الأمر المباح ، فكيف بالأمر المحبوب في نفسه الذي أكدّ عليه الشرع وجاءت به الأدلّة الكثيرة التي ستقف عليها لاحقا.

نحن عرضنا هذه الأقوال كي تكون مدخلاً لمبحث الشهادة الثالثة ، وإليك الآن تفصيل رؤيتنا ضمن الفصول الثلاثة الآتية :

__________________

١ : ٣٨ ـ ٤٠ / ح ١٢٢ / ح ١٢٣. وانظر الكافي ٦ : ٣٨٢ / باب شرب الماء من قيام.

(١) الكافي ٦ : ٣٨٢ / باب آخر في فضل الماء من كتاب الاشربة / ح ٤ ، وعنه في وسائل الشيعة ٢٥ : ٢٣٦ / ح ٣١٧٨١.

(٢) صحيح البخاري ١ : ٣١٣ / ب ٧ / ح ٨٨٢ ، و ٢:٧٠٧/ح ١٩٠٨ صحيح مسلم ١:٥٢٤ / باب الترغيب في قيام شهر رمضان / ح ٧٦١ ، سنن أبي داود ٢:٤٩/ح ١٣٧٣.

(٣) البقرة : ١١٤.

١٥٠

تلخّص مما سبق :

١ ـ إنّ الدعاوي الثلاث التي قالها الشيخ الصدوق لا يمكن الاعتماد عليها ، وذلك :

أ ـ لأن دعوى التفويض لا تتفق مع ما كان يقول به من سمّاهم الصدوق بالمفوِّضة ، لأنَّ كلماتهم هي كلمات حقّة اعترف الصدوق رحمه‌الله بصحتّها ، وإن ما حُكي عنهم لا يتّفق مع المنهيّ عنه في الشريعة ، لأنّ المعروف عن المفوِّضة أنّهم يعتقدون بأنّ للأئمّة حق الخلق ، والرزق ، والإحياء ، والإماتة على وجه الاستقلال ، بحيث لا يقدر الربّ على صرفهم عنه ، وهذا ما لا نراه في صيغ أذان من سموا بالمفوِّضة!! لأ نّهم لا يقولون : أشهد أن عليا محي الموتى ورازق العباد ، وأشباهها حتى ينطبق عليهم كلام الشيخ الصدوق بل نرى أن شهادتهم بالولاية هي ألصق بالاعتقاد الصحيح وأبعد عن التفويض ، فقد يكونوا شهدوا بهذه الشهادة لكي يبعدوا عن انفسهم ، شبهة الغلوّ والتفو يض ، وقد يكون المفوضة استغلوا ما جاء في العمومات والروايات التفسيرية لمعنى الحيعلة الثالثة وحرفوا معناها إلى معنى أنّ مطلق الإيمان بالولاية مسقط للتكاليف ، فلذلك حمل عليهم الصدوق رحمه‌الله حملته الشديدة.

وقد يكون الشيخ الصدوق قالها خوفا من وقوع الشيعة في مهلكة التفويض المنهى عنه ، وقد يكون قالها تقيّةً ، وقد يكون قالها لأمور اُخرى.

ب ـ أما ما ادعاه من أنّهم « وضعوا أخبارا » هو الآخر لا نقبله ، وذلك لما بيّنّا من اختلاف المنهجين القمّي والبغدادي في العقائد والرجال.

فالصدوق تبعا لشيخه ابن الوليد رحمه‌الله قد اتهّم محمد بن موسى الهمداني السمان

١٥١

بوضع كتابي زيد النرسي وزيد الزراد ، في حين إنك قد وقفت على وجود طرق صحيحة للنجاشي والمفيد والطوسي رحمهم اللّه‏ تعالى إلى هذين الكتابين ، وكان رجال تلك الطرق من وجوه الاصحاب وهي تجزم بأنّ الكتاب لزيد النرسي ، فلا يستقيم بعد هذا قول الشيخ الصدوق رحمه‌الله بأ نّه من وضع موسى الهمداني ؛ إذ كيف تكون من وضعه مع أن هناك طرقا صحيحة عن زيد وكتابه ، وهذا ما اكد عليه رجاليو الشيعة وفقهائهم في مصنفاتهم. وهي تشكّكنا في قبول كلامه رحمه‌الله على ظاهره ، بل تدعونا أن ندرسها مع ظروفها الموضوعية الحقيقية ، لنرى هل يمكننا الأخذ بكلامه ، أم أن ما قاله عن المفوّضة كان تقليدا لمشايخه أو تسرّعا منه في إطلاق الأحكام ، وهذا ما سنفصّله عند دراستنا لكلامه رحمه‌الله لاحقا (١).

جـ ـ ان دعوى زيادة من قال بالصيغ الثلاث في الأذان بقصد الجزئية دعوى كبيرة ، ولا نوافقه عليها ، خصوصا مع اختلاف صيغ الأذان عند المذاهب الشيعية المختلفة في العقيدة والمتّفقة في جواز إتيان هذه الجمل في الأذان ، فمنهم من يقول بها بعد الحيعلة الثالثة = « حي على خير العمل » ، والاخر قبلها ، وثالث بعد الشهادة بالرسالة.

والبعض منهم يقول : « أشهد أنّ عليا ولي اللّه‏ » والآخر : « محمد وآل محمد خير البرية » ، وثالث « محمد وعلي خير البشر » ، ورابع ، وخامس.

كلُّ هذه الأمور تشكّكنا في قبول كلام شيخنا الصدوق بأ نّهم يأتون بها على أنّها أجزاءٌ ، بل الثابت عنهم أنّهم يأتون بها بقصد القربة المطلقة أو للتيمن والتبرك ، ولمحبوبيتها الذاتية.

__________________

(١) في القسم الثالث من الفصل الاول الاتي في صفحة ٢٤٣.

١٥٢

٢ ـ أشرنا في آخر البحوث التمهيدية إلى عشرة أقوال في المسألة وهي :

١ ـ يؤتى بها على أنّها شرط الإيمان لا جزء الأذان.

٢ ـ يؤتى بها على أنّها شطر الأذان وجزءٌ منه كسائر الأجزاء.

٣ ـ يؤتى بها لأ نّها مستحبّة في نفسها ، فهي كالقنوت والاستغفار المستحبان في نفسهما ، ولكن يمكن أن يؤتى بهما في الصلاة كذلك.

٤ ـ يؤتى بها من باب الاحتياط ، لقوّة أدلّة الشطرية عندهم من جهة ، وعدم وصولها إلى حدّ يمكن معه الإفتاء بالشطرية من جهة أخرى ، فيفتون بالإتيان بها احتياطا.

٥ ـ القول برجحان الإتيان بها ، لأ نّها صارت شعارا للشيعة.

٦ ـ يكره الإتيان بها ، لعدم ثبوت ورود الروايات فيها من جهة ، ومن جهة أُخرى ثبوت كراهة الكلام في الأذان عندهم.

٧ ـ حرمة الإتيان بها ، لتوهّم الجزئية فيها.

٨ ـ حرمة الإتيان بها ، لعدم ورودها في صيغ الأذان البيانية الواردة عن المعصومين.

٩ ـ حرمتها أو كراهتها لفوات الموالاة بين فصولها.

١٠ ـ مطلوبية الإتيان بها دفعا لافتراءات المفترين على الشيعة من باب الشعارية ، وأنّه ذكر محبوب لا أنّه جزء من الأذان وإنّ ذِكرنا له إنّما هو على غرار الصلاة على محمد وآل محمد بعد الشهادة الثانية ، والغرض هو نفي الالوهية الملصقة باطلاً بأمير المؤمنين عليه‌السلام وللتاكيد على انه عليه‌السلام عبداللّه‏ وحجته ووليه وتلميذ الرسول محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأن اعداء الشيعة قد اشاعوا عنا بأنا نقول بألوهية الإمام علي ، وخيانة الأمين جبرئيل في إنزال الوحي. فكل هذه الاكاذيب تدعونا لأن نقول من على المآذن : « أشهد أن لا إله إلاّ اللّه‏ » نافين بذلك دعوى ألوهية الإمام علي ، بل التأكيد على توحيد اللّه‏ وعبوديته.

١٥٣

وكذا يجب علينا أن نقول : « أشهد أن محمدا رسول اللّه‏ » كي ننفي ما نسبوه إلينا من اكاذيب.

وبعد كل ذلك علينا أن نجهر بأصواتنا ، ومن على المآذن : « أشهد أن عليا أمير المؤمنين وليّ اللّه‏ وحجته » دفعا لاتّهامات المتّهمين وافتراءاتهم ، نقول بذلك إعلاءً لذكرهم ، الّذي جد القوم لطمسه.

١٥٤

الفصل الأول

الأدلّـة الشـرعيّـة

وهو في ثلاثة اقسام :

١٥٥
١٥٦

القسم الأوّل :

الدليل الكنائيّ

ما روي عن الإمام الكاظم عليه‌السلام :

حي على خير العمل = الولاية

أثبتنا في الباب الاول من هذه الدراسة ، شرعية « حي علي خير العمل » (١) ، وأنّها كانت تقال على عهد رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد أذّن بها بعض الصحابة كبلال (٢) ، وابن عمر (٣) ، وأبي رافع (٤) ، وأبي محذورة (٥) ، وزيد ابن أرقم (٦) ، وعبداللّه‏ بن عباس (٧) ، وجابر بن عبد اللّه‏ الأنصاري (٨) ، وأنس بن مالك (٩) ، وأبي أُمامة بن سهل بن حنيف (١٠) ، والإمام علي (١١) ، والحسن (١٢) ، والحسين (١٣) ، وعقيل بن أبي

__________________

(١) وهو الكتاب الأوّل من هذه المجموعة ، وقد طبع في بيروت مؤسسة الأعلمي عام ١٤٢٤ ه‍ تحت عنوان ( حي على خير العمل الشرعية والشعارية ) في ٤٩٦ صفحة.

(٢) المعجم الكبير ١ : ٣٥٢ / ح ١٠٧١ ، السنن الكبرى للبيهقي ١ : ٤٢٥ / ح ١٨٤٥ ، مجمع الزوائد ١ : ٣٣٠ ، كنز العمال ٨ : ١٦١ / ح ٢٣١٧٤ ، وسائل الشيعة ٥ : ٤١٨ / ح ٦٩٧٢. وانظر تحقيقنا عن هذه الرواية في كتابنا المشار إليه في الهامش الآنف.

(٣) المصنف لعبد الرزاق ١ : ٤٦٤ / ١٧٩٧ ، السنن الكبرى للبيهقي ١:٤٢٤ / ح ١٨٤٢ ، الاعتصام بحبل اللّه‏ ١:٣٠٨ ولنا تحقيق في ذلك راجع كتابنا (حي على خير العمل).

(٤) الأذان بحي على خير العمل ، للحافظ العلوي : ٢٨ ، الاعتصام ١ : ٢٨٩.

(٥) البحر الزخار ٢ : ١٩٢ ، أمالي أحمد بن عيسى ١ : ٩٢ ، جواهر الأخبار والآثار ٢ : ١٩١ ، الاعتصام ١ : ٢٨٤.

(٦) نيل الاوطار ٢ : ١٩ ، مسند زيد بن علي : ٩٤ ، الإمام الصادق والمذاهب الاربعة ٥ : ٢٨٣.

(٧) الأذان بحي على خير العمل : ٥٤.

(٨) الأذان بحي على خير العمل : ٣٠ ، الاعتصام ١ : ٢٩١.

(٩) الاعتصام ١ : ٢٨٨ ، الأذان بحي على خير العمل : ٢٦.

(١٠) الاعتصام ١ : ٣٠٩ ، المحلّى ٣ : ١٦٠ ، الإحكام ٤ : ٥٩٣ ، فتح الباري لابن رجب ٣ : ٤١٧ ،

١٥٧

طالب (١٤) وعبداللّه‏ بن جعفر (١٥) ، وعلي بن الحسين (١٦) ، وزيد بن علي (١٧) وغيرهم (١٨) من آل البيت عليهم‌السلام.

لكن العامة ـ كلهم أو بعضهم ـ ادعوا نسخها ، فتساءلنا كيف نسخت ، ولم ، واين ومتى؟ ولم نسخت هذه الفقرة بالخصوص من الأذان؟ بل لماذا نرى غالب المسائل الخلافية يقال عنها : إنّها نسخت ، مثل : « حي على خير العمل » فما هو الناسخ يا ترى؟

قال السيّد المرتضى من الإمامية : وقد روت العامة أن ذلك [ حي على خير العمل ] مما كان يقال في بعض أيام النبي ، وإنما أدعي أن ذلك نُسخ ورفع ، وعلى من ادّعى النسخ الدلالة له ، وما يجدها (١٩).

وقد نقلنا سابقا ما حكاه صاحب « الروض النضير » عن كتاب السنام للزيدية ، وما قاله ابن عربي في « الفتوحات » (٢٠) ، وما روي « في من لا يحضره

__________________

كتاب الصلاة / باب الأذان مثنى مثنى / ح ٦٠٦ ، الروض النضير ١ : ٥٤١.

(١١) الاعتصام ١ : ٣٠٩ ، جواهر الأخبار والآثار ٢ : ١٩١.

(١٢) الاعتصام بحبل اللّه‏ : ٣٠٧. وانظر الروض النضير ١ : ٥٤٢.

(١٣) الاعتصام بحبل اللّه‏ : ٣٠٧. وانظر الروض النضير ١ : ٥٤٢.

(١٤) الأذان بحي على خير العمل : ٥٤.

(١٥) الأذان بحي على خير العمل : ٣٠.

(١٦) المحلّى ٣ : ١٦٠ ، السيرة الحلبية ٢ : ٣٠٥ ، دعائم الإسلام ١ : ١٤٥ ، جواهر الأخبار والآثار للصعدي ٢ : ١٩٢ ، المصنّف لابن أبي شبية ١ : ١٩٥ / ح ٢٢٣٩ ، السنن الكبرى للبيهقي ١ : ٤٢٥ / ح ١٨٤٤ ، الاعتصام بحبل اللّه‏ ١ : ٢٩٩ ، ٣٠٨.

(١٧) حاشية مسند الإمام زيد المطبوعة ضمن مسند الإمام زيد ، دار الحياة ، بيروت : ٩٣ عن كتاب الأذان بحي على خير العمل : ٣٧ / الحديثان ١٧٢ و ١٧٣.

(١٨) انظر تفصيل ذلك في الفصل الأول من دراستنا المطبوعة تحت عنوان ( حي على خير العمل ) الشرعية والشعارية من صفحة ١٧٧ إلى ٢٥٨.

(١٩) الانتصار : ١٣٧.

(٢٠) الفتوحات المكية ١ : ٤٠٠.

١٥٨

الفقيه » (١) ، و « الاستبصار » (٢) ، وما جاء في كتاب « الأذان بحي على خير العمل » للحافظ العلوي (٣) ، من أن رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بلالاً أن يؤذّن بها فلم يزل يؤذن بها حتى قبض اللّه‏ رسوله.

وفي « علل الشرائع » عن عكرمة ، قال : قلت لابن عباس : أخبرني لأيّ شيء حذف من الأذان « حي على خير العمل »؟ قال : أراد عمر بذلك ألا يتّكل الناس على الصلاة ويَدَعُوا الجهادَ ، فلذلك حذفها من الأذان (٤).

وفي كتاب « الأحكام » ـ من كتب الزيدية ـ قال يحيى بن الحسين صلوات اللّه‏ عليه : وقد صحّ لنا أنّ « حي على خير العمل » كانت على عهد رسول اللّه‏ يؤذّن بها ولم تطرح إلاّ في زمن عمر بن الخطاب ، فإنّه أمر بطرحها وقال : أخافُ أن يتّكل الناس عليها ، وأمر بإثبات « الصلاة خير من النوم » مكانها (٥).

وعن الباقر ، قال : كان أبي علي بن الحسين يقول : كانت في الأذان الأول ، فأمرهم عمر فكفّوا عنها مخافة أن يتثبّط الناس عن الجهاد ويتّكلوا ، أمرهم فكفّوا عنها (٦).

وعن الإمام زيد بن علي أنّه قال : ممّا نقم المسلمون على عمر أنّه نحّى من النداء في الأذان « حي على خير العمل » ، وقد بلغت العلماء أنّه كان يؤذّن بها لرسول اللّه‏ حتّى قبضه اللّه‏ ، وكان يؤذن بها لأبي بكر حتى مات ، وطرفا من ولاية عمر حتى نهى عنها (٧).

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٨٤ / ح ٨٧٢.

(٢) الاستبصار ١ : ٣٠٦ / ح ١١٣٤.

(٣) الأذان بحي على خير العمل : ٩١.

(٤) علل الشرائع ، للصدوق ٢ : ٣٦٧ / باب ٨٩ نوادر علل الصلاة.

(٥) الاحكام ١ : ٨٤.

(٦) الأذان بحي على خير العمل : ٧٩.

(٧) الأذان بحي على خير العمل : ٢٩ ، وانظر هامش السنة للإمام زيد : ٨٣.

١٥٩

وعن أبي جعفر الباقر ، قال : كان الأذان بـ « حي على خير العمل » على عهد رسول اللّه‏ وبه أُمروا أيّام أبي بكر ، وصدرا من أيّام عمر ، ثمّ أمر عمر بقطعه وحذفه من الأذان والإقامة ، فقيل له في ذلك ، فقال : إذا سمع الناس أنّ الصلاة خير العمل تهاونوا بالجهاد وتخلّفوا عنه ، ورو ينا مثل ذلك عن جعفر بن محمد ، والعامّة تروي مثل هذا (١).

وروى الصدوق في « علل الشرائع » بسنده عن ابن أبي عمير أنّه سأل أبا الحسن الكاظم عن سبب ترك « حي على خير العمل » فذكر العلة الظاهرة والباطنة لهذا الامر ، فقال :

أمّا العلّة الظاهرة ، فلئلاّ يدع الناس الجهاد اتّكالاً على الصلاة.

وأمّا الباطنة فإنّ « خير العمل » الولاية ، فأراد [ عمر ] من أمرِهِ بترك « حي على خير العمل » من الأذان أن لا يقع حثٌّ عليها ودعاء إليها (٢).

__________________

(١) دعائم الإسلام ١ : ١٤٢ ، بحار الأنوار ٨١ : ١٥٦. وجاء في كتاب الإيضاح للقاضي نعمان المتوفّى ٣٦٣ ه‍ ، والمطبوع في تراث الحديث الشيعي ١٠ : ١٠٨ ، قال : فقد ثبت أنه أذنّ بها على عهد رسول اللّه‏ حتى توفّاه اللّه‏ وأنّ عمر قطعه ، وقد يزيد اللّه‏ في فرائض دينه بكتابه وعلى لسان نبيه ما شاء لا شريك له ، وأنا ذاكر ما جاءت به الرواية من الأذان بحي على خير العمل ...

(٢) علل الشرائع ٢ : ٣٦٨ / ٨٩ من نوادر علل الصلاة / ح ٤ ، وعنه في بحار الأنوار ٨١ : ١٤٠ / باب معنى الأذان / ح ٣٤ ، ولا يخفى عليك بأنّ الإمام الكاظم ليس بباطني بل أنّه أراد أن يوضح المعنيين الظاهري والخفي الذي حدا بعمر أن يحذفها ، إذ أنّ البعض كانوا يتوجّهون إلى ظواهر الأشياء ولا يتأمّلون في بطنها من معنى ، حيث يقولون بأن للّه‏ يدا ، وبأ نّه جالس على عرشه لقوله تعالى ( يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ) وقوله تعالى ( مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ) وقوله ( الرَّحْمَـنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) ، ولا يتدبّرون في معناها وأنّها القوة والبأس والإحاطة. ولو أرادوا أخذ الأمور على ظواهرها فعليهم أن يقولوا بضلالة الأعمى في الآخرة لقوله تعالى ( وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الأَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ) في حين لا يقول أحد من الأمّة بذلك ، ولأجل ذلك تهجّم كثير من العلماء على الظاهرية والباطنية في وقت واحد ، والإمام كان لا يريد إلاّ بيان المعنيين ـ الخفيّ والظاهر منه ـ كي لا يلتبس الأمر على الآخرين ،

١٦٠