مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٧

مسلماً. فلا ولاية للصغير والصغيرة على مملوكهما [١] ، من عبد أو أمة ، بل الولاية حينئذ لوليهما [٢]. وكذا مع فساد عقلهما ، بجنون ، أو إغماء ، أو نحوه [٣]. وكذا لا ولاية للأب والجد مع جنونهما ونحوه [٤].

______________________________________________________

أن تكون إمضاء لما عند العرف ، وهي تختص بالصورتين الأولتين ، ولا تشمل الثانية. وبالجملة : بعد أن كان احتمال كون السكوت بمنزلة الرضا موضوعاً للصحة واقعاً ، خلاف الظاهر جداً ، وتعين كونه موضوعاً للحكم الظاهري ـ أعني : الحجية ـ يدور الأمر بين أن تكون الحجية إمضاء لما عند العرف ، وأن تكون تأسيساً في مقابل ما عند العرف ، والأول أظهر ، فإنه المنصرف من الخطاب ، فتختص الحجية بالصورتين الأولتين فقط ، كما هو ظاهر المتن ، فهو المتعين. فان لم يتم ذلك تعين البناء على ما حكاه في الجواهر واستضعفه ، من كون الحجية عامة لجميع الصور عدا صورة العلم بالخلاف ، أخذاً بالإطلاق اللفظي. فما في الجواهر أضعف الوجوه.

[١] إجماعاً ، كسائر أموالهما.

[٢] كسائر أموالهما.

[٣] الظاهر أن هذه العبارة زائدة ، وقعت سهواً ، فان الجنون مانع من الولاية في مقابل الصغر ، يعني : يكون مانعاً في الكبير ، لا في الصغير.

[٤] بلا خلاف ولا إشكال. وعلل بالقصور عن الولاية ، لأن اختلال العقل يوجب قصور النظر والرأي ، وقوام الولاية بذلك. لكن يشكل الأمر في الإغماء ، فإنه يشبه النوم في أنه يقتضي القصور في العمل ، لا في الرأي ، فاذاً العمدة فيه الإجماع.

٤٨١

وإن جن أحدهما دون الآخر فالولاية للآخر [١]. وكذا لا ولاية للمملوك [٢] ولو مبعضاً [٣] على ولده ، حراً كان أو عبداً. بل الولاية في الأول للحاكم [٤] ، وفي الثاني لمولاه [٥] وكذا لا ولاية للأب الكافر على ولده المسلم [٦].

______________________________________________________

[١] لأن الجنون إنما يمنع الولاية عن المجنون ، لا عن غيره ، فعموم دليل الولاية بالنسبة إليه محكم.

[٢] بلا خلاف ولا إشكال ، كما في الجواهر. ويقتضيه ما دل على نفيها عن نفسه ، مثل قوله تعالى ( لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (١). لكن يظهر من عبارة المختلف ثبوت ولايته ، قال : « وأما العبد : فالأقوى صحة ولايته ، لأنه بالغ رشيد ، فأشبه الحر. وكونه مولى عليه لا ينافي ولايته ». وضعفه مما ذكرنا ظاهر.

[٣] بلا خلاف ولا إشكال ، كما في الجواهر ، وظاهر غيره. وهو العمدة ، وإلا فدليل نفي قدرة العبد على شي‌ء ، لا يشمل المبعض.

[٤] لما سبق من أنه ولي من لا ولي له.

[٥] لما سبق من قاعدة السلطنة.

[٦] إجماعاً ، كما في المسالك ، وكشف اللثام ، والجواهر. وفي الحدائق : « الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب فيه ». ثمَّ ادعى الإجماع على ذلك بالنسبة إلى الولد المسلم. وقد استدل له بقوله تعالى ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (٢). و‌قوله (ص) « الإسلام يعلو ولا يعلى عليه » (٣). وقوله تعالى ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) (٤)

__________________

(١) النحل : ٧٥.

(٢) النساء : ١٤١.

(٣) غوالي اللئالي : الفصل التاسع من المقدمة ، صحيح البخاري الجزء : ٢ كتاب الجنائز باب : إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه ، كتاب الشهاب في الحكم والآداب القضائي الصفحة : ٥.

(٤) التوبة : ٧١.

٤٨٢

فتكون للجد إذا كان مسلماً [١] ، وللحاكم إذا كان كافراً أيضاً [٢]. والأقوى ثبوت ولايته على ولده الكافر [٣].

______________________________________________________

ولا يخلو الاستدلال من المناقشة ، فإن الولاية في الآية الثانية يراد بها غير ما نحن فيه ، بقرينة العموم للكبير والصغير وظهورها في ثبوت الولاية من الطرفين ، ومثله قوله تعالى ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) (١). وكذا العلو في النبوي يراد منه الظهور ، فهو نظير قوله تعالى ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) (٢). وأما الآية الأولى فبقرينة سياق ما قبلها ، وهو قوله تعالى ( فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ) ، ووجود حرف الاستقبال فيها ، يكون الظاهر منها الجعل التكويني فيما يتعلق بأمور الآخرة ، لا الجعل التشريعي لتكون مما نحن فيه. مضافا الى إمكان انصراف السبيل عليه عما كان لمصلحته وخدمته ، فلاحظ.

[١] كما نص على ذلك في الشرائع ، والقواعد. ويظهر من شراحهما : أنه من المسلمات. لعموم دليل الولاية ، المقتصر في الخروج عنه على المتيقن.

[٢] لما سبق.

[٣] كما صرح به في القواعد ، وغيرها. لعموم الأدلة. لكن مقتضى إطلاق ما في الشرائع من قوله : « إذا كان الولي كافراً فلا ولاية له » انتفاء ولاية الكافر حتى على الولد الكافر. ونحوه حكي عن التحرير. ورده في الجواهر بقوله تعالى ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ). وقد عرفت الإشكال في الآية المذكورة ، وأنها ليست فيما نحن فيه. فالعمدة في الاشكال عليه مخالفته لإطلاق دليل الولاية من غير وجه ظاهر. وما أبعد ما بينه وبين ما عن المبسوط من أن ولي الكافر لا يكون إلا كافراً ، فلو كان له‌

__________________

(١) الأنفال : ٧٣.

(٢) التوبة : ٣٣.

٤٨٣

ولا يصح تزويج الولي في حال إحرامه [١] ، أو إحرام المولى عليه ، سواء كان بمباشرته ، أو بالتوكيل [٢]. نعم لا بأس‌

______________________________________________________

وليان مسلم وكافر فالولاية للكافر. وهو غريب. وأغرب منه التمسك له بقوله تعالى ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ). إذ هو في غير ما نحن فيه قطعاً ، كما تقدم.

[١] بلا خلاف ولا إشكال فيه وفيما بعده. فان المحرم لا يصح العقد منه له ولا لغيره. وفي الجواهر : « الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منهما مستفيض إن لم يكن متواتراً ». و‌في صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « قال ليس للمحرم أن يتزوج ولا يزوج. وإن تزوج أو زوج محلا فتزويجه باطل » (١). ونحوه غيره.

[٢] كما نص على ذلك في الجواهر في الفرع الثاني من مبحث تحريم النساء على المحرم. ويظهر منه أنه مفروغ عنه عندهم. لإطلاق النص الشامل للثاني شموله للأول ، لأن الوكيل نائب عن الموكل ، ففعله فعله. فاذا وكل الولي وهو محرم محلا على تزويج المولى عليه المحل ، ففعل الوكيل ذلك حال إحرام الولي ، صدق أنه زوج المولى عليه وهو محرم. وكذا لو وكل الولي حال إحلاله محلا على تزويج المولى عليه المحل ، ففعل الوكيل ذلك حال إحرام الولي ، فإنه يصدق أنه زوجه وهو محرم. لأن فعل الوكيل إذا كان فعلا للموكل صدق أن الموكل المحرم زوج المولى عليه ، وان كان التوكيل سابقاً على الإحرام. اللهم إلا أن يقال : إن الظاهر من قولهم (ع) : « إن المحرم لا يزوج » ‌(٢) : المنع من أن يصدر منه حال الإحرام ما يوجب التزويج ، والتزويج في الفرض ليس صادراً من الولي حال الإحرام. ومجرد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب تروك الإحرام حديث : ١.

(٢) يوجد هذا المضمون في أحاديث باب : ١٤ من أبواب تروك الإحرام من الوسائل.

٤٨٤

بالتوكيل حال الإحرام ليوقع العقد بعد الإحلال [١].

( مسألة ١٧ ) : يجب على الوكيل في التزويج أن لا يتعدى عما عينه الموكل من حيث الشخص ، والمهر ، وسائر الخصوصيات. وإلا كان فضولياً [٢] وقوفاً على الإجازة. ومع الإطلاق وعدم التعيين يجب مراعاة مصلحة الموكل [٣] من سائر الجهات. ومع التعدي يصير فضولياً [٤]. ولو وكلت المرأة رجلاً في تزويجها لا يجوز له أن يزوجها من نفسه [٥]. للانصراف عنه. نعم لو كان التوكيل على وجه‌

______________________________________________________

صحة النسبة إليه أعم من ذلك. ولا يجي‌ء ذلك فيما لو وكل في تزويج نفسه ، ثمَّ أحرم فزوجه الوكيل حال الإحرام ، للفرق بين المصدر وحاصل المصدر. فلاحظ. فالمنع في الولي يختص بما إذا كان التوكيل حال الإحرام والعقد كذلك. إلا أن يقوم إجماع على خلافه.

[١] لإطلاق الأدلة من غير معارض.

[٢] بلا خلاف ولا إشكال. لعدم شمول الاذن للعقد الواقع ، فلا يصح بدون الإجازة ، لقاعدة السلطنة.

[٣] كما في سائر موارد الوكالة ، من غير خلاف بينهم في ذلك ، كما يظهر من مراجعة كلماتهم في مبحث الوكالة. ويقتضيه منصرف التوكيل ، الذي هو استنابة في التصرف لمصلحة الموكل.

[٤] لعدم الاذن في التصرف ، فلا يصح بدون الإجازة ، كما تقدم.

[٥] كما نص على ذلك في الشرائع ، والقواعد ، وغيرهما. وفي المسالك : أنه لا خلاف في أنه لا يجوز له تزويجها من نفسه مع تعيين الزوج ، ومع الإطلاق. وحكى عن التذكرة احتمال جواز أن يزوجها من نفسه مع الإطلاق ،

٤٨٥

يشمل نفسه أيضاً بالعموم ، أو إطلاق [١] جاز. ومع التصريح فأولى بالجواز. ولكن ربما يقال : بعدم الجواز مع الإطلاق ، والجواز مع العموم. بل قد يقال : بعدمه حتى مع التصريح بتزويجها من نفسه [٢] ، لرواية عمار [٣] ، المحمولة‌

______________________________________________________

معللاً بإطلاق الاذن. وعلل المصنف المنع ـ تبعا للمشهور ـ بالانصراف.

[١] يعني : كان الإطلاق مقروناً بما يمنع الانصراف عن نفسه. وإلا فالانصراف مانع عن العمل بالإطلاق. لكن الإنصاف : أن الانصراف الى غيره بدوي ، ناش من تغاير الفاعل والمفعول غالباً ، فلا يعتد به في رفع اليد عن الإطلاق. نعم إذا كان موضوع الوكالة من الأفعال الخارجية القائمة بين الاثنين ـ كما إذا أعطاه مالا فقال له : أعطه الفقير ، أو اكس الفقير ، أو أشبع الفقير ، أو نحو ذلك من الافعال ـ اقتضى التغاير والانصراف الى غيره. أما إذا كان من الأمور الاعتبارية ـ مثل : بعه ، وملكه ، وزوجه ، وأمثال ذلك ـ فالانصراف بدوي ، لا يمنع من الأخذ بالإطلاق.

[٢] قال في الشرائع : « ولو وكلته في تزويجها منه قيل : لا يصح لرواية عمار‌. ولأنه يلزم أن يكون موجباً قابلاً. والجواز أشبه ». ويظهر من كشف اللثام : أنه المشهور ، فإنه نسب الجواز الى أبي علي والمحقق لا غير.

[٣] رواها الشيخ عن محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن الحسن عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار الساباطي قال : « سألت أبا الحسن (ع) عن امرأة تكون في أهل بيت ، فتكره أن يعلم بها أهل بيتها ، أيحل لها أن توكل رجلاً يريد أن يتزوجها ، تقول له : قد وكلتك فأشهد على تزويجي؟ قال (ع) : لا. قلت : جعلت فداك وإن كانت أيماً؟ قال : وإن كانت أيماً. قلت : فان وكلت غيره بتزويجها منه؟

٤٨٦

على الكراهة ، أو غيرها من المحامل [١].

( مسألة ١٨ ) : الأقوى صحة النكاح الواقع فضولا مع الإجازة [٢] ، سواء كان فضولياً من أحد الطرفين ،

______________________________________________________

قال (ع) : نعم » (١).

[١] قال في المسالك : « والرواية ضعيفة السند ، قاصرة الدلالة ، لجواز كون المنفي هو قولها : « وكلتك فأشهد » ‌، فإن مجرد الاشهاد غير كاف. فالجواز أقوى ». والمراد من قصور السند عدم الصحة. لكنها من الموثق ، وهو حجة كالصحيح. واحتمال كون المنفي قولها : « وكلتك فأشهد » ‌بعيد ، بل الواضح كونه راجعاً الى الحل ، كما يظهر أيضاً من قرينة السياق مع ما بعده ، مع أن كون مجرد الاشهاد غير كاف ، غير ظاهر ، لأن الإشهاد لا بد أن يكون مع وجود المشهود به ، ومعه لا بد أن يكون عدم الكفاية لعدم الصحة. وبالجملة : لا قصور في سند الرواية ، ولا في دلالتها. نعم هي مخالفة للقواعد. لكنها غير قادحة ضرورة.

[٢] على الأظهر ، كما في الشرائع. وفي الجواهر : « الأشهر ، بل المشهور شهرة عظيمة بين القدماء والمتأخرين ، بل في الناصريات الإجماع عليه ، وفي محكي السرائر : نفي الخلاف عنه في غير تزويج العبد نفسه والأمة نفسها بغير إذن المولى ، بل فيه الإجماع على ذلك ، بل فيه ـ مضافا الى ذلك ـ دعوى تواتر الأخبار به. بل من أنكر الفضولي في غير النكاح أثبته هنا ، للإجماع ، والنصوص »

. ويشهد له العمومات الدالة على صحة العقود ونفوذها ، مثل قوله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٢) ، فان العقد المجاز داخل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب عقد النكاح حديث : ٤.

(٢) المائدة : ١.

٤٨٧

______________________________________________________

في عموم العقود ، فيجب الوفاء به. وتقريب ذلك : أن العقود في الآية الشريفة يحتمل بدواً أموراً ثلاثة : ( الأول ) : مطلق العقود ، ويكون عقد غير من له السلطنة على العقد بدون الاذن من السلطان والإجازة خارجاً بالإجماع. وهذا الاحتمال يظهر من كلام شيخنا الأعظم (ره) في مكاسبه. وفيه : أن الوفاء المذكور في الآية الشريفة يتوقف على تحقق الالتزام بالعقد ، فاذا لم يكن إذن من المالك لا سابقاً ولا لاحقاً ، لا يكون مورداً للوفاء ولا موضوعاً له. ( الثاني ) : العقد الصادر من السلطان ، ويكون دخول عقد الوكيل والمأذون بالإجماع ، ويكون العقد المجاز خارجاً عنه. وهذا الاحتمال قد يظهر من الشهيد في غاية المراد. ولكنه خلاف الإطلاق. ( الثالث ) : العقد المنسوب الى السلطان وإن لم يكن بلحاظ الصدور ، فيدخل فيه عقد الوكيل والمأذون ، ويتبعه العقد المجاز ، لاتحاد جهة النسبة. وهذا هو الأظهر. وحينئذ يراد بالعقود : العقود المنسوبة الى من له السلطنة عليها ، سواء كان وجه النسبة الصدور ، أم الالتزام به بالإذن أو التوكيل أو الإجازة ، لأن الجميع على نحو واحد. وحينئذ يكون وجوب الوفاء دالاً على الصحة والنفوذ ، فإنه إرشادي الى ذلك ، لا تكليفي ، وإلا لزم تعدد المخالفة والمعصية عند ترك الوفاء ، وهو خلاف المقطوع به.

هذا ويدل على القول المذكور أيضاً جملة من النصوص ، بعضها وارد في الحر ، كخبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « انه سأله عن رجل زوجته أمه وهو غائب قال (ع) : النكاح جائز ، إن شاء المتزوج قبل ، وإن شاء ترك » (١) ‌، وبعضها وارد في الرق ، كمصحح زرارة عن أبي جعفر (ع) قال : « سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده.

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب عقد النكاح حديث : ٣.

٤٨٨

______________________________________________________

فقال (ع) : ذاك الى سيده إن شاء أجازه ، وإن شاء فرق بينهما. قلت : أصلحك الله إن الحكم بين عيينة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون : إن أصل النكاح فاسد ، ولا تحل إجازة السيد له. فقال أبو جعفر (ع) : إنه لم يعص الله تعالى ، إنما عصى سيده ، فإذا أجازه فهو له جائز » (١). و‌صحيح معاوية بن وهب قال : « جاء رجل الى أبي عبد الله (ع) فقال : إني كنت مملوكا لقوم ، وإني تزوجت امرأة حرة بغير إذن موالي ، ثمَّ أعتقوني بعد ذلك ، فأجدد نكاحي إياها حين أعتقت؟ فقال له : أكانوا علموا أنك تزوجت امرأة وأنت مملوك لهم؟ فقال : نعم ، وسكتوا عني ولم يغيروا علي. فقال (ع) : سكوتهم عنك بعد علمهم إقرار منهم. أثبت على نكاحك الأول » (٢). ونحوهما غيرهما.

وعن الشيخ في الخلاف والمبسوط : البطلان. وعن فخر الإسلام : موافقته. واستدل له بجملة من النصوص المتضمنة لفساد النكاح بغير إذن الولي أو المولى ، كرواية أبي العباس البقباق : « قلت لأبي عبد الله (ع) : يتزوج الرجل بالأمة بغير علم أهلها. قال : هو زنا ، إن الله تعالى يقول : ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) (٣) » (٤). ونحوه غيره. وبأن العقود الشرعية تحتاج إلى الأدلة ، وهي منتفية في محل النزاع. وعن فخر الإسلام : الاستدلال له بأن العقد سبب الإباحة ، فلا يصح صدوره من غير معقود عليه أو وليه. وبأن رضا المعقود عليه أو وليه شرط ، والشرط متقدم. وفيه : أن الظاهر من النصوص السؤال عن صحة العقد بدون الاذن ولا الإجازة ، فلا تشمل صورة وقوع الإجازة. ولو سلم عمومها لذلك يتعين‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.

(٣) النساء : ٢٥.

(٤) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.

٤٨٩

أو كليهما ، كان المعقود له صغيراً أو كبيراً ، حراً أو عبداً. والمراد بالفضولي : العقد الصادر من غير الولي والوكيل [١] ، سواء كان قريباً ـ كالأخ ، والعم ، والخال ، وغيرهم ـ أو أجنبياً. وكذا الصادر من العبد أو الأمة لنفسه بغير إذن الولي. ومنه العقد الصادر [٢] من الولي أو الوكيل على غير الوجه المأذون فيه من الله ، أو من الموكل. كما إذا أوقع الولي العقد‌

______________________________________________________

حملها على ذلك ، جمعاً بينها وبين غيرها مما عرفت. وأما ما ذكر أخيراً : فالإشكال عليه أظهر ، فإن دعوى نفي الأدلة على الصحة مصادرة. مضافاً الى ما عرفت من الأدلة. ومثله ما ذكره أولاً فخر الإسلام. وأما ما ذكره أخيراً : ففيه أن كون الشرط متقدماً لا يقتضي البطلان ، فان المشروط هو الحكم بالصحة ، وهو متأخر. ومثله القبض في الصرف. والسلم ، والهبة.

[١] الفضولي : هو العاقد الذي لا سلطان له على العقد حين العقد ، كما حكي عن الشهيد ، فيقال : « عقد الفضولي » ، وتكون الإضافة بمعنى اللام. وقد يطلق على نفس العقد ، فيقال : « العقد الفضولي » أو « عقد الفضول » من باب إضافة الموصوف إلى الصفة. ولعله تسامح ، كما في كلام شيخنا الأعظم (ره).

[٢] المشهور عدم الفرق في صحة الفضولي بين الأفراد المذكورة. وعن ابن حمزة : اختصاصه بتسعة. مواضع : عقد البكر الرشيدة على نفسها مع حضور وليها ، وعقد الأبوين على الابن الصغير ، وعقد الجد مع عدم الأب ، وعقد الأخ والأم والعم على صبيته ، وتزويج الرجل عبد غيره بغير إذن سيده ، وتزويجه من نفسه بغير إذن سيده ، لأن هذه التسعة مورد الأدلة ، والتعدي من موردها الى غيره لا دليل عليه ، والأصل عدم ترتب الأثر. وفيه : أنه لا فرق بين التسعة وغيرها في شمول العمومات المقتضية‌

٤٩٠

على خلاف المصلحة ، أو تعدى الوكيل عما عينه الموكل. ولا يعتبر في الإجازة الفورية [١] ، سواء كان التأخير من جهة الجهل بوقوع العقد ، أو مع العلم به وإرادة التروي ، أو عدمها أيضاً. نعم لا تصح الإجازة بعد الرد [٢].

______________________________________________________

للصحة. مع إمكان التعدي عرفاً عن مورد النصوص الى غيره ، لفهم عدم الخصوصية عرفاً.

[١] كما هو المعروف. ويقتضيه إطلاق الأدلة المتقدمة عمومها وخصوصها ، وخصوص صحيحة محمد بن قيس الواردة في البيع ، فيتعدى منه الى المقام بعدم الفصل. فقد‌ روى عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام : « قال : قضى أمير المؤمنين (ع) في وليدة باعها ابن سيدها وأبوه غائب ، فاستولدها الذي اشتراها ، فولدت منه ، فجاء سيدها فخاصم سيدها الآخر ، فقال : وليدتي باعها ابني بغير اذني. فقال (ع) : الحكم أن يأخذ وليدته وابنها. فناشده الذي اشتراها ، فقال له : خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتى ينفذ البيع لك ، فلما رآه أبوه قال له : أرسل ابني ، قال : لا والله لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني ، فلما رأى ذلك سيد الوليدة أجاز بيع ابنه » (١).

وإذا لزم الضرر على الطرف الآخر من تأخير الإجازة أمكن رفعه بقاعدة نفي الضرر ، بتشريع الفسخ ، بناء على صلاحية القاعدة لذلك ، على ما ذكروه في مبحث خيار الغبن. ولا ينافي ذلك ما دل على نفي الخيار في النكاح ، فإن قاعدة الضرر لو جرت تكون حاكمة عليه.

[٢] على المعروف بينهم ، بل في كلام شيخنا الأعظم دعوى ظهور الإجماع عليه ، بل عن بعض مشايخه دعواه صريحاً. واستدل له بأن الإجازة بمنزلة القبول فكما يقدح رد القابل قبل القبول في صدق العقد كذلك الرد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١ ، منقولة بالمعنى.

٤٩١

كما لا يجوز الرد بعد الإجازة [١] ، فمعها يلزم العقد [٢].

______________________________________________________

قبل الإجازة. وبأن مقتضى سلطنة المالك على ماله قطع علقه الطرف الآخر عن ماله.

وفي كل من الوجهين تأمل ونظر. وأما في الأول : فلعدم الدليل على ثبوت الحكم في المقاس عليه ، فضلا عن المقاس. مع وضوح الفرق بين المقامين بتمامية العقد في الثاني ، غاية الأمر أنه محتاج إلى إضافته إلى المالك ، وهي حاصلة بالإجازة وإن كانت بعد الرد ، بخلاف الأول ، لإمكان دعوى كون الرد المتخلل بين الإيجاب والقبول مانعاً من الالتئام بينهما على نحو يكونان عقداً.

وأما في الثاني : فلأن عقد الفضولي ليس تصرفاً في موضوعه حتى لا يكون تحت سلطان غير من له السلطان ، فلا يوجب علقة لغير من له السلطان. ولو أوجب ذلك فرضاً على خلاف قاعدة السلطنة ، فلا تصلح قاعدة السلطنة لقطعها ، للشك في مشروعية ذلك ، وقاعدة السلطنة لا تصلح للتشريع. وبالجملة : مقتضى قاعدة السلطنة عدم نفوذ العقد ، لا عدم صحته التأهلية ، بحيث لو انضمت إليه الإجازة ممن له السلطنة لترتب عليه الأثر. ولو سلم كان مقتضى القاعدة عدم الصحة التأهلية ، الراجع الى بطلان عقد الفضولي ، لا رفع الصحة التأهلية بعد ثبوتها. ولذا كان من الواضح أن مقتضاها عدم صحة تصرف غير السلطان ، لا إبطال التصرف بعد صحته من غير السلطان. فإذاً العمدة الإجماع المتقدم. ويعضده الإجماع على صحة إنشاء الرد بقول : « فسخت » ، فان ذلك إجماع منهم على انحلال العقد به ، كانحلال العقد الجائز به ، إذ لو لا ذلك لا معنى لإنشاء الفسخ به.

[١] إجماعاً ، لصحة العقد بالإجازة ، ولا دليل على بطلانه بالرد.

[٢] لأصالة اللزوم.

٤٩٢

( مسألة ١٩ ) : لا يشترط في الإجازة لفظ خاص. بل تقع بكل ما دل على إنشاء الرضاء بذلك العقد [١] ، بل تقع بالفعل الدال عليه [٢].

( مسألة ٢٠ ) : يشترط في المجيز علمه بأن له أن لا يلتزم بذلك العقد ، فلو اعتقد لزوم العقد عليه فرضي به لم يكف في الإجازة [٣]. نعم لو اعتقد لزوم الإجازة عليه‌

______________________________________________________

[١] كما يقتضيه إطلاق أدلة الصحة.

[٢] وعن صريح جماعة وظاهر آخرين : اعتبار اللفظ في إجازة عقد الفضولي في البيع لأن الإجازة كالبيع في استقرار الملك. ولأن الاستقراء في النواقل الاختيارية اللازمة ـ كالبيع وشبهه ـ يقتضي اعتبار اللفظ. وهذان الوجهان يمكن إجراؤهما في المقام ، فيقال : الإجازة كعقد النكاح الذي لا يصح بالفعل ولأن الاستقراء في العقود اللازمة ـ كالبيع والتزويج ونحوهما ـ يقتضي اعتبار اللفظ. لكن الأول مصادرة. والاستقراء ليس بحجة ، ولا سيما في مقابل العمومات الدالة على الصحة حتى بالإجازة الفعلية. وخصوص صحيحة معاوية بن وهب المتقدمة في أدلة صحة الفضولي‌ (١). فالعمل بها متعين. ولذا حكي عن تصريح العلامة بأن تمكين الزوجة من الدخول بها إذا زوجت فضولا إجازة للعقد.

[٣] كما في المستند ، لعدم الصدق ، ولاستصحاب الخيار. انتهى. والظاهر منه إرادة عدم صدق الإجازة. لأن مجرد الرضا بالعقد على الحال المذكورة لا يكون إجازة. وفيه : أنه يمكن فرض الإجازة منه وإن علم بعدم الحاجة إليها لترتب الأثر. كما لو قال : « أجزت ما وقع ورضيت به ». فالعمدة حينئذ أن مثل هذه الإجازة ليس مما تقتضيه قاعدة السلطنة ،

__________________

(١) راجع المسألة : ١٨ من هذا الفصل.

٤٩٣

بعد العلم بعدم لزوم العقد ، فأجاز ، فإن كان على وجه التقييد لم يكف [١]. وإن كان على وجه الداعي يكون كافياً.

( مسألة ٢١ ) : الإجازة كاشفة عن صحة العقد من حين وقوعه [٢] ، فيجب ترتيب الآثار من حينه.

______________________________________________________

لأنها تقتضي السلطنة على الوجود بعد العدم ، والمفروض أن المجيز يرى تحقق الوجود بعد العدم ، فليس في مقام إعمال قدرته وسلطنته على ذلك. نظير الرضا بما قسم الله تعالى له ، فإنه غير إيجاد ما قسم له. وربما يكون في صحيحة ابن بزيع المتقدمة في عقد السكرى‌ (١) ما ينافي ذلك. لكن العمل بالرواية محل تأمل ، كما تقدم. فراجع.

[١] لعدم تحقق القصد الى المقيد بعد فرض انتفاء القيد.

[٢] قد اختلف القائلون بصحة عقد الفضولي في البيع في أن الإجازة ناقلة ـ بمعنى : أنها تقتضي ترتب الأثر من حينها ـ أو كاشفة عن ترتب الأثر من حين العقد ، إما لكون العقد تمام السبب المؤثر ـ كما يقتضيه ما عن جامع المقاصد وغيره من الاستدلال على الكشف بأن العقد سبب تام في الملك ، لعموم قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٢) ـ أو لكون شرط تأثير العقد هو الرضا التقديري الحاصل حال العقد ـ كما هو ظاهر بعض المحققين في إجازته ـ أو لكون الشرط هو الوصف الانتزاعي ، وهو تعقب الإجازة للعقد ـ كما نسبه شيخنا الأعظم إلى جماعة من معاصريه ـ أو لأن الشرط هو نفس الإجازة المتأخرة ، ولا مانع من تأخر الشرط في العلل الشرعية ـ كما اختاره في الجواهر ـ لأن الشرط في العلل الشرعية يراد منه ما يكون قيداً لموضوع الحكم ، لا ما له دخل في سبب الحكم وعلته ،

__________________

(١) راجع صفحة : ٣٨٧.

(٢) المائدة : ١.

٤٩٤

______________________________________________________

فإن الحكم لما كان فعلا اختيارياً للحاكم ، كانت علته الإرادة لا غير ، والشرط الشرعي لا دخل له في تأثير العلة ، وإنما دخله باعتبار أن وجوده العلمي وتصوره دخيل في ترجح الوجود على العدم. الموجب لتعلق الإرادة به ، وليس لوجوده الخارجي دخل في الحكم أصلا ، فشرطية الإجازة في المقام بهذا المعنى ، لا بمعنى أن لها الدخل في الوجود ، وفي ترتب المعلول على العلة ، كما هو معنى الشرط في العلل العقلية أو لكون الإجازة موجبة لحكم الشارع من حين الإجازة بحصول المضمون حقيقة من حين العقد. على وجه الانقلاب ، المعبر عنه بالكشف الانقلابي ـ كما اختاره بعض المحققين ، وقد يظهر من عبارة جماعة من الأعيان ، حيث ذكروا أن الإجازة موجبة للحكم بصحة العقد من حينه ، لأنها رضا بمضمون العقد وهو النقل من حينه ـ أو أنها موجبة لحكم الشارع من حينها بحصول المضمون من حين العقد حكماً لا حقيقة ، المعبر عنه بالكشف الحكمي ، وهو الذي حكاه شيخنا الأعظم عن أستاذه شريف العلماء في بعض تحقيقاته. كما أن الكشف على أحد الوجوه الأربعة الأول يعبر عنه بالكشف الحقيقي. وعبارة المصنف (ره) خالية عن تعيين وجه من هذه الوجوه. والأقرب منها هو الكشف الانقلابي.

أما النقل : فيشكل بأن مقتضى العمومات وإن كان هو نفوذ العقد وترتب مضمونه حين الحكم بالصحة ، وهو بعد الإجازة ، فإن زمان العقد لم يؤخذ قيداً للمضمون ، حتى يتعين ثبوت المضمون فيه ، لكن المرتكزات العرفية تستوجب حمل الأسباب الشرعية على الأسباب العقلية ، وكما أن آثار الأسباب العقلية كائنة في زمان أسبابها ، كذلك مضمون العقد كائن في زمانه ، فكأنه السبب ، والإجازة دخيلة في سببيته ، فالبناء على أنه كائن في زمان الإجازة المتأخرة خلاف الارتكاز المذكور ، فيكون خلاف الظاهر.

وأما الوجه الأول من وجوه الكشف الحقيقي : فيشكل بأنه خلف ،

٤٩٥

______________________________________________________

ومخالف لما دل على اعتبار الإجازة ، المعول عليه عندهم ، فكيف يكون مقتضى العموم أن يكون العقد سبباً تاماً؟ إذ لا موجب حينئذ لاعتبار الإجازة.

وأما الوجه الثاني : فيشكل بأن الرضا التقديري لا دليل على الاجتزاء به ، كما سيأتي في المسألة الآتية. بل سيأتي أن الرضا الفعلي من الأصيل لا يكفي في صحة العقد من الفضولي ، فضلا عن الرضا التقديري ، لأنه غير كاف في صحة نسبة العقد إلى الأصيل. مع أن البناء على حصول الرضا التقديري غير ظاهر ، لإمكان انتفائه ، ويكون حصول الإجازة بعد ذلك لتبدل الطوارئ والمناسبات ، كما لا يخفى. ولا سيما إذا كان الأصيل قد توقف عن الإجازة برهة من الزمن ، ثمَّ أجاز ، فإن مثل هذه الإجازة لا تدل على الرضا التقديري ، الذي يراد منه الرضا على تقدير الالتفات ، يعني : الرضا بمجرد الالتفات ، إذ المفروض أنه غير حاصل بمجرد الالتفات.

وأما الوجه الثالث : فيشكل بما عرفت من اختصاص عموم وجوب الوفاء بالعقد المنسوب إلى الأصيل ، والإجازة هي المصححة للنسبة ، والوصف الاعتباري ـ وهو التعقب بالإجازة ونحوه ـ لا يصحح النسبة ، فالبناء على صحة العقد به خلاف ظاهر الأدلة. مع أن التعقب غير حاصل إلا بعد الإجازة ، لأنه قائم بالمتعقب ، وهو الإجازة.

وأما الوجه الرابع : فيشكل بأن ظاهر أدلة الصحة الترتب بين نفس الإجازة والحكم بالصحة ، فإن الحكم بوجوب الوفاء بالعقد المنسوب إلى الأصيل ظاهر في كون وجوب الوفاء مترتباً على النسبة ، فلا يكون قبلها. وكذا‌ قوله (ع) : « فإذا أجازه فهو له جائز » (١) ‌ظاهر في كون الجواز مترتباً على الإجازة ، لا قبلها. هذا هو ظاهر تمام أدلة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.

٤٩٦

______________________________________________________

الصحة ، ولا يتناسب مع جميع وجوه الكشف الحقيقي المذكورة.

وأما الكشف الانقلابي : فهو الذي يقتضيه ظاهر الأدلة ، فإنه إذا تحققت لإجازة تحقق الحكم بصحة العقد وترتب مضمونه من حينه ، لا من حين الإجازة ، لما عرفت في تقريب الاشكال على القول بالنقل ، من أن الإجازة شرط في الحكم بثبوت مضمون العقد ، ومقتضى الحمل على المرتكزات العرفية يكون زمان المضمون هو زمان العقد ، كما في الأسباب العقلية ، وإن لم يكن زمان المضمون مقيداً بزمان العقد.

ومن ذلك يندفع إشكال شيخنا الأعظم (ره) على هذا النحو من الكشف بمنع كون مضمون العقد هو النقل من حينه ، بل مضمونه هو النقل مجرداً عن ملاحظة زمان خاص. فان ذلك مسلم ، لكن لا ينافي ثبوت المضمون حين العقد ، الذي يقتضيه إطلاق العقد بعد حمل دليل السببية بمقتضى الارتكاز على كونها بنحو السببية العقلية.

وأما ما أشكله ثانياً على هذا الوجه من أن وجوب الوفاء بالعقد إنما يصح تطبيقه بعد الإجازة ، لاختصاص موضوعه بعقد المالك الأصيل ، والإضافة إلى المالك إنما تكون بالإجازة ، فيكون وجوب الوفاء بالعقد حينئذ ، فيمتنع ثبوت الملكية حين العقد ، لأن الملكية إنما تنتزع من التكليف ، والتكليف إنما يكون بالإجازة ، فيمتنع اعتبارها قبلها حين العقد. ففيه : أن ذلك إنما يقتضي كون اعتبار الملكية حين الإجازة ، لا كون الملكية المعتبرة حين الإجازة ، لجواز تأخر الاعتبار عن الإجازة ، وتكون الملكية المعتبرة حين العقد سابقة على الاعتبار. مع أن دعوى كون الملكية منتزعة من التكليف بوجوب الوفاء ممنوعة. كيف؟! والملكية موضوع لوجوب الوفاء ، فان الوفاء الواجب هو العمل بمضمون العقد ، الذي هو الملكية في عقد البيع مثلاً ، والزوجية في عقد النكاح .. وهكذا ، فالملكية‌

٤٩٧

______________________________________________________

والزوجية موضوع للوجوب ، لا منتزعة منه.

وقد أشكل ثالثاً على هذا القول بعدم معقولية نفوذ العقد من حينه بعد الإجازة ، لأن العقد الموجود على صفة عدم التأثير يستحيل لحوق صفة التأثير له ، لاستحالة خروج الشي‌ء عما وقع عليه. فاذا دل دليل على ذلك تعين التصرف فيه بحمله على نفوذ العقد من حينه حكماً ، لا حقيقة. ولأجل هذا الاشكال جعل قدس‌سره الأنسب بالقواعد ـ بعد البناء على بطلان النقل ـ هو هذا المعنى من الكشف ، وسماه الكشف الحكمي. وفيه : أن ذلك يختص بما إذا كان الأثر حقيقياً. أما إذا كان اعتبارياً ـ مثل الملكية ، والزوجية ، ونحوهما ـ فلا مانع من ذلك ، لجواز انتفاء سبب الاعتبار في الزمان الأول ، ووجوده في الزمان الثاني. مثلا إذا شككنا في طهارة ماء يوم الخميس ، حكم بطهارته ظاهراً ، وجاز استعماله في الطهارة من الحدث والخبث ، فاذا قامت البينة بعد ذلك على نجاسته يوم الأربعاء ، كان الماء في يوم الخميس محكوماً بالنجاسة ظاهراً ، فيكون الماء المذكور في يوم الخميس محكوماً بطهارته ظاهراً في وقت ، ومحكوماً بنجاسته في وقت بعده. فكذا العقد في المقام غير محكوم بسببيته للملكية في وقت قبل الإجازة ، ومحكوم بسببيته لها في وقت آخر. بل لو تمَّ الاشكال المذكور كان مانعاً من النقل أيضاً ، لأنه حين وقوعه لم يكن سبباً للملكية ، فلا ينقلب عما هو عليه بعد الإجازة. اللهم الا أن يدعى أنه حين وقوعه سبب للملكية بعد الإجازة وإن لم يكن سبباً للملكية قبلها.

والذي يتحصل مما ذكرنا أمور : ( الأول ) : أن أصول الأقوال في المسألة أربعة : الكشف الحقيقي ، والنقل ، والكشف الحكمي ، والكشف الانقلابي. ( الثاني ) : أن الكشف الحقيقي هو المشهور. وقد اختلفت كلماتهم في تقريبه ، فالذي يظهر من جامع المقاصد وغيره : أن العقد هو‌

٤٩٨

( مسألة ٢٢ ) : الرضا الباطني التقديري لا يكفي في الخروج عن الفضولية [١] ، فلو لم يكن ملتفتاً حال العقد‌

______________________________________________________

السبب التام ، والإجازة لا دخل لها في سببيته ، وإنما لها الدخل في الكشف عن ثبوت الأثر حينه. والمختار للمحقق الرشتي في إجازته : أن الشرط هو الرضا التقديري ، وهو حاصل والذي يظهر من جماعة ، وحكاه شيخنا الأعظم عن غير واحد من معاصريه : ان الشرط هو الوصف الانتزاعي ، وهو تعقب الإجازة ولحوقها. والذي اختاره في الجواهر : أن الشرط هو نفس الإجازة ، لكنها بنحو الشرط المتأخر. ( الثالث ) : أن الوجوه المذكورة للكشف الحقيقي مخالفة لمقتضى الأدلة. ( الرابع ) : أن الذي يقتضيه النظر البدوي في عمومات صحة عقد الفضولي هو النقل. لكن الارتكاز العرفي هو القرينة على حمل الأدلة على حصول الأثر حال العقد ، لا حال الإجازة. وهو المراد من الكشف الانقلابي. ولا يتوقف البناء على ذلك على كون مضمون العقد هو التمليك من حينه ، كي يشكل هذا القول بأن ذلك خلاف الواقع. ( الخامس ) : ان استحالة خروج الشي‌ء عما هو عليه لا مجال لها في الأمور الاعتبارية. ولأجل ذلك لا داعي إلى رفع اليد عن ظهور الأدلة في الكشف الانقلابي وحملها على الكشف الحكمي.

هذا وإن الذي يظهر من عبارة المتن هنا وفيما يأتي في آخر المسألة الثانية والثلاثين : هو الكشف الحقيقي ، الذي قد عرفت أنه أضعف الوجوه ، وأبعدها عن ظاهر الأدلة.

[١] لعموم الدليل على ذلك. والعمومات الدالة على اعتبار رضا المالك وإجازته لا تشمل الرضا التقديري. نعم ذكر الفقهاء في مبحث مكان المصلي وغيره : جواز التصرف بإذن الفحوى ، المراد منها الرضا التقديري لكنه يختص كلامهم بالتصرف الخارجي ، ولا يشمل التصرف‌

٤٩٩

إلا أنه كان بحيث لو كان حاضراً حال العقد كان راضياً لا يلزم العقد عليه بدون الإجازة. بل لو كان حاضراً حال العقد وراضياً به ، إلا أنه لم يصدر منه قول ولا فعل يدل على رضاه ، فالظاهر أنه من الفضولي [١] ، فله أن لا يجيز.

______________________________________________________

الاعتباري الحاصل بالعقود والإيقاعات.

[١] كما نسبه شيخنا الأعظم إلى ظاهر الأصحاب. لكنه قوى الاكتفاء بالرضا في صحة العقد ، وعدم الحاجة الى الإجازة ، لعموم وجوب الوفاء بالعقود. لكن العموم غير ظاهر ، بل الظاهر الاختصاص بالعاقدين الذين من شأنهم العقد ومن وظائفهم ، ولا يشمل غير العاقدين ، ولا العاقدين الذين ليس من شأنهم العقد. نظير قوله تعالى ( وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) (١) ، وقوله تعالى ( وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا ) (٢) ، فلا بد من كون العقد مضافاً الى المالك الأصيل ، والرضا النفساني غير كاف في هذه النسبة ، بل لا بد إما من المباشرة ، أو التوكيل ، أو الاذن بالعقد اللاحق ، أو الإجازة للعقد السابق. فالفرق بين الاذن والتوكيل وبين الإجازة ـ مع اشتراكها في أنها مصححة للنسبة ـ أنهما يصححان نسبة العقد اللاحق ، والإجازة تصحح نسبة العقد السابق. والرضا ليس من هذا القبيل ، فان كثيراً من العقود الحاصلة بين المالكين محبوبة لكثير من غيرهم ، لحصول الأغراض لهم بذلك ، ولا تكون منسوبة لهم بمجرد الرضا.

ومن ذلك يظهر الإشكال في الاستدلال بمثل قوله تعالى ( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٣) ، وقوله تعالى ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (٤)

__________________

(١) الحج : ٢٩.

(٢) البقرة : ١٧٧.

(٣) البقرة : ٢٧٥.

(٤) النساء : ٢٩.

٥٠٠