مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٧

فهو الصحيح [١]. وإن علم الاقتران بطلا معاً [٢]. وإن شك في السبق والاقتران فكذلك. لعدم العلم بتحقق عقد صحيح ، والأصل عدم تأثير واحد منهما [٣]. وإن علم السبق واللحوق ، ولم يعلم السابق من اللاحق ، فان علم تاريخ أحدهم حكم بصحته دون الآخر [٤]. وإن جهل التاريخان ففي المسألة وجوه.

أحدها : التوقيف حتى يحصل العلم [٥].

______________________________________________________

[١] لعموم أدلة الصحة ، التي لا تشمل اللاحق ، لما عرفت من فوات شرط الصحة ، وهو أن تكون خلية.

[٢] لبطلان الترجيح بلا مرجح.

[٣] لكن مع العلم بتاريخ أحدهما يتعين الحكم بصحته. لاستصحاب كونها خلية الى ما بعده الذي هو شرط صحته ، ويتعين الحكم بصحة تزويجها بمورده ، وهو حاكم على أصالة عدم ترتب الأثر ، كما تقرر ذلك في الصورة الآتية بعينها. وحينئذ لا فرق بين الصورتين في ذلك. ومجرد الفرق بينهما بالعلم بصحة أحدهما إجمالا في الصورة الآتية ، بخلاف هذه الصورة. لاحتمال الاقتران ، الموجب لاحتمال بطلانهما معاً. لا توجب الفرق بينهما في جريان الأصل المصحح لمعلوم التاريخ. غاية الأمر أن الأصل المصحح له في الصورة الآتية ينفي السبق فقط ، وفي هذه الصورة ينفي السبق والاقتران معاً ، فيتعين جعل الصورتين بحكم واحد.

[٤] لما عرفت من جريان أصالة عدم سبق الآخر عليه ، الموجب لكونها خلية ، يصح تزويجها. ولا يصح جريان ذلك في الآخر المجهول التاريخ ، لما ذكر مراراً من عدم جريان الأصل في مجهول التاريخ.

[٥] حكاه في كشف اللثام عن المبسوط ، والتحرير. ووجهه : العمل بالقواعد الأولية.

٥٢١

الثاني : خيار الفسخ للزوجة [١].

الثالث : أن الحاكم يفسخ [٢].

الرابع : القرعة [٣].

والأوفق بالقواعد هو الوجه الأخير [٤]. وكذا الكلام إذا زوجه أحد الوكيلين برابعة والآخر بأخرى ، أو زوجه أحدهما بامرأة ، والآخر ببنتها ، أو أمها ، أو أختها.

______________________________________________________

[١] لم أقف عاجلا على قائل به. وكأن وجهه لزوم الضرر من هذه الزوجية ، فيتدارك بالخيار ، كما في المعاملة الغبنية. لكن الضرر يلزم من ترتيب أحكام الزوجية ، لا من نفس الزوجية.

[٢] جعله في القواعد الأقوى. لأن فيه دفع الضرر. وقد عرفت إشكاله بأن الضرر لازم من أحكام الزوجية ، لا من نفسها. ولو سلم كان الأولى كون الفسخ للزوجة ، كما في المعاملة الغبنية ، لا للحاكم.

[٣] احتمل ذلك في القواعد ، والتذكرة.

[٤] لعموم ما دل على أن القرعة لكل أمر مشكل‌ (١). لكن في جامع المقاصد : أن القرعة لا مجال لها في الأمور التي هي مناط الاحتياط التام ، وهي الأنكحة التي يتعلق بها الأنساب ، والإرث ، والتحريم. وفيه : أن ذلك يتم إذا لم يلزم محذور به يكون الأمر مشكلاً ، وبدونه لا إشكال. ولذا ورد الرجوع الى القرعة فيما لو نزا إنسان على واحد من قطيع الغنم واشتبه. ولزوم المحذور في المقام ظاهر ، لتزاحم الحقوق من الطرفين ، فيجب على الزوج الإنفاق والوطء في كل أربعة أشهر ، ويجب عليها بذل نفسها لزوجها. وحينئذ يكون الأقوى ما ذكره المصنف. وقد تقدم في المسألة الثالثة والأربعين من فصل المحرمات بالمصاهرة ما يمكن استفادة حكم المقام منه. ولأجل ذلك لم نتعرض هنا لتفصيل هذه الوجوه.

__________________

(١) تقدم التعرض لما يدل عليه في صفحة : ١٠٣.

٥٢٢

وكذا الحال إذا زوجت نفسها من رجل وزوجها وكيلها من آخر ، أو تزوج بامرأة وزوجه وكيله بأخرى لا يمكن الجمع بينهما. ولو ادعى أحد الرجلين المعقود لهما السبق ، وقال الآخر : لا أدري من السابق ، وصدقت المرأة المدعي للسبق ، حكم بالزوجية بينهما ، لتصادقهما عليها [١].

______________________________________________________

[١] قال في القواعد : « ولو ادعى كل منهما الزوجية ، فصدقه الآخر ، حكم بالعقد ، وتوارثا ». وفي كشف اللثام : « ولزومهما أحكام الزوجية ظاهراً ، لانحصار الحق فيهما ، وقد اعترفا به ». وفي جامع المقاصد : « ذلك عندنا لعموم : ( إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ) .. الى أن قال : ولا يعتبر عندنا كونهما غريبين. خلافاً للشافعي ، حيث حكم بمطالبة البلديين بالبينة ، وعدم ثبوت النكاح من دونها ». والاستدلال عليه بعموم : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » غير ظاهر ، لأن أحكام الزوجية التي يقصد ترتيبها قد تكون على وارثهما ، أو على أجنبي عنهما ، ومن المعلوم أن العموم المذكور لا يصلح لإثبات ذلك. فإذاً العمدة في الحكم المذكور الإجماع ، المعتضد بالسيرة القطعية. والله سبحانه وتعالى العالم العاصم ، وهو حسبنا ( وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ).

إلى هنا انتهى الكلام في تنقيح وإصلاح شرح كتاب النكاح من كتاب ( العروة الوثقى ) ، في النجف الأشرف ، في جوار الحضرة المقدسة العلوية ، على مشرفها أفضل الصلاة والسلام ، ليلة الثلاثاء ، خامس عشر شهر صفر المظفر ، سنة ثمانين بعد الألف والثلاثمائة هجرية. بقلم الفقير الى الله تعالى « محسن » خلف العلامة المرحوم السيد « مهدي » الطباطبائي الحكيم ، قدس‌سره. ( وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) كما هو أهله ، والصلاة والسلام على نبيه الكريم ، وآله الطاهرين ، الغر الميامين.

٥٢٣

______________________________________________________

بسمه تعالى

نظراً الى أن هذه الرسالة الشريفة تشتمل على مسألة ذات بال ، كثيرة الابتلاء ، ولم تحرر قبل هذا على هذا الشكل أمر سيدنا ـ قدس‌سره ـ بنشرها ملحقة بكتاب النكاح من ( مستمسك العروة الوثقى ) ليعم نفعها. والله سبحانه الموفق والمسدد.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

ما يقول مولانا حجة الإسلام والمسلمين آية الله العظمى في العالمين السيد محسن الحكيم دام ظله العالي. في رجل من أهل السنة طلق زوجته طلاقاً غير جامع للشرائط عندنا ، وجامعاً للشرائط عندهم ، ثمَّ استبصر ، وكذا إذا طلقها ثلاثاً بإنشاء واحد ، فهل له الرجوع بزوجته بعد الاستبصار ، أو لا؟ افتونا مأجورين ، مع بيان الدليل على المسألة.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وله الحمد

الظاهر في مفروض السؤال جواز الرجوع بزوجته المذكورة ، ويقتضيه العمل بالأدلة الدالة على بطلان الطلاق الفاقد للشرائط المقررة عندنا ، لعدم ما يوجب الخروج عنها ، إلا ما قد يتوهم من دلالة النصوص على بينونة المرأة المذكورة إذا كان الزوج من المخالفين حسب ما يقتضيه مذهبه. لكن التوهم المذكور ضعيف. إذ النصوص الواردة في الباب على طوائف ثلاث :

الأولى : ما دل على قاعدة الإلزام. مثل‌ رواية عبد الله بن جبلة عن غير واحد عن علي بن أبي حمزة : « أنه سأل أبا الحسن (ع) عن المطلقة على غير السنة أيتزوجها الرجل؟ فقال (ع) : ألزموهم من ذلك ما ألزموه

٥٢٤

______________________________________________________

أنفسهم. وتزوجوهن ، فلا بأس بذلك » (١). ومن المعلوم أن جواز الإلزام أو وجوبه لا يدل على صحة الطلاق المذكور ، وإنما يدل على مشروعية الإلزام بما ألزم به نفسه. ومن الواضح أن الإلزام بذلك إنما يصح مع بقائه على الخلاف ، لا مع تبصره ، فإنه مع تبصره لا يلزم نفسه بالطلاق وإنما يلزم نفسه بالزوجية ، فلا يقتضي عدم مشروعية الرجوع بها.

ومثل هذه الطائفة ما تضمن الأمر بالتزويج ، مثل‌ صحيح ابن سنان قال : « سألته عن رجل طلق امرأته لغير عدة ، ثمَّ أمسك عنها حتى انقضت عدتها ، هل يصلح لي أن أتزوجها؟ قال : نعم ، لا تترك المرأة بغير زوج » (٢) ‌، و‌مكاتبة إبراهيم بن محمد الهمداني إلى أبي جعفر (ع) في من حنث بطلان امرأته غير مرة. قال (ع) : « .. وإن كان ممن لا يتولانا ولا يقول بقولنا ، فاختلعها منه ، فإنه إنما نوى الفراق بعينه » (٣) ‌، و‌رواية عبد الله بن طاوس فيمن يكثر ذكر الطلاق : « .. وإن كان من هؤلاء فأبنها منه ، فإنه إنما عنى الفراق » (٤) ‌، و‌موثق عبد الرحمن البصري عن أبي عبد الله (ع) قال : « قلت له : امرأة طلقت على غير السنة. فقال : تتزوج هذه المرأة ، لا تترك بغير زوج » (٥) ، و‌رواية عبد الله بن محرز الواردة في الأخذ بالتعصيب : « خذوا منهم كما يأخذون منكم في سنتهم » (٦) ‌، و‌في روايته الأخرى : « خذهم بحقك في أحكامهم وسنتهم ، كما يأخذون منكم فيه » (٧).

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب مقدمات الطلاق حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب مقدمات الطلاق حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب مقدمات الطلاق حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب مقدمات الطلاق حديث : ١١.

(٥) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب مقدمات الطلاق حديث : ٣.

(٦) الوسائل باب : ٤ من أبواب ميراث الاخوة حديث : ١.

(٧) الوسائل باب : ٤ من أبواب ميراث الاخوة حديث : ٢.

٥٢٥

______________________________________________________

فإن الأمر بالتزويج ، والاختلاع ، والإبانة ، والأخذ ، لا يدل على الصحة ، بل من الجائز تشريع تزويج زوجة المخالف ، فتخرج عن الزوجية بذلك ، نظير استرقاق الكافر الذي هو حر قبل الاسترقاق ، وحيازة المباح الموجبة لملكية المباح قبل الحيازة ، واسترقاق زوجة الكافر ، فتكون أم ولد للمسترق ، وإن كانت قبل ذلك زوجة للكافر. ومن المعلوم أن ارتكاب ذلك في مقام الجمع بين الأدلة أهون من البناء على صحة الطلاق الفاقد للشرائط. بل هو مقتضى الجمع العرفي بين الأدلة الأولية وبين هذه النصوص ، و‌صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « سألته عن الأحكام. قال (ع) : يجوز على أهل كل ذوي دين ما يستحلون » (١) ‌، فان المقصود ليس نفوذ ذلك لهم ، وإنما هو نفوذ ذلك لغيرهم ، يعني : إذا كان يستحل تزويج المطلقة ثلاثاً يجري ذلك الاستحلال عليه لغيره ، فيجوز تزويج مطلقته ثلاثاً ، وإذا كان يستحل الأخذ بالتعصيب يجري ذلك لغيره ، فيجوز لغيره الأخذ بالتعصيب. فالمقصود هو الحلية لغيره عليه ، لا الحلية له على غيره. ولذلك عبر (ع) بقوله : « على أهل .. » ‌ولم يقل : « لأهل .. » ، فالجواز والحل يكون لغيرهم عليهم ، لا لهم على غيرهم. فليس فيه تنفيذ دين كل أهل دين ، بل الإلزام لهم ، والإحلال لغيرهم عليهم. فالصحيح نظير : « ألزموهم .. ».

الطائفة الثانية : ما تضمنت اللزوم دون الإلزام ، مثل ما‌ في رواية عبد الله بن طاوس المتقدمة : « قلت : أليس قد روي عن أبي عبد الله (ع) أنه قال : إياكم والمطلقات ثلاثاً في مجلس ، فإنهن ذوات الأزواج؟ فقال : ذلك من إخوانكم لا من هؤلاء ، إنه من دان بدين قوم لزمته أحكامهم ». و‌رواية عبد الأعلى عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن الرجل يطلق

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب ميراث الاخوة حديث : ٤.

٥٢٦

______________________________________________________

امرأته ثلاثاً. قال (ع) : إن كان مستخفاً بالطلاق ألزمته ذلك » (١) ‌، بناء على أن المراد من الاستخفاف بالطلاق عدم اعتبار الشرائط فيه ، وأن المراد لزوم ذلك له. وربما يوجد بهذا المضمون غير هاتين الروايتين.

ودلالتها على صحة الطلاق أيضاً غير ظاهرة ، فان اللزوم أعم. ولا سيما بملاحظة لزوم التعارض بين تطبيقي الحديث فيما لو كان أحد الزوجين مخالفا ، والآخر مستبصراً ، فان المستبصر يدين بفساد الطلاق ، والمخالف يدين بصحته ، ولا يمكن الجمع بين الحكمين ، لان الطلاق لا يقبل الوصف بالصحة والفساد من جهتين ، فلا بد أن يكون المراد مجرد الحكم على من دان منهما بما دان ، فاذا تبصر المخالف وصارا معاً متبصرين ، كان مقتضى الحديث جواز ترتيب أحكام الزوجية منهما ، لأنهما معاً يدينان بذلك.

الطائفة الثالثة : ما تضمن تحريم المطلقة ثلاثاً على الزوج إذا كان يعتقد ذلك. كرواية الهيثم بن أبي مسروق عن بعض أصحابه ، قال : « ذكر عند الرضا (ع) بعض العلويين ممن كان ينتقصه ، فقال : أما انه مقيم على حرام. قلت : جعلت فداك كيف وهي امرأته؟ قال (ع) : لأنه قد طلقها. قلت : كيف طلقها؟ قال (ع) : طلقها ، وذلك دينه ، فحرمت عليه » (٢). فان التحريم يقتضي نفوذ طلاقه. وهذه الرواية ـ مع ضعف سندها ، وقصور دلالتها ، لعدم تعرضه أن طلاقها كان على خلاف المشروع ـ لا تصلح لإثبات نفوذ الطلاق غير الجامع للشرائط إذا كان مذهب المطلق ذلك ، لأن التحريم عليه أعم ، كما عرفت في دلالة الطائفة الثانية ، فإن من الجائز أن يكون التحريم بما أنه دينه ، ولو استبصر فصار دينه حلية الزوجة كانت له حلالاً ، بل قوله (ع) : « وذلك دينه » ‌ظاهر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب مقدمات الطلاق حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب مقدمات الطلاق حديث : ٢.

٥٢٧

______________________________________________________

في ذلك ، فيدل على التحليل لو استبصر. ومثل الرواية المذكورة‌ رواية محمد بن عبد الله العلوي قال : « سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن تزويج المطلقات ثلاثاً. فقال (ع) لي : إن طلاقكم الثلاث لا يحل لغيركم ، وطلاقهم يحل لكم ، لأنكم لا ترون الثلاث شيئاً ، وهم يوجبونها » (١).

والذي يتحصل من هذه الأخبار : لزوم العمل على من تدين بدينه على حسب دينه ، وجواز إلزامه بذلك وكلا الأمرين لا يقتضيان التحريم في مورد السؤال المذكور. نعم‌ في صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع : « سألت الرضا (ع) عن ميت ترك أمه ، واخوة ، وأخوات ، فقسم هؤلاء ميراثه ، فأعطوا الأم السدس ، وأعطوا الاخوة والأخوات ما بقي. فمات بعض الأخوات ، فأصابني من ميراثه. فأحببت أن أسألك هل يجوز لي أن آخذ ما أصابني من ميراثها على هذه القسمة ، أم لا؟ فقال : بلى. فقلت : إن أم الميت ـ فيما بلغني ـ قد دخلت في هذا الأمر ، أعني : لدين. فسكت قليلاً. ثمَّ قال (ع) : خذه » (٢). فقد يتوهم منها أن الاستبصار لا يوجب تغير الحكم. وفيه : أنه لا ريب في أن مقتضى قاعدة الإلزام جواز أخذ الأخوات من الأم إلزاماً لها بما تدين. وبعد الأخذ والتملك لا يستوجب الاستبصار تبدل الحكم ، فان من تزوج المطلقة ثلاثاً على غير السنة كان تزويجه صحيحاً ، وتخرج به عن الزوجية للمطلق ، فاذا استبصر لا يبطل التزويج الثاني. وكذا إذا أخذ الأخ بالعصبة ، فاستبصرت البنت ، أو الأم ، أو الأخوات ، لا يوجب استبصارهن رجوع المال الى ملكهن. غاية الأمر أن مفاد الرواية عموم القاعدة لإلزام المخالف المخالف الآخر ، ولا تختص بإلزام الموافق للمخالف ، لا غيره. ولا مانع‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب مقدمات الطلاق حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب ميراث الأخوة حديث : ٦.

٥٢٨

______________________________________________________

من الالتزام بعموم الإلزام ، كما يقتضيه خبر عبد الله بن طاوس المتقدم‌ ، بل وصحيح محمد بن مسلم المتقدم‌ ، كما يظهر بالتأمل فيه.

ثمَّ إنه‌ قد روى عثمان بن عيسى عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) : « أنه قال : إياكم وذوات الأزواج المطلقات على غير السنة. قال : قلت له : فرجل طلق امرأته من هؤلاء ولي بها حاجة. قال : فيلقاه بعد ما طلقها وانقضت عدتها عند صاحبها ، فيقول له : أطلقت فلانة؟ فإذا قال : نعم فقد صارت تطليقة على طهر. فدعها من حين طلقها تلك التطليقة حتى تنقضي عدتها ، ثمَّ تزوجها وقد صارت تطليقة بائنة » (١) ‌، ونحو ذلك رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) (٢). وظاهرهما عدم جواز الإلزام بما التزم به لكن تضمنت صحة الطلاق بقول الزوج : « نعم » بعد السؤال منه : هل طلقت زوجتك فلانة؟ ومثلها في ذلك غيرها. وهي مهجورة عند الأصحاب ، وإن عمل بها جماعة.

ومن ذلك تعرف أن الطلاق الواقع منهم ليس صحيحاً ، وإنما اقتضى إلزامهم به بما أنه مذهبهم ، فاذا تبصرا خرج عن كونه مذهبهم ، فلا موجب للإلزام به.

وقد يستدل على ذلك‌ برواية علي بن سويد عن أبي الحسن موسى (ع) في حديث : « أنه كتب إليه يسأله عن مسائل كثيرة. فأجابه بجواب هذه نسخته : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ .. الى أن قال : وسألت عن أمهات الأولاد ، وعن نكاحهم وطلاقهم. فأما أمهات الأولاد فهن عواهر الى يوم القيامة ، نكاح بغير ولي ، وطلاق في غير عدة. فلما من دخل في دعوتنا فقد هدم إيمانه ضلاله ، ويقينه شكه » (٣) ‌، بناء على أن المراد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٣١ من أبواب مقدمات الطلاق حديث : ٢.

(٣) روضة الكافي الجزء : ٨ الصفحة : ١٢٥ طبعة إيران الحديثة.

٥٢٩

______________________________________________________

منه أن الاستبصار يهدم ما قبله. فالتحريم الثابت للمطلق ثلاثاً يتبدل بالتحليل. لكن لا يخلو عن إشكال وغموض ، لعدم وضوح رجوع هذه الفقرة الى ما ذكر ، بل من المحتمل رجوعها إلى مسألة أخرى غير هذه المسألة ، فلا تنفع فيما نحن فيه.

ويعضد ظاهر النصوص المذكورة ما هو ظاهر الفقهاء ـ قدس‌سرهم ـ من الإجماع على عدم توارث المسلمين بالسبب الفاسد ، وإن كان صحيحاً بنظر المتوارثين. فمن تزوج أمه من الرضاعة لا يرثها ، وإن كان مذهبه صحة التزويج. نعم اختلفوا في توارث المجوس ، والمنسوب الى أكثر المتأخرين عدم توارثهم بالسبب الفاسد. وقيل بالتوارث به بينهم. ونسب إلى جماعة من القدماء والمتأخرين. أما في توارث المسلمين فلا خلاف عندهم في عدم صحة السبب إذا كان مخالفاً للواقع ، وإن كان صحيحاً بنظر المتوارثين. ومقتضى ذلك عدم الخلاف في توارث الزوجين المذكورين ، وإن اعتقدا صحة طلاق الثلاث ، فكيف إذا عدلا عن هذا الاعتقاد الى اعتقاد بطلان طلاق الثلاث؟! والموثق : « لكل قوم نكاح » ‌(١) ، لا بد أن يكون محمولا على صحة النسب ، لأن المتولد من وطء الشبهة كالمتولد من الوطء بالعقد ، يصح انتسابه الى الواطئ والموطوء شرعاً وعرفاً. بل لو لا النص على نفي ولد الزنا كان اللازم البناء على صحة انتسابه إلى الزاني والمزني بها ، فيكون دليل النفي هو المانع من صحة الانتساب ، وهو غير موجود في وطء الشبهة. ومن ذلك تعرف أن البناء على جواز الرجوع في المسألة ينبغي أن يكون مما اتفق عليه ظاهر النصوص والفتاوى ، وإن كانت المسألة غير محررة في كلماتهم بالخصوص.

ومما يتفرع على ذلك : أن المستبصر إذا تزوج امرأة من المخالفين فطلقها‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨٣ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٢.

٥٣٠

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كتاب الوصية‌

وهي إما مصدر « وصى يصي » بمعنى الوصل [١] ، حيث أن الموصي يصل تصرفه بعد الموت بتصرفه حال الحياة وإما اسم مصدر بمعنى العهد من « وصى يوصي توصية » ‌

______________________________________________________

الطلاق الثلاث غير الجامع للشرائط بحسب مذهبنا ، لم تخرج عن الزوجية ، وجاز له مراجعتها. فاذا مات كان عليها عدة الوفاة ، ولا يجوز تزويجها في العدة. وليس لها المطالبة بالميراث ، عملاً بقولهم (ع) : « ألزموهم .. ». ولو لم ترض الزوجة بالرجوع إلا بعقد جديد فالحكم كذلك. ومما يشهد لما ذكرنا ما ورد في المجوسي إذا أسلم على سبع أنه يمسك أربعاً ، ويطلق ثلاثاً‌ (١). فإنه ظاهر في أن إقراره على دينه ونفوذ ما يعتقده عليه يختص بما قبل الاستبصار. أما بعده فيجري عليه الحكم الأولي. والله سبحانه وتعالى العالم. وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[١] قال في المبسوط : « الوصية مشتقة من وصى يصي ، وهو من الوصل ، قال الشاعر :

نصي الليل بالأيام حتى صلاتنا

مقاسمة يشتق أنصافها السفر

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد حديث : ١.

٥٣١

______________________________________________________

هو معناه يصل تصرفه بما يكون بعد الموت ما قبل الموت ، ونحوه ما في السرائر ، غير أنه نسب البيت إلى ذي الرمة ، كما نسبه إليه أيضاً الجوهري في الصحاح ، وفي التذكرة في الوصية : « هي مشتقة من قولهم : وصى إليه بكذا يصيه صيةً ، إذا وصل به. وأرض واصية متصلة النبات فسمي هذا التصرف وصية ، لما فيه من وصلة القربة بعد الموت بالقربات المنجزة في الحياة ، فكأنه وصل تصرفه في حياته بتصرفه بعد مماته » ، ونحوه في جامع المقاصد. وعن بعض أهل اللغة. وظاهرهم الجزم بأن الوصية مأخوذة من الثلاثي بمعنى الوصل. وفي الروضة : « الوصية مأخوذة من وصى يصي ، أو أوصى يوصي ، أو وصى يوصي. وأصلها الوصل ، سميت به لما فيه من وصلة التصرف في حال الحياة به بعد الوفاة » ، ونحوه في الرياض. وظاهرهما التردد في أن الوصية مأخوذة من الثلاثي أو من الرباعي ، وتبعهما على ذلك المصنف.

لكن الذي يظهر من الصحاح والقاموس أن الثلاثي بمعنى الوصل لا غير ، والرباعي سواء كان مضاعفا ـ كوصي توصية ـ أم مهموزاً ـ كأوصى إيصاءً ـ بمعنى العهد لا غير. والوصية لا تكون إلا بالمعنى الثاني كما هي كذلك في القرآن المجيد ، مثل قوله تعالى ( وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ ) (١) و ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) و ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ ) و ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ ) (٢) ، وغير ذلك ، فلم تذكر الوصية إلا بمعنى العهد بقرينة السياق ، فهي اسم مصدر للإيصاء أو التوصية ، لا مصدر « وصى يصي » فإن مصدره « الوصي » ولم يذكر الوصية مصدراً له في القاموس والصحاح ، وإنما ذكر المصدر‌

__________________

(١) البقرة : ٢٤٠.

(٢) النساء : ١١ ، ١٢.

٥٣٢

______________________________________________________

وهو الوصي لا غير.

ومن ذلك يظهر ضعف التردد من المصنف ومن سبقه في مبدأ اشتقاق الوصية ، والمتعين الجزم بالثاني ، كما هو كذلك في القرآن المجيد. وأما ما ذكره الشيخ ومن وافقه فمرادهم أن الرباعي مأخوذ من الثلاثي ، كما أشار إلى ذلك في الروضة والرياض أيضاً ، لا أن الوصية اسم مصدر ل « وصى يصي » ، وإلا فهو ممنوع ، كما عرفت. وإن كان الأول أيضاً محل إشكال ، كيف والرباعي أيضاً بمعنى العهد لا غير ، كما يظهر من موارد الاستعمال في القرآن المجيد ، مثل قوله تعالى في سورة الأنعام ( إِذْ وَصّاكُمُ اللهُ بِهذا ) (١) وفيها أيضاً : ( ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ .. ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ .. ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (٢) ، وفي غيرها من السور ( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ) (٣) ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً ) (٤). ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ ) (٥) ( وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى ) (٦) ( وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ) (٧) ( أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ ) (٨) .. إلى غير ذلك من الموارد التي ذكر فيها الإيصاء والتوصية في الكتاب والسنة والعرف العام مما لا يحصى ، من‌

__________________

(١) الأنعام : ١٤٤.

(٢) الانعام : ١٥١ ، ١٥٢ ، ١٥٣.

(٣) النساء : ١٣١.

(٤) العنكبوت : ٨.

(٥) لقمان : ١٤.

(٦) الشورى : ١٣.

(٧) مريم : ٣١.

(٨) الذاريات : ٥٣.

٥٣٣

أو « أوصي يوصي إيصاء ». وهي إما تمليكية أو عهدية [١] وبعبارة أخرى : إما تمليك عين أو منفعة ، أو تسليط على حق ، أو فك ملك ، أو عهد متعلق بالغير ، أو عهد متعلق بنفسه كالوصية بما يتعلق بتجهيزه. وتنقسم انقسام الأحكام الخمسة.

______________________________________________________

دون ملاحظة الوصل بين شيئين ، فضلا عن الحياة والممات.

والمتحصل مما ذكرنا أمران : ( الأول ) : أن الوصية مأخوذة من الرباعي اسم مصدر ، لا مصدر للثلاثي ، ولا اسم مصدر له ، ولا ترتبط به. ( الثاني ) : أن الرباعي والثلاثي مادتان متباينتان ليس بينهما أي نوع من الاشتقاق ، الثلاثي بمعنى الوصل والرباعي بمعنى العهد مطلقاً.

هذا بحسب اللغة والعرف العام ، وأما بحسب عرف الفقهاء والمتشرعة فالوصية هي العهد في حال الحياة بما بعد الوفاة. والوجه في هذا الاصطلاح ليس هو ملاحظة وصل الممات بالحياة ، بل المتابعة للقرآن المجيد ، حيث عبر عن العهد المذكور بالوصية ، مثل ما تقدم وقوله تعالى ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ .. ) (١) ، وقوله تعالى ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ ) (٢) وغير ذلك ، فهذا التعبير عن العهد الخاص بالوصية هو الذي دعا إلى الاصطلاح المذكور. فلا تستعمل الوصية في عرف الفقهاء وفي عرف المتشرعة إلا بالعهد الخاص.

[١] قال في الشرائع : « وهي ( يعني : الوصية ) تمليك عين أو منفعة بعد الوفاة » ، ونسب ذلك إلى أكثر الأصحاب. ويشكل : بأنه غير جامع لخروج الوصية بالولاية على الثلث ، وبالولاية على الأطفال والمجانين الذين‌

__________________

(١) البقرة : ١٨٠.

(٢) البقرة : ٢٤٠.

٥٣٤

______________________________________________________

تجوز له الوصية عليهم ، مع أنها من الوصية. ولذلك أضيف إليه في النافع وغيره قوله : « أو تسليط على تصرف بعد الوفاة » ، بل في النافع وعن التذكرة زيادة قيد المجانية ، لإخراج الوصية بالبيع والتمليك المعاوضي لكن ادعى في الجواهر انصراف التمليك في التعريف إلى المجاني ، فلا يحتاج إلى القيد المذكور. ولا يخلو من تأمل.

وفي المسالك : « وينتقض في عكسه أيضاً بالوصية بالعتق ، فإنه فك ملك لا تمليك للعبد نفسه. وكذلك التدبير على القول بأنه وصية ـ كما ذهب إليه الأكثر ـ والوصية بإبراء المديون وبوقف المسجد ، فإنه فك ملك ، وبالوصية بالمضاربة والمساقاة ، فإنهما وإن أفادا ملك العامل للحصة من الربح والثمرة على تقدير ظهورهما ، إلا أن حقيقتهما ليست كذلك ، وقد لا يحصل ربح ولا ثمرة ، فينتفي التمليك ».

وفيه : المنع من صحة الوصية بما ذكر عدا التدبير ، الذي دل عليه الدليل. وأما غيره مما ذكر فلا دليل على صحة الوصية فيه ، للإجماع على بطلان الإنشاء المعلق ، بلا فرق بين أن يكون المعلق عليه الموت وغيره ، فلا يصح الوقف المعلق على الموت ، ولا الإبراء المعلق على الموت ولا المضاربة والمساقاة كذلك. ودعوى : اختصاص مانعية التعليق بالبيع المعلق على غير الموت ـ كما في الجواهر ـ غير ظاهرة ، كما يظهر من ملاحظة كلماتهم في وجه مانعية التعليق. فلاحظه.

ومثلهما ما فيها من دعوى كون الوجه في بطلان البيع المعلق على الموت عدم صدق الوصية عليه ، لانصرافها إلى التمليك المجاني ، فالمرجع فيه أصالة عدم ترتب الأثر. إذ فيها : أنه يكفي في الصحة صدق البيع وعمومات صحته بعد أن لم يكن التعليق على الموت مانعاً عن صحته ، كما ادعاه مضافاً إلى أن عمومات صحة الوصية ولزوم العمل بها ـ كما عليه‌

٥٣٥

( مسألة ١ ) : الوصية العهدية لا تحتاج إلى القبول [١] وكذا الوصية بالفك ، كالعتق. وأما التمليكية فالمشهور على‌

______________________________________________________

الأصحاب ، المستفاد من قوله تعالى ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) (١) بملاحظة الاستشهاد به في بعض النصوص على لزوم العمل بالوصية في غير مورده ـ كافية في دعوى الصحة. ولا وجه لدعوى اختصاص العموم بالتمليك المجاني ، كما سبق. بل لا وجه لاختصاصه بالتمليك ، إذ لا موجب لهذا التخصيص ، فيشمل جميع أنواع الإيقاعات والعقود. ولأجل عدم بنائهم على ذلك يتضح أن الوجه فيه هو التعليق الممنوع إلا فيما دل الدليل على خلافه ، وهو التمليك المجاني ، والتسليط على التصرف ـ المعبر عنه بالوصاية ـ والتدبير ، والمضاربة بمال الصغير ، وغير ذلك مما دل عليه الدليل بالخصوص وعمل به الأصحاب.

[١] هذا مما لا ينبغي الإشكال فيه ، وإن كان المحكي عن القواعد وجامع المقاصد والمسالك وغيرها : أنها عقد ، وفي الحدائق : أنه المشهور في كلامهم ، بل ظاهرهم الاتفاق عليه. انتهى. لكنه غير ظاهر ، بل في الجواهر : أنها بهذا المعنى ليست من العقود قطعاً ، بل ضرورة. انتهى. ويقتضيه ما دل على وجوب العمل بالوصية على الموصى إليه إذا لم يرد أو إذا رد ولكن لم يبلغ الموصي الرد ، فان ذلك ينافي اعتبار القبول تنافيا ظاهراً. ومن ذلك تعرف منافاة بناء المشهور على ذلك مع بنائهم على كونها عقداً. ولأجل ذلك قال في الدروس : « وعلى ما قلناه من اللزوم بالموت وعدم الرد لا عبرة بقبول الوصي وعدمه ، بل العبرة بعدم الرد الذي يبلغ الموصي فإن حصل وإلا ألزم ».

__________________

(١) البقرة : ١٨١.

٥٣٦

أنه يعتبر فيها القبول [١] جزءاً. وعليه تكون من العقود. أو شرطاً ـ على وجه الكشف أو النقل ـ فيكون من الإيقاعات.

______________________________________________________

[١] الذي يظهر من المسالك في تحرير المسألة هو أن القبول جزء أو شرط لانتقال المالك إلى الموصى له من حينه ، أو جزء أو شرط لانتقال الملك إلى الموصى له ولو من حين العقد ، أو أنه لا دخل له في انتقال الملك بل ينتقل الملك بمجرد الموت ، لكنه متزلزل ، فاذا حصل القبول استقر. فيه أقوال ثلاثة. نسب الأول في المسالك إلى العلامة في المختلف ، ونسب أيضاً إلى المحقق في الشرائع وجماعة. وفي المسالك : نسب الثاني إلى الأكثر ، ونسبه غيره إلى المشهور. وفي كلام شيخنا الأعظم أنه مخالف لإطلاق المشهور. بل كل من جعله عقداً. والقول الثالث محكي عن موضع من المبسوط ، وقد يظهر من عبارة الخلاف ، وقد يحكى عن ابن الجنيد أيضاً. لكن في موضع من المبسوط ضعفه ، وجعل الأقوى الأول.

ويظهر من تحرير المسألة على ما ذكر أن الاحتمالات خمسة : كون القبول شرطاً ناقلا ، وكونه شرطاً كاشفاً ، وكونه جزءاً ناقلا ، وكونه جزءاً كاشفاً ، وكونه شرطا في استقرار الملك ولا دخل له في ثبوته. والقول بشرطية القبول كاشفاً أو ناقلا لم يعرف قائله ، وإن استظهره شيخنا من عبارة الشرائع : « وينتقل بها الملك إلى الموصى له بموت الموصي وقبول الموصى له » ، لأن الموت شرط قطعا ، فسياق القبول مساقه يقتضي كونه شرطاً أيضاً. وفيه تأمل. والاحتمالات الثلاثة الأخرى قد عرفت القائل به. والمصنف ( قده ) حرر المسألة على شكل آخر ، ولم يتعرض للقول الثالث وذكر احتمالا أو قولا آخر واختاره ، وهو عدم دخل القبول في الملك ولا في استقراره ، بل الرد مانع عنه ، فاذا لم يقبل الموصى له ولم يرد ثبت الملك.

٥٣٧

______________________________________________________

هذا وكأن الوجه في جزئية القبول ما طفحت به عباراتهم من كون الوصية التمليكية من العقود مما يظهر منه أنه إجماعي. ويشكل بما ذكروه من اعتبار التوالي بين الإيجاب والقبول ، وأن موت الموجب قبل القبول مانع من تألف العقد فكيف يصدق العقد في المقام؟ ويظهر من شيخنا الأعظم : أن الوجه فيه أصالة عدم انتقال المال مع عدم القبول. وفيه ـ مع أنه لا يقتضي الجزئية بل ما هو أعم منها ومن الشرطية ـ : أنه لا مجال للأصل مع الدليل ، وهو إطلاقات نفوذ الوصية وصحتها. ودعوى : أنها مسوقة لبيان حكم الوصية بعد إحراز ما يعتبر فيها من شرائط الموصي والموصى له والموصى به. فيها : أن ذلك خلاف إطلاقها. ولا سيما بعد قوله تعالى : ( فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً .. ) (١) الظاهر في استثناء ذلك من عموم حرمة التبديل ونفوذ الوصية ، فإن الاستثناء دليل العموم ، نظير‌ قوله (ع) : « الصلح جائز بين المسلمين إلا ما حلل حراماً أو حرم حلالا » (٢) ‌فان الاستثناء فيه دليل على عموم القابلية. فلاحظ.

ومن ذلك أيضا يظهر ضعف ما عن غير واحد من أن الوجه فيه أنه خلاف قاعدة السلطنة على النفس. إذ فيه أيضاً أنه لا يقتضي الجزئية بالخصوص وأن عموم نفوذ الوصية مقدم على القاعدة ، وإن كان بينهما عموم من وجه ، والأصل في مورد المعارضة بينهما هو التساقط والرجوع إلى دليل آخر ، لاختصاص ذلك بما إذا لم يظهر لأحد الدليلين خصوصية تستدعي التقديم كما في المقام ، ومن ذلك يظهر لك دليل شرطية القبول وضعفه أيضاً. فإذاً القول بعدم جزئية القبول أو شرطيته أقوى.

__________________

(١) البقرة : ١٨٢.

(٢) مستدرك الوسائل باب : ٣ من أبواب الصلح حديث : ١ ، الوسائل باب : ٣ من أبواب الصلح حديث : ٢. مع اختلاف يسير في متن الحديث.

٥٣٨

ويحتمل قويا عدم اعتبار القبول فيها ، بل يكون الرد مانعاً [١] ، وعليه تكون من الإيقاع الصريح. ودعوى : أنه يستلزم الملك القهري ، وهو باطل [٢] في غير مثل الإرث. مدفوعة : بأنه لا مانع منه عقلا ، ومقتضى عمومات الوصية ذلك. مع أن الملك القهري موجود في مثل الوقف.

( مسألة ٢ ) : بناء على اعتبار القبول في الوصية يصح إيقاعه بعد وفاة الموصي بلا إشكال [٣] ، وقبل وفاته على الأقوى [٤]. ولا وجه لما عن جماعة [٥] من عدم صحته حال الحياة ، لأنها تمليك بعد الموت ، فالقبول قبله كالقبول قبل‌

______________________________________________________

[١] في الجواهر : « الإجماع بقسميه عليه » وتكرر في كلام شيخنا الأعظم دعواه الإجماع عليه ، وفي الحدائق : « ظاهرهم الاتفاق عليه ». وهذا هو الدليل عليه ، وإلا فإطلاق الأدلة مانع عنه أيضاً.

[٢] لما عرفت من كونه خلاف قاعدة السلطنة ، أو لكونه عديم النظير. والأول عرفت الجواب عنه ، والثاني إشكاله ظاهر ، لعدم صلاحيته لإثبات حكم في مقابل الأدلة.

[٣] في المسالك : « حيث اعتبرنا قبول الموصى له فقبل بعد وفاة الموصي فلا إشكال في اعتبار قبوله » وفي الحدائق : أنه لا إشكال ولا خلاف فيه.

[٤] نسبه في المسالك إلى الأكثر.

[٥] منهم العلامة وجامع المقاصد ، قال الأول في القواعد : « وتفتقر إلى إيجاب .. ( إلى أن قال ) : وقبول بعد الموت. ولا أثر له لو تقدم .. ». وعلله في الثاني : بأنه لو قبل في حال الحياة لم يطابق القبول‌

٥٣٩

الوصية ، فلا محل له ، ولأنه كاشف أو ناقل ، وهما معاً منتفيان حال الحياة. إذ نمنع عدم المحل له ، إذ الإنشاء المعلق على الموت قد حصل ، فيمكن القبول المطابق له. والكشف والنقل إنما يكونان بعد تحقق المعلق عليه ، فهما في القبول بعد الموت ، لا مطلقاً.

( مسألة ٣ ) : تتضيق الواجبات الموسعة بظهور أمارات‌

______________________________________________________

الإيجاب. فإن قيل : المراد بقبوله التمليك بعد الموت. قلنا : ما قبل الموت لما لم يكن متعلق الإيجاب وجب أن لا يعتد بالقبول الواقع فيه ، كما لو باعه ما سيملكه فقبل. ولأن القبول إما كاشف أو جزء السبب ، على كل تقدير يمتنع اعتباره قبل الموت ، أما إذا جعل كاشفا فلأن الكاشف عن الملك وجب أن يتأخر عنه ، ويمتنع الملك قبل الوفاة. وأما إذا جعل جزء سبب فلأنه إذا تمَّ العقد وجب أن يترتب عليه أثره ، وهو هنا ممتنع قبل الموت. ولقائل أن يقول : لم لا يجوز أن يكون شرطاً لحصول الملك بالعقد؟ كالبيع ، فإنه لا يثمر الملك إلا بعد انقضاء مدة الخيار على رأي الشيخ. وجوز ابن إدريس القبول قبل الموت وبعده ، ويلوح من الدروس اختياره. ومختار المصنف (ره) أقوى .. إلخ.

والاشكال عليه ـ كما ذكره المصنف ـ ظاهر ، بل من العجيب التفكيك بين الإيجاب والقبول ، بحيث يصح الإيجاب ، ولا يصح القبول المتعلق به ، مع أن القبول هو الرضا بمضمون الإيجاب ، فإذا جاز التعليق في الإيجاب جاز التعليق في القبول أيضاً ، فكيف لا يكون القبول مطابقاً للإيجاب؟ وكيف لا يكون معتداً به إذا وقع قبل الوفاة لأنه لم يكن متعلق الإيجاب؟ وأما المثال الذي ذكره فلا يصح الإيجاب فيه ولا القبول لمانع فيه بالخصوص ، لا كمثل المقام.

٥٤٠