مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٧

وبنته وإن نزلت [١] ، وأخته ، من غير فرق بين كونهما كبيرين أو صغيرين أو مختلفين [٢]. ولا تحرم على الموطوء‌

______________________________________________________

أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل يعبث بالغلام ، قال (ع) : إذا أوقب حرمت عليه بنته وأخته » (١) ‌، و‌موثق إبراهيم بن عمر عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل لعب بغلام هل تحل له أمه؟ قال (ع) : إن كان ثقب فلا » (٢). ونحوهما غيرهما.

[١] نص على ذلك في القواعد ، وحكي عن ابن إدريس. وتنظر فيه في كشف اللثام ، لعدم وضوح عموم الأم للجدة والبنت لبنت البنت. والأصل يقتضي الحل لو لا دعوى الاتفاق عليه ، المحكية عن جماعة.

[٢] أما إذا كان الواطئ صغيراً : فقد استشكل فيه في القواعد وغيرها ، لاختصاص النصوص بالرجل الذي لا يشمل الصغير ، ولا إجماع على عدم الفصل بينه وبين الكبير ، فيتعين الرجوع فيه الى أصالة الحل. خلافا للمحقق والشهيد الثانيين وغيرهما ، فالأقوى عندهم عدم الفرق ، لعدم الفرق في حكم المصاهرة بين البالغ وغيره ، ولصدق عنوان الرجل عليه بعد البلوغ ، فيقال : « إنه رجل أوقب » وإن كان إيقابه سابقاً. ولأن التحريم في النص خارج مخرج الغالب. ولكن الجميع غير ظاهر. بل الثاني خلاف الظاهر ، فان الظاهر من قول القائل : « رجل أوقب » أنه أوقب حال كونه رجلا ، وكذا كل عنوان أخذ موضوعاً للحكم ، فان الظاهر منه المقارنة بين الحكم وبين العنوان ، مثل قولنا : « مسافر صلى قصراً ، وحاضر صلى تماماً » ، ونحو ذلك. ومن العجيب ما في كشف اللثام فإنه استدل على الحكم بالصحيح والموثق المتقدمين ، ثمَّ ذكر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٧.

١٦١

أم الواطئ وبنته وأخته على الأقوى [١]. ولو كان الموطوء خنثى [٢] حرمت أمها وبنتها على الواطئ ، لأنه إما لواط‌

______________________________________________________

في وجه الإشكال الذي ذكره في القواعد فقال : « من عموم الخبر الثاني وهو خيرة التحرير والأصل واختصاص الخبر الأول .. » مع أن الخبر الثاني أيضا خاص كالأول.

وأما عدم الفرق في الموطوء بين الصغير وغيره : فهو المصرح به في القواعد وغيرها ، بل قد استظهر من عبارة جامع المقاصد : أنه من معقد إطباق الأصحاب ، ومن عبارة الروضة : أنه إجماع. وإن كان لا يخلو من نظر ، لاحتمال رجوع الإجماع في الثاني إلى النسب مقابل الرضاع ، ورجوع الإطباق في الأول إلى أصل الحكم. وكيف كان فالعمدة في وجه الاشكال : أن المذكور في النصوص هو الغلام ، وهو لا يشمل الشيخ والكهل. فالتعدي الى الرجل يحتاج إما الى فهم المثالية من الغلام ، والمراد مطلق الذكر ، أو الإجماع على عدم الفصل. لكن كلا من الأمرين معا غير ظاهر. وإن كان غير بعيد.

[١] للأصل. وفي كشف اللثام وغيره عن الشيخ أنه حكى عن بعض الأصحاب التحريم عليه أيضا. ومأخذه غير ظاهر غير احتمال رجوع الضمير في الاخبار لكل من الفاعل والمفعول. وفيه : أن المسؤول عن حكمه الواطئ ، فالحكم ـ وهو التحريم ـ يكون عليه ، وضمير المخاطب بالحكم راجع اليه. نعم الضمير الآخر راجع الى الموطوء. فالقول المذكور ضعيف. ولا سيما بعد دعوى الإجماع على العدم ، كما عن صريح التذكرة وظاهر الروضة.

[٢] قال في القواعد : « ولو أوقب خنثى مشكل ، أو أوقب ، فالأقرب عدم التحريم ». وعلله في كشف اللثام بالأصل مع الشك في‌

١٦٢

أو زنا [١] ، وهو محرم إذا كان سابقاً كما مر [٢]. والأحوط حرمة المذكورات على الواطئ وإن كان ذلك بعد التزويج [٣]

______________________________________________________

السبب ، ووجه الخلاف الاحتياط ، وتغليب جانب الحرمة ، ثمَّ قال : « نعم إن كان مفعولا وكان الإيقاب بإدخال تمام الحشفة لم يشكل تحريم الأم والبنت على القول بنشر الزنا الحرمة. وإن كان فاعلا حرمت عليه النساء قاطبة ، كما حرم على الرجال ، للإشكال في الذكورية والأنوثية. على أن كلامهم في إرث الخنثى المشكل إذا كان زوجاً أو زوجة يدل على الإباحة ». لكن قد يدفع الإشكال الأول : بأن الكلام بالنظر الى الإيقاب ، والمقصود نفي الحرمة من جهته ، لا من جهة الزنا.

[١] لكن المحرم باللواط بنته التي تتولد من مائه ، والمحرم بالزنا بنت الموطوءة التي تتولد منها ، فاختلف المفهوم والمصداق ، وحينئذ لا يحصل العلم بالتحريم إلا مع الابتلاء بالطرفين ، من جهة العلم الإجمالي ، ويكون التحريم في كل منهما عقلياً لا شرعياً.

[٢] بل يأتي في المسألة الثامنة والعشرين من الفصل الآتي.

[٣] كما عن ابن سعيد في الجامع ، بل هو ظاهر جماعة ممن أطلق التحريم للمذكورات ، لمرسل ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « في رجل يأتي أخا امرأته ، فقال : إذا أوقبه فقد حرمت عليه المرأة » (١) ‌، المعتضد بإطلاق نصوص الباب. والمشهور الحل في الفرض ، بل هو المذكور في كلام جماعة مرسلين له إرسال المسلمات ، بل في كلام شيخنا أنه اتفاقي لا مخالف فيه فتوى ورواية ، إلا ما يظهر من المرسل المذكور. ويتعين حمله على كونها امرأته في الحال دون زمان الإتيان ، وإن كان خلاف الظاهر. والعمدة : أن المرسل المذكور في نفسه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

١٦٣

خصوصاً إذا طلقها وأراد تزويجها جديداً [١].

______________________________________________________

لا دليل على حجيته ، وإن كان المرسل ابن أبي عمير ، كما أشرنا الى ذلك في مبحث النجاسات من هذا الشرح ، فضلا عن ملاحظة دعوى الاتفاق أو الشهرة العظيمة على خلافه.

[١] أما إذا كان الطلاق بعد وقوع الإيقاب : فقد نسب في الجواهر الميل الى عدم الجواز الى بعض الأفاضل ، ولعله السيد في الرياض ، فقد جعل احتمال التحريم أقوى ، للإطلاقات المخصص بها الأصل والعموم. لكن في كشف اللثام : الأقرب عدم التحريم. وفي الجواهر : « يقوى الجواز ، للاستصحاب ». وفيه : أن استصحاب الحل الفعلي لا مجال له ، للحرمة بالطلاق. والاستصحاب التعليقي لا يقين سابق بمؤداه ، بل مقتضى استصحاب عدم ترتب الأثر على العقد هو الحرمة. مع أن الاستصحاب لا مجال له مع إطلاق الأدلة. والخروج عنها بالنسبة الى من سبق العقد عليها بعموم : « الحرام لا يحرم الحلال » (١) ‌، يختص بحال العقد ، ولا يشمل ما بعد الطلاق. فالإطلاق بالنسبة إليه محكم. كما ذكر في الرياض.

أما إذا كان الطلاق قبل وقوع الإيقاب : فالحكم بالعدم فيه أظهر لعدم الحل حال الإيقاب ، فلا يشمله‌ قوله (ع) : « الحرام لا يحرم الحلال » ‌، فيبقى داخلا تحت الإطلاق. ولم أجد من تعرض لهذا الفرض إلا شيخنا في رسالة النكاح ، وقد استظهر فيه الحرمة ، لما ذكر. ولم يتعرض للفرض السابق. وبالجملة : المستفاد من النصوص المتضمنة أن الحرام لا يحرم الحلال ، أو لا يفسده ، بعد ضم بعضها الى بعض وملاحظة مواردها : أن الحرام لا يرفع الحلية ، ولا تدل على أنه لا يدفع الحلية. والفرضان المذكوران من الثاني ، فالمرجع فيهما غير النصوص المذكورة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٦ ، ٩ ، ١١ ، ١٢.

١٦٤

والأم الرضاعية كالنسبية [١]. وكذلك الأخت والبنت. والظاهر عدم الفرق [٢] في الوطء بين أن يكون عن علم وعمد واختيار أو مع الاشتباه ، كما إذا تخيله امرأته ، أو كان مكرهاً ، أو كان المباشر للفعل هو المفعول [٣]. ولو كان الموطوء ميتاً ففي التحريم إشكال [٤]. ولو شك في تحقق الإيقاب وعدمه بنى على العدم [٥]. ولا تحرم من جهة هذا العمل الشنيع غير الثلاثة المذكورة [٦] ، فلا بأس بنكاح ولد الواطئ ابنة الموطوء‌

______________________________________________________

[١] كما عن التحرير. وقواه في الروضة والرياض. وقربه في كشف اللثام. واستظهره في الجواهر. لعموم : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (١) ‌، الموجب لثبوت حكم النسب للرضاع. ومن ذلك يظهر ضعف الإشكال في القواعد ، للأصل والخروج عن ظاهر نصوص الباب ، لاختصاصها بالنسبية لا غير. فان الدليل على الحرمة ليس أدلة الباب ، وإنما هو عموم تنزيل الرضاع منزلة النسب.

[٢] للإطلاق ، المعتضد بإطلاق الفتاوى.

[٣] يشكل بأنه لا تصح حينئذ نسبة الفعل الى الفاعل ، وإنما تصح نسبته الى المفعول ، فيخرج عن ظاهر النصوص.

[٤] كما في القواعد. وفي جامع المقاصد : « لم يبعد التحريم ، لعموم النص ». وفيه : أن الغلام حقيقة في الحي ، وإطلاقه على الميت مجاز. فعموم النص ممنوع. وعموم الحل يقتضي الجواز.

[٥] لأصالة العدم.

[٦] بلا خلاف أجده فيه ، كما في الجواهر.

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب ما يحرم من الرضاع.

١٦٥

أو أخته أو أمه ، وإن كان الأولى الترك في ابنته [١].

فصل

من المحرمات الأبدية التزويج حال الإحرام لا يجوز للمحرم أن يتزوج [٢] امرأة محرمة‌

______________________________________________________

[١] لمرسل موسى بن سعدان عن بعض رجاله قال : « كنت عند أبي عبد الله (ع) فقال له رجل : ما ترى في شابين كانا مصطحبين ، فولد لهذا غلام وللآخر جارية أيتزوج ابن هذا ابنة هذا؟ فقال (ع) : نعم ، سبحان الله ، لم لا يحل؟! فقال : إنه كان صديقاً له ، قال : وإن كان فلا بأس ، قال : فإنه كان يفعل به ، قال : فأعرض بوجهه ، ثمَّ أجابه وهو متستر بذراعه ، فقال : إن كان الذي كان منه دون الإيقاب فلا بأس أن يتزوج ، وإن كان قد أوقب فلا يحل له أن يتزوج » (١). ولأجل إرساله ، وعدم معرفة القائل به ، لا مجال للاعتماد عليه.

فصل

من المحرمات الأبدية التزويج حال الإحرام‌

[٢] بلا خلاف ولا إشكال ، وفي الجواهر : أن الإجماع بقسميه عليه. ويشهد له غير واحد من النصوص ، منها ما‌ رواه زرارة بن أعين ، وداود بن سرحان عن أبي عبد الله (ع) ـ في حديث ـ : « قال : والمحرم إذا تزوج وهو يعلم أنه حرام عليه لم تحل له أبداً » (٢). ونحوه ما رواه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٣١ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

١٦٦

أو محلة [١] ، سواء كان بالمباشرة أو بالتوكيل مع إجراء الوكيل العقد حال الإحرام [٢] ، سواء كان الوكيل محرماً أو محلا ، وكانت الوكالة قبل الإحرام أو حاله [٣]. وكذا لو كان بإجازة عقد الفضولي الواقع حال الإحرام ، أو قبله مع كونها حاله بناء على النقل [٤] ، بل على الكشف الحكمي [٥]

______________________________________________________

أديم بياع الهروي عن أبي عبد الله (ع) (١). وفي كشف اللثام : « الخبر وإن كان ضعيفاً لكن الأصحاب قطعوا بمضمونه ، وحكى عليه الإجماع في الانتصار ، والخلاف ، والغنية ».

[١] للإطلاق. وكذا ما بعده.

[٢] يعني : إحرام الموكل.

[٣] للإطلاق.

[٤] لتحقق التزويج حالها ، وهو حال الإحرام.

[٥] الكشف الحكمي بمعنى أنه حال الإجازة يثبت مضمون العقد ، ويجب ترتيب أحكام ثبوته من حين العقد ، فالمضمون لما كان على هذا القول ثابتاً حال الإجازة ، وهو حال الإحرام ، كان التزويج حال الإحرام ، فيبطل وإن كانت أحكام المضمون ثابتة من حين العقد. نعم لا مانع من صحة الإجازة بناء على الكشف الانقلابي ، الراجع الى أن زمان الإجازة هو زمان جعل المضمون من حين العقد فالمجعول هو المضمون من حين العقد وإن كان جعله حين الإجازة ، فإذا كان العقد المجاز واقعاً حال الإحلال يكون التزويج واقعاً حينئذ ، فلا مانع منه. اللهم الا أن يدعى أن المستفاد من الأدلة حرمة جعل التزويج حال الإحرام وإن كان زمان المجعول حال الإحلال. ولأجل ذلك قال المصنف (ره) : « بل الأحوط مطلقاً » يعني :

__________________

(١) أشار الى هذا الحديث في الوسائل باب : ٣١ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

١٦٧

بل الأحوط مطلقاً. ولا إشكال في بطلان النكاح في الصور المذكورة [١].

______________________________________________________

حتى على الكشف الحقيقي أو الكشف الانقلابي. واحتمله في الجواهر ، بناء على أنه نوع تعلق بالنكاح ممنوع منه ، كما يشير اليه‌ مرسل أبي شجرة : « في المحرم يشهد على نكاح المحلين؟ قال (ع) : لا يشهد. ثمَّ قال : يجوز للمحرم أن يشير بصيد على محل؟ » (١). ثمَّ قال : « ويحتمل الجواز ، لأنه ليس تزويجاً حال الإحرام بناء على الكشف. والأحوط الأول ، وإن كان الثاني لا يخلو من قوة ». وكأنه لضعف المرسل المانع من الخروج به عن عموم الصحة أو أصل البراءة. وأما ما سبق من احتمال أن يكون الممنوع جعل الزوجية ، كنفس الزوجية. فغير بعيد من النصوص الآتية ، المتضمنة أنه لا يتزوج ولا يزوج غيره ، فاذا منع من أن يزوج غيره فأولى أن يمنع من أن يزوج نفسه.

[١] ادعى عليه الإجماع غير واحد ، وتشهد له النصوص‌ كصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « ليس للمحرم أن يتزوج ، ولا يزوج. وإن تزوج أو زوج محلا فتزويجه باطل » (٢) ‌، و‌صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : « قال أبو عبد الله (ع) : إن رجلا من الأنصار تزوج وهو محرم فأبطل رسول الله (ص) نكاحه » (٣) ‌، و‌مصحح معاوية ابن عمار : « قال : المحرم لا يتزوج ، ولا يزوج ، فان فعل فنكاحه باطل » (٤) ‌، و‌صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) « قال : قضى

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب تروك الإحرام حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب تروك الإحرام حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٤ من أبواب تروك الإحرام حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ١٤ من أبواب تروك الإحرام حديث : ٩.

١٦٨

وإن كان مع العلم بالحرمة حرمت الزوجة عليه أبداً [١] ، سواء دخل بها أو لا [٢]. وان كان مع الجهل بها لم تحرم عليه على الأقوى [٣] ،

______________________________________________________

أمير المؤمنين (ع) في رجل ملك بضع امرأة وهو محرم قبل أن يحل فقضى أن يخلي سبيلها ، ولم يجعل نكاحه شيئا حتى يحل. فإذا أحل خطبها إن شاء ، وإن شاء أهلها زوجوه ، وإن شاءوا لم يزوجوه » (١) ‌الى غير ذلك مما يأتي بعضه.

[١] إجماعا محكيا عن الانتصار والخلاف والغنية. وعن التذكرة ، والمنتهى : نسبته إلى علمائنا. ويشهد له ما تقدم من روايات زرارة ، وداود ابن سرحان ، وأديم بياع الهروي ، المعتضدة بإطلاق‌ خبر أديم بن الحر الخزاعي عن أبي عبد الله (ع) قال : « إن المحرم إذا تزوج وهو محرم فرق بينهما ، ولا يتعاودان أبداً » (٢).

[٢] لإطلاق النص والفتوى.

[٣] كما هو المشهور شهرة عظيمة ، كما يقتضيه الجمع بين مثل صحيح محمد بن قيس المتقدم‌ ، وبين خبر أديم بن الحر الخزاعي المتقدم‌ ونحوه ، كخبر إبراهيم بن الحسن عن أبي عبد الله (ع) (٣) ، فيحمل الأول على صورة الجهل ، والأخيرة على صورة العلم ، بشهادة روايات زرارة ، وداود ابن سرحان ، وأديم بياع الهروي‌. ومن ذلك يظهر ضعف القول بالتحريم الأبدي كما عن الصدوق وسلار ، اعتماداً على إطلاق نصوص التحريم الأبدي ، لما عرفت من كونها محمولة على صورة العلم جمعاً.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب تروك الإحرام حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب تروك الإحرام حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب تروك الإحرام حديث : ١.

١٦٩

دخل بها أو لم يدخل [١] ، لكن العقد باطل على أي حال [٢] بل لو كان المباشر للعقد محرماً بطل وإن كان من له العقد محلا [٣]. ولو كان الزوج محلا وكانت الزوجة محرمة فلا إشكال في بطلان العقد [٤]. لكن هل يوجب الحرمة الأبدية فيه قولان. الأحوط الحرمة [٥] ، بل لا يخلو عن قوة.

______________________________________________________

[١] كما يقتضيه إطلاق صحيح محمد بن قيس‌. وعن الخلاف والكافي والغنية والسرائر والوسيلة : الحرمة أبداً مع الدخول ، وعن الأول : الإجماع عليه. ودليله غير ظاهر بعد ما عرفت. والإلحاق بذات العدة لا مجال له ، لأنه قياس باطل. والإجماع الذي ادعاه في الخلاف موهون بمخالفة الأكثر :

[٢] لما عرفت.

[٣] لما عرفت من النصوص الصريحة فيه.

[٤] وفي المنتهى : أنه ذهب إليه علماؤنا أجمع ، لدخوله في النصوص المتقدمة ، بناء على أن المراد من المحرم الجنس الشامل للمرأة ، أو لقاعدة الاشتراك‌

[٥] كما عن الخلاف ، مستدلا عليه بالإجماع ، والاحتياط ، والأخبار ، وأشكل عليه في محكي الرياض بأن الاخبار لم نقف عليها. ودعوى الوفاق غير واضحة. والاحتياط ليس بحجة.

وفي الجواهر : « قلت : يمكن إثباته بقاعدة الاشتراك. أو بإرادة الجنس من الألف واللام في بعض النصوص السابقة ». ثمَّ استشكل في الأول : بأن قاعدة الاشتراك تختص بما يصلح وقوعه منهما ، والنصوص السابقة دلت على تحريم تزويج المحرم ، بمعنى : اتخاذه زوجة ، وهذا المعنى يختص بالرجال ، فلا تشمله قاعدة الاشتراك. وفي الثاني : بأن الجنسية المرادة من الالف واللام بمعنى الجنسية في المدخول ، والمدخول هو المحرم المختص بالذكر ، والجنس منه لا يشمل الأنثى ، وإنما الذي يشملها الجنس من الجامع بين‌

١٧٠

______________________________________________________

الذكر والأنثى ، وهو غير المدخول.

وحاصل الإشكال الأول : أن مفاد قاعدة الاشتراك تعميم الخطاب المتوجه للرجال الى النساء مع المحافظة على جميع قيوده ، فاذا امتنعت المحافظة على القيود امتنعت قاعدة الاشتراك ، فاذا ورد خطاب : « يا أيها الذين آمنوا أقيموا الصلاة » المختص بالرجال وجب تعميمه الى النساء ، فكأنه قيل أيضا : « يا أيها النساء أقمن الصلاة ». وإذا ورد : « يا أيها الرجال أنفقوا على زوجاتكم » لم يصح تعميمه الى النساء بحيث يحكم بمضمون « يا أيها النساء أنفقن على أزواجكن » لاختلاف قيود الموضوع. وكذلك في المقام ، فان مفاد نصوص المقام أنه يحرم على الرجال المحرمين أن يتزوجوا النساء ، فإذا بني على تعميمه الى النساء فلا بد من اختلاف قيود الموضوع ، إذ الموضوع حينئذ يحرم على النساء المحرمات أن يتزوجن الرجال. وحاصل الإشكال الثاني : أن المراد من الجنس إن كان جنس المدخول فهو مختص بالجنس الذكري ، وإن أريد الشامل للذكر والأنثى فهو خلاف الظاهر محتاج إلى قرينة.

ودفع الإشكال الأول : بأن حرمة التزويج من أحكام نفس الإحرام المشترك بين الرجال والنساء ، راجع الى التمسك بإطلاق الدليل ، لا عمل بقاعدة الاشتراك. مع أنه غير ظاهر من عبارة النص بعد البناء على ظهور المحرم في الذكر ، لأنه يكون من أحكام إحرام الذكر ، لا مطلقاً. نعم يندفع بأن التزويج بالمعنى المضاف الى الذكر مضاف إلى الأنثى ، وليس هو بمعنى آخر. وحينئذ فإذا كان مطلق التزويج محرماً على الذكر كان ذلك المعنى محرماً على الأنثى بقاعدة الاشتراك ، ولا مانع من جريانها حينئذ ، نظير : « يا أيها الذين آمنوا أقيموا الصلاة » ، فإن قاعدة الاشتراك تقتضي وجوب الصلاة على الإناث وإن كانت صلاة الإناث تخالف صلاة الذكور ،

١٧١

ولا فرق في البطلان [١] والتحريم الأبدي بين أن يكون الإحرام لحج واجب ، أو مندوب ، أو لعمرة واجبة أو مندوبة ، ولا في النكاح بين الدوام والمتعة.

( مسألة ١ ) : لو تزوج في حال الإحرام مع العلم بالحكم لكن كان غافلا عن كونه محرماً أو ناسيا له فلا إشكال في بطلانه [٢] ، لكن في كونه محرماً أبداً إشكال [٣]. والأحوط ذلك.

( مسألة ٢ ) : لا يلحق وطء زوجته الدائمة أو المنقطعة حال الإحرام بالتزويج في التحريم الأبدي ، فلا يوجبه وإن كان مع العلم بالحرمة والعمد [٤].

( مسألة ٣ ) : لو تزوج في حال الإحرام ولكن كان باطلا من غير جهة الإحرام كتزويج أخت الزوجة أو الخامسة ـ هل يوجب التحريم أو لا؟ الظاهر ذلك [٥] ،

______________________________________________________

لأن الواجب على الذكور طبيعة الصلاة ، فكذا في المقام.

[١] كما صرح به غير واحد. لإطلاق النصوص والفتاوى. وكذا لا فرق بين كون الإحرام لنفسه أو غيره.

[٢] لإطلاق النصوص.

[٣] لمنافاة الغفلة والنسيان للعلم بكونه حراماً عليه.

[٤] كما نص على ذلك في الجواهر. وحكى عن بعض الإجماع عليه.

للأصل من غير معارض ، لاختصاص الأدلة المتقدمة بغيره. مضافاً الى عموم عدم تحريم الحرام الحلال.

[٥] تقدم في المسألة الاولى من الفصل السابق الكلام في نظير المسألة.

١٧٢

لصدق التزويج ، فيشمله الاخبار. نعم لو كان بطلانه لفقد بعض الأركان بحيث لا يصدق عليه التزويج لم يوجب.

( مسألة ٤ ) : لو شك في أن تزويجه هل كان في الإحرام أو قبله بنى على عدم كونه فيه [١] ، بل وكذا لو شك في أنه كان في حال الإحرام أو بعده ، على إشكال [٢]. وحينئذ فلو اختلف الزوجان في وقوعه حاله ، أو حال الإحلال سابقاً أو لاحقاً. قدم قول من يدعي الصحة [٣] ، من غير‌

______________________________________________________

وقد تقدم منه (ره) التوقف. وتقدم أن الظاهر عدم التحريم ، لأن الظاهر من التزويج : التزويج الصحيح ، كما يظهر ذلك من ملاحظة باب الشهادة ، والإقرار ، والوصية والنذر ، والوقف ، ونحوها ، فان التزويج في جميع ذلك وغيره يراد منه الصحيح. وأما‌ خبر الحكم بن عيينة : « سألت أبا جعفر (ع) عن محرم تزوج امرأة في عدتها قال : يفرق بينهما ، ولا تحل له أبداً » (١) ‌، فضعيف. مع أنه مجمل من حيث أن السبب في التحريم الأبدي التزويج في حال الإحرام ، أو كونه في العدة ، أو هما. ووارد في مورد خاص لا يمكن استفادة قاعدة منه. فراجع ما سبق.

[١] لأصالة صحة العقد ، المعتضد بأصالة عدم الإحرام في صورة ما إذا كان تاريخ العقد معلوماً وتاريخ الإحرام مجهولا.

[٢] كأنه لأصالة بقاء الإحرام إلى حين العقد. وفيه : أنه لا يطرد في صورة ما إذا كان تاريخ الإحرام معلوماً وتاريخ العقد مجهولا. مع أن أصالة الصحة مقدمة على الاستصحاب.

[٣] كما في الشرائع وغيرها ، بل هو المعروف بينهم. لأصالة الصحة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١٥.

١٧٣

فرق بين جهل التاريخين أو العلم بتاريخ أحدهما [١]. نعم لو كان محرماً وشك في أنه أحل من إحرامه أم لا ، لا يجوز له‌

______________________________________________________

في كل فعل يحتمل فيه الصحة والفساد ، بمعنى لزوم ترتيب آثار الصحة. فإنها من القواعد العقلائية ، ولا فرق فيها بين فعل نفسه وفعل غيره ، ولا بين فعل المسلم وغيره. وتشير إليها بعض النصوص. وهي غير حمل فعل المسلم على الصحة التي هي من الأحكام الأدبية الاجتماعية الاستحبابية ، المختصة بفعل المسلم أو المؤمن ، وفعل الغير ، الملحوظ فيها الحمل النفساني فقط ، أعني : الحمل في نفسه على ما لا يكون معصية. ويشهد بها جملة من النصوص. ومن ذلك يظهر ما بين القاعدتين من الاختلاف مفهوماً ، ومورداً ، ودليلا. وحكماً.

ولأجل ذلك يشكل ما ذكر في المدارك من النظر أولا ، بأنها إنما تتم إذا كان المدعي لوقوع الفعل في حال الإحرام عالماً بفساد ذلك ، أما مع اعترافهما بالجهل فلا وجه للحمل على الصحة. وثانياً : بأن كلا منهما يدعي وصفاً ينكره الآخر ، فتقديم أحدهما يحتاج الى دليل. فان ما ذكره مبني على أن المراد بأصالة الصحة المعنى النفساني ، الذي لا يجري مع الجهل والعذر ، ولا يكون من يوافقه منكراً وخصمه مدعياً.

[١] فإنه إذا جهل تاريخ الإحرام وعلم تاريخ العقد صح جريان أصالة عدم الإحرام إلى حين العقد ، فيثبت كون العقد في حال عدم الإحرام ، فيصح ولو لم تجر أصالة الصحة. وإذا انعكس الأمر فأصالة عدم العقد الى حين الإحرام لا يثبت بها وقوع العقد حال الإحرام ، فيتعين الرجوع الى أصالة الصحة. وإذا جهل التاريخان فالمرجع أصالة الصحة ، سواء قلنا بأن مجهولي التاريخ لا يجري الأصل فيهما ذاتاً ، أم قلنا بأنه يجري لكن يسقط فيهما للمعارضة ، فإن المرجع أصل الصحة على كل من القولين.

١٧٤

التزويج ، فان تزويج مع ذلك بطل ، وحرمت عليه أبدا ، كما هو مقتضى استصحاب بقاء الإحرام [١].

( مسألة ٥ ) : إذا تزوج حال الإحرام عالماً بالحكم والموضوع ، ثمَّ انكشف فساد إحرامه ، صح العقد ولم يوجب الحرمة [٢]. نعم لو كان إحرامه صحيحاً فأفسده ثمَّ تزوج ففيه وجهان [٣] : من أنه قد فسد. ومن معاملته معاملة الصحيح في جميع أحكامه.

( مسألة ٦ ) : يجوز للمحرم الرجوع في الطلاق [٤]

______________________________________________________

[١] ولا يجري أصل الصحة. لاختصاص جريانه بصورة حدوث الشك بعد العمل ، والمفروض في المقام الشك حال العمل.

[٢] لتبين انتفاء موضوع البطلان والتحريم.

[٣] في الجواهر عن غير واحد التصريح بإلحاق الإحرام بعد إفساده بالصحيح. ولعله لمعاملته معاملة الصحيح في جميع الاحكام ، انتهى. أقول : المذكور في كلامهم أن من جامع امرأته في إحرام العمرة قبل السعي فسدت عمرته ، وحكي عليه الاتفاق ، والنصوص به وافرة. ومقتضاه عدم ترتب آثار الإحرام مطلقاً. لكن المصرح به في كلام جماعة وجوب الإتمام. وذلك يدل على عدم البطلان بالمرة. ولعله لبنائهم على استصحاب بقاء الإحرام ، لكنه خلاف ظاهر النصوص المتضمنة للفساد. أو للأمر بإتمام الحج والعمرة ، لكنه غير ظاهر ، لاختصاصه بالصحيحين ، فلا يشمل الفاسدين. نعم تشعر بعض النصوص بأن الفساد يراد به الفساد في الجملة. والكلام في ذلك موكول الى محله.

[٤] بلا إشكال ولا خلاف ، كما في الجواهر ، لخروجه عن موضوع‌

١٧٥

في العدة الرجعية. وكذا تملك الإماء [١].

( مسألة ٧ ) : يجوز للمحرم أن يوكل محلا في أن يزوجه بعد إحلاله [٢]. وكذا يجوز له أن يوكل محرماً في أن يزوجه بعد إحلالهما [٣].

( مسألة ٨ ) : لو زوجه فضولي [٤] في حال إحرامه لم يجز له إجازته في حال إحرامه. وهل له ذلك بعد إحلاله الأحوط العدم ، ولو على القول بالنقل [٥]. هذا إذا كان‌

______________________________________________________

نصوص التحريم ، فيبقى داخلا تحت أصالة الحل وعمومه ، مثل قوله تعالى : ( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ ) (١).

[١] بلا خلاف أيضا ، لما ذكر فيما قبله. ويشهد له‌ صحيح سعد ابن سعد الأشعري القمي عن أبي الحسن الرضا (ع) : « سألته عن المحرم يشتري الجواري ويبيعها؟ قال (ع) : نعم » (٢).

[٢] بلا إشكال ولا خلاف أيضا ، لما سبق. وقد صرح به الأصحاب من دون تعرض لشبهة فيه وتأمل.

[٣] لما عرفت. لكن استثناها بعض من الجواز. ولعله لعدم قابلية المحرم لإيقاع الموكل فيه حال التوكيل ، الموجب للمنع من صحة الوكالة. وفيه : أنه لا دليل على منع ذلك ، وليس المنع الشرعي بأقوى من المنع العقلي ، مع أنه غير مانع عن صحة الوكالة.

[٤] تقدم الكلام فيه في أول الفصل.

[٥] هذا الاحتياط ضعيف إذ على هذا القول يكون التزويج حال الإحلال إنشاء ومنشأ ، ولا يرتبط بالإحرام. نعم على القول بالكشف‌

__________________

(١) البقرة : ٢٢٨.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب تروك الإحرام حديث : ١.

١٧٦

الفضولي محلا ، والا فعقده باطل [١] لا يقبل الإجازة ولو كان المعقود له محلا.

فصل

في المحرمات بالمصاهرة

وهي علاقة بين أحد الطرفين مع أقرباء الآخر تحدث بالزوجية أو الملك عيناً أو انتفاعا [٢] ، بالتحليل ، أو الوطء شبهة أو زنا ، أو النظر واللمس في صورة مخصوصة.

______________________________________________________

الحقيقي يكون التزويج حال الإحرام إنشاء ومنشأ. وعلى الكشف الانقلابي يكون التزويج حال الإحرام منشأ ، لا إنشاء. وعلى الكشف الحكمي لا يكون التزويج حال الإحرام لا إنشاء ، ولا منشأ ، وإنما محض جعل الاحكام. وتحريم ذلك غير ظاهر.

[١] لما عرفت من النصوص المتضمنة أنه لا يتزوج ولا يزوج. لكن الظاهر جريان أحكام الصور المتقدمة هنا بعينها ، فيصح بناء على النقل والكشف الحكمي ، ولا يصح بناء على الكشف الحقيقي والكشف الانقلابي. ولا فرق بين المسألتين ، كما يظهر بالتأمل.

فصل

في المحرمات بالمصاهرة‌

[٢] الذي يظهر من المصاهرة لغة وعرفا اختصاصها بالزوجية ، كما اعترف به في الجواهر ، وشيخنا الأعظم. ويشير اليه قوله تعالى : ( وَهُوَ

١٧٧

( مسألة ١ ) : تحرم زوجة كل من الأب والابن على الآخر [١] ، فصاعداً في الأول ونازلا في الثاني [٢] ، نسبا‌

______________________________________________________

الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً ) (١). لكن في المسالك عممها لما يحدث بالنظر ، واللمس ، والوطء ، على وجه مخصوص. وأخرج وطء الأمة ، والشبهة ، والزنا ، وأنكر أن تكون الحرمة فيها من باب المصاهرة. وفي الشرائع : « وهي تتحقق مع الوطء الصحيح ، وتشكل مع الزنا ، والوطء بالشبهة ، والنظر ، واللمس ». وكأن مراده بالوطء الصحيح الوطء الناشئ عن عقد ولو تحليلا ، وإلا فالوطء بالشبهة من الوطء الصحيح أيضا. كما أن مراده بيان مجرد التحقق بالوطء ، لا الحصر به ، وإلا فهي تتحقق بالعقد أيضا ، كما سيأتي. والمصنف (ره) جعل التحريم في جميع ذلك من باب المصاهرة ، جرياً على ما بني عليه الأصحاب من ذكر الحرمة في جميع ذلك في باب أحكام المصاهرة. وإلا فقد عرفت معناها لغة وعرفاً. ومن ذلك يظهر أن التفصيل بين الأسباب المذكورة غير ظاهر.

[١] إجماعا بل لعله ضروري من ضروريات الإسلام. ويشهد به قوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ) ، وقوله تعالى : ( وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ ) (٢).

[٢] إجماعاً. ويشهد له بعض النصوص ، ففي صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) : « أنه قال : لو لم تحرم على الناس أزواج النبي (ص) لقول الله عز وجل ( ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً ) حرمن على الحسن والحسين بقول الله عز وجل ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ) ، ولا يصلح للرجل أن ينكح امرأة

__________________

(١) الفرقان : ٥٤.

(٢) النساء : ٢٢ ، ٢٣.

١٧٨

أو رضاعا [١] ، دواماً أو متعة [٢] ، بمجرد العقد وإن لم يكن دخل [٣]. ولا فرق في الزوجين والأب والابن بين الحر والمملوك [٤].

( مسألة ٢ ) : لا تحرم مملوكة الأب على الابن وبالعكس [٥] مع عدم الدخول وعدم اللمس والنظر. وتحرم مع الدخول [٦]

______________________________________________________

جده » (١). وأما قوله تعالى ( الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ ) فالمراد به النسبي ، في مقابل المتبنى ، الذي جرت عادة العرب على تسميته ابناً.

[١] لعموم : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (٢).

[٢] للإطلاق.

[٣] إجماعا. وهو العمدة فيه ، لاحتمال أن يكون المراد من النكاح في قوله تعالى ( ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ) الوطء. نعم حلائل الأبناء تشمل المدخول بها وغيرها.

[٤] لإطلاق الأدلة.

[٥] كما صرح به جماعة على نحو يظهر أنه من المسلمات ، وفي كشف اللثام : دعوى الاتفاق عليه. وعن شرح النافع للسيد : دعوى الإجماع عليه. وكذا في الرياض. وفي الحدائق نفي الخلاف فيه. ويقتضيه الأصل بعد ظهور حصر المحرمات في غيرهما ، وللنصوص الآتية نحوها. ولاحتمال ظهور ( ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ) وقوله تعالى ( حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ ) في الزوجات.

[٦] إجماعاً من المسلمين ، كما قيل. وقد استدل له بالكتاب ، والسنة.

وفيه تأمل ، لما عرفت من التأمل في عموم ( ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ) و ( حَلائِلُ

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب ما يحرم من الرضاع.

١٧٩

أو أحد الأمرين إذا كان بشهوة [١]

______________________________________________________

أَبْنائِكُمُ ) لغير الزوجات (١). نعم‌ في خبر موسى بن بكر عن زرارة قال : « قال أبو جعفر (ع) في حديث : إذا أتى الجارية وهي حلال فلا تحل تلك الجارية لابنه ولا لأبيه » (٢).

[١] كما هو المشهور. وحكي عن الصدوق ، والشيخ ، والقاضي ، وابني حمزة وزهرة ، وغيرهم. ويشهد له‌ صحيح محمد بن إسماعيل قال : « سألت أبا الحسن (ع) عن الرجل تكون له الجارية فيقبلها هل تحل لولده؟ قال : بشهوة؟ قلت : نعم. قال ما ترك شيئاً إذا قبلها بشهوة. ثمَّ قال ابتداء منه : إن جردها ونظر إليها بشهوة حرمت على أبيه وابنه. قلت : إذا نظر الى جسدها ، قال : إذا نظر الى فرجها وجسدها بشهوة حرمت عليه » (٣) ، و‌صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل تكون عنده جارية يجردها وينظر الى جسمها نظر شهوة هل تحل لأبيه؟ وإن فعل أبوه هل تحل لابنه؟ قال (ع) : إذا نظر إليها نظر شهوة ونظر منها الى ما يحرم على غيره لم تحل لابنه ، وإن فعل ذلك الابن لم تحل للأب » (٤) ‌و‌في صحيحه الآخر عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل تكون عنده الجارية فيكشف ثوبها ويجردها لا يزيد على ذلك ، قال (ع) : لا تحل لابنه إذا رأى فرجها » (٥) ‌و‌في صحيح محمد بن مسلم

__________________

(١) سيأتي في شرح المسألة الإحدى والأربعين تقريب دلالة الآية على عموم الحرمة الزوجة وملك اليمين. منه قدس‌سره.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٦.

(٥) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٧.

١٨٠