مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٧

كونها بالواجب ، أو عدمه إلا إذا ثبت كونها بالواجب؟ وجهان ، ربما يقال بالأول [١] ، ويحمل عليه ما دل من الاخبار على أنه إذا أوصى بماله كله فهو جائز [٢] وأنه أحق بماله ما دام فيه الروح. لكن الأظهر الثاني [٣] ، لان مقتضى‌

______________________________________________________

اللهم إلا أن يقال : حمل الأصل على ما يقابل الثلث لا يمنع من صحة الوصية من الأصل ، لأن ثلثيها وإن كانا من ثلثي الورثة ، لكن لما لم يكن وصية من الميت بالثلث فثلثه فرضي ـ يعني على تقدير الوصية به ـ وكذلك الثلثان أيضاً فرضيان بالمعنى المذكور ولا دليل على بطلان الوصية من ثلثي الورثة إذا كانا فرضيين لا غير ، فما دام الميت لم يوص بالثلث تصح وصيته من ثلثي الورثة حينئذ إذا لم تزد على الثلث ، ويتم ما ذكره في الجواهر.

[١] قيل به في توجيه كلام علي بن بابويه ، كما سبق.

[٢] قد تقدم ذلك. لكن الحمل المذكور بعيد عن هذا اللسان وإن لم يكن بعيداً من غيره مما تقدم.

[٣] ومال إليه في الجواهر قال (ره) : « لظهور النصوص ـ كما لا يخفى على من لاحظها ـ في الحكم بالوقوف على إجازة الورثة بمجرد اشتمال الوصية على الأزيد من الثلث ، فيكون الأمر على العكس مما ذكره الموجه ، ضرورة كون المدار الحكم بذلك حتى يعلم أن صدورها منه بسبب من الأسباب التي توجب الإخراج من الأصل ، عملا بظاهر ما دل على تعلق حق الوارث بالزائد من الثلث حتى يعلم خلافه. وأصالة النفوذ في الوصية ـ بعد تسليمها ـ إنما هي حيث لا تعارض حق الغير. ومن هنا قد اشتملت جملة من النصوص قولا وفعلا على رد الوصية الزائدة عن الثلث إليه بمجرد صدورها من الموصي كذلك ، ما لم يعلم سبب من أسباب التعلق بالأصل ، ولو من إقراره. ولعل ذلك هو الأقوى ، ترجيحاً لهذه‌

٦٠١

______________________________________________________

الأدلة على تلك الأدلة ، وإن سلم كون التعارض بينهما بالعموم من وجه ».

أقول : عندنا مقامان : ( الأول ) : الحكم الواقعي ، وهو أنه لا تجوز الوصية بما زاد على الثلث إلا بإجازة الورثة إذا لم يكن حق يقتضي ذلك ، فاذا كان هناك حق يقتضي ذلك. من نذر أو شرط في عقد لازم أو نحو ذلك ـ صحت الوصية بما زاد على الثلث وإن لم يرض الورثة. ( المقام الثاني ) : الحكم الظاهري ، وهو أنه إذا أوصى بأزيد من الثلث وشك في أنها كانت بلا حق أو بحق فهل اللازم الحكم بالصحة أو بالبطلان؟ ولا يخفى أن النصوص المتضمنة أن الوصية بالزائد موقوفة على إجازة الورثة مختصة بالمقام الأول بحسب العنوان الأول ، ولا ترتبط بالمقام الثاني الذي هو مورد كلام الموجه.

ومن ذلك يظهر الإشكال في قول الجواهر : « فيكون الأمر على العكس .. » وقوله : « ضرورة كون المدار الحكم .. » فهو كلام في المقام الثاني. وأشكل منه استدلاله بظاهر ما دل على تعلق حق الوارث بالزائد على الثلث حتى يعلم خلافه ، فإنه لم نقف على ذلك الدليل المتعرض للمقام الثاني ـ أعني الحكم الظاهري ـ وإشكاله على أصالة نفوذ الوصية بأنها على تقدير تسليمها مختصة بما إذا لم تعارض حق الغير ، فإنها يجب تسليمها ، كما في سائر موارد الشك في صحة عقد أو إيقاع. وعلى تقدير جريانها لا تعارض حق الغير ، لأن المعارضة لحق الغير مختصة بالمقام الأول ، وجريانها إنما هو في المقام الثاني. وأما النصوص المشتملة قولا وفعلا على رد الوصية في الزائد فهي واردة في المقام الأول ، ولا تعرض لها للمقام الثاني ، أعني الحكم الظاهري.

ومن ذلك يظهر الإشكال في المعارضة بين أدلة صحة الوصية بما زاد على الثلث مع وجود السبب المقتضى ، وبين أدلة رد الوصية فيما زاد على‌

٦٠٢

ما دل على عدم صحتها إذا كانت أزيد من ذلك ، والخارج منه كونها بالواجب ، وهو غير معلوم [١]. نعم إذا أقر بكون ما أوصى به من الواجب عليه يخرج من الأصل [٢] ، بل وكذا إذا قال : أعطوا مقدار كذا خمساً أو زكاة أو نذراً‌

______________________________________________________

الثلث ، لأن المراد من الأدلة الثانية إن كان الأدلة الواردة في الحكم الواقعي فلا تعارض بينها وبين الأدلة الأولة ، لما عرفت من وجوب العمل بهما في المقام الأول. وإن كان الأدلة الواردة في الحكم الظاهري فمن المعلوم أن الأدلة الواردة في الحكم الظاهري لا تعارض الأدلة الواردة في الحكم الواقعي.

والمتحصل : أن نصوص المقام كلها متعرضة للحكم الواقعي بالنسبة إلى العنوان الأولي لا غير ، فالحكم بالنظر إلى العنوان الثانوي في المقام الأول يؤخذ من القواعد العامة. كما أن الحكم الظاهري يؤخذ من أصالة الصحة. ولا مجال لفرض المعارضة بينها.

ثمَّ إن النذر يوجب حقاً لله تعالى في فعل المنذور ، فاذا نذر أن يتصدق بدرهم فقد جعل الله تعالى حقاً عليه في أن يتصدق بالدرهم ، فاذا مات لم يبطل الحق ، بل يجب إخراجه من التركة. وكذلك إذا اشترط لزيد في عقد لازم أن يتصدق عليه أو على الفقراء بدرهم ، فان الشرط المذكور يوجب حقاً لزيد لا يبطل بالموت ، فيجب إخراجه من التركة وإن لم يوص به. نعم إذا نذر أن يوصي بالصدقة بدرهم وكان ذلك منافياً لحق الورثة لم يصح النذر ، لعدم مشروعية الوصية كذلك ، فيبطل النذر من حينه. وكذلك إذا اشترط في ضمن عقد لازم أن يتصدق بما زاد على الثلث ، فإنه باطل ، لمخالفته للكتاب والسنة.

[١] لكن الأصل الصحة ، فيكون بحكم المعلوم.

[٢] العمل بهذا الإقرار ليس لقاعدة : « إقرار العقلاء على أنفسهم

٦٠٣

أو نحو ذلك ، وشك في أنها واجبة عليه أو من باب الاحتياط المستحبي ، فإنها أيضاً تخرج من الأصل ، لأن الظاهر من الخمس والزكاة الواجب منهما ، والظاهر من كلامه اشتغال ذمته بهما.

( مسألة ٤ ) : إذا أجاز الوارث بعد وفاة الموصي فلا إشكال في نفوذها [١] ، ولا يجوز له الرجوع في إجازته [٢]. وأما إذا أجاز في حياة الموصي ففي نفوذها وعدمه قولان ،

______________________________________________________

جائز » (١) ‌، لكون هذا الإقرار متعلقاً بالورثة ، فهو ليس إقراراً على النفس ، بل هو للنصوص الدالة على نفوذ إقرار الإنسان بالدين وبالزكاة وبالحج ، وأنه يجب على الورثة العمل به.

[١] وفي الجواهر : أنه إجماع بقسميه. انتهى. و‌في صحيح أحمد بن محمد : « كتب أحمد بن إسحاق الى أبي الحسن (ع) : إن درة بنت مقاتل توفيت وتركت ضيعة أشقاصاً في مواضع ، وأوصت لسيدنا في أشقاصها بما يبلغ أكثر من الثلث ، ونحن أوصياؤها ، وأحببنا إنهاء ذلك إلى سيدنا ، فإن أمرنا بإمضاء الوصية على وجهها أمضيناها ، وإن أمرنا بغير ذلك انتهينا إلى أمره في جميع ما يأمر به إن شاء الله. قال فكتب عليه‌السلام بخطه : ليس يجب لها في تركتها إلا الثلث ، وإن تفضلتم وكنتم الورثة كان جائزاً لكم إن شاء الله (٢).

[٢] الظاهر أنه مما لا إشكال فيه. ويقتضيه الأصل ، لأنها بالإجازة نفذت ، فبطلانها بالرجوع يحتاج إلى دليل.

__________________

(١) غوالي اللئالي : أواخر الفصل التاسع من المقدمة.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ١.

٦٠٤

أقواهما الأول ، كما هو المشهور [١]. للأخبار [٢] ،

______________________________________________________

[١] حكى الشهرة في الجواهر والحدائق.

[٢] منها‌ صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل أوصى بوصية وورثته شهود ، فأجازوا ذلك ، فلما مات الرجل نقضوا الوصية ، هل لهم أن يردوا ما أقروا به؟ فقال : ليس لهم ذلك ، والوصية جائزة عليهم إذا أقروا بها في حياته » (١) ‌، ونحوه صحيح منصور بن حازم‌ (٢). وفي المسالك : جعل الحكم مدلولا لغيرهما من الاخبار أيضاً ، وكذا في الجواهر.

واستدل له في المختلف بعموم قوله تعالى ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) (٣). ولأن الرد حق للورثة ، فاذا رضوا بالوصية سقط حقهم ، كما لو رضي المشتري بالعيب. ولأن الأصل عدم اعتبار إجازة الوارث ، لأنه تصرف من المالك في ملكه ، لكن منع من الزيادة على الثلث إرفاقاً بالورثة فإذا رضي الوارث زال المانع. ولأن المال الموصى به لا يخرج عن ملك الموصي والورثة ، لأنه إن برئ كان المال له ، وإن مات كان للورثة ، فإن كان للموصي فقد أوصى به وإن كان للورثة فقد أجازوه. انتهى وفي جامع المقاصد : استدل بالوجهين الأولين فقط ، وفي المسالك : ذكر الأولين والأخير مؤيدة للاستدلال بالنصوص لا معاضدة ، ونحوه في الجواهر.

لكنها جميعاً ضعيفة لا تصلح للدليلية ولا للتأييد. إذ يشكل الأول : بأنه مع الشك يرجع إلى عموم ما دل على عدم صحة الوصية بما زاد على‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ٢.

(٣) النساء : ١٢.

٦٠٥

المؤيدة باحتمال كونه ذا حق في الثلاثين [١] ، فيرجع إجازته إلى إسقاط حقه ، كما لا يبعد استفادته من الاخبار الدالة على أن ليس للميت من ماله إلا الثلث [٢]. هذا والإجازة من‌

______________________________________________________

الثلث ، الذي هو أخص من عموم صحة الوصية. ويشكل الثاني : بأنه لم يثبت الحق للورثة حال الحياة ، فلا معنى لإسقاطه ، وإذا أريد ثبوته بعد الموت فإسقاطه حال الحياة من قبيل إسقاط ما لم يجب : ويشكل الثالث : بأن زوال المانع إنما يتم على تقدير استمرار رضى الوارث ، أما إذا رد بعد ذلك فالارفاق به يقتضي عدم صحة الإجازة السابقة والعمل على رده. ويشكل الرابع : بأن موضوع الكلام صورة الموت ، فالملك يكون للورثة ، لكنه بعد الموت لا قبله ، فالإجازة قبله إجازة من غير المالك. هذا والقول بعدم اعتبار الإجازة حال الحياة منسوب في الجواهر إلى المقنعة والمراسم والسرائر والوسيلة والجامع والإيضاح وشرح الإرشاد. وعن السرائر : الاستدلال له بأنها أجازه في غير ما يستحقونه بعد ، فلا يلزمهم ذلك بحال. وفيه : أنه اجتهاد في مقابل النص المعتبر ، فلا يركن إليه ولا يؤبه به. ومثله في الاشكال التفصيل بين كون الإجازة حال مرض الموصي فتصح وحال صحته فلا تصح. فإنه خلاف إطلاق النص. وكذا في الاشكال التفصيل بين غنى الوارث فتصح اجازته بلا استدعاء ، وفقره أو باستدعاء من الموصي فلا تصح.

[١] الاحتمال لا يصلح للتأييد ، إذ يقابله الاحتمال الآخر المؤيد لخلافه. نعم إذا كان الاحتمال مفاد حجة كانت الحجة مؤيدة.

[٢] بل تبعد ، والمستفاد منها أنه ليس للميت التصرف في ماله بعد الوفاة إلا بمقدار الثلث ، أما أن ذلك لأجل ثبوت حق فعلي للوارث أو لأمر آخر لاحق بعد الوفاة ، كل محتمل.

٦٠٦

الوارث تنفيذ لعمل الموصي [١] وليست ابتداء عطية من‌

______________________________________________________

[١] قال في الشرائع : « وإذا وقعت بعد الوفاة كان ذلك إجازة لفعل الموصي ، وليس بابتداء هبة ، فلا تفتقر صحتها إلى القبض » ، وفي المسالك : « فإن أجازوا في حال الحياة حيث يعتبر كان تنفيذاً لا ابتداء عطية بغير إشكال ، لأن الوارث لم يملك حينئذ فلا يأتي فيه الاحتمال ». وفيه : ان الانتقال الى الموصى له انما يكون بعد موت الموصي ، والوارث يملك حينئذ ، فيأتي فيه الاحتمال. ولذلك لم يخص الاحتمالين في القواعد بالإجازة بعد الوفاة ، فقال : « والإجازة تنفيذ لفعل الموصي ، لا ابتداء عطية ، فلا تفتقر الى قبض ». وفي المسالك : « وان وقعت الإجازة بعد الوفاة ففي كونها تنفيذ أو ابتداء عطية من الوارث وجهان » وفي آخر كلامه نسب ما ذكره المصنف (ره) الى مذهب الأصحاب لا يتحقق فيه خلاف بينهم ، وانما يذكر الأخير وجهاً أو احتمالا وإنما هو قول العامة وأن المرجح عندهم ما اخترناه. انتهى.

ومحصل الخلاف في المقام : هو أن المال ينتقل من الموصي إلى الموصى له ، أو من الوارث الى الموصى له ، ولا ريب أن الإنشاء للتمليك كان من الموصي ، والوارث لم يكن منه إنشاء التمليك ، وإنما كان منه إجازة ذلك الإنشاء ، فهو تنفيذ لذلك الإنشاء ، لا إنشاء ابتدائي. فالعبارة لا تخلو من حزازة.

والوجه فيما ذكر الأصحاب : أن المال حال التصرف ملك للموصي إلى حين الموت ، فاذا صح التصرف وانتقل المال إلى الموصى له فقد انتقل إليه من الموصي ، لا من الورثة ، لأن انتقاله إلى الورثة خلاف مقتضى نفوذ الوصية ، لأن مفاد الوصية الانتقال إلى الموصى له ، لا إلى غيره. ( وما قيل ) في وجه الاحتمال الآخر من أن الزائد على الثلث ملك للورثة‌

٦٠٧

الوارث ، فلا ينتقل الزائد إلى الموصي له من الوارث ـ بأن ينتقل إليه بموت الموصى أولا ثمَّ ينتقل إلى الموصى له ـ بل ولا بتقدير ملكه ، بل ينتقل إليه من الموصي من الأول.

( مسألة ٥ ) : ذكر بعضهم [١] أنه لو أوصى بنصف ماله‌

______________________________________________________

بعد الموت ، فاذا صحت الوصية به بإجازة الورثة فقد صح الانتقال منهم إلى الموصى له ( ضعيف ) لأن الانتقال إلى الورثة فرع عدم صحة الوصية لأن الميراث بعد الوصية ، فإذا صحت الوصية ، ولو بالإجازة فقد صح عدم انتقال الموصى به إلى الورثة.

اللهم إلا أن يقال : ذلك بالنسبة إلى الوصية بالثلث ، أما الوصية بالزائد عليه فليست مقدمة على الميراث ، ولذا كانت محتاجة إلى إجازة الورثة. لكنه خلاف إطلاق ما دل على تقدم الوصية على الميراث من الكتاب والسنة ، والاحتياج إلى الإجازة لا ينافي ذلك ، لأن الوصية مع الإجازة لا تخرج عن الوصية ، فيشملها إطلاق الأدلة.

اللهم الا أن يقال. إن ما تضمن أنه ليس للميت من ماله إلا الثلث يدل على أن الثلاثين للورثة ، فالوصية بهما وصية بمال الورثة ، فإذا صحت الوصية بالإجازة فقد انتقل المال منهم إلى الموصى له. ولكنه يشكل : بأن لازم ذلك أن الثلث للميت وإن لم يوص به ، وهو ـ كما ترى ـ لا يمكن الالتزام به ، وخلاف ما دل على أن الميراث بعد الدين والوصية ، فيتعين حمله على إرادة بيان ما يصح له التصرف فيه ، وأنه ليس إلا الثلث ، والمال كله له حال الحياة ، فإذا مات وتصرف فيه وقد صح التصرف انتقل منه بمقتضى التصرف إلى الموصى له ، وإن لم يتصرف انتقل إلى الوارث ، فالمال حين ينتقل إلى غير الوارث ينتقل من الموصي لا من الوارث.

[١] قال في الشرائع : « ولو أوصى بنصف ماله مثلا ، فأجاز الورثة‌

٦٠٨

ماله مثلا فأجاز الورثة ، ثمَّ قالوا : ظننا أنه قليل ، قضى عليهم بما ظنوه ، وعليهم الحلف على الزائد ، فلو قالوا : ظننا أنه ألف درهم ، فبان أنه ألف دينار ، قضى عليهم بصحة الإجازة في خمسمائة درهم ، وأحلفوا على نفي ظن الزائد ، فللموصى له نصف ألف درهم من التركة وثلث البقية [١] وذلك لأصالة عدم تعلق الإجازة بالزائد [٢] ، وأصالة عدم علمهم بالزائد. بخلاف ما إذا أوصى بعين معينة ـ كدر أو عبد ـ فأجازوا ثمَّ ادعوا أنهم ظنوا أن ذلك أزيد من الثلث‌

______________________________________________________

ثمَّ قالوا : ظننا أنه قليل قضي عليهم بما ظنوه ، وأحلفوا على الزائد. وفيه تردد. وأما لو أوصى بعبد أو بدار ، فأجازوا الوصية ، ثمَّ ادعوا أنهم ظنوا أن ذلك بقدر الثلث أو أزيد بيسير ، لم يلتفت إلى دعواهم ، لأن الإجازة هنا تضمنت معلوماً ». والحكم المذكور ذكره جماعة من الأصحاب ، وفي الجواهر : « لا أجد فيه خلافاً صريحاً ».

[١] كما في المسالك والجواهر وغيرهما. لنفوذ الوصية في ثلث التركة ومنه ثلث الباقي. ولعل الأولي في التعبير أن يقال : إنه يعطى ثلث الألف دينار بالوصية وسدس الألف درهم بالإجازة ، لأنهم لما ظنوا أن التركة ألف درهم فأجازوا الوصية بنصفها فقد ظنوا أن الزائد المجاز سدس الألف درهم ، فتصح الإجازة فيه لا غير.

[٢] قال في المسالك : « ووجه قبول قولهم استناده إلى أصالة عدم العلم بالزائد. مضافاً إلى أن المال مما يخفى غالباً. ولأن دعواهم يمكن أن تكون صادقة ، ولا يمكن الاطلاع على صدق ظنهم إلا من قبلهم ، لأن الظن من الأمور النفسانية ، فلو لم يكتف فيه باليمين لزم الضرر ،

٦٠٩

بقليل ، فبان أنه أزيد بكثير ، فإنه لا يسمع منهم ذلك ، لأن إجازتهم تعلقت بمعلوم [١] وهو الدار أو العبد. ومنهم من سوى بين المسألتين في القبول [٢] ومنهم من سوى بينهما في عدم القبول [٣]. وهذا هو الأقوى ، أخذاً بظاهر كلامهم في‌

______________________________________________________

لتعذر إقامة البينة على دعواهم » ، وفي الجواهر : زاد في توجيه ذلك أصالة عدم الإجازة ، كما في المتن. وحاصل التوجيه : أن دعوى الوارث مطابقة لأحد الأصلين ، فيكون منكراً ، ويقبل قوله بيمينه. أو لأنها موافقة لقاعدة قبول الاخبار بما لا يعلم الا من قبل المخبر وإن كان الخبر على خلاف الأصل.

[١] تقدم التعليل بذلك عن الشرائع. وهو بظاهره مصادرة ، فان الدليل عين الدعوى. وفي المسالك : جعل وجه الفرق بين المسألتين أن في هذه المسألة موضوع الإجازة الدار ، وهي معلومة ، وفي المسألة السابقة موضوعها الجزء المشاع ، والعلم بمقداره يتوقف على معرفة مقدار مجموع التركة والأصل عدمه. ونحوه ما إذا أوصى بثلثه وعشرة ، فأجازوا ثمَّ ادعوا ظن كثرة المال ، فتبين قلته ، لكون العشرة التي هي موضوع الإجازة معلومة. وقد يفرق بين المسألتين بأن دعوى الورثة في الأولى مطابقة لأصالة عدم كثرة المال ، وفي الثانية مخالفة لذلك ، لأنهم يدعون الظن بالكثرة فتبين أنه قليل.

[٢] قال في المسالك : « لعله الأوجه » وحكي هو عن الدروس : الميل إليه ، وعن التحرير : أنه جعله وجهاً ، وعن القواعد احتمالا. لأن الإجازة وإن وقعت على معلوم ـ وهو الدار أو العشرة في مثالنا ـ لكن كونه مقدار الثلث أو ما قاربه مما تسامحوا فيه مجهولا ، ولا يعرف إلا بمعرفة مجموع التركة ، والأصل عدمه.

[٣] يظهر ذلك من الجواهر.

٦١٠

الإجازة [١] ، كما في سائر المقامات ، كما إذا أقر بشي‌ء ثمَّ ادعى أنه ظن كذا ، أو وهب أو صالح أو نحو ذلك ثمَّ ادعى أنه ظن كذا ، فإنه لا يسمع منه [٢]. بل الأقوى عدم السماع‌

______________________________________________________

[١] لا يخفى أن أصالة عدم كثرة المال ، أو أصالة عدم العلم بمقداره ونحوهما لا مجال للرجوع إليهما ، لعدم الأثر الشرعي لمجراهما ، والأثر إنما هو لإجازة الورثة ، فإن كان الخلاف في تحقق الإجازة منهم بنحو مفاد كان التامة وعدمه ، فالأصل عدم الإجازة ، وإن كان الخلاف في مفاد كان الناقصة وأن الإجازة الواقعة منهم هل كانت تشمل صورة ما إذا كان النصف الموصى به خمسمائة دينار ، أو الدار الموصى بها تمام التركة ـ مثلا ـ أو لا تشمل ذلك ، فأصالة عدم الشمول وإن كانت جارية في نفسها ، لكن إطلاق الإجازة الصادرة من الوارث حاكم عليها ، وحينئذ يكون قول الوارث : ظننا كذا ، أو اعتقدنا كذا فأجزنا على تقدير غير حاصل ، ولم نجز على التقدير الحاصل ، دعوى على خلاف الإطلاق. وقد كان بناء الأصحاب (رض) على الأخذ به في الإقرارات والنذور والوصايا والعقود وغيرها ، كما في الجواهر. بل قال : « إن تقييد الإجازة بالمظنون مع ظهور ما أفادها في خلافه مخالف للضوابط الشرعية ، كما هو واضح ».

[٢] إن كان المراد منه أنه لا يقبل خبره ولا يترتب الأثر عليه ، فهو في محله ، لما ذكر من أنه مخالفة لظاهر قوله وفعله وهو حجة ، فلا ترفع اليد عنه بمجرد الخبر ، كما إذا أخبر بملك ما في يد غيره ، فان الخبر لا يقبل ويعمل على مقتضى اليد حتى يثبت الخلاف. وإن كان المراد أن الدعوى لا تسمع في مقام التداعي وترد عليه ، فهو غير ظاهر ، لإطلاق ما دل على سماع الدعوى والنظر فيها ، والرجوع إلى قواعد القضاء. ولذا ذكر الأصحاب أنه إذا أقر بقبض الثمن ، ثمَّ ادعى أن إقراره كان للتواطؤ‌

٦١١

حتى مع العلم بصدقهم في دعواهم [١]. إلا إذا علم كون‌

______________________________________________________

بينه وبين المشتري قبل ذلك منه ، وفي الجواهر : « لم نجد خلافاً في القبول » ثمَّ قال : « ولعل الأقوى في النظر إن لم يكن إجماع عدم خصوصية للمقام فتسمع الدعوى مطلقاً إذا ذكر وجهاً ممكناً لإقراره الأول ». فإذا كان يقبل ذلك مع كونه مخالفاً لظاهر الإقرار فأولى أن يقبل إذا كان مخالفاً لظاهر القول أو الفعل. نعم على تقدير القبول يكون مدعياً ، لان قوله يخالف الحجة ـ وهو ظاهر الإجازة ـ وخصمه منكراً لموافقته لظاهر الإجازة ، فيكون البينة عليه واليمين على خصمه. وبذلك يفترق عن حكم القبول عند الأصحاب ، فإن الوارث عندهم يقبل قوله لأنه منكر ، وبناء على ما ذكرنا يقبل قوله لأنه مدع وخصمه منكر. ونظير المقام ما إذا باع مثلا ثمَّ ادعى فساد البيع ، فإنه يقبل قوله ـ اتفاقاً ظاهراً ، كما في الجواهر ـ على أنه مدع ، لأن قوله مخالف لأصالة الصحة ، ويكون خصمه منكراً ، لموافقة قوله لها. وكذلك بناؤهم في باب الإقرار ، فإنه يكون مدعياً عندهم وخصمه منكراً ، فيحلف خصمه على القبض ـ كما هو الظاهر ـ أو على نفي المواطاة ، كما قيل.

[١] لأن الظن من قبيل الداعي إلى الإجازة ، لا قيد لموضوعها ، ومع تخلف الداعي لا يبطل الإنشاء ، لأن الدواعي بوجودها العلمي مؤثرة في المدعو إليه ، والوجود العلمي حاصل ، لا بوجودها الخارجي ، حتى يكون فقدها موجباً لانتفاء المدعو إليه ، كما ذكرنا ذلك مكرراً في هذا الشرح. فاذا قال إنسان : من كان صديقي فليأكل من طعامي ، لا يجوز لمن لم يكن صديقاً له أن يأكل ، لأنه غير مأذون ، لانتفاء قيد موضوع الاذن ، وإذا قال إنسان لآخر : كل من طعامي ، وعلم أن الداعي إلى هذا الاذن اعتقاد الصداقة جاز له أن يأكل وإن لم يكن صديقاً له. وعلى‌

٦١٢

إجازتهم مقيدة بكونه بمقدار كذا [١] ، فيرجع إلى عدم الإجازة [٢]. ومعه يشكل السماع فيما ظنوه أيضاً [٣].

( مسألة ٦ ) : المدار في اعتبار الثلث على حال وفاة الموصي [٤].

______________________________________________________

هذا فلو فرض صدق الوارث في دعواه الظن بقلة المال أو بزيادته ، لكن تخلف ذلك ، لا يوجب بطلان الإجازة. اللهم إلا أن يقال : قاعدة نفي الضرر موجبة للبطلان ، لأن صحة الإجازة ضرر على الوارث لم يقدم عليه لكن يشكل : بأن الإجازة لا توجب الضرر ، وإنما توجب عدم النفع ، لان المال لم يخرج من ملك الوارث ، وإنما خرج من ملك الموصي ، كما تقدم.

[١] بناء على ما ذكرنا يكون مورد الشك في كون الخصوصية أخذت بنحو الداعي أو القيد مورداً لأصالة عدم الإجازة لو لم يكن محكوماً بظاهر الإطلاق ، فإن إطلاق الخطاب وعدم تقييده يوجب البناء على كون الخصوصية لوحظت داعياً فما لم يعلم التقييد يبنى على صحة الوصية.

[٢] هذا إذا احتمل تحقق إجازة أخرى غير الإجازة التي قيدت ، وإلا فلا شك كي يرجع إلى الأصل.

[٣] إذا كان ما ظنوه زائداً على المقيد ، أما إذا كان هو المقيد فلا إشكال في كونه مورد الإجازة.

[٤] بلا خلاف أجده ، بل الإجماع محكي عن الخلاف ، إن لم يكن محصلا. كذا في الجواهر. ويقتضيه إطلاق الأدلة ، فإنه يقتضي كون المراد من الثلث ما كان حال الوفاة ، وكذلك غيره من السهام ، كالنصف والربع والثمن وغيرها ، فان الجميع من باب واحد ، وإنها جميعاً واردة بالنسبة إلى ما يتركه الميت ويفارقه ويذهب إلى غيره ، فكأن الموصي في مقام التصرف في المال الذي يذهب منه. ولو لا ذلك كان المتعين الحمل‌

٦١٣

لا حال الوصية [١] ، بل على حال حصول قبض الوارث للتركة [٢] إن لم تكن بيدهم حال الوفاة ، فلو أوصى بحصة مشاعة ـ كالربع أو الثلث ـ وكان ماله بمقدار ثمَّ نقص كان النقص مشتركاً بين الوارث والموصي ، ولو زاد كانت الزيادة لهما مطلقاً ، وان كانت كثيرة جداً. وقد يقيد بما إذا لم‌

______________________________________________________

على حال الوصية ، كما في سائر الموارد التي يحمل فيها العنوان على ما يكون حال الخطاب ، فاذا قال المقر : لزيد نصف مالي ، كان المراد نصفه حال الإقرار ، وإذا قال : لله علي أن أتصدق بنصف مالي ، فالمراد حال النذر ، وهكذا. لكن القرينة في المقام قائمة على حال الوفاة.

[١] خلافاً لبعض الشافعية.

[٢] قال في جامع المقاصد : « قد بينا فيما تقدم أن الثلث يعتبر بعد الموت ، إذ قد يتجدد مال للميت بعد الموت ـ كالدية إذا ثبتت صلحاً ـ وقد يتجدد تلف بعض التركة قبل قبض الوارث. وكأن المصنف (ره) إنما اعتبر ذلك ( يعني حال الوفاة ) في مقابل وقت الوصية ، لا مطلقاً ، فكأنه قال : لا يعتبر وقت الوصية » ، وتبعه على ذلك من تأخر عنه. وهو في محله في المتجدد ـ كما يأتي ـ للدليل. وإما في التلف قبل قبض الوارث فغير ظاهر ، لأن النقص يكون من أصل التركة ، ولا يختص بمال الوارث ضرورة ، لعدم المخصص. وحينئذ لا يكون المدار في الثلث على حال القبض بل على حال الوفاة ، وورود النقص عليه بالتلف لا ينافي ذلك ، بل يحققه ، وكذا إذا قبضه الوارث قبض أمانة ، فتلف بعضه ، فان النقص يكون على الجميع. وإذا قبضه الوارث قبض ضمان ، فتلف بعضه ، ضمنه الوارث لا غير. وكيف كان فالنقص على نحو الضمان وعدمه لا يستدعي كون العبرة بالثلث على حال قبض الوارث. فلاحظ.

٦١٤

تكن كثيرة [١] ، إذ لا يعلم إرادته هذه الزيادة المتجددة ، والأصل عدم تعلق الوصية بها. ولكن لا وجه له ، للزوم العمل بإطلاق الوصية [٢].

______________________________________________________

[١] قال في جامع المقاصد : « هذا يستقيم فيما إذا أوصى بقدر معلوم ، أما إذا أوصى بثلث تركته ، وكان في وقت الوصية قليلا ، فتجدد له مال كثير ـ بالإرث أو بالوصية أو بالاكتساب ـ ففي تعلق الوصية بثلث المتجدد مع عدم العلم بإرادة الموصي للموجود وقت الوصية والمتجدد نظر ظاهر ، منشؤه قرائن الأحوال على أن الموصي لم يرد ثلث المتجدد حيث لا يكون تجدده متوقعاً. وقد تقدم الاشكال فيما لو أوصى لأقرب الناس إليه ، وله ابن وابن ابن ، فمات الابن ، فان استحقاق ابن الابن لها لا يخلو من تردد ».

[٢] قد عرفت أن الحمل على حال الوفاة مقتضى قرينة المقام القطعية وحينئذ لا مجال للتشكيك المذكور. ولا لدفعه بالتمسك بالإطلاق ، فإن المقام ليس مقام الإطلاق والتقييد لتعين المراد. نعم يمكن فرض الإطلاق بلحاظ أن المال حال الوفاة تارة : يكون موجوداً حال الوصية ، وأخرى : لا يكون كذلك. لكن المستشكل لم يكن توقفه لذلك ، ولا لاحتمال هذا النحو من التقييد ، بل كأنه لاحظ حال الوصية في المقدار ولاحظ الزيادة من أحواله ، فكأن الموصي قال : ادفعوا ثلث مالي حال الوصية وإن زاد. وشكك جامع المقاصد في شموله للزيادة الكثيرة والمصنف تمسك بالإطلاق الشامل للزيادة الكثيرة مع أن الزيادة ليست من أحوال المال الثابت حال الوصية وربما تكون مباينة له ، بأن كان يملك حال الوصية دراهم فصار يملك دنانير ، فكيف يكون الإطلاق شاملا للزيادة مع المباينة؟ فلاحظ. وعلى تقدير الإطلاق فقرائن الأحوال التي ذكرها في جامع المقاصد غير ثابتة بنحو تصلح للتقييد ، فان مجرد عدم التوقع للزيادة لا يصلح لذلك.

٦١٥

نعم لو كان هناك قرينة قطعية [١] على عدم إرادته الزيادة المتجددة صح ما ذكر. لكن عليه لا فرق بين كثرة الزيادة وقلتها. ولو أوصى بعين معينة [٢] كانت بقدر الثلث أو أقل ثمَّ حصل نقص في المال أو زيادة في قيمة تلك العين ، بحيث صارت أزيد من الثلث حال الوفاة بطلت بالنسبة إلى الزائد مع عدم إجازة الوارث ، وإن كانت أزيد من الثلث حال الوصية ، ثمَّ زادت التركة أو نقصت قيمة تلك العين فصارت بقدر الثلث أو أقل ، صحت الوصية فيها. وكذا الحال إذا أوصى بمقدار معين كلي كمائة دينار مثلا.

( مسألة ٧ ) : ربما يحتمل [٣] فيما لو أوصى بعين معينة أو بكلي كمأة دينار مثلا ـ أنه إذا أتلف من التركة بعد موت‌

______________________________________________________

[١] أو غير قطعية مع كونها قرينة لتقييد المطلق ، أو صالحه للقرينة وإن لم يثبت كونها قرينة عند العرف ، فان ذلك كاف في رفع اليد عن الإطلاق ، ولا يختص ذلك بالقرينة القطعية ، ولا بالقرينة على التقييد وإن لم تكن قطعية ، فإن ما يصلح للقرينية كاف في رفع اليد عن الإطلاق.

[٢] هذا وما بعده يتفرع على كون العبرة بالثلث حال الوفاة لا حال الوصية.

[٣] قال في الجواهر : « إنما الإشكال في أن هذا ونحوه ( يعني الوصية بشي‌ء معين أو بمقدار كلي كمائة دينار ) هل يرجع إلى الوصية بحصة مشاعة من الثلث حتى أن التالف منه ينقص من الموصى به على حسب النسبة ، لأنه كالوصية بربع الثلث ـ مثلا ـ وأنه لا يرجع إلى ذلك ، بل هو كلي مضمون في الثلث ، حتى لو لم يبق منه إلا مقدار ما يساوي ذلك نفذت‌

٦١٦

الموصي يرد النقص عليهما أيضاً بالنسبة ، كما في الحصة المشاعة ، وإن كان الثلث وافياً. وذلك بدعوى أن الوصية بها ترجع إلى الوصية بمقدار ما يساوي قيمتها ، فيرجع إلى الوصية بحصة مشاعة. والأقوى عدم ورود النقص عليهما [١] ما دام الثلث وافياً ، ورجوعهما إلى الحصة المشاعة في الثلث أو في التركة لا وجه له ، خصوصاً في الوصية بالعين المعينة.

( مسألة ٨ ) : إذا حصل للموصي مال بعد الموت كما إذا نصب شبكة فوقع فيها صيد بعد موته ـ يخرج منه الوصية كما يخرج منه الديون [٢] ، فلو كان أوصى بالثلث أو الربع أخذ ثلث ذلك المال أيضاً مثلا ، وإذا أوصى بعين ، وكانت‌

______________________________________________________

الوصية؟ فيه وجهان منشؤهما أن الكلي يملك في الخارج لا على جهة الإشاعة على وجه تشمله عمومات الوصية ـ مثلا ـ أو أنه لا يملك إلا على جهة الإشاعة إلا ما خرج بالدليل ، كبيع الصاع من الصبرة بناء عليه ، لخبر الأطنان ».

[١] لإطلاق وجوب العمل بالوصية إذا لم تزد على الثلث ، وورود النقص على الموصى به في الفرضين المذكورين في المتن خلاف ذلك الإطلاق كما اختاره في الجواهر. ( ودعوى ) عدم ملك الكلي إلا على نحو الإشاعة ممنوعة مخالفة لما عند العرف. نعم إذا كانت الإشاعة في نفس الموصى به ـ كما إذا أوصى بالثلث أو الربع أو نحوهما ـ فورود النقص عليهما مقتضى الاشتراك في المشاع كما هو ظاهر.

[٢] نص على ذلك جماعة. لأن النصب فعل الميت ، والصيد أثره والأثر تابع المؤثر تبعية النماء الذي النماء.

٦١٧

أزيد من الثلث حين الموت ، وخرجت منه بضم ذلك المال ، نفذت فيها [١]. وكذا إذا أوصى بكلي كمائة دينار مثلا. بل لو أوصى ثمَّ قتل حسبت ديته من جملة تركته ، فيخرج منها الثلث [٢] كما يخرج منها ديونه إذا كان القتل خطأ ، بل وإن‌

______________________________________________________

[١] يشكل بأن النصب حال الوفاة يكون للوارث ، لأنه غير موصى به ، وإذا كان النصب للوارث كان أثره ـ وهو الصيد ـ له لا للميت حتى تخرج منه وصيته. نظير ما إذا ترك شاتين قد أوصى بأحدهما بعينها لزيد وكانتا متساويتين في القيمة ، فإنه ترد الوصية في سدس الشاة الموصى بها ، فاذا ولدت الشاة الأخرى لم يكن متداركاً به النقص ، لأنه ملك الوارث لا غير. وكذا الكلام فيما لو أوصى بمائة دينار مثلا فان العين الخارجية للوارث ، والنماء تابع لها ، فيكون للوارث.

[٢] إجماعا محكياً إن لم يكن محصلا ، كذا في الجواهر ، وفي جامع المقاصد : دعوى الإطباق عليه. وهو كذلك على الظاهر ، فإنه لم ينقل فيه خلاف أو إشكال. وتدل عليه النصوص ، كصحيح محمد بن قيس ، قال : « قلت له : رجل أوصى لرجل بوصية من ماله ثلث أو ربع ، فيقتل الرجل خطأ ، يعني الموصي. فقال يجاز لهذه الوصية من ماله ومن ديته » (١). و‌خبر السكوني عن أبي عبد الله (ع) : « قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من أوصى بثلثه ثمَّ قتل خطأ ، فإن ثلث ديته داخل في وصيته » (٢) ‌، ونحوهما غيرهما.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ٢ ، ويوجد في الباب غير ذلك من الاخبار الدالة على المطلوب.

٦١٨

كان عمداً [١] وصالحوا على الدية. للنصوص الخاصة. مضافاً إلى الاعتبار ، وهو كونه أحق بعوض نفسه من غيره [٢].

______________________________________________________

[١] كما هو المشهور. وفي الجواهر « قيل : إنه حكيت إجماعات على ذلك وانه لم يخالف فيه ، الا ما يوهمه كلام ابن إدريس في باب قضاء الدين عن الميت ، وهو اجتهاد في مقابلة النص ». ويشير بالنص الى‌ خبر عبد الحميد : « سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن رجل قتل ، وعليه دين ، وأخذ أهله الدية من قاتله ، أعليهم أن يقضوا الدين؟ قال (ع) : نعم. قلت : وهو لم يترك شيئاً. قال (ع) : إنما أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا الدين » (١) ‌ونحوه خبر يحيى الأزرق عن أبي الحسن (ع) (٢). وإطلاقهما شامل للعمد. بل هو صريح‌ خبر أبي بصير عن أبي الحسن موسى ابن جعفر (ع) قال : « قلت : فان هو قتل عمداً وصالح أولياؤه قاتله على الدية فعلى من الدين ، على أوليائه أم من الدية أو على إمام المسلمين؟ فقال (ع) : بل يؤدوا دينه من ديته التي صالح عليها أولياؤه ، فإنه أحق بديته من غيره » (٣). لكن النصوص المذكورة غير متعرضة الوصية ، فكأن الجماعة ألحقوها به ، بناء منهم على أن الدية ميراث ، والميراث بعد الوصية كما هو بعد الدين.

[٢] كأن المقتول ملك نفس القاتل عوض نفسه ، والولاية على ما‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب الدين والقرض ملحق حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب الدين والقرض حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٥٩ من أبواب أحكام القصاص حديث : ٢. لكن رواه عن الفقيه بطريقه عن علي بن أبي حمزة عن ابي الحسن موسى بن جعفر (ع). وهو مروي هكذا في التهذيب الجزء : ٤ صفحة : ٨٣ طبع النجف. لكن رواه في الوافي ـ في باب أولياء الدم من أبواب القصاص في المجلد الثاني صفحة : ١٩٢ ـ عن التهذيب عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام.

٦١٩

وكذا إذا أخذ دية جرحه خطأ [١] ، بل أو عمداً [٢].

______________________________________________________

ملكه لوليه ، فله العفو ، وله القتل ، وله المصالحة عليها بالعوض ، وهو الدية ، فالدية تكون للوارث بلحاظ كونه بمنزلة مورثه وقائماً مقامه ، فالمقتول وإن كان لا يملك نفسه حقيقة ، ولا يملك عوضها ـ وهي نفس القاتل ـ ولا يملك الدية التي هي عوض نفس المقتول بالصلح ، لكن لما كان ملك الوارث للدية بلحاظ كونه قائماً مقام مورثه ، فكأنه يأخذ المال بالإرث من المقتول ، لا بالأصالة عن نفسه ، والى ذلك يشير قوله (ع) في رواية أبي بصير : « فإنه أحق بديته » ‌، فهو حينئذ أحق باستيفاء الدية بتنفيذ وصيته من ورثته ، فهذه الاعتبارات متلازمة عرفاً ، فلا مجال للإشكال في نفوذ الوصية في الفرض.

[١] فان الميت يملك الدية في حياته ، وهي كسائر أمواله التي تخرج منها وصاياه إذا لم تزد على الثلث.

[٢] فإنه في العمد لم يملك الدية في حياته لكنه يملك القصاص ، والدية عوضه بالصلح ، فيكون ما يملكه قابلا لتنفيذ وصيته ولو بالمصالحة عليه. فلا إشكال.

وَما تَوْفِيقِي إِلاّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ وهو حسبنا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. الى هنا انتهى الكلام في مباحث الوصية. وكان في جوار الحضرة العلوية المقدسة ، على مشرفها أفضل الصلاة والسلام. في الخامس والعشرين من شهر ربيع الأول سنة احدى وثمانين وثلاثمائة وألف هجرية. وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

٦٢٠