مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٧

خلافا لابن إدريس [١].

______________________________________________________

إذا حضره الموت فأوصى ولم يدرك جازت وصيته لذوي الأرحام ، ولم تجز للغرباء » (١) ‌، و‌صحيح ابي بصير عن ابي عبد الله (ع) : « قال : إذا بلغ الغلام عشر سنين واوصى بثلث ماله في حق جازت وصيته ، وإذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله باليسير في حق جازت وصيته » (٢) ‌و‌موثق محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) : « قال : يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل وصدقته ووصيته وإن لم يحتلم » (٣).

وهذه النصوص اشتمل بعضها على العقل وبعضها على العشر سنين ، ولا يبعد ان يكون الجمع العرفي هنا التقييد فيشترط الأمران معاً. بل اعتبار العقل إجماعي ـ كما في الجواهر ـ فلا مجال لاحتمال سببية كل منهما كما هو الأصل في القضايا الشرطية التي يتعدد فيها الشرط ويتحد فيها الجزاء لوجوب رفع اليد عنه بالإجماع المذكور في الشرطية التي شرطها العشر ، ويلزمه رفع اليد عن إطلاق الشرط في الشرطية التي شرطها العقل ، لئلا يكون شرط العشر بلا فائدة.

ثمَّ إن بعض النصوص المذكورة ذكر فيه الحد المعروف والحق ، وآخر ذكر فيه إصابة موضع الوصية. والظاهر من الجميع ما تكون الوصية فيه عقلائية شرعية. وبها يقيد الإطلاقات السابقة. وحينئذ يتم ما ذكر المشهور.

[١] قال : « الذي يقتضيه أصول مذهبنا ان وصية غير المكلف البالغ غير صحيحة ، سواء كانت في وجوه البر أو غير وجوه البر ».

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ٢.

(٣) التهذيب : باب وصية الصبي والمحجور عليهم حديث : ٨ لكن رواه في الوسائل عن جميل بن دراج عن أحدهما (ع) في باب : ١٥ من أبواب كتاب الوقوف والصدقات حديث : ٢.

٥٨١

وتبعه جماعة [١].

______________________________________________________

ثمَّ استدل على ذلك بما دل على حجر الصبي ، ثمَّ قال : « وإنما هذه اخبار آحاد أوردها في النهاية إيراداً ». وإشكاله ظاهر ، فان في الاخبار المذكورة الصحيح والموثق وهما حجة ، فلا يجوز رفع اليد عنها.

[١] منهم ظاهر المختلف ، قال : « وهذه الروايات وإن كانت متظافرة ، والأقوال مشهورة ، لكن الأحوط عدم إنفاذ وصيته مطلقاً حتى يبلغ ، لعدم مناط التصرف في المال عنه » ، وجامع المقاصد قال : « والمناسب لأصول المذهب وطريقة الاحتياط القول بعدم الجواز » ، والمسالك قال : « وهذه الروايات التي دلت على الحكم وإن كان بعضها صحيحاً ، إلا انها مختلفة ، بحيث لا يمكن الجمع بينها ، وإثبات الحكم المخالف للأصل بها مشكل ».

والإشكال في الجميع ظاهر ، فان الاحتياط ليس بحجة. مع ان اقتضاءه عدم النفوذ ممنوع. والأصل لا مجال له مع الدليل. واختلاف النصوص المتقدمة مع إمكان الجمع العرفي بحمل المطلق على المقيد لا يمنع من وجوب الأخذ بها. ولو فرض عدم إمكان الجمع العرفي فاللازم التخيير لا سقوط الطرفين. نعم ورد في الأخبار ما فيه نوع مخالفة لغيره ، كصحيح محمد وابي بصير المتقدمين ، فان الجمع العرفي بينهما وبين غيرهما ممكن بتقييده بهما. لكنهما غير معمول بهما ، فيسقطان عن الحجية ، لا انه تسقط جميع النصوص ويرجع إلى عموم المنع.

هذا وعن ابن الجنيد انه تصح وصيته إذا بلغ ثماني سنين ، لرواية الحسن بن راشد عن ابي الحسن العسكري (ع) : « إذا بلغ الغلام ثماني سنين فجائز أمره في ماله ، وقد وجب عليه الفرائض والحدود. وإذا تمَّ

٥٨٢

( الثاني ) : العقل ، فلا تصح وصية المجنون [١]. نعم تصح وصية الأدواري منه إذا كانت في دور إفاقته [٢]. وكذا لا تصح وصية السكران حال سكره. ولا يعتبر استمرار العقل فلو اوصى ثمَّ جن لم تبطل [٣]. كما انه لو أغمي عليه أو سكر لا تبطل وصيته [٤]. فاعتبار العقل إنما هو حال إنشاء الوصية. ( الثالث ) : الاختيار [٥]. ( الرابع ) : الرشد ، فلا‌

______________________________________________________

للجارية سبع سنين فكذلك » (١). وفي الشرائع : « الرواية شاذة ». لمخالفتها لإجماع المسلمين على ظاهرها من حصول البلوغ بذلك ، فان عمل بها لزم ترتيب جميع احكام البلوغ ببلوغ الثمان سنين. وإن طرحناها في غير الوصية للإجماع تعين طرحها فيها ايضاً لذلك.

[١] بلا خلاف ولا إشكال. لسلب عبارته لسلب قصده ، فلا يصح إنشاؤه وإن كان عن قصد. والعمدة الإجماع.

[٢] كما نسب إلى الأصحاب لعدم المانع ، فيدخل في عموم الأدلة.

[٣] للأصل. ويقتضيه الإجماع المحكي عن مصابيح العلامة الطباطبائي بل تصريح الأصحاب بصحة وصية الأدواري ظاهر في بنائهم على عدم بطلانها بطرو الجنون ، فيكون المقام خارجاً عن قاعدة بطلان العقود الجائزة بطرو الجنون ـ بناء على ان الوصية منها ـ كما لا تبطل بالموت ضرورة ، بل الموت ملزم لها ، كما هو ظاهر.

[٤] لما ذكر.

[٥] إجماعاً. ويقتضيه حديث نفي الإكراه المروي عند الفريقين ، بل قيل : إنه متفق عليه بين المسلمين. وهو وإن كان ظاهراً في نفي‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب كتاب الوقوف والصدقات حديث : ٤.

٥٨٣

تصح وصية السفيه [١] وإن كانت بالمعروف سواء كانت قبل حجر الحاكم أو بعده. واما المفلس فلا مانع من وصيته وإن كانت بعد حجر الحاكم ، لعدم الضرر بها على الغرماء [٢] ، لتقدم الدين على الوصية ، ( الخامس ) : الحرية ، فلا تصح‌

______________________________________________________

المؤاخذة لكن استشهاد الامام (ع) به في نفي الصحة يقتضي جواز التمسك به في المقام. ففي صحيح البزنطي عن ابي الحسن (ع) : « في الرجل يستكره على اليمين ، فيحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك أيلزمه ذلك؟ فقال (ع) : لا. قال رسول الله (ص) : وضع عن أمتي ما أكرهوا عليه وما لم يطيقوا وما اخطأوا » (١).

[١] كما عن ظاهر ابن حمزة ، وعن التحرير ، وهو ظاهر القواعد ، وفي جامع المقاصد : انه قوي. لعموم حجر السفيه عن التصرف في ماله لكن في جامع المقاصد : « المشهور بين الأصحاب جواز وصية السفيه في البر والمعروف » وفي الحدائق عن الدروس : انه حكى عن المفيد وسلار والحلبي عدم نفوذ وصيته إلا في البر والمعروف. ويقتضيه عموم الصحة وقصور أدلة الحجر عن شمول المقام ، لظهورها في الامتنان عليه ، فلا تقتضي حرمانه عن الانتفاع بماله.

[٢] لأن المانع من صحة تصرفه كونه مزاحماً لحقوق الغرماء ، وهذا المعنى غير آت في الوصية ، لتقدم الدين عليها. وإن كانت لا يترتب الأثر عليها إلا بعد خروجه حال الموت عن التفليس ، إما لتملكه مالاً يزيد على دينه ، أو لبراءة ذمته من بعض الدين. وكذا إذا برئت ذمته بعد الموت من بعض الدين بتبرع أو بإبراء بعض الغرماء. وبالجملة : المفلس لا يترتب الأثر على وصيته إلا إذا مات غير مفلس ، فيكون حال التفليس‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب جواز الحلف باليمين الكاذبة حديث : ١٢.

٥٨٤

وصية المملوك ، بناء على عدم ملكه وإن أجاز مولاه [١] بل وكذا بناء على ما هو الأقوى من ملكه [٢] ، لعموم أدلة الحجر وقوله (ع) : لا وصية لمملوك [٣] ، بناء على إرادة نفي وصيته لغيره [٤] ، لا نفي الوصية له. نعم لو أجاز مولاه صح ، على البناء المذكور. ولو اوصى بماله ثمَّ انعتق وكان المال باقياً في‌

______________________________________________________

حال الرقية ، فإنه لا تصح وصية الرق إلا إذا مات حراً ، كما سيأتي. وعليه فلا وجه للفرق بينهما في الشرطية وعدمها.

[١] لأن التعليق مبطل للتصرف المعلق عليه الا في موارد مخصوصة ومن تلك الموارد الوصية التمليكية ، وتختص بمال الموصي ولا تشمل الوصية بمال غيره ، كما ذكر في الجواهر. فاذا قال القائل : مال زيد لعمرو بعد وفاتي لم يصح وصية ولا غيرها وإن أجاز المالك ، لما عرفت من مانعية التعليق.

[٢] قد تعرضنا لذلك في مباحث الاستطاعة من كتاب الحج.

[٣] رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن علي بن حديد عن جميل بن دراج عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أحدهما (ع) (١). والسند صحيح لو لا علي بن حديد ، وإن كان الأظهر اعتبار حديثه. لكن في الجواهر : ان الخبر غير جامع لشرائط الحجية.

[٤] فتكون نظير الإضافة إلى الفاعل ، وهو الأظهر ، فإنه إذا دار المضاف إليه بين كونه فاعلا ومفعولا حمل على الأول ، فإذا قلت : ضرب زيد حسن ، ولم تكن قرينة على إرادة الإضافة إلى المفعول حملت على كونها إضافة الى الفاعل. هذا وكان الأولى الاستدلال‌ بصحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر (ع) « انه قال في المملوك : ما دام عبداً فإنه وماله لأهله ، لا يجوز له تحرير

__________________

(١) الوسائل باب : ٧٨ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ٢.

٥٨٥

يده صحت [١] ، على اشكال [٢].

______________________________________________________

ولا كثير عطاء ، ولا وصية إلا ان يشاء سيده » (١). وبما ورد في المكاتب من انه تصح وصيته بقدر ما أعتق منه‌ (٢) ، فإنهما أصح سنداً وأوضح دلالة. وكأن المصنف (ره) لاحظ الاختصار.

[١] كما قواه في الجواهر. لعموم أدلة الصحة ، والحجر المانع عن الصحة يختص بزمان الرقية ، فإذا زالت زال ، ومجرد الوقوع في زمان الحجر لا يقتضي المنع إلى الأبد ، وإنما يقتضي الحجر ما دام الرق.

[٢] لوقوع الوصية حال الرقية. و‌لقوله (ع) : « لا وصية لمملوك » ‌ولأنها بمنزلة الوصية المعلقة على الحرية لكن عرفت ان وقوع الوصية حال الرقية والحجر لا يقتضي المنع إلى الأبد ، إذ لا قصور في التصرف وإنما القصور في المتصرف ـ كما يشير إليه‌ قوله (ع) في صحيح محمد بن قيس : « إلا ان يشاء سيده‌ ـ فاذا زال المانع ترتب الأثر. و‌قوله (ع) : « لا وصية لمملوك » ‌ظاهر في عدم ترتب الأثر ما دامت لمملوك ، لا مطلقاً وتعليق الوصية على الحرية ممنوع ، وإنما المعلق حكم الشارع بالصحة والنفوذ.

بل قد يقال : بأنه لو سلم فهو غير قادح ، نظير قوله : إن كانت زوجتي فهي طالق. مما كان المنشأ معلقاً ذاتاً على الشرط. اللهم إلا ان يفرق بين الشرط الحالي المشكوك والاستقبالي ، فلا يصح : إن تزوجت فزوجتي طالق ، وإن صبح : إن كانت زوجتي فهي طالق. اللهم إلا ان يقال : يصح التعليق في الوصية على الأمر الحالي والاستقبالي ، كما يصح التعليق على الموت ، ضرورة صحة الوصية بأنه إذا تزوج زيد فاخلعوا عليه وإذا ولد له فاختنوا ولده ، وثلثي لاولادي إذا كانوا من الأخيار ، أو‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧٨ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ١.

(٢) راجع الوسائل باب : ٨١ من أبواب كتاب الوصايا.

٥٨٦

نعم لو علقها على الحرية [١] فالأقوى صحتها. ولا يضر التعليق المفروض ، كما لا يضر إذا قال : هذا لزيد إن مت في سفري. ولو اوصى بدفنه في مكان خاص لا يحتاج إلى صرف مال فالأقوى الصحة [٢]. وكذا ما كان من هذا القبيل. ( السادس ) : ان لا يكون قاتل نفسه ، بأن أوصى بعد ما أحدث في نفسه ما يوجب هلاكه ـ من جرح أو شرب سم أو نحو ذلك ـ فإنه لا تصح وصيته ، على المشهور [٣] المدعى عليه‌

______________________________________________________

من أهل العلم ، ونحو ذلك مما كان المعلق عليه في الوصية العهدية والتمليكية أمراً آخر غير الموت ، فإنه لا يمكن الالتزام ببطلانها. واما ما ذكره الماتن من المثال فهو من قبيل التعليق على الموت الذي هو داخل في مفهوم الوصية ، فلا يقاس عليه المقام.

[١] كان المناسب في التعبير ان يقول : ولو علقها ..

[٢] لكنه خلاف إطلاق أدلة الحجر ، مثل قوله تعالى ( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (١). و‌في صحيح زرارة عن ابي جعفر (ع) وابي عبد الله (ع) قالا : « المملوك لا يجوز طلاقه ولا نكاحه إلا بإذن سيده. قلت : فان السيد كان زوجه بيد من الطلاق؟ قال : بيد السيد ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) أفشي‌ء الطلاق » (٢).

[٣] في المسالك : « هذا مشهور بين الأصحاب » ، ونحوه في الحدائق وفي الجواهر : « بلا خلاف معتد به أجده ». بل عن الإيضاح : نسبته غير مرة إلى الأصحاب مشعراً بالإجماع عليه ، ولم أقف على من ادعى الإجماع صريحاً.

__________________

(١) النحل : ٧٥.

(٢) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب مقدمات الطلاق وشروطه حديث : ١.

٥٨٧

الإجماع. للنص الصحيح [١] ، الصريح. خلافاً لابن إدريس [٢] وتبعه بعض [٣]. والقدر المنصرف إليه الإطلاق الوصية‌

______________________________________________________

[١] وهو‌ صحيح ابي ولاد حفص بن سالم قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : من قتل نفسه متعمداً فهو في نار جهنم خالداً فيها. قلت ( قيل له. خ ل ) : أرأيت إن كان اوصى بوصية ثمَّ قتل نفسه من ساعته تنفذ وصيته؟ قال : فقال : إن كان اوصى قبل ان يحدث حدثاً في نفسه من جراحة أو قتل أجيزت وصيته في ثلثه ، وإن كان اوصى بوصية بعد ما أحدث في نفسه من جراحة أو قتل لعله يموت لم تجز وصيته » (١). وعلل ايضاً ـ كما في المختلف ـ بدلالة الفعل على سفهه وبعدم استقرار حياته ، فيكون في حكم الميت ، وبأن القاتل يمنع عن الميراث لغيره فيمنع من نفسه ، لأن قبول وصيته نوع إرث لنفسه. لكن ضعف الجميع ظاهر ، وان أتعب نفسه في المسالك والجواهر في بيان ذلك فلاحظ.

[٢] قال : « الذي يقتضيه أصولنا وتشهد بصحته أدلتنا ان وصيته ماضية صحيحة إذا كان عقله ثابتاً عليه » ، واحتج على ذلك بأنه حي عاقل مكلف ، وبالنهي عن تبديل الوصية بعد سماعها بالقرآن ، وانه لا يجوز تخصيص القرآن بخبر الواحد.

[٣] كالعلامة في المختلف ، فإنه بعد ما نقل عن ابن إدريس الاحتجاج بما ذكر قال : « وقول ابن إدريس لا بأس به » ، وعن الروضة : انه حسن وفي المسالك : ان لكلام ابن إدريس وجهاً وجيهاً ، وان كان الوقوف مع المشهور والعمل بالنص الصحيح أقوى. وفي القواعد : « ولو قيل بالقبول مع تيقن رشده بعد الجرح كان وجهاً ». وفي الجواهر : « وأغرب من ذلك قوله فيها ( يعني : في القواعد ) وتحمل الرواية على عدم استقرار‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب أحكام الوصايا حديث : ١.

٥٨٨

بالمال [١]. واما الوصية بما يتعلق بالتجهيز ونحوه مما لا تعلق له بالمال فالظاهر صحتها. كما ان الحكم مختص بما إذا كان فعل ذلك عمداً [٢] لا سهواً أو خطأ ـ وبرجاء ان يموت [٣] ـ لا لغرض آخر ـ وعلى وجه العصيان [٤] ـ لا مثل الجهاد في سبيل الله ـ وبما لو مات من ذلك. واما إذا عوفي ثمَّ اوصى صحت وصيته بلا إشكال [٥].

وهل تصح وصيته قبل المعافاة إشكال [٦]. ولا يلحق التنجيز‌

______________________________________________________

الحياة » ، وهل من الممكن احتمال اعتبار استقرار الحياة في صحة الوصية؟ وهل هو إلا تقييد للأدلة من غير مقيد؟ وكيف جاز ارتكابه ولم يجز ارتكاب تقييدها بالنص الصحيح؟.

[١] الصحيح المتقدم مختص بالمال ، بقرينة قوله (ع) : « في ثلثه » ‌وليس ذلك من باب انصراف الإطلاق.

[٢] كما قيد به في الصحيح.

[٣] كما قيد به في الصحيح بقوله (ع) : « لعله يموت ».

[٤] كما يقتضيه قوله : « فهو في نار جهنم .. ».

[٥] كما في الجواهر. لاختصاص النص بمن قتل نفسه ، فلا يشمل المقام.

[٦] وفي الجواهر : « لا يخلو من نظر مع فرض عدم تجدد إنشاء تمليك ، ولذا لو نسيها ولم يجددها لم تنفذ على الأقوى ». وفيه : ان الدليل مختص بما إذا مات بذلك السبب ، فلا يشمل ما لو عوفي ثمَّ عرضه سبب آخر فمات به وإن كان قد نسي الوصية. كيف ومورد النص من قتل نفسه ، وهو غير شامل للفرض ، فلا إطلاق له يشمل المقام ، فلا مانع من صحة إيجاب الوصية فيه قبل ان يعافي إذا كان قد عوفي بعد ذلك‌

٥٨٩

بالوصية [١]. هذا ولو أوصى قبل ان يحدث في نفسه ذلك ثمَّ أحدث صحت وصيته ، وإن كان حين الوصية بانياً على أن يحدث ذلك بعدها. للصحيح المتقدم [٢]. مضافاً إلى العمومات.

( مسألة ١١ ) : يصح لكل من الأب والجد الوصية بالولاية على الأطفال [٣].

______________________________________________________

وما في الجواهر من أن مقتضى إطلاق الصحيح عدم الأثر للإيجاب قبل أن يعافي من العارض غير ظاهر.

[١] كما استظهره في الجواهر ، لعدم صدق الوصية عليه ، فلا يشمله الدليل ، وفي الجواهر : « اللهم إلا أن يقال : إن منع الشارع له من الوصية لعدم الثلث له ، فيمنع التنجيز أيضاً لذلك ، بناء على أنه منه. لكن لا يخلو من نظر ». بل منع عملا بإطلاق الأدلة.

[٢] فإن إطلاقه شامل للمقام.

[٣] نصاً وفتوى ، بل إجماعاً بقسميه ، كما في الجواهر ، وفي المسالك : انه محل النص والوفاق انتهى. والمراد من النص ما ورد في جملة من أبواب الوصايا ، كرواية سعد بن إسماعيل عن أبيه قال : « سألت الرضا عليه‌السلام عن وصي أيتام يدرك أيتامه ، فيعرض عليهم أن يأخذوا الذي لهم فيأبون عليه كيف يصنع؟ قال (ع) : يرد عليهم ويكرههم عليه ( على ذلك. خ ل ) » (١). و‌رواية محمد بن عيسى عمن رواه عن أبي عبد الله (ع) : « قال في رجل مات وأوصى الى رجل وله ابن صغير فأدرك الغلام وذهب الى الوصي وقال له رد علي مالي لأتزوج ، فأبى عليه .. » (٢). و‌موثقة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) : « أنه

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ١.

٥٩٠

مع فقد الآخر ، ولا تصح مع وجوده [١]. كما لا يصح ذلك لغيرهما [٢] حتى الحاكم الشرعي ،

______________________________________________________

سئل عن رجل أوصى الى رجل بولده وبمال لهم وأذن له عند الوصية أن يعمل بالمال وأن يكون الربح بينه وبينهم ، فقال : لا بأس به ، من أجل أن أباه قد أذن له في ذلك وهو حي » (١). ونحوها غيرها.

[١] قال في الشرائع : « وإذا أوصى بالنظر في مال ولده إلى أجنبي وله أب لم تصح ، وكانت الولاية إلى جد اليتيم دون الوصي ، وقيل : يصح ذلك في قدر الثلث مما تركه وفي أداء الحدائق » ، وفي الجواهر : « بلا خلاف أجده فيه في الجملة ، بل الظاهر الإجماع عليه ». ويظهر من الشرائع ذلك أيضاً ، حيث لم يتعرض لنقل قول بصحة الوصية. والقول الآخر للشيخ ، ولكنه خارج عن موضوع المسألة من النظر في مال ولده. اللهم الا بناء على انتقال المال إلى الورثة وتعلق الحقوق بها. وفي الجواهر : « المتجه ـ بناء على ذلك ـ صحة الوصاية على مثل ذلك ، وليس معارضاً لولاية الجد ».

وكيف كان فالذي يظهر منهم المفروغية عن عدم صحة الوصاية للأجنبي مع معارضتها لولاية الجد وهو مقتضى الأصل بعد قصور النصوص عن الإطلاق الشامل للصورة المذكورة. بل قد ذكرنا في ( نهج الفقاهة ) في مبحث الولاية الإشكال في وجود إطلاق في دليل ولاية الأب في حال حياته ، فضلا عن المقام. وعليه فلا مجال للتأمل في عدم الوصية بالولاية من الأب على الولد مع وجود الجد.

[٢] يعني : الوصية بالولاية على الأطفال لغير الأب والجد ، كالوصي والحاكم الشرعي. لعدم دليل على ولايتهما على الأطفال بعد الموت ، فكيف‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩٢ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ١.

٥٩١

فإنه بعد فقدهما [١] له الولاية عليهم ما دام حياً ، وليس له أن يوصي بها لغيره بعد موته [٢] ، فيرجع الأمر بعد موته‌

______________________________________________________

يصح لهما جعلها لغيرهما؟. أما الوصي فولايته بجعل الموصي ، والمجعول إنما هو أن يتولى مباشرة لا غير ، فلا يصح له جعلها لغيره. نعم إذ كان الموصي قد أوصى إليه أن يجعل بعده لغيره جاز له ذلك حينئذ ، أما إذا لم يجعل له ذلك فليس له ذلك. واما الحاكم الشرعي فالعمدة في الدليل على ولايته مقبولة ابن حنظلة المتضمنة جعل الحاكم الشرعي حاكماً ، الموجبة لثبوت أحكام الحاكم له ، ومنها تولي الأيتام وشؤونهم ، ولم يثبت أن للحاكم ولاية نصب الولي بعده ، فالمرجع أصالة عدم ترتب الأثر.

[١] وفقد الوصي لأحدهما. بلا خلاف ولا إشكال ، كما يستفاد من النصوص ، كصحيح علي بن رئاب‌ ، وموثق سماعة‌ ، وصحيح إسماعيل بن سعد‌ المذكورة في أواخر أبواب الوصية من الوسائل (١). ويقتضيه الأصل بعد قصور دليل ولاية الحاكم عن شمول المقام. فراجع.

[٢] بلا خلاف ظاهر. ونص عليه في الجواهر وأطال في تقريبه والعمدة فيه ما عرفت من قصور أدلة ولاية الحاكم الشرعي عن إثبات ولايته على الوصية إلى غيره بالولاية بعد وفاته. واما كون الولاية للصنف ، فاذا فقد فرد منه كان له فرد آخر لا يقتضي ذلك ، لجواز أن يكون حال الفرد الآخر مع الوصي حاله مع الموصي.

وبالجملة : الولاية للصنف تقتضي أن لا تكون الولاية للفرد إلا بعمل وهو إنشاء التولي ، فإذا أنشأ التولي ، أحد الأفراد صار هو الولي ، فإذا أوصى الى شخص كان هو الولي ، وكما أنه مع تولي أحد أفراد الصنف لا يمكن تولي الفرد الآخر ، كذلك مع إنشاء الوصية لبعض الأشخاص‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٨٨ من كتاب الوصايا.

٥٩٢

إلى الحاكم الأخر ، فحاله حال كل من الأب والجد مع وجود الأخر. ولا ولاية في ذلك للأم [١] ، خلافاً لابن الجنيد [٢] حيث جعل لها بعد الأب إذا كانت رشيدة. وعلى ما ذكرنا فلو أوصى للأطفال واحد من أرحامهم أو غيرهم بمال ، وجعل أمره إلى غير الأب والجد وغير الحاكم ، لم يصح [٣] ، بل يكون للأب والجد مع وجود أحدهما ، وللحاكم مع فقدهما. نعم لو أوصى لهم على أن يبقى بيد الوصي ثمَّ يملكه لهم بعد بلوغهم ، أو على أن يصرفه عليهم من غير أن يملكهم ، يمكن أن يقال بصحته [٤] وعدم رجوع أمره إلى الأب والجد أو الحاكم.

______________________________________________________

لا يمكن تولي الفرد الآخر ، لأن صحة التولي موقوفة على عدم وجود الولي.

[١] على المشهور شهرة عظيمة ، وفي الجواهر : « بلا خلاف معتد به ». للأصل بعد عدم الدليل على ولايتها.

[٢] حكي أنه قال : « الأب الرشيد أولى بأمر ولده الأطفال من كل أحد. وكذا الأم الرشيدة بعده ». ولم يعرف له موافق ، كما لم يعرف له دليل. وفي المسالك وغيرها : أنه شاذ.

[٣] كما نص عليه في الشرائع وغيرها ، لما عرفت.

[٤] في الجواهر « ففي تسلط الأب حينئذ إشكال ، من عدم ملكيتهم للمال فلا تسلط لوليهم عليه ، ومن كونه حقاً لهم والولي مسلط عليه كالمال. وقد يفرق بين الأول والثاني ، ولعل الأول أقوى ». بل هو الأقوى لأن الوصية تكون بالولاية على مال الموصي ، لا مال الطفل ، وليس هناك حق للطفل كي يكون تحت ولاية وليه ، لأن مجرد الوصية بالتمليك له أو الصرف عليه لا يوجب حقاً له ، ولذلك لا يسقط بالإسقاط ، فهو من الأحكام لا غير. والله سبحانه العالم العاصم الحاكم ، وهو حسبنا ( وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ).

٥٩٣

فصل في الموصى به

به تصح الوصية بكل ما يكون فيه غرض عقلائي محلل [١] من عين ، أو منفعة ، أو حق قابل للنقل. ولا فرق في العين بين أن تكون موجودة فعلا أو قوة ، فتصح بما تحمله الجارية ، أو الدابة أو الشجرة [٢] ،

______________________________________________________

فصل في الموصى به

[١] عملا بعمومات الصحة والنفوذ من غير معارض.

[٢] كما نص على ذلك في الجواهر ، بل قال فيها : « بل وإن لم يكن معتاد الوقوع إذا كان ممكناً ». كل ذلك عملا بإطلاق الأدلة من غير معارض. نعم إذا لم يكن له شجر وكان عازماً على شراء الشجر فأوصى بثمر ما يشتريه بعد ذلك ، أو أوصى بعين الشجر الذي سيشتريه ، ففي جواز الوصية إشكال ، لعدم العلقة المصححة لصدق الوصية أو الموجبة للسلطنة عليها ، وإن كان الأظهر الصحة ، لحصول العلقة بعد ذلك الموجبة للصدق والسلطنة ، كما إذا أوصى بالمرهون ففكه ، أو بثلث ماله فاشترى أموالا أو ورثها ، فإنها داخلة في الوصية.

وبالجملة : ليس هنا ما يوجب الخروج عن عمومات الصحة ، فإذاً لا بأس بالوصية بالمعدوم حال الوصية إذا صار موجوداً حال الموت ، وكذا بالمعدوم حال الموت إذا كان أصله موجوداً حينئذ ، قال في جامع المقاصد :

٥٩٤

وتصح بالعبد الآبق منفرداً [١] ، ولو لم يصح بيعه إلا بالضميمة [٢]. ولا تصح بالمحرمات [٣] ـ كالخمر والخنزير ونحوهما ـ ولا بآلات اللهو ، ولا بما لا نفع فيه ولا غرض عقلائي [٤] ، كالحشرات وكلب الهراش ، وأما كلب الصيد فلا مانع منه ، وكذا كلب الحائط والماشية والزرع ، وإن قلنا بعدم مملوكية ما عدا كلب الصيد ، إذ يكفي وجود الفائدة فيها. ولا تصح بما لا يقبل النقل من الحقوق ، كحق القذف‌

______________________________________________________

« لو أوصى بما يتجدد له تملكه ولو على وجه الندرة ـ كما يتجدد له بشراء أو هبة وارث ونحو ذلك ـ صح ، لأن وجود ذلك ممكن وقد قدر أن الشرط إمكان وجوده ».

[١] لما عرفت من الإطلاقات.

[٢] فإن ذلك الدليل الخاص به ، الذي لا يشمل المقام.

[٣] لعدم كونها قابلة للتمليك ، فلا تصح الوصية التمليكية فيها.

لكن قد تقدم أن الوصية قد تكون تخصيصية ـ كما إذا أوصى بعين للمسجد ـ والأمور المذكورة تقبل التخصيص إذا كان لها فائدة ولو نادرة ، فيصح الوصية بها على نحو التخصيص ، وإن لم تصح على وجه التمليك. والظاهر أن فتوى الأصحاب مبنية على ملاحظة الفائدة المحرمة ، مثل الشرب في الخمر واللعب بآلات اللهو ونحو ذلك ، فإذا أوصى بالخمر للشرب وبآلات اللهو للعب بطلت ، وإذا أوصى بالخمر للطلي وبآلات اللهو للشعال صحت الوصية. فالوصية بالكحول الذي لا يشرب ، وإنما يستعمل لفوائد أخرى تصح ، عملا بالعمومات من دون مخصص.

[٤] لعدم ما يستوجب الملك أو الاختصاص.

٥٩٥

ونحوه. وتصح بالخمر المتخذ للتخليل [١]. ولا فرق في عدم صحة الوصية بالخمر والخنزير بين كون الموصي والموصى له مسلمين أو كافرين أو مختلفين ، لأن الكفار أيضاً مكلفون بالفروع. نعم هم يقرون على مذهبهم وإن لم يكن عملهم صحيحاً ولا تصح الوصية بمال الغير ولو أجاز ذلك الغير إذا أوصى لنفسه [٢]. نعم لو أوصى فضولا عن الغير [٣] احتمل صحته إذا أجاز [٤].

______________________________________________________

[١] أو لغيره من الفوائد كالسراج والتعقيم ونحو ذلك.

[٢] بأن علق التمليك على موت نفسه. لما عرفت من عدم صدق الوصية عرفاً ، فيكون التعليق مبطلا للإنشاء. وقد تقدم ذلك في وصية العبد بناء على عدم ملكه إذا كان قد أجازها مولاه.

[٣] بأن علق التمليك على موت ذلك الغير.

[٤] لصدق الوصية من المالك ، كما في سائر موارد الفضولي ، فإن الإجازة توجب صدق العنوان ، فكما أنه إذا باع الإنسان مال غيره فأجاز المالك صحت نسبة البيع إلى المجيز ، كذلك في المقام. وإذا أوصى بماله لزيد إذا مات عمرو لم تصح وصية منه ، لعدم التعليق على موته ، ولا وصية من عمرو لعدم تعلقها بماله ، فلا تعلق لها به. وحينئذ فما يظهر من المصنف (ره) من التوقف في الصحة في غير محله. وكذا ما يظهر من بعض الحواشي من الظهور في البطلان.

وكيف يمكن الالتزام بأن بعض أهل العلم إذا رأى من بعض السواد الإهمال ، فكتب له وصية تتعلق بآخرته وصلاحها وبورثته وصلاح حالهم وعرضها على ذلك الإنسان ، فقبلها وأجازها ، أن لا تصح تلك الوصية؟.

٥٩٦

( مسألة ١ ) : يشترط في نفوذ الوصية كونها بمقدار الثلث أو بأقل منه ، فلو كانت بأزيد بطلت في الزائد [١] إلا مع إجازة الورثة بلا إشكال. وما عن علي بن بابويه من نفوذها مطلقاً [٢] ـ على تقدير ثبوت النسبة ـ شاذ. ولا فرق بين أن‌

______________________________________________________

[١] بلا خلاف معتد به أجده في شي‌ء من ذلك ، بل الإجماع بقسميه عليه ، والنصوص مستفيضة فيه أو متواترة. كذا في الجواهر. وفي المسالك : « ربما كان إجماعاً ، والأخبار الصحيحة به متظافرة ». ففي رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « في رجل أوصى بأكثر من الثلث وأعتق مماليكه في مرضه. فقال : إن كان أكثر من الثلث رد الى الثلث وجاز العتق » (١) ‌و‌رواية حمران عن أبي جعفر (ع) : « في رجل أوصى عند موته وقال : أعتق فلاناً وفلاناً حتى ذكر خمسة ، فنظر في ثلثه فلم يبلغ ثلثه أثمان قيمة المماليك الخمسة التي أمر بعتقهم. قال : ينظر إلى الذين سماهم وبدأ بعتقهم فيقومون ، وينظر إلى ثلثه فيعتق منه أول شي‌ء ذكر ثمَّ الثاني والثالث ثمَّ الرابع ثمَّ الخامس ، فان عجز الثلث كان في الذين سمى أخيراً ، لأنه أعتق بعد مبلغ الثلث ما لا يملك ، فلا يجوز له ذلك » (٢) ‌، ونحوهما غيرهما مما هو كثير ، ولعله متواتر.

[٢] حكي عن علي بن بابويه صحة الوصية بالكل ، وعبارته غير ظاهرة في ذلك ، قال : « فإن أوصى بالثلث فهو الغاية في الوصية. فإن أوصى بماله كله فهو أعلم وما فعله ، ويلزم الوصي إنفاذ وصيته على ما أوصى » فإن قوله (ره) : « فهو الغاية في الوصية » مطابق لفتوى الأصحاب ، وقوله : « وهو أعلم وما فعله » ظاهر في صورة احتمال عذره في الوصية‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٧ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٦٦ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ١.

٥٩٧

يكون بحصة مشاعة من التركة أو بعين معينة [١]. ولو كانت زائدة وأجازها بعض الورثة دون بعض نفذت في حصة‌

______________________________________________________

بالجميع ، بأن كان ذلك لازماً عليه لنذر أو شرط أو حق واجب أو غير ذلك مما يسوغ معه الوصية بالجميع ، كما ستأتي الإشارة إليه في المسألة الثالثة وعبارته المذكورة مطابقة لعبارة الفقه الرضوي. ولأجل ذلك يسهل الجمع بينه وبين الأخبار المشهورة بلا تكلف. وعلى تقدير تمامية المعارضة فهو لا يصلح لمعارضة نصوص المشهور ، بناء على حجيته في نفسه. لكنه غير ثابت.

نعم يشهد له‌ موثق عمار عن أبي عبد الله (ع) قال : « الرجل أحق بماله ما دام فيه الروح ، إذا أوصى به كله فهو جائز » (١) ‌و‌موثق محمد ابن عبدوس : « أوصى رجل بتركته متاع وغير ذلك لأبي محمد (ع) فكتبت اليه : رجل أوصى إلي بجميع ما خلف لك ، وخلف ابنتي أخت له ، فرأيك في ذلك. فكتب إلى : بع ما خلف وابعث به إلي. فبعث وبعثت به إليه ، فكتب إلي : قد وصل » (٢) ‌، ونحوه موثق علي بن الحسن‌ (٣) وغيره.

لكنها لا تصلح لمعارضة تلك النصوص بعد أن كانت أصح سنداً وأكثر عدداً وأوضح دلالة ، وموافقة لفتوى الأصحاب ظاهراً. ولذلك أولها الأصحاب وحملوها على محامل بعيدة ، بناء على أن الجمع أولى من الطرح. فالعمل على المشهور لازم.

[١] بلا إشكال في ذلك ، والنصوص الدالة على المشهور واردة في القسمين.

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ١٩.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ١٦.

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ١٧.

٥٩٨

المجيز فقط [١] ، ولا يضر التبعيض ، ـ كما في سائر العقود ـ فلو خلف ابناً وبنتاً وأوصى بنصف تركته ، فأجاز الابن دون البنت ، كان للموصى له ثلاثة إلا ثلث من ستة [٢]. ولو انعكس كان له اثنان وثلث من ستة.

( مسألة ٢ ) : لا يشترط في نفوذها قصد الموصي كونها من الثلث الذي جعله الشارع له [٣] ، فلو أوصى بعين غير ملتفت إلى ثلثه وكانت بقدره أو أقل صحت. ولو قصد كونها من الأصل ، أو من ثلثي الورثة وبقاء ثلثه سليماً مع وصيته بالثلث سابقاً أو لاحقاً ، بطلت مع عدم إجازة الورثة [٤]. بل‌

______________________________________________________

[١] قال في الشرائع : « ولو كانوا جماعة ، فأجاز بعضهم نفذت الإجازة في قدر حصته من الزيادة ». ويظهر من المسالك والجواهر وغيرهما : المفروغية عن ذلك. عملاً بالعمومات ، كما في سائر العقود. وفي الجواهر : « وكذا لو أجاز الجميع البعض ، أو البعض البعض ، لاتحاد الجميع في المدرك » ‌

[٢] هذا المثال ذكره في المسالك. فاذا فرضنا أن التركة ستة وكان الموصى به نصف الستة ـ وهو ثلاثة ـ كانت تزيد على الثلث الراجع للميت بسدس ، فهذا السدس مشترك بين الابن والبنت أثلاثاً فإن أجازا جميعاً صحت الوصية في الثلث والسدس معاً ، وإن أجاز الابن فقط صحت الوصية في ثلثي السدس وبطلت في ثلثه ، فتصح في اثنين وثلثين منه ، وإن أجازت البنت فقط صحت الوصية في ثلثه وبطلت في الثلاثين منه ، فتصح في اثنين وثلث.

[٣] كما صرح بذلك في الجواهر. ويقتضيه إطلاق الأدلة.

[٤] ولا تصح من الثلث في الصورة الثانية ، لأن المفروض أنه‌

٥٩٩

وكذا إن اتفق أنه لم يوص بالثلث أصلا. لأن الوصية المفروضة مخالف للشرع [١]. وإن لم تكن حينئذ زائدة على الثلث. نعم لو كانت في واجب نفذت ، لأنه يخرج من الأصل إلا مع تصريحه بإخراجه من الثلث.

( مسألة ٣ ) : إذا أوصى بالأزيد أو بتمام تركته ، ولم يعلم كونها في واجب ـ حتى تنفذ ـ أولا ـ حتى يتوقف الزائد علي إجازة الورثة ـ فهل الأصل النفوذ إلا إذا ثبت عدم‌

______________________________________________________

قصد كونها من ثلثي الورثة ، فإذا صحت من الثلث كان ذلك خلاف ما قصد. نعم إذا قصد كونها من الأصل صحت في ثلثها وبطلت في ثلثيها إلا إذا أجاز الورثة ، ولا تصح كلها من الثلث ، لأن المفروض أنه قصد أنها من الأصل ، وهو راجع إلى قصد أن ثلثها من الثلث وثلثيها من ثلثي الورثة ، فإذا صحت كلها من الثلث فقد صحت على خلاف قصده.

[١] هذا إذا كان مقصوده من الأصل ما يقابل الثلث ، أما إذا قصد منه ما يقابل جزءاً معيناً منه ـ كما يقال ثلث الميت يخرج من الأصل ـ فلا مخالفة فيها للشرع ، بل موافقة له ، لأن ثلث الميت يخرج من الأصل وبهذا المعنى كذلك ديونه ، وبهذا المعنى يصح أن يقال : إن الوصايا تخرج من الأصل.

ثمَّ إنك عرفت أنه على تقدير إرادة المعنى الأول من الأصل لا تبطل الوصية كلها إذا لم يجز الورثة ، وإنما يبطل ثلثاها اللذان يخرجان من ثلثي الورثة ، أما الثلث الذي يخرج من ثلث الميت فلا موجب للبطلان فيه. ومن ذلك يظهر الاشكال فيما ذكر في الجواهر ، فإنه أطلق نفوذ الوصية وإن قصد أنها من الأصل.

٦٠٠