مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٤

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٧

الاحتياط الذي ذكرنا أولا ، والأقوى العمل بالاستصحاب وإجراء حكم العبيد والإماء عليهما.

( مسألة ٢ ) : لو كان عبد عنده ثلاث أو أربع إماء فأعتق وصار حراً ، لم يجز إبقاء الجميع ، لأن الاستدامة كالابتداء [١] ، فلا بد من طلاق الواحدة أو الاثنتين. والظاهر‌

______________________________________________________

تكون القضية المشكوكة غير القضية المتيقنة عرفاً ، ومن المعلوم أن تحرير بعض القن لا يستوجب ذلك. نعم يمكن الإشكال في الاستصحاب بأنه تعليقي ، لأن معنى جواز عقده على أربع إماء حال الرقية : أنه لو عقد ترتب أثر الزوجية عليه ، فاستصحاب ذلك الى حال حرية بعضه معارض ـ على التحقيق ـ بالاستصحاب التنجيزي ، وهو أصالة عدم ترتب الأثر. فالمرجع لا بد أن يكون دليلا آخر ، وهو إما أصالة حرمة الوطء بناء على أصالة الحرمة في الفروج ، أو أصالة إباحة الوطء ، فيتحد مفاد الأصل مع مفاد الاستصحاب في الأثر المذكور. وإن كان يختلف معه بالنسبة إلى الآثار الأخرى ، فإن مقتضى الاستصحاب وجوب الإنفاق على الإماء الأربع لو عقد عليهن ، ومقتضى أصل البراءة العدم. وكذلك بالنسبة إلى التوارث. هذا بالنسبة إلى التزويج بأربع إماء الذي كان جائزاً له قبل التبعض. وأما بالنسبة الى عدم جواز تزويج أربع حرائر ، فالأصل المذكور يتحد مع أصالة عدم ترتب الأثر ، فلا بأس بالرجوع اليه ويحكم حينئذ بحرمة التزويج بأربع حرائر. وبالجملة : فالاستصحاب المذكور إن أشكل جريانه فهو من هذه الجهة. لكن عرفت أن النوبة لا تنتهي إليه بعد إمكان الرجوع الى عمومات الحل.

[١] هذا مما لا إشكال فيه ظاهر. لإطلاق دليل المنع.

١٠١

كونه مخيراً بينهما كما في إسلام الكافر [١] عن أزيد من أربع. ويحتمل القرعة [٢]. والأحوط أن يختار هو القرعة بينهن.

______________________________________________________

[١] فإنه لا إشكال عندهم في ثبوته فيه. ويشهد له‌ خبر عقبة بن خالد عن أبي عبد الله (ع) : « في مجوسي أسلم وله سبع نسوة ، وأسلمن معه ، كيف يصنع؟ قال (ع) : يمسك أربعاً ويطلق ثلاثاً » (١) ‌ويؤيده أو يعضده ما ورد فيمن تزوج خمساً بعقد واحد ، وفيمن تزوج الأختين بعقد واحد ، كصحيح جميل عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل تزوج أختين في عقدة واحدة ، قال (ع) يمسك أيتهما شاء ويخلي سبيل الأخرى. وقال في رجل تزوج خمساً في عقدة واحدة. قال (ع) : يخلي سبيل أيتهن شاء » (٢). والأخير وارد في الابتداء ، وجريانه في الاستدامة أولى ، بل الأول أيضاً وارد في الاستدامة بلحاظ إقرار الزوج على ما يراه في مذهبه ، ولكنه في الحقيقة وارد في الابتداء لأن الإقرار لا يقتضي أكثر من المعاملة معه معاملة الصحيح ، من دون حصول الصحة واقعاً.

[٢] هذا الاحتمال ذكره جماعة فيما لو أسلم الكافر على أكثر من أربع ومات قبل الاختيار. وأشكل عليه بأن القرعة إنما تكون طريقاً الى تعيين الواقع المتعين في نفسه ، والمفروض عدمه. ولذا اختار بعضهم في تلك المسألة التوقف حتى يصطلح الورثة. وبعضهم اختار القسمة بالسوية ، نظير ما لو تداعيا مالاً معيناً. والاشكال على الأخير ظاهر ، لاختصاص الدليل بصورة التداعي ، والمفروض عدمه. ويشكل ما قبله بأن تصالح الورثة تابع لاستحقاقهم ، وهو غير ظاهر. ومن هنا قوى في الجواهر القرعة ، مانعاً اختصاصها بصورة تعيين الواقع المتعين في نفسه ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

١٠٢

______________________________________________________

لإطلاق أدلتها من الآية ، والرواية.

أقول : المراد من الآية قوله تعالى في سورة آل عمران ( وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ، وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ) (١) ، أو قوله تعالى في سورة الصافات( فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ) (٢). وأما الرواية : فمنها‌ رواية محمد بن حكيم قال : « سألت أبا الحسن (ع) عن شي‌ء ، فقال لي : كل مجهول ففيه القرعة. قلت له : إن القرعة تخطئ وتصيب ، قال (ع) : كلما حكم الله به فليس بمخطئ » (٣) ‌، و‌عن دعائم الإسلام عن أمير المؤمنين (ع) وأبي جعفر عليه‌السلام وأبي عبد الله (ع) : أنهم أوجبوا القرعة فيما أشكل (٤) ‌، و‌قال أبو عبد الله (ع) : « وأي حكم في الملتبس أثبت من القرعة؟! أليس هو التفويض الى الله جل ذكره؟ .. » (٥) ‌، و‌خبر عبد الرحيم المروي في كتاب الاختصاص للمفيد (ره) : « سمعت أبا جعفر (ع) يقول : إن علياً (ع) كان إذا ورد عليه أمر لم يجي‌ء فيه كتاب ولا سنة رجم فيه ، يعني : ساهم فأصاب ، ثمَّ قال : يا عبد الرحيم وتلك من المعضلات » (٦). وقريب منه خبره الآخر ‌(٧). و‌صحيح محمد بن مسلم قال : « سألت أبا جعفر (ع) عن رجل يكون له المملوكون فيوصي بعتق ثلثهم ، قال (ع) : كان علي (ع) يسهم بينهم » (٨) ‌، وصحيح‌

__________________

(١) الآية : ٤٤.

(٢) الآية : ١٤١.

(٣) الوسائل باب : ١٣ من أبواب كيفية القضاء حديث : ١١.

(٤) مستدرك الوسائل باب : ١١ من أبواب كيفية القضاء حديث : ١.

(٥) مستدرك الوسائل باب : ١١ من أبواب كيفية القضاء حديث : ٢.

(٦) مستدرك الوسائل باب : ١١ من أبواب كيفية القضاء حديث : ١٤.

(٧) مستدرك الوسائل باب : ١١ من أبواب كيفية القضاء ملحق حديث : ١٤.

(٨) الوسائل باب : ١٣ من أبواب كيفية القضاء حديث : ١٦.

١٠٣

______________________________________________________

الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل قال أول مملوك أملكه فهو حر ، فورث سبعة جميعاً ، قال (ع) : يقرع بينهم ، ويعتق الذي خرج اسمه (١). ونحوها غيرها ، ذكرها في الوسائل في أواخر مباحث القضاء. وقد ذكر في ذلك الباب أخباراً كثيرة متضمنة لجريان القرعة أيضاً فيما له تعين واقعاً. فلاحظه.

لكن يشكل الاستدلال بالآيتين الشريفتين على جريانها فيما لم يكن له تعين واقعاً أولا : لاحتمال أنه من باب التراضي والاتفاق منهم على ذلك ، لا من باب أنه حجة شرعية يرجع إليها على كل حال ، كما لو اتفقوا على ترجيح الأكبر سناً ، أو الأقوى بدناً ، أو نحو ذلك. وثانياً : أنه يتوقف على أن التنازع في موردهما لم يكن في تعيين الأولى ، وهو غير ظاهر ، بل يظهر من بعض الأخبار الواردة في تفسير الآية الثانية : أن الراكبين في السفينة علموا أن الخطر الوارد على السفينة كان من جهة أن فيها عبداً آبقاً ، واختلفوا في تعيينه (٢). نعم المذكور في الروايات أن النزاع في كفيل مريم (ع) كان بين أنبياء‌ (٣) ، ويمتنع أن يكون نزاعهم في أمر مجهول ، بل يكون حالهم حال المتسابقين الى الخير. لكن لا عموم في الآية ، لورودها في مورد خاص ، والتعدي منه غير ظاهر.

ومن ذلك يشكل الاستدلال بالنصوص الأخيرة ، فإنها واردة في موارد خاصة لا يستفاد منها العموم. فلم يبق إلا العمومات المستفادة من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب كيفية القضاء حديث : ١٥.

(٢) قال في مجمع البيان الجزء : ٨ الصفحة : ٤٥٨ « وقيل : ان السفينة احتبست فقال الملاحون : ان هاهنا عبداً آبقاً .. » وفي تفسير القمي الجزء : ١ الصفحة : ٣١٨ طبعة النجف الحديثة : « فخرج أهل السفينة فقالوا فينا عاص .. ».

(٣) الوسائل باب : ٤١ من أبواب الحيض حديث : ٥.

١٠٤

______________________________________________________

النصوص المتقدمة مثل : إن القرعة في كل مجهول ، الذي يظهر من محكي الخلاف ، وقواعد الشهيد الإجماع عليه ، أو : أنها لكل أمر مشكل ، كما هو المذكور في كلام الفقهاء ، وإن لم أقف على نص فيه غير ما تقدم عن الدعائم ، وإنما حكى عن رواية المخالفين. نعم نسبه في جامع المقاصد الى قولهم (ع). ومثله : « القرعة لكل أمر مشتبه ». لكن قول الراوي في الرواية الأولى : « قلت له : إن القرعة تخطئ وتصيب » ‌ظاهر في وروده فيما له تعين واقعي ، لأنه الذي يتصور فيه الخطأ والصواب. ولا ينافيه قوله (ع) في الجواب : « كلما حكم الله تعالى به فليس بمخطئ » ‌، لأن الظاهر منه أنه ليس بمخطئ باعتبار أنه حكم الله ، ولو ظاهراً. بل لعل منصرف « المجهول » ماله تعين واقعي وجهل تعيينه فالبناء على عموم الرواية لما نحن فيه غير ظاهر. مضافاً الى أن البناء على إطلاقه يوجب سقوط جميع أدلة الأصول. فلا بد أن يكون المراد من المجهول معنى غير الظاهر ، فيكون مجملا. وكذلك « المشكل » و « الملتبس » المذكوران في رواية الدعائم‌ ، فإنهما وإن كانا شاملين لما نحن فيه ، لكن الأخذ بعموم مفهومهما مشكل ، ولا سيما بملاحظة ما رواه المفيد في كتاب الاختصاص. فيتعين حملهما على ما لا مخرج فيه ، بنحو لا تفي الأدلة فيه ، بل لعله المنصرف اليه منهما ، فلا تشمل ما نحن فيه ، لأنه إذا فهم من أدلة الاختيار الواردة في الموارد المتقدمة العموم لما نحن فيه ، فلا إشكال ولا التباس ، وإن لم يمكن استفادة حكم ما نحن فيه منها. كان المرجع قاعدة امتناع الترجيح بلا مرجح ، ومقتضاها البطلان في الجميع. نعم لو أمكن البناء على بطلان العقد في أمتين وصحته في أمتين على وجه الترديد. كان الرجوع الى القرعة في محله ، للإشكال الذي لا يمكن التخلص فيه إلا بالرجوع إلى القرعة. كن ذلك ممتنع ، لامتناع قيام الزوجية في الفرد المبهم.

١٠٥

______________________________________________________

نعم لا يبعد صدق المشكل فيما إذا اشتبهت المطلقة أو المعقود عليها بين اثنتين أو أكثر ، فإن الرجوع الى القواعد في حرمة الوطء أو النظر لا يوجب إشكالا ، لكن الرجوع إليها في بقية الاحكام من النفقات ، وحق القسم ، والتوارث ، ونحوها ، مما يوجب الاشكال ، فيرجع فيه الى القرعة. وكذا إذا تردد مالك العين بين الشخصين ، لتعذر الرجوع الى القواعد فيه. ولعل منه مصحح محمد بن عيسى عن الرجل (ع) في الشاة الموطوءة إذا اشتبهت في قطيع غنم ، من أنه إن عرفها ذبحها وأحرقها ، وإن لم يعرفها قسم القطيع نصفين ، وأقرع بينهما ، ثمَّ لا يزال يقرع حتى يقع السهم على واحدة‌ (١). فإن وجوب الاحتياط بترك جميع الغنم وإن كان ممكنا ، لكن لزوم الضرر المنفي في الشريعة يستوجب الدوران بين محذورين ، فيكون من المشكل الذي يرجع فيه الى القرعة أيضاً.

لكن ظاهر الفقهاء أن الفتوى بذلك اعتماداً على الخبرين‌ ٢) الواردين فيه ، لا لعمومات القرعة. بل ظاهرهم عدم الرجوع الى القرعة عند تزاحم حقوق الله تعالى ، مثل تزاحم الواجبات ، أو المحرمات ، أو الواجب والحرام ، حتى فيما لو كان هناك تعين في الواقع ، كما في صورة الدوران بين الوجوب والحرمة ، فإن الجميع ـ وإن كان من المشكل ـ لا يرجع فيه الى القرعة. وإنما يرجع إليها عند تزاحم حقوق الناس ، مثل المال المردد بين المالكين ، والحق المردد بين شخصين ، كالأمثلة التي سبقت. وكذلك النصوص ، فان الوارد منها في الموارد الخاصة ـ على كثرتها ـ واردة في تزاحم حقوق الناس. وكذا مورد الآيتين الشريفتين. نعم مورد المصحح الوارد في الشاة الموطوءة من قبيل تزاحم حق الله وحق‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ١ ، ٤.

١٠٦

ولو أعتقت أمة أو أمتان فإن اختارت الفسخ ـ حيث أن العتق موجب لخيارها بين الفسخ والبقاء ـ فهو [١] ، وإن اختارت البقاء يكون الزوج مخيراً. والأحوط اختياره القرعة كما في الصورة الأولى.

( مسألة ٣ ) : إذا كان عنده أربع وشك في أن الجميع بالعقد الدائم أو البعض المعين أو غير المعين منهن بعقد الانقطاع ففي جواز نكاح الخامسة دواماً إشكال [٢]

______________________________________________________

الناس. فالبناء على اختصاصها بمورد تزاحم حقوق الناس متعين.

ومن ذلك يظهر الإشكال في جريانها في المسألة لأنه إذا كان مقتضى القاعدة البطلان لا حقوق لها ، ولا تزاحم ، فلا يكون المورد من المشكل. فلاحظ ، وكذا الحكم لو عقد الوكيلان عن امرأة واقترن العقدان.

[١] يعني : تتعين هي للخروج عن الزوجية ، ويتعين غيرها للبقاء عليها. ويشكل بأن أدلة التخيير مطلقة ، وانصرافها إلى صورة بقاء الجميع على الزوجية غير ظاهر.

[٢] للإشكال في أن الزوجية المنقطعة هي الزوجية الدائمة ، والاختلاف بينهما في الدوام والانقطاع. أو أنها غيرها. الذي ذكره في الجواهر : الأول. واستدل له بظهور بعض النصوص فيه. ولأن شرط الأجل في المتعة على جهة الشرطية الخارجة عن معنى النكاح ، فمع عدم ذكر الشرط لا أثر له ، بناء على أن الشرط المقدر لا يجري عليه حكم الشرط المذكور ، فقصد النكاح حينئذ بحاله. وأورد عليه شيخنا الأعظم (ره) بأن الذي يظهر من النصوص والفتاوى أن الدائم والمنقطع حقيقتان مختلفتان ، وليس الفرق بينهما من قبيل الفرق بين المطلق والمشروط ، كما يشهد به تعبير‌

١٠٧

______________________________________________________

الفقهاء بقولهم : « إذا أخل بالأجل انقلب دائماً » ، فإن التعبير بالانقلاب يدل على أن الإنشاء الصادر من أول الأمر لم يكن مقتضياً للدوام. ويشهد له أيضاً اتفاق النص‌ (١) والفتوى على أن المهر ركن هنا للعقد ، دون الدائم ، فإنه يدل على أن المنقطع بمنزلة المعاوضة على التسليط على البضع وتمليك الانتفاع به ، كالإجارة كما ورد من أنهن مستأجرات‌ (٢). وبأنه لازم القول الأول أنه إذا أخل بالأجل والمهر معا انقلب دائماً أيضاً ، مع أن ظاهر المسالك الاتفاق فيه على البطلان ، وأن الخلاف يختص بما إذا ذكر المهر وترك ذكر الأجل. وبأنه لو لا ذلك لم يكن وجه لسقوط بعض المهر بعدم تمكين الزوجة في الانقطاع وعدم سقوطه بذلك في الدوام.

أقول : الوجوه المذكورة لا تدل على الاختلاف في الحقيقة بين الدوام والانقطاع. فان تعبير الفقهاء بالانقلاب ـ مع أنه معارض بتعبير غير واحد بالانعقاد قال في الشرائع : « ولو لم يذكره ـ يعني : الأجل ـ انعقد دائماً » ـ يكفي في صحته الاختلاف في بعض الأحوال ، كما يظهر ذلك من تعبيرهم بالانقلاب في باب المطهرات ، فقد ذكروا أن الانقلاب مطهر لخصوص الخمر ، وفرقوا بينه وبين الاستحالة بأن الانقلاب لا يقتضي اختلافاً في الحقيقة ، بخلاف الاستحالة ، ولذا اقتصروا في مطهرية الانقلاب على خصوص الخمر ، بخلاف الاستحالة ، فإنها مطهرة في جميع الموارد من غير استثناء. وأما كون المهر ركناً في المنقطع دون الدائم ، فلا يدل على كونه من قبيل المعاوضة. إذ من الجائز أن يكون لأجل الاختلاف بينهما ولو في التأجيل ، فإن القبض شرط في السلم ، مع أنه لا يختلف مع بقية أنواع البيع في الحقيقة. وما في بعض النصوص‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١٧ ، ١٨ من أبواب المتعة.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب المتعة حديث : ٢ ، ٤.

١٠٨

______________________________________________________

من‌ قوله (ع) : « إنهن مستأجرات » ‌، مبني على نوع من المسامحة ، كما ورد في جواز النظر الى من يريد تزويجها : أنه مستام‌ (١) ، وأنه يشتريها بأغلى الثمن‌ (٢). والاتفاق المذكور في المسالك إن تمَّ كان هو الموجب للخروج عن القواعد. وإلا كان اللازم البناء على الانقلاب أيضاً في صورة عدم ذكر الأجل والمهر معاً. وأما سقوط بعض المهر عند عدم تمكين الزوجة : فمن الجائز أن يكون حكماً للمنقطع ثبت لبعض الجهات الخارجية ، لا لاختلاف الحقيقة.

ولو كان المنقطع من قبيل المعاوضة لزم بطلانه من أصله بالموت ، ولزم تبعيضه في الحيض أيضاً بالنسبة إلى سائر الاستمتاعات ، ولزم أيضاً استحقاق تمام المهر لو وهبها المدة قبل الدخول ، مع اتفاق النص والفتوى على التنصيف حينئذ.

فالعمدة في مبنى القولين هو أن مفاد عقد الدوام جعل الزوجية دائماً ، ومفاد عقد الانقطاع جعل الزوجية إلى الأجل. أو أن مفاد عقد الدوام جعل نفس الزوجية حدوثاً ، والدوام يكون لذاتها ، ومفاد عقد الانقطاع جعل الرافع لدوام الزوجية. فعلى الأول يكون عدم التعرض للأجل موجباً لبطلان العقد انقطاعاً ، ودواماً ، أما الأول فلعدم ذكر الأجل ، وأما الثاني فلعدم جعل الدوام. وعلى الثاني يكون عدم التعرض للأجل موجباً لعدم صحة الانقطاع ، ولصحة الدوام ، أما الأول فلما ذكر ، وأما الثاني فلعدم جعل الرافع ، والمفروض أن الدوام يكون لذاتها ، لا بجعل جاعل.

والتحقيق هو الأول ، فإن الزوجية وأمثالها من الملكية ، والحرية ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.

١٠٩

( مسألة ٤ ) : إذا كان عنده أربع فطلق واحدة منهن وأراد نكاح الخامسة ، فإن كان الطلاق رجعياً لا يجوز له ذلك إلا بعد خروجها عن العدة [١]. وإن كان بائناً ففي الجواز قبل الخروج عن العدة قولان ، المشهور على الجواز ، لانقطاع‌

______________________________________________________

والرقية ، والبيعية ، وغيرها من مضامين العقود والإيقاعات ، إنما يكون العقد موجباً لحدوثها ، وهو المقصود من إنشائها ، والبقاء إنما يكون باستعداد ذاتها ، فبقاؤها عند العقلاء لا يكون منشأه العقد ، بل استعداد ذاتها ، وليس العقد الا متضمناً لجعل الحدوث لا غير. فالاختلاف بين الانقطاع والدوام يرجع الى الاختلاف في أن الأول قد جعل فيه الانقطاع زائداً على جعل الحدوث ، بخلاف الثاني ، فإنه لم يجعل فيه إلا الحدوث. فاذا شك في الدوام والانقطاع فقد شك في جعل الانقطاع زائداً على جعل الحدوث وعدمه ، فيرجع فيه الى أصالة العدم. فالمقام نظير ما لو شك في شرط الانفساخ وعدمه ، فيكون الانقطاع على خلاف الأصل والدوام على وفقه. كيف ولو كان الدوام مجعولاً في الدائم كان الطلاق مخالفة لوجوب الوفاء بالعقد. وهو كما ترى. ومقتضى ما ذكرنا جواز اشتراط الطلاق في عقد النكاح ، كجواز اشتراط الإقالة فيه. لكن عن الشيخ : بطلان الشرط في الأول ، بل عن المسالك : الاتفاق عليه. وهو غير ظاهر.

[١] بلا خلاف أجده فيه ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه. لأنها بحكم الزوجة نصاً وفتوى كذا في الجواهر.

أقول : قد استفاضت النصوص في ذلك ،ففي خبر محمد بن قيس قال : « سمعت أبا جعفر (ع) يقول : في رجل كانت تحته أربع نسوة فطلق واحدة ثمَّ نكح أخرى قبل أن تستكمل المطلقة العدة ، قال : فليلحقها

١١٠

العصمة بينه وبينها [١]. وربما قيل بوجوب الصبر الى انقضاء‌

______________________________________________________

بأهلها حتى تستكمل المطلقة أجلها .. » (١) ‌، و‌موثق علي بن أبي حمزة. قال : « سألت أبا إبراهيم (ع) عن الرجل يكون له أربع نسوة فيطلق إحداهن ، أيتزوج مكانها أخرى؟ قال (ع) : لا حتى تنقضي عدتها » (٢) ‌، و‌مصحح زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) : « إذا جمع الرجل أربعاً فطلق إحداهن فلا يتزوج الخامسة حتى تنقضي عدة المرأة التي طلقت ، وقال : لا يجمع ماءه في خمس » (٣). ونحوها غيرها.

[١] هذا التعليل مذكور في كلام جماعة ، وإجماله كاشكاله ظاهر ، إذ المراد منه إن كان ارتفاع الزوجية ، فهو حاصل في الطلاق الرجعي ، ولا يجوز التزويج معه. وإن كان ارتفاع جميع العلائق ، فهو غير حاصل في البائن ، كما يشهد به عدم جواز تزويجها. نعم هو مذكور‌ في حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل طلق امرأته ، أو اختلعت منه ، أو بانت ، أله أن يتزوج أختها؟ فقال (ع) : إذا برئت عصمتها فلم يكن له عليها رجعة فله أن يخطب أختها » (٤). ونحوها صحيحة أبي بصير‌ (٥) ، وخبر الكناني‌ (٦). وقد فسر بأن لا يكون له عليها رجعة. لكن موردها الجمع بين الأختين ، واستفادة ما نحن فيه منها لا تخلو من تأمل. وأولى منه في الدلالة القواعد العامة المقتضية للجواز ، لأن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٤٨ من أبواب العدد حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ٤٨ من أبواب العدد حديث : ١.

(٦) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

١١١

عدتها ، عملاً بإطلاق جملة من الأخبار [١]. والأقوى المشهور. والأخبار محمولة على الكراهة [٢]. هذا ولو كانت‌

______________________________________________________

الحرام تزويج الخمس ، ومع الطلاق تخرج المطلقة عن الزوجية ، فلا يكون إلا تزويج الأربع. نعم يعارضها إطلاق النصوص المتقدمة وغيرها المتضمنة أنه لا يجوز تزويج الخامسة بعد طلاق أحد الأربع إلا بعد خروجها عن العدة ، الذي لا فرق فيه بين الرجعي وغيره. ولذلك قال في كشف اللثام : « وظاهر التهذيب الحرمة قبل الانقضاء. وهو ظاهر الاخبار ».

[١] إشارة الى ما تقدم في كشف اللثام. وظاهر المتن التوقف من نسبة القول بالتحريم إلى قائل.

[٢] عند المشهور. وفي المسالك : « في الحمل نظر من حيث عدم المعارض ». وفي الجواهر جعل ما في حسنة الحلبي المتقدمة قرينة على تقييد النصوص بالرجعي. ولكنه غير ظاهر. وكذا ما في الجواهر أيضاً من أن في النصوص ما يتضمن أنه لا يجوز له تزويج الخامسة حتى يعتد هو مثل عدة المطلقة ، وما يتضمن من أنه إذا ماتت إحدى الأربع لم يجز له أن يتزوج حتى يعتد أربعة أشهر وعشراً ، بل فيه أنه يعتد وإن كانت متعة.كما سيأتي بعضها. لكن قرينية ذلك غير ظاهرة ، فان ثبوت الاعتداد على وجه الاستحباب في بعض الموارد لا يقتضي مقايسة غيره عليه ، وإلا كان اللازم الحمل على الاستحباب حتى في الطلاق الرجعي.

وبالجملة : إطلاق النصوص يقتضي عدم الفرق بين الطلاق الرجعي والبائن ، ولا قرينة على تقييدها بالرجعي. ووحدة السياق في موثق عمار الآتي‌ لا تكون قرينة على التصرف فيه فضلا عن غيره.

فان قلت : المنع عن تزويج الخامسة بعد طلاق إحدى الأربع إنما هو من باب حرمة الجمع بين الخمس. فاذا كان الطلاق بائناً لا جمع.

١١٢

الخامسة أخت المطلقة فلا إشكال في جواز نكاحها قبل الخروج عن العدة البائنة ، لورود النص فيه [١] ، معللا بانقطاع العصمة. كما أنه لا ينبغي الإشكال إذا كانت العدة لغير الطلاق [٢] كالفسخ بعيب أو نحوه. وكذا إذا ماتت الرابعة ، فلا يجب الصبر إلى أربعة أشهر وعشر [٣]. والنص الوارد بوجوب الصبر [٤]

______________________________________________________

قلت : هذا المقدار لا يوجب حمل النصوص على الكراهة ، لاحتمال كون وجود بعض العلائق كاف في المنع. كما في الطلاق الرجعي.

فالعمدة تسالم الأصحاب عليه من دون مخالف صريح فيه ، ويكون هو المقيد لإطلاق النصوص.

[١] يشير به الى حسنة الحلبي المتقدمة‌ ، ونحوها‌ صحيح أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن رجل اختلعت منه امرأته أيحل له أن يخطب أختها من قبل أن تنقضي عدة المختلعة؟ قال : نعم ، قد برأت عصمتها منه ولم يكن له عليها رجعة » (١). ونحوهما خبر الكناني‌. لكن النصوص المذكورة إنما اقتضت نفي الاشكال في الجواز من حيث الجمع بين الأختين ، لا من حيث الجمع بين الخمس ، فاذا اتفق كون الخامسة أختاً للمطلقة فالإشكال في المسألة السابقة بحاله.

[٢] كما هو مقتضى القواعد العامة ، فإن الفسخ يوجب انتفاء الزوجية.

فلا يكون جمع بين خمس نساء. والنصوص الدالة على الانتظار مختصة بالطلاق.

[٣] بلا اشكال ظاهر.

[٤] هو‌ موثق عمار ، قال : « سئل أبو عبد الله (ع) عن الرجل يكون له أربع نسوة فتموت إحداهن ، فهل يحل له أن يتزوج أخرى

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٨ من أبواب العدد حديث : ١.

١١٣

معارض بغيره [١] ، ومحمول على الكراهة. وأما إذا كان الطلاق أو الفراق بالفسخ قبل الدخول فلا عدة حتى يجب الصبر أو لا يجب [٢].

______________________________________________________

مكانها؟ قال (ع) : لا حتى تأتي عليها أربعة أشهر وعشر ، سئل فإن طلق واحدة هل يحل له أن يتزوج؟ قال (ع) : لا حتى تأتي عليها عدة المطلقة » (١).

[١] ففي خبر علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى (ع) قال : « سألته عن رجل كانت له أربع نسوة فماتت إحداهن ، هل يصلح له أن يتزوج في عدتها أخرى قبل أن تنقضي عدة المتوفاة؟ قال (ع) : إذا ماتت فليتزوج متى أحب » (٢).

[٢] في خبر سنان بن طريف ، عن أبي عبد الله (ع) ، قال : « سئل عن رجل كن له ثلاث نسوة ، ثمَّ تزوج امرأة أخرى فلم يدخل بها ، ثمَّ أراد أن يعتق أمة ويتزوجها ، فقال : إن هو طلق التي لم يدخل بها فلا بأس أن يتزوج أخرى من يومه ذلك » (٣).

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد حديث : ٦.

١١٤

فصل

لا يجوز التزويج في عدة الغير [١] دواماً أو متعة ، سواء كانت عدة الطلاق بائنة أو رجعية ، أو عدة الوفاة ، أو عدة وطء الشبهة ، حرة كانت المعتدة أو أمة. ولو تزوجها حرمت عليه أبداً [٢]

______________________________________________________

فصل

لا يجوز التزويج في عدة الغير‌

[١] بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، كما في الجواهر. واستدل عليه بقوله تعالى ( وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ ) (١) بناء على أن المراد من عزم العقدة : نفس العقدة ، لا العزم نفسه ، لظهور تحليله كما يظهر من سياق الآيات. والمراد من بلوغ الكتاب أجله : انتهاء العدة ، بلا خلاف ، كما في مجمع البيان. ولكن مورد الآية عدة الوفاة ، فالتعدي عنها لا بد أن يكون بالإجماع‌

[٢] بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل الإجماع بقسميه عليه. وتدل عليه النصوص بعد ضم بعضها الى بعض ، فان بعضها مطلق في الحرمة الأبدية ، كخبر محمد بن مسلم ، قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها. قال (ع) : يفرق بينهما ولا تحل له

__________________

(١) البقرة : ٢٣٥.

١١٥

______________________________________________________

أبداً » (١). وبعضها مطلق في نفي الحرمة الأبدية ، كخبر علي بن جعفر عن أخيه (ع) قال : « سألته عن امرأة تزوجت قبل أن تنقضي عدتها. قال (ع) : يفرق بينها وبينه ، ويكون خاطباً من الخطاب » (٢) ‌، وبعضها يفصل فيه في الحرمة الأبدية بين الدخول وعدمه ، كمصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن المرأة الحبلي يموت زوجها فتضع وتزوج قبل أن يمضي لها أربعة أشهر وعشر. فقال : إن كان دخل بها فرق بينهما ولم تحل له أبداً ، وأعتدت ما بقي عليها من الأول ، واستقبلت عدة أخرى من الآخر ثلاثة قروء. وإن لم يكن دخل بها فرق بينهما ، وأعتدت بما بقي عليها من الأول وهو خاطب من الخطاب » (٣). ونحوه موثق محمد بن مسلم‌ (٤) ، وخبر قرب الاسناد ‌(٥). وقريب منه مصحح سليمان بن خالد‌ (٦) ، وموثق أبي بصير‌ (٧). وبعضها يفصل فيه بين الجهل والعلم ، كصحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم (ع) قال : « سألته عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها بجهالة ، أهي ممن لا تحل

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢٢.

(٢) الوسائل باب : ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١٩.

(٣) الوسائل باب : ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٦.

(٤) الوسائل باب : ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٩ لكنه وارد في مطلق المعتدة لا خصوص الحبلى. والذي ورد في خصوص الحبلى هو صحيح محمد بن مسلم وهو الحديث الثاني المروي في الوسائل في نفس الباب. والذي سيأتي من الشارح ( قده ) التعرض له في المسألة الثانية عشرة من هذا الفصل.

(٥) الوسائل باب : ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢٠.

(٦) الوسائل باب : ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٧.

(٧) الوسائل باب : ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٨.

١١٦

______________________________________________________

له أبداً؟ فقال (ع) : لا ، أما إذا كان بجهالة فليتزوجها بعد ما تنقضي عدتها ، وقد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك. قلت : بأي الجهالتين يعذر ، بجهالته إن لم يعلم أن ذلك محرم عليه ، أم بجهالته أنها في عدة؟ فقال (ع) : إحدى الجهالتين أهون من الأخرى ، الجهالة بأن الله تعالى حرم ذلك عليه ، وذلك بأنه لا يقدر على الاحتياط معها ، فقلت : فهو في الأخرى معذور؟ قال (ع) : نعم إذا انقضت عدتها فهو معذور في أن يتزوجها ، فقلت : فان كان أحدهما متعمدا والآخر يجهل؟ فقال (ع) الذي تعمد لا يحل له أن يرجع الى صاحبه أبداً » (١) ‌، و‌مصحح إسحاق بن عمار قال : « قلت لأبي إبراهيم (ع) : بلغنا عن أبيك أن الرجل إذا تزوج المرأة في عدتها لم تحل له أبداً. فقال (ع) : هذا إذا كان عالماً ، فاذا كان جاهلاً فارقها وتعتد ، ثمَّ يتزوجها نكاحا جديداً » (٢) ‌وبعضها يفصل فيه بين كل من الدخول والجهل ، كمصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « قال : إذا تزوج الرجل المرأة في عدتها ودخل بها لم تحل له أبداً عالماً كان أو جاهلاً ، وإن لم يدخل بها حلت للجاهل ولم تحل للآخر » (٣).

والجمع العرفي يقتضي حمل النصوص السابقة على الأخير جمعاً بين المطلق والمقيد. مع أن الجمع العرفي بين الطوائف مع غض النظر عن المصحح الأخير يقتضي ما ذكره الأصحاب. أما بالنسبة إلى الجمع بين الطائفتين الأولتين والأخيرتين فظاهر ، لأنه من الجمع بين المطلق والمقيد. وأما بالنسبة إلى الجمع بين إحدى الطائفتين إلى الأخرى ، فالجمع العرفي‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١٠.

(٣) الوسائل باب : ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٣.

١١٧

إذا كانا عالمين بالحكم والموضوع [١] ، أو كان أحدهما عالماً بهما [٢] مطلقاً ، سواء دخل بها أولا. وكذا مع جهلهما بهما‌

______________________________________________________

يقتضي كون سبب الحرمة الأبدية كل من العلم والدخول ، نظير الجمع بين القضايا الشرطية حيث يتعدد الشرط ويتحد الجزاء غاية الأمر في الفرق أن المفهوم هنا مصرح به ، فيحمل على كونه لعدم المقتضي.

[١] كما هو المصرح به في كلام جماعة ، ومنصرف إطلاق كلام غيرهم. والظاهر أنه لا إشكال فيه. ويقتضيه صحيح عبد الرحمن بن الحجاج المتقدم‌. مضافا الى انصراف إطلاق العلم إلى ذلك بأن كان عالماً ان فعله في غير محله.

[٢] أما في علم الزوج. فيقتضيه إطلاق مصحح إسحاق بن عمار المتقدم‌ ، ونحوه ، وصحيح ابن الحجاج‌. ومنه يستفاد الاجتزاء بعلم الزوجة وفي الجواهر : استدل على التحريم مع علم أحدهما‌ بصحيحة علي بن رباب عن حمران قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن امرأة تزوجت في عدتها بجهالة بذلك ، فقال (ع) : لا أرى عليها شيئاً ، ويفرق بينها وبين الذي تزوج بها ، ولا تحل له أبدا. قلت : فان كانت قد عرفت أن ذلك محرم عليها ثمَّ تقدمت على ذلك ، فقال : إن كانت تزوجته في عدة لزوجها الذي طلقها عليها الرجعة ، فإني أرى أن عليها الرجم ، فان كانت تزوجته في عدة ليس لزوجها الذي طلقها عليها فيها الرجعة ، فإني أرى أن عليها حد الزاني ، ويفرق بينها وبين الذي تزوجها ، ولا تحل له أبداً » (١) ‌والدلالة غير ظاهرة ، لأن المفروض في الرواية الدخول بقرينة التعرض للحد. مع أنه حكم فيها بالحرمة الأبدية في كل من صورتي العلم والجهل. فلا حظ.

هذا ولا ينبغي الإشكال في أنه مع علم أحدهما يبطل العقد حتى‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١٧.

١١٨

لكن بشرط الدخول بها. ولا فرق في التزويج بين الدوام‌

______________________________________________________

بالإضافة إلى الجاهل ، وإن اختلفا في الحكم الظاهري. ولعله المراد مما في القواعد : « ولو كانت هي العالمة لم يحل لها العود إليه أبداً ». ولو كان المراد منه الحكم الوضعي لم يكن وجه للاختصاص بها ، فإن الزوجية لا تقبل التبعض ، بحيث تكون الزوجية ثابتة من طرف وغير ثابتة من طرف آخر. ومثلها الأخوة ، والأبوة ، والبنوة ، والفوقية والتحتية ، والتقدم والتأخر ، وأمثالها من الإضافات القائمة بين اثنين ، فإنها لا تصح بالنسبة إلى أحدهما إلا مع صحتها بالنسبة إلى الآخر ، فاذا لم تصح في أحدهما لم تصح في الآخر. وكذا المراد مما‌ في صحيح ابن الحجاج المتقدم من قول السائل : « فقلت : فان كان أحدهما متعمداً والآخر يجهل فقال (ع) : الذي تعمد لا يحل له أن يرجع الى صاحبه أبداً » ‌، فان الظاهر منه الحكم التكليفي الظاهري ، وهو يختص بالجهل ، فاذا علم الزوج بعد العقد والدخول أن ذلك كان في العدة ، وان الزوجة كانت عالمة ، فقد انكشف له عدم صحة عقده عليها بعد ذلك ، فاذا عقد كان العقد باطلا بالنسبة إليه أيضا. وقد أشار الى ما ذكرنا في المسالك وغيرها. قال في الأول : « وإن جهل أحدهما وعلم الآخر اختص كل واحد بحكمه وإن حرم على الآخر التزويج به ، من حيث مساعدته على الإثم والعدوان ويمكن التخلص من ذلك بأن يجهل التحريم أو شخص المحرم عليه ، ومتى تجدد علمه تبين فساد العقد ، إذ لا يمكن الحكم بصحة العقد من جهة دون أخرى في نفس الأمر ، وإن أمكن في ظاهر الحال ، كالمختلفين في صحة العقد وفساده ». وإن كان يشكل بأنه مع جهل أحدهما لا يحرم العقد منه. والمساعدة على الإثم والعدوان غير ثابتة مع جهله بالبطلان. نعم هي مساعدة على التجري. ولعله المراد.

١١٩

والمتعة [١]. كما لا فرق في الدخول بين القبل ، والدبر [٢]. ولا يلحق بالعدة أيام استبراء الأمة [٣] ، فلا يوجب التزويج فيها حرمة أبدية ، ولو مع العلم والدخول. بل لا يبعد جواز تزويجها فيها وإن حرم الوطء قبل انقضائها ، فإن المحرم فيها هو الوطء [٤] دون سائر الاستمتاعات. وكذا لا يلحق بالتزويج‌

______________________________________________________

[١] كما صرح به في المسالك. وجعله في الجواهر معقد الإجماع. ويقتضيه إطلاق النصوص.

[٢] كما صرح به في الجواهر. لإطلاق النصوص.

[٣] قال في القواعد : « هل وطء الأمة في الاستبراء كالوطء في العدة؟ إشكال ». وفي المسالك : « وفي إلحاق مدة الاستبراء بالعدة وجهان. وعدمها أقوى ، وقوفاً على موضع النص ، واستصحاباً للحل في غيره ». وفي الجواهر : جزم بذلك لذلك. وفي كشف اللثام : أنه الأقوى لعدم التبادر الى الفهم من العدة ، لاختصاصها باسم آخر.

[٤] كما هو المشهور. وعن الخلاف : الإجماع عليه. ويقتضيه صريح جملة من النصوص ، كصحيح محمد بن إسماعيل قال : « سألت أبا الحسن (ع) عن الجارية تشترى من رجل مسلم يزعم أنه قد استبرأها أيجزي ذلك ، أم لا بد من استبرائها؟ قال : يستبرؤها بحيضتين. قلت : يحل للمشتري ملامستها؟ قال : نعم ، ولا يقرب فرجها » (١) ‌، و‌موثق عمار الساباطي : « قال أبو عبد الله (ع) : الاستبراء على الذي يبيع الجارية واجب إن كان يطؤها. وعلى الذي يشتريها الاستبراء أيضا. قلت : فيحل له أن يأتيها دون الفرج؟ قال (ع) : نعم قبل أن يستبرئها » (٢).

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ١٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٥.

١٢٠