مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٧

إذا لم يبلغ مبلغاً يترتب على النظر منهما أو إليهما ثوران الشهوة [١].

( مسألة ٣٦ ) : لا بأس بتقبيل الرجل الصبية [٢].

______________________________________________________

[١] أما مع بلوغ الصبي ذلك ففي الجواهر : « ظاهر غير واحد من الأصحاب المفروغية عن وجوب التستر عنه ، ومنع الولي إياه ، بل في جامع المقاصد : نفي الخلاف فيه بين أهل الإسلام. كما أن فيه الإجماع على عدم جواز نظر البالغ إلى الأجنبية التي بلغت مبلغاً صارت به مظنة الشهوة ، من غير حاجة الى نظرها. فان تمَّ ذلك ، كان هو الحجة ، وإلا كان محل البحث ». وهو كما ذكر. لكن الظاهر أن الإجماع المدعى عليه لا طريق اليه إلا ارتكازيات المتشرعة ، التي لا ريب فيها ولا إشكال.

[٢] هذا في الجملة لا إشكال فيه. وتقتضيه السيرة العملية القطعية. مضافا الى أصل البراءة والنصوص ، كصحيح عبد الله بن يحيى الكاهلي ـ الذي رواه الصدوق في الفقيه ـ قال : « سأل أحمد بن النعمان أبا عبد الله (ع) عن جارية ليس بيني وبينها رحم تغشاني فأحملها وأقبلها. قال (ع) : إذا أتى عليها ست سنين فلا تضعها على حجرك » (١) ‌، و‌خبر زرارة عن أبي عبد الله (ع) : « إذا بلغت الجارية الحرة ست سنين فلا ينبغي لك أن تقبلها » (٢) ‌، و‌مرفوع زكريا المؤمن : « قال أبو عبد الله (ع) : إذا بلغت الجارية ست سنين فلا يقبلها الغلام. والغلام لا يقبل المرأة إذا جاز سبع سنين » (٣). ونحوها غيرها. ولم يتعرض المصنف لحكم التقبيل بعد ست سنين ، والمستفاد من النصوص المذكورة هو الكراهة دون الحرمة ، كما يشير الى ذلك الصحيح الأول الذي اقتصر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢٧ من أبواب مقدمات النكاح ملحق حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٢٧ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٢٧ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٤.

٤١

التي ليست له بمحرم ، ووضعها في حجره ، قبل أن يأتي عليها ست سنين ، إذا لم يكن عن شهوة [١].

( مسألة ٣٧ ) : لا يجوز للمملوك النظر الى مالكته [٢]

______________________________________________________

فيه على النهي عن الوضع في الحجر مع أن السؤال كان فيه عنه وعن التقبيل. وبعض النصوص وإن كان ظاهراً في الحرمة ، لكنه قاصر السند. فلاحظ.

[١] أما إذا كان عن شهوة فلما عرفت من الإجماع الارتكازي على الحرمة.

[٢] على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً. وإن كان ظاهر المسالك : الميل إلى الجواز ، بل نسبة التردد في ذلك إلى الشيخ في المبسوط حيث قال : « مع أن الشيخ ذكر في المبسوط ما يدل على ميله إلى جواز نظر المملوك مطلقاً ، وإن كان قد رجع عنه أخيراً وهذه عبارته : « إذا ملكت المرأة فحلا أو خصياً فهل يكون محرما لها حتى يجوز له أن يخلو بها ويسافر معها؟ قيل : فيه وجهان » أحدهما ـ وهو الظاهر ـ : أنه يكون محرماً ، لقوله تعالى : ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ ) .. إلى قوله تعالى ( أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ ). والثاني : ـ وهو الأشبه بالمذهب ـ : أنه لا يكون محرما ، وهو الذي يقوى في نفسي ». وهذا الكلام يدل على تردده ، وإن كان ميله أخيراً إلى التحريم. والمقصود أن الحكم بتحريم نظر المملوك الفحل ليس بإجماعي. فيمكن الاستدلال عليه بعموم الآية. و‌قد روى الشيخ في المبسوط وغيره : أن النبي (ص) أتى فاطمة (ع) بعبد قد وهبه لها ، وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها ، وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها ، فلما رأى رسول الله (ص) ما تلقى قال : ( إنه ليس عليك بأس ، إنما هو أبوك وغلامك ) (١).

__________________

(١) الصفحة : ٤ من كتاب النكاح الطبعة الأولى. لكن فيه « وخادمك » بدل قوله : « وغلامك ».

٤٢

______________________________________________________

وروى الكليني أخباراً كثيرة بطرق صحيحة عن الصادق (ع) : أن المراد بقوله تعالى ( أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ ) شامل للمملوك مطلقا ، و‌روى في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : ( قلت لأبي عبد الله (ع) : المملوك يرى شعر مولاته وساقها. قال (ع) : لا بأس ) » (١). انتهى ما في المسالك.

ويشهد للقول بالجواز الصحيح‌ عن يونس بن عمار ويونس بن يعقوب جميعاً عن أبي عبد الله (ع) : « لا يحل للمرأة أن ينظر عبدها إلى شي‌ء من جسدها إلا الى شعرها ، غير متعمد لذلك » (٢). قال في الكافي : « وفي رواية أخرى : لا بأس بأن ينظر الى شعرها إذا كان مأموناً » (٣) ‌، وصحيح معاوية بن عمار‌ (٤) المتقدم في كلام المسالك ، و‌خبر معاوية بن عمار قال : « كنا عند أبي عبد الله (ع) نحواً من ثلاثين رجلا إذ دخل أبي فرحب به. الى أن قال : هذا ابنك؟ قال : نعم ، وهو يزعم أن أهل المدينة يصنعون شيئاً ما لا يحل لهم. قال (ع) : وما هو؟ قال : المرأة القرشية والهاشمية تركب وتضع يدها على رأس الأسود وذراعها على عنقه. فقال أبو عبد الله (ع) : يا بني أما تقرأ القرآن؟ قلت : بلى. قال : اقرأ هذه الآية : ( لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ ). حتى بلغ : ( وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ ) ، ثمَّ قال : يا بني لا بأس أن يرى المملوك الشعر والساق » (٥) ‌، و‌مصحح إسحاق بن عمار : « قلت لأبي

__________________

(١) الكافي الجزء : ٥ الصفحة : ٥٣١ الطبعة الحديثة. وقد رواها في الوسائل باب : ١٢٤ من أبواب مقدمات النكاح.

(٢) الوسائل باب : ١٢٤ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٢٤ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ١٢٤ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٣.

(٥) الوسائل باب : ١٢٤ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٥.

٤٣

ولا للخصي النظر الى مالكته ، أو غيرها [١] ،

______________________________________________________

عبد الله (ع) : أينظر المملوك الى شعر مولاته؟ قال (ع) : نعم ، وإلى ساقها » (١) ‌، و‌خبر القاسم الصيقل قال : « كتبت إليه أم علي تسأل عن كشف الرأس بين يدي الخادم ، وقالت له : إن شيعتك اختلفوا علي فقال بعضهم : لا بأس. وقال بعضهم : لا يحل. فكتب (ع) : سألت عن كشف الرأس بين يدي الخادم ، لا تكشفي رأسك بين يديه ، فان ذلك مكروه » (٢). ولا يخفى أن مقتضى العمل بالنصوص الأخذ بما دل على الجواز.

لكن لا مجال له بعد إعراض الأصحاب عنها. فيتعين حملها على التقية ، أو الضرورة ، أو النظر الاتفاقي. وإن كان الأخيران في غاية البعد ولا سيما بملاحظة ما فيها من التفصيل بين الشعر والساق وغيرهما. ويشير إلى الأول ما في خبر معاوية الحاكي دخول أبيه على أبي عبد الله (ع). وأما الآية : فلا مجال للأخذ بإطلاقها بعد ورود مرسلة الشيخ في الخلاف : « روى أصحابنا في قوله تعالى ( أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ ) أن المراد به الإماء ، دون العبيد الذكران » ‌(٣). ونحوها في المبسوط (٤). وفي الشرائع : « وملك اليمين المستثنى في الآية المراد به الإماء ». ومعارضها قد عرفت إشكاله.

[١] على المشهور شهرة عظيمة. وفي الشرائع : « قيل : نعم ، وقيل : لا ». لكن في الجواهر : « لم نعرف القائل بالأول سابقاً على‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢٤ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ١٢٤ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ١٢٤ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٩.

(٤) آخر مقدمة كتاب النكاح الصفحة : ٤.

٤٤

______________________________________________________

زمن المصنف (ره). نعم عن الفاضل في المختلف جوازه في المملوك بالنسبة إلى مالكته ». قال في المختلف : « والحق عندي أن الفحل لا يجوز له النظر الى مالكته. أما الخصي ففيه احتمال ، أقربه الجواز على كراهية ، للآية. والتخصيص بالإماء لا وجه له ، لاشتراك الإماء والحرائر في الجواز ». وعن المحقق الثاني : متابعته ، وفي التحرير استشكل فيه. ويشهد له بعض النصوص ، ففي صحيح محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : « سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن قناع الحرائر من الخصيان. فقال : كانوا يدخلون على بنات أبي الحسن (ع) ولا يتقنعن. قلت : فكانوا أحراراً؟ قال (ع) : لا. قلت : فالأحرار يتقنع منهم؟ قال (ع) : لا » (١) ‌، و‌روى الشيخ (ره) مرسلا قال : « وروي في خبر آخر : أنه سئل عن ذلك فقال (ع) : أمسك عن هذا ، ولم يجبه » (٢) ‌، ولعله أراد بذلك ما‌ رواه في قرب الاسناد عن صالح بن عبد الله الخثعمي عن أبي الحسن (ع) قال : « كتبت إليه أسأله عن خصي لي في سن رجل مدرك يحل للمرأة أن يراها وتنكشف بين يديه؟ قال : فلم يجبني » (٣). ولعل في هذا الخبر دلالة على كون الصحيح وارداً للتقية. لكن العمدة في وهنه إعراض الأصحاب عنه ، مع صحة سنده وصراحة دلالته. فليحمل على التقية أو يطرح.

وقد يستدل على الجواز بقوله تعالى ( أَوِ التّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ ) (٤) وفيه : أن المذكور‌ في صحيح زرارة قال : « سألت

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢٥ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١٢٥ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ١٢٥ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٨.

(٤) النور : ٣١.

٤٥

كما لا يجوز للعنين والمجبوب بلا إشكال [١]. بل ولا لكبير‌

______________________________________________________

أبا جعفر (ع) عن قوله عز وجل ( أَوِ التّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ .. ) الى آخر الآية قال (ع) : الأحمق الذي لا يأتي النساء » (١) ‌ونحوه غيره. وهو لا ينطبق على الخصي. ومن ذلك تعرف ضعف القول بجواز نظره مطلقاً ، حراً كان الخصي أو مملوكاً ، الى مالكته وغيرها ، كما نسب الى ابن الجنيد ، وطائفة من المتأخرين ، منهم السبزواري في الكفاية ، وإن كان في النسبة إلى الأول تأمل. مع أنه قد ورد المنع في بعض النصوص من نظره الى غير مالكته ، ففي خبر عبد الملك بن عتبة النخعي قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن أم الولد ، هل يصلح أن ينظر إليها خصي مولاها وهي تغتسل؟ قال (ع) : لا يحل ذلك » (٢) ‌، و‌خبر محمد بن إسحاق قال : « سألت أبا الحسن موسى (ع) قلت : يكون الرجل خصي يدخل على نسائه ، فيناولهن الوضوء فيرى شعورهن. قال (ع) : لا » (٣). وإن كان مقتضى الجمع العرفي بينهما وبين الصحيح المتقدم الحمل على الكراهة. فالعمدة عمومات المنع من النظر ووهن الصحيح المتقدم باعراض المشهور.

[١] لخروجهما عن الخصي الذي هو محل الخلاف والاشكال ، فيرجع فيهما الى عمومات المنع. وعن الشافعي : تفسير ( غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ ) بالخصي ، والمجبوب. ولم يعرف ذلك لغيره. وكأنه حمل الآية على معنى من لم يكن له حاجة في النساء. لكن على هذا لا يختص بما ذكر. وكيف كان لا مجال للأخذ بالآية الشريفة في غير ما فسرت به في النصوص المتقدمة.

__________________

(١) الوسائل باب : ١١١ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٢٥ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٢٥ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٢.

٤٦

السن الذي هو شبه القواعد من النساء ، على الأحوط [١].

( مسألة ٣٨ ) : الأعمى كالبصير في حرمة نظر المرأة إليه [٢]

______________________________________________________

[١] فإن المقداد في كنز العرفان في تفسير ( غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ ) قال : « قيل : المراد بهم الشيوخ الذين سقطت شهوتهم وليس لهم حاجة الى النساء. وهو مروي عن الكاظم (ع). والإربة : الحاجة » وفيه : أنه مرسل ضعيف في نفسه. فضلا عن صلاحية معارضته لما عرفت. ولذا قال في محكي جامع المقاصد : « ولو كان شيخاً كبيراً جداً هرماً ففي جواز نظره احتمال. ومثله العنين والمخنث ، وهو المشبه بالنساء. واختار في التذكرة أنهم كالفحل ، لعموم الآية. وهو قوي ». لكن في الجواهر : « أن المراد بغير اولي الإربة من لا يشتهي النكاح ، لكبر سن ونحوه ، شبه القواعد من النساء التي لا ترجو نكاحا ولا تطمع فيه ». وضعفه ظاهر مما سبق.

[٢] نص على ذلك في الشرائع والقواعد وغيرهما. ويظهر من كلمات بعض : أنه من المسلمات ، لعمومات المنع من النظر ، و‌في مرفوع أحمد ابن أبي عبد الله قال : « استأذن ابن أم مكتوم على النبي (ص) وعنده عائشة وحفصة ، فقال لهما : قوما فادخلا البيت ، فقالتا : إنه أعمى. فقال (ص) : إن لم يركما فإنكما تريانه » (١) ‌، و‌المرسل عن أم سلمة قالت : « كنت عند رسول الله (ص) وعنده ميمونة فأقبل ابن أم مكتوم ـ وذلك بعد أن أمر بالحجاب ـ فقال : احتجبا ، فقلنا : يا رسول الله : أليس أعمى لا يبصرنا؟ قال : أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه؟! » (٢).

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢٩ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٢٩ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٤‌

٤٧

( مسألة ٣٩ ) : لا بأس بسماع صوت الأجنبية [١] ، ما لم يكن تلذذ ولا ريبة [٢] ، من غير فرق بين الأعمى والبصير [٣]

______________________________________________________

[١] وفي الشرائع والقواعد والإرشاد والتحرير والتلخيص : القول بالحرمة ، بل نسب الى المشهور. لما ورد من أن صوتها عورة. و‌لموثق مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (ع) : « قال : قال أمير المؤمنين (ع) : لا تبدأوا النساء بالسلام ، ولا تدعوهن الى الطعام ، فإن النبي (ص) قال : النساء عي ، وعورة ، فاستروا عيهن بالسكوت ، واستروا عورتهن بالبيوت » (١) ‌، و‌في خبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله (ع) أنه قال : « لا تسلم على المرأة » (٢). لكن الأول لا مأخذ له يعتد به ، فقد قال في كشف اللثام : « لا يحضرني الخبر بكون صوتها عورة مسنداً ، وإنما رواه المصنف في المدنيات الاولى مرسلا ، ونفقات المبسوط تعطي العدم ». والآخران قاصرا الدلالة ، كما يظهر من التأمل فيهما. ولو سلمت فالسيرة القطعية على خلافهما ، كما صرح بذلك جمع من الأعاظم. ولذا اختار الجواز العلامة في التذكرة ، والكركي ، وغيرهما ـ على ما حكي. واختاره في الجواهر ، وشيخنا الأعظم (ره) ، وغيرهما من أكابر علماء الأعصار الأخيرة ، بل كاد يكون من الواضحات التي لا يحسن الكلام فيها والاستدلال عليها.

[٢] قطعاً كما في الجواهر ، بإضافة خوف الفتنة ، وهو كذلك ، لما سبق.

[٣] كما نص على ذلك في الجواهر ، بل قال : « لا فرق بينهما نصاً ، وفتوى ». وهو كذلك. وكأن الاقتصار في الشرائع والقواعد على ذكر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣١ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٣١ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٢.

٤٨

وإن كان الأحوط الترك في غير مقام الضرورة. ويحرم عليها إسماع الصوت الذي فيه تهييج للسامع بتحسينه وترقيقه. قال تعالى ( فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ) [١].

( مسألة ٤٠ ) : لا يجوز مصافحة الأجنبية [٢].

______________________________________________________

الأعمى لأن ابتلاء النساء إنما يكون به. وأما سماع المرأة صوت الأجنبي فلم يعرف في جوازه كلام أو إشكال. نعم قال في المستند : « ومن الغريب فتوى اللمعة بحرمته مع أنها تقرب مما يخالف الضرورة ، فإن تكلم النبي (ص) والأئمة وأصحابهم مع النساء مما بلغ حداً لا يكاد يشك في » (١)

[١] صدر الآية الشريفة ( يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً ) (٢) ، وظاهر صدرها أنه حكم يختص بنساء النبي (ص) ، فالبناء على التحريم في غيرهن غير ظاهر. ولذا قال في الجواهر : « ينبغي للمتدينة منهن اجتناب إسماع الصوت الذي فيه تهييج للسامع ، وتحسينه ، وترقيقه ، كما أومى إليه الله تعالى شأنه بقوله : ( فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ .. ) كما أنه ينبغي للمتدين ترك سماع صوت الشابة الذي هو مثار الفتنة .. ». نعم ارتكاز المتشرعة يقتضي الحرمة.

[٢] للنهي عن ذلك‌ في مصحح أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال : « قلت له : هل يصافح الرجل المرأة ليست بذات محرم؟ فقال : لا. إلا من وراء الثوب » (٣) ‌، و‌موثق سماعة : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مصافحة الرجل المرأة. قال (ع) : لا يحل للرجل‌.

__________________

(١) المظنون وقوع الغلط في نسخه اللمعة : منه قدس‌سره.

(٢) الأحزاب : ٣٢.

(٣) الوسائل باب : ١١٥ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١‌.

٤٩

نعم لا بأس بها من وراء الثوب. كما لا بأس بلمس المحارم [١].

( مسألة ٤١ ) : يكره للرجل ابتداء النساء بالسلام ،

______________________________________________________

أن يصافح المرأة. إلا امرأة يحرم عليه أن يتزوجها : أخت أو بنت ، أو عمة أو خالة. أو بنت أخت ، أو نحوها. وأما المرأة التي يحل له أن يتزوجها فلا يصافحها إلا من وراء الثوب ، ولا يغمز كفها » (١). وقد يستفاد منهما حرمة لمس الأجنبية ولو بغير المصافحة ، كما نص عليه جماعة. وفي الجواهر : « لا أجد فيه خلافاً ، بل كأنه ضروري على وجه يكون محرماً لنفسه ». وفي كلام شيخنا الأعظم (ره) : « إذا حرم النظر حرم اللمس قطعاً. بل لا إشكال في حرمة اللمس وإن جاز النظر ، للأخبار الكثيرة. والظاهر أنه مما لا خلاف فيه ». وكأنه يريد بالأخبار : أخبار المصافحة المتقدمة ، وما ورد في كيفية بيعة النساء للنبي (ص) (٢). ومورد الجميع المماسة في الكفين ، فالتعدي عنه لا دليل عليه إلا ظهور الإجماع.

[١] من غير خلاف يعتد به ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ولو بملاحظة السيرة القطعية. لكن‌ في مرسل محمد بن سالم عن بعض أصحابنا عن الحكم بن مسكين قال : « حدثني سعيدة ومنة أختا محمد بن أبي عمير قالتا : دخلنا على أبي عبد الله (ع) فقلنا : تعود المرأة أخاها؟ قال : نعم. قلنا : تصافحه؟ قال (ع) : من وراء الثوب .. » (٣) ولا بد أن يكون محمولا على الاستحباب.

__________________

(١) الوسائل باب : ١١٥ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١١٥ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٣ ، ٤ ، ٥ وباب : ١١٧ حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ١١٦ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١‌.

٥٠

ودعائهن الى الطعام [١]. وتتأكد الكراهة في الشابة.

( مسألة ٤٢ ) : يكره الجلوس في مجلس المرأة إذا قامت عنه إلا بعد برده [٢].

( مسألة ٤٣ ) : لا يدخل الولد على أبيه إذا كانت عنده زوجته إلا بعد الاستئذان. ولا بأس بدخول الوالد على ابنه بغير إذنه [٣].

______________________________________________________

[١] لموثق مسعدة بن صدقة المتقدم‌ (١) المحمول على الكراهة بقرينة‌ مصحح ربعي عن أبي عبد الله (ع) : « كان رسول الله (ص) يسلم على النساء ويرددن عليه. وكان أمير المؤمنين (ع) يسلم على النساء. وكان يكره أن يسلم على الشابة منهن ويقول : أتخوف أن يعجبني صوتها فيدخل علي أكثر مما طلبت من الأجر » (٢). لكن لظهور المصحح في الاستمرار الظاهر في الاستحباب يشكل القول بالكراهة ، لتعارض النصوص في ذلك. وحمل المصحح على أنه من خواصه (ص) ، خلاف الظاهر. والمصحح أرجح سنداً ، فأولى بالعمل به. إلا أن يحمل الموثق على الشابة.

[٢] في خبر السكوني عن أبي عبد الله (ع) : « قال : قال رسول الله (ص) : إذا جلست المرأة مجلساً فقامت عنه فلا يجلس في مجلسها رجل حتى يبرد » (٣).

[٣] في صحيح أبي أيوب الخزاز عن أبي عبد الله (ع) : « قال : يستأذن الرجل إذا دخل على أبيه ، ولا يستأذن الأب على الابن » (٤).

__________________

(١) راجع المسألة : ٣٩ من هذا الفصل.

(٢) الوسائل باب : ١٣١ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ١٤٥ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ١١٩ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١‌

٥١

( مسألة ٤٤ ) : يفرق بين الأطفال في المضاجع إذا بلغوا عشر سنين. وفي رواية : إذا بلغوا ست سنين [١].

( مسألة ٤٥ ) : لا يجوز النظر الى العضو المبان من الأجنبي [٢]

______________________________________________________

و‌في خبر محمد بن علي الحلبي قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : الرجل يستأذن على أبيه؟ فقال : نعم. قد كنت أستأذن على أبي وليست أمي عنده إنما هي امرأة أبي ، توفيت أمي وأنا غلام ، وقد يكون من خلوتهما ما لا أحب أن أفجأهما عليه ولا يحبان ذلك مني ، والسلام أحسن وأصوب » (١) ‌وظاهره الاستحباب. لكنه ضعيف بأبي جميلة ، فلا يكون قرينة على صرف غيره عن ظهوره في الوجوب. ثمَّ إن ظاهر الصحيح الاستئذان بالدخول على الأب وإن لم تكن معه زوجة ، فالتخصيص بذلك غير ظاهر.

[١] في مصحح عبد الله بن ميمون عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه : « قال : قال رسول الله (ص) : الصبي والصبي والصبي ، والصبية ، والصبية والصبية ، يفرق بينهم في المضاجع لعشر سنين » (٢).قال في الفقيه : « وروي أنه يفرق بين الصبيان في المضاجع لست سنين » (٣). وظاهر الجملة الوجوب. لكن الظاهر بناء الأصحاب على خلافه.

[٢] كما نص على ذلك غير واحد. وفي القواعد : « والعضو المبان كالمتصل على إشكال ». ووجهه : قصور الأدلة عن شمول حال الانفصال وان مقتضى الاستصحاب المنع. وقد يشكل الاستصحاب بتعدد الموضوع ، لأن موضوع المنع المرأة مثلا ، وهو غير صادق في الجزء المنفصل ، فالمرجع أصل البراءة كما في كلام شيخنا الأعظم (ره). وفيه : أنه يتم إذا كان المرجع في.

__________________

(١) الوسائل باب : ١١٩ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٢٨ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٢٨ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٢‌.

٥٢

مثل اليد ، والأنف ، واللسان ، ونحوها ، لا مثل السن ، والظفر والشعر ، ونحوها [١].

( مسألة ٤٦ ) : يجوز وصل شعر الغير بشعرها [٢].

______________________________________________________

بقاء الموضوع وارتفاعه الدليل ، لأن موضوع الحكم في الدليل هو المرأة مثلا. أما إذا كان المرجع في بقاء الموضوع العرف فالموضوع باق ، فان الاتصال والانفصال من الحالات الطارئة على الاجزاء عرفا ، لا مقومة للموضوع. ولذا جاز استصحاب النجاسة للجزء المقطوع من الكلب ، والملكية للجزء المقطوع من المملوك. بل لا ينبغي التأمل في حرمة النظر للاجزاء المجتمعة بعد تقطيعها.

وقد يستدل على الجواز بما ورد من جواز وصل الشعر. وفيه : أنه ناظر الى حكم الوصل ، لا الى حكم النظر ، وليس هو من لوازمه كي يكون الاذن فيه إذناً فيه. اللهم إلا أن يكون منصرف نصوص الوصل التزين للزوج ، فيكون حكم النظر مسؤولا عنه ولو ضمناً.

[١] في كلام شيخنا الأعظم (ره) : « لا ينبغي الإشكال في جواز النظر الى مثل الظفر والسن ، بل وكذا الشعر » ، وقريب منه ما في الجواهر. وكأنه لأن مثل هذه الأمور من قبيل النابت في الجسم لا جزء منه وتحريمها في حال الاتصال بالتبعية ، ويحتمل أن يكون لأجل أنها يسيرة لا يعتد بها في بقاء الموضوع. ومثلها قشور الجلد. بل الأجزاء اليسيرة منه ومن العظم مما يشك في بقاء الموضوع فيه.

[٢] للأصل. و‌لخبر ثابت بن سعيد قال : « سئل أبو عبد الله (ع) عن النساء تجعل في رؤوسهن القرامل ، قال (ع) : يصلح الصوف وما كان من شعر امرأة لنفسها. وكره للمرأة أن تجعل القرامل من شعر

٥٣

ويجوز لزوجها النظر إليه [١] على كراهة ، بل الأحوط الترك.

( مسألة ٤٧ ) : لا تلازم بين جواز النظر وجواز المس [٢] ، فلو قلنا بجواز النظر الى الوجه والكفين من الأجنبية لا يجوز مسها إلا من وراء الثوب.

( مسألة ٤٨ ) : إذا توقف العلاج على النظر دون اللمس ، أو اللمس دون النظر يجب الاقتصار على ما اضطر اليه [٣] ، فلا يجوز الآخر بجوازه.

( مسألة ٤٩ ) : يكره اختلاط النساء بالرجال ، إلا للعجائز ، ولهن حضور الجمعة والجماعات [٤].

______________________________________________________

غيرها ، فان وصلت شعرها بصوف أو شعر نفسها فلا يضرها » (١). ونحوه خبر سليمان بن خالد‌ (٢). [١] لما عرفت. والعمدة الأصل بعد قصور أدلة الحرمة عن شموله. ولا مجال للاستصحاب لتبدل الموضوع ، فإن حرمة النظر الى الشعر في حال الاتصال من باب النظر إلى المرأة بتوابعها ، لا على نحو الاستقلال.

[٢] نص على ذلك في الجواهر ، وكذلك شيخنا الأعظم. وهو كذلك. لكن عرفت الإشكال في عموم الدليل. فالعمدة فيه الإجماع.

[٣] لما عرفت من عدم التلازم في الجواز ، وحينئذ تقدر الضرورة بقدرها‌

[٤] في خبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله (ع) : « قال : قال أمير المؤمنين (ع) : يا أهل العراق نبئت أن نساءكم يدافعن الرجال في الطريق أما تستحيون؟! » (٣) ‌، و‌مرسل الكليني (ره) : « ان

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠١ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٠١ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ١٣٢ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١‌

٥٤

( مسألة ٥٠ ) : إذا اشتبه من يجوز النظر اليه بين من لا يجوز بالشبهة المحصورة وجب الاجتناب عن الجميع [١]. وكذا بالنسبة الى من يجب التستر عنه ومن لا يجب ، وإن كانت الشبهة غير محصورة أو بدوية : فإن شك في كونه مماثلاً أو لا ، أو شك في كونه من المحارم النسبية أو لا فالظاهر وجوب الاجتناب ، لأن الظاهر من آية وجوب الغض : أن جواز النظر مشروط بأمر وجودي وهو كونه مماثلا أو من المحارم ، فمع الشك يعمل بمقتضى العموم ، لا من باب التمسك بالعموم في الشبهة المصداقية ، بل لاستفادة شرطية الجواز [٢]

______________________________________________________

أمير المؤمنين (ع) قال : أما تستحيون ولا تغارون على نساءكم يخرجن إلى الأسواق ويزاحمن العلوج؟! » (١) ‌، و‌خبر محمد بن شريح قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن خروج النساء في العيدين فقال (ع) : لا. إلا العجوز عليها منقلاها. يعني : الخفين » (٢) ‌، و‌موثق يونس بن يعقوب قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن خروج النساء في العيدين والجمعة ، فقال (ع) : لا إلا امرأة مسنة » (٣). والمستفاد منها كراهة مزاحمة النساء للرجال في الطرق والأسواق ونحوها مطلقاً حتى للعجائز ، وكراهة خروج النساء للعيدين والجمعة إلا للعجائز. وهو مخالف لما في المتن.

[١] للعلم الإجمالي الموجب للاحتياط عقلا. وكذا فيما بعده.

[٢] هذا يتم لو كان دليل حرمة النظر عاماً وقد خرج عنه المماثل بدليل خاص. لكنه غير ظاهر ، فان قوله تعالى. ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا ).

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣٢ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٣٦ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٣٦ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٢‌.

٥٥

بالمماثلة ، أو المحرمية ، أو نحو ذلك. فليس التخصيص في المقام من قبيل التنويع ، حتى يكون من موارد أصل البراءة ، بل من قبيل المقتضي والمانع [١]. وإذا شك في كونه زوجة أو لا‌

______________________________________________________

مِنْ أَبْصارِهِمْ .. ) (١) ، غير مراد منه العموم للمماثل ، بل المفهوم غير المماثل ، فموضوع الحرمة خاص ، فتكون حرمة النظر مشروطة بأمر وجودي ، وهو المخالف. وبالجملة : إذا لوحظ الأمر بالغض بنفسه فمقتضاه العموم حتى لغير الإنسان ، وإذا لوحظ مناسبة الحكم والموضوع وقرينة السياق اختص بغير المماثل. اللهم إلا أن يقال : قوله تعالى : ( أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ ) يدل على العموم للمماثل وإلا كان الاستثناء منقطعاً. اللهم إلا أن يقال إن الاستثناء كان في إبداء الزينة لا في الغض. فتأمل.

[١] يعني : أن النظر فيه مقتضى الحرمة ، والمماثلة من قبيل المانع ، فمع الشك في المانع يرجع الى أصالة عدمه ، فيبني على ثبوت أثر المقتضي. أقول : فيه المنع صغرى ، وكبرى. إذ من الجائز أن يكون النظر الى المخالف هو الذي يكون فيه مقتضى الحرمة ، لا مطلق النظر. ولو سلم فأصالة عدم المانع إن كان المراد بها قاعدة غير الاستصحاب ، فلا أصل لها ، وقد تحقق في محله عدم صحة قاعدة الاقتضاء. وإن كان المراد بها استصحاب عدم المانع ، يعني : استصحاب عدم المماثلة ، فحجيته مبنية على جريان الأصل في العدم الأزلي. بل لو قلنا به فلا نقول به في المقام مما كان مورده عرفا من الذاتيات ، مثل الأنوثة والذكورة. فلا يصح أن يقال : الأصل عدم ذكورية ما يشك في ذكوريته وأنوثيته ، ولا أصالة عدم أنوثيته ، فان الذكورة والأنوثة معدودة عرفا من الذاتيات الثابتة للذكر والأنثى

__________________

(١) النور : ٣٠‌.

٥٦

______________________________________________________

مع قطع النظر عن وجودهما ، مثل إنسانية الإنسان ، وحجرية الحجر. وما عن الشهيد (ره) من جريان أصالة عدم كون الخنثى امرأة ، خلاف ما تقرر من الرجوع الى العرف في جريان الاستصحاب.

وإن بعض الأعاظم (ره) في حاشيته على الكتاب سلك في المقام مسلكا آخر ، فإنه قال : « يدل نفس هذا التعليق على إناطة الرخصة والجواز بإحراز ذلك الأمر ، وعدم جواز الاقتحام عند الشك فيه ، ويكون من المداليل الالتزامية العرفية ». وفيه : أنه إن كان المراد أن إناطة الرخصة بالأمر الوجودي مرجعها إلى إناطة الرخصة الواقعية بذلك الأمر الواقعي ، وإناطة الرخصة الظاهرية بالعلم بوجوده ، فيكون المجعول حكمين : واقعياً منوطاً بوجود ذلك الأمر واقعاً ، وظاهريا منوطاً بالشك في وجوده والأول مدلول مطابقي ، والثاني مدلول التزامي عرفي. فهو ممنوع ، وليست إناطة الرخصة بشي‌ء إلا كاناطة المنع بشي‌ء ليس المقصود منها إلا جعل حكم واقعي لموضوع واقعي ، بل استفادة الحكم الظاهري من دليل الحكم الواقعي غريبة. وإن كان المراد أن هنا قاعدة عقلائية ظاهرية ، نظير أصالة العموم ، وأصالة الظهور ، ونحوهما. فهو أيضا غير ثابت ، بل ممنوع. ولأجله يشكل أيضا ما ذكره بعض الأعاظم (ره) في حاشيته من أنه عليه يبتني انقلاب الأصل في النفوس ، والأموال ، والفروج. فان ما ذكره من الوجه ليس له في كلام الجماعة عين ولا أثر ، بل المذكور في كلامهم الرجوع الى عموم المنع تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية ، لبناء المشهور منهم على جواز ذلك. ومن لا يجوّز الرجوع منهم الى العموم في الشبهة المصداقية يرجع في إثبات المنع إلى الأصول الموضوعية ، مثل أصالة عدم الزوجية ، وأصالة عدم إذن المالك ، وأصالة عدم السبب الموجب لهدر الدم ، ونحو ذلك. وبالجملة : فليس مستند الجماعة في الأصول المذكورة‌

٥٧

______________________________________________________

ما ذكره طاب ثراه ، بل إما الرجوع الى العام في الشبهة المصداقية ، وإما الأصول النافية موضوعية أو حكمية. لكن الأصول المذكورة ليست ثابتة بنحو العموم ، ضرورة جواز الرجوع الى استصحاب الزوجية الموجب لحلية الفروج ، وكذا أصالة عدم الرضاع المحرم ، ونحو ذلك. كما يجوز الرجوع الى استصحاب الملك ، أو إذن المالك ، أو نحوهما من الأصول المحللة للتصرف في المال. ويجوز الرجوع الى استصحاب بقاء الكفر ، أو عدم الذمة ، أو نحو ذلك مما يجوز قتل الشخص. فالأصول غالبية. والمستند فيها أحد الأمرين المذكورين فلا ابتناء لها عندهم على ما ذكر في الحاشية. والمتحصل : أن البناء على تحريم النظر في الفرض لا يتوجه بهذه الوجوه المذكورة في المتن ، ولا في الحاشية.

والذي يظهر بالتأمل في كلامهم : أن الوجه فيه هو الرجوع الى العام في الشبهة المصداقية. قال في التذكرة : « الخنثى المشكل إن كان حراً لم يجز للرجل النظر اليه ، ولا للخنثى النظر إليه ، ولا يجوز للمرأة النظر إليها ، وبالعكس. عملا بالاحتياط. وهو قول بعض الشافعية. وقال آخرون منهم بالجواز للرجل ، والمرأة ، ولها بالنسبة إليهما. استصحاباً لما كان في الصغر حتى يعلموا خلافه. وليس بجيد. لعموم الآية » ، ونحوه كلام غيره وشيخنا الأعظم (ره) في رسائله قال : « قد يقال : بجواز نظر كل من الرجل والمرأة إليها ( يعني : الخنثى ). لكونها شبهة في الموضوع ، والأصل الإباحة. وفيه : أن عموم وجوب الغض على المؤمنات إلا عن نسائهن ، أو الرجال المذكورين في الآية ، يدل على وجوب الغض عن الخنثى ». لكن في رسالة النكاح في مقام الرد على جامع المقاصد في البناء على حرمة النظر الى الخنثى ، قال : « ولهذا لا يحرم النظر الى البعيد المردد بين الرجل والمرأة ». وظاهره المفروغية عن جواز النظر في مفروض المسألة.

٥٨

فيجري ـ مضافا الى ما ذكر من رجوعه الى الشك في الشرط ـ أصالة عدم حدوث الزوجية. وكذا لو شك في المحرمية من باب الرضاع. نعم لو شك في كون المنظور اليه أو للناظر حيواناً أو إنساناً فالظاهر عدم وجوب الاحتياط. لانصراف عموم وجوب الغض الى خصوص الإنسان [١]. وإن كان الشك في كونه بالغاً أو صبياً ، أو طفلا مميزاً أو غير مميز ، ففي وجوب الاحتياط وجهان. من العموم على الوجه الذي ذكرنا. ومن إمكان دعوى الانصراف. والأظهر : الأول [٢].

( مسألة ٥١ ) : يجب على النساء التستر [٣] كما يحرم على الرجال النظر. ولا يجب على الرجال التستر [٤] وإن كان يحرم على النساء النظر. نعم حال الرجال بالنسبة إلى العورة‌

______________________________________________________

[١] قد عرفت إشكاله.

[٢] هذا خلاف مقتضى الأصل الموضوعي ، أعني : استصحاب الصبا ، وعدم التمييز ، فإنه لو سلم الرجوع الى العام في مثل هذه الشبهة الموضوعية ، فإنما هو حيث لا يكون أصل موضوعي يثبت عنوان الخاص. ولذا لو شك في بقاء زوجية المرأة يرجع الى استصحاب زوجيتها ، وترتيب أحكامها ، ومنها جواز النظر.

[٣] بلا إشكال ، ولا خلاف. ويقتضيه قوله تعالى : ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ .. ) (١).

[٤] يظهر من كلماتهم أنه من القطعيات عند جميع المسلمين. وينبغي أن يكون كذلك ، فقد استقرت السيرة القطعية عليه ، بل تمكن دعوى الضرورة عليه.

__________________

(١) النور : ٣١.

٥٩

حال النساء [١]. ويجب عليهم التستر مع العلم بتعمد النساء في النظر من باب حرمة الإعانة على الإثم [٢].

( مسألة ٥٢ ) : هل المحرم من النظر ما يكون على وجه يتمكن من التمييز بين الرجل والمرأة. وأنه العضو الفلاني أو غيره ، أو مطلقه؟ فلو رأى الأجنبية من بعيد ، بحيث لا يمكنه تمييزها وتمييز أعضائها ، أو لا يمكنه تمييز كونها رجلا أو امرأة ، بل أو لا يمكنه تمييز كونها إنساناً أو حيواناً أو جماداً‌

______________________________________________________

[١] للأمر بسترها في النصوص الواردة في آداب التخلي ‌(١) والحمام‌ (٢). وقد ورد في تفسير قوله تعالى ( وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) (٣) أن المراد حفظها من أن ينظر إليها‌.

[٢] التحقيق : أن الإعانة على الشي‌ء تتوقف على قصد التسبب الى ذلك الشي‌ء بفعل المقدمة ، فإذا لم يكن الفاعل للمقدمة قاصداً حصوله لا يكون فعل المقدمة إعانة عليه. فمجرد علم الرجل بأن المرأة تنظر اليه عمداً لا يوجب التستر عليه من باب حرمة الإعانة على الإثم. مع أن مورد السيرة على عدم التستر من ذلك قطعاً. ومن ذلك يشكل البناء على تحريمه من باب وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بناء على عمومه للمقام. بحيث يقتضي ترك المقدمة ، كي لا يقع غيره في الحرام. وإن كان الظاهر عدم عمومه له ، إذ النهي عن المنكر يراد منه الزجر عن المنكر تشريعاً ، بمعنى : إحداث الداعي إلى الترك ، فلا يقتضي وجوب ترك بعض المقدمات لئلا يقع المنكر ، كما لا يقتضي الأمر بالمعروف فعل بعض المقدمات ليتحقق المعروف. فلاحظ.

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١ من أبواب أحكام الخلوة.

(٢) راجع الوسائل باب : ٣ من أبواب آداب الحمام.

(٣) الوسائل باب : ١ من آداب الخلوة حديث : ٣ ، ٥.

٦٠