مستمسك العروة الوثقى - ج ١٠

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٠

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣٨٦

القضاء ، لأن الاذن في الشي‌ء إذن في لوازمه ، أولا ، لأنه من سوء اختياره؟ قولان ، أقواهما الأول [١]. سواء قلنا : أن القضاء هو حجه ، أو أنه عقوبة ، وأن حجه هو الأول. هذا إذا أفسد حجه ولم ينعتق ، وأما إن أفسده بما ذكر ثمَّ انعتق ، فان انعتق قبل المشعر كان حاله حال الحر [٢] في‌

______________________________________________________

[١] كما عن الخلاف ، والمبسوط ، والسرائر. وفي الجواهر : « لعل الأقوى الثاني .. » معللا له بما في المتن : من أن القضاء عقوبة دخلت عليه بسوء اختياره ، فلا يكون لازماً للمأذون فيه.

وفي كشف اللثام وجه الأول : بأن القضاء ينص عليه قول الصادق (ع) في صحيح حريز‌ (١). ثمَّ قال : « بل الاذن فيه عين الاذن في القضاء بناء على كونه الفرض ، وأن الاذن إنما يفتقر اليه فيما لم يجب على المملوك والقضاء وجب عليه ، فهو كقضاء الصلاة والصوم وأدائهما. ». ويشكل : بأن صحيح حريز مختص بما يمكن أن يكون على السيد ، ولا يشمل القضاء والاذن في الحج لا يشمل الاذن في القضاء في المقام وإن قلنا أنه الفرض. ولذا لا إشكال في جواز عدول السيد عن الاذن قبل الشروع في المأذون فيه وجواز العدول هنا محل إشكال. فالكلام ليس في تحقق الاذن وفي مقام الإثبات بل في اعتبار الاذن وفي مقام الثبوت. والوجوب على المملوك وإن كان مقتضى عموم الأدلة ، لكنه مزاحم بما دل على عدم جواز التصرف في مال الغير بغير إذنه ـ كما سبق ـ فيكون من موارد اجتماع الأمر والنهي.

[٢] الظاهر أنه لا إشكال في عموم الحكم بوجوب الإتمام والحج في القابل للحر والعبد. كما لا إشكال في عموم الحكم للحج الواجب والمستحب. والخلاف في أن الأولى فرضه والثانية عقوبة ـ وبالعكس ـ ليس خلافاً في‌

__________________

(١) تقدم ذكر الرواية في المسألة : ٤ من هذا الفصل.

٦١

وجوب الإتمام والقضاء والبدنة ، وكونه مجزياً عن حجة الإسلام إذا أتى بالقضاء [١] ، على القولين : من كون الإتمام عقوبة وأن حجه هو القضاء ، أو كون القضاء عقوبة. بل على هذا إن لم يأت بالقضاء أيضاً أتى بحجة الإسلام ، وإن كان عاصياً في ترك القضاء. وإن انعتق بعد المشعر فكما ذكر ، إلا أنه لا يجزيه عن حجة الإسلام [٢] ، فيجب عليه بعد ذلك إن استطاع. وإن كان مستطيعاً فعلاً ، ففي وجوب تقديم حجة الإسلام ، أو القضاء وجهان [٣] ، مبنيان على أن القضاء‌

______________________________________________________

العموم للنفل ، بل هو مختص بما إذا كان الأول فرضاً ، فلو كان الأول نفلا ـ كما في العبد ـ وجب فيه الإتمام والحج من قابل أيضاً.

[١] قد يشكل عموم دليل الاجزاء عن حجة الإسلام لصورة ما إذا أفسده ثمَّ انعتق قبل المشعر ـ بناء على أن الإتمام عقوبة ـ فإن الفاسد لا يشمله الدليل الدال على الاجزاء. وفيه : أن الظاهر من الأدلة إلحاق الحرية في الأثناء ـ قبل أحد الموقفين ـ بالحرية من أول الأمر ، فإذا كان مثل هذا الحج الفاسد مع الفعل ثانياً مجزياً عن حج الإسلام في الحر من أول الأمر ، كان مجزياً عنه في الحر قبل أحد الموقفين.

وبالجملة : هذا الاشكال خلاف إطلاق الأدلة. ولذلك صرح بالتعميم الجماعة. قال في الذخيرة : « ولو أعتقه المولى في الفاسد قبل الوقوف بالمشعر يتم حجه ، وقضى في القابل ، وأجزأه عن حجة الإسلام. سواء قلنا أن الأولى حجة الإسلام أم الثانية .. ». ونحوه في الجواهر وغيرها.

[٢] لما تقدم.

[٣] بل قولان ، حكي أولهما عن الخلاف والمبسوط. وفي كشف‌

٦٢

فوري أو لا ، فعلى الأول يقدم لسبق سببه. وعلى الثاني تقدم حجة الإسلام لفوريتها دون القضاء.

______________________________________________________

اللثام : « كأنه للإجماع ، والنص على فوريتها ، دون القضاء .. ». ثمَّ قال : « والأظهر عندي تقديم القضاء ، لسبق سببه ، وعدم الاستطاعة لحجة الإسلام إلا بعده .. ». وفي الجواهر : « قلت : وهو كذلك مع فورية القضاء ، بل ومع عدمها في وجه .. ». أقول : سبق السبب لا يوجب ترجيح أحد المتزاحمين على الآخر.

والذي ينبغي أن يقال : الاستطاعة المفروضة ، تارة : يكون صرفها في الحج موجباً للعجز عن الحج ثانياً. وأخرى : لا يوجب. فعلى الأولى تنتفي الاستطاعة بوجوب القضاء. وحينئذ لا يجب عليه حج الإسلام ، وإن قلنا بعدم فورية القضاء. وعلى الثاني يجب حج الإسلام ، إن لم نقل بفورية القضاء. أما إن قلنا بها فاللازم وجوب القضاء وعدم وجوب حج الإسلام لانتفاء الاستطاعة بلزوم المبادرة ، كما سيأتي ـ إن شاء الله ـ من أن وجوب الواجب إذا كان مانعاً عن القدرة كان رافعاً للاستطاعة ، فينتفي وجوب الحج الإسلامي. نعم لو لم نقل بذلك ، تزاحم وجوب الحج الإسلامي ووجوب القضاء. وحينئذ لا يبعد ترجيح الأول ، لما في المعتبر والمنتهى : من أن الفورية في الحج الإسلامي أأكد. ولو لم يتم ذلك يتخير بينهما. لكن المبني المذكور ضعيف ، فان حج الإسلام لا يزاحم غيره من الواجبات الفورية ، كما سيأتي إن شاء الله.

ثمَّ إنه على فرض وجوب حج الإسلام عليه مع القضاء ، وعلى وجوب تقديم الأولى ، لو خالف وبدأ بحجة القضاء. قال الشيخ ـ على ما حكاه في المعتبر وغيره ـ : انعقد عن حجة الإسلام ، وكان القضاء في ذمته. قال : « ولو قلنا لم يجز عن واحدة منهما كان قوياً .. ». وفي القواعد جزم‌

٦٣

( مسألة ٦ ) : لا فرق فيما ذكر ـ من عدم وجوب الحج على المملوك ، وعدم صحته إلا بإذن مولاه ، وعدم إجزائه عن حجة الإسلام إلا إذا انعتق قبل المشعر ـ بين القن ، والمدبر ، والمكاتب ، وأم الولد ، والمبعض [١]. إلا إذا هاياه مولاه ، وكانت نوبته كافية ، مع عدم كون السفر خطرياً [٢] فإنه يصح منه بلا إذن [٣]. لكن لا يجب ، ولا يجزيه حينئذ عن حجة الإسلام وإن كان مستطيعاً ، لأنه لم يخرج عن كونه مملوكاً. وإن كان يمكن دعوى الانصراف عن هذه الصورة. فمن الغريب ما في الجواهر ، من قوله : « ومن الغريب : ما ظنه بعض الناس ، من وجوب حجة الإسلام عليه‌

______________________________________________________

بالثاني. وعلله في كشف اللثام بقوله : « أما القضاء فلكونه قبل وقته. وأما حجة الإسلام فلأنه لم ينوها .. ». وفيه : أن لزوم تقديم الحج ليس توقيتاً للقضاء ، بل ترجيحاً له عليه. والمسألة من صغريات مسألة الضدين المتزاحمين إذا كان أحدهما أهم ، فاللازم إجراء حكمها عليها ، فاذا قلنا بصحة فعل المهم ـ كما هو التحقيق ـ قلنا به هنا.

[١] كما نص على ذلك غير واحد ، مرسلين له إرسال المسلمات ، وفي ظاهر بعض العبارات : نسبته إلى الأصحاب. وقد تقدم في بعض النصوص التعرض لأم الولد.

[٢] يعني : السفر من الميقات إلى مكة. أما السفر من المنزل الى الميقات فلو كان خطرياً لم يقدح في صحة الحج ، لكونه خارجاً عنه.

[٣] كما ذكره غير واحد ، من غير تعرض لخلاف فيه. ويقتضيه إطلاق الأدلة.

٦٤

في هذا الحال ، ضرورة منافاته للإجماع المحكي عن المسلمين ، الذي يشهد له التتبع على اشتراط الحرية ، المعلوم عدمها في المبعض .. ». إذ لا غرابة فيه ، بعد إمكان دعوى الانصراف [١]. مع أن في أوقات نوبته يجري عليه جميع آثار الحرية [٢].

______________________________________________________

[١] أقول : لا ينبغي التأمل في أن المبعض لا يصدق عليه الحر. ولا العبد ، كما أشار إلى ذلك في الجواهر في عبارته المحكية. وعلى هذا إذا نظرنا إلى الأدلة اللفظية كان مقتضاها وجوب الحج على المبعض ، لأن الإطلاقات إنما قيدت بما ورد في العبد ، فاذا كان المبعض لا يصدق عليه أنه عبد لم يدخل في المقيدات ، ويتعين الرجوع فيه إلى إطلاقات الوجوب. وإذا نظرنا إلى الأدلة اللبية كان مقتضاها عدم وجوب الحج ، لأن المقيدات اللبية اشتملت على عنوان الحر ، فكانت معاقد الإجماعات اشتراط الحرية في الوجوب ، فاذا كان الحر لا يصدق على المبعض ، فقد انتفى شرط الوجوب فيه ، فانتفى الوجوب.

وصاحب الجواهر نظر إلى المقيدات اللبية. ولا مجال للإشكال عليه بدعوى الانصراف ، لما ذكره من العلم بعدم انطباق الحر على المبعض. وحينئذ لا معنى للانصراف ، فضلاً عن دعواه. اللهم إلا أن يكون مقصود المصنف من الانصراف انصراف مرادهم من شرط الحرية إلى شرط عدم الرقية. لكن ـ على تقديره ـ فالدعوى ضعيفة ، لما عرفت من تنصيصهم على حكم المبعض ، وأنه كالقن في الأحكام ، كما عرفت.

[٢] هذا وإن كان مقتضى القواعد العامة ، التي عرفت أن مقتضاها اختصاص أحكام العبد بغير المبعض ، لكن لا مجال للأخذ بها ، بعد بناء الأصحاب على خلافها ، وإلا فلا وجه للتخصيص بحال نوبته. والذي يظهر منهم في حكم المهاياة : أن الخروج عن أحكام العبد فيه يختص بمنافعه في‌

٦٥

( مسألة ٧ ) : إذا أمر المولى مملوكه بالحج وجب عليه طاعته [١] ، وإن لم يكن مجزياً عن حجة الإسلام ، كما إذا آجره للنيابة عن غيره. فإنه لا فرق بين إجارته للخياطة أو الكتابة ، وبين إجارته للحج أو الصلاة أو الصوم.

الثالث : الاستطاعة من حيث المال ، وصحة البدن وقوته ، وتخلية السرب وسلامته ، وسعة الوقت وكفايته. بالإجماع ، والكتاب ، والسنة [٢].

______________________________________________________

أوقات نوبته ، فتكون له بناء على ملكه ، أو مختصة به بناء على عدم ملكه. وعلى كلا القولين يستقل بالتصرف في نفسه حينئذ. وأما أنه يستقل بالتصرف في ماله كيف شاء ، مع عدم إذن المولى المستفادة من المهاياة فغير ظاهر ، فضلا عن جريان أحكام الحر ، من المواريث ، وأن له أن ينكح ، أو يطلق أو يعتق ، أو يهب ، أو غير ذلك من أحكام الحر. بل الظاهر بقاء أحكام الرق عليه من الجهات المذكورة وغيرها. ولا بد من مراجعة كلماتهم في كتاب العتق في المبعض. فراجع.

[١] الظاهر أنه لا إشكال فيه. ويقتضيه دليل الملكية ، فإن المنافع إذا كانت مملوكة وجب تسليمها إلى المالك بالمطالبة. والتسليم يحصل بالفعل والمطاوعة ، فكما تجب مطاوعة الحر الأجير للمستأجر إذا استأجره على عمل لأنه بالإجارة ملك عليه العمل ، كذلك في المقام ، بل هنا أولى.

[٢] قال في الجواهر : « بإجماع المسلمين ، والنص في الكتاب المبين والمتواتر من سنة سيد المرسلين (ص). بل لعل ذلك من ضروريات الدين كأصل وجوب الحج. وحينئذ فلو حج بلا استطاعة لم يجزه عن حجة الإسلام لو استطاع بعد ذلك قطعاً .. ».

٦٦

( مسألة ١ ) : لا خلاف ولا إشكال في عدم كفاية القدرة العقلية في وجوب الحج ، بل يشترط فيه الاستطاعة الشرعية. وهي ـ كما في جملة من الأخبار ـ [١] : الزاد والراحلة ، فمع عدمهما لا يجب وإن كان قادراً عليه عقلاً ، بالاكتساب ونحوه. وهل يكون اشتراط وجود الراحلة مختصاً بصورة الحاجة إليها ـ لعدم قدرته على المشي ، أو كونه مشقة‌

______________________________________________________

[١] في صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (ع) : « في قوله عز وجل : ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً .. ) (١)ما يعني بذلك؟ قال : من كان صحيحاً في بدنه ، مخلى سربه ، له زاد وراحلة » (٢). و‌في صحيح محمد بن يحيى الخثعمي ، قال : « سأل حفص الكناسي أبا عبد الله (ع) ـ وأنا عنده ـ عن قول الله عز وجل ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً .. ) ما يعني بذلك؟ قال : من كان صحيحاً في بدنه ، مخلى في سربه ، له زاد وراحلة فهو ممن يستطيع الحج. أو قال : ممن كان له مال. فقال له حفص الكناسي : فإذا كان صحيحاً في بدنه ، مخلى في سربه ، له زاد وراحلة فلم يحج ، فهو ممن يستطيع الحج؟ قال (ع) : نعم » (٣). و‌في خبر السكوني : « ويحك ، إنما يعني بالاستطاعة : الزاد والراحلة ، ليس استطاعة البدن » (٤). ونحوها غيرها ، مما هو كثير. وحكي في الجواهر : الإجماع على مضمونها عن الناصريات ، والغنية ، والمنتهى ، والتذكرة.

__________________

(١) آل عمران : ٩٧.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب وجوب الحج حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب وجوب الحج حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٨ من أبواب وجوب الحج حديث : ٥.

٦٧

عليه ، أو منافياً لشرفه ـ أو يشترط مطلقاً ولو مع عدم الحاجة إليه؟ مقتضى إطلاق الأخبار ، والإجماعات المنقولة : الثاني. وذهب جماعة من المتأخرين إلى الأول [١] ،

______________________________________________________

[١] قال في المستند : « وهل اشتراط الراحلة مختص بصورة الاحتياج إليها ـ لعدم القدرة على المشي ، أو للمشقة مطلقاً ، أو الشديدة منها وإن كان قادراً على المشي ، أو لمنافاة المشي لشأنه وشرفه ، ونحو ذلك ـ أو يعم جميع الصور ، وإن تساوى عنده المشي والركوب سهولة وشرفاً وضعة؟ ظاهر المنتهى : الأول ، حيث اشترط الراحلة للمحتاج إليها ، وهو ظاهر الذخيرة والمدارك ، وصريح المفاتيح وشرحه ، ونسبه في الأخير إلى الشهيدين بل التذكرة. بل يمكن استفادته من كلام جماعة قيدوها بالاحتياج والافتقار .. ».

أقول : الظاهر أن وجه النسبة إلى ظاهر المنتهى : ما ذكره في الفرع الثاني ، من قوله : « وإنما يشترط الزاد والراحلة في حق المحتاج إليهما لبعد مسافته. أما القريب فيكفيه اليسير من الأجرة بنسبة حاجته ، والمكي لا تعتبر الراحلة في حقه ، ويكفيه التمكن من المشي .. ». وفي المدارك ـ بعد ما حكى ذلك عنه ـ قال : « ونحوه قال في التذكرة ، وصرح بأن القريب إلى مكة لا يعتبر في حقه وجود الراحلة إذا لم يكن محتاجاً إليها. وهو جيد ، لكن في تحديد القرب الموجب لذلك خفاء ، والرجوع إلى اعتبار المشقة وعدمها جيد. إلا أن اللازم منه عدم اعتبار الراحلة في حق البعيد أيضاً إذا تمكن من المشي من غير مشقة شديدة ، ولا نعلم به قائلا .. ». ومن ذلك تعرف وجه النسبة إلى التذكرة والمدارك ، والمظنون أن الوجه في نسبة ذلك الى الشهيدين وغيرهما هو ذلك. لكن الفرق بين مورد كلامهم وبين ما نحن فيه ـ وهو البعيد ـ ظاهر ، كما تقدم من المدارك. فلاحظ. والمظنون قوياً‌

٦٨

لجملة من الأخبار المصرحة بالوجوب إن أطاق المشي بعضاً أو كلاً [١] ، بدعوى : أن مقتضى الجمع بينها وبين الأخبار‌

______________________________________________________

صحة ما ذكره في المدارك من عدم القائل ، فإن كان إشكال فهو في الدليل لا في الحكم. نعم ظاهر الوسائل : العمل بالأخبار الآتية. حاملا لها على غير المشقة الزائدة.

[١] كصحيح معاوية بن عمار : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل عليه دين. أعليه أن يحج؟ قال (ع) : نعم ، إن حجة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين. ولقد كان أكثر من حج مع النبي (ص) مشاة. ولقد مر رسول الله (ص) بكراع الغميم فشكوا اليه الجهد والعناء فقال : شدوا أزركم واستبطنوا ، ففعلوا ذلك ، فذهب عنهم » (١) ‌و‌خبر أبي بصير « قلت لأبي عبد الله (ع) : قول الله عز وجل : ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً .. ) فقال : يخرج ويمشي إن لم يكن عنده. قلت : لا يقدر على المشي. قال : يمشي ويركب. قلت : لا يقدر على ذلك ـ أعني : المشي ـ قال (ع) : يخدم القوم ويمشي معهم » (٢) ‌و‌صحيح محمد بن مسلم : « قلت لأبي جعفر (ع) : فان عرض عليه الحج فاستحيا. قال : هو ممن يستطيع الحج. ولم يستحيي ولو على حمار أجدع أبتر؟ فإن كان يستطيع أن يمشي بعضاً ويركب بعضاً فليفعل » (٣) ‌، و‌مصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) ـ في حديث ـ قال : « قلت له : فان عرض عليه ما يحج به فاستحيا من ذلك ، أهو ممن يستطيع اليه سبيلا؟ قال : نعم ، ما شأنه يستحيي ولو يحج على حمار أجدع أبتر؟! فإن كان يطيق أن يمشي بعضاً ويركب بعضاً فليحج » (٤).

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب وجوب الحج حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب وجوب الحج حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب وجوب الحج حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ١٠ من أبواب وجوب الحج حديث : ٥.

٦٩

الأول حملها على صورة الحاجة [١]. مع أنها منزلة على الغالب [٢] ، بل انصرافها إليها. والأقوى هو القول الثاني ، لإعراض المشهور عن هذه الأخبار ، مع كونها بمرأى منهم ومسمع [٣] ، فاللازم طرحها ، أو حملها على بعض المحامل ، كالحمل على الحج المندوب [٤] ، وإن كان بعيداً عن سياقها [٥]. مع أنها مفسرة للاستطاعة في الآية الشريفة [٦] ، وحمل الآية على القدر المشترك بين الوجوب والندب [٧] بعيد [٨]. أو حملها على من استقر عليه حجة الإسلام سابقاً [٩] ، وهو‌

______________________________________________________

[١] فان ذلك جمع عرفي من قبيل الجمع بين المطلق والمقيد ، فإن أخبار القول الأول مطلقة من حيث الحاجة وعدمها ، والثانية مقيدة بعدم الحاجة.

[٢] فإنه حينئذ يكون حمل المطلق على المقيد أسهل من غيره من موارد حمل المطلق على المقيد ، التي لا يكون الباقي بعد التقييد غالباً.

[٣] فإن إعراضهم عن النصوص المذكورة ـ مع صحة السند ، وكثرة العدد ، وكون الجمع العرفي بينها وبين غيرها سهلا كما عرفت ، وبناءهم على ارتكابه في سائر المقامات ـ يدل على خلل في الدلالة ، أو في جهة الحكم.

[٤] كما عن الشيخ (ره).

[٥] فان استنكار الاستحياء يناسب الوجوب. وكذا قوله (ع) في الصحيح الأول : « إن حجة الإسلام .. ».

[٦] إذ من المعلوم أن الحكم في الآية للوجوب.

[٧] هذا الجمل ذكره في الجواهر.

[٨] فإنه لا يناسب قوله تعالى فيها : ( وَمَنْ كَفَرَ .. ).

[٩] هذا الحمل ذكر في كشف اللثام.

٧٠

أيضاً بعيد [١] ، أو نحو ذلك [٢]. وكيف كان فالأقوى ما ذكرنا ، وإن كان لا ينبغي ترك الاحتياط بالعمل بالأخبار المزبورة ، خصوصاً بالنسبة الى من لا فرق عنده بين المشي والركوب ، أو يكون المشي أسهل لانصراف الأخبار الأول عن هذه الصورة [٣]. بل لو لا الإجماعات المنقولة والشهرة لكان هذا القول في غاية القوة [٤].

______________________________________________________

[١] بل هو لا مجال له في الصحيح الأول الذي ذكر فيه من حج مع النبي (ص) ، فإنهم لم يستقر عليهم الحج ، وكانت سنة حجهم أول سنة استطاعتهم.

[٢] مثل الحمل على التقية ، كما ذكره الشيخ. ولعله أقرب المحامل.

[٣] الظاهر أن منشأ الانصراف هو الغلبة ، ولذا لم يكن معتداً به عند المصنف ولا عند غيره.

[٤] لما عرفت : من أنه مقتضى الجمع العرفي. لكن الإنصاف أن التأمل في نصوص الاحتمال الثاني يقتضي البناء على الوجوب ، حتى مع المشقة الشديدة ، أما‌ صحيح معاوية فلما يظهر من قوله (ع) فيه : « ولقد كان أكثر من حج‌ .. ( إلى أن قال ) : فشكوا اليه الجهد والعناء .. ». وأما‌ خبر أبي بصير : « يخرج ويمشي إن لم يكن عنده .. » ‌فالظاهر منه أنه إذا لم يكن عنده ما يحج به يخرج ويمشي إلى أن قال فيه : « يخدم القوم ويمشي معهم ». وكل ذلك ظاهر في الوجوب مع المشقة اللازمة ، من فقده ما يحتاج اليه ، والمهانة اللازمة من الخدمة. وأما صحيح ابن مسلم فيظهر ذلك من‌ قوله (ع) فيه : « ولو على حمار أجدع أبتر » ‌فإن المهانة اللازمة من ذلك ظاهرة. ونحوه مصحح الحلبي. وعلى هذا يشكل الجمع المذكور ، ولا بد حينئذ أن يكون الجمع ، بحمل الأخبار الأول على‌

٧١

( مسألة ٢ ) : لا فرق في اشتراط وجود الراحلة بين القريب والبعيد ، حتى بالنسبة إلى أهل مكة [١] ، لإطلاق الأدلة. فما عن جماعة : من عدم اشتراطه بالنسبة إليهم لا وجه له [٢].

______________________________________________________

صورة العجز حتى مع المشقة والوقوع في المهانة. وهذا الجمع من أبعد البعيد ، لأنه يلزم منه حمل المطلق على الفرد النادر. وحينئذ تكون النصوص متعارضة لا تقبل الجمع العرفي ، ولا بد من الرجوع الى المرجحات إن كانت وإلا فالتخيير. ولا ريب أن الترجيح مع النصوص الأول ، لموافقتها ما دل على نفي العسر والحرج ، ومخالفة الثانية (١) لا يقال : النصوص الأول مخالفة أيضاً لإطلاق الكتاب. لأنه يقال : إطلاق الكتاب لا مجال للأخذ به بعد أن كان محكوماً لأدلة نفي العسر والحرج ، فموافقته لا تجدي في الترجيح‌

[١] نسبه في كشف اللثام إلى إطلاق الأكثر.

[٢] قال في الشرائع : « وهما ـ يعني : الزاد والراحلة ـ يعتبران في من يفتقر الى قطع المسافة .. ». وفي المسالك في شرحه : « احترز بالمفتقر إلى قطع المسافة عن أهل مكة وما قاربها ، ممن يمكنه السعي من غير راحلة ، بحيث لا يشق عليه عادة ، فإن الراحلة حينئذ غير شرط .. ». وفي الجواهر ـ بعد ذكر ذلك ـ قال : « بل لا أجد فيه خلافاً ، بل في‌

__________________

(١) ما دل من الكتاب العزيز على ذلك إنما هو قوله تعالى : ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) .. ـ البقرة : ١٨٥ ـ وقوله تعالى : ( ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ) .. المائدة : ٧ ـ وقوله سبحانه : ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) .. ـ الحج : ٧٨. وأما الروايات الواردة بهذا الشأن فهي كثيرة ، تقدمت الإشارة إلى بعضها في التعليقة على المسألة : ١٠ من فصل ماء البئر ج ١. ويأتي ذكر الباقي في هذا الجزء في الميقات الثالث من فصل المواقيت.

٧٢

( مسألة ٣ ) : لا يشترط وجودهما عيناً عنده ، بل يكفي وجود ما يمكن صرفه في تحصيلهما من المال [١]. من غير فرق بين النقود والأملاك ، من البساتين والدكاكين والخانات ونحوها. ولا يشترط إمكان حمل الزاد معه ، بل يكفي إمكان‌

______________________________________________________

المدارك : نسبته إلى الأصحاب ، مشعراً بدعوى الإجماع عليه .. ». وكلمات الجماعة مختلفة ، فبعضها اقتصر فيه على أهل مكة وبعضها ذكر فيه أهل مكة وما قاربها. وكيف كان فدليل هذا الاستثناء : عدم دخول المستثنى في دليل اعتبار الزاد والراحلة ، لانصرافه إلى المسافة التي يعدان لها عادة ، فلا يشمل غيرها. وهو غير بعيد. ومن ذلك يظهر أنه لا وجه لما ذكره المصنف : من أنه لا وجه له. نعم ما حكي عن المخالفين : من اشتراط مسافة القصر لا وجه له ، وكذا ما قاربها. بل لا يبعد ذلك في مثل الفرسخ ، فضلا عما زاد عليه مما لا يبلغ مسافة التقصير ، فان ذلك كله مما يعد له الراحلة.

وفي كشف اللثام : « وقطع الشيخ في المبسوط ، والمحقق ، والمصنف في التحرير والتذكرة والمنتهى بعدم اشتراط الراحلة للمكي ، ويعطيه كلامه هنا. ويقوى عندي اعتبارها للمضي الى عرفات ، وإلى أدنى الحل ، والعود .. ». أقول : اعتبارهما للمضي الى عرفات لا دليل عليه ، لاختصاص الآية الشريفة بالسفر إلى البيت الشريف ، والاستطاعة الشرعية معتبرة في ذلك ، ولا دليل على اعتبارها في السفر الى عرفات ، فاللازم الرجوع فيه إلى القواعد المقتضية للاعتبار مع الحاجة وعدمه مع عدمها ، ككثير من الأمور الآتية. ومن ذلك يظهر الحكم في الخروج إلى أدنى الحل للإحرام للحج أو للعمرة.

[١] كما في التذكرة وغيرها. وهو مما لا إشكال فيه ، وينبغي عده من الضروريات ، فان مقتضي الجمود على ما تحت‌ قوله (ع) : « له زاد

٧٣

تحصيله في المنازل بقدر الحاجة ، ومع عدمه فيها يجب حمله مع الإمكان ، من غير فرق بين علف الدابة وغيره [١]. ومع عدمه يسقط الوجوب.

( مسألة ٤ ) : المراد بالزاد هنا : المأكول ، والمشروب وسائر ما يحتاج اليه المسافر ، من الأوعية التي يتوقف عليها حمل المحتاج اليه ، وجميع ضروريات ذلك السفر [٢]. بحسب‌

______________________________________________________

وراحلة » (١) ‌وإن كان هو اعتبار وجودهما عيناً ، لكن المراد منه ما ذكر ويقتضيه‌ قوله (ع) : « ما يحج به » (٢).

[١] قال في التذكرة : « وإن كان يجد الزاد في كل منزل لم يلزمه حمله ، وإن لم يجده كذلك لزمه حمله. وأما الماء وعلف البهائم ، فإن كان يوجد في المنازل التي ينزلها على حسب العادة فلا كلام ، وإن لم يوجد لم يلزمه حمله من بلده ، ولا من أقرب البلدان إلى مكة ـ كأطراف الشام ونحوها ـ لما فيه من عظم المشقة ، وعدم جريان العادة به. ولا يتمكن من حمل الماء لدوابه في جميع الطريق ، والطعام بخلاف ذلك .. ». وفي المنتهى ذكر خلاف ذلك ، فقال : « وأما الماء وعلف البهائم فإن كانت توجد في المنازل التي ينزلها على حسب العادة لم يجب عليه حملها ، وإلا وجب مع المكنة ، ومع عدمها يسقط الفرض .. ». وما في المنتهى أوفق بالقواعد ، كما نص عليه غير واحد. وما في التذكرة منقول عن الشيخ (ره) ولعل مراده صورة المشقة ، كما علله بذلك في التذكرة. لكنه غير مطرد ، لاختلاف المقامات في ذلك.

[٢] قال في التذكرة : « فالزاد ـ الذي يشترط القدرة عليه ـ : هو‌

__________________

(١) تقدم ذكر النصوص المتضمنة لذلك في المسألة : ١ من هذا الفصل.

(٢) يأتي ذكر ما تضمن ذلك ـ إن شاء الله تعالى ـ في المسألة : ١٥ من هذا الفصل.

٧٤

حاله : قوة وضعفاً ، وزمانه : حراً وبرداً ، وشأنه : شرفاً وضعة. والمراد بالراحلة : مطلق ما يركب ، ولو مثل سفينة في طريق البحر. واللازم وجود ما يناسب حاله بحسب القوة والضعف. بل الظاهر اعتباره من حيث الضعة والشرف ، كماً وكيفاً [١]. فاذا كان من شأنه ركوب المحمل أو الكنيسة ،

______________________________________________________

ما يحتاج إليه في ذهابه وعوده ، من مأكول ، ومشروب ، وكسوة .. ( إلى أن قال في المسألة اللاحقة ) : كما تعتبر قدرته على المطعوم والمشروب ، والتمكن من حمله من بلده ، كذا تعتبر قدرته على الآلات والأوعية التي يحتاج إليها ، كالغرائر ونحوها ، وأوعية الماء من القرب وغيرها ، وجميع ما يحتاج اليه كالسفرة وشبهها ، لأنه مما لا يستغنى عنه ، فأشبه علف البهائم .. ». ونحوه كلام غيره. والوجه فيه ظاهر ، لدخوله تحت‌ قوله (ع) : « ما يحج به ». ولعموم نفي العسر والحرج. وحينئذ لا بد أن تكون الحاجة على نحو يلزم الحرج بالفقدان.

[١] كما يظهر من الشرائع ، حيث قال : « والمراد بالراحلة : راحلة مثله .. ». ونحوه في القواعد. لكن في كشف. اللثام قال في شرحها : « قوة وضعفاً ، لا شرفاً وضعة. لعموم الآية. والأخبار وخصوص‌ قول الصادق (ع) في صحيح أبي بصير : « من عرض عليه الحج ـ ولو على حمار أجدع مقطوع الذنب ـ فأبى فهو مستطيع للحج » (١). ونحوه أخبار أخر. ولأنهم (ع) ركبوا الحمير والزوامل .. ». وفي المدارك جعله الأصح ، وحكى عن الدروس : القطع به ، لما ذكر. وفي الجواهر قال : « إلا أن الانصاف عدم خلوه عن الاشكال مع النقص في حقه ، إذ فيه من العسر والحرج ما لا يخفي. وحجهم (ع) لعله كان في زمان لا نقص‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب وجوب الحج حديث : ٧.

٧٥

بحيث يعد ما دونهما نقصاً عليه ، يشترط في الوجوب القدرة عليه ، ولا يكفي ما دونه ، وإن كانت الآية والأخبار مطلقة. وذلك لحكومة قاعدة نفي العسر والحرج على الإطلاقات [١].

______________________________________________________

فيه في ركوب مثل ذلك .. ». أقول : لا يظن إمكان الالتزام بأنهم (ع) كانوا يوقعون أنفسهم في المهانة التي تكون حرجية. كما أنه لم يعلم وقوع ذلك منهم في حج الإسلام على نحو لم يكونوا مستطيعين إلا بذلك. وأما ما في صحيح أبي بصير‌ ، فقد عرفت أنه معارض بغيره مما يجب تقديمه عليه.

[١] هذه الحكومة إنما تقتضي نفي الوجوب ، ولا تقتضي نفي المشروعية والكلام في الثاني. والفرق بينه وبين الأول في جملة من الأحكام ظاهر ، منها : أنه إذا أقدم المكلف على ما فيه العسر والحرج كان مقتضى الجمع ـ بين دليل نفي الحرج والإطلاقات الدالة على الوجوب ـ هو الصحة والاجزاء عن حج الإسلام ، فعدم الاجزاء عن حج الإسلام حينئذ يحتاج الى دليل آخر. اللهم إلا أن يستفاد مما دل على أن الاستطاعة : السعة في المال ، أو اليسار في المال فإنه لا يصدق مع العسر. ففي رواية أبي الربيع الشامي : « فقيل له : فما السبيل؟ قال : السعة في المال » (١) ‌، و‌في رواية عبد الرحيم القصير عن أبي عبد الله (ع) ، الواردة في تفسير آية الحج ، قال (ع) : « ذلك : القوة في المال واليسار. قال : فان كانوا موسرين ، فهم ممن يستطيع؟ قال (ع) : نعم » (٢) ‌، و‌موثق أبي بصير قال : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : من مات وهو صحيح موسر لم يحج فهو ممن قال الله عز وجل : ( وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ .. ) (٣). ونحوها غيرها. وسيأتي ـ إن شاء الله ـ التعرض لذلك.

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب وجوب الحج حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب وجوب الحج حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب وجوب الحج حديث : ٧.

٧٦

نعم إذا لم يكن بحد الحرج وجب معه الحج. وعليه يحمل ما في بعض الأخبار : من وجوبه ولو على حمار أجدع مقطوع الذنب [١].

( مسألة ٥ ) : إذا لم يكن عنده الزاد ولكن كان كسوباً يمكنه تحصيله بالكسب في الطريق لأكله وشربه وغيرهما من بعض حوائجه ، هل يجب عليه أولا؟ الأقوى عدمه [٢] ، وإن كان أحوط.

______________________________________________________

[١] ظاهر ما في هذا البعض : خصوص صورة الحرج والمشقة والمهانة التي يصعب الاقدام عليها ، فلا مجال لحمله على ما ذكر.

[٢] لعدم تحقق الاستطاعة الفعلية. خلافاً للمستند ، قال فيه : « ولو لم يجد الزاد ولكن كان كسوباً يتمكن من الاكتساب في الطريق لكل يوم قدر ما يكفيه ، وظن إمكانه ، بجريان العادة عليه من غير مشقة ، وجب الحج لصدق الاستطاعة. وعن التذكرة : سقوطه إن كان السفر طويلاً لما في الجمع بين الكسب والسفر من المشقة. ولإمكان انقطاعه من الكسب وهو منازعة لفظية ، لأن المفروض إمكان الجمع ، وجريان العادة بعدم الانقطاع ، وإلا فالزاد أيضاً قد يسرق .. ».

لكن المذكور في التذكرة في بيان الشق الثاني : « وإن كان السفر قصيراً ، فان كان تكسبه في كل يوم بقدر كفاية ذلك اليوم من غير فضل لم يلزمه الحج ، لأنه قد ينقطع عن كسبه في أيام الحج فيتضرر. وإن كان كسبه في كل يوم يكفيه لأيامه لم يلزمه الحج أيضاً للمشقة. ولأنه غير واجد لشرط الحج. وهو أحد وجهي الشافعية ، والثاني الوجوب. وبه قال مالك مطلقاً .. ». ومقتضاه عدم الفرق بين السفر الطويل والقصير‌

٧٧

( مسألة ٦ ) : إنما يعتبر الاستطاعة من مكانه لا من بلده ، فالعراقي إذا استطاع وهو في الشام وجب عليه ، وإن لم يكن عنده بقدر الاستطاعة من العراق [١]. بل لو مشى إلى ما قبل الميقات متسكعاً ، أو لحاجة أخرى من تجارة أو غيرها ، وكان له هناك ما يمكن أن يحج به وجب عليه. بل لو أحرم متسكعاً فاستطاع ، وكان أمامه ميقات آخر ، أمكن‌

______________________________________________________

في سقوط الوجوب لاشتراك الجميع في ما ذكره أخيراً : من أنه غير واجد لشرط الحج ـ وهو الاستطاعة الفعلية ـ كما عرفت. وأما التعليل بالمشقة فالظاهر أنه كان جرياً على مذاق المخالفين.

[١] قال في المدارك : « ولا يعتبر في الاستطاعة حصولها من البلد فلو اتفق كون المكلف في غير بلده ، واستطاع للحج فالعود الى بلده ، وجب عليه الحج قطعاً .. ». ونحوه في المستند ، وحكاه عن الذخيرة. وبعض المتأخرين في المدارك وغيرها استدل له ـ مضافاً الى صدق الاستطاعة ـ : بصحيح معاوية بن عمار ، قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : الرجل يمر مجتازاً ـ يريد اليمن أو غيرها من البلدان وطريقه بمكة ، فيدرك الناس وهم يخرجون إلى الحج ، فيخرج معهم الى المشاهد ، فيجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟ قال (ع) : نعم » (١). لكن دلالة هذا الصحيح غير ظاهرة إذ الظاهر منه كون جهة السؤال عدم قصد الحج من البلد ، لا عدم تحقق الاستطاعة منه. فالعمدة : العمومات الدالة على الوجوب على المستطيع. وحكى في المدارك عن الشهيد الثاني : أن من أقام في غير بلده إنما يجب عليه الحج إذا كان مستطيعاً من بلده. إلا أن تكون إقامته في الثانية على وجه الدوام ، أو مع انتقال الفرض ، كالمجاور بمكة بعد السنين. وضعفه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب وجوب الحج حديث : ٢.

٧٨

أن يقال بالوجوب عليه ، وإن كان لا يخلو عن إشكال [١].

( مسألة ٧ ) : إذا كان من شأنه ركوب المحمل أو الكنيسة ولم يوجد سقط الوجوب. ولو وجد ولم يوجد شريك للشق الآخر ، فان لم يتمكن من أجرة الشقين سقط أيضاً ، وإن تمكن فالظاهر الوجوب ، لصدق الاستطاعة. فلا وجه لما عن للعلامة : من التوقف فيه ، لأن بذل المال. له خسران لا مقابل له [٢].

______________________________________________________

مما ذكر ظاهر. ومن ذلك تعرف وجه الحكم في الفرع الآتي.

[١] لأنه بعد أن كان إحرامه لغير حج الإسلام لغير حج الإسلام صحيحاً ، فوجوب حج الإسلام ـ ومنه الإحرام ـ يتوقف على بطلان إحرامه ، أو إبطاله ، أو العدول به ، وكلها خلاف الأصل. والعدول عن عمرة التمتع إلى حج الافراد ـ لضيق الوقت ، أو لعذر آخر ـ وكذلك العدول عن الافراد إلى التمتع في بعض المقامات ، وإن ثبت بالدليل ، لكنه لا يشمل المقام. وعلى تقدير الشمول فلا يختص بما إذا كان أمامه ميقات آخر وبالجملة : سيجي‌ء ـ إن شاء الله تعالى ـ أنه لا يجوز لمن أنشأ إحراماً لنسك أن ينشئ إحراماً آخر إلا بعد تحلله من إحرامه السابق.

[٢] قال في التذكرة : « الفرع الثالث : إذا وجد شق محمل ، ووجد شريكاً يجلس في الجانب الآخر لزمه الحج ، فان لم يجد الشريك ، ولم يتمكن إلا من مئونة الشق سقط عنه الحج ، مع حاجته الى المحمل. وإن تمكن من المحمل بتمامه احتمل وجوب الحج لأنه مستطيع ، وعدمه لأن بذل الزيادة خسران لا مقابل له .. ». وجه الاشكال عليه : أن ذلك لا يمنع من صدق الاستطاعة التي هي شرط الوجوب ، فيجب حينئذ البذل‌

٧٩

نعم لو كان بذله مجحفاً ومضراً بحاله لم يجب [١] ، كما هو الحال في شراء ماء الوضوء.

( مسألة ٨ ) : غلاء أسعار ما يحتاج اليه ، أو أجرة المركوب في تلك السنة لا يوجب السقوط [٢] ، ولا يجوز التأخير عن تلك السنة مع تمكنه من القيمة. بل وكذا لو توقف على الشراء بأزيد من ثمن المثل والقيمة المتعارفة. بل وكذا لو توقف على بيع أملاكه بأقل من ثمن المثل ، لعدم وجود راغب في القيمة المتعارفة. فما عن الشيخ : من سقوط الوجوب ضعيف [٣].

______________________________________________________

وإن لم يكن مقابلاً بشي‌ء ، ليترتب عليه الواجب.

[١] لعموم دليل الحرج ، كما سيأتي.

[٢] كما هو المشهور شهرة عظيمة ، ولا سيما بين المتأخرين ، كذا في الجواهر. ويقتضيه إطلاق أدلة الوجوب ، بعد صدق الاستطاعة. وحكى في الشرائع قولاً بالسقوط إذا كان الشراء بأزيد من ثمن المثل ، ونسبه في الجواهر وغيرها إلى الشيخ. للضرر ، وللسقوط مع الخوف على المال. والفرق : بأن العوض هنا على الناس وهناك على الله تعالى ضعيف. وفيه : أن دليل نفي الضرر مخصص بأدلة الوجوب ، وإن توقف على بذل المال. وحمله على غير مثل المقام تقييد من غير مقيد. وسيأتي وجه الفرق بين المقام وبين الخوف على المال. فانتظر.

[٣] لما عرفت. وفي بعض الحواشي على المتن : أنه لا يبعد السقوط إذا كانت زيادة الثمن اقتراحاً من البائع أو المشتري ، لا لترقي السعر وتنزله وكأنه : لجريان قاعدة الضرر في الأول دون الثاني ، ولذلك استدل الأصحاب‌

٨٠