مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٧

وإن كان بعد وطئه لها لم تحرم [١]. وكذا الكلام إذا زنى الأب بمملوكة ابنه [٢].

( مسألة ٣٠ ) : لا فرق في الحكم بين الزنا في القبل أو الدبر [٣].

______________________________________________________

لتقييد إطلاق ما دل على الحل. فالبناء على الحل أنسب بقواعد العمل بالأدلة. فتأمل.

[١] في القواعد : أنه الأصح. ونسبه في جامع المقاصد وكشف اللثام إلى الأكثر ، لعموم : « الحرام لا يحرم الحلال » ‌(١). ويقتضيه موثق عمار‌ ، وصحيح مرازم‌ (٢) ، وخبر زرارة‌ ، وقيل بالتحريم ، لعموم قوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ). وهو ضعيف لعدم ثبوت كون النكاح هو الوطء أولا ، ولتخصيصه بما عرفت ثانيا. هذا ويظهر من الجواهر أنه لا قائل بالتحريم وأن الإجماع بقسميه على عدمه. لكن عرفت ما في جامع المقاصد وكشف اللثام من حكاية قولين في المسألة ، وأن الأكثر على عدم التحريم.

[٢] فإن المسألتين عند الأصحاب من باب واحد وحكم واحد ، وإن خلت النصوص عن التعرض للثانية مع تعرضها للأولى.

[٣] قال في التذكرة : « تنبيه : لا فرق في الزنا بين الوطء في القبل والدبر ، لعموم الآية قوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ) و ( وَرَبائِبُكُمُ ) و ( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) (٣). ولأنه يتعلق به التحريم فيما إذا وجد في الزوجة والأمة ، فكذلك في الزنا ». والاشكال عليه ظاهر. والعمدة صدق الزنا في المقامين. مع أن الحكم مما لا إشكال فيه على الظاهر.

__________________

(١) راجع المسألة : ٢٨ من هذا الفصل.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٣ ، ٤.

(٣) النساء : ٢٢ ، ٢٣.

٢٢١

( مسألة ٣١ ) : إذا شك في تحقق الزنا وعدمه بنى على العدم [١]. وإذا شك في كونه سابقا أو لا بنى على كونه لاحقاً [٢]

______________________________________________________

[١] للأصل.

[٢] ظاهر العبارة : العمل بأصالة تأخر الحادث التي اشتهر ذكرها في كلماتهم. وقد تحقق أنها لا أصل لها ولا حجة عليها.

هذا والذي ينبغي أن يقال : إن الصور المفروضة في المقام ثلاث : تارة : يعلم تاريخ العقد ويشك في تاريخ الزنا. وأخرى : عكس تلك. وثالثة : يجهل تاريخ الأمرين ، أما إذا علم تاريخ العقد وشك في تاريخ الزنا فأصالة عدم الزنا الى حين العقد يقتضي الحل. وأما إذا شك في تاريخ العقد وعلم تاريخ الزنا فأصالة عدم العقد الى حين الزنا تثبت كون الزنا محرماً ، لأن من زنى بامرأة لم يعقد عليها أبوه أو ابنه حرمت عليهما ، وهذا المعنى يثبت بعضه بالوجدان وبعضه بالأصل ، فيترتب التحريم عليه. وبالجملة : المستفاد من الأدلة أن من عقد على امرأة لم يزن بها أبوه أو ابنه فهي له حلال ، ومن زنى بامرأة لم يعقد عليها أبوه أو ابنه فهي عليهما حرام ، والأول يثبت بعضه بالوجدان وبعضه بالأصل إذا علم تاريخ العقد وشك في تاريخ الزنا. والثاني أيضا يثبت بعضه بالأصل وبعضه بالوجدان إذا علم تاريخ الزنا وجهل تاريخ العقد. وأما إذا جهل التاريخان معا فأصالة عدم أحدهما إلى زمان الآخر إما غير جارية ذاتا ، أو ساقطة للمعارضة ، فلا يمكن إثبات موضوع التحريم الأبدي ولا نفيه ، وحينئذ تكون الشبهة موضوعية ، ولأجل أنه لا يجوز الرجوع الى عمومات الحل فيها يتعين الرجوع الى أصالة عدم ترتب الأثر على العقد ، فيحكم ببطلانه. إلا أن يقال : المرجع أصالة الصحة في العقد ، فيبنى على ترتب أثره وتحقق الزوجية.

هذا في الزوجة. وأما الأمة : فالكلام فيها بعينه ما ذكر أولا في‌

٢٢٢

( مسألة ٣٢ ) : إذا علم أنه زنى بإحدى الامرأتين ولم يدر أيتهما هي؟ وجب عليه الاحتياط إذا كان لكل منهما أم أو بنت [١]. وأما إذا لم يكن لإحداهما أم ولا بنت ، فالظاهر جواز نكاح الأم أو البنت من الأخرى [٢].

( مسألة ٣٣ ) : لا فرق في الزنا بين كونه اختياريا أو إجباريا أو اضطراريا [٣]

______________________________________________________

الزوجة ، فان المستفاد من الأدلة أيضا أن من زنى بمملوكة أبيه أو ابنه قبل أن يطأها المالك حرمت على المالك ، ومن زنى بها بعد أن وطأها المالك لم تحرم. فاذا علم بهما وشك في المتقدم منهما ، فان علم تاريخ الزنا وشك في تحقق الوطء من المالك قبله فأصالة عدم الوطء الى حين الزنا يثبت كونه محرماً. وإذا علم تاريخ الوطء وشك في تاريخ الزنا فأصالة عدم الزنا الى حين الوطء يثبت كونها حلالا. وإذا جهل التاريخان لم يجر الأصلان معا. ولا مجال للرجوع الى عمومات الحل ، لكون الشبهة موضوعية ولا مجال للرجوع إلى أصالة الصحة ، لأن الوطء لا يتصف بالصحة والفساد ، بل يتعين الرجوع الى استصحاب الحل الثابت قبل الزنا. ولولاه تعين الرجوع الى أصالة البراءة ، إلا بناء على ما اشتهر من لزوم الاحتياط في الفروج.

[١] لأن العلم الإجمالي بالحرمة يوجب تنجز الحرمة ، فيجب الاحتياط عقلا في جميع الأطراف والمحتملات.

[٢] لأنه مع خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء يكون الباقي بحكم الشبهة البدوية التي عرفت أن الحكم فيها الحل ، لأصالة عدم الزنا من غير مانع ولا معارض.

[٣] قد اختلفت كلمات الجماعة في تمييز الشبهة من الزنا ، فالذي‌

٢٢٣

______________________________________________________

ذكره في المسالك في المقام أن المراد بوطء الشبهة ما ليس بمستحق منه مع عدم العلم بتحريمه ، كالوطء في نكاح فاسد ، أو شراء فاسد ، لم يعلم فسادهما ، أو لامرأة ظنها زوجته أو أمته ، أو أمة مشتركة بينه وبين غيره ، فظن إباحتها له بذلك. انتهى. وفي الجواهر عن مصابيح العلامة الطباطبائي : أنه الوطء الذي ليس يستحق في نفس الأمر مع اعتقاد فاعله الاستحقاق ، أو صدوره عنه بجهالة مغتفرة في الشرع. أو مع ارتفاع التكليف بسبب غير محرم. انتهى. ومقتضى التعريفين المذكورين للشبهة : أن الزنا الإجباري ، والإكراهي ، وفي حال الصبا ، وفي حال النوم ، وزنا الجنون ، كله من الشبهة ، لصدق عدم العلم بتحريمه في التعريف الأول ، وصدق ارتفاع التكليف بسبب غير محرم في التعريف الثاني ، في الجميع. وفي الجواهر ـ بعد ذكر التعريف الثاني وما يتعلق به ـ قال : « فالمتحصل من ذلك أن وطء الشبهة ثلاثة أقسام .. الى أن قال : الثالث : الوطء غير المستحق ولكن صدر ممن هو غير مكلف كالنائم والمجنون والسكران بسبب محلل ونحوهم » ، ثمَّ تعرض بعد ذلك للإشكال على التعريف المذكور من وجوه ، ولم يتعرض للإشكال في كون القسم الثالث من أقسام وطء الشبهة. ثمَّ حكى عن بعض عن الأكثر تعريفه بأنه الوطء الذي ليس بمستحق مع ظن الاستحقاق. وأشكل عليه بوجوه : منها : أنه يخرج منه وطء غير المكلف كالمجنون والنائم وغيرهما. وظاهره المفروغية عن كون وطء غير المكلف من الشبهة ، لا من الزنا.

وفي المسالك في كتاب الحدود في شرح قول ماتنه : « أما الموجب ( يعني : موجب حد الزنا ) فهو إيلاج الإنسان ذكره في فرج امرأة محرمة ، من غير عقد ولا ملك ولا شبهة » قال : « هذا تعريف لمطلق الزنا الموجب للحد في الجملة. ويدخل في الإنسان الصغير والكبير والعاقل والمجنون ،

٢٢٤

______________________________________________________

فلو زاد فيه المكلف لكان أجود. ويمكن تكلف إخراجهما بقوله : « في فرج امرأة محرمة عليه » ، فإنه لا تحريم في حقهما. وكذا يدخل فيه المختار والمكره ، ويجب إخراج المكره ، إلا أن يخرج بما يخرج به الأولان ». وظاهره أيضاً كون وطء غير المكلف خارج عن الزنا وداخل في الشبهة. لكن في الجواهر أشكل عليه بأنهما على التقدير المزبور ( يعني : تقدير عدم التحريم في حقهما ) تكون من الشرائط في الحد ، لا في حقيقة الزنا. وظاهره أن وطء غير المكلف داخل في الزنا ، وإن لم يجب عليه الحد.

وفي الرياض بعد قول ماتنه في الكلام على حد الزنا : « أما الموجب فهو إيلاج الإنسان فرجه في فرج امرأة من غير عقد ولا ملك ولا شبهة » قال : « وإطلاق العبارة وإن شمل غير المكلف ، إلا أنه خارج بما زدناه من قيد التحريم. مع احتمال أن يقال : التكليف من شرائط ثبوت الحد بالزنا ، لا أنه جزء من مفهومه ، فلا يحتاج الى ازدياد التحريم من هذا الوجه ». وظاهره الميل الى ما سبق عن الجماعة من كون وطء غير المكلف من الشبهة ، وإن احتمل أخيراً أنه من الزنا ، وأشكل عليه في الجواهر : بأن ذلك لا يوجب الزيادة المزبورة ، ضرورة تحقق الإيلاج بامرأة بلا عقد ولا ملك ولا شبهة وإن لم يكن في ذلك حرمة عليه ، لعدم التكليف الذي فرض عدم مدخليته في تحقق معنى الزنا الذي هو على التقدير المزبور وطء الأجنبية التي هي غير الزوجة والمملوكة عيناً أو منفعة. ومقتضاه أن وطء الشبهة زنا لغة وعرفاً لكنه لا يوجب الحد ، وهو مناف لمقابلته به في النكاح ، المقتضية لكونه وطء الأجنبية على أنها أجنبية. ثمَّ قال : « ولعل ذكر الأصحاب بعض القيود في التعريف من حيث ثبوت الحد به وعدمه ولو للشرائط الشرعية لذلك ، لا لكشف مفهومه ، و‌قال رسول الله (ص) لماعز بعد إقراره بالزنا أربعاً ، أتعرف الزنا؟ فقال :

٢٢٥

______________________________________________________

هو أن يأتي الرجل حراماً كما يأتي أهله حلالاً » (١). انتهى ما في الجواهر. وظاهره الميل الى عموم الزنا لوطء غير المكلف. وفي التذكرة قال : « أما إذا اختصت الشبهة بأحدهما والآخر زانياً بأن يأتي الرجل فراش غير زوجته غلطاً ، فيطؤها وهي عالمة ، أو أتت المرأة غير زوجها غالطة وهو عالم ، أو كانت هي جاهلة أو نائمة أو مكرهة وهو عالم ، أو مكنت البالغة العاقلة مجنوناً أو مراهقاً فكذلك ». وظاهره كون وطء النائم والمكره من وطء الشبهة .. الى غير ذلك من كلمات الجماعة الظاهرة في اختلافهم في دخول وطء من ارتفع عنه التكليف لصبا ونوم ونحوهما في الزنا ، أو في وطء الشبهة. وكلمات الجواهر في المقام وفي كتاب الحدود لا تخلو من مدافعة.

والذي يظهر بعد النظر والتأمل هو دخوله في الزنا بالمعنى اللغوي والعرفي ، بل دخول وطء الشبهة فيه ، وليس الزنا إلا مطلق الوطء غير المستحق وإن كان شبهة. وأما في عرف الشارع والمتشرعة : فالزنا يقابل وطء الشبهة. والمراد بوطء الشبهة : الوطء غير المستحق لشبهة ، بحيث تكون الشبهة من علل وجوده ، فاذا كان الوطء غير مستحق وكانت الشبهة دخيلة في وجوده فهو وطء شبهة ، وليس من الزنا ، وإن لم تكن دخيلة فيه فهو زنا. وهذا هو وجه المقابلة بين الشبهة والزنا ، ولا تقتضي المقابلة بينهما أن يكون معناه وطء الأجنبية على أنها أجنبية ، كما تقدم عن الجواهر. ولعل قول ماغر : « أتيت منها حراماً .. » بيان الزنا الذي يجب فيه الحد ، لا الزنا في مقابل الشبهة. على أنه غير ثابت. وعليه فالأحكام الثابتة للزنا في مقابل الشبهة تثبت في فروض المسألة كلها ، إلا أن تقوم القرينة على الاختصاص بنوع دون نوع وبحال دون حال.

__________________

(١) سنن البيهقي الجزء : ٨ صفحة ٢٢٧.

٢٢٦

______________________________________________________

ومن ذلك يظهر أن الأحكام الأربعة المشهورة الثابتة للزنا في الجملة ـ وهي نفي العدة ، ونفي المهر ، ونفي النسب ، وثبوت الحد ـ لا بد من ملاحظة أدلتها ليتضح أنها ثابتة له مطلقاً أو مقيداً.

والظاهر من أدلة الحد اختصاصه بالمعصية ، لأنه المجازاة عليها لقطع دابر الفساد ، فلا يشمل صورة ارتفاع التكليف. مضافاً الى ما ورد من أنه لا حد على مجنون حتى يفيق ، ولا على صبي حتى يدرك ، ولا على النائم حتى يستيقظ‌ (١) ونحوه غيره مما ورد في الصبي ، والمستكره‌ (٢) وغيرهما. ولعل أدلة نفي النسب عن الزاني أيضاً مختصة بذلك ، لأن العمدة فيه‌ قول النبي (ص) : « الولد للفراش وللعاهر الحجر » (٣). وعموم العاهر لمطلق الزاني غير ظاهر. ولا يبعد أيضاً ذلك في مثل : « لا مهر لبغي » ‌، فان البغاء غير ظاهر العموم لمطلق الزنا. وأما نفي العدة فهو محل كلام وخلاف ، وقد أفتى بعض بوجوب العدة على الزانية وعدم جواز تزويجها قبل انتهاء العدة. وبالجملة لا بد من ملاحظة أدلة الأحكام من حيث العموم والخصوص. والكلام في ذلك موكول الى مقام آخر. نعم لا ينبغي التأمل في أن نشر الحرمة بالزنا لا قصور في إطلاق أدلته ، فيجب الأخذ بها في فرض المسألة.

ثمَّ إن الذي يظهر من تعريف الشبهة المنسوب إلى الأكثر الاكتفاء بمطلق الظن وإن لم يكن حجة ، بل هو ظاهر المحكي من كلام جماعة من الفقهاء ، كالشيخ في النهاية ، والمحقق في الشرائع ، والنافع ، والعلامة في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب مقدمات الحدود حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٨ من أبواب حد الزنا.

(٣) مستدرك الوسائل باب : ٧٣ من أبواب أحكام الأولاد حديث : ١ ، الوسائل باب : ٨ من أبواب ميراث ولد الملاعنة حديث : ١ ، ٤.

٢٢٧

______________________________________________________

القواعد ، وغيرهم. فقد اشتملت عباراتهم في تمثيل الشبهة على ذكر الظن وإخبار مخبر. ونحو ذلك ما تقدم عن المسالك في تعريف الشبهة والتمثيل لها. وظاهر ذلك الاكتفاء بمطلق الظن وإن لم يكن حجة في نظر الواطئ. ويحتمل اعتبار كونه حجة شرعاً ، فاذا لم يكن حجة شرعاً كان الوطء زنا. وهو ظاهر محكي مصابيح العلامة الطباطبائي ، معللاً بأن الفروج لا تستباح إلا بسبب شرعي ، فإذا لم يتحقق فيه السبب المبيح فهو وطء محرم داخل في الزنا. ومن المعلوم ان الشارع لم يبح الوطء بمجرد الاحتمال أو الظن ، وإنما أباحه بشرط العلم بالاستحقاق أو حصول ما جعله امارة للحل ، فبدونهما لا يكون الوطء إلا زنا .. الى آخر كلامه المحكي. وفي المسالك ـ بعد أن نقل عن الشيخ وغيره تحقق الشبهة في الوطء بظن المرأة خلية من الزوج ، أو ظن موت زوجها ، أو طلاقه ، سواء استند الى حكم الحاكم ، أو شهادة الشهود ، أو إخبار مخبر ـ قال : « إن الحكم المذكور لا إشكال فيه على تقدير حكم الحاكم أو شهادة شاهدين يعتمد على قولهما شرعا وإن لم يحكم حاكم .. الى أن قال : وأما على تقدير كون المخبر ممن لا يثبت به ذلك شرعا ـ كالواحد ـ فينبغي تقييده بما لو ظنا جواز التعويل على خبره جهلاً منهما بالحكم ، فلو علما بعدم الجواز كانا زانيين ، فلا يلحق بهما الولد ، ولا عدة عليها منه. ولو جهل أحدهما ثبتت العدة ولحق به الولد ، دون الآخر وفي التحرير صرح بالاجتزاء بخبر الواحد. وهو محمول على ما ذكرنا ليوافق القوانين الشرعية ». ونحوه المحكي من عبارة شرح النافع وغيرها. وظاهره الاجتزاء باعتقاد الحجية غفلة ، وإن لم يكن حجة شرعاً ، وكان الوطء فيه محرماً ، لكون الواطئ من الجاهل المقصر المستحق للعقاب. ويحتمل الاكتفاء بمطلق عدم العلم بالحرمة لا واقعاً ولا ظاهراً ، بأن كان متردداً ومتنبها للسؤال ، فلم‌

٢٢٨

______________________________________________________

يسأل وأقدم على الوطء. وفي الجواهر : أنه لا يخلو من قوة. وهو ظاهر تعريف المسالك ، بناء على إرادة الأعم من العلم حقيقة أو تعبداً. فهذه احتمالات أو أقوال أربعة في الفرق بين الشبهة والزنا مستفادة من كلمات الأصحاب.

وأما النصوص : ففي موثق زرارة عن أبي جعفر (ع) قال : « إذا نعي الرجل إلى أهله ، أو أخبروها أنه قد طلقها فاعتدت ، ثمَّ تزوجت ، فجاء زوجها الأول ، فإن زوجها الأول أحق بها من هذا الأخير ، دخل بها الأول أو لم يدخل بها ، وليس للآخر أن يتزوجها أبداً ، ولها المهر بما استحل من فرجها » (١). و‌مصحح محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) قال : « قضى في رجل ظن أهله أنه قد مات أو قتل ، فنكحت امرأته وتزوجت سريته ، فولدت كل واحدة من زوجها ، ثمَّ جاء الزوج الأول أو جاء مولى السرية. قال : فقضى في ذلك أن يأخذ الزوج الأول امرأته ويأخذ السيد سريته وولدها ، أو يأخذ عوضاً من ثمنه » (٢). و‌مصحح يزيد الكناسي قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن امرأة تزوجت في عدتها. فقال : إن كانت تزوجت في عدة طلاق لزوجها عليها الرجعة فان عليها الرجم. الى أن قال : قلت : أرأيت إذا كان منها بجهالة قال : فقال ما من امرأة اليوم من نساء المسلمين إلا وهي تعلم أن عليها عدة في طلاق أو موت. ولقد كن نساء الجاهلية يعرفن ذلك. قلت : فان كانت تعلم أن عليها عدة ولا تدري كم هي؟ فقال : إذا علمت أن عليها العدة لزمتها الحجة فتسأل حتى تعلم » (٣) ‌، و‌صحيح أبي عبيدة الحذاء عن أبي عبد الله (ع) : « عن امرأة تزوجت رجلاً ولها زوج

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب حد الزنا حديث : ٢.

٢٢٩

______________________________________________________

فقال (ع) : إن كان زوجها الأول مقيما معها في المصر التي هي فيه تصل اليه ويصل إليها فإن عليها ما على الزاني المحصن الرجم‌ .. الى أن قال : قلت : فان كانت جاهلة بما صنعت. قال : فقال : أليس هي في دار الهجرة؟ قلت : بلى. قال : ما من امرأة من نساء المسلمين إلا وهي تعلم أن المرأة المسلمة لا يحل لها أن تتزوج زوجين. قال : ولو أن المرأة إذا فجرت قالت : لم أدر ، أو جهلت أن الذي فعلت حرام ، ولم يقم عليها الحد إذاً لتعطلت الحدود » (١).

لكن الأخير غير ظاهر في وطء الشبهة ، وإنما هو ظاهر في دعوى الشبهة وأنها غير مسموعة ، لا أنها لو صحت لا تجدي في رفع اليد حتى عن الحد ، حتى يكون مما نحن فيه. ونحوه ما قبله. نعم ظاهر ذيله صحة الدعوى ، لكن لا تعرض فيه للحد « وإنما فيه تعرض لوجوب السؤال وعدم المعذورية. اللهم إلا أن يكون المراد ان سماع دعواها لا يستوجب رفع الحد لوجوب السؤال. لكن على هذا التقدير يكون وجوب الحد مختصاً بالجاهل المتردد ، فلا يشمل الجاهل الغافل وإن كان مقصراً ومأثوماً. لكن هذا المصحح يكون نافياً للاحتمال الأخير الذي اختاره في الجواهر ، وللاحتمال الأول المنسوب الى ظاهر المشهور ، ولا ينفي الاحتمالين الآخرين. وأما مصحح محمد بن قيس‌ : فلا يظهر منه انه وارد في وطء الشبهة ، بل أخذ مالك السرية للولد من أحكام الزنا ، لا من أحكام الشبهة. وأما موثق زرارة‌ : فمقتضى ما فيه من استحقاق المهر أنه وارد في الشبهة. ومقتضى الجمود على مورد السؤال الاجتزاء في الشبهة بمطلق الخبر ولو مع التردد في حجيته. لكن المنصرف الى الذهن من قوله : « فاعتدت .. » ‌أن الاعتداد كان مبنيا على اعتقاد الحجية غفلة أو اعتقاد صدق المخبر.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب حد الزنا حديث : ١.

٢٣٠

ولا بين كونه في حال النوم ، أو اليقظة. ولا بين كون الزاني بالغاً ، أو غير بالغ وكذا المزني بها. بل لو أدخلت الامرأة ذكر الرضيع في فرجها نشر الحرمة ، على إشكال [١]. بل لو زنا بالميتة فكذلك على إشكال أيضا [٢]. وأشكل من‌

______________________________________________________

ولو سلم إطلاقه فهو مقيد بمصحح الكناسي المتقدم‌ بناء على ظهوره في ثبوت الحد مع التردد ، وتكون نتيجة الجمع بينهما اعتبار عدم التردد في الحجية في ثبوت الشبهة وإن كان الواطئ مقصراً. فيتم ما ذكره في المسالك وغيرها. ومن ذلك يتضح وجه بقية النصوص التي ذكرها في الجواهر التي ادعى فيها إطلاقها من حيث وجود الحجة الشرعية وعدمها ، والتردد في الحجية وعدمه ، فإن إطلاقها لو سلم يكون مقتضى الجمع بينها وبين مصحح الكناسي اعتبار عدم التردد في الحجية.

والمتحصل مما ذكرنا أمران : الأول : أن المائز بين وطء الشبهة وبين الزنا ما ذكر في المسالك من أن الأول الوطء غير المستحق مع البناء فيه على الاستحقاق ولو كان جاهلاً مقصراً ، والثاني ما عداه. والثاني : أن اللازم ترتيب أحكام الزنا على الزنا بالمعنى المذكور. إلا إذا كان دليل الحكم لا عموم فيه ، فيقتصر فيه على القدر المتيقن.

[١] ينشأ من أن تعريفهم للزنا بأنه « إيلاج الإنسان ذكره .. » ‌ظاهر في عدم صدق الزنا إذا كان الإيلاج من طرف المرأة. لكن الظاهر أن القصور في التعريف. وإلا فلا ريب في أنه من الزنا ، كما اعترف بذلك كله في الجواهر في كتاب الحدود. ويحتمل أن يكون الاشكال من جهة كون الزاني الرضيع. وهو أيضا كما ترى ، لما عرفت في صدر المسألة.

[٢] ينشأ من ظهور الزنا في الإنسان الحي ، فلا يشمل الميت. واستعمال الزنا في الميت مجاز ، كاستعماله في غير الإنسان.

٢٣١

ذلك لو أدخلت ذكر الميت المتصل [١]. وأما لو أدخلت الذكر المقطوع فالظاهر عدم النشر [٢].

( مسألة ٣٤ ) : إذا كان الزنا لاحقاً فطلقت الزوجة رجعياً ثمَّ رجع الزوج في أثناء العدة لم يعد سابقاً حتى ينشر الحرمة ، لأن الرجوع اعادة الزوجية الأولى [٣]. وأما إذا نكحها بعد الخروج عن العدة ، أو طلقت بائناً فنكحها بعقد جديد ، ففي صحة النكاح وعدمها وجهان. من أن الزنا حين وقوعه لم يؤثر في الحرمة لكونه لاحقاً فلا أثر له بعد هذا أيضا. ومن أنه سابق بالنسبة الى هذا العقد الجديد. والأحوط النشر [٤].

( مسألة ٣٥ ) : إذا زوجه رجل امرأة فضولاً فزنى بأمها أو بنتها ثمَّ أجاز العقد فان قلنا بالكشف الحقيقي ، كان الزنا لاحقاً [٥]. وإن قلنا بالكشف الحكمي أو النقل كان سابقاً [٦]

______________________________________________________

[١] لأن الإشكال يكون من الوجهين السابقين معاً ، لكن عرفت أن الاشكال الأول ضعيف ، والثاني قوي.

[٢] ينبغي أن يكون من الواضحات. وكذا لو أدخل صاحب الذكر المقطوع ذكره في فرج امرأة لا يكون زانياً.

[٣] كما تقدمت الإشارة الى ذلك في المسألة السادسة والعشرين.

[٤] بل هو الأقوى. كما يقتضيه إطلاق الأدلة. كما عرفت في المسألة الواحدة والعشرين من الفصل السابق.

[٥] لتحقق الزوجية على هذا القول قبل الزنا.

[٦] تقدم الكلام فيه في نظير المقام. وتقدم أنه بناء على الكشف‌

٢٣٢

( مسألة ٣٦ ) : إذا كان للأب مملوكة منظورة أو ملموسة له بشهوة حرمت على ابنه [١]. وكذا العكس على الأقوى فيهما. بخلاف ما إذا كان النظر أو اللمس بغير شهوة كما إذا كان للاختبار أو للطبابة أو كان اتفاقياً ، بل وإن أوجب شهوة أيضا [٢]. نعم لو لمسها لإثارة الشهوة ـ كما إذا مس فرجها أو ثديها أو ضمها لتحريك الشهوة ـ فالظاهر النشر [٣]

( مسألة ٣٧ ) : لا تحرم أم المملوكة الملموسة والمنظورة على اللامس والناظر على الأقوى [٤] ، وإن كان الأحوط‌

______________________________________________________

الانقلابي أيضاً يكون الزنا لاحقاً.

[١] تقدم الكلام في ذلك في المسألة الثانية من هذا الفصل.

[٢] كما استظهر في الجواهر. لكنه خلاف النصوص كما تقدم.

[٣] كما لم يستبعده في الجواهر ، لإطلاق النصوص.

[٤] كما في القواعد ، بل هو ظاهر المشهور ، حيث اقتصروا على تحريم الأمة المنظورة والملموسة على أب الناظر وابنه ، ولم يتعرضوا لتحريم أمها وبنتها عليه. بل في الشرائع : « ومن نشر به الحرمة قصر التحريم على أب اللامس والناظر وابنه خاصة ، دون أم المنظورة أو الملموسة وبنتيهما ». نعم عن أبي علي والشيخ : القول بتحريمهما على الناظر. ولم يستبعده في الجواهر. وعن الشيخ : دعوى الإجماع عليه. وهو ممنوع كما في كشف اللثام. وقد استدل بالاحتياط ، ولكنه غير واجب في مقابل عمومات التحليل. وبالأخبار‌ فعن النبي (ص) : « لا ينظر الله تعالى الى رجل نظر الى فرج امرأة وابنتها » (١) ‌، و‌عنه (ص) : « من كشف قناع امرأة حرمت

__________________

(١) سنن البيهقي الجزء : ٧ صفحة : ١٧٠ وقريب منه في كنز العمال الجزء : ٨ حديث : ٥٠١٥.

٢٣٣

الاجتناب. كما أن الأحوط اجتناب الربيبة الملموسة أو المنظورة أمها ، وإن كان الأقوى عدمه [١]. بل قد يقال : إن اللمس‌

______________________________________________________

عليه أمها وبنتها » (١) ‌، و‌صحيح محمد بن مسلم : « سئل أحدهما (ع) عن رجل تزوج امرأة فنظر الى رأسها وإلى بعض جسدها ، أيتزوج ابنتها؟ قال : لا ، إذا رأى منها ما يحرم على غيره فليس له أن يتزوج ابنتها » (٢). وفي كشف اللثام : « ونحوه أخبار أخر ». وكأنه أراد بها‌ خبر أبي الربيع قال : « سئل أبو عبد الله (ع) عن رجل تزوج امرأة فمكث أياماً معها لا يستطيعها ، غير أنه قد رأى منها ما يحرم على غيره ، ثمَّ يطلقها ، أيصلح له أن يتزوج ابنتها؟ قال : أيصلح له وقد رأى من أمها ما رأى » (٣) ‌ونحوه موثق محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) (٤). لكن النبويين عاميان ضعيفان ، والأول قد أنكره المحدثون منهم ، كما قيل. ومورده النظر الى موضع خاص. ولا مجال للأخذ بإطلاقهما. وصحيح ابن مسلم‌ وما بعده واردة في الزوجة. فلا مجال للاستدلال بها على حكم الأمة.

[١] بل هو ظاهر الأصحاب ، حيث اشترطوا في تحريم الربيبة الدخول بأمها. كما يقتضيه ظاهر الكتاب المجيد ، لقوله تعالى ( فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ) (٥) ، و‌لصحيح العيص بن القاسم قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل باشر امرأته وقبل غير أنه لم يفض إليها ، ثمَّ تزوج ابنتها. قال (ع) إن لم يكن أفضى إلى الأم

__________________

(١) لم نعثر عليه في مظانه من كنز العمال وسنن البيهقي.

(٢) الوسائل باب : ١٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ١٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ملحق حديث : ٢.

(٥) النساء : ٢٣.

٢٣٤

والنظر يقومان مقام الوطء في كل مورد يكون الوطء ناشراً للحرمة [١] ، فتحرم الأجنبية الملموسة أو المنظورة شبهة أو‌

______________________________________________________

فلا بأس ، وإن كان أفضى فلا يتزوج ابنتها » (١). نعم يعارض ذلك صحيح محمد بن مسلم‌ وموثقه‌ وخبر أبي الربيع‌ المتقدمة. لكن الأخيرين غير ظاهرين في الحرمة. والأول يمكن حمله على الكراهة. لكن في الجواهر قوى التحريم. وناقش في صحيح العيص‌ بأن الموجود في النسخة الصحيحة‌ « باشر امرأة » ‌بدل : « باشر امرأته » ‌فيكون محمولاً على الأجنبية ، فيبقى صحيح محمد بن مسلم‌ المعتضد بغيره من النصوص سالماً عن المعارض. وفيه : أن ظاهر الكتاب انحصار سبب التحريم بالدخول ، فلو كان المس سبباً للتحريم لكان الدخول لغواً ، لتقدم المس عليه دائماً. وكذلك النظر فإنه متقدم على الدخول غالباً إلا في الظلام والأعمى ونحوهما. فالبناء على محرمية النظر واللمس موجب لإلغاء سببية الدخول. فيكون الصحيح معارضاً للكتاب ، فلا مجال للعمل به. مع أن البناء على إطلاقه غير ممكن. وتقييده بما يكون عن شهوة ، ليس بأولى من حمله على الكراهة. ولو سلم التساوي فالمرجع الكتاب والنصوص المتفقة على انحصار سببية التحريم بالدخول لا غير. هذا مضافاً الى إعراض الأصحاب عن الصحيح المذكور ، وعدم تعرضهم لمضمونه ، فضلا عن الاعتماد عليه. ولأجل ذلك يظهر ضعف ما ذكره في الجواهر من كون النظر واللمس يقومان مقام الدخول المتمم لسبب المصاهرة ، وهو الملك والعقد. فكما تحرم أم المملوكة وبنتها بنظر المالك إليها ولمسه. كذلك تحرم أم المعقود عليها وبنتها بنظر العاقد إليها ولمسه فقد عرفت الاشكال عليه في المسألتين معاً. فلاحظ.

[١] قال في المسالك : « اختلف القائلون بأن الزنا ينشر حرمة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٣.

٢٣٥

حراماً على الأب والابن ، وتحرم أمها وبنتها حرة كانت أو أمة. وهو وإن كان أحوط ، إلا أن الأقوى خلافه [١]. وعلى ما ذكر فتنحصر الحرمة في مملوكة كل من الأب والابن على الآخر إذا كانت ملموسة أو منظورة بشهوة [٢].

( مسألة ٣٨ ) : في إيجاب النظر أو اللمس الى الوجه والكفين إذا كان بشهوة نظر. والأقوى العدم [٣] ، وإن كان هو الأحوط.

______________________________________________________

المصاهرة في أن النظر إلى الأجنبية واللمس هل ينشر الحرمة فتحرم به الأم وإن علت ، والبنت وإن نزلت أم لا؟ هكذا نقله فخر الدين في شرحه. ولم نقف على القائل بالتحريم .. الى أن قال : وهو قول ضعيف جداً ، لا دليل عليه » وما ذكره قوي جداً. لاختصاص نصوص المحرمية بما إذا وقعا على الوجه الحلال بالأمة ، كما عرفت ، أو مع التعميم للزوجة ، كما سبق من الجواهر. فلا مجال للتعدي عن ذلك الى وقوعهما على الوجه الحرام في الأمة ـ كما لو نظر إليها المالك وهي مزوجة ـ فضلا عن الأجنبية.

[١] عملاً بأصالة الحل ، التي لم يثبت ما يستوجب الخروج عنها.

[٢] على الوجه المحلل ، كما أشرنا الى ذلك ، وقواه في الجواهر ، لاختصاص النصوص به ، فلو نظر إليها المالك كذلك وهي مزوجة ، أو قبل أن يتملكها ثمَّ تملكها لم تحرم على أبيه ، ولا على ابنه.

[٣] كما مال إليه في الجواهر ، لما سبق في صدر الفصل من اختصاص النصوص بالنظر واللمس المستتبعين لكشف أو تجريد أو نحوهما مما اشتملت عليه النصوص ، فلا تشمل مثل ذلك. وحينئذ يتعين الرجوع الى أصالة‌

٢٣٦

( مسألة ٣٩ ) : لا يجوز الجمع بين الأختين في النكاح [١] دواماً أو متعة [٢] ، سواء كانتا نسبيتين أو رضاعيتين [٣].

______________________________________________________

الحل. نعم تقدم في الروايات محرمية التقبيل بشهوة. ولا يبعد التعدي إلى غيره من اللمس المتعلق بالوجه ، مثل وضع خده على خدها ، وقرصها ونحوهما. فاستثناء الوجه والكفين ينبغي أن يكون مختصاً بالنظر. فتأمل.

[١] إجماعاً. بل بإجماع علماء الإسلام كافة. ويشهد له صريح قوله تعالى ( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ) (١) ، والنصوص المستفيضة بل المتواترة معنى ، ففي صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) : « قال : قضى أمير المؤمنين (ع) في أختين نكح أحدهما رجل ، ثمَّ طلقها وهي حبلى ، ثمَّ خطب أختها ، فجمعهما قبل أن تضع أختها المطلقة ولدها. فأمره أن يفارق الأخيرة حتى تضع أختها المطلقة ولدها ثمَّ يخطبها ، ويصدقها صداقاً مرتين » (٢). ونحوه غيره مما تأتي الإشارة إلى بعضه.

[٢] بلا إشكال ، لإطلاق الأدلة. و‌في صحيح البزنطي المروي في قرب الاسناد عن الرضا (ع) قال : « سألته عن رجل تكون عنده امرأة ، يحل له أن يتزوج أختها متعة؟ قال (ع) : » (٣) ‌، واما ما‌ في خبر منصور الصيقل عن ابي عبد الله (ع) « لا بأس بالرجل ان يتمتع أختين » (٤) ‌فلا بد ان يحمل على صورة التفريق ، وإلا فهو مطروح ، لمخالفته الأصحاب.

[٣] بلا إشكال ، ولا خلاف. ويقتضيه عموم : « يحرم من الرضاع

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

٢٣٧

وكذا لا يجوز الجمع بينهما في الملك مع وطئهما [١]. وأما الجمع‌

______________________________________________________

ما يحرم من النسب » (١). و‌في صحيح أبي عبيدة قال : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على أختها من الرضاعة » (٢). هذا وفي بعض النسخ زيادة : ( أو مختلفتين ). والظاهر انها غلط. وحمله على بعض المحامل البعيدة لا يظن من المصنف وقوعه ، مع عدم تعرضه لشرح ذلك.

[١] فاذا جمع بينهما في الملك فوطئ إحداهما حرم عليه وطء الأخرى. بلا خلاف ، كما في المسالك. واتفاقاً ، كما في كشف اللثام. وفي الجواهر : الإجماع بقسميه عليه. ويقتضيه قوله تعالى ( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ) بناء على إرادة الوطء. والنصوص ، كموثق الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال : « قلت له : الرجل يشتري الأختين فيطأ إحداهما ، ثمَّ يطأ الأخرى بجهالة. قال (ع) : إذا وطئ الأخرى بجهالة لم تحرم عليه الأولى. وإن وطئ الأخيرة وهو يعلم انها عليه حرام حرمتا عليه جميعاً » (٣). و‌خبر عبد الغفار الطائي عن ابي عبد الله (ع) : « في رجل كانت عنده اختان فوطئ إحداهما ، ثمَّ أراد ان يطأ الأخرى. قال (ع) : يخرجها عن ملكه. قلت : الى من؟ قال (ع) : الى بعض اهله. قلت : فان جهل ذلك حتى وطئها. قال (ع) : حرمتا عليه كلتاهما » (٤). ونحوهما غيرهما. وقد يظهر من صحيح علي بن يقطين خلاف ذلك ، قال : « سألت أبا إبراهيم (ع) عن أختين مملوكتين وجمعهما. قال : تستقيم ، ولا

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١ من أبواب ما يحرم من الرضاع.

(٢) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٦.

٢٣٨

بينهما في مجرد الملك من غير وطء فلا مانع منه [١]. وهل يجوز الجمع بينهما في الملك مع الاستمتاع بما دون الوطء ، بأن لم يطأهما أو وطئ إحداهما واستمتع بالأخرى بما دون الوطء؟ فيه نظر. مقتضى بعض النصوص [٢] : الجواز وهو الأقوى. لكن الأحوط العدم.

______________________________________________________

أحبه لك » (١). وقريب منه غيره. لكن لا مجال للعمل به بعد الإجماع على خلافه.

[١] بلا إشكال نصاً وفتوى. وفي التذكرة والمسالك : الإجماع عليه. والنصوص الماضية والآتية دالة عليه.

[٢] هو‌ خبر عيسى بن عبد الله المروي عن تفسير العياشي قال : « سئل أبو عبد الله (ع) عن أختين مملوكتين ينكح إحداهما ، أتحل له الأخرى؟ فقال (ع) : ليس ينكح الأخرى إلا فيما دون الفرج ، وإن لم يفعل فهو خير له. نظير تلك المرأة تحيض فتحرم على زوجها ان يأتيها في فرجها ، لقول الله عز وجل ( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ ) (٢) ، وقال ( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ ) (٣) يعني : في النكاح فيستقيم للرجل أن يأتي امرأته وهي حائض فيما دون الفرج » (٤). لكن الخبر ضعيف ، ولا يصلح للخروج به عن ظاهر بعض النصوص والفتاوى من ان الأخت تكون حراماً بوطء أختها. فلاحظ موثق الحلبي المتقدم‌. وفي جامع المقاصد : « وإنما يحرم الجمع بينهما ( يعني : بين‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٤.

(٢) البقرة : ٢٢٢.

(٣) النساء : ٢٣.

(٤) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١١.

٢٣٩

( مسألة ٤٠ ) : لو تزوج بإحدى الأختين وتملك الأخرى ، لا يجوز له وطء المملوكة [١] إلا بعد طلاق المزوجة‌

______________________________________________________

الأختين ) في النكاح ، لعموم قوله تعالى ( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ) ، والمراد في النكاح ، كما يقتضيه سياق الآية ، فيتناول العقد والوطء ، وكذا توابع الوطء من الاستمتاعات ، فمتى وطئ أمته المملوكة حرمت عليه أختها بالملك ، فلو كانت الأخت مملوكة له حرم عليه الاستمتاع بها ما دامت الأولى في ملكه. ولا خلاف في ذلك ». وفي المسالك في الاستدلال على تحريم الثانية قال : « ولأن الجمع الحقيقي يمكن بالاستمتاع بما دون الوطء ، وإذا حرم ذلك حرم الوطء ، لعدم القائل بالفصل ». ونحوه في كشف اللثام. ولأجل ذلك يتعين ان يكون الأقوى تحريم سائر الاستمتاعات.

[١] كما نص عليه جماعة ، منهم في المسالك ، وكشف اللثام ، والجواهر. ويظهر منهم المفروغية منه. وكأنه بناء منهم على ان الجمع المحرم بين الأختين ما هو أعم من الجمع بالعقد والوطء ، فاذا ثبت أحدهما امتنع الآخر. ومقتضى الجمود على الأدلة اللفظية من الآية والرواية وإن كان الاقتصار على تحريم الجمع بين الأختين بالعقد ، وبين المملوكتين بالوطء. وأما الجمع بينهما بالعقد على إحداهما والوطء للأخرى فخارج عن مدلولهما. ومقتضى عموم الحل الجواز. إلا ان بناء الأصحاب على تحريم الجمع بالنحو المذكور. وكأنهم فهموا من التحريم في قوله تعالى ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ ). (١) تحريم مطلق الاستمتاع بها على النحو الخاص الذي يكون للرجال مع النساء ، لا تحريم العقد. نعم تحريم الاستمتاع المذكور يستوجب بطلان عقد الزوجية ، لأن قوامها ذلك النحو من الاستمتاع ،

__________________

(١) النساء : ٢٣.

٢٤٠