مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٧

( مسألة ٥ ) : لا يحتاج فسخها إلى إذن الحاكم [١].

( مسألة ٦ ) : الخيار على الفور [٢] على الأحوط ، فوراً عرفياً. نعم لو كانت جاهلة بالعتق ، أو بالخيار ، أو‌

______________________________________________________

مختصة بالزوجة (١). وكذا لو أعتقت في أثناء العدة الرجعية فلم تفسخ لعدم علمها الى أن خرجت عن العدة ، فإنها لا خيار لها حينئذ لخروجها عن الزوجية حقيقة وحكماً. والظاهر أن ذلك مما لا إشكال فيه ، وإن كان قول المصنف (ره) : « على الأقوى » يشعر بوجود الخلاف ، لكني لم أعثر عليه ، ولا على إشكال فيه.

[١] كما نص على ذلك في القواعد. وفي كشف اللثام : « للشافعية وجه بالافتقار ». وظاهره أنه لا خلاف فيه بيننا.

[٢] كما نص على ذلك في الشرائع والقواعد. وفي المسالك : « يظهر من الجماعة الاتفاق عليه ». وفي كشف اللثام : « اتفاقاً كما هو الظاهر ». وفي الحدائق : « ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه ». وفي الرياض : أنه متفق عليه عند الجماعة ، كما حكاه طائفة.

واستدل له بلزوم الاقتصار على المتيقن في فسخ العقد اللازم. ومرجعه الى التمسك بعمومات اللزوم عند الشك فيه ، فان عمومات اللزوم كما لها عموم أفرادي لها عموم أزماني ، فإذا دل الدليل على عدم اللزوم في زمان وشك فيما بعده من الأزمنة في اللزوم وعدمه تعين الرجوع الى عموم اللزوم الأزماني في الزمان المشكوك. ويشكل بأن ذلك وإن سلم ، فإنما يصح إذا لم يكن لدليل الخيار إطلاق ، وإلا كان إطلاقه مقدما على العموم الأزماني ، ففي الزمان المشكوك يرجع الى إطلاق الخيار ، لا إلى إطلاق اللزوم الأزماني. فلاحظ ، فاذاً العمدة هو الاتفاق المدعى في المقام على الفورية.

__________________

(١) تقدم التعرض لها في أول هذا الفصل.

٣٦١

بالفورية جاز لها الفسخ بعد العلم [١] ، ولا يضره التأخير حينئذ.

( مسألة ٧ ) : إن كانت صبية أو مجنونة فالأقوى أن وليها يتولى خيارها [٢].

______________________________________________________

[١] أما في الأول : فمقطوع به ، كما في كشف اللثام. وأما في الأخيرين : فاحتمل في القواعد السقوط ، وعدمه ، والفرق بينهما. وعلل الأول في كشف اللثام : بأن الثبوت خلاف الأصل فيقتصر فيه على المتيقن ، ولأن الرضا بعد العلم بملكها بضعها بمنزلة العقد بعده ، ولأن الجهل لو كان عذراً لكان النسيان كذلك. وفي الجميع منع ظاهر ، إذ دليل الخيار يقتضي الثبوت في غير مورد الإجماع على السقوط. والمشابهة في الثاني ممنوعة. والملازمة في الثالث كذلك. مع أنه لا دليل على بطلان اللازم ، بل في المسالك : إلحاق النسيان بالجهل. والعمدة في الحكم في الجميع عدم تمامية الإجماع على السقوط ، ومقتضى إطلاق الدليل ثبوته. ومنه يظهر الإشكال في احتمال الفرق بينهما. وتوجيهه بأنه مع العلم بالخيار إذا أخرت الفسخ فقد رضيت بالإجازة ، ولاندفاع الضرر بإثبات الخيار لها مع العلم وإن لم تعلم الفورية. كما ترى ، إذ الأول ممنوع. والثاني مبني على ثبوت الخيار بالضرر ، وهو ممنوع ، لقيام الدليل عليه ، فيؤخذ بإطلاقه ما لم يقم إجماع على خلافه ، كما عرفت.

[٢] يظهر من الجواهر احتماله إن لم يكن إجماع على خلافه. وفي القواعد : « لو أعتقت الصغيرة اختارت عند البلوغ ، والمجنونة عند الرشد. وليس للولي الاختيار هنا ، لأنه على طريقة الشهوة ». وظاهر كشف اللثام : المفروغية عنه. وفي الحدائق : « قالوا ليس للولي هنا .. ». وظاهره النسبة إلى الأصحاب. لكن التعليل المذكور في القواعد كما ترى ، إذ الشهوة لا تزاحم المصلحة ، ولذا يصح تصرف الولي لو زوجها بمن‌

٣٦٢

( مسألة ٨ ) : لا يجب على الزوج أعلامها بالعتق أو بالخيار إذا لم يعلم ، بل يجوز له إخفاء الأمر عليها [١].

( مسألة ٩ ) : ظاهر المشهور عدم الفرق في ثبوت الخيار لها بين أن يكون هو المباشر لتزويجها أو آذنها فاختارت هي زوجاً برضاها [٢]. ولكن يمكن دعوى انصراف الاخبار الى صورة مباشرة المولى بلا اختيار منها [٣].

( مسألة ١٠ ) : لو شرط مولاها في العتق عدم فسخها فالظاهر صحته [٤].

______________________________________________________

شاء إذا كان مصلحة لها ، كما لا يخفى. فالعمدة في الاشكال في ذلك عدم ثبوت العموم الدال على ولاية الولي بحيث يشمل المقام. ولأجل ذلك كان الإشكال في صحة هبة المدة من الولي في النكاح المنقطع ، إذ لا عموم في دليل الولاية يقتضي ذلك. فلاحظ.

[١] للأصل بعد عدم الدليل على الوجوب. وكذا لا يجب على المالك أعلامها بذلك ، لما ذكر.

[٢] كما يقتضيه إطلاق كلامهم.

[٣] لكن الدعوى المذكورة ضعيفة ، والانصراف بدوي لا يعتد به في رفع اليد عن إطلاق النصوص.

[٤] قال في الشرائع في كتاب العتق : « لو شرط على المعتق شرطاً في نفس العتق لزم الوفاء به ». ونحوه في القواعد وغيرها. والظاهر أنه لا اشكال فيه ، ولا خلاف. ويقتضيه النصوص الكثيرة المتضمنة صحة العتق مع شرط الخدمة ، أو شرط المال ، أو غير ذلك. مضافا الى احتمال عموم السلطنة ، وأن العبد تحت سلطان المولى حتى بالإضافة إلى ذمته ،

٣٦٣

( مسألة ١١ ) : لو أعتق العبد لا خيار له [١] ، ولا لزوجته [٢].

______________________________________________________

فله إشغالها بما شاء. ولأجل ذلك يظهر أنه لا حاجة الى قبول العبد ، كما هو مذهب جماعة ، منهم المحقق في ظاهر كلامه. خلافاً لآخرين ، للشك في صدق الشرط بدون الرضا ، فلم يثبت عموم : « المؤمنون عند شروطهم » (١) ‌له. وفيه : ما لا يخفى. وفي القواعد : استقرب العدم في شرط الخدمة ، دون المال ، لأن الخدمة من المنافع المملوكة للمولى ، دون المال. وفيه : أنه لو قيل بعدم ملك المال فهو أيضا تحت سلطان المولى إن كان موجوداً. نعم إذا لم يكن موجوداً فلا سلطنة للمولى عليه. لكن سلطنة المولى على الذمة تقتضي قدرته على اشغالها بما يشاء من المال. ومن ذلك يظهر أن صحة اشتراط الخدمة ليس من قبيل استثناء المنافع ، بل هو من قبيل إشغال ذمة العبد بها ، لأنها تحت سلطانه. فلاحظ.

[١] على المشهور شهرة عظيمة ، بل لم يعرف الخلاف فيه إلا عن ابن الجنيد ، فاثبت له الخيار ، قياساً على الأمة ، وعن ابن حمزة ، فأثبت له الخيار إذا كان قد أكرهه على النكاح. وعن المختلف : موافقته في ذلك لأنه كالحر المكره. والاشكال عليهما ظاهر ، إذ القياس ليس بحجة. والحر المكره مسلط على نفسه ، فيمكن أن يكون الإكراه له مانعاً من نفوذ سلطانه على نفسه ، بخلاف العبد ، لأنه تحت سلطان المولى ، ولا سلطان له على نفسه. هذا وفي الرياض موافقتهما في ذلك بشرط استمرار الكراهة الى حال الاختيار. وكأنه لأن الكراهة في حال الحرية من قبيل الإكراه للحر. وفيه : أن الإكراه للحر مانع من الصحة ، ولا مجال لذلك هنا ، كما عرفت ، لا أنه يثبت الاختيار ، كي يلحق به المقام.

[٢] بلا خلاف ، لأنها رضيت به عبداً فأولى أن ترضى به حراً ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب المهور حديث : ٤.

٣٦٤

( مسألة ١٢ ) : لو كان عند العبد حرة وأمتان فأعتقت إحدى الأمتين فهل لها الخيار أو لا؟ وجهان [١]. وعلى‌

______________________________________________________

كما ذكر‌ في خبر علي بن حنظلة عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل زوج أم ولد له من عبد ، فأعتق العبد بعد ما دخل بها. هل يكون لها الخيار؟ قال (ع) : قد تزوجته عبداً ورضيت به فهو حين صار حراً أحق أن ترضى به » (١) ‌، ونحوه خبر أبي بصير‌ (٢).

[١] قد تقدم أنه لا يجوز للعبد أن يتزوج حرتين وأمة ، وله أن يتزوج أمتين وحرة. وفي المقام بعد عتق إحدى الأمتين يكون العبد قد جمع بين حرتين وأمة ، ولما لم يجز ذلك كان اللازم بطلان زوجية الجميع ، لعدم المرجح. لكن الظاهر إلحاق المقام بما إذا أسلم الزوج عن أكثر من أربع ، حيث ذكروا أنه يختار أربعاً ويترك الباقي. فإذا كان حكم الزوج الاختيار أشكل البناء على ثبوت الخيار للزوجة ، وإن كان مقتضى إطلاق الدليل ذلك ، لكن تمكن دعوى انصرافه عن صورة تزلزل حال المرأة من جهة أن للزوج اختيار غيرها ، فيبطل نكاحها. وفيه : أن هذا المقدار من التزلزل لا يستوجب الانصراف المعتد به ، لإمكان أن يكون الخيار لكل من الزوج والزوجة ، فثبوت الخيار للزوج لا يوجب قصور دليل الخيار للزوجة عن شمول الفرض ، نظير ما لو كان العتق في أثناء العدة الرجعية. مضافاً الى أن ذلك لو تمَّ فإنما يقتضي نفي خيارها قبل اختيار الزوج ، لا مطلقاً ، فلو اختارها الزوج كان لها الخيار ، لانتفاء المانع المذكور. ويحتمل بعيداً أن يكون تردد المصنف (ره) من جهة احتمال بطلان نكاحها بمجرد العتق ، وعدم الإلحاق بصورة ما إذا أسلم الزوج عن أكثر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٥٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.

٣٦٥

الأول : إن اختارت البقاء ، فهل يثبت للزوج التخيير أو يبطل نكاحها؟ وجهان [١]. وكذا إذا كان عنده ثلاث أو أربع إماء [٢] فأعتقت إحداها. ولو أعتق في هذا الفرض جميعهن‌

______________________________________________________

من أربع. إذ لا دليل على هذا الإلحاق بعد كون الحكم هناك خلاف مقتضى القاعدة ، لأن عقده عليهن إن كان في زمان واحد تعين بطلان الجميع ، لعدم المرجح ، وإن كان في زمانين تعين البناء على بطلان اللاحق وصحة السابق. فالبناء على اختيار الزوج مستند إما الى الإجماع. أو الى‌ النص الوارد : « في المجوسي إذا أسلم وله سبع نسوة وأسلمن معه ، كيف يصنع؟ قال (ع) : يمسك أربعاً ، ويطلق ثلاثا » (١). والظاهر أنه ليس في روايات أصحابنا سواه. والإجماع والنص لا يشملان المقام. فيتعين البناء على بطلان الجميع في المقام ، لعدم المرجح. وحينئذ لا مجال لخيار الزوجة ، لانتفاء موضوعه.

[١] لم يتضح وجه البطلان مع اختيارها للبقاء. نعم إذا قلنا بأن الممتنع أن يجمع العبد بين حرتين وأمة مع استقرار النكاح فما دامت الأمة المعتقة لها الخيار لا مانع من الجمع ، فاذا استقر نكاحها باختيارها البقاء امتنع الجمع ، فبطل نكاحها. لكن لو تمَّ اقتضى بطلان نكاح الجميع. فاذاً التحقيق ـ بعد البناء على إلحاق المقام بصورة ما إذا أسلم الزوج عن أكثر من أربع ـ هو ثبوت الاختيار لكل من الزوجة والزوج في الفرض ، ولا يبطل نكاحها إلا إذا اختار الزوج غيرها.

[٢] إذا كان عند العبد ثلاث إماء فأعتق إحداها لم يكن مانع من الجمع بينها ، لأنه يجوز للعبد أن يجمع بين حرة وأمتين. وحينئذ فلا إشكال في ثبوت الخيار للمعتقة ، وليس هو مما نحن فيه. نعم إذا أعتق‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد حديث : ١.

٣٦٦

دفعة ففي كون الزوج مخيراً وبعد اختياره يكون التخيير للباقيات ، أو التخيير من الأول للزوجات ، فان اخترن البقاء فله التخيير ، أو يبطل نكاح الجميع [١] ، وجوه.

فصل في العقد وأحكام‌

( مسألة ١ ) : يشترط في النكاح الصيغة ، بمعنى : الإيجاب والقبول اللفظيين [٢]. فلا يكفي التراضي الباطني ، ولا الإيجاب والقبول الفعليين. وأن يكون الإيجاب بلفظ النكاح أو التزويج على الأحوط. فلا يكفي بلفظ المتعة في‌

______________________________________________________

اثنان منهما كان قد جمع بين حرتين وأمة. ولا يجوز للعبد ذلك ، فحينئذ يجي‌ء الإشكال السابق. وكذا لو كانت أربع إماء فأعتقت واحدة ، فإنه لا يجوز للعبد أن يجمع بين ثلاث إماء وحرة ، فيجري فيه ما سبق.

[١] قد عرفت أنه مقتضى القاعدة ، وأن الإلحاق بصورة ما إذا أسلم الكافر عن أكثر من أربع غير ظاهر. ولو بني عليه لم يكن وجه لتقديم اختيار الزوج على اختيار الأمة ، أو تقديم اختيارها على اختياره ، فان كون اختياره موضوعاً لاختيارها وكذا العكس مما لم يشهد به شاهد. والمتعين أن يكون لكل منهما الاختيار ، كما لو أعتقت في أثناء العدة الرجعية.

فصل في العقد وأحكامه‌

[٢] قال في الحدائق : « أجمع العلماء من الخاصة والعامة على توقف النكاح على الإيجاب والقبول اللفظيين ». وفي كلام شيخنا الأعظم (ره) :

٣٦٧

النكاح الدائم [١] ، وإن كان لا يبعد كفايته مع الإتيان بما يدل على إرادة الدوام. ويشترط العربية مع التمكن منها [٢] ،

______________________________________________________

« أجمع علماء الإسلام ـ كما صرح به غير واحد ـ على اعتبار أصل الصيغة في عقد النكاح ، لا يباح بالإباحة ، ولا المعاطاة ». ونحوهما كلام غيرهما. ولأجل هذا الإجماع افترق النكاح عن غيره من مضامين العقود ، فإنها يجوز إنشاؤها بالفعل ، بخلافه. وأما الفارق بينه وبين السفاح فلا يرتبط بذلك ، إذ السفاح الوطء لا بعنوان الزوجية ، وفي النكاح الوطء بعنوان الزوجية ، وإن لم يكن إنشاؤها باللفظ ، كما في نكاح بعض أهل الشرائع الباطلة ، فإنه نكاح وليس بسفاح ، وإن كان بغير لفظ. فلاحظ.

[١] كما عن التذكرة والمختلف. وفي كشف اللثام : نسبته إلى الأكثر وعن ظاهر السيد في الطبريات : الإجماع عليه. وفي المسالك الاستدلال له بأصالة عدم ترتب الأثر عليه ، للشك في جوازه ، لأنه حقيقة في المنقطع ، مجاز في الدائم ، والعقود اللازمة لا تقع بالمجاز. وفي كلتا المقدمتين منع. وأصالة عدم ترتب الأثر لا مجال لها في قبال عمومات النفوذ والصحة. ولذا اختار في الشرائع ، والمختصر النافع ، والقواعد ، والإرشاد : الجواز. ويشهد له ما ورد من انقلاب المنقطع دائماً إذا لم يذكر فيه الأجل نسياناً‌ (١).

[٢] قال في التذكرة : « فلو تلفظ بأحد اللفظين بالفارسية أو غيرها من اللغات غير العربية مع تمكنه ومعرفته بالعربية لم ينعقد عند علمائنا. وهو قول الشافعي وأحمد ». ونحوه عن المبسوط. وعلل في التذكرة : بأن غير العربي بالنسبة إليه كالكناية ، فلا يعتبر به. وفي الجواهر : بأنه مقتضى الأصل ، الذي لا يعارضه الإطلاق ، لانصرافه الى المتعارف ، وفي كشف اللثام : بأنه مقتضى الأصل ، والاحتياط في الفروج. والمناقشة في ذلك كله‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٢٠ من أبواب المتعة.

٣٦٨

ولو بالتوكيل على الأحوط [١]. نعم مع عدم التمكن منها ولو بالتوكيل على الأحوط يكفي غيرها من الألسنة إذا اتى بترجمة اللفظين من النكاح والتزويج. والأحوط اعتبار الماضوية [٢].

______________________________________________________

ظاهرة ، إذ كونه كالكناية ممنوع ، كعدم الصحة في الكناية إذا كانت الدلالة ظاهرة. والأصل والاحتياط لا مجال لهما مع الإطلاق. والانصراف إلى العربية ـ لأنه المتعارف ـ بدوي ، لا يعول عليه في رفع اليد عن الإطلاق. مع أن كون المتعارف مطلقاً العربية ممنوع ، بل المتعارف عند أهل كل لغة ما هو بلغتهم ، فلو بني على تقييد المطلق بالمتعارف كان اللازم اعتبار كل لغة عند أهلها ، فلا يصح بالعربية لغير العربي ـ فالبناء على جواز غير العربي ـ كما عن ابن حمزة ـ غير بعيد ، بل هو المتعين.

[١] يظهر من التذكرة الاتفاق منا على الجواز مع عدم القدرة على العربية ، وعدم إمكان التعلم ، وإن تمكن من التوكيل. وكأنهم استفادوا ذلك مما ورد في طلاق الأخرس من الاجتزاء فيه بالفعل الدال على إنشاء الفراق‌ (١). لكن استفادة حكم المقام من ذلك المقام غير ظاهرة. فلو بني على لزوم الاحتياط في الباب كان اللازم عدم الاكتفاء بالترجمة حتى مع عدم إمكان التوكيل. اللهم إلا أن يكون الإجماع هو المستند.

[٢] كما هو المشهور بين علمائنا خصوص المتأخرين منهم. كذا في المسالك. واستدل له بأن الماضي دال على صريح الإنشاء المطلوب في العقود ، بخلاف صيغة المضارع والأمر ، فإنهما ليسا موضوعين للإنشاء. ولاحتمال الأول الوعد. وللزوم الاقتصار على المتيقن ، وغير الماضي مشكوك. ولأن تجويز غيره يؤدي الى انتشار الصيغة وعدم وقوفها على قاعدة. والجميع كما ترى. فإن الأول ممنوع. والماضي يكون خبراً تارة ، وإنشاء أخرى ،

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١٩ من أبواب مقدمات الطلاق.

٣٦٩

وإن كان الأقوى عدمه [١] ، فيكفي المستقبل ، والجملة الخبرية [٢] ، كأن يقول : « أزوجك » أو « أنا مزوجك فلانة ». كما أن الأحوط تقديم الإيجاب على القبول [٣] ،

______________________________________________________

كالمضارع ، بل لا فرق بين الفعلين إلا في الحكاية عن زمان التلبس. واحتمال الوعد لا أثر له مع القرينة على إرادة الإنشاء. والاقتصار على المتيقن غير لازم مع وجود الدليل في المشكوك ، وكفى بالإطلاق دليلاً. مضافاً الى النصوص الواردة في بيان عقد الانقطاع‌ (١) ، المتضمنة جواز إنشائه بمثل : « أتزوجك متعة على كتاب الله تعالى » ، ولا فرق بين الانقطاع والدوام.

[١] كما نسب الى ابن أبي عقيل ، والمحقق ، وجماعة.

[٢] فإنها كالجملة الفعلية صالحة للخبر والإنشاء ، وقد أجمع على جواز العتق بمثل : « أنت حر » ، وفي « أعتقتك » إشكال كما أجمعوا على صحة الطلاق بمثل : « أنت طالق ». فما الذي دعى إلى الإشكال فيها هنا؟!.

[٣] كما نسب إلى الأكثر ، والأشهر في مطلق العقود. ويقتضيه مفهوم القبول العقدي ، فإن مفهوم القبول في نفسه وإن كان يتعلق بالأمر الاستقبالي كما يتعلق بالأمر الماضي ، نظير الرضا والحب والبغض ونحوها ، بل لا يعتبر فيه وقوع الإيجاب لا في الماضي ولا في المستقبل ، لتعلقه بالوجود اللحاظي ، إلا أن القبول العقدي ـ أعني : ما يقابل الإيجاب ـ مختص بما يتعلق بالإيجاب الماضي ، فيكون معنى القبول المقابل للإيجاب هو الرضا بما جعل وأنشى‌ء. أما الرضا بما يجعل وينشأ فلا يكون قبولا بالمعنى المقابل للإيجاب ، فلو تقدم القبول لم يكن قبولاً بذلك المعنى. وأما ما ورد في الروايات الواردة في بيان كيفية المتعة المتضمنة : أنه يقول لها : « أتزوجك متعة على كتاب الله تعالى وسنة نبيه (ص) ، فاذا

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١٨ من أبواب المتعة.

٣٧٠

وإن كان الأقوى جواز العكس أيضاً. وكذا الأحوط أن يكون الإيجاب من جانب الزوجة والقبول من جانب الزوج [١] ،

______________________________________________________

قالت : نعم فقد رضيت وهي امرأتك » (١) ‌، فليس من باب تقديم القبول ، بل من باب الإيجاب ممن وظيفته القبول ، كما سيشير إليه في المتن ، فلا مجال للاستدلال به على ما نحن فيه. ومثله الإيجاب في البيع من المشترى بأن يقول : « اشتريت فرسك بدينار » مثلا ، فيقول البائع : « بعت » أو « قبلت » ، فإنه ليس من تقديم القبول على الإيجاب. ومن ذلك تعرف الاشكال فيما ذكره في الشرائع بقوله : « ولا يشترط تقديم الإيجاب ، بل لو قال : « تزوجت » فقال الولي : « زوجتك » صح ». لكن في المسالك : « وربما قيل بعدم صحته مقدماً ، لأن حقيقة القبول الرضا بالإيجاب ، فمتى وجد قبله لم يكن قبولا ، لعدم معناه. وفيه منع كون المراد من القبول قبول الإيجاب ، بل قبول النكاح ، وهو متحقق على التقديرين. ولأنا نقول بموجبة ، فان القبول حقيقة ما وقع بلفظ : « قبلت » ، ولا إشكال في عدم جواز تقديمه بهذا اللفظ ، وإنما الكلام فيما وقع بلفظ : « تزوجت » أو « نكحت » فهو في معنى الإيجاب ، وتسميته قبولا مجرد اصطلاح ». وعلى هذا يكون النزاع لفظياً ، ويكون مرجع القول بالجواز الى القول بجواز الإيجاب ممن وظيفته القبول ، لا جواز تقديم القبول على الإيجاب. وهو كما ترى لا يلتئم مع ما في المتن ، فان جواز الإيجاب من الزوج سيتعرض له بعد ذلك ، بل ولا يلتئم مع كلمات جماعة ممن قال بجواز تقديم القبول وأدلتهم عليه. فلاحظ.

[١] لا يخفى أن الزوجية المجعولة في عقد النكاح مقابل الفردية ، فكأن كل واحد من الرجل والمرأة فرد ، فاذا تزوج أحدهما بالآخر صار زوجاً‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب المتعة حديث : ١.

٣٧١

وان كان الأقوى جواز العكس. وأن يكون القبول بلفظ : « قبلت » [١]. ولا يبعد كفاية « رضيت ». ولا يشترط ذكر المتعلقات ، فيجوز الاقتصار على لفظ : « قبلت » من‌

______________________________________________________

بضم الآخر اليه. وهذا الضم كما يمكن لحاظه في الزوجة بأن تنضم الى الرجل ، يمكن لحاظه في الرجل بأن يضم إلى الزوجة. لكن شرافة الذكر تقتضي الأول ، لأن الضم فيه تابعية ومتبوعية ، والرجل أولى بالمتبوعية ، كما أن الأنثى أولى بالتابعية ، فلذلك تعارف إيجاب المرأة بقولها للرجل : « زوجتك نفسي » ، ولم يتعارف إيجاب الرجل بقوله للمرأة : « زوجتك نفسي ». فإذا وقع الإيجاب من الرجل ، فتارة : يكون المعنى الذي يوجبه أن تنضم اليه المرأة ، فيقول : « تزوجتك » ، فتقول هي : « قبلت » ونحوه. وأخرى : يكون المعنى الذي يوجبه معنى آخر غيره ، مثل أن يقول الرجل للمرأة : « زوجتك نفسي ». أما الأول : فلا ينبغي الإشكال في صحته ، كما يقتضيه إطلاق الأدلة ، وما ورد في بيان كيفية المتعة. والاقتصار فيه على مورده ينافيه ما في بعض تلك النصوص ، من أنه إذا لم يذكر الأجل انقلب دائماً. فتأمل. وأما الثاني : فلا يخلو من إشكال. ومجرد كون المرأة زوجة في الكتاب والسنة والعرف لا يصحح الاستعمال المذكور ، لإمكان أن يكون الزوجية فيها تبعية لا أصلية ، نظير عوضية المبيع للثمن. نعم في مادة النكاح يجوز الإيجاب بـ « أنكحتك نفسي » من كل من الرجل والمرأة ، لورود كل من الأمرين في الاستعمال الصحيح ، قال الله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ) (١) ، وقال تعالى ( حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) (٢).

[١] للاقتصار عليه في كلام جماعة. وكأنه للانصراف الى المتعارف.

__________________

(١) النساء : ٢٢.

(٢) البقرة : ٢٣٠.

٣٧٢

دون أن يقول : « قبلت النكاح لنفسي أو لموكلي بالمهر المعلوم » [١] والأقوى كفاية الإتيان بلفظ الأمر [٢] كأن يقول : « زوجتي‌

______________________________________________________

لكن التعارف لا يوجب تقييد المطلق الدال على الاجتزاء بكل ما دل على القبول مثل : « رضيت » و « تزوجتك » ونحوهما.

[١] بلا خلاف عندنا ولا إشكال. وعن بعض الشافعية : المنع من ذلك ، لاحتمال إرادة غير قبول الإيجاب. وهو كما ترى.

[٢] كما عن الشيخ ، وابني حمزة وزهرة. وفي الشرائع : أنه حسن. لخبر سهل الساعدي ، المروي عند الخاصة والعامة. وفي المسالك : أنه المشهور بين العامة والخاصة ، ورواه كل منهما في الصحيح. وهو‌ « أن امرأة أتت رسول الله (ص) فقالت يا رسول الله وهبت نفسي لك ، وقامت قياماً طويلاً. فقام رجل وقال يا رسول الله : زوجنيها إن لم يكن لك فيها حاجة. فقال رسول الله (ص) : هل عندك من شي‌ء تصدقها إياه؟ فقال ما عندي إلا إزاري هذا. فقال رسول الله (ص) : إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك ، اجلس التمس ولو خاتماً من حديد ، فلم يجد شيئاً. فقال رسول الله (ص) : هل معك من القرآن شي‌ء؟ قال : نعم ، سورة كذا وسورة كذا ، السور سماها. فقال رسول الله (ص) : زوجتك بما معك من القرآن ». ولم أعرف من روى عن سهل هذه الرواية من أصحابنا غير ابن أبي جمهور الأحسائي في غوالي اللئالي (١) ، على ما حكي. نعم‌ في صحيح محمد بن مسلم المروي في الكافي والتهذيب عن أبي جعفر (ع) : « قال : جاءت امرأة إلى النبي (ص) فقالت : زوجني فقال رسول الله (ص) : من لهذه؟ فقام رجل فقال : أنا يا رسول الله زوجنيها. فقال : ما تعطيها؟ فقال : ما لي شي‌ء قال (ص) : لا. فأعادت ،

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ١ من أبواب عقد النكاح حديث : ٤.

٣٧٣

______________________________________________________

فأعاد رسول الله (ص) الكلام ، فلم يقم أحد غير الرجل ، ثمَّ أعادت ، فقال رسول الله (ص) في المرة الثالثة : أتحسن من القرآن شيئاً؟ قال : نعم. قال : قد زوجتكها على ما تحسن من القرآن. فعلمها إياه » (١). وليس في شي‌ء من طرق الحديث أن الرجل أعاد القبول فيكون أمره قبولا مقدماً على الإيجاب ، كما ذكره الجماعة.

وعن جماعة آخرين ـ منهم ابن إدريس والعلامة في المختلف ـ : عدم الاجتزاء بذلك. وعن الشهيد في شرح الإرشاد : تنزيل الرواية على أن الواقع من النبي (ص) قام مقام الإيجاب والقبول ، لثبوت الولاية المستفادة من قوله تعالى ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) (٢) ، فيكون ذلك من خواصه. وتنظر فيه في المسالك : بأن الولي على الطرفين يعتبر وقوع الإيجاب والقبول منه ، وأن ذلك موضع وفاق ، ولا يكتفي أحد من الفقهاء بلفظ واحد عنهما منه ، ولا ضرورة إلى جعل ذلك من خصوصيات النبي (ص) مع وجود القبول اللفظي وقول جماعة من العلماء به. انتهى. ويريد بالقبول اللفظي الأمر بالتزويج. وفيه : أن دعوى الوفاق على ذلك غير ظاهرة بعد بناء الشهيد على تنزيل الرواية على ما ذكر ، وقد تقدم في تزويج المولى عبده القول من جماعة بأنه يكفي إيجاب المولى فقط ولا يعتبر قبول العبد ، وأن ذلك هو الذي يقتضيه التحقيق ، وكان الأولى للشهيد تنزيل الرواية على ما تقدم في ذلك المبحث ، من أن الوكيل عن الطرفين يجزي إيجابه عن القبول ، فان الرجل لما طلب تزويجه من النبي فقد جعله وكيلا عنه أو مأذوناً منه في تزويجه ، فلا حاجة الى قبوله حتى لو كان المأذون غير النبي (ص) ، وليس ذلك مبنياً على ولايته (ص)

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب المهر حديث : ١ وملحقة.

(٢) الأحزاب : ٦.

٣٧٤

______________________________________________________

المستفادة من الآية الشريفة. وحينئذ يطرد الحكم المذكور في غير النبي (ص) من سائر الناس ، ولا يكون من خواصه (ص).

ولعل ذلك مراد المصنف (ره) ، لا كون الأمر قبولاً ، كما ذكره الجماعة ، فإنه غير معقول لأن الأمر بالتزويج إنشاء لإيقاعه من المخاطب المأمور ، لا إنشاء لنفسه ، كما في « لأتزوج » الذي هو إنشاء لزوجية نفسه. وحمل الأمر على غير معناه وهو إنشاء القبول ، خلاف المقطوع به. ومن ذلك يظهر أنه لو فرض عدم دلالة الرواية على عدم القبول من الرجل بعد إيجاب النبي (ص) ، لأن الراوي ليس في مقام حكاية جميع ما وقع من أجزاء العقد ، ولا في مقام الحكاية لجميع ما وقع في ذلك المجلس ، بل في مقام الحكاية لما جرى من المرأة مع النبي (ص) ، لزم البناء عليه ، عملاً بالقاعدة ، لا بالرواية. ولعله مراد جماعة ممن قال بهذا القول ، لا ما يقتضيه ظاهر كلامهم من كون الأمر قبولا. نعم لا يتأتى هذا الحمل في كلام الشرائع ، لتصريحه بكون الأمر قبولا إذا كان بقصد إنشاء القبول. وكذا كلام القواعد ، وغيرهما. فيكون الحكم على خلاف القاعدة من وجهين : تقدم القبول على الإيجاب ، وإنشاء القبول بلفظ الأمر ، الذي هو من قبيل الإنشاء بالألفاظ المستنكرة عرفاً. لكن عرفت أن إثبات ذلك بالرواية غير ممكن ، لأن حمل الأمر فيها على إنشاء القبول خلاف المقطوع به. فلاحظ.

وبالجملة : مراد الجماعة إن كان هو أن الأمر يغني عن القبول ، فيترتب الأثر على الإيجاب فقط ، فذاك مقتضى القاعدة ، ولا يحتاج في إثباته إلى الرواية. وإن كان هو أن الأمر قبول تعبداً ، فذلك مما لا دليل عليه ، والرواية لا تثبته. وإن كان هو أن الأمر قبول إذا كان صادراً بعنوان إنشاء القبول ـ كما يظهر من عبارة الشرائع ـ فالرواية لا تدل عليه‌

٣٧٥

فلانة » ، فقال : « زوجتكها » ، وإن كان الأحوط خلافه.

( مسألة ٢ ) : الأخرس يكفيه الإيجاب والقبول بالإشارة مع قصد الإنشاء وإن تمكن من التوكيل على الأقوى [١]

( مسألة ٣ ) : لا يكفي في الإيجاب والقبول الكتابة [٢].

( مسألة ٤ ) : لا يجب التطابق بين الإيجاب والقبول في ألفاظ المتعلقات [٣] ، فلو قال : « أنكحتك فلانة ».

______________________________________________________

قطعاً ، والبناء عليه يتوقف على صحة إنشاء القبول بالألفاظ المستنكرة ، مثل أن يقول لولي المرأة : « أذنت لك في تزويجي » بقصد إنشاء القبول.

[١] في جامع المقاصد : « كأنه لا خلاف في ذلك » وفي كشف اللثام : « وهو مما قطع به الأصحاب ». واستدل له بفحوى ما ورد في الطلاق ، كصحيح البزنطي عن الرضا (ع) : « في الأخرس الذي لا يكتب ولا يسمع كيف يطلقها؟ قال (ع) : بالذي يعرف به من أفعاله » ‌(١) ، وما ورد في قرائته وتلبيته وتشهده‌ (٢). والعمدة فيه إطلاق نفوذ العقود والإجماع على اعتبار اللفظ غير منعقد في المقام.

[٢] كما في القواعد وغيرها. وفي جامع المقاصد : « لا ريب عندنا في أن الكتابة لا تكفي في إيقاع عقد النكاح للمختار ». ويقتضيه ما تقدم من الإجماع على اعتبار اللفظ. ويشكل ما في جامع المقاصد من تعليله بأن الكتابة كناية ، ولا يقع النكاح بالكنايات. انتهى ، فإن الكتابة ليست من الكناية في شي‌ء ، ولا مانع من الكناية إذا كانت واضحة الدلالة.

[٣] كما نص على ذلك في الشرائع. وفي الجواهر : أنه لا خلاف فيه ولا إشكال ، لإطلاق الأدلة.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٩ من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه حديث : ١.

(٢) راجع الوسائل باب : ٥٩ من أبواب القراءة في الصلاة.

٣٧٦

فقال : « قبلت التزويج » ، أو بالعكس كفى. وكذا لو قال : « على المهر المعلوم » فقال الآخر : « على الصداق المعلوم ». وهكذا في سائر المتعلقات.

( مسألة ٥ ) : يكفي ـ على الأقوى ـ في الإيجاب لفظ « نعم » [١] بعد الاستفهام ، كما إذا قال : « زوجتني فلانة بكذا؟ » فقال : « نعم » [٢] فقال الأول : « قبلت ». لكن الأحوط عدم الاكتفاء [٣].

______________________________________________________

[١] كما عن الشيخ وابن حمزة. وتبعهما في النافع والإرشاد. وتردد فيه في الشرائع. واستشكل فيه في القواعد.

[٢] بقصد إعادة اللفظ للإنشاء ، لا بقصد جواب الاستفهام. وقد يشير اليه ما‌ في رواية أبان بن تغلب قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : كيف أقول لها إذا خلوت بها؟ قال : تقول أتزوجك متعة على كتاب الله وسنة نبيه. لا وارثة ولا موروثة ، كذا وكذا يوما‌ .. الى أن قال (ع) : فاذا قالت : نعم ، فقد رضيت وهي امرأتك .. » (١).

[٣] لأن الظاهر أنه من قبيل الإيقاع بالمجازات المستنكرة عرفاً ، لأن الحذف والتقدير اعتماداً على السؤال إنما يكون في الجواب الخبري ، لا فيما لو قصد الإنشاء ، فإنه يكون ابتداء كلام. ولذا قد يشكل الأمر وإن صرح بالجملة ، بأن قال : « نعم زوجت ابنتي من فلان » قاصداً الإنشاء بها ، لأن كلمة « نعم » تقتضي الاخبار ، والجمع بينها وبين الجملة بقصد الإنشاء يقتضي التنافي بين الكلامين ، كما لو قال : « أخبرك أني قد زوجتك ابنتي » قاصداً الإنشاء بالجملة ، كما أشار الى ذلك في الرياض. ولا وجه لاستغرابه ، كما في الجواهر. وبالجملة : إذا كان الإنشاء بنحو مستنكر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب المتعة حديث : ١.

٣٧٧

( مسألة ٦ ) : إذا لحن في الصيغة ، فان كان مغيراً للمعنى لم يكف [١]. وإن لم يكن مغيراً فلا بأس به إذا كان في المتعلقات. وإن كان في نفس اللفظين ـ كأن يقول : « جوزتك » بدل « زوجتك » ـ فالأحوط عدم الاكتفاء به [٢]. وكذا اللحن في الاعراب.

( مسألة ٧ ) : يشترط قصد الإنشاء في إجراء الصيغة [٣].

( مسألة ٨ ) : لا يشترط في المجرى للصيغة أن يكون عارفاً بمعنى الصيغة تفصيلاً [٤] ، بأن يكون مميزاً للفعل والفاعل والمفعول ، بل يكفي علمه إجمالاً بأن معنى هذه الصيغة إنشاء النكاح والتزويج. لكن الأحوط العلم التفصيلي.

( مسألة ٩ ) : يشترط الموالاة بين الإيجاب والقبول [٥].

______________________________________________________

عرفاً لا يصح ، لأن إطلاق الصحة منزل على العرف ، والمستنكر عرفاً غير ثابت عندهم ، فلم يثبت شمول الإطلاق له. وأما رواية أبان ونحوها : فليست مما نحن فيه ، لأن « نعم » فيها واقعة موقع القبول ، لا موقع الجواب عن الاستفهام. فلاحظ.

[١] لأنه من المستنكر عرفاً.

[٢] لكن الظاهر أنه ليس من المستنكر عرفاً ، فيشمله إطلاق النفوذ.

[٣] لاشتراط ذلك في الإيقاع ضرورة.

[٤] لإطلاق الأدلة ، ولا سيما وأن أكثر غير العرب لا يعرف ذلك لو كان إجراء الصيغة بالنحو العربي المعلوم صحته.

[٥] لاعتبارها في ارتباط القبول بالإيجاب ، لاعتبار الهيئة الاتصالية في العقد.

٣٧٨

وتكفي العرفية منها ، فلا يضر الفصل في الجملة ، بحيث يصدق معه أن هذا قبول لذلك الإيجاب [١] ، كما لا يضر الفصل بمتعلقات العقد من القيود والشروط وغيرها وإن كثرت.

( مسألة ١٠ ) : ذكر بعضهم [٢] : أنه يشترط اتحاد مجلس الإيجاب والقبول ، فلو كان القابل غائبا عن المجلس ، فقال الموجب : « زوجت فلاناً فلانة » وبعد بلوغ الخبر اليه قال : « قبلت » لم يصح. وفيه : أنه لا دليل على اعتباره [٣]

______________________________________________________

[١] فلو أوجب الموجب ، فلم يبادر صاحبه الى القبول ، فوعظه ونصحه حتى اقتنع ، فقال : « قبلت » ، صح عقداً. لكن الموالاة في المقام غير حاصلة ، لا حقيقة ولا عرفاً. فالهيئة الاتصالية المعتبرة في صدق العقد لا يعتبر فيها الموالاة الحقيقة ، ولا العرفية. نعم يعتبر فيها أن يكون الموجب منتظراً للقبول ، فاذا وقع القبول في ذلك الحال كان عقداً. وكأن المراد ذلك. ولذا قال في القواعد : « وكذا ( يعني : لم ينعقد ) لو أخر القبول مع الحضور ، بحيث لا يعد مطابقاً للإيجاب ». فالمدار على صدق المطابقة ، وهي تحصل بما ذكر ولو مع الفصل الطويل.

[٢] المراد به : العلامة في القواعد‌

[٣] وفي الجواهر : « لا دليل على اعتبار اتحاد المجلس فيه ، وفي غيره من العقود ». وفي جامع المقاصد في شرح ما ذكره العلامة قال : « لأن العقود اللازمة لا بد فيها من وقوع القبول على الفور عادة ، بحيث يعد جوابا للإيجاب ». فجعل الوجه في اعتبار اتحاد المجلس اعتبار الموالاة ، الراجع الى اعتبار صدق العقد. ومن المعلوم أن صدق العقد لا يتوقف على الفورية ، ولا على اتحاد المجلس ، بل يكون حاصلاً بما ذكرنا ، فإنه‌

٣٧٩

من حيث هو. وعدم الصحة في الفرض المذكور إنما هو من جهة الفصل الطويل ، أو عدم صدق المعاقدة والمعاهدة ، لعدم التخاطب ، وإلا فلو فرض صدق المعاقدة وعدم الفصل مع تعدد المجلس صح ، كما إذا خاطبه وهو في مكان آخر لكنه يسمع صوته ويقول : « قبلت » بلا فصل مضر ، فإنه يصدق عليه المعاقدة.

( مسألة ١١ ) : ويشترط فيه التنجيز [١] كما في سائر العقود ، فلو علقه على شرط أو مجي‌ء زمان بطل. نعم لو علقه على أمر محقق معلوم ـ كأن يقول : « إن كان هذا يوم‌

______________________________________________________

ما دام الموجب منتظراً للقبول ، فاذا حصل صدق العقد ، ولو مع الفصل الطويل ، كما عرفت.

[١] العمدة في اعتباره الإجماع المدعي في كلام الجماعة. وأما دعوى : أن الإنشاء إيجاد للمنشإ ، وكما أن الإيجاد الحقيقي لا يقبل الإناطة والتعليق ، كذلك الإنشاء ، لأنه إيجاد ادعائي. فمندفعة بالفرق بينهما ، الناشئ من الفرق بين الحقيقة والادعاء ، لأن باب الادعاء واسع. وتحقيقه : أن الإنشاء راجع الى قصد تحقيق الأمر الادعائي ، ومن المعلوم أن القصد كما يتعلق بالموضوعات اللحاظية ، يمكن أن يناط أيضا بالأمور اللحاظية ، فيكون موجوداً في ظرف لحاظ الشرط ، ومفقوداً في ظرف عدمه ، فاذا فرض الإنسان وجود المرض قصد شرب الدواء ، وإذا فرض عدمه لم يقصد ذلك ، فيكون القصد دائراً مدار لحاظ الشرط وعدمه. مع إمكان دعوى أن التعليق ليس للإنشاء ، بل للمنشإ ، لأن الإنشاء ليس ملحوظاً ، فلا يكون موضوعاً لإضافة الإناطة بالشرط ، بخلاف المنشأ ،

٣٨٠