مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٧

فان الولد لمولاها [١].

( مسألة ١٦ ) : يجوز للمولى تحليل أمته لعبده [٢].

______________________________________________________

[١] قد سبق ذلك في آخر المسألة الثامنة.

[٢] كما عن الحلي. واختاره في الشرائع. ولكن عن الشيخ في النهاية ، والعلامة في المختلف ، وولده : العدم ، لصحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن (ع) « أنه سئل عن المملوك أيحل له أن يطأ الأمة من غير تزويج إذا أحل له مولاه؟ قال (ع) : لا يحل له » (١) ‌، ولأنه نوع تمليك ، والعبد ليس أهلا له. والأخير كما ترى ، مبني على عدم ملك العبد مطلقاً. مع أن التحليل ليس تمليكا ، كما سيأتي. والصحيح معارض بغيره ، ففي صحيح محمد بن مسلم قال : « سألت أبا جعفر (ع) عن قول الله تعالى ( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) قال : هو أن يأمر الرجل عبده وتحته أمته فيقول : اعتزل امرأتك ولا تقربها ، ثمَّ يحبسها عنه حتى تحيض ، ثمَّ يمسها ، فاذا حاضت بعد مسه إياها ردها عليه بغير نكاح » (٢) ‌، و‌الصحيح عن فضيل مولى راشد قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : لمولاي في يدي مال فسألته أن يحل لي ما أشتري من الجواري ، فقال : إن كان يحل لي أن أحل لك فهو لك حلال. فقال (ع) : إن أحل لك جارية بعينها فهي لك حلال ، وإن قال : اشتر منهن ما شئت ، فلا تطأ منهن شيئاً إلا ما يأمرك ، إلا جارية يراها فيقول هي لك حلال ، وإن كان لك مال فاشتر من مالك ما بدا لك » (٣). ولعل وجه الجمع حمل الصحيح الأول على صورة التحليل من غير تعيين.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.

٣٤١

______________________________________________________

ولكن قال في الشرائع : « وفي تحليل أمته لمولاه روايتان : إحداهما : المنع ، ويؤيدها أنه نوع تمليك والعبد بعيد عن التمليك. والأخرى : الجواز إذا عين له الموطوءة ، ويؤيدها أنه نوع من الإباحة ، وللمملوك أهلية الإباحة. والأخير أشبه ». ومما ذكرنا تعرف أن القول بالجواز أشبه وأوفق بالقواعد ، سواء قلنا بأن التحليل عقد نكاح ، أم تمليك ، وأن العبد يملك ، أو لا يملك ، فإنه لا مجال لطرح النصوص المذكورة بالمباني المزبورة. ومن ذلك تعرف الاشكال فيما في القواعد حيث قال : « ولو أباح أمته لعبده ، فان قلنا أنه عقد أو تمليك منفعة وأن العبد يملك خلت ، وإلا فلا. والأول أولى ، لأنه نوع إباحة ، والعبد أهل لها ».

وفي كلامه الأخير إشارة الى ما هو التحقيق من أن التحليل ليس عقد النكاح ـ كما عن المرتضى ـ ولا تمليك منفعة ـ كما عن المشهور ـ ولا تمليك انتفاع ـ كما قد يظهر من عبارة جامع المقاصد ـ بل هو إباحة وإذن في الانتفاع دل الدليل القطعي عليه ، فوجب القول به ، ويكون الدليل مخصصا لقوله تعالى ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ ، إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ ، أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ، فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ، فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ ) (١) ، فيدل على جواز قسم ثالث في مقابل القسمين المذكورين. اللهم إلا أن يقوم إجماع على الانحصار بالقسمين ، كما يظهر من دعوى الاتفاق في كشف اللثام وغيره. فيتعين إرجاع التحليل الى أحد القسمين. ولأجل انتفاء أحكام العقد من الطلاق إن كان دائما ، ولزوم ذكر المهر إن كان متعة ، يتعين كونه من ملك اليمين ، كما قيل. ولما عرفت من أن العقد يقتضي ثبوت الزوجية ، وهي منتفية في التحليل ، وأنه لا ملكية للرقبة فيه ، ولا للمنفعة ، يتعين أن يكون المراد من ملك اليمين ما يشمل‌

__________________

(١) المؤمنون : ٥ ، ٦ ، ٧. المعارج : ٢٩ ، ٣٠ ، ٣١.

٣٤٢

وكذا يجوز له أن ينكحه إياها [١]. والأقوى أنه حينئذ نكاح لا تحليل [٢]. كما أن الأقوى كفاية أن يقول له : « أنكحتك‌

______________________________________________________

تحليل الأمة المملوكة ، ولا موجب للالتزام بأنه تمليك منفعة ، أو انتفاع. كيف؟! وهو خلاف المرتكز في أذهان المتشرعة ، وكيف يمكن البناء على إنشاء الملك بالتحليل من دون قصد المنشئ؟! كما لعله ظاهر.

[١] بلا إشكال. وتشهد به النصوص ، كصحيحة علي بن يقطين المتقدمة في أول المسألة‌ ، ونحوها غيرها مما هو كثير ، ويأتي بعضه.

[٢] كما هو المشهور. لأن النكاح هو الزوجية القائمة بين الرجل والمرأة ، والموجب إنما يوقع هذه الزوجية. بخلاف التحليل فإنه إذن في الانتفاع من دون زوجية. وظاهر النصوص الواردة في المقام مشروعية التزويج وإيقاع الزوجية بين العبد والأمة. وعن ابن إدريس : أنه إباحة ، إما لجواز تفريق المولى بينهما بالأمر بالاعتزال ، ولو كان عقد نكاح لم ينفسخ إلا بالطلاق ، ونحوه من فواسخ النكاح. وفيه : أن الطلاق ليس انفساخا للعقد ، وإنما هو إيقاع الفراق ، ومن الجائز أن يكون الأمر بالاعتزال يقتضي ذلك ، أو يقتضي الانفساخ كغيره من أسباب الانفساخ. وإما‌ لصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال : « سألته عن الرجل كيف ينكح عبده أمته؟ قال (ع) : يجزيه أن يقول : قد أنكحت فلانة ، ويعطيها شيئاً من قبله أو من مولاه ولو مداً من طعام أو درهماً أو نحو ذلك .. » (١). وفيه أن قوله (ع) : « قد أنكحتك » ‌ظاهر في إيقاع الزوجية لا مجرد التحليل. فهو دليل على القول الأول ، ولا سيما بملاحظة الأمر بإعطاء شي‌ء ، فان الظاهر منه أنه من باب المهر الذي لا يجب في التحليل ، كما ذكر ذلك في المسالك.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.

٣٤٣

فلانة » ، ولا يحتاج الى القبول منه أو من العبد [١] ، لإطلاق الأخبار [٢] ،

______________________________________________________

[١] كما اختاره في المختلف ، لأن القبول إنما يشترط في حق من يملكه ، والعبد هنا لا يملك القبول ، لأن للمولى إجباره على النكاح ، فله هنا ولاية طرفي العقد. وفي المسالك : « هو متجه ، لأن اعتبار قبول العبد ساقط ، وإيجاب المولى دال على قبوله ، والمعتبر من القبول الدلالة على رضاه ، فهو متحقق فيه بما يصدر عنه من اللفظ المفيد للنكاح ». وظاهر صدر كلامه كظاهر المختلف عدم اعتبار القبول في المقام ، وظاهر ذيل كلامه اعتبار القبول ، لكن من باب الدلالة على الرضا ، فاذا علم الرضا من الإيجاب كفى. ويشكل الأخير : بأن الرضا النفساني غير كاف في القبول ، وإنما المعتبر الرضا الإنشائي. وأما الأول فغير بعيد ، إذ ليس الفرق بين المعاني العقدية والإيقاعية أن الأولى تتعلق بغير الموجب ، والثانية لا تتعلق بغير الموجب ، ضرورة أن كلا من النكاح والطلاق يتعلق بغير الموجب ، مع أن الأول معنى عقدي والثاني إيقاعي. بل الفرق أن المعنى العقدي تحت سلطان الموجب والقابل ، والمعنى الإيقاعي لا يكون إلا تحت سلطان الموجب فقط ، وإنكاح المولى عبده لما لم يكن تحت سلطان العبد ، بل هو تحت سلطان المولى فقط ، كان معنى إيقاعياً.

[٢] كصحيح محمد بن مسلم المتقدم عن أبي جعفر (ع) ، و‌خبره عن أبي جعفر (ع) : « في المملوك يكون لمولاه أو لمولاته أمة فيريد أن يجمع بينهما ، أينكحه نكاحا ، أو يجزيه أن يقول : قد أنكحتك فلانة ويعطي من قبله شيئاً أو من قبل العبد؟ قال (ع) : نعم ولو مداً. وقد رأيته يعطي الدراهم » (١) ‌، و‌مصحح الحلبي قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) :

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٣.

٣٤٤

ولأن الأمر بيده [١] ، فإيجابه مغن عن القبول. بل لا يبعد أن يكون الأمر كذلك في سائر المقامات ، مثل الولي والوكيل‌

______________________________________________________

الرجل كيف ينكح عبده أمته؟ قال (ع) : يقول قد أنكحتك فلانة ، ويعطيها ما شاء من قبله أو قبل مولاه ولو مداً من طعام أو درهما أو نحو ذلك » (١). وفي الجواهر ـ تبعاً لجامع المقاصد ـ : « والخبران إنما كان السؤال فيهما عن كيفية إنكاح المولى العبد أي ما يتعلق بالمولى من الإيجاب ، لا أن المراد كفاية ذلك من دون قبول لا من العبد ولا من السيد الذي هو وليه ، بل لعل دلالته على القبول أوضح كما في كشف اللثام ، للفظ الإنكاح. واجتزأ به عن ذكر القبول لظهوره. فحينئذ يبقى ما دل على اعتبار العقدية في النكاح بحاله ». وفي القواعد : « ولو زوج عبده أمته ففي اشتراط قبول المولى أو العبد إشكال ينشأ من أنه عقد أو إباحة ». ويظهر منه المفروغية عن اعتبار القبول بناء على أنه عقد. وفي كشف اللثام : التردد في ذلك. والانصاف أن النصوص لا تخلو من دلالة على عدم اعتبار القبول. وما في جامع المقاصد والجواهر وغيرهما غير ظاهر.

[١] قد عرفت وجهه. وفي الجواهر : « قد يناقش بعدم التلازم بين تولية طرفي العقد وبين الاكتفاء في الإيجاب عن القبول ، فإن باقي الأولياء وإن جاز لهم تولي طرفي العقد لكن لا بد من ذكر صورة العقد. اللهم إلا أن يفرق بكونه هنا مالكاً لا أنه قائم مقام المولى عليه. وفيه : أنه مع ذلك لا بد من ذكر صورة العقد ، لمعلومية كون النكاح من العقود ». ويظهر ما فيه مما عرفت من منع كونه من العقود في الفرض ، بل هو من الإيقاع ، لأنه تحت سلطنة سلطان واحد.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٢.

٣٤٥

عن الطرفين [١]. وكذا إذا وكل غيره في التزويج [٢] ،

______________________________________________________

[١] فإنه لما كان له سلطان على الإيجاب والقبول كان إيجابه فغنياً عن القبول ، لأنه في نفوذ إيجابه لا ينتظر قبول قابل ، فيكون نافذاً بلا قبول القابل. اللهم إلا أن يقال : لما كان كل من الموكل والمولى عليه ذا سلطان فالوكيل في إيجابه إنما يعمل سلطنة الموجب لا سلطنة القابل ، فلا يكون الإيجاب نافذاً إلا بعد إعمال سلطنة القابل ، وإنما يكون ذلك بالقبول عنه ، فلا ينفذ الإيجاب بدون القبول. اللهم إلا أن يقال : هذا إذا كان ولياً أو وكيلاً على الإيجاب وعلى القبول ، أما إذا كان ولياً أو وكيلاً عن الطرفين على إيجاد مضمون العقد ، وهو جعل الزوجية بينهما ، فإيقاعه للمضمون المذكور لا ينتظر فيه قبول ، لأنه مورد التسليط من الطرفين. وكذا الكلام في غير النكاح من العقود كالبيع والإجارة والرهن والصلح ونحوها ، فإنها من الإيقاع إذا وكل أحد الطرفين فيها الآخر أو وكلا ثالثاً ، ويكون المضمون حاصلا بمجرد حصول الإيجاب من الوكيل عن أحد الطرفين والأصيل من الطرف الآخر ، أو الوكيل عن الطرفين ، لما عرفت من أن المعيار في كون المفهوم عقداً أو إيقاعاً كونه تحت سلطنة واحدة أو سلطنتين متقابلتين ، ولما كان الوكيل له سلطان على الجهتين كان المفهوم حاصلاً بمجرد إيقاعه ، فإذا وقع من الأصيلين كان عقداً ، وإذا وقع من الوكيل عنهما كان إيقاعاً. وما في المسالك من دعوى الاتفاق على اعتبار كل من القبول والإيجاب في عقد الولي على الطرفين وأنه لا يكتفي أحد من الفقهاء بلفظ واحد منه عنهما ـ ذكر ذلك في مبحث الاجتزاء بالأمر عن القبول ـ غير مسموعة كما يظهر من تنزيل الشهيد في شرح الإرشاد خبر سهل. فراجع.

[٢] يعني : لا يحتاج الى القبول ، لان فعل الوكيل كفعل الأصيل.

٣٤٦

فيكفي قول الوكيل : « أنكحتك أمة موكلي لعبده فلان » ، أو « أنكحتك عبد موكلي أمته ». وأما لو أذن للعبد والأمة في التزويج بينهما فالظاهر الحاجة الى الإيجاب والقبول [١].

( مسألة ١٧ ) : إذا أراد المولى التفريق بينهما لا حاجة الى الطلاق ، بل يكفي أمره إياهما بالمفارقة [٢]. ولا يبعد‌

______________________________________________________

[١] لأن ظهور الاذن لهما بالفعل على وجه التشريك يقتضي اختصاص التسليط بجهته دون جهة الآخر ، فلا بد من اعماله سلطان الآخر. نعم إذا كان الاذن لكل منهما في التزويج مطلقاً كان كما لو أذن لأجنبي في ذلك ، ولا يحتاج الى القبول ، كما ذكره فيما قبل.

[٢] بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه. كذا في الجوهر. ونحوه كلام غيره. ويشهد له النصوص ، كصحيح محمد بن مسلم قال : « سألت أبا عبد الله (ع) : عن رجل ينكح أمته من رجل أيفرق بينهما إذا شاء؟ فقال (ع) : إن كان مملوكه فليفرق بينهما إذا شاء ، إن الله تعالى يقول ( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) ، فليس للعبد شي‌ء من الأمر. وإن كان زوجها حراً فان طلاقها صفقتها » (١). و‌مصحح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال : « سمعته يقول : إذا زوج الرجل عبده أمته ثمَّ اشتهاها قال له : اعتزلها ، فاذا طمثت وطئها ، ثمَّ يردها عليه إن شاء » (٢) ‌، و‌صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « إذا أنكح الرجل عبده أمته فرق بينهما إذا شاء » (٣). ونحوها غيرها ، ومنه صحيح محمد بن مسلم المتقدم في أول المسألة‌. وفي كشف اللثام ـ

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب نكاح العبيد والإماء ملحق حديث : ٤.

٣٤٧

جواز الطلاق أيضا بأن يأمر عبده بطلاقها ، وإن كان لا يخلو من إشكال أيضا [١].

( مسألة ١٨ ) : إذا زوج عبده أمته يستحب أن يعطيها شيئاً سواء ذكره في العقد أم لا. بل هو الأحوط [٢].

______________________________________________________

بعد الاستدلال به على المقام ـ قال : « ويشكل على القول بكونه نكاحاً إن لم يكن عليه إجماع ، للاحتياط ، وعدم نصوص الاخبار ». لكن الاحتياط لا يجب مع وجود الحجة. وعدم نصوصيتها لا تقدح إذا كان لها ظهور ، فان الظهور حجة كالنص.

[١] فيه نوع دلالة على التوقف في صحة الطلاق ، مع أنه ادعى الإجماع عليه في كلام جماعة. وفي الجواهر : دعوى الإجماع بقسميه عليه. وفي جامع المقاصد : « إن زوجة العبد إذا كانت أمة لمولاه فان طلاقها وإزالة عقد نكاحها هو بيد المولى ولا دخل للعبد فيه إجماعاً ». وفي الحدائق : « لا خلاف نصاً وفتوى ـ فيما أعلم ـ في أنه إذا زوج السيد عبده أمته فإن الطلاق بيد السيد ، وله أن يأمره به ، وإن يفرق بينهما بغير لفظ الطلاق ». ونحوه كلام غيرهم. نعم في الجواهر : « قد تشكل صحته ( يعني : الطلاق ) من العبد بإذن السيد إذا لم يكن بطريق الوكالة ». وكأنه لأجل أن المفهوم من النصوص أن الطلاق من وظائف السيد ، فلا يصح من غيره إذا لم يكن وكيلا عنه. وفيه : أن الظاهر من كون الطلاق بيد السيد أنه لا يصح إلا بأمره أو إذنه ، لا أنه لا يصح إلا بالمباشرة أو التوكيل.

[٢] فإن المحكي عن الشيخين ، وابني حمزة والبراج ، وأبي الصلاح : الوجوب. للنصوص المتقدمة في مسألة عدم اعتبار قبول العبد في إنكاحه أمه مولاه ، المتضمنة للأمر بإعطائها مداً من طعام ، أو درهماً ، أو نحو‌

٣٤٨

وتملك الأمة ذلك بناء على المختار من صحة ملكية المملوك إذا ملكه مولاه أو غيره.

( مسألة ١٩ ) : إذا مات المولى وانتقلا إلى الورثة فلهم أيضا الأمر بالمفارقة بدون الطلاق [١]. والظاهر كفاية أمر‌

______________________________________________________

ذلك. لكن الأكثر ـ كما قيل ـ على الاستحباب. وفي كشف اللثام : نسبه الى المفيد أيضاً. للأصل ، وعدم التنصيص على الوجوب. لكن الأصل لا مجال له مع الدليل وعدم التنصيص لا يقدح في الحجية مع وجود الظاهر. وفي الجواهر : استدل على الاستحباب بالأصل ، وعدم تصور استحقاقه لنفسه على نفسه : ضرورة أن مهر الأمة لسيدها ، كعدم تصور استحقاق ماله عليه مالاً. انتهى وهو كما ترى ، بناء على التحقيق من ملكية العبد ولو في الفرض. وكذا بناء على عدمها ، لامكان وجوب تمكينها من المهر وإن لم يكن ملكاً لها. ومثله الاشكال بعدم ظهور الخبرين في كون المدفوع مهراً ، مع أن المدعى ذلك ، فالدليل لا يثبت الدعوى ، والدعوى لا دليل عليها. إذ فيه : أنه إن تمَّ ذلك منع من القول بكون المدفوع مهراً ، لا من القول بوجوب الدفع.

ثمَّ إن الظاهر عدم كون المدفوع مهراً بقرينة أنه لم يذكر في ضمن الجملة الإنشائية ، وإنما ذكر الأمر به بعد ذلك ، فان قام إجماع على عدم وجوب دفع غير المهر تعين حمل النصوص على الاستحباب ، وإلا لزم الأخذ بظاهرها والبناء على وجوب الدفع تعبداً.

[١] كما نص على ذلك في الشرائع ، والقواعد ، وغيرهما. ويظهر من شراحهما كونه من المسلمات ، معللين له بأنه مقتضى انتقال الملك إليهم. بل في المسالك هنا أولى ، لقيامه مقام المورث الذي كان أمره بيده.

٣٤٩

أحدهم في ذلك [١].

( مسألة ٢٠ ) : إذا زوج الأمة غير مولاها [٢] من حر فأولدها جاهلا بكونها لغيره ، عليه العشر أو نصف العشر لمولاها ، وقيمة الولد. ويرجع بها على ذلك الغير ، لأنه كان مغروراً من قبله [٣]. كما أنه إذا غرته الأمة بتدليسها ودعواها‌

______________________________________________________

[١] إن كان المراد كفاية أمر أحدهم في حرمة الوطء ففي محله ، لعدم جواز التصرف بدون إذن المالك ، وإن كان مالكاً جزءاً مشاعاً. وإن كان المراد الخروج عن الزوجية بذلك ، فلا يخلو من إشكال ، لأن الخروج عن الزوجية كالدخول في الزوجية تحت سلطة جميع المالكين ، فلا يستقل به أحدهم. اللهم إلا أن يقال : إذا حرم الوطء فقد بطلت الزوجية ، إذ لا مجال لانتزاعها حينئذ. ولذا استفيد بطلان عقد التزويج من تحريم وطء الأم وغيرها من ذوات المحارم.

[٢] هذا مورد صحيح الوليد بن صبيح المتقدم في المسألة الثانية عشرة ، المتضمن ضمان الزوج لمولى الأمة العشر أو نصف العشر. وأما ضمان قيمة الولد فيمكن استفادته مما يأتي ، ومن موثق سماعة المتقدم هناك.

[٣] إشارة إلى قاعدة الغرور ، المستفادة من‌ النبوي : « المغرور يرجع على من غره » (١) ‌، المعول عليها في جملة من الموارد اتفاقاً. ويقتضيها أيضاً‌ خبر محمد بن سنان عن إسماعيل بن جابر قال : « سألت أبا عبد الله (ع) : عن رجل نظر الى امرأة فأعجبته فسأل عنها فقيل : هي ابنة فلان ، فأتى أباها فقال : زوجني ابنتك ، فزوجه غيرها ، فولدت منه ، فعلم بها بعد أنها غير ابنته ، وأنها أمة ، قال (ع) : ترد الوليدة على مواليها. والولد

__________________

(١) هذا الحديث وان وجد في بعض الكتب الفقهية الا أنه لم نعثر عليه بعد الفحص في كتب الحديث للعامة والخاصة وبعد الاستعانة ببعض الفهارس المعدة لضبط السنة النبوية.

٣٥٠

الحرية تضمن القيمة [١] ، وتتبع به بعد العتق. وكذا إذا صار مغروراً من قبل الشاهدين على حريتها [٢].

( مسألة ٢١ ) : لو تزوج أمة بين شريكين بإذنهما ثمَّ اشترى حصة أحدهما أو بعضها أو بعضا من حصة كل منهما بطل نكاحه ، ولا يجوز له بعد ذلك وطؤها [٣].

______________________________________________________

للرجل. وعلى الذي زوجه قيمة ثمن الوليد يعطيه موالي الوليدة كما غر الرجل وخدعه » (١). و‌خبر رفاعة بن موسى قال : « سألت أبا عبد الله (ع) : الى أن قال : وسألته عن البرصاء. قال : قضى أمير المؤمنين (ع) في امرأة زوجها وليها وهي برصاء أن لها المهر بما استحل من فرجها ، وأن المهر على الذي زوجها ، وأنه صار عليه المهر ، لأنه دلسها. ولو أن رجلا تزوج امرأة وزوجه إياها رجل لا يعرف دخيلة أمرها لم يكن عليه شي‌ء وكان المهر يأخذه منها » (٢). وربما يستفاد أيضا من غيرها. لكنه قاصر عن إفادة العموم ، وإنما يدل عليها في موارد خاصة. والعمدة ما ذكرنا. والأول يدل على الرجوع بقيمة الولد بالخصوص.

[١] كما مال إليه في الجواهر ، لما ذكر من القاعدة.

[٢] كما عن الحلي في السرائر ، مدعياً نفي الخلاف في ذلك وأن الإجماع منعقد عليه. وهو مقتضى قاعدة الغرور المتقدمة.

[٣] على المشهور ، بل إجماعاً إذا لم يرض الشريك الآخر. لعدم التبعيض في أسباب النكاح ابتداء واستدامة ، كما يقتضيه ظاهر قوله تعالى : ( إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) (٣) ، و‌موثق سماعة : « سألته

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب العيوب والتدليس حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب العيوب والتدليس حديث : ٢.

(٣) المعارج : ٣٠.

٣٥١

وكذا لو كانت لواحد واشترى بعضها [١]. وهل يجوز له وطؤها إذا حللها الشريك؟ قولان ، أقواهما : نعم ، للنص [٢].

______________________________________________________

عن رجلين بينهما أمة فزوجاها من رجل ، ثمَّ إن الرجل اشترى بعض السهمين. فقال (ع) : حرمت عليه باشترائه إياها. وذلك أن بيعها طلاقها. إلا أن يشتريها من جميعهم » (١) ‌وعن النهاية : جواز الوطء إذا رضي الشريك بالعقد ، وتبعه عليه القاضي. ودليله غير ظاهر في قبال ما عرفت. ولذا قال في الشرائع : « ولو أمضى الشريك الآخر العقد بعد الابتياع لم يصح. وقيل : يجوز له وطؤها بذلك. وهو ضعيف ».

[١] لما ذكر ، فان قوله (ع) : « وذلك أن بيعها طلاقها » ‌بمنزلة العام الشامل للمقام.

[٢] وهو‌ صحيح محمد بن قيس المروي في الكافي والتهذيب عن أبي جعفر (ع) قال : « سألته عن جارية بين رجلين دبراها جميعاً ، ثمَّ أحل أحدهما فرجها لشريكه. قال (ع) : هو له حلال. وأيهما مات قبل صاحبه فقد صار نصفها حراً من قبل الذي مات ونصفها مدبراً. قلت : أرأيت إن أراد الباقي منهما أن يمسها ، أله ذلك؟ قال (ع) : لا ، إلا أن يثبت عتقها ، ويتزوجها برضا منها متى ما أراد. قلت له : أليس قد صار نصفها حراً قد ملكت نصف رقبتها ، والنصف الآخر للباقي منهما؟ قال (ع) : بلى. قلت : فإن هي جعلت مولاها في حل من فرجها وأحلت له ذلك. قال (ع) : لا يجوز له ذلك. قلت : لم لا يجوز لها ذلك كما أجزت للذي كان له نصفها حين أحل فرجها لشريكه منها؟ قال (ع) : إن الحرة لا تهب فرجها ، ولا تعيره ، ولا تحلله. ولكن لها من نفسها يوم وللذي دبرها يوم ، فإن أحب أن يتزوجها متعة بشي‌ء في اليوم الذي

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٢.

٣٥٢

وكذا لا يجوز وطء من بعضه حر إذا اشترى نصيب الرقية لا بالعقد ، ولا بالتحليل منها. نعم لو هايأها فالأقوى جواز التمتع بها [١] في الزمان الذي لها ، عملاً بالنص الصحيح ،

______________________________________________________

تملك فيه نفسها فيتمتع منها بشي‌ء قل أو كثر » (١). ورواه الشيخ بطريق فيه علي بن فضال‌ (٢) ، والصدوق في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) (٣). وما قواه المصنف حكي عن ابن إدريس وجماعة ، منهم الشهيد في اللمعة. وفي الشرائع : « ولو حللها ، قيل : تحل. وهو مروي. وقيل : لا ، لأن سبب الاستباحة لا يتبعض ». ويشكل ما ذكره أخيراً بأن التحليل نوع من الملك ، كما عرفت ، فلا تبعض ، كما أشار إليه في كشف اللثام بعد أن قوى الجواز. مع أنه لا مجال لرد النص والأخذ بالقواعد العامة لو تمت. فاذاً الجواز متعين. ومن الغريب نسبة الضعف إلى الرواية في المسالك وغيرها ، مع أنها مروية في الكافي والتهذيب عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) بطريق صحيح‌ (٤) ، وفي الفقيه عن محمد بن مسلم عنه (ع) بطريق صحيح أيضا‌ (٥) ، ورويت في التهذيب في أوائل كتاب النكاح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) بطريق فيه علي بن فضال‌ (٦) ، فيكون من الموثق.

[١] كما عن الشيخ ، وجماعة. وفي الشرائع : « قيل : يجوز أن‌

__________________

(١) الكافي الجزء : ٥ صفحة : ٤٨٢. التهذيب الجزء : ٨ الصفحة : ٢٠٣ ، الوسائل باب : ٤١ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١ وملحقة الأول.

(٢) الوسائل باب : ٤١ من أبواب نكاح العبيد والإماء الملحق الثاني لحديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٤١ من أبواب نكاح العبيد والإماء الملحق الثالث لحديث : ١.

(٤) الكافي الجزء : ٥ صفحة : ٤٨٢ ، التهذيب الجزء : ٨ صفحة : ٢٠٣ الطبعة الحديثة.

(٥) من لا يحضره الفقيه الجزء : ٣ صفحة : ٢٩٠ الطبعة الحديثة.

(٦) التهذيب الجزء : ٧ صفحة : ٢٤٥ الطبعة الحديثة.

٣٥٣

وإن كان الأحوط خلافه.

فصل في الطوارئ

وهي العتق ، والبيع ، والطلاق. أما العتق : فإذا أعتقت الأمة المزوجة كان لها فسخ نكاحها إذا كانت تحت عبد [١]

______________________________________________________

يعقد عليها متعة في الزمان المختص بها. وهو مروي. وفيه تردد ، لما ذكرنا من العلة ». ويشكل بأن النص الصحيح المعول عليه عند الشيخ واتباعه لا مجال لرده بالعلة المذكورة ، وإن عول عليها المشهور ، كما قيل.كما لا مجال لما في المسالك من أن منافع البضع لا تدخل في المهاياة وإلا لحل المتعة بغيره في أيامها ، وهو باطل اتفاقاً. لإمكان منع الملازمة بين الحكمين ، وجواز التفكيك بين الفرضين ، كما ذكر في الجواهر.

فصل في الطوارئ‌

[١] بلا خلاف ، ولا إشكال. بل في الرياض : « إذا كانت تحت عبد إجماعاً من المسلمين ، كما حكاه جماعة ». ويشهد به النصوص المستفيضة ، كمصحح الحلبي قال : « سألت أبا عبد الله (ع) : عن أمة كانت تحت عبد فأعتقت الأمة. قال (ع) : أمرها بيدها إن شاءت تركت نفسها مع زوجها ، وإن شاءت نزعت نفسها منه. قال : وذكر أن بريرة كانت عند زوج لها وهي مملوكة ، فاشترتها عائشة فأعتقتها ، فخيرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .. » (١) ‌، و‌موثق عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) :

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٢.

٣٥٤

بل مطلقاً وإن كانت تحت حر على الأقوى [١]. والظاهر عدم‌

______________________________________________________

« أنه كان لبريرة زوج عبد فلما أعتقت قال لها رسول الله (ص) اختاري » (١) ، و‌صحيح محمد بن مسلم : « سألت أبا عبد الله (ع) : عن المملوكة تكون تحت العبد ثمَّ تعتق. فقال (ع) : تتخير ، فان شاءت أقامت على زوجها ، وإن شاءت فارقته » (٢). ونحوها غيرها.

[١] على المشهور ، ومنهم الشيخ في النهاية ، والمحقق في المختصر النافع. لجملة من النصوص ، منها‌ خبر محمد بن آدم عن الرضا (ع) : « إذا أعتقت الأمة ولها زوج خيرت إن كانت تحت عبد أو حر » (٣). ونحوه خبر زيد الشحام عن أبي عبد الله (ع) (٤) ، وإطلاق‌ خبر الكناني : « أيما امرأة أعتقت فأمرها بيدها ، إن شاءت أقامت معه ، وإن شاءت فارقته » (٥). وخصوص‌ مرسل عبد الله بن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل حر نكح أمة مملوكة ثمَّ أعتقت قبل أن يطلقها. قال (ع) : هي أملك ببضعها » (٦). وعن الشيخ في المبسوط والخلاف : نفي الخيار. وفي الشرائع : أنه أشبه. وعن شرح النافع : أنه متعين. لضعف النصوص المذكورة سنداً ، فلا تصلح لإثبات حكم مخالف للأصل. ويشكل بأن ضعف النصوص مجبور بعمل المشهور بها واعتمادهم عليها. ولا سيما بملاحظة‌ قول النبي (ص) لبريرة : « ملكت

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١٢.

(٤) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١٣.

(٥) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٨.

(٦) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١١.

٣٥٥

الفرق بين النكاح الدائم والمنقطع [١]. نعم الحكم مخصوص بما إذا أعتق كلها ، فلا خيار لها مع عتق بعضها على الأقوى [٢] نعم إذا أعتق البعض الآخر أيضاً ـ ولو بعد مدة ـ كان لها الخيار [٣].

( مسألة ١ ) : إذا كان عتقها بعد الدخول ثبت تمام المهر. وهل هو لمولاها أو لها؟ تابع للجعل في العقد [٤] ،

______________________________________________________

بضعك فاختاري » (١) ‌فإنه بمنزلة التعليل الشامل لغير مورده. لكن لم أعثر على ذلك في رواياتنا.

[١] كما يقتضيه إطلاق النص والفتوى. وقد يحتمل عدم الخيار في المنقطع ، لأنه كالإجارة لا تنفسخ بالعتق. ولكنه كما ترى.

[٢] كما نص على ذلك في القواعد وغيرها. ويقتضيه الأصل وقصور النصوص والفتوى عن شمول الفرض ، كما ذكر ذلك في كشف اللثام وغيره. ويظهر من عبارة المصنف أنه محل خلاف. لكن نسبة الخلاف في كشف اللثام الى بعض الشافعية يدل على الاتفاق عليه عندنا ، كما هو ظاهر الجواهر أيضا.

[٣] كما يستفاد من‌ قوله (ع) : « هي أملك ببضعها » ‌، وإن كان مقتضى الجمود عليها الاقتصار على صورة عتق الكل. لكن منصرفها صيرورتها بتمامها حرة ، ولو بالتدريج.

[٤] قد تقدم في المسألة الرابعة الجزم بأن مهر الأمة المزوجة لمولاها ، ودعوى الاتفاق عليه من جماعة. فلا وجه ظاهر لهذا التردد في المقام ، والتفصيل. ولذا قال في الجواهر : « وإن اختارت الفراق في موضع ثبوته‌

__________________

(١) لم نعثر عليه في كتب الحديث ، نعم ورد ما يدل عليه في نصوص كثيرة ، راجع الوسائل باب : ٥٢ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، ومستدرك الوسائل باب : ٣٦ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، والمرط باب : ١٠ من كتاب الطلاق.

٣٥٦

فان جعل لها فلها وإلا فله. ولمولاها في الصورة الأولى تملكه كما في سائر الموارد ، إذ له تملك مال مملوكه [١] بناء على القول بالملكية. لكن هذا إذا كان قبل انعتاقها [٢]. وأما بعد انعتاقها فليس له ذلك [٣]. وإن كان قبل الدخول [٤] ففي سقوطه ، أو سقوط نصفه ، أو عدم سقوطه أصلاً ، وجوه ، أقواها : الأخير [٥] ، وإن كان مقتضى الفسخ‌

______________________________________________________

بعد الدخول كان المهر ثابتاً لمولاها بلا خلاف أجده فيه ، بل ولا إشكال إذا كان العتق بعد الدخول ». إلا أن يقال : إن ما سبق يختص بصورة ما إذا أطلق المهر ، والمقام يختص بما إذا عين للمولى ، أو لها ، أو أطلق. لكن ذلك لا يناسب عبارة المتن.

[١] لأنه تحت سلطانه مطلقاً.

[٢] يعني : التملك.

[٣] لخروجه عن سلطانه بحرية مالكه ، الموجبة لسلطنته عليه.

[٤] يعني : العتق والفسخ أيضا.

[٥] قال في المسالك : « إن كان ( يعني : الخيار ) قبله سقط المهر إذ الفسخ جاء من قبلها ». ونحوه في كشف اللثام. وفي الجواهر : « إذا اختارت الفراق في موضع ثبوته قبل الدخول سقط المهر من غير خلاف يعرف فيه ، لكون الفسخ منها قبل الدخول ، ولأنه كتلف المبيع قبل قبضه ، ولكون النكاح كالمعاوضة المبنية على التسلم بالتسليم. لكن قد يناقش بثبوت المهر بالعقد. وكون الفسخ من قبلها على تقدير اقتضائه سقوط المهر إنما يؤثر لو كان المهر لها لا إذا كان لغيرها. والقياس على تلف المبيع قبل قبضه باطل عندنا. وبناء هذه المعاوضة على احتمال جريان أمثال هذه العوارض‌

٣٥٧

الأول ، وذلك لعدم معلومية كون المقام من باب الفسخ ، لاحتمال كونه من باب بطلان النكاح مع اختيارها المفارقة. والقياس على الطلاق في ثبوت النصف لا وجه له.

( مسألة ٢ ) : إذا كان العتق قبل الدخول والفسخ بعده فان كان المهر جعل لها فلها. وإن جعل للمولى ، أو أطلق ، ففي كونه لها أوله قولان ، أقواهما : الثاني ، لأنه‌

______________________________________________________

فيها ». وما ذكره من المناقشة متين ، إلا ما ذكره من ثبوت المهر بالعقد فإنه لا يقتضي بقاء المهر ، لكون المفروض انفساخ العقد باختيار الفراق ، وبعد انفساخه لا يبقى لمضمونه أثر ، فضلاً عن الشرط المذكور فيه. نعم احتمل المصنف (ره) أن اختيار الفراق في المقام ليس من باب الفسخ ، بل من باب بطلان النكاح مع اختيارها المفارقة. ولم يتضح الفرق بين الفسخ والبطلان فيما نحن فيه ، لأنه إذا بطل النكاح فقد بطل المهر ، لأنه شرط فيه ، وبالجملة : فبقاء المهر مع الفسخ ـ الذي ذكره في الجواهر ـ أو مع البطلان ـ الذي ذكر في المتن ـ غير ظاهر. نعم يمكن دعوى منع حصول الفسخ والبطلان باختيار الفراق ، واحتمال أن يكون نظير الطلاق. غاية الأمر أن إيقاع الطلاق جعل الفراق من الزوج وإيقاع هذا الفراق من الزوجة. ولا يأبى‌ قوله (ع) في الصحيح الأول : « وإن شاءت نزعت نفسها منه » ‌، و‌قوله (ع) في الصحيح الأخير : « وإن شاءت فارقته » (١) ‌أن يكون من قبيل الفراق المجعول ضد الزوجية ، لا نقض الزوجية المجعولة. وحينئذ يكون أقوى الوجوه ما اختاره المصنف (ره). وحمل الفراق في المقام على الطلاق في تنصيف المهر ، لا وجه له. فالعمل بالأصل متعين.

__________________

(١) تقدم التعرض لهما في أول هذا الفصل.

٣٥٨

ثابت بالعقد [١] وإن كان يستقر بالدخول ، والمفروض أنها كانت أمة حين العقد [٢].

( مسألة ٣ ) : لو كان نكاحها بالتفويض ، فان كان بتفويض المهر [٣] فالظاهر ان حاله حال ما إذا عين في العقد [٤] وإن كان بتفويض البضع [٥] ، فان كان الانعتاق بعد الدخول وبعد التعيين ، فحاله حال ما إذا عين حين العقد [٦]. وإن كان قبل الدخول ، فالظاهر أن المهر لها [٧] ، لأنه يثبت‌

______________________________________________________

[١] على الأصح ، كما في المسالك ، والتحقيق ، كما في الجواهر ، ونحوهما ما في غيرهما : لوضوح أنه مذكور في العقد ، فاذا صح ثبت. وقيل : يثبت بالدخول ، ولذا يتنصف بالطلاق قبل الدخول. وفيه : أنه حكم على خلاف القاعدة قام عليه الدليل. على أن ثبوت النصف حينئذ يدل على عدم استقلال الدخول في ذلك.

[٢] فيكون مهرها لمولاها. وإذا قلنا بأن المهر يثبت بالدخول لا بالعقد اتجه حينئذ ثبوت المهر لها ، لأن الدخول كان في حال الحرية.

[٣] بأن يذكر المهر في العقد ويفوض تعيينه الى أحد الزوجين بعينه ، أو ولو مطلقاً لا بعينه ، أو ولو إليهما معا ، أو ولو الى أجنبي ، على خلاف في ذلك.

[٤] كما في كشف اللثام والجواهر. لأن المهر حينئذ يكون بالعقد ، فتجري فيه أحكام الصور الثلاث للمهر المعين في العقد.

[٥] بأن لا يذكر المهر في العقد أصلاً ، لا إجماعا ، ولا تفصيلاً.

[٦] لان التعيين اللاحق كالتعيين في العقد نافذ. وإن كان العتق بعد الدخول بلا تعيين تعين مهر المثل. ويكون للسيد في الفرضين.

[٧] يعني : إذا دخل بها قبل اختيار الفراق. أما إذا اختارت الفراق‌

٣٥٩

حينئذ بالدخول ، والمفروض حريتها حينه.

( مسألة ٤ ) : إذا كان العتق في العدة الرجعية فالظاهر أن الخيار باق [١] ، فان اختارت الفسخ لم يبق للزوج الرجوع حينئذ ، وإن اختارت البقاء بقي له حق الرجوع. ثمَّ إذا اختارت الفسخ لا تتعدد العدة ، بل يكفيها عدة واحدة [٢] ولكن عليها تتميمها عدة الحرة [٣]. وإن كانت العدة بائنة فلا خيار لها على الأقوى [٤].

______________________________________________________

قبل الدخول فلا مهر لها ، ولا للسيد ، لعدم المقتضي له ، لا عقد ، ولا دخول ، إلا إذا قلنا بأن صداق المفوضة يجب بالعقد وإن لم يفرض لها ، وإنما الفرض كاشف عن قدر الواجب ، فهو للسيد ، كما ذكر في القواعد وكشف اللثام والجواهر.

[١] لأنها بحكم الزوجة. ولضرورة أولويته من فسخ النكاح المستقر ، كما في كشف اللثام وغيره.

[٢] نص على ذلك كله في القواعد وغيرها. ويقتضيه إطلاق الأدلة. ولا مجال للرجوع إلى أصالة عدم التداخل ، لأنها خلاف المرتكزات العرفية في المقام.

[٣] لصيرورتها حرة. لكن الاكتفاء بذلك يقتضي إلغاء سببية الفسخ للعدة ، وهو أمر زائد على التداخل ، ووجهه غير ظاهر ، لأنه إلغاء لسببية الفسخ من غير وجه ، والارتكاز إنما يساعد على التداخل ، لا على إلغاء السببية بالمرة. نعم ما في المتن مذكور في القواعد وغيرها ، ويظهر منهم المفروغية عنه ، فان كان إجماعاً فهو ، وإلا فالمتعين استئناف عدة الحرة للفسخ.

[٤] كما في الجواهر. لأنها حينئذ ليست زوجة ، ونصوص الخيار‌

٣٦٠