مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٧

( مسألة ٩ ) : كل من الأب والجد مستقل في الولاية [١] فلا يلزم الاشتراك ، ولا الاستئذان من الآخر. فأيهما سبق مع مراعاة ما يجب مراعاته لم يبق محل للآخر [٢]. ولو زوج كل منهما من شخص ، فان علم السابق منهما فهو المقدم ولغي‌

______________________________________________________

أنه لا ولاية على السفيه فيها ، وليس هو ممنوعاً من التصرف إلا بإذن وليه ، فليكن السفه في التزويج كذلك. نعم قد يستفاد من‌ رواية عبد الله ابن سنان : « إذا بلغ ونبت عليه الشعر جاز أمره ، إلا أن يكون سفيهاً أو ضعيفاً » (١) بناء على إطلاق السفيه ، الشامل لما نحن فيه. لكنه غير ظاهر.

[١] بلا إشكال ظاهر ويقتضيه إطلاق النصوص وظاهر الجواهر التوقف في ذلك. حيث أنه في شرح قول ماتنه : « فمن سبق عقده صح » ذكر أنه بناء على استقلال كل منهما بالولاية. انتهى.

[٢] يعني : يصح السابق ، كما في الشرائع والقواعد وغيرهما. وعن الغنية والسرائر : الإجماع عليه وفي الجواهر : « لم نعرف فيه خلافاً بينهم ، بل يمكن دعوى الإجماع عليه ». والظاهر أنه كذلك. ويقتضيه إطلاق الأدلة. ويشهد له‌ صحيح هشام بن مسلم ومحمد بن حكيم عن أبي عبد الله (ع) : « قال إذا زوج الأب والجد كان التزويج للأول. فإن كانا جميعاً في حال واحدة فالجد أولى » (٢). و‌موثق عبيد بن زرارة : « قلت لأبي عبد الله

__________________

(١) هذا المضمون مروي بتعبيرات مختلفة وأقرب الكل اليه ما رواه في الوسائل باب : ٢ من احكام الحجر حديث : ٥ ، الا أنه نقله عن الخصال عن ابي الحسين الخادم بياع اللؤلؤ من دون توسط ابن سنان. لكن الموجود في الخصال الجزء : ٢ الصفحة : ٨٩ روايته عن بياع اللؤلؤ عن عبد الله بن سنان. فلاحظ.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب عقد النكاح حديث : ٣.

٤٦١

الآخر. وإن علم التقارن قدم عقد الجد [١]. وكذا إذا جهل التاريخان [٢]. وأما إن علم تاريخ أحدهما دون الآخر ، فان‌

______________________________________________________

عليه‌السلام : الجارية يريد أبوها أن يزوجها من رجل ويريد جدها أن يزوجها عن رجل آخر. فقال : الجد أولى بذلك ما لم يكن مضاراً ، إن لم يكن الأب زوجها قبله. ويجوز عليها تزويج الأب والجد » (١).

[١] اتفاقاً ، كما عن السرائر والغنية. ويشهد به الصحيح والموثق المتقدمان ، و‌صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) : « إذا زوج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه ولابنه أيضا أن يزوجها. فقلت : فإن هوى أبوها رجلاً وجدها رجلاً. فقال (ع) : الجد أولى بنكاحها » (٢). ونحوه موثق عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (ع) (٣).

[٢] لما يأتي في المتن من أنه يستفاد من الموثق المتقدم أن الشرط في نفوذ عقد الجد أن لا يسبقه عقد الأب ، وهذا الشرط يمكن إحرازه بالأصل في الفرض. إذ الأصل يقتضي عدم سبق عقد الأب على عقد الجد ، فيصح. لكن يعارضه أصالة عدم سبق عقد الجد على عقد الأب ، المقتضي لصحة عقد الأب ، لما سبق من استقلال كل منهما بالولاية ، فإذا سبق أحدهما بالعقد صح. هذا بناء على جريان الأصل بالنسبة الى كل من مجهولي التاريخ. وأما بناء على التحقيق من عدم جريانه بالنسبة الى كل منهما. ذاتا فلا مجال لإحراز الشرط المذكور بالنسبة الى كل منهما. وحينئذ يعلم بصحة أحد العقدين وفساد الآخر من دون تعيين ، فيتعين الرجوع الى القرعة ، أو غيرها ، على ما تقدم في مبحث تزويج الأختين ، وغيره.

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب عقد النكاح حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب عقد النكاح حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب عقد النكاح حديث : ٧.

٤٦٢

كان المعلوم تاريخ عقد الجد قدم أيضا [١] وإن كان المعلوم تاريخ عقد الأب احتمل تقدمه [٢]. لكن الأظهر تقديم عقد الجد ، لان المستفاد من خبر عبيد بن زرارة أولوية الجد ما لم يكن الأب زوجها قبله ، فشرط تقديم عقد الأب كونه سابقاً [٣]

______________________________________________________

[١] هذا واضح بناء على عدم جريان الأصل بالنسبة إلى مجهول التاريخ ، لأنه بعد أن كان عقد الجد معلوم التاريخ ، أمكن جريان أصالة عدم عقد الأب قبله الى حينه ، المثبت لصحته ، لما عرفت من استقلاله بالولاية. ولا يعارضه أصالة عدم عقد الجد الى زمان عقد الأب ، الموجب لصحته ، لأنه مجهول التاريخ. نعم بناء على جريان الأصل بالنسبة إلى مجهول التاريخ يكون الأصل متعارضاً في الطرفين ، ويكون الحكم كما في صورة الجهل بالتاريخين معاً.

[٢] بل المتعين ذلك بناء على عدم جريان الأصل بالنسبة إلى مجهول التاريخ ذاتاً ، فإن أصالة عدم سبق عقد الجد وعدم مقارنته لعقد الأب بلا معارض ، فيثبت صحة عقد الأب. أما بناء على جريان الأصل يكون الأصل في الطرفين متعارضاً ، ويكون الحكم كما في مجهولي التاريخ.

[٣] إن كان المراد من كونه سابقا أن لا يتقدمه عقد الجد ولا يقارنه. فهو مما يمكن إثباته بالأصل ، لأصالة عدم عقد الجد الى ما بعد انتهاء عقد الأب. وإن كان المراد من كونه سابقاً أن يكون بحيث يلحقه عقد الجد ، بأن يكون عنوان السبق بنفسه ملحوظاً شرطاً ، فهذا غير مفهوم من أدلة الولاية للأب ، فإن عقد الأب صحيح وإن لم يلحقه عقد الجد. وبالجملة : المفهوم من النصوص : صحة عقد الجد إذا كان وارداً على امرأة خلية غير مزوجة ، فيكون الشرط ذلك ، لا مجرد عدم السبق لعقد الأب من حيث هو ، فالشرط وجودي لا عدمي. وكذلك المفهوم منها : أن شرط‌

٤٦٣

وما لم يعلم ذلك يكون عقد الجد أولى [١] فتحصل : أن اللازم‌

______________________________________________________

صحة عقد الأب أن يرد على خلية غير مزوجة ولا يقارنه عقد الجد ، لا مجرد السبق على عقد الجد من حيث هو سبق. ومن ذلك يظهر الاشكال فيما في الجواهر ، فإنه ذكر أنه مع العلم بتاريخ أحدهما وجهل الآخر يحكم بصحة المعلوم ، بناء على أصالة تأخر المجهول عنه. وإن جهلا معاً قدم عقد الجد بناء على أن مقتضى الأصلين الاقتران ، الذي قد عرفت تقدم عقد الجد فيه. وإن قلنا أن الاقتران أيضا حادث كان الحكم بالقرعة التي هي لكل أمر مشكل. مع احتمال تقدم عقد الجد ، لإطلاق ما دل عليه ما لم يسبقه عقد الأب ، فمتى لم يعلم يحكم بتقدم عقده. فتأمل جيداً. انتهى. ولعله أشار بالأمر بالتأمل إلى ضعف الاحتمال المذكور. كما أن من المحتمل أن يكون المراد من أصالة تأخر الحادث استصحاب عدمه الى ما بعد زمان الحادث الآخر ، فيكون صحيحاً. وحينئذ يتم ما ذكره من الأخذ بالعقد المعلوم التاريخ ، ورفع اليد عن مجهول التاريخ. والبناء على القرعة مع الجهل بالتاريخين.

[١] لأصالة عدم سبق عقد الأب إلى حين عقد الجد. لكن عرفت أنه مع البناء على عدم جريان الأصل بالنسبة إلى مجهول التاريخ كيف يجري في المقام أصالة عدم عقد الأب إلى حين عقد الجد مع كونه مجهول التاريخ؟. والذي يتحصل : أن المصنف (ره) يستظهر من النصوص أن الشرط في نفوذ عقد الأب أن لا يسبق عقد الجد ، والشرط في نفوذ عقد الجد أن لا يسبقه عقد الأب. فمع الجهل بالتاريخين يمكن نفي شرط نفوذ عقد الأب بأصالة عدم سبقه على عقد الجد ، وإثبات شرط نفوذ عقد الجد بأصالة عدم سبق عقد الأب عليه. وكذا مع الجهل بتاريخ أحدهما دون الآخر أياما كان منهما. لكن الاستظهار المذكور غير ظاهر الوجه ، بل المستفاد‌

٤٦٤

تقديم عقد الجد في جميع الصور إلا في صورة معلومية سبق عقد الأب. ولو تشاح الأب والجد فاختار كل منهما واحداً قدم اختيار الجد [١]. ولو بادر الأب فعقد ، فهل يكون باطلاً أو يصح؟ وجهان ، بل قولان [٢] ، من كونه سابقاً‌

______________________________________________________

من الأدلة أن العقد من كل من الأب والجد ينفذ مع قابلة المحل ، فاذا وقع العقد من أحدهما لم يصح العقد من الآخر ، لعدم قابلية المحل ، وإذا اقترنا كان عقد الجد مقدما. فعنوان السبق بما هو لم يؤخذ موضوعاً لنفوذ عقد الأب ، وإنما لو حظ طريقاً الى كون الصغيرة مزوجة. وكذا عدم سبق عقد الأب يراد منه كونها خلية. ومن ذلك يظهر لك الاشكال فيما في الجواهر من احتمال تقديم عقد الجد مع الجهل بالتاريخين ، لإطلاق ما دل عليه إذا لم يسبقه عقد الأب ، فمتى لم يعلم يحكم بتقدم عقده. انتهى. فان ذلك خلاف الظاهر. والمتعين الرجوع الى القرعة بعد أن كان الأصل لا يصلح لإثبات كونها خلية إلى حين العقد بالنسبة الى كل منهما ، كما هو التحقيق. وإذا بني على ما احتمله في الجواهر تعين البناء على صحة عقد الجد حتى فيما جهل تاريخ أحدهما وعلم تاريخ الآخر اعتماداً على الأصل ، حسب ما اختاره المصنف. ولا وجه للفرق بين صورة الجهل بالتاريخين والجهل بتاريخ أحدهما. فلاحظ.

[١] كما في الشرائع والقواعد وغيرهما. وفي كشف اللثام : حكاية الإجماع عليه عن الانتصار والخلاف والمبسوط والسرائر. ويشهد له النصوص ، كصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) ، وموثقي عبيد بن زرارة‌ المتقدمة في أوائل المسألة.

[٢] اختار في المسالك ثانيهما قال : « لو كان السابق الأب وقد علم بأن الجد مخالف له وقصد سبقه بالعقد ، فقد ترك الأولى ، وصح عقده ».

٤٦٥

فيجب تقديمه. ومن أن لازم أولوية اختيار الجد عدم صحة خلافه. والأحوط مراعاة الاحتياط. ولو تشاح الجد الأسفل والأعلى هل يجري عليهما حكم الأب والجد أو لا؟ وجهان ، أوجههما : الثاني ، لأنهما ليسا أباً وجداً بل كلاهما جد ، فلا يشملهما ما دل على تقديم الجد على الأب [١]

______________________________________________________

لكن في الجواهر : « قد يقال ببطلان عقده حينئذ. لأولوية الجد منه في هذا الحال ، الظاهرة في انتفاء الولاية للأب ، بل هو المعنى المعروف المستعمل فيه لفظ الأولى في غير المقام ». ثمَّ حكى في آخر كلامه عن كشف اللثام : دعوى الاتفاق على صحة السابق ، وجعله مقتضى إطلاق الصحيح ، يعني : صحيح هشام‌ ، والموثق‌ المتقدمين ، وعليه فلا مجال للإشكال فيه. ويتعين حمل الأولوية في كلامهم في صحيح محمد بن مسلم‌ وغيره على التكليفية ، استحبابية أو وجوبية ، لا الوضعية. وعلى هذا لا يظهر وجود قائل بالأول. فقول المصنف (ره) : « قولان » إن أراد بالأول ما في الجواهر ، فليس هو إلا إشكالاً على الدليل. وإن كان غيره فلم أعثر عليه.

[١] لكن‌ في خبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (ع) : « قال (ع) إني لذات يوم عند زياد بن عبد الله إذا جاء رجل يستعدي على أبيه ، فقال : أصلح الله الأمير إن أبي زوج ابنتي بغير إذني. فقالوا زياد لجلسائه الذين عنده : ما تقولون فيما يقول هذا الرجل؟ فقال : نكاحه باطل. قال (ع) : ثمَّ أقبل علي فقال : ما تقول يا أبا عبد الله. فلما سألني أقبلت على الذين أجابوه ، فقلت لهم : أليس فيما تروون أنتم عن رسول الله (ص) أن رجلا جاء يستعديه على أبيه في مثل هذا فقال له رسول الله (ص) : أنت ومالك لأبيك؟ قالوا : بلى. فقلت لهم : فكيف يكون هذا وهو وماله لأبيه

٤٦٦

( مسألة ١٠ ) : لا يجوز للولي تزويج المولى عليه بمن به عيب [١] ، سواء كان من العيوب المجوزة للفسخ أولا ،

______________________________________________________

ولا يجوز نكاحه؟ قال (ع) : فأخذ بقولهم وترك قولي » (١). وقد يظهر من التعليل أولوية الجد باعتبار ولايته على الأب ، كما في الجواهر. لكن التعليل المذكور علل به نفوذ تصرف الجد ، لا أولويته من الأب عند الاقتران. ومنه يظهر الإشكال في الاستدلال على ذلك بخبر قرب الاسناد‌ (٢) المشتمل على أولوية الجد مع اختلافهما فيمن يراد تزويجه. معللاً بذلك. إلا أن يقال : عموم التعليل شامل للمقام وإن كان التعليل في مورد خاص. اللهم إلا أن يشكل التعليل شامل للمقام وإن كان التعليل في مورد خاص. اللهم إلا أن يشكل التعليل في الأول بمعارضته بغيره ، كما تقدم في مسألة أنه لا يجوز للوالد أن يأخذ من مال ولده شيئاً ويحج به ، فراجع هذا المبحث من الشرح. فتأمل جيداً. كما يشكل التعليل في الثاني بأنه لا عامل به على ظاهره ومؤولة مجمل لا يمكن الاستدلال به. فلاحظ.

[١] قال في الشرائع : « إذا زوجها الولي. بالمجنون والخصي صح ، ولها الخيار. وكذا لو زوج الطفل بمن بها أحد العيوب الموجبة للفسخ ». وفي المسالك استدل على الصحة : بأن العيوب المذكورة لا تنافي الكفاءة التي هي شرط الصحة. واستدل على الخيار بالأدلة الدالة على ثبوت الخيار بالعيوب المذكورة. ومقتضى ذلك : أنه إذا زوج الولي بمن به عيب غير العيوب المذكورة كان العقد صحيحاً ولا خيار. ثمَّ حكى في المسالك عن الشيخ في الخلاف القول بالصحة ولم يذكر الخيار ، وعن الشافعية قولاً بعدم الصحة ، من حيث أنه لاحظ للمولى عليه في تزويج المعيب سواء علم الولي أم لم يعلم ، ووجهاً ثالثاً بالتفصيل بين علم الولي بالعيب فيبطل ، كما‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب عقد النكاح حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب عقد النكاح حديث : ٨.

٤٦٧

لأنه خلاف المصلحة. نعم لو كان هناك مصلحة لازمة المراعاة جاز. وحينئذ لا خيار له ولا للمولى عليه [١] إن لم يكن من العيوب المجوزة للفسخ ، وإن كان منها ففي ثبوت الخيار للمولى عليه بعد بلوغه أو إفاقته ، وعدمه لان المفروض إقدام الولي مع علمه به. وجهان ، أوجههما : الأول ، لإطلاق أدلة تلك العيوب [٢]. وقصوره‌

______________________________________________________

لو اشترى له المعيب مع علمه بالعيب ، والجهل فيصح. ويثبت الخيار للولي على أحد الوجهين ، أولهما عند البلوغ. قال : « وهذا الوجه الأخير موجه ». واختاره المصنف ، وعلله بأنه خلاف المصلحة. وكأنه يريد بذلك أنه فيه ، مفسدة ، ولو الغضاضة العرفية والاستنكار. وحينئذ يكون البطلان في محله ، لما عرفت من اشتراط تصرف الولي بعدم المفسدة ولذا قال في الجواهر : « لا يخلو من قوة إن لم يكن إجماعاً ، ولم تحصل مصالح تقتضي الفعل ، أو مرجحات بحيث ترتفع المرجوحية معها ، وحينئذ ينفذ ويلزم على المولى عليه ». والوجه في الحكم الثاني أيضا إطلاق أدلة الولاية. ومما ذكرنا يظهر أن المراد بالعيب في كلام المصنف لا بد وأن يكون خصوص ما كان وجوده موجباً للضرر عرفاً ، فلا يشمل العيب الذي لا يكون وجوده ضرراً على الزوجة ولا مهانة عليها ، مثل كونه ناقصا بعض الأصابع أو زائدها. وإلا كان الوجه الصحة ، عملاً بإطلاق الأدلة.

[١] إذ لا دليل على هذا الخيار ، والأصل اللزوم.

[٢] كما في المسالك. وتبعه في الجواهر في توجيه الخيار الذي ذكره المحقق. لكن هذا الإطلاق غير ظاهر ، فان تلك الأدلة كما لا تشمل صورة علم الزوج لا تشمل صورة علم وليه أو وكيله مع إقدامهما على العيب لاقتضاء المصلحة ذلك ، كما هو الحال في سائر المعاملات التي يوقعها الولي‌

٤٦٨

بمنزلة جهله [١]. وعلم الولي ولحاظه المصلحة لا يوجب سقوط الخيار للمولى عليه. وغاية ما تفيد المصلحة إنما هو صحة العقد ، فتبقى أدلة الخيار بحالها. بل ربما يحتمل ثبوت الخيار للولي أيضا [٢] من باب استيفاء ما للمولى عليه من الحق. وهل له إسقاطه أم لا؟ مشكل [٣] ، إلا أن يكون هناك مصلحة ملزمة لذلك. وأما إذا كان الولي جاهلا بالعيب ولم يعلم به إلا بعد العقد ، فان كان من العيوب المجوزة للفسخ فلا إشكال في ثبوت الخيار له [٤] ، وللمولى عليه إن لم يفسخ ،

______________________________________________________

أو الوكيل على المعيب.

[١] يعني : حتى لو فرض أن الصغير كان عالماً بالعيب. ولكن لا دليل على هذه المنزلة وإن ادعياها في المسالك والجواهر. ولو سلمت لم تجد في ثبوت الخيار ، لأن علم الولي بمنزلة علم المولى عليه ، كما أن علم الوكيل بمنزلة علم الموكل في خروجه عن منصرف أدلة الخيار ، كما سبق.

[٢] في الجواهر : « لا يبعد ثبوته للولي أيضا باعتبار نيابته عن المولى عليه المفروض عدم إسقاط إقدامه مع علمه إياه ». وهو في محله. لكن عرفت عدم تمامية المبنى. ووجه التوقف في ذلك ما ذكره في المسالك من أن الخيار هنا أمر يتعلق بشهوة الزوجين ، ولا حظ فيه لغيرهما ، فيناط بنظرهما. والى ذلك أشار في عبارته السابقة بقوله : « على أحد الوجهين ». ويضعفه أنه خلاف ما دل على ولاية الولي. فلاحظ.

[٣] بل لما كان تضييعاً للحق كان ممنوعاً.

[٤] ثبوته للولي لا بد أن يكون من حيث كونه ولياً ونائباً عن المولى عليه ، فالخيار للمولى عليه لا غير ، لكن قبل البلوغ ينوب عنه فيه الولي ،

٤٦٩

وللمولى عليه فقط إذا لم يعلم به الولي الى أن بلغ أو أفاق. وإن كان من العيوب الأخر فلا خيار للولي [١]. وفي ثبوته للمولى عليه وعدمه وجهان ، أوجههما : ذلك [٢] ، لأنه يكشف عن عدم المصلحة في ذلك التزويج. بل يمكن أن يقال : إن العقد فضولي حينئذ لا أنه صحيح وله الخيار.

______________________________________________________

وبعد البلوغ يقوم به بنفسه أو بوكيله. وعلى هذا فقول المصنف (ره) : « لا إشكال في ثبوت الخيار له » غير ظاهر ، لما عرفت من الإشكال الذي ذكره في المسالك ، وأنه أحد الوجهين. نعم لا إشكال في ثبوت الخيار للمولى عليه لإطلاق أدلته. هذا بعد البناء على صحة العقد. أما إذا بني على فساده ، للمفسدة ، كما يأتي في غير العيوب المجوزة للفسخ ، وكما سبق في حال علم الولي. لأن كونه مصلحة وغير مصلحة تابع للواقع ، لا للعلم وعدمه ، فالعقد باطل من أصله. نعم لو فرض أن فيه مصلحة يتدارك بها نقص العيب ، وكان الولي جاهلاً بذلك ، كان العقد صحيحاً حينئذ ، ويثبت الخيار لإطلاق أدلته. ولا مجال للإشكال المتقدم ، للفرق بين المقامين. وكذا الحكم في سائر المعاملات التي يوقعها الولي مع الجهل بالعيب.

[١] لأصالة اللزوم بعد أن لم يكن دليل على الخيار. هذا لو كان المراد نفي الخيار للولي في مقابل المولى عليه. وإن كان المراد نفيه للولي من حيث كونه ولياً فلا وجه له بعد أن بنى على ثبوت الخيار للمولى عليه ، فإنه إذا ثبت له ثبت للولي من حيث كونه ولياً.

[٢] الخيار هنا خلاف ما دل على أنه لا يرد النكاح إلا من العيوب المخصوصة. وأما التعليل الذي ذكره في المتن ، فان كان المراد به المفسدة ـ كما هو الظاهر ـ اقتضى بطلان العقد من أصله ، إذ لا ولاية للولي حينئذ ، فيتعين كون العقد فضولياً تتوقف صحته على الإجازة. وبالجملة : إن دل‌

٤٧٠

( مسألة ١١ ) : مملوك المملوك كالمملوك في كون أمر تزويجه بيد المولى [١].

( مسألة ١٢ ) : للوصي أن يزوج المجنون المحتاج الى الزواج [٢] ،

______________________________________________________

على صحة العقد هنا دليل فلا وجه للخيار للولي ولا للمولي عليه ، لما دل على أنه لا يرد النكاح إلا من العيوب المخصوصة. وإن لم يدل على الصحة دليل كان اللازم القول بالبطلان.

والمتحصل من جميع ما ذكرناه : أنه إذا زوج الولي بمن فيه العيب الموجب للمنقصة بطل العقد من دون فرق بين العالم والجاهل ، والعيب الموجب للخيار وغيره. وإنه إذا كان الولي قد لاحظ مصلحة يتدارك بها النقص صح العقد ، ولا خيار للمولى عليه ، كما هو ظاهر المسالك ، والجواهر. وأما ما ذكره المصنف (ره) فيتوجه عليه الاشكال من وجوه. أحدها : التفصيل بين الولي والمولى عليه. والثاني : إثباته للمولى عليه. والثالث : تعليل الخيار بما يوجب البطلان لا الخيار.

[١] الظاهر أنه لا إشكال فيه ، لأن المملوك كسائر الأموال التي تكون للمملوك كلها تحت سلطان المولى ، لما في الصحيح من أن العبد وماله لأهله ، لا يجوز له تحرير ، ولا كثير عطاء ، ولا وصية ، إلا أن يشاء سيده‌ (١). ونحوه غيره.

[٢] قال في الشرائع : « للوصي أن يزوج من بلغ فاسد العقل إذا كان به ضرورة إلى النكاح » ونحوه في القواعد. وفي المسالك : يظهر منهما عدم الخلاف في هذه الصورة. يعني : صورة ما إذا بلغ فاسد العقل. وفي الجواهر : « نفى بعضهم الخلاف عن ثبوتها في ذلك. بل عن ظاهر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧٨ من أبواب الوصايا حديث : ١.

٤٧١

بل الصغير أيضاً [١]

______________________________________________________

الكفاية : الإجماع عليه ، بل عن القطيفي : دعواه صريحاً ». وهو عجيب بعد تصريح المسالك : بأن غيرهما أطلق الخلاف في تصرف الوصي فيه ، وأنه هو الوجه.

وكيف كان فان قلنا بعدم الولاية للوصي على الصغير ، فاللازم القول بذلك في المجنون ، لعدم الدليل على هذه الولاية. والاستدلال عليها بثبوت الضرورة. وعجز المحتاج عن المباشرة ، فأشبه ذلك الإنفاق عليه ـ كما حكاه في المسالك وغيرها ـ غير ظاهر ، إذ لو اقتضى ذلك لزوم التزويج فاما أن يختص بالحاكم الشرعي ، وإما أن يعم جميع المكلفين على نحو الوجوب الكفائي ولم يختص بالوصي. وإن قلنا بولاية الوصي على الصغير ، أمكن استصحاب الولاية الى ما بعد البلوغ إذا بلغ فاسد العقل. وبالجملة : لما لم يكن دليل على ولاية الوصي على تزويج المجنون كان المرجع فيها القواعد العامة. ومقتضاها ما ذكرنا.

ومن ذلك يظهر الإشكال في إطلاق المجنون في المتن ، وكان اللازم الاقتصار على من بلغ مجنوناً ، كما هو المذكور في كلام الأصحاب. ومثله ما في بعض الحواشي من تقييده بالجنون المتصل بالصغر ، مع الاشكال منه في ولاية الوصي على الصبي. فلاحظ.

[١] كما جعله الأقوى في الجواهر ، وحكاه عن المبسوط ، والخلاف ، والجامع وغاية المراد ، وموضع من المختلف ، والكركي. لقوله تعالى : ( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ) (١) ، ومن المعلوم أن التزويج مع المصلحة إصلاح. إلا أن يقال : الكلام في المقام في القدرة على هذا الإصلاح ، والآية الشريفة ليست في مقام تشريع القدرة ، بل‌

__________________

(١) البقرة : ٢٢٠.

٤٧٢

______________________________________________________

في مقام الحث على المقدور. مع أنها لو تمت لم تختص بالوصي ، بل تعم غيره من الأقارب والأجانب.

ولقوله تعالى ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) (١) ودعوى : انسباق خصوص الإيصاء بالمعروف للوالدين ، بقرينة كون ما قبلها قوله تعالى ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ). مدفوعة : بأن الاستدلال به في النصوص الكثيرة على وجوب العمل بالوصية يدل على عدما لاختصاص بالمورد. ولو سلم كفت تلك النصوص في الدلالة على لزوم العمل بالوصية. اللهم إلا أن يقال : المنصرف من الآية الإيصاء بما ترك ، لا بما يتعلق بغيره نفساً أو مالاً فإنه خارج عن منصرف الآية. وكذلك الروايات المستدل فيها بالآية على وجوب العمل بالوصية‌ (٢) كلها واردة في خصوص الوصية بماله. مضافاً الى إمكان دعوى كونه من الجنف المتعلق بالغير ، إذ لا فرق بين الإيصاء بتزويج صغيره وبتزويج غيره من الأجانب في دخوله تحت قوله تعالى ( فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) (٣) ، ففي صحيح أبي أيوب عن محمد بن سوقه قال : « سألت أبا جعفر (ع) عن قول الله تبارك وتعالى : ( فَمَنْ بَدَّلَهُ .. ) قال (ع) : نسختها الآية التي بعدها قوله عز وجل : ( فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ .. ) قال : يعني : الموصى إليه إن خاف جنفاً من الموصي فيما أوصى به اليه مما لا يرضي الله عز ذكره من خلاف الحق ( فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) .. » (٤). وكما لا تصح الوصية‌

__________________

(١) البقرة : ١٨١.

(٢) راجع الوسائل باب : ٣٢ من أبواب الوصايا.

(٣) البقرة : ١٨٢.

(٤) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب الوصايا حديث : ١.

٤٧٣

______________________________________________________

بالتزويج بالنسبة إلى أخيه وابن أخيه لا تصح بالنسبة الصغير ، لصدق الجنف. وهو العدوان.

و‌لصحيح أبي بصير ، ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (ع) قال : « سألته عن ( الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ ). قال : هو الأب ، والأخ ، والرجل يوصى اليه ، والذي يجوز أمره في مال المرأة فيبتاع لها ويشتري ، فأي هؤلاء عفا فعفوه جائز في المهر إذا عفا عنه » (١) ‌، ونحوه ما رواه في الكافي عن الحلبي في الصحيح أو الحسن‌ (٢) ، وما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن الحلبي وأبي بصير وسماعة عن أبي عبد الله (ع) (٣) ، وما رواه في التهذيب عن أبي بصير في الحسن عن أبي عبد الله (ع) (٤) ، وما رواه في التهذيب أيضا عن أبي بصير ومحمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر (ع) (٥). لكن ذكر الأخر في تلك النصوص مما يستوجب القصور في الدلالة ، لاحتمال إرادة الوكيل من الأخر والموصى إليه ، لا مطلقاً ، فيختص بالكبيرة وما في الجواهر من أن الاشتمال على ذكر الأخ لا يسقط النص عن الحجية في غيره. غير ظاهر في مثل المقام مما يكون بين الطرفين نحو ارتباط في الدلالة. نعم يتم مع الاستقلال في الدلالة في كل من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب عقد النكاح حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب المهور ملحق حديث : ١ ، الكافي الجزء : ٦ الصفحة : ١٠٦ طبعة إيران الحديثة.

(٣) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب المهور الملحق الثاني لحديث : ١. لكن رواه عن التهذيب فقط. حديث : ١ وملحقة الأول والثالث ، الكافي الجزء : ٦ ، الصفحة : ١٠٦ ، الطبعة الحديثة ، الفقيه الجزء : ٣ الصفحة : ٣٢٧ الطبعة الحديثة‌

(٤) الوسائل باب : ٨ من أبواب عقد النكاح حديث : ٤ ، التهذيب الجزء : ٧ الصفحة ، ٣٩٣ طبعة النجف الحديثة. لكن في سنده إرسال.

(٥) الوسائل باب : ٨ من أبواب عقد النكاح حديث : ٥ ، التهذيب الجزء : ٧ الصفحة : ٤٨٤ طبعة النجف الحديثة. هذا هو الحديث الذي ذكره أولا فعده حديثا مستقلا لا وجه له.

٤٧٤

______________________________________________________

الطرفين ، لا أقل من وجوب الحمل على غير الظاهر بقرينة‌ صحيح ابن بزيع : « سأله رجل عن رجل مات وترك أخوين وابنة ، والبنت صغيرة ، فعمد أحد الأخوين الوصي فزوج البنة من ابنه ثمَّ مات أب الابن المزوج ، فلما أن مات قال الآخر : أخي لم يزوج ابنه ، فزوج الجارية من ابنه. فقيل للجارية : أي الزوجين أحب إليك الأول أو الآخر؟ قالت : الآخر. ثمَّ إن الأخ الثاني مات وللأخ الأول ابن أكبر من ابن المزوج ، فقال للجارية : اختاري أيهما أحب إليك الزوج الأول أو الزوج الآخر. فقال (ع) : الرواية فيها أنها للزوج الأخير. وذلك أنها قد كانت أدركت حين زوجها. وليس لها أن تنقض ما عقدته بعد إدراكها » (١). ونسبة الصحيح الى الآية الثانية نسبة العامين من وجه ، يرجع في مورد المعارضة ـ وهو محل الكلام ـ إلى أصالة العدم. وما في الجواهر من كون الصحيح مضمراً لا يقدح في الحجية. وكذلك النسبة إلى الرواية ، المشعرة بالتقية. مع أن الاشعار ممنوع. ولو سلم فالأظهر أن تكون التقية في خلاف الرواية ، لا في مضمون الرواية. وما في الجواهر أيضا من أن التعليل عليل. غير ظاهر ، فان المفهوم من عقدته أن العقد كان بإمضائها ، كما يشير قولها الأخير بعد أن سئلت عنهما. وكأنه حمله على كون العقد فضولياً ، فلا ميز بينه وبين ما كان حال الصغر ولا مرجح له عليه ومثله‌ صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « في الصبي يتزوج الصبية يتوارثان؟ فقال : إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم » (٢) ‌، فان مفهومه نفي التوارث إذا كان المتولي للتزويج غير الأب وإن كان هو الوصي. وليست الدلالة من باب دلالة المفهوم فقط ، بل من باب أن التفصيل قاطع للشركة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب عقد النكاح حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب عقد النكاح حديث : ١.

٤٧٥

لكن بشرط نص الموصي عليه [١] سواء عين الزوجة أو الزوج أو أطلق. ولا فرق بين أن يكون وصياً من قبل الأب أو من قبل الجد ، لكن بشرط عدم وجود الآخر [٢] ، وإلا فالأمر إليه.

( مسألة ١٣ ) : للحاكم الشرعي تزويج من لا ولي له [٣]

______________________________________________________

ونحوه صحيح الحذاء‌ الدال على أنه إذا زوج الصغير غير الأب توقف التوارث بعد موت أحدهما على بلوغ الآخر وإجازته. اللهم إلا أن يكون ذكر الأب من باب المثال للولي ، بقرينة عموم الحكم للجد إجماعا ، لا لنفي الولاية عن غير الأب.

[١] قد عرفت أن الأدلة المتقدمة على ولاية الوصي مختلفة المفاد ، فالآية الأولى عامة لغير الوصي من جميع المكلفين ، والروايات مختصة بالوصي ، لكنها عامة للوصي في غير الإنكاح ، والمختص بالوصي في الإنكاح خصوص الآية الثانية. فكأن الجماعة اعتمدوا عليها لا غير. وعن جماعة : القول بالولاية للوصي مطلقاً. وكأنهم اعتمدوا على النصوص الذي قد عرفت إشكالها والأقوى النفي مطلقاً كما هو المشهور ، كما عرفت.

[٢] بلا خلاف ولا إشكال ، كما يأتي في كتاب الوصية إن شاء الله تعالى.

[٣] المشهور أنه ليس للحاكم ولاية النكاح على الصبي. وفي رسالة شيخنا الأعظم (ره) أنه لا يبعد كونه إجماعياً. وعلل بالأصل ، وعدم الحاجة اليه. والأول لا يعارض عموم الولاية ، المستفاد من قوله (ع) في رواية أبي خديجة : « فإني قد جعلته قاضياً » (١). بناء على أن التزويج مع الحاجة من مناصب القضاة ووظائفهم. وما‌ عن النبي (ص) : « السلطان ولي من لا ولي له » (٢) ‌وفي الجواهر : أن هذه القاعدة استغنت عن الجابر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب صفات القاضي حديث : ٦.

(٢) كنز العمال الجزء : ٨ ، صفحة : ٤٠٠٣ السنن الكبرى البيهقي الجزء : ٧ حديث : ١٢٥.

٤٧٦

______________________________________________________

في خصوص الموارد نحو غيرها من القواعد. والثاني ممنوع بنحو الكلية ، فقد تكون الحاجة اليه ، ولا تختص الحاجة إليه بالوطء. وكأنه لذلك أفتى المصنف (ره) واشترط الحاجة أو المصلحة الملزمة في ثبوت الولاية. وفي المسالك بعد أن ذكر دليل المنع المتقدم قال : « ولا يخلو من نظر إن لم يكن إجماعياً ». وفي كشف اللثام قال : « ولا ولاية له ( يعني : للحاكم ) على الصغيرين للأصل ، وعدم الحاجة فيهما. وفيه نظر ظاهر. فان استند الفرق إلى الإجماع صح ، وإلا أشكل ». ولأجل أنه لم يتضح الإجماع على العدم يتعين البناء على الثبوت مع الضرورة والحاجة الشديدة ، من باب ولاية الحسبة ، التي مرجعها الى العلم بأن الشارع المقدس يريد التصرف في الجملة ، والقدر المتيقن منه أن يكون من الحاكم أو بإذنه مع الإمكان ، وإلا فمن غيره. والظاهر أنها من مناصب القضاة. كما أنها المقصودة من ولاية السلطان ، يعني : أن السلطان ولي في المورد الذي لا بد فيه من نصب الولي وتصرفه. ولعل تعليل الأصحاب المنع في الصبي بعدم الحاجة يقتضي البناء منهم على الولاية مع الحاجة ، وليس الفرق بين الصبي والمجنون إلا عدم الحاجة في الأول غالباً والحاجة في الثاني غالباً ، لا أمر آخر تعبدي. نعم قد يشكل الحكم بملاحظة مثل‌ صحيح محمد بن مسلم المتقدم عن أبي جعفر (ع) : « في الصبي يتزوج الصبية يتوارثان؟ .. » (١) ‌ونحوه صحيح الحذاء‌ (٢). وقد تقدم الإشكال في ذلك. وإلا فمن أبعد البعيد عدم صحة العقد للصبي مع الضرورة ، ويكون مستثنى من ولاية الحسبة. بل لا تبعد نسبة الجواز إلى الأصحاب مع الحاجة الشديدة.

__________________

(١) راجع أول الفصل.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب ميراث الأزواج حديث : ١.

٤٧٧

من الأب والجد والوصي ، بشرط الحاجة اليه ، أو قضاء المصلحة اللازمة المراعاة.

( مسألة ١٤ ) : يستحب للمرأة المالكة أمرها أن تستأذن أباها أو جدها [١]. وإن لم يكونا فتوكل أخاها [٢]. وإن‌

______________________________________________________

وأما المجنون : فالظاهر أنه لا خلاف بينهم في ولاية الحاكم على تزويجه وفي الجواهر : « بلا خلاف أجده فيه ، بل الظاهر كونه مجمعاً عليه » وفي الحدائق ـ بعد أن ذكر ذلك ـ قال : « من غير إشكال عندهم ولا خلاف ». وقد نص على ذلك في الشرائع ، والقواعد ، وغيرهما ، على نحو يظهر أنه من المسلمات. ودليله ما تقدم في الصبي. ويتعين الاقتصار على الضرورة والحاجة الشديدة ، التي هي مورد ولاية الحسبة ، على ما عرفت. وأما مع الحاجة في الجملة فلا دليل على ثبوت ولاية الحاكم في تزويجه. وقد عرفت أن القدر المتيقن من النبوي صورة لزوم التصرف والحاجة الى الولي ، لا مطلقاً. وأما رواية أبي خديجة : فالاستدلال بها لا يخلو من تأمل ، لعدم ثبوت كون التزويج من مناصب القضاء ووظائف القضاة. والمتحصل مما ذكرناه : أن الصبي والمجنون إن كانت حاجة ملزمة الى تزويجهما فالحاكم الشرعي وليهما في ذلك. وإلا فلا ولاية له على أحدهما. ولا يكفي مجرد الحاجة في الجملة في ثبوت الولاية في المقامين.

[١] كما في الشرائع ، والقواعد ، وغيرهما. لما تقدم من نصوص ولايتهما ، فإنه بعد البناء على استقلالها بالولاية على نفسها يتعين حمل الأخبار المذكورة على الاستحباب.

[٢] كما في الشرائع ، والقواعد وغيرهما. لما تقدم من النصوص الدالة على أن الأخ ممن بيده عقدة النكاح ، المحمولة على التوكيل. وكان المناسب حينئذ ذكر الوصي وغيره ممن ذكر في الأخبار مع الأخ ، للاشتراك في الدليل.

٤٧٨

تعدد اختارت الأكبر [١].

( مسألة ١٥ ) : ورد في الاخبار أن إذن البكر سكوتها عند العرض عليها [٢] ،

______________________________________________________

[١] كما في القواعد. لأن الأخ الأكبر بمنزلة الأب ، كما في مرسل الحسن بن علي عن الرضا (ع) (١). ويقتضيه‌ خبر الوليد بن بياع الاسقاط ، قال : « سئل أبو عبد الله (ع) ـ وأنا عنده ـ عن جارية كان لها أخوان ، زوجها الأكبر بالكوفة ، وزوجها الأصغر بأرض أخرى. قال (ع) : الأول بها أولى ، إلا أن يكون الآخر قد دخل بها فهي امرأته ونكاحه جائز » (٢) ‌بناء على أن المراد أن الأكبر أولى بإمضاء عقده ، واستثناء دخول الثاني من جهة أن تمكين الثاني من الدخول إمضاء لعقد الأصغر ، فلا مجال لإمضاء الأول.

[٢] في صحيح البزنطي قال : « قال أبو الحسن (ع) في المرأة البكر : إذنها صماتها ، والثيب أمرها إليها » (٣). و‌في صحيح داود بن سرحان عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل يريد أن يزوج أخته. قال (ع) ، يؤامرها ، فإن سكتت فهو إقرارها ، وإن أبت لم يزوجها » (٤) ‌ونحوه مصحح الحلبي‌ (٥). و‌في خبر الضحاك بن مزاحم قال : « سمعت علي بن أبي طالب (ع) يقول ، وذكر حديث تزويج فاطمة (ع) وأنه طلبها من رسول الله (ص) .. الى أن قال. فقام‌ ( يعني : رسول الله (ص) )

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب عقد النكاح حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب عقد النكاح حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب عقد النكاح حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٥ من أبواب عقد النكاح حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ٤ من أبواب عقد النكاح حديث : ٤.

٤٧٩

وأفتى به العلماء [١]. لكنها محمولة على ما إذا ظهر رضاها [٢] وكان سكوتها لحيائها عن النطق بذلك.

( مسألة ١٦ ) : يشترط في ولاية الأولياء المذكورين البلوغ ، والعقل ، والحرية ، والإسلام إذا كان المولى عليه‌

______________________________________________________

وهو يقول : الله أكبر سكوتها إقرارها » (١).

[١] بل هو المشهور بين الأصحاب ، بل الظاهر أنه لا خلاف فيه إلا من ابن إدريس ، طرحا منه للأخبار ، بناء على أصله في أخبار الآحاد. نعم عن المبسوط : أنه احتاط في استنطاقها.

[٢] قال في الجواهر : « لا إشكال في الاكتفاء بالسكوت الدال قطعا على الرضا. وكذا السكوت المقرون بقرائن ولو ظنية. بل والسكوت من حيث كونه سكوت بكر وإن لم تكن ثمة قرائن خارجية. كما أنه لا إشكال في عدم الاكتفاء به مع اقترانه بقرائن تدل على عدم الرضا. بل لعل المتجه ذلك أيضاً في المقترن بقرائن ظنية تدل على ذلك أيضاً. بل لا يبعد ذلك فيما إذا تعارضت فيه الامارات على وجه لم يحصل الظن بدلالته على الرضا ولو من حيث كونه سكوت بكر. واحتمال القول بحجية ما عدا المقترن بما يدل على عدم الرضا قطعاً ، تمسكاً بإطلاق النص. ضعيف ». فالصور ـ على ما ذكر ـ ست ، الثلاث الأول منها يكون السكوت حجة فيها ، دون الثلاث الأخيرة. وظاهر المصنف (ره) اختصاص الحجية بالصورتين الأولتين. ومقتضى إطلاق النصوص اللفظي عموم الحجية لجميع الصور عدا الصورة الرابعة واستضعفه في الجواهر ، لأنه خلاف منصرف النصوص. وهو في محله.

لكن لما كان السكوت من الامارات العرفية يتعين حمل الحجية على‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب عقد النكاح حديث : ٣.

٤٨٠