مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٧

وخروجها عن العدة إن كانت رجعية. فلو وطئها قبل ذلك‌

______________________________________________________

فاذا حرم امتنعت الزوجية ، وهي بخلاف الملكية ، فإنها ليست متقومة باستمتاع المالك ، فلا مانع من اعتبارها وإن حرم الاستمتاع ، ولذلك جاز ملك الأختين ، ولم يجز تزويج الأختين. وأما تحريم العقد تكليفاً فغير مستفاد من الآية ، بل إن ثبت فلا بد أن يكون لدليل آخر. وعليه فتحريم الجمع بين الأختين يستوجب تحريم الاستمتاع بهما سواء كان المحلل هو العقد ، أم الملك. فاذا عقد على إحداهما حل الاستمتاع بها ، فاذا ملك الأخرى حرم الاستمتاع بها ، لحرمة الجمع بين الأختين للاستمتاع.

نعم يبقى الإشكال في تعيين الثانية للتحريم ، دون الأولى ، مع أن الجمع إنما يكون بهما معا ، ونسبته إليهما على نحو واحد ، فلم لا تحرم الأولى وتحل الثانية؟! والتقدم الزماني لا أثر له في الترجيح.

فان قلت : التقدم الزماني إنما لا يكون له أثر في الترجيح عند تزاحم المقتضيات ـ مثل تزاحم الواجبين كصلاتين ، وصومين ، وصلاة وصوم ، ونحو ذلك ـ لا فيما نحن فيه ، إذ الحرام إنما هو الجمع بين الأختين ، والجمع إنما يكون بضم الثانية إلى الأولى ، فإذا حرم الجمع بين الأختين فقد حرم ضم الثانية إلى الأولى في الاستمتاع. وليس معنى ذلك إلا تحريم الثانية بعينها ، لأن الجمع إنما يكون بها ، لا بالأولى.

قلت : ليس معنى تحريم الجمع بين الأختين إلا تحريم الاستمتاع بهما معا ، وكما أن تحريم الثانية بعينها يتحقق به تحريم الجمع بينهما ، كذلك تحريم الأولى بعينها أيضاً يتحقق به تحريم الجمع بينهما ، فلا ميز بينهما في ذلك ، ولا مرجح لإحداهما على الأخرى. فإذاً العمدة في تعين الثانية للتحريم هو الاستصحاب ، لان تحريم الاولى بعد تملك الثانية رفع للحل السابق ، وتحريم الثانية إبقاء للتحريم. ومقتضى الاستصحاب عند الشك‌

٢٤١

فعل حراما. لكن لا تحرم عليه الزوجة بذلك [١]. ولا يحد حد الزنا بوطء المملوكة [٢] ، بل يعزر ، فيكون حرمة وطئها كحرمة وطء الحائض.

( مسألة ٤١ ) : لو وطئ إحدى الأختين بالملك ثمَّ تزوج الأخرى فالأظهر بطلان التزويج [٣] وقد يقال بصحته وحرمة وطء الأولى إلا بعد طلاق الثانية [٤].

______________________________________________________

في الترجيح شرعاً هو البناء على بقاء ما كان من تحليل الأولى ، وتحريم الثانية. فلا حظ.

[١] كما نص عليه في كشف اللثام ، وغيره. وفي الجواهر : « لم تحرم المنكوحة قطعاً ». وكأنه‌ لقوله (ص) : « الحرام لا يحرم الحلال » (١)

[٢] لاختصاصه بغير العقد والملك والشبهة. فلا يحد من وطئ زوجته وإن حرم وطؤها كالحائض والصائمة ، ولا من وطئ أمته وإن حرم وطؤها لحيض أو غيره. ومنه المقام. ولزوم الحد في وطء الأمة المزوجة للإجماع والنص. ويشير الى نفي الحد في المقام النصوص الآتية في المسألة الخامسة والأربعين.

[٣] لما عرفت في المسألة السابقة.

[٤] كما عن المبسوط ، والمختلف ، والتحرير. وظاهر المسالك : الميل اليه ، لكون التزويج أقوى من ملك اليمين ، لكثرة ما يتعلق به من الأحكام التي لا تلحق الملك ، كالطلاق ، والظهار ، والإيلاء ، والميراث ، وغيرها وهو كما ترى ، إذ الأحكام المذكورة لا تدل على الترجيح فيما نحن فيه ، ولا على رفع اليد عن الاستصحاب الذي قد عرفته.

__________________

(١) كنز العمال الجزء : ٨ حديث : ٤٠٦٤ والحديث منقول بالمعنى.

٢٤٢

( مسألة ٤٢ ) : لو تزوج بإحدى الأختين ، ثمَّ تزوج بالأخرى بطل عقد الثانية [١] ، سواء كان بعد وطء الأولى أو قبله [٢]. ولا يحرم بذلك وطء الأولى [٣] وإن كان قد‌

______________________________________________________

[١] بلا إشكال ، ولا خلاف ، كما في الجواهر. وفي كشف اللثام : أنه قطعي. ويقتضيه ما عرفت من الاستصحاب. ويشهد له‌ صحيح زرارة بن أعين قال : « سألت أبا جعفر (ع) عن رجل تزوج امرأة في العراق ، ثمَّ خرج الى الشام فتزوج امرأة أخرى ، فإذا هي أخت امرأته التي بالعراق. قال (ع) : يفرق بينه وبين المرأة التي تزوجها بالشام. ولا يقرب المرأة العراقية حتى تنقضي عدة الشامية. قلت : فان تزوج امرأة ، ثمَّ تزوج أمها وهو لا يعلم أنها أمها. قال (ع) : قد وضع الله تعالى عنه جهالته بذلك. ثمَّ قال : إن علم أنها أمها فلا يقربها ولا يقرب الابنة حتى تنقضي عدة الام منه ، فاذا انقضت عدة الأم حل له نكاح الابنة » (١).

نعم‌ في صحيح ابن مسكان ، عن أبي بكر الحضرمي ، قال : « قلت لأبي جعفر (ع) : رجل نكح امرأة ، ثمَّ أتى أرضاً فنكح أختها ولا يعلم. قال (ع) يمسك أيتهما شاء ، ويخلي سبيل الأخرى » (٢). ولكن يتعين طرحه ، أو حمله على ما لا ينافي ما سبق ، كما عن الشيخ ، فحمله على أنه إذا أراد إمساك الأولى فليمسكها بالعقد الثابت المستقر ، وإن أراد إمساك الثانية فليطلق الأولى ، ثمَّ ليمسك الثانية بعقد مستأنف :

[٢] كما نص عليه الجماعة. ويقتضيه إطلاق النص ، والأصل ، والفتوى.

[٣] بلا إشكال. لأن الحرام لا يحرم الحلال.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

٢٤٣

دخل بالثانية. نعم لو دخل بها مع الجهل بأنها أخت الأولى يكره له وطء الأولى قبل خروج الثانية من العدة [١]. بل قيل : يحرم [٢] ، للنص الصحيح. وهو الأحوط.

( مسألة ٤٣ ) : لو تزوج بالأختين ولم يعلم السابق واللاحق ، فان علم تاريخ أحد العقدين حكم بصحته [٣] دون المجهول. وإن جهل تاريخهما حرم عليه وطؤهما [٤]. وكذا وطء إحداهما [٥] إلا بعد طلاقهما [٦] أو طلاق الزوجة‌

______________________________________________________

[١] كما صرح به جماعة. لأن العدة من علائق الزوجية ، كما في كشف اللثام. ولصحيح زرارة المتقدم بعد حمله على الكراهة ، بعد إعراض المعظم عنه.

[٢] حكي عن ظاهر نهاية الشيخ ، وعن ابني حمزة والبراج ، عملاً منهم بظاهر النص.

[٣] لأصالة عدم تزويج الأخرى إلى حينه ، المتمم لموضوع الصحة ، فإن العقد على الأخت إذا كان قد عقد على أختها باطل ، وإذا لم يعقد على أختها صحيح ، فموضوع الصحة مؤلف من العقد والقيد المذكور ، فاذا ثبت القيد بالأصل ثبتت الصحة ، ولا يجري مثل ذلك في مجهول التاريخ ، بناء على التحقيق ، كما ذكر في مباحث الخلل في الوضوء من هذا الشرح.

[٤] للعلم الإجمالي.

[٥] لوجوب الموافقة القطعية ، على ما هو التحقيق.

[٦] يعني : طلاق كل منهما برجاء انها زوجة ، وإلا فالاخرى ليست بزوجة كي تحتاج الى طلاق.

٢٤٤

الواقعية منهما ثمَّ تزويج من شاء منهما بعقد جديد بعد خروج الأخرى من العدة [١] إن كان دخل بها أو بهما. وهل يجبر على هذا الطلاق دفعاً لضرر الصبر عليهما؟ لا يبعد ذلك [٢] ،

______________________________________________________

[١] لاحتمال أنها زوجة ، فلا يجوز تزويج أختها إلا بعد خروجها عن العدة إذا كان دخل بها ، وكان الطلاق رجعياً كما سيأتي.

[٢] كما جزم به في التذكرة. وفي القواعد : أنه أقرب. وتبعه في كشف اللثام. لكن في مبحث الولاية فيما إذا عقد الوليان مترتبين ونسي السابق منهما ، استشكل في الإلزام بالطلاق بأن الإجبار يوجب وقوعه عن إكراه ، وطلاق المكره باطل. وجعل الأقوى فسخ الحاكم ، وأجاب عنه غير واحد بأن الإكراه إنما يوجب البطلان إذا لم يكن إكراهاً على واجب ، وإلا فهو بمنزلة الاختيار. ووجوب الطلاق لأنه أحد عدلي الواجب التخييري المستفاد وجوبه من قوله تعالى في سورة البقرة. ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ ، فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ ، أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) ، وقوله تعالى منها ( وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ، أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ) (١) وقوله تعالى في سورة الطلاق ( فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ ) (٢). لكن الظاهر من الآيتين الأخيرتين أن المراد من التسريح والفراق ترك الرجوع بها في العدة حتى تنتهي العدة ، لا الطلاق. وأما الآية الأولى : فالظاهر منها ذلك أيضا. لكن‌ في موثق الحسن بن فضال المروي في الفقيه عن الرضا (ع) ـ في حديث ـ : « إن الله عز وجل أذن في الطلاق مرتين ، فقال ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ ، فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) يعني : في التطليقة الثالثة » (٣). و‌في رواية العياشي

__________________

(١) الآية : ٢٢٩ ، ٢٣١.

(٢) الآية : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب أقسام الطلاق حديث : ٧.

٢٤٥

______________________________________________________

عن أبي عبد الله : « إن الله تعالى يقول ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ ، فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) ، والتسريح هو التطليقة الثالثة » (١). ونحوها ما رواه العياشي عن أبي بصير‌ (٢) ، وسماعة بن مهران عن أبي عبد الله (ع) (٣). إلا أن ذلك خلاف ظاهر الآية المذكورة إلى تمامها وما بعدها ، وهو قوله تعالى ( وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاّ أَنْ يَخافا أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ ، فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ. فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ، فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ. وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ، أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا .. ) (٤) فان الظاهر ـ بعد ملاحظة ما ذكر بتمامه ـ أن المراد من التسريح ترك الرجوع بها كما هو الظاهر من الآيتين الأخيرتين والطلاق الثالث يشار اليه بقوله تعالى : ( فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ .. ).

وقد يستدل على وجوب الطلاق بما دل على نفي الحرج (٥) والضرر (٦)

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب أقسام الطلاق حديث : ١٠.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب أقسام الطلاق حديث : ١٢.

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب أقسام الطلاق حديث : ١٣.

(٤) البقرة : ٢٢٩ إلى ٢٣١.

(٥) مثل قوله تعالى ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) البقرة : ١٨٥ ، وقوله تعالى ( ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ) المائدة : ٦ ، وقوله تعالى ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) الحج : ٧٨. وقد يدل عليه خبر عبد الأعلى مولى آل سام راجع الوسائل باب : ٣٩ من أبواب الوضوء حديث : ٥.

(٦) راجع الوسائل باب : ١٧ من أبواب الخيار من كتاب البيع ، وباب : ٥ من كتاب الشفعة ، وباب ٧ ، ١٢ من كتاب إحياء الموات.

٢٤٦

لقوله تعالى ( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ). وربما يقال : بعدم وجوب الطلاق عليه ، وعدم إجباره ، وأنه يعين بالقرعة [١].

______________________________________________________

كما في كشف اللثام وغيره ، فان بقاء الزوجة على زوجيتها ضرر عليها وحرج ، وفيه : أن الضرر أو الحرج ليس من الزوجية ، بل من أحكام الزوجية بعد الاشتباه ، فدليل نفيهما يقتضي نفي تلك الاحكام. لكن ليس بناء الفقهاء عليه ، فلا يجوز الزنا للحرج ، ولا يجوز أكل مال الغير للحرج ، ولا يجوز شرب الخمر للحرج ، فلا يكون الحرج مجوزاً لفعل المحرمات عندهم ، وإن كان مجوزاً لترك الواجبات ، وإن كان الفرق بين الواجبات والمحرمات في ذلك غير ظاهر ، ومقتضى دليل نفيه نفي التحريم كنفي الوجوب. ومقتضى ذلك أنه يجوز لكل من الأختين أن يستمتع بها غير المعقود له رفعاً للحرج ، لا وجوب الطلاق على الزوج. وبما ذكرنا ظهر الفرق بين الضرر في المقام ، وبين الضرر في المعاملة المشتملة على الغبن. فان الضرر هناك من نفس المعاملة ، ومبادلة القليل بالكثير بخلاف المقام ، فان الضرر هنا يلزم من ثبوت أحكام الزوجية ، لا من نفس الزوجية. ولو سلم فمقتضى ذلك أن يكون للزوجة الخيار في الفسخ ، لا وجوب الطلاق على الزوج ، كما هو المدعى ، ولا سيما بملاحظة أن الطلاق يوجب الضرر على الزوج بنصف المسمى.

[١] هذا القول لم أقف على قائله. نعم في القواعد ، فيما لو زوجها الوليان من اثنين واشتبه السابق واللاحق ، احتمل القرعة. لكن قال : « ويؤمر من لم تقع له القرعة بالطلاق ويجدد من وقعت له النكاح ». واستدل له في جامع المقاصد وغيره بما‌ قالوه (ع) : « كل أمر مشكل فيه

٢٤٧

وقد يقال : إن الحاكم يفسخ نكاحهما [١]. ثمَّ مقتضى العلم الإجمالي بكون إحداهما زوجة وجوب الإنفاق عليهما [٢] ما لم يطلق ، ومع الطلاق قبل الدخول نصف المهر لكل منهما ،

______________________________________________________

القرعة » (١). وأشكل عليه في جامع المقاصد : بأن القرعة لا مجال لها في الأمور التي هي مناط الاحتياط التام ، وهي الأنكحة التي تتعلق بها الأنساب ، والإرث ، والتحريم ، والمحرمية. وفيه : أن ذلك خلاف إطلاق دليل القرعة. نعم ليس بناء الأصحاب على العمل به في موارد الاحتياط كالشبهة المحصورة. لكن ذلك إذا لم يلزم منه محذور ، والمفروض لزومه. وقد ورد في نصوص القرعة ما تضمن مشروعيتها فيمن نزا على شاة في قطيع غنم وقد اشتبهت بغيرها. والمقام نظيره في لزوم الضرر من الاحتياط.

ومن ذلك يظهر توجه الاشكال على ما في القواعد : بأنه إذا عمل بالقرعة لم يكن وجه لأمر من وقعت له بالنكاح ، وأمر من لم تقع له بالطلاق. فان ذلك خلاف مقتضى القرعة. اللهم إلا أن تكون القرعة لتعيين من يؤمر بالطلاق أو النكاح ، لا لتعيين الزوجة. وهو كما ترى ، إذ لا دليل على هذا الأمر ، ليستخرج مورده بالقرعة ، بل أمر كل منهما بالطلاق أولى من أمر أحدهما به ، وأمر الآخر بالنكاح.

[١] هذا اختاره في القواعد في تزويج وليي المرأة من رجلين مع اشتباه السابق. وتبعه في جامع المقاصد. لان فيه دفع الضرر مع السلامة من ارتكاب الإجبار في الطلاق. وفيه : أن هذا المقدار لا يقتضي ولاية الحاكم على ذلك ، بل الاولى من ذلك ولايتها على الفسخ ، نظير المعاملة الغبنية.

[٢] لكن لزوم الضرر المالي من الاحتياط يوجب ارتفاعه ، وحينئذ يتعين الرجوع الى القرعة في تعيين المستحق للنفقة.

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ١١ من أبواب كيفية القضاء حديث : ١.

٢٤٨

وإن كان بعد الدخول فتمامه [١]. لكن ذكر بعضهم أنه لا يجب عليه إلا نصف المهر لهما ، فلكل منهما الربع في صورة عدم الدخول [٢] ،

______________________________________________________

[١] عملا بالعلم الإجمالي. لكن عرفت إشكاله.

[٢] قال في القواعد : « فان اشتبه السابق منع منهما. والأقرب إلزامه بطلاقهما ، فيثبت لهما ربع المهرين ، مع اتفاقهما واختلافهما على إشكال ». ويحتمل أن قوله : « على إشكال .. » راجع الى أصل الحكم بقرينة قوله ـ بعد ذلك ـ : « ويحتمل القرعة في مستحق المهر ». ويحتمل أن يكون راجعاً إلى صورة اختلاف المهرين. لأنه مع اتفاق المهرين جنساً وقدراً ووصفاً يكون ربع مجموع المهرين عين نصف أحدهما ، فيكون تقسيمه على الأختين عملا بقاعدة العدل والانصاف. أما مع الاختلاف فالواجب نصف أحدهما ، وهو مخالف لربع مجموعهما ، فإيجاب الربع عليه يوجب إسقاط الواجب وإيجاب غيره. اللهم إلا أن تكون قاعدة العدل والانصاف مبنية على ذلك ، فكما أنه مع الاتفاق يلزم حرمان المستحق ، لعدم المرجح مع التردد ، فكذلك في صورة الاختلاف يلزم مع ذلك إعطاء غير الواجب. لعدم المرجح. فعدم المرجح الموجب للحرمان مع الاتفاق هو الموجب لإعطاء غير الواجب أيضا.

هذا ولأجل أن قاعدة العدل والانصاف لا دليل ظاهر عليها إلا ما يتراءى من كلام غير واحد من حكم العقل بذلك ، لعدم المرجح ، وقد يشير اليه التعبير عنها بقاعدة العدل والانصاف. أو من جهة النصوص الواردة في الموارد المتعددة ، المتضمنة للتنصيف.

والأول غير ظاهر ، فان عدم المرجح كما يقتضي جواز التنصيف ، يقتضي التخيير ، نظير ما ذكروه في مسألة الدوران بين الوجوب والحرمة ، من أن التخيير استمراري ، وأن حكم العقل بالتخيير ابتداء بعينه يقتضي‌

٢٤٩

التخيير ثانياً ، وأنه لا فرق في نظر العقل بين احتمال الموافقة المقرون باحتمال المخالفة ، وبين القطع بالمخالفة المقرون بالقطع بالموافقة. ففي المقام تخصيص أحد الشخصين بتمام المال يوجب الموافقة الاحتمالية المقرونة بالمخالفة الاحتمالية ، والتوزيع يوجب الموافقة القطعية المقرونة بالمخالفة القطعية. ولا فرق بينهما في نظر العقل.

والثاني أيضا : غير ظاهر ، لأن ما ورد [*] في الموارد الخاصة المذكورة‌

______________________________________________________

[*] مثل رواية عبد الله بن المغيرة ، عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) : « في رجلين كان معهما درهمان ، فقال أحدهما : الدرهمان لي ، وقال الآخر : هما بيني وبينك. فقال : أما الذي قال : هما بيني وبينك فقد أقر بأن أحد الدرهمين ليس له ، وأنه لصاحبه ، ويقسم الآخر بينهما » (١) ، ورواية السكوني عن الصادق (ع) عن أبيه : « في رجل استودع رجلا دينارين فاستودعه آخر دينار. فضاع دينار منهما. فقال (ع) : يعطى صاحب الدينارين دينارا ، ويقسم الآخر بينهما نصفين » (٢). ورواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) : « في رجلين اختصما في دابة في أيديهما‌ .. الى أن قال : فقيل له : فلو لم تكن في يد واحد منهما ، وأقاما البينة.فقال : أحلفهما ، فأيهما حلف ونكل الآخر جعلتها للحالف. فان حلفا جميعا جعلتها بينهما نصفين » (٣) ، ورواية غياث بن إبراهيم : « لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين » (٤) ونحوهما رواية تميم بن طرفة (٥). ورواية يونس بن يعقوب عن ابي عبد الله (ع) : « في امرأة تموت قبل الرجل أو رجل قبل المرأة. قال : ما كان من متاع النساء فهو المرأة ، وما كان من متاع الرجال والنساء فهو بينهما » (٦) ‌، ورواية رفاعة : « وما يكون الرجال والنساء قسم

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب الصلح حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب الصلح حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب كيفية القضاء حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ١٢ من أبواب كيفية القضاء حديث : ٣.

(٥) الوسائل باب : ١٢ من أبواب كيفية القضاء حديث : ٤.

(٦) الوسائل باب : ٨ من أبواب ميراث الأزواج حديث : ٣.

٢٥٠

وتمام أحد المهرين لهما في صورة الدخول. والمسألة محل إشكال كنظائرها من العلم الإجمالي في الماليات.

( مسألة ٤٤ ) : لو اقترن عقد الأختين بأن تزوجهما بصيغة واحدة ، أو عقد على إحداهما ووكيله على الأخرى في زمان واحد ـ بطلا معاً [١]. وربما يقال : بكونه مخيراً في‌

______________________________________________________

في كتاب الصلح‌ ، وفي كتاب القضاء ‌، وغيرهما‌ ، لا يمكن التعدي من مورده الى غيره. وليس فيه إشارة إلى قاعدة كلية. مع ثبوت خلافها في بعض مواردها ، وفي موارد أخرى ، كما يظهر ذلك من ملاحظة مواردها وباب إرث الغرقى والمهدوم عليهم. فالبناء عليها غير ظاهر. ولأجل ذلك يتعين الرجوع الى القرعة ـ كما احتمله في القواعد ، وجعله في جامع المقاصد وكشف اللثام : أقوى. وفي الجواهر : لعله الأقوى ـ عملا بعموم أدلتها.

ثمَّ إنه لو بني على التوزيع فلا بد من ملاحظة النسبة بين المهرين فاذا كان مهر إحداهما عشرة ، ومهر الثانية ثلاثين ، وبني على توزيع ربع المهرين كان اللازم إعطاء الأولى اثنين ونصفا وإعطاء الثانية سبعة ونصفا ، لا توزيع ربع الأربعين بينهما بالسوية. يظهر ذلك بالتأمل.

[١] كما نسب الى المبسوط ، وابني حمزة وإدريس ، بل الى أكثر المتأخرين أيضا. واختاره في الشرائع ، لبطلان العقد بالنسبة إليهما معا اتفاقاً ، فصحته بالنسبة إلى إحداهما بعينها ترجيح بغير مرجح بينهما » (١) ‌، ورواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (ع) : « في رجل أقر عند موته لفلان وفلان ، لأحدهما عندي ألف درهم ، ثمَّ مات على تلك الحال. فقال علي (ع) : أيهما أقام البينة فله المال ، وإن لم يقم واحد منهما البينة فالمال بينهما نصفان » (٢). منه قدس‌سره.

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب ميراث الأزواج حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب أحكام الوصايا حديث : ١.

٢٥١

اختيار أيهما شاء [١] ، لرواية [٢] محمولة على التخيير بعقد جديد [٣] ولو تزوجهما وشك في السبق والاقتران حكم ببطلانهما أيضا [٤].

______________________________________________________

[١] نسب في الجواهر ذلك الى الشيخ واتباعه. وفي كشف اللثام إلى النهاية والمهذب والجامع والمختلف.

[٢] يريد بها‌ صحيحة جميل ، المروية في الفقيه عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل تزوج أختين في عقدة واحدة. قال (ع) : يمسك أيتهما شاء ، ويخلي سبيل الأخرى. وقال! في رجل تزوج خمساً في عقدة واحدة ، قال (ع) : يخلي سبيل أيتهن شاء » (١). وفي الشرائع رمى الرواية بالضعف. وهو كما ذكر على رواية الكافي‌ (٢) ، للإرسال ، لأنها رواها عن جميل عن بعض أصحابه عن أحدهما (ع). وعلى رواية التهذيب‌ (٣) ، لذلك أيضا ، ولأن في طريقه الى جميل علي بن السندي وهو مجهول. لكن عرفت رواية الفقيه لها بطريق صحيح. ومقتضى القاعدة الأخذ وتخصيص القاعدة بها.

[٣] هذا الحمل لا دليل عليه ، ولا داعي إليه ، إذ لا مانع من تخصيص القواعد العامة ، بل قد اشتهر ذلك حتى قيل : ما من عام إلا وقد خص. وفي كشف اللثام : « ان الخبر وإن كان صحيحاً ، لكنه ليس نصاً في المدعى. لاحتمال أن يراد يمسك أيتهما شاء بتجديد العقد ، فحينئذ لا يكون الخيار معيناً » وهو كما ترى ، إذ لا يعتبر في المخصص أن يكون نصاً بل يكفي في تخصيصه للقواعد أن يكون ظاهراً ، فان الظاهر حجة كالنص.

[٤] لعدم إمكان إحراز السبق بالأصل ، وإن كان بمعنى عدم سبق‌

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه الجزء : ٣ صفحة : ٢٦٥ طبعة النجف الحديثة ، الوسائل باب : ٢٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ملحق حديث : ٢.

٢٥٢

( مسألة ٤٥ ) : لو كان عنده اختان مملوكتان فوطئ إحداهما حرمت عليه الأخرى [١] حتى تموت الأولى أو يخرجها عن ملكه [٢] ببيع أو صلح أو هبة أو نحوهما ، ولو‌

______________________________________________________

العقد على الأخت ولا مقارنته ، لأن الأصل المثبت لذلك متعارض فيهما ، فان كل واحد منهما يصح أن يقال : العقد عليها لم يكن مسبوقا بالعقد على أختها ، ولا مقارنا له. وأصالة صحة العقد بالنسبة الى كل واحد منهما أيضا متعارضة. فيتعين الرجوع الى أصالة عدم ترتب الأثر فيهما معا. هذا إذا كان الشك في السبق والاقتران بالنسبة الى كل منهما. أما إذا كان بالنسبة إلى واحدة منهما بعينها ، دون الأخرى ، بأن تردد في العقد على هند بين كونه سابقاً ومقارناً ، وفي عقد زينب بين أن يكون لاحقاً ومقارناً. فقد علم ببطلان العقد على زينب ، إما لمقارنته ، أو للحوقه ، فلا يكون مجرى للأصول الموضوعية والحكمية. فلا مانع من جريانها بالنسبة إلى عقد هند ، فيقال : إنه لم يسبق بالعقد على الأخت ، ولم يقترن به ، كما يقال : إنه صحيح لأصالة الصحة.

[٢] إجماعاً كما تقدم في المسألة التاسعة والثلاثين.

[٣] فتحل حينئذ بلا إشكال ، ولا خلاف. ويقتضيه عمومات الحل بعد انتفاء صدق الجمع بين الأختين. مضافا الى‌ صحيح عبد الله بن سنان قال : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : إذا كانت عند الرجل الأختان المملوكتان ، فنكح إحداهما ، ثمَّ بدا له في الثانية فنكحها ، فليس ينبغي له أن ينكح الأخرى حتى تخرج الاولى من ملكه ، يهبها ، أو يبيعها. فان وهبها لولده يجزيه » (١). ونحوه ما تقدم في خبر الطائي‌ (٢).

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٢) راجع المسألة : ٣٩ من هذا فصل.

٢٥٣

بأن يهبها من ولده. والظاهر كفاية التمليك الذي له فيه الخيار [١] ، وإن كان الأحوط اعتبار لزومه. ولا يكفي ـ على الأقوى ـ ما يمنع من المقاربة مع بقاء الملكية [٢] ، كالتزويج للغير ، والرهن ، والكتابة ، ونذر عدم المقاربة ، ونحوها. ولو وطئها من غير إخراج للأولى لم يكن زنا [٣] ،

______________________________________________________

[١] لإطلاق الأدلة. لكن في القواعد : « وفي اشتراط اللزوم إشكال ». وفي التذكرة : « ولو باع بشرط الخيار فكل موضع يجوز للبائع الوطء لا تحل فيه الثانية ». وكأن ذلك من جهة دعوى ظهور النص في الخروج عن الملك على وجه يستوجب حرمة الوطء ، ومع عدم اللزوم يحل الوطء. وفيه : أن الحل إنما يكون بالفسخ ، لا بلا واسطة. كما أنه مع اللزوم أيضا يحل الوطء بالشراء ، أو الاستيهاب ، أو الاستحلال ، مع التمكن من ذلك ، بلا فرق بين المقامين ، فاللازم عدم الفرق بينهما في حل الثانية.

[٢] قال في القواعد : « وفي الاكتفاء بالتزويج ، أو الرهن ، أو الكتابة إشكال ». وفي التذكرة : « يكفي التزويج ، لان التحريم يحصل به. فان رهنها لم تحل الأخت ، لأن منعه من وطئها لحق المرتهن لا لتحريمها ، ولهذا تحل بإذن المرتهن في وطئها. ولأنه يقدر على فكها متى شاء واسترجاعها اليه. ولو حرم إحداهما باليمين على نفسه لم تبح الأخرى لأن هذا لا يحرمها ، وإنما هو يمين مكفر .. الى أن قال : ولو كاتب إحداهما حلت له الأخرى. وهو قول الشافعية. لأنها حرمت عليه بسبب لا يقدر على رفعه ، فأشبه التزويج ». وفيه : أن المستفاد من الأدلة أن التحليل إنما يكون بالخروج عن الملك ، وهو غير حاصل في الفروض المذكورة. مع أن المناقشة في التعليلات المذكورة ظاهرة.

[٣] لما تقدم في المسألة التاسعة والثلاثين.

٢٥٤

فلا يحد ويلحق به الولد [١]. نعم يعزر.

( مسألة ٤٦ ) : إذا وطئ الثانية بعد وطء الأولى حرمتا عليه مع علمه بالموضوع والحكم [٢]. وحينئذ فإن‌

______________________________________________________

[١] لأنه فراش ، إذ المراد منه ما يقابل العاهر ، وهو الزاني.

[٢] أما حرمة الثانية : فلما تقدم. وقد عرفت أنه لا إشكال فيها ، وإن كان قد يظهر مما في الشرائع من قوله : « أما إذا وطئها ( يعني : الثانية ) قيل : حرمت الاولى حتى تخرج الثانية عن ملكه » وجود القائل بحلية الثانية بعد وطئها ، واختصاص التحريم بالأولى. لكن في المسالك : « لم نعرف قائله ، ولا من نقله ، غير المصنف ». ونحوه في الجواهر. وربما يستدل له‌ بخبر معاوية بن عمار قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل كانت عنده جاريتان أختان ، فوطئ إحداهما ثمَّ بدا له في الأخرى. قال (ع) : يعتزل هذه ويطأ الأخرى. قلت : فإنه تنبعث نفسه للأولى. قال (ع) : لا يقربها حتى تخرج تلك من ملكه » (١). لكنه لا يدل على ذلك ، وإنما يدل على حلية الثانية بمجرد الاعتزال عن الاولى ، الذي قد عرفت أنه خلاف النص ، والفتوى ، بل الإجماع. وأما حرمة الأولى بعد وطء الثانية : فيشهد به‌ خبر أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (ع) ـ في حديث ـ قال : « سألته عن رجل عنده أختان مملوكتان ، فوطئ إحداهما ، ثمَّ وطئ الأخرى. فقال (ع) : إذا وطئ الأخرى فقد حرمت عليه الاولى حتى تموت الأخرى. قلت : أرأيت إن باعها فقال (ع) : إن كان إنما يبيعها لحاجة ، ولا يخطر على باله من الأخرى شي‌ء فلا أرى بذلك بأسا. وإن كان إنما يبيعها ليرجع إلى الاولى فلا » (٢). ونحوه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

(٢) الوسائل في باب : ٢٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٩.

٢٥٥

أخرج الأولى عن ملكه حلت الثانية مطلقاً [١] ، وإن كان ذلك بقصد الرجوع إليها [٢]. وإن أخرج الثانية عن ملكه يشترط في حلية الاولى أن يكون إخراجه لها لا بقصد الرجوع الى الاولى [٣] ، وإلا لم تحل. وأما في صورة الجهل بالحرمة موضوعاً أو حكماً فلا يبعد بقاء الاولى على حليتها والثانية على حرمتها [٤] ، وإن كان الأحوط عدم حلية الأولى إلا‌

______________________________________________________

مصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) ، وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) (١) وموثق علي بن أبي حمزة عن أبي إبراهيم‌ (٢) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) (٣). ففي صحيح الحلبي‌ التصريح بحرمتهما جميعاً بعد وطء الثانية عمداً.

[١] كما سبق في المسألة السابقة.

[٢] للإطلاق.

[٣] كما عرفت التقييد به من النصوص.

[٤] كما حكاه في الشرائع قولا لبعض ، أخذاً بظاهر‌ صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال : « قلت له : الرجل يشتري الأختين فيطأ إحداهما ، ثمَّ يطأ الأخرى بجهالة. قال (ع) : إذا وطئ الأخيرة بجهالة لم تحرم عليه الأولى ، وإن وطئ الأخيرة وهو يعلم أنها عليه حرام حرمتا عليه جميعا » (٤). ولا ينافي ذلك ما‌ في خبر عبد الغفار الطائي ، فإن ما فيه من قوله : « قلت : فان جهل ذلك حتى وطئها‌ ( يعني : الثانية ).

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ملحقا حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١٠.

(٣) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٧.

(٤) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٥.

٢٥٦

______________________________________________________

قال (ع) : حرمتا عليه كلتاهما » (١) ‌ظاهر في حرمة الأولى مع وطء الثانية جهلا ، لإمكان الجمع بالحمل على الكراهة. وهو أقرب مما ذكره في الجواهر من حمل صحيح الحلبي على أن المراد أنه لم تحرم عليه الأولى في حال الجهل كما تحرم في حال العلم ، فإنه في حال العلم لا ترتفع الحرمة إلا بإخراج الثانية عن الملك لا بقصد الرجوع الى الأولى ، أما في حال الجهل فيكفي خروج الثانية عن الملك ولو بقصد الرجوع الى الأولى ، وتحل الاولى بذلك. بل هو بعيد جداً وليس من الجمع العرفي أصلا ، وإن حكي عن النهاية ، وتبعه عليه في المختلف وجامع المقاصد وغيرهما ، فلو فرض تعين الجمع المذكور بينهما فاللازم إجراء حكم التعارض ، والترجيح للصحيح ، بل في حجية خبر الطائي‌ في نفسه إشكال ، لضعفه.

ومن ذلك يظهر ضعف ما ذكره في الشرائع ، ونسبه في المسالك الى أكثر المتأخرين ، بل هو ظاهر المبسوط من أن الثانية تحرم على التقديرين ـ أي : العلم والجهل ـ دون الأولى ، فإنها تبقى على الحل. فإنه مخالف لجميع النصوص على اختلاف مفادها. وأما الأصل ، واختصاص أدلة المنع من الجمع بين الأختين بالأخيرة ، وقاعدة : « الحرام لا يحرم الحلال » فلا تصلح لمعارضة النصوص المعتبرة سنداً ، ودلالة ، ولا يستوجب طرحها.

وقريب منه في الضعف التفصيل بين وطء الثانية جهلا فلا تحرم الاولى ، ووطئها عمداً فتحرم الاولى ، ولكن تحل بخروج الثانية عن الملك ، ولو بقصد الرجوع الى الأولى. فإنه وإن كان موافقاً لبعض النصوص ، لكنه مخالف لبعضها الآخر الصريح في تقييد حل الاولى بخروج الثانية عن الملك بما إذا لم يكن بقصد الرجوع الى الاولى.

والمتحصل : أن الأقوال في وطء الثانية بعد وطء الاولى خمسة :

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٦.

٢٥٧

بإخراج الثانية ولو كان بقصد الرجوع الى الأولى [١]. وأحوط من ذلك كونها كصورة العلم [٢].

______________________________________________________

الأول : حرمة الثانية دون الاولى. اختاره في الشرائع والقواعد وغيرهما. الثاني : حرمة الأولى دون الثانية ، على ما حكاه في الشرائع قولا. الثالث : حرمة الاولى مع العلم ، ولا تحل إلا بإخراج الثانية عن الملك لا بقصد العود إلى الاولى. ومع الجهل لا تحرم الاولى ، كما حكاه في الشرائع قولا ، وحكاه في كشف اللثام عن ابن حمزة ، وجعله أقوى من قول الشيخ. وهو الذي اختاره في المتن. الرابع : القول المذكور بعينه ، لكن مع الجهل تحرم الاولى وتحل بإخراج الثانية عن ملكه. ولو بنية العود إلى الأولى. اختاره في النهاية. وتبعه عليه جماعة ، منهم صاحب الجواهر. الخامس : أنه إن كان عالماً حرمت عليه الاولى حتى تخرج الثانية عن ملكه مطلقاً. وإن كان جاهلا لم تحرم. وهذا القول حكاه في التهذيب قولا ، ولم يعرف قائله. ومن ذلك يظهر أن الأقوال في التفصيل بين العلم والجهل ثلاثة.

والمتحصل من الأدلة هو القول الثالث ، المختار في المتن. أما القولان الأولان : فهما منافيان لجميع النصوص المشتملة على التفصيل بين العلم والجهل ، وللنصوص المتضمنة أنه إذا وطئ الثانية حرمتا جميعاً. وأما الرابع : فمناف لنصوص التفصيل بين العلم والجهل والحرمة في الأول والحل في الثاني ، من دون وجه ظاهر ، غير خبر الطائي‌ الذي هو مع ضعف سنده ، يمكن الجمع بينه وبينهما بالحمل على الكراهة. وأما الخامس : فمناف لخبر الكناني وما بمضمونه من النصوص الكثيرة. من دون وجه ظاهر. فلاحظ.

[١] كما يقتضيه إطلاق القول الثاني والرابع.

[٢] يعني : فلا تحل الأولى إلا بإخراج الثانية عن ملكه لا بقصد الرجوع الى الأولى. لكن هذا الاحتمال لا قائل به.

٢٥٨

( مسألة ٤٧ ) : لو كانت الأختان كلتاهما أو إحداهما من الزنا فالأحوط لحوق الحكم من حرمة الجمع بينهما [١] في النكاح ، والوطء إذا كانتا مملوكتين.

( مسألة ٤٨ ) : إذا تزوج بإحدى الأختين ثمَّ طلقها طلاقا رجعياً لا يجوز له نكاح الأخرى إلا بعد خروج الأولى عن العدة [٢]. وأما إذا كان بائنا بأن كان قبل الدخول ، أو ثالثا‌

______________________________________________________

[١] وإن كان خلاف المتسالم عليه عندهم من نفي النسب بالزنا ، كما يقتضيه‌ قوله (ص) : « الولد للفراش ، وللعاهر الحجر » (١) ‌، فان الظاهر منه أنه وارد في مقام بيان الحكم الواقعي من نفي النسب عن العاهر واقعا. ويشير اليه ما‌ في صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « قال أيما رجل وقع على وليدة قوم حراماً ، ثمَّ اشتراها ، فادعى ولدها ، فإنه لا يورث منه شي‌ء ، فان رسول الله (ص) قال : الولد للفراش ، وللعاهر الحجر. ولا يورث ولد الزنا ، إلا رجل يدعي ابن وليدته » (٢) ‌فان قوله : « ولا يورث ولد الزنا » ‌كالصريح في ولد الزنا الواقعي. ونحوه غيره. لكن المستفاد من بعض الروايات ، ومن مذاق الشرع الأقدس : أن حرمة النكاح والوطء تابعة للنسب العرفي. فلاحظ ما ورد في الاستنكار لان يكون أولاد آدم قد تزوجوا أخواتهم. وأن تحريم النكاح من الأحكام الإنسانية ، لا من الأحكام الشرعية تعبداً.

[٢] بلا خلاف ، كما في الجواهر ، لأنها بمنزلة الزوجة. ويقتضيه‌ خبر أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن رجل اختلعت منه امرأته ، أيحل له أن يخطب أختها قبل أن تنقضي عدتها؟

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب ميراث ولد الملاعنة حديث : ١ ، ٤.

(٢) الوسائل باب : ٧٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.

٢٥٩

أو كان الفراق بالفسخ لأحد العيوب ، أو بالخلع ، أو المبارأة جاز له النكاح الأخرى [١]. والظاهر عدم صحة رجوع الزوجة في البذل بعد تزويج أختها [٢] ، كما سيأتي في باب الخلع إن شاء الله. نعم لو كان عنده إحدى الأختين بعقد الانقطاع وانقضت المدة لا يجوز له ـ على الأحوط ـ نكاح أختها في عدتها وإن كانت بائنة ، للنص الصحيح [٣].

______________________________________________________

قال : إذا برئت عصمتها منه ولم يكن له عليها رجعة فقد حل له أن يخطب أختها » (١) ‌، و‌خبر زرارة عن أبي جعفر (ع) : « في رجل طلق امرأته وهي حبلى ، أيتزوج أختها قبل أن تضع؟ قال (ع) : لا يتزوجها حتى يخلو أجلها ( بطنها خ ل ) » (٢) ‌بناء على حمله على الطلاق الرجعي ، جمعاً بينه وبين ما قبله.

[١] بلا خلاف ظاهر. ويقتضيه خبر الكناني المتقدم‌. مضافاً الى عمومات الحل بعد عدم كونه جمعا بين الأختين.

[٢] لما يستفاد من نصوص جواز رجوع المختلعة بالبذل من كونه أشبه بالمعاوضة بينه وبين رجوع الزوج بها ، فاذا تعذر الثاني ـ للزوم الجمع بين الأختين أو نحو ذلك من موانع الرجوع ـ تعذر الأول أيضا.

[٣] وهو ما‌رواه في التهذيب بإسناده عن الحسين بن سعيد قال : « قرأت في كتاب رجل الى أبي الحسن الرضا (ع) : الرجل يتزوج المرأة متعة إلى أجل مسمى ، فينقضي الأجل بينهما ، هل يحل له أن ينكح أختها من قبل أن تنقضي عدتها؟ فكتب (ع) : لا يحل له أن يتزوجها حتى

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

٢٦٠