مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٧

______________________________________________________

الأب ، وإذا رآهن صح له ذلك.

ويشكل : بأن الرؤية ليست شرطاً في صحة التزويج مباشرة ، ولا في صحة تفويضه الى غيره. ضرورة أنه يجوز للإنسان أن يفوض تزويجه الى غيره وإن لم يكن قد رأى امرأة من النساء. فإن أراد أن الرؤية شرط في صحة التفويض كلية فذلك مما لا يمكن القول به. وإن أراد ذلك في مورد الرواية بالخصوص ـ وهو من كان له بنات فأراد إنسان تزويج واحدة منهن ، فإنه لا يجوز له تفويض الأمر اليه إلا إذا رآهن كلهن ـ فذلك إن تمَّ لا يجدي في توجيه الرواية وتطبيقها على القواعد ، لأن مورد الرواية النزاع في التفويض وعدمه ، فلو سلمنا أنه لا يصح التفويض إلا مع رؤية الجميع لم يجد ذلك في تقديم قول الأب. إلا إذا ثبت التلازم بين الرؤية والتفويض ، ولا يكفي في تقديم قول الأب شرطية الرؤية للتفويض ، كما لعله ظاهر بأقل تأمل. وكاشف اللثام ( قده ) لم يدع هذه الملازمة ، ليصح منه توجيه الرواية وتخريجها على وجه لا تخالف القواعد المانعة من تقديم قول الأب المدعي للتفويض بلا بينة. بل ظاهرها تقديم قوله بلا يمين أيضاً. وهذا الاشكال مشترك بين ما ذكره كاشف اللثام وما ذكره المحقق. اللهم إلا أن تحمل الرواية على إرادة تقديم قوله في الجملة ولو مع اليمين ، كما استظهره في الجواهر. لكنه غير ظاهر.

وبالجملة : تقديم قول الأب بناء على ما ذكره المحقق ومن وافقه من أن الرؤية أمارة على التفويض ، يكون في محله ، لأن دعوى الأب موافقة للحجة ، فيكون القول قوله. نعم ظاهر الرواية عدم الحاجة الى اليمين ، وهو غير جار على القواعد على كل من التخريجين ، فإن الأب وإن كان منكراً على تخريج المحقق ، لكن المنكر لا يقبل قوله بلا يمين. أما بناء على تخريج كاشف اللثام فالأب يكون مدعياً ، فقبول قوله بلا يمين ولا‌

٤٠١

( مسألة ٢٠ ) : لا يصح نكاح الحمل وإنكاحه [١]

______________________________________________________

بينة أبعد عن العمل بالقواعد. ولأجل ما ذكرنا يشكل التوجيهان معاً. وحينئذ يدور الأمر في الرواية بين الأخذ بظاهرها. وطرحها. لكن الأول متعين لصحتها ، وعدم ما يقتضي وهنها ، كما عرفت. فلاحظ.

[١] قال في الشرائع : « يشترط في النكاح امتياز الزوجة عن غيرها بالإشارة أو التسمية ، أو الصفة. فلو زوجه إحدى بنتيه. أو هذا الحمل ، لم يصح العقد ». ومثله في القواعد وغيرها. ويظهر من كلماتهم أنه مما لا خلاف فيه. بل في المسالك : جعل المنع في الحمل أولى ، لعدم التعيين لاحتمال كونه واحداً وأزيد. مضافاً الى احتمال كونه غير قابل لنكاح المخاطب ، بأن يكون ذكراً أو خنثى مشكلا. انتهى. ويشكل بأن اعتبار التعيين في مقابل الترديد أو جعله كلياً تقدم في المسألة السابعة عشرة. وأما التعيين في مقابل الجهالة بالوحدة والتعدد ، والذكورة والأنوثة ، فلا دليل عليه. فلو قال له : « زوجتك من في الحجرة من الجواري واحدة كانت أو متعددة » أو « زوجتكها إن كانت أنثى » فلا دليل على بطلانه ، ومقتضى الإطلاقات الصحة. لكن ظاهر الأصحاب المنع من نكاح الحمل وإنكاحه وإن علم أنه واحد ، أو أنثى ، أو ذكر. وحينئذ فلا يكون المنع من جهة فقد التعيين ، بل لخصوصية فيه. ولعله إجماع منهم. وفي الجواهر : أن العمدة فيه الإجماع إن تمَّ. انتهى. وكأنه متوقف في تحقق الإجماع على المنع.

والمصنف (ره) علل الحكم بالانصراف. وكأن منشأ الانصراف كون الحمل ناقص البشرية ، فلا ينصرف اليه الدليل. لكن إن كان توقف فهو في الحمل بعد ولوج الروح فيه. أما قبل ذلك : فلا ينبغي التأمل فيه لاعتبار الإنسانية في تحقق الزوجية المفقودة فيه. وإما بعد ولوج الروح : فيمكن أن يكون الوجه أيضاً في المنع عدم ثبوت الولاية على الحمل بالنسبة‌

٤٠٢

وإن علم ذكوريته أو أنوثيته ، وذلك لانصراف الأدلة. كما لا يصح البيع أو الشراء منه ولو بتولي الولي. وإن قلنا بصحة الوصية له عهدية [١] ، بل أو تمليكية أيضا.

( مسألة ٢١ ) : لا يشترط في النكاح علم كل من الزوج والزوجة بأوصاف الآخر [٢] مما يختلف به الرغبات وتكون موجبة لزيادة المهر أو قلته ، فلا يضر بعد تعيين شخصها الجهل بأوصافها. فلا تجري قاعدة الغرر هنا [٣].

______________________________________________________

الى ذلك ، فيكون المنع لقصور في المتصرف ، لا في موضوع التصرف. وأما البيع والشراء له : فالظاهر أنه في الجملة لا إشكال فيه ، فإنه يجوز للوصي بيع التركة ، وإن كان بعض الورثة حملاً ، وإذا عزلت حصة الحمل فخيف عليها جاز للحاكم الشرعي أو غيره بيعها بما لا يخاف عليه. فلاحظ. ومن ذلك تعرف الإشكال في قوله : « كما لا يصح .. ».

[١] لا إشكال في أنه لا تصح الوصية العهدية إلى الصبي منفرداً ، فضلاً عن الحمل. وأما منضماً الى البالغ ـ بمعنى كونه وصياً حين الإيصاء وإن كان لا يصح تصرفه ـ فالظاهر الصحة أيضاً ، لعموم الأدلة ، ولا يحتاج فيها الى القبول ، كي يدعى عدم الدلالة عليه ، فلا تصح. وإما التمليكية : فإنه لو توقفت على القبول ـ كما هو المشهور ـ كفى القبول بعد الولادة منه بعد البلوغ ، أو من وليه قبله.

[٢] في الجواهر ادعى الضرورة على ذلك. ويقتضيه السيرة القطعية. نعم يظهر من كشف اللثام في المسألة السابقة قدح كثرة الجهالة. ولكنه غير ظاهر.

[٣] فإن‌ النبوي المشهور : « نهى النبي عن بيع الغرر » (١) ‌يختص‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب آداب التجارة حديث : ٣ ، مستدرك الوسائل باب : ٣١ من أبواب آداب التجارة حديث : ١ ، كنز العمال الجزء : ٢ حديث : ٤٩٢٠ ، ٤٩٢٣.

٤٠٣

فصل في مسائل متفرقة‌

( الأولى ) : لا يجوز في النكاح دواماً أو متعة اشتراط الخيار في نفس العقد [١].

______________________________________________________

بالبيع. وما في بعض كتب العلامة من أنه نهى النبي عن الغرر (١) لم يثبت ، كي يدل على المنع عن الغرر في المقام وغيره من المعاوضات غير البيع. ولو ثبت فالسيرة القطعية توجب الخروج عنه. والله سبحانه ولي السداد.

فصل في مسائل متفرقة‌

[١] اتفاقاً ، كما في كشف اللثام. بل في الجواهر : « لا أجد خلافاً في بطلان شرط الخيار ، بل لعل الإجماع بقسميه عليه » وفي مكاسب شيخنا الأعظم : « عن الخلاف والمبسوط والسرائر وجامع المقاصد والمسالك : الإجماع عليه ». وعلله في جامع المقاصد والمسالك وغيرهما : بأنه ليس معاوضة محضة. ولهذا لا يعتبر فيه العلم بالمعقود عليه. ولأن فيه شائبة العبادة ، والعبادات لا يدخلها الخيار. ولأن اشتراط الخيار يفضي الى فسخه بعد ابتذال المرأة ، وهو ضرر ، ولهذا وجب بالطلاق قبل الدخول نصف المهر جبراً له. ولعدم الحاجة إليه ، لأنه لا يقع إلا بعد فكر ورؤية وسؤال كل من الزوجين عن صاحبه ، بخلاف البيع في الأسواق بلا فكر وروية. ولما‌ في خبر أبان من قول الصادق (ع) : « إنك إن لم تشترط‌ ( يعني : تشترط الأيام )

__________________

(١) التذكرة الفصل الثاني من الإجارة الركن الثالث المسألة الثانية.

٤٠٤

فلو شرطه بطل. وفي بطلان العقد به قولان ، المشهور على أنه باطل [١].

______________________________________________________

كان تزويج مقام » (١). و‌في خبر آخر : « تزويج البتة » (٢) ‌، فإن ذلك يشعر بالاستقرار وعدم التزلزل ، لكن الجميع كما ترى ظاهر الاشكال.

وقد يستدل له بما‌ في صحيح الحلبي المروي في الفقيه والتهذيب : « إنما يرد النكاح من البرص ، والجذام ، والجنون ، والعفل » (٣). ويشكل بأن الظاهر نفي الرد من غير المذكورات من العيوب ، لا نفي الرد مطلقاً.

ومثله دعوى أن اللزوم في عقد النكاح من الأحكام لا من الحقوق ، فاذا كان من الأحكام كان منافياً لشرط الخيار ، والشرط المنافي لمقتضى العقد باطل. فإنها لا تخلو من مصادرة ، إذ لا يظهر الفرق في مرتكزات العرف بين النكاح وغيره من عقود المعاوضات. اللهم إلا أن يستدل على ذلك بعدم صحة التقابل فيه ، فيدل ذلك على لزومه بنحو لا يكون الاختيار فيه للمتعاقدين ، فيكون شرط الخيار منافياً لمقتضاه ، اللهم إلا أن يناقش في ذلك بدعوى كون ذلك مقتضى إطلاقه ، لا مقتضى ذاته.

فاذاً العمدة فيه الإجماع المدعى ، وإن كان ظاهر الحدائق وجود القائل بالجواز ، لأنه نسب المنع الى المشهور. ولكن لم يعرف بذلك قائل ، ولا من نسب ذلك الى قائل. وفي جامع المقاصد : أنه قطعي. وقد عرفت حكاية الإجماع عليه عن جماعة.

[١] نسب البطلان الى المشهور في كلام جماعة ، منهم المسالك ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب المتعة حديث : ٢.

(٢) لم نعثر عليه في مظانه من أبواب الوسائل ومستدركها والحدائق. نعم ذكره في الجواهر في المسألة الرابعة في اشتراط الخيار في الصداق خاصة من مسائل أحكام العقد.

(٣) من لا يحضره الفقيه الجزء : ٣ صفحة : ٢٧٣ ، والتهذيب : الجزء : ٧ صفحة : ٤٢٤ طبعة النجف الحديثة ، الوسائل باب : ١ من أبواب العيوب والتدليس حديث : ٦ وملحقة.

٤٠٥

وعن ابن إدريس : أنه لا يبطل [١] ببطلان الشرط المذكور. ولا يخلو قوله عن قوة ، إذ لا فرق بينه وبين سائر الشروط الفاسدة فيه ، مع أن المشهور على عدم كونها مفسدة للعقد. ودعوى : كون هذا الشرط [٢] منافياً لمقتضى العقد ، بخلاف سائر الشروط الفاسدة التي لا يقولون بكونها مفسدة. كما ترى [٣].

______________________________________________________

وكشف اللثام ، والجواهر.

[١] قال فيما حكى عنه : « لا دليل على بطلان العقد من كتاب ، ولا سنة ، ولا إجماع ، بل الإجماع على الصحة ، لأنه لم يذهب الى البطلان أحد من أصحابنا ، وإنما هو من تخريج المخالفين وفروعهم. اختاره الشيخ على عادته في الكتاب ».

[٢] هذه الدعوى ذكرها في الجواهر ، وجعلها الوجه في بطلان العقد ببطلان الشرط في المقام ، وإن قلنا بأن فساد الشرط بالمخالفة للكتاب والسنة لا يبطل النكاح. ووجه منافاة الشرط لمقتضى العقد : أن مقتضى العقد اللزوم ، فالخيار مناف له.

[٣] لأن بطلان العقد بالشرط المنافي إنما يكون في الشرط المنافي لمفهوم العقد كما في : « بعتك بلا ثمن » أو « أجرتك بلا أجرة » ، أو المنافي لمقتضاه وكان الاقتضاء عرفياً ، لأنه حينئذ يمتنع القصد الى مضمون العقد ومضمون الشرط ، لأنه من القصد الى المتنافيين. إما إذا كان الاقتضاء شرعياً محضاً ـ كما في المقام ـ فلا مانع من القصد الى المضمونين معاً ، إما لعدم الالتفات الى مقتضى العقد شرعاً ، أو مع الالتفات اليه وقصد خلافه تشريعاً. ودعوى : كون اللزوم من ذاتيات النكاح ، لا من أحكامه الشرعية ، ولا من حقوق المتعاقدين. كما ترى ، مما لا يساعدها عرف ، ولا شرع ، فان ثبوت الخيار لأحد الزوجين في العيوب إذا كانت في الآخر‌

٤٠٦

وأما اشتراط الخيار في المهر فلا مانع منه [١] ، ولكن لا بد من تعيين مدته [٢]. وإذا فسخ قبل انقضاء المدة يكون كالعقد بلا ذكر المهر ، فيرجع الى مهر المثل. هذا في العقد الدائم الذي لا يلزم فيه ذكر المهر. وإما في المتعة حيث أنها لا تصح‌

______________________________________________________

مما لا ريب فيه ، ولا يعد منافياً لمفهومه. هذا مضافاً الى أن التحقيق أن عقد الانقطاع راجع الى عقد التزويج بشرط الانفساخ في الأجل ، ولا ريب أن شرط الانفساخ أولى بالمنافاة للنكاح من شرط الخيار ، فاذا ثبت عدم المنافاة في الأول ، فعدم المنافاة في الثاني أولى.

ومن ذلك يظهر ضعف ما ذكره في الشرائع من التردد ، وجعل منشأه الالتفات الى تحقق الزوجية لوجود المقتضي وارتفاعه عن تطرق الخيار ، والالتفات الى عدم الرضا بالعقد لترتبه على الشرط. انتهى. فان وجه الثاني إن تمَّ لم يكن وجه للصحة. وإلا فلا موجب للبطلان.

[١] كما هو المعروف بينهم ، المصرح به في كلام جماعة ، كالشرائع والقواعد والمسالك وكشف اللثام وغيرها ، مرسلين له إرسال المسلمات ، من دون تعرض فيه لخلاف ، أو إشكال ، معللين له بأن الصداق ليس ركناً في العقد ، بل عقد في ضمن العقد ، فلا مانع من الخيار فيه ، ويبقى أصل النكاح بحاله ، كما لو خلى من أول الأمر عن الصداق.

[٢] كما صرح بذلك في المسالك والجواهر وكشف اللثام أيضاً. لكن احتمل فيه العدم ، لإطلاق العبارات. وفي الجواهر : « ربما احتمل فيه عدم اعتبار ضبطه ، لذلك ( يعني : إطلاق الأصحاب ) ، ولأنه يغتفر فيه من الجهالة ما لا يغتفر في غيره. لكن المذهب الأول ». ولم يظهر وجهه في قبال إطلاق الأدلة. اللهم إلا أن يكون ترك التعيين موجباً للإبهام من كل وجه ، بحيث لا يقدم عليه العقلاء.

٤٠٧

بلا مهر ، فاشتراط الخيار في المهر فيها مشكل [١].

( الثانية ) : إذا ادعى رجل زوجية امرأة فصدقته أو ادعت امرأة زوجية رجل فصدقها ، حكم لهما بذلك [٢] في ظاهر الشرع ، ويرتب جميع آثار الزوجية بينهما. لأن الحق لا يعدوهما [٣] ، ولقاعدة الإقرار [٤]. وإذا مات أحدهما ورثه‌

______________________________________________________

[١] لأنه بفسخ المهر ينفسخ العقد. لاعتبار المهر في عقد المتعة حدوثاً وبقاء ، فيرجع اشتراط الخيار فيه الى اشتراطه في عقد النكاح ، الذي عرفت الإجماع على عدم صحته. اللهم إلا أن لا يشمل المقام. لكنه كما ترى ، بل المقطوع به أن حكمهم بصحة اشتراطه في الصداق مختص بالدائم. يظهر ذلك بأقل تأمل في كلامهم. فلاحظ.

[٢] كما في الشرائع والقواعد وغيرهما ، بلا خلاف في ذلك ظاهر ، وفي الحدائق : أنه لا ريب في الحكم المذكور.

[٣] قال في المسالك : « لأن الحق ينحصر فيهما. وقد أقرا به ، فيدخلان في عموم : ( إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ) (١) ‌، لأنه الفرض ، ونحوه ما في كشف اللثام والحدائق والجواهر. والمصنف جعله في مقابل قاعدة الإقرار. وهو بناء على ذلك غير ظاهر. اللهم إلا أن يرجع الى الدعوى بلا معارض. لكن دليله من النص ـ إن تمَّ ـ لا يشمل المقام. أو يرجع الى الاخبار عن نفسه أو ما تحت يده ، كما لو أخبر بطهارة بدنه ونجاسته ونحوهما. لكن عمومه للمقام غير ثابت. وكذا لو أخبر عن نسبه ، وعدالته واجتهاده ، وفقره.

[٤] لكن القاعدة تختص بما يكون على نفسه ، فلا تشمل ما يتعلق بغيره ، ومنه إرث أحدهما من الآخر ، فإنه يتعلق بوارثه. فالأولى التمسك‌

__________________

(١) غوالي اللئالي : أواخر الفصل التاسع من المقدمة ، كتاب الشهاب للقضاعي الصفحة : ١٢.

٤٠٨

الآخر. ولا فرق في ذلك بين كونهما بلدين معروفين أو غريبين [١]. وإما إذا ادعى أحدهما الزوجية وأنكر الآخر فيجري عليهما قواعد الدعوى [٢] ، فان كان للمدعي بينة [٣] وإلا فيحلف المنكر أو يرد اليمين ، فيحلف المدعي ويحكم له بالزوجية. وعلى المنكر ترتيب آثاره في الظاهر [٤]. ولكن يجب على كل منهما العمل على الواقع [٥] بينه وبين الله. وإذا‌

______________________________________________________

له بالإجماع ، ويكون حينئذ من صغريات قاعدة : من ملك شيئاً ملك الإقرار به ، فيكون الإجماع عليه دليلا على القاعدة ، كسائر الموارد التي كان الإجماع عليها دليلاً على القاعدة المذكورة. والظاهر أن هذه القاعدة كما هي معقد إجماع قولي ، معقد إجماع عملي ، وسيرة المتشرعة. بل الظاهر أنها قاعدة عقلائية أيضاً.

[١] خلافاً لبعض العامة ، فمنع من قبول الإقرار في البلدين بناء منه على اعتبار الاشهاد في النكاح ، وسهولة إقامة البينة في البلديين. وضعف المبنى والابتناء ظاهر ، ضرورة عدم اعتبار الاشهاد عندنا. ولو سلم فإنما يعتبر في مقام الثبوت لا الإثبات. ولو سلم فلا فرق بين البلديين والغريبين ، لإمكان إشهاد البلديين غريبين ، فيصعب الاشهاد ، وبالعكس ، فيسهل الاشهاد. مضافاً الى أن قبول الإقرار لا يختص بالبلد.

[٢] كما في الشرائع والقواعد وغيرهما ، مرسلين له إرسال المسلمات. ويقتضيه عموم الأدلة.

[٣] يعني : تسمع البينة ، ويحكم بثبوت الزوجية.

[٤] يعني : آثار الحكم بالزوجية في الظاهر. عملاً بأدلة وجوب العمل بالحكم ، وحرمة رده.

[٥] كما صرح به في المسالك وكشف اللثام وغيرهما ، ويظهر منهم‌

٤٠٩

حلف المنكر حكم بعدم الزوجية بينهما ، لكن المدعي مأخوذ بإقراره المستفاد من دعواه. فليس له إن كان هو الرجل تزويج الخامسة ، ولا أم المنكرة ، ولا بنتها مع الدخول بها ، ولا بنت أخيها أو أختها إلا برضاها ، ويجب عليه إيصال المهر إليها. نعم لا يجب عليه نفقتها ، لنشوزها بالإنكار [١]. وإن‌

______________________________________________________

أنه إجماعي. فإن الحكم عندنا طريق ، لا موضوع لتبدل الواقع. ففي صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (ع) : « قال : قال رسول (ص) : إنما اقتضي بينكم بالبينات والايمان ، وبعضكم ألحن بحجته من بعض ، فأيما رجل قطعت له من مال أخيه شيئاً فإنما قطعت له قطعة من النار » (١). هذا مع العلم بالواقع. إما مع قيام حجة عليه فالظاهر أن حكم الحاكم مقدم عليه ، كما أشرنا الى ذلك في بعض مباحث التقليد. فراجع.

[١] قال في المسالك : « وأما النفقة : فلا تجب عليه ، لعدم التمكين الذي هو شرط وجوبها » ونحوه في كشف اللثام والجواهر. وفي الحدائق نسبته إلى الأصحاب. وهو يتوقف على أن الشرط في النفقة التمكين ، فاذا فات ولو لعذر لم تجب. ولأجل أن التحقيق أن التمكين ليس شرطاً في وجوب النفقة ، بل عدم النشوز ، والنشوز مانع من وجوبها ، عدل المصنف عن التعليل المذكور في كلامهم الى التعليل بما ذكر. لكن لم يتضح كون الإنكار يقتضي النشوز ، لأنه التمرد على الزوج والامتناع من أداء حقوقه لغير عذر ، والإنكار نفسه ليس كذلك. نعم العمل عليه يكون نشوزاً. لكن لا مطلقاً ، بل إذا لم يكن عن عذر ، فإن الحائض يحرم عليها التمكين ، فاذا امتنعت منه لم تكن ناشزاً ، والمستطيعة يجب عليها السفر ، فاذا سافرت بغير إذن الزوج لم تكن ناشزاً ، إذ لا دليل على ذلك. مع أن الظاهر أنه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب كيفية القضاء حديث : ١.

٤١٠

كانت هي المدعية لا يجوز لها التزويج بغيره [١] إلا إذا طلقها ولو بأن يقول : « هي طالق إن كانت زوجتي ». ولا يجوز لها السفر من دون إذنه. وكذا كل ما يتوقف على إذنه. ولو رجع المنكر إلى الإقرار هل يسمع منه ويحكم بالزوجة بينهما؟ [٢] فيه قولان. والأقوى : السماع ، إذا أظهر عذراً لإنكاره ،

______________________________________________________

لا إشكال فيه. فاذا كان إنكارها الزوجية عن عذر لم تكن ناشزاً ، وإلا كانت ناشزاً إذا عملت على ذلك الإنكار ، بنحو يكون فيه تمرد على حقوق الزوج.

[١] كما صرح بذلك الجماعة لما سبق.

[٢] السماع منه تارة : بلحاظ الحكم بالزوجية ، فيكون الحكم كما لو تصادقا من أول الأمر. ولم أقف على وجود قولين في المسألة. والذي ينبغي أن يقال : إن الحكم بالزوجية إذا تصادقا من أول الأمر إن كان المستند فيه قاعدة : « من ملك شيئاً .. » فالظاهر أن القاعدة المذكورة كما تدل على حجية الإقرار بالثبوت ، كذلك تدل على حجية الإقرار بالعدم. وحينئذ تتعارض في المقام بالنسبة إلى الإنكار والإقرار ، فلا يسمع أحدهما. اللهم إلا أن يقال : إنه يملك الإقرار بكل منهما ، كما يملك الخدش فيهما ، فاذا ذكر عذراً له في الإنكار السابق كان الإقرار اللاحق حجة ، وإذا ذكر عذراً له في الإقرار اللاحق كان الإنكار السابق حجة. لأن دليل القاعدة يقتضي جواز التعويل عليه في ذلك كله. وإن كان المستند فيه قاعدة : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » تعين العمل على الإقرار ، ولا يعتد بالإنكار السابق ، عملاً بإطلاق دليل القاعدة. وكأن احتمال عدم السماع في المقام مبني على انصراف القاعدتين الى غير الفرض. وأخرى : بلحاظ جهات أخر يأتي الكلام فيها.

٤١١

ولم يكن متهماً [١] ، وإن كان ذلك بعد الحلف [٢]. وكذا المدعي إذا رجع عن دعواه [٣] وكذب نفسه.

______________________________________________________

[١] اقتصاراً على القدر المتيقن من معقد الإجماع في قاعدة : « من ملك شيئاً ملك الإقرار به ».

[٢] فان الحلف وحكم الحاكم به لا يوجبان تبدل الواقع ، إذ لا موضوعية لهما في ذلك عندنا. نعم في مسألة اختلاف الزوجين في وقوع العقد حال الإحرام إذا كان المدعي لذلك الزوج ، وكانت المرأة منكرة ، فحلفت. وحكم لها الحاكم ، فعن المبسوط : أنه يتنصف المهر إذا كان قبل الدخول. وفي الدروس : « ظاهر الشيخ انفساخ العقد حينئذ ، ووجوب نصف المهر إذا كان قبل المسيس وجميعه بعده ». وإشكاله ظاهر ، إذ لا مقتضى لهذا الانفساخ ، ولا سيما وكونه خلاف ظاهر الأصحاب. وأما السماع بلحاظ الخصومة : فلا مجال له. إذ بالإقرار حصل الاتفاق بين الزوج والزوجة والتصادق على الزوجية ، فلا خصومة بينهما. وأما السماع بلحاظ إلزام المنكر باللوازم الشرعية ، بمعنى : أن الإقرار مانع من إلزامه بلوازم إلزام المنكر باللوازم الشرعية ، بمعنى : أن الإقرار مانع من إلزامه بلوازم الإنكار من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فهو الظاهر ، لأنه يكفي في سقوط ذلك الإلزام احتمال الصحة ، إذ لا دليل على وجوب الأمر بالمعروف إذا لم تكن حجة على الإصرار على المنكر ، فما دام الفاعل محتمل الصحة يسكت ، ولا يجب أمره بالمعروف. اللهم إلا أن يكون دليل نفوذ الإقرار على المقر يقتضي ذلك ، كما سيأتي من بعض.

[٣] يعني : أنكر الزوجية ، ووافق خصمه على نفي الزوجية ، فإنه يسمع إنكاره وإن كان إنكاراً بعد الإقرار. والسماع هنا إن كان بالنسبة إلى نفي الزوجية : فهو في محله ، لما عرفت في الفرض السابق بعينه. وإن كان بالنسبة إلى إلزامه بأحكام الزوجية التي أقر بها : فقيل : يؤخذ‌

٤١٢

______________________________________________________

بإقراره ، قال في الجواهر : « وفي المسالك لا فرق في ثبوت هذه الاحكام بين حلف الآخر وعدمه. لأنها مترتبة على نفس دعوى الزوجية. بل قيل : ولا بين تكذيب المدعي دعواه بعد ذلك وعدمه. قلت : هو كذلك. لكن قد يقال : إن ذلك كله جائز للمدعي إذا اعترف بعد ذلك بأنه قد كان مبطلاً في الدعوى. لأنه شي‌ء لا يعلم إلا من قبله. مع احتمال الإلزام بإقراره ». انتهى ما في الجواهر. والظاهر أن مراد المصنف بالسماع في هذا الفرض : السماع بلحاظ ذلك ، لا بلحاظ نفي الزوجية. ووجهه : أنه لا عموم في قاعدة الإقرار لما إذا ذكر عذراً في الإقرار غير بيان الواقع ، لأنها وإن كانت شرعية ، لكنها إمضاء لما عند العقلاء ، لا تأسيس حجية. فالدليل الدال عليها بقرينة ذلك ينزل على ما عند العقلاء. والظاهر أن بناءهم على عدم الأخذ بالإقرار إذا كان صادراً لغير بيان الواقع بل لأمر آخر. لذلك قال في الشرائع في كتاب الإقرار : « إذا شهد على نفسه بالبيع وقبض الثمن ، ثمَّ أنكر فيما بعد ، وادعى أنه أشهد تبعاً للعادة ، ولم يقبض. قيل : لا تقبل دعواه ، لأنه مكذب لإقراره. وقيل : يقبل ، لأنه ادعى ما هو معتاد. وهو أشبه ». وفي المسالك : نسبة الأخير إلى الأكثر. وفي الجواهر : « لم نتحقق القائل بالأول من العامة ، فضلا عن الخاصة ، وانه لم نجد خلافه في القبول ». واستدل له بما دل على أن البينة على المدعي ، واليمين على من أنكر. ويشكل : بأنه خلاف ما دل على عدم قبول الإنكار بعد الإقرار. ويندفع : بأن الدليل عليه ليس إلا ما دل على نفوذ الإقرار ، فإذا كان الدليل قاصراً عن شمول الإقرار الصادر لغير بيان الواقع ، بل لسبب من الأسباب ، لم يكن دليل على عدم قبول الإنكار في المقام ، فتكون دعوى المواطاة مسموعة ، لعموم الأدلة ، كدعوى فسق الشاهد.

٤١٣

______________________________________________________

نعم لما كانت دعوى المواطاة خلاف الأصل في الخبر كان مدعيها مدعياً ، ومنكرها منكراً عليه اليمين ، فاذا حلف المنكر المشتري على عدم المواطاة بطلت دعوى المواطاة من البائع. ومن ذلك يظهر أن اليمين من المنكر في المقام على عدم المواطاة لا على عدم القبض ـ كما عن الكفاية ـ ولا على أحدهما كما عن جامع المقاصد والروضة ـ لأن الدعوى لم تكن على القبض ، وإنما كانت على المواطاة لا غير ، فاليمين على القبض خارجة عن محط الدعوى.

ومن ذلك يتحصل أمور : ( الأول ) : ان الإقرار في قاعدة : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » وقاعدة : « من ملك شيئاً ملك الإقرار به » ، يختص بالإقرار الصادر لبيان الاعلام ، ولا يشمل ما كان صادراً لفرض آخر أو غلطاً. ( الثاني ) : ان الإقرار في قاعدة : « من ملك شيئاً ملك الإقرار به » لا يختص بالإقرار بالوجود ، بل يعم الإقرار بالعدم ، والإقرار بالخدش في إقراره بالوجود أو العدم. فإذا أقر الحاكم الشرعي بالحكم بالهلال قبل ، وإذا أقر بعدم الحكم قبل ، وإذا أقر بأن إقراره بالحكم كان سهواً أو غلطاً قبل ، وكذا في إقراره بالعدم. ( الثالث ) : أنه لا يختص الإقرار الخارج عن عموم القاعدتين بما كان خلافه عادياً كما يظهر من الشرائع. فإذا ادعى المقر بخدش في إقراره بأمر غير عادي يقبل الخدش ، ويسقط الإقرار. ولذلك قال في الجواهر : « إن الأقوى في النظر ، إن لم يكن إجماع ، عدم خصوصية للمقام ، فتسمع الدعوى مطلقاً إذا ذكر وجها ممكناً لإقراره الأول ». ( الرابع ) : ان السماع في الفرض الأول المذكور في المتن بلحاظ الحكم بالزوجية ، والسماع في الفرض الثاني بلحاظ إلزامه بأحكام ما أقر به أولا من باب الأمر بالمعروف ، فلا يلزم به ( الخامس ) : إن الوجه في السماع في الأول قاعدة : « من ملك .. » والوجه في السماع‌

٤١٤

نعم يشكل السماع منه إذا كان ذلك بعد إقامة البينة منه على دعواه [١] ، إلا إذا كذبت البينة أيضا نفسها.

( الثالثة ) : إذا تزوج امرأة تدعي خلوها عن الزوج فادعى زوجيتها رجل آخر ، لم تسمع دعواه ، إلا بالبينة [٢]. نعم له مع عدمها على كل منهما اليمين. فان وجه الدعوى‌

______________________________________________________

في الثاني : اختصاص قاعدة : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » بغير المورد. فالسماع في المقامين ليس بلحاظ واحد ، ولا دليله في المقامين واحد.

[١] لان تكذيبه البينة لا يسقطها عن الحجية ، وإنما يوجب سقوط حقه عند الحاكم ، فيجب العمل بالبينة ، ويكون الحال كما إذا أنكر بعد الإقرار من دون بيان خلل في الإقرار. وعليه فاذا كان مقتضاها إلزامه بأحكام الإقرار من عدم تزويج الخامسة ، أو تزويج أمها ، أو أختها ، أو بنتها ، ونحو ذلك ، لزم العمل به.

[٢] كما في الشرائع والقواعد وغيرهما. ونسب الى جمع من الأصحاب. والى الأكثر. واستدل له‌ بخبر يونس قال : « سألته عن رجل تزوج امرأة في بلد من البلدان ، فسألها : لك زوج؟ فقالت : لا ، فتزوجها. ثمَّ إن رجلا أتاه ، فقال : هي امرأتي ، فأنكرت المرأة ذلك ، ما يلزم الزوج؟ فقال (ع) : هي امرأته إلا أن يقيم البينة » (١). ونحوه مكاتبة الحسين ابن سعيد‌. و‌في خبر عبد العزيز بن المهتدي قال : « سألت الرضا (ع) قلت : جعلت فداك إن أخي مات وتزوجت امرأته ، فجاء عمي ، فادعى أنه كان تزوجها سرا ، فسألتها عن ذلك ، فأنكرت أشد الإنكار. وقالت : ما بيني وبينه شي‌ء قط. فقال (ع) : يلزمك إقرارها. ويلزمه إنكارها » (٢).

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب عقد نكاح حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب عقد النكاح حديث : ١.

٤١٥

______________________________________________________

وكأن عدم التعرض فيه للبينة من جهة فرض السر في السؤال. واستدل له أيضا في المسالك وغيرها : بأن اليمين إنما تتوجه على المنكر إذا كان بحيث لو اعترف لزمه الحق ونفع المدعي ، والأمر هنا ليس كذلك ، لأن المرأة لو صادقت المدعي على دعواه لم تثبت الزوجية ، لأن إقرارها واقع في حق الغير ، وهو الزوج. وكذا الحال لو ردت اليمين على المدعي ، فإنها لا تصلح حجة في منع الزوج عن حقه الثابت شرعاً. ونحوه يقرر فيما لو وجه الدعوى على الزوج.

لكن في المسالك : « ذهب جماعة من الأصحاب إلى قبول الدعوى ، وتوجه اليمين والرد هنا ، وإن لم تسمع في حق الزوج. وفائدته على تقدير الإقرار ثبوت مهر المثل على الزوجة للمدعي ، لحيلولتها بينه وبين البضع بالعقد الثاني .. الى أن قال : وعلى تقدير رد اليمين على المدعي ، أو نكولها عن اليمين ، والقضاء للمدعي بالنكول ، أو مع اليمين ، فالحكم كذلك. ومبنى القولين : أن منافع البضع هل تضمن بالتفويت أم لا؟ .. الى أن قال : والقول بسماع الدعوى وثبوت الغرم متجه. عملا بالقاعدة المستمرة من ثبوت اليمين على من أنكر ».

ويمكن أن يقال ـ كما في الجواهر وغيرها ـ : بسماع الدعوى وإن لم نقل بمالية البضع ، ولا بثبوت الغرم للحيلولة ، لعموم الأدلة. ويكفي في صحة سماع الدعوى ترتب الأثر في الجملة ، ولو عند فراق الزوج الثاني ، أو عند توجيه الدعوى عليه أيضا فينكلان هو والزوجة ، فتثبت دعوى الأول ، أو يردا معا اليمين عليه ، فيحلف فتثبت أيضا. إذ يكفي في صحة السماع ترتب الثمرة العملية في الجملة ، فإنه إذا اختلف المالك والمستأجر في مدة الإجارة ، فقال المالك : عشر سنين ، وقال المستأجر : عشرين سنة ، سمعت دعوى المستأجر ، وإن لم يكن لها أثر فعلي. وكذلك لو باع عيناً‌

٤١٦

على الامرأة فأنكرت وحلفت سقط دعواه عليها. وإن نكلت أو ردت اليمين عليه فحلف لا يكون حلفه حجة على الزوج وتبقى على زوجية الزوج مع عدمها [١] ، سواء كان عالماً بكذب المدعي أولا ، وإن أخبر ثقة واحد بصدق المدعي ، وإن كان الأحوط حينئذ طلاقها [٢]. فيبقى النزاع بينه وبين‌

______________________________________________________

في يده على آخر ، فادعى ثالث أنها له ، لم تسمع دعواه ، وإن كان البائع عاجزاً عن دفع الغرامة ، فيكفي في سماع الدعوى ترتب الاستحقاق إذا كان في معرض أن يترتب عليه فعلية الاستيفاء. نعم إذا لم تكن هذه المعرضية لا مجال للسماع. والظاهر أنه إجماع.

ثمَّ إنك عرفت في بعض المباحث السابقة أن منافع البضع غير مضمونة ، فاذا صح الابتناء ـ كما في المسالك ـ فاللازم القول بعدم السماع. لكن الابتناء غير ظاهر ، كما تقدم. وهو العمدة فيما ذكره في الشرائع وغيرها.

وأما النصوص : فظاهرها بيان تكليف الزوج ، وما يلزمه حين ما يدعي الرجل الزوجية ، قبل مراجعة القاضي والتحاكم عنده ، لا بيان كيفية حسم النزاع والخصام فاذاً لا مجال للاستدلال بها على عدم انقطاع الدعوى إلا بالبينة ، أخذاً بالإطلاق.

ومن ذلك يظهر لك الوجه فيما ذكره المصنف (ره) بقوله : « نعم له مع عدمها .. » ، وكان المناسب أن يقيد عبارته الأولى بما إذا كان التداعي بينهم في غير مجلس القضاء ، وهذه العبارة بما إذا كان التداعي في مجلس القضاء.

[١] يعني : عدم البينة.

[٢] لموثق سماعة قال : « سألته عن رجل تزوج أمة ( جارية. خ ل ) أو تمتع بها ، فحدثه رجل ثقة أو غير ثقة ، فقال : إن هذه امرأتي ،

٤١٧

الزوج ، فان حلف سقط دعواه بالنسبة إليه أيضا ، وإن نكل أو رد اليمين عليه فحلف حكم له بالزوجية إذا كان ذلك بعد أن حلف في الدعوى على الزوجية بعد الرد عليه ، وإن كان قبل تمامية الدعوى مع الزوجة فيبقى النزاع بينه وبينها كما إذا وجه الدعوى أولا عليه. والحاصل : ان هذه دعوى على كل من الزوج والزوجة ، فمع عدم البينة إن حلفا سقط دعواه عليهما ، وإن نكلا أو رد اليمين عليه فحلف ثبت مدعاه. وإن حلف أحدهما دون الآخر فلكل حكمه ، فإذا حلف الزوج في الدعوى عليه فسقط بالنسبة اليه ، والزوجة لم تحلف بل ردت اليمين على المدعي أو نكلت ورد الحاكم عليه فحلف وإن كان لا يتسلط عليها لمكان حق الزوج ، إلا أنه لو طلقها أو مات عنها ردت اليه ، سواء قلنا [١] إن اليمين المردودة بمنزلة الإقرار ، أو بمنزلة البينة ، أو قسم ثالث [٢]. نعم‌

______________________________________________________

وليست لي بينة. فقال (ع) : إن كان ثقة فلا يقربها ، وإن كان غير ثقة فلا يقبل منه » (١). ولم يعرف عامل به ، فيتعين حمله على الاستحباب ، للاحتياط.

[١] إذ هي على كل واحد من الوجوه المذكورة تكون مثبتة لحق الحالف على خصمه.

[٢] إذا كانت بمنزلة الإقرار تكون طريقاً إلى إثبات الحق على المنكر فقط ، فلا يتعدى الى غيره ، كما هو حال الإقرار. وإذا كانت بمنزلة البينة تكون طريقاً إلى إثبات المدعى ولوازمه ، كما هو حال البينة. وإذا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب عقد النكاح حديث : ٢.

٤١٨

في استحقاقها النفقة والمهر المسمى على الزوج إشكال [١] ، خصوصاً إن قلنا أنه بمنزلة الإقرار [٢] أو البينة. هذا كله إذا كانت منكرة لدعوى المدعي. وإما إذا صدقته وأقرت بزوجيته فلا يسمع بالنسبة إلى حق الزوج ، ولكنها مأخوذة بإقرارها ، فلا تستحق النفقة على الزوج ولا المهر المسمى ، بل ولا مهر المثل إذا دخل بها ، لأنها بغية بمقتضى إقرارها‌

______________________________________________________

كانت على وجه آخر فيمكن أن يثبت بعض اللوازم دون بعض. وقد ذكروا فروعاً تتفرع على الخلاف المذكور. منها : ما لو أقام المدعى عليه بينة على أداء الدين أو الإبراء منه ، بعد أن حلف المدعي للدين. فان قلنا أن اليمين كالبينة سمعت البينة من المدعى عليه. وإن جعلناها كالإقرار منه لم تسمع ، لكونه بإقراره (١) مكذب لبينته. والذي حكاه في الجواهر عن بعض متأخري المتأخرين : أنها قسم ثالث ، فقد يجري عليها حكم الإقرار ، وقد يجري عليها حكم البينة ، وقد لا يجري عليها حكم أحدهما. وجعله في الجواهر هو المتجه. وكذلك المصنف في كتاب القضاء.

[١] لأن النفقة والمهر المسمى من حقوق الزوجة الثابتة لها لأجل زوجيتها ، فاذا ثبتت زوجيتها للمدعي باليمين المردودة فقد سقطت حقوق زوجيتها للآخر ، وثبتت لها بالإضافة الى المدعي لو لا إقرارها بنفي الزوجية له ، فلا وجه لمطالبتها الزوج بها. وبالجملة : مقتضى اليمين المردودة نفي حقوقها الثابتة لها من جهة زوجيتها لغير المدعي.

[٢] لما هو ظاهر من مقتضى الإقرار ، وسيأتي في المتن. وحال البينة أظهر فإنها حجة على نفي الاستحقاق.

__________________

(١) كذا ذكر الجماعة لكنه لا ينطبق على الفرض ، لكون الحالف غير المقيم البينة ( منه قدس‌سره )

٤١٩

إلا أن تظهر عذراً [١] في ذلك. وترد على المدعي [٢] بعد موت الزوج أو طلاقه الى غير ذلك.

( الرابعة ) : إذا ادعى رجل زوجية امرأة وأنكرت فهل يجوز لها أن تتزوج من غيره قبل تمامية الدعوى مع الأول وكذا يجوز لذلك الغير تزويجها ، أولا إلا بعد فراغها من المدعي؟ وجهان [٣] ،

______________________________________________________

[١] على ما تقدم في المسألة الثانية.

[٢] عملا بحكم الحاكم.

[٣] قال في المسالك : « ومما يتفرع على الخلاف الأول ( يعني : الخلاف في المسألة الثالثة ) جواز العقد على هذه لغير المدعي قبل انتهاء الدعوى وعدمه. فان قلنا بسماعها بعد التزويج وترتب فائدتها السابقة صح العقد الثاني ، وبقيت الدعوى بحالها. لكن العقد الثاني يفيد سقوط تسلط المدعي على البضع ، فيحتمل لذلك عدم جواز العقد حتى ينهي الأول دعواه ، لسبق حقه ، فلا يسقطه الثاني بعقده. نعم لو تراخى الأول في الدعوى أو سكت عنها فجواز العقد أجود ، حذراً من الإضرار المترتب على المنع ، فان الزوج إذا علم بعدم إقدام أحد عليها أمكن أن يؤخر دعواه لذلك ، ليطول الأمر عليها ، ويتوجه عليها الضرر بترك التزويج ، فيكون وسيلة إلى الرجوع اليه ، وهو يستلزم الحرج والإضرار المنفيين بالآية والرواية‌ (١). وإن قلنا بعدم سماع الدعوى على المعقود عليها أصلا‌

__________________

(١) مثل قوله تعالى ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) البقرة : ١٨٥ وقوله تعالى ( ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ) المائدة : ٦ وقوله تعالى ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) الحج : ٧٨. وقد يدل عليه خبر عبد الأعلى مولى آل سام ( الوسائل باب : ٣٩ من أبواب الوضوء حديث : ٥. )

٤٢٠