مستمسك العروة الوثقى - ج ١٠

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٠

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣٨٦

نص فيه بالخصوص ، فيستحق الثواب عليه [١]. والمراد بالإحرام به [٢] جعله محرماً ، لا أن يحرم عنه ، فيلبسه ثوبي الإحرام ، ويقول : « اللهم إني أحرمت هذا الصبي .. » [٣] ، ويأمره بالتلبية [٤] ، بمعنى : أن يلقنه إياها ، وإن لم يكن‌

______________________________________________________

[١] يعني : الولي ، كما يقتضيه الاستحباب في حقه. و‌في مصحح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) ، قال : « سمعته يقول : مر رسول الله (ص) برؤينة وهو حاج ، فقامت إليه امرأة ومعها صبي لها ، فقالت : يا رسول الله أيحج عن مثل هذا؟ فقال : نعم ، ولك أجره » (١).

[٢] هذا التعبير مذكور في كلام المصنف وغيره. وهو المذكور‌ في خبر محمد ابن الفضيل ، قال : « سألت أبا جعفر الثاني (ع) عن الصبي متى يحرم به؟ قال (ع) : إذا أثغر » (٢) ‌، و‌في صحيح معاوية بن عمار : « ويصنع بهم ما يصنع بالمحرم .. » (٣) ‌و‌في خبر أيوب : « كان أبي يجردهم من فخ .. » (٤). لكن‌ في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج : « فأحرموا عنه وجردوه .. » (٥). والمراد منه هو المراد من غيره.

[٣] ذكر ذلك في الجواهر. ووجهه : استحباب التلفظ بالنية.

[٤] في صحيح زرارة عن أحدهما ، قال (ع) : « إذا حج الرجل بابنه ـ وهو صغير ـ فإنه يأمره أن يلبي ، ويفرض الحج. فان لم يحسن أن يلبي لبوا عنه ، ويطاف به ، ويصلى عنه. قلت : ليس لهم ما يذبحون. قال (ع) :

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب وجوب الحج حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب وجوب الحج حديث : ٢.

(٣) تقدم ذكره في صدر المسألة.

(٤) الوسائل باب : ١٧ من أبواب أقسام الحج حديث : ٦.

(٥) تقدم ذكره في صدر المسألة.

٢١

قابلاً يلبي عنه ، ويجنبه عن كل ما يجب على المحرم الاجتناب عنه [١] ، ويأمره بكل فعل من أفعال الحج يتمكن منه ، وينوب عنه في كل ما لا يتمكن [٢] ، ويطوف به ، ويسعى به بين الصفا والمروة ، ويقف به في عرفات ومنى ، ويأمره بالرمي ، وإن لم يقدر يرمي عنه ، وهكذا يأمره بصلاة الطواف ، وإن لم يقدر يصلي عنه. ولا بد من أن يكون طاهراً ، ومتوضئاً ولو بصورة الوضوء ، وان لم يمكن فيتوضأ هو عنه [٣] ، ويحلق رأسه ، وهكذا جميع الأعمال.

______________________________________________________

يذبح عن الصغار ، ويصوم الكبار ، ويتقى عليهم ما يتقى على المحرم من الثياب والطيب. وإن قتل صيداً فعلى أبيه » (١).

[١] كما يستفاد من الصحيح السابق وغيره.

[٢] هذا الترتيب استفادته من النصوص ظاهرة.

[٣] هذا الترتيب مقتضى ما عرفت في غيره من أفعال الحج. لكن في كشف اللثام : « وعلى من طاف به الطهارة ، كما قطع به في التذكرة والدروس. وهل يجب إيقاع صورتها بالطفل أو المجنون؟ وجهان ـ كما في الدروس وظاهر التذكرة ـ من أنها ليست طهارة ، مع الأصل. ومن أنه طوافه لا طواف الحامل ، فطهارته أولى بالوجوب .. ». وفي الجواهر : « الأحوط طهارتهما معاً ، لأنه المتيقن من هذا الحكم المخالف للأصل ، وان كان يقوى في النظر الاكتفاء بطهارة الولي ، كما يرمي اليه ما في خبر زرارة‌ من الاجتزاء بالصلاة عنه .. ». وفيه ما عرفت : من أن المستفاد من النصوص أن ما يمكن إيقاعه في الطفل يتعين فيه ذلك ولا يجتزأ بفعل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب أقسام الحج حديث : ٥.

٢٢

( مسألة ٣ ) : لا يلزم كون الولي محرماً في الإحرام بالصبي ، بل يجوز له ذلك وإن كان محلا [١] :

( مسألة ٤ ) : المشهور على أن المراد بالولي في الإحرام بالصبي غير المميز ـ الولي الشرعي ، من الأب ، والجد ، والوصي لأحدهما ، والحاكم ، وأمينه ، أو وكيل أحد المذكورين ، لا مثل العم ، والخال ، ونحوهما ، والأجنبي. نعم ألحقوا بالمذكورين : الأم وإن لم تكن ولياً شرعياً ، للنص الخاص فيها [٢]. قالوا : لأن الحكم على خلاف القاعدة ، فاللازم الاقتصار على المذكورين ، فلا تترتب أحكام الإحرام إذا كان المتصدي غيره. ولكن لا يبعد كون المراد الأعم منهم وممن يتولى أمر الصبي ويتكفله وان لم يكن ولياً شرعياً [٣].

______________________________________________________

الولي عنه ، وما لا يمكن إيقاعه في الطفل ينوب الولي عنه فيه ، كما هو مورد خبر زرارة‌. فلاحظ.

[١] لإطلاق النصوص.

[٢] وهو مصحح عبد الله بن سنان السابق‌ (١). لكن لا إطلاق له يشمل صورة عدم ولاية الأم عليه ، ولو بالاستيذان من وليه الشرعي ، لأن النظر في كلامه (ص) إلى نفي القصور من جهة الطفل ، لا نفي القصور من جهة أخرى. ومقتضى حرمة التصرف بالصبي بغير إذن وليه عدم الجواز بالنسبة إلى الأم كغيرها من الأجانب.

[٣] كما اختاره في المستند ، لما ذكره في المتن. قال (ره) : « لأن‌ قوله (ع) : « من كان معكم من الصبيان .. » (٢) ‌أعم ممن كان‌

__________________

(١) تقدم ذكره في المسألة : ٢ من هذا الفصل.

(٢) كما في صحيح معاوية بن عمار المتقدم في المسألة : ٢ من هذا القصل.

٢٣

لقوله (ع) : « قدموا من كان معكم من الصبيان إلى الجحفة ، أو الى بطن مر .. » [١] ، فإنه يشمل غير الولي الشرعي أيضاً. وأما في المميز فاللازم إذن الولي الشرعي إن اعتبرنا في صحة إحرامه الاذن.

( مسألة ٥ ) : النفقة الزائدة على نفقة الحضر على الولي لا من مال الصبي [٢].

______________________________________________________

مع وليه وغيره وكذا لا اختصاص في الأمر بقوله : « قدموا » (١) ‌و‌ « جردوه » (٢) ‌و‌ « لبوا عنه » (٣) وغير ذلك ، فان ثبت الإجماع فهو ، وإلا فالظاهر جوازه لكل من يتكفل طفلاً .. ».

أقول : العموم غير ظاهر ، كما يظهر ذلك بملاحظة النظائر ، فإذا قيل : « قدموا ما كان معكم من المال » لم يكن له عموم يشمل الأموال المغصوبة ، نظير ما عرفت من الإشكال في مصحح ابن سنان المتقدم في الأم‌ (٤). ولأجل ذلك يتوجه الاشكال على المشهور ، حيث فرقوا بين الأم وغيرها من المتكفلين بالطفل ، مع أن الأدلة في البابين على نسق واحد. وهذا الإشكال زائد على الاشكال عليهم في بنائهم على الإطلاق في النص الوارد في الأم.

[١] ( مر ) وزان ( فلس ) : موضع يقرب من مكة من جهة الشام نحو مرحلة. وهو منصرف ، لأنه اسم واد ، ويقال له : « بطن مر ، ومر الظهران » ، كذا في مجمع البحرين.

[٢] بلا خلاف أجده. لأنه هو السبب ، والنفع عائد إليه. ضرورة‌

__________________

(١) كما في صحيح معاوية بن عمار المتقدم في المسألة : ٢ من هذا الفصل.

(٢) كما في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج المتقدم في المسألة : ٢ من هذا الفصل.

(٣) كما في صحيح زرارة المتقدم في المسألة : ٢ من هذا الفصل.

(٤) راجع المسألة : ٢ من هذا الفصل.

٢٤

إلا إذا كان حفظه موقوفاً على السفر به [١] ، أو يكون السفر مصلحة له.

( مسألة ٦ ) : الهدي على الولي [٢] ،

______________________________________________________

عدم الثواب لغير المميز بذلك ، وعدم الانتفاع به في حال الكبر ، كذا في الجواهر.

أقول : العمدة فيه : عدم الدليل على الاذن بالتصرف في مال الصبي على الوجه المذكور ، وإن كان الثواب عائداً إليه ، لأن ذلك لا يكفي في جواز صرف مال الصبي.

[١] كما أشار إليه في الجواهر. لأن صرف المال حينئذ مصلحة للصبي فيجوز. وإطلاق الأصحاب كون النفقة على الولي منزل على غير ذلك ، كما أشار إليه في الجواهر أيضاً.

[٢] وفي الجواهر : « كأنه لا خلاف بينهم في وجوبه على الولي الذي هو السبب في حجه ، وقد صرح به في صحيح زرارة .. » ‌(١).

أقول : قد يشكل اقتضاء مثل هذه السببية للضمان. وأما‌ صحيح زرارة فالأمر فيه بالذبح عنهم إنما كان بعد قول السائل : « ليس لهم ما يذبحون » ‌، فلا يدل على الحكم في صورة تمكن الطفل منه ، بل لعله ظاهر في الذبح من مال الصبي مع التمكن منه. بل لا يبعد ظهوره في ذلك من جهة التقرير. وكان الأولى الاستدلال له‌ بمصحح إسحاق بن عمار ، قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن غلمان لنا دخلوا معنا مكة بعمرة ، وخرجوا معنا إلى عرفات بغير إحرام. قال : قل لهم يغتسلون ، ثمَّ يحرمون ، واذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم » (٢) ‌، فإن إطلاقه يقتضي الذبح من مال الولي. بل هو مقتضى إطلاق الخطاب باحجاجه ، فان الظاهر من إحجاجه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب أقسام الحج حديث : ٥. وقد تقدم ذكر الرواية في المسألة : ٢ من هذا الفصل.

(٢) الوسائل باب : ١٧ من أبواب أقسام الحج حديث : ٢.

٢٥

وكذا كفارة الصيد إذا صاد الصبي [١]. وأما الكفارات الأخر‌

______________________________________________________

السعي في وقوع الحج منه ـ ومنه الذبح ـ فيتعين على الولي بذله ، كما يظهر ذلك بملاحظة نظيره ، من الأمر باحجاج المؤمن أو نذر إحجاجه ، فان الظاهر من ذلك السعي في حصول الحج منه حتى ببذل الهدي ونحوه من الماليات.

نعم قد ينافي ذلك ما عرفت فيما تقدم من صحيح زرارة‌ ، وما‌ في صحيح معاوية بن عمار المتقدم ، من قوله (ع) : « ومن لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليه .. » (١). ولكن لا يبعد أن يكون المراد من عدم وجدانهم الهدي عدم وجدان الولي للهدي عنهم ، لأن الغالب في الطفل عدم الوجدان. لا أقل من احتمال ذلك على وجه يسقط الخبر عن الصلاحية لرفع اليد عن القاعدة المقتضية عدم جواز التصرف في مال الصبي. وقد عرفت أن ترتب الثواب لا يصحح للولي التصرف في مال الصغير ، فلا يجوز له التصدق بماله وإن كان ما كان للصدقة من الثواب والأجر في الآخرة ، فإن ولاية الولي تقتضي حفظ ماله وصرفه في مصلحته الدنيوية لا غير ، وولاية الولي عليه إنما هي بملاحظة ذلك لا غير. وإذا ثبت غير ذلك في بعض الموارد فهو للدليل المخرج عن القاعدة المذكورة. مضافا الى ما عرفت : من أن ظاهر أمر الولي باحجاج الطفل إحجاجه من مال الولي لا مال الطفل. وعلى هذا ما ذكره الجماعة في محله.

[١] كما هو المشهور. لما تقدم في صحيح زرارة‌ (٢). وفي التذكرة : « إنه يجب في مال الصبي ، لأنه مال وجب بجنايته ، فوجب أن يجب في ماله ، كما لو استهلك مال غيره .. ». وهو ـ كما ترى ـ كأنه اجتهاد في مقابل النص ، كما في الجواهر.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب أقسام الحج حديث : ٣. وتقدم ذكر الرواية في المسألة : ٢ من هذا الفصل. فلاحظ.

(٢) المراد هو الصحيح الذي تقدمت الإشارة إليه في صدر المسألة.

٢٦

المختصة بالعمد ، فهل هي أيضا على الولي ، أو في مال الصبي [١] ، أو لا يجب الكفارة في غير الصيد [٢] ، لأن عمد الصبي خطأ ، والمفروض أن تلك الكفارات لا تثبت في صورة الخطأ؟ وجوه لا يبعد قوة الأخير ، إما لذلك ، وإما لانصراف أدلتها عن الصبي. لكن الأحوط تكفل الولي ، بل لا يترك هذا الاحتياط ، بل هو الأقوى. لأن قوله (ع) : « عمد الصبي خطأ » ‌(١) مختص بالديات [٣].

______________________________________________________

ومثله ما عن ابن إدريس : من عدم وجوب الكفارة فيه ، لا في مال الولي ، ولا في مال الصبي. لانصراف أدلة الكفارة عنه ، لاختصاصها بالمكلف ، لأنها من باب العقوبة ، والصبي لا تكليف عليه ولا عقوبة على مخالفته. فإنه ـ أيضاً ـ كالاجتهاد في مقابل النص.

[١] اختار الأول في القواعد ، وحكي عن الكافي والنهاية ، إما لاستفادته مما ورد في كفارة الصيد. أو لأنه السبب في هذه الغرامة ، كما تقدم في كلام الجواهر. وأما الثاني فلم أقف عاجلاً على من نسب اليه. نعم لازم ما تقدم من التذكرة في الصيد القول بذلك هنا أيضاً.

[٢] حكي ذلك عن التحرير ، والمختلف وغيرهما ، واختاره في المنتهى. لما ذكر في المتن.

[٣] كما ذكره جماعة كثيرة ، منهم صاحب المدارك في هذا المقام. وهو الظاهر من مقابلة الخطأ بالعمد ، لشيوع التعبير بهما عن الجناية العمدية والخطئية تبعاً للقرآن المجيد (٢). و‌لقوله : « تحمله العاقلة » (٣). فإن‌

__________________

(١) هذا هو مضمون ما رواه في الوسائل باب : ٣٦ من أبواب قصاص النفس حديث : ٢.

(٢) لاحظ : سورة النساء : ٩١ ـ ٩٢.

(٣) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب قصاص النفس حديث : ٢.

٢٧

والانصراف ممنوع [١] ، وإلا فيلزم الالتزام به في الصيد أيضاً.

( مسألة ٧ ) : قد عرفت أنه لو حج الصبي عشر مرات لم يجزه عن حجة الإسلام بل يجب عليه بعد البلوغ والاستطاعة ،

______________________________________________________

ذلك إنما يكون في الجنايات لا مطلقاً. وقد أشرنا إلى ذلك في مبحث عقد الصبي من تعليقتنا على بيع شيخنا الأعظم ، ( نهج الفقاهة ). مضافاً إلى ما عليه ضرورة العلماء والعوام : من صحة أعماله القصدية ، من صلاة ، وصيام وسفر ، وإقامة عشرة أيام وغير ذلك ، ولو كان قصده بمنزلة العدم لم يصح شي‌ء من ذلك منه. فلو سافر بقصد المسافة أتم وإن بلغ في أثناء السفر. وكذا لو نوى الإقامة عشرة ، فإنه يقصر وإن بلغ في الأثناء. وهكذا الحكم في جميع الموارد التي تتقوم بالقصد ، والبناء على كون قصده فيها بمنزلة العدم مما لا مجال له.

[١] الوجه في هذا الانصراف ما تقدم ، من أن الفداء من قبيل المجازاة على الذنب ، وذلك لا يتأتى في حق الصبي. والمقايسة بالصيد كما ترى! الفرق بينه وبين المقام بثبوت الفدية فيه مع عدم العمد بخلاف المقام فالخروج عن الأصل المقتضي للعدم غير ظاهر.

تنبيه : الظاهر أنه لا فرق في الأحكام المذكورة جميعها بين الصبي المميز وغيره ، لعموم الأدلة لهما معاً ، فكما يستحب الحج بالنسبة إلى المميز يستحب بالنسبة إلى غيره أيضاً. واختلافهما في صحة توجيه الخطاب لا يقتضي الاختلاف بينهما في ملاك الحج الاستحبابي ، فالصبي غير المميز نظير المميز الغافل لا مانع من عموم الملاك له. كما أن استحباب إحجاج الولي لا فرق فيه بين الفردين ، لعموم الأدلة ، بل خصوصها. فلاحظ صحيح زرارة‌. كما أن ثبوت الهدي في مال الولي ـ وكذا كفارة الصيد ـ لا فرق فيهما بينهما أيضاً وانتفاء الكفارة في غير الصيد أيضاً شامل لهما معاً.

٢٨

لكن استثنى المشهور من ذلك : ما لو بلغ وأدرك المشعر ، فإنه حينئذ يجزي عن حجة الإسلام ، بل ادعى بعضهم الإجماع عليه [١]. وكذا إذا حج المجنون ندباً ، ثمَّ كمل قبل المشعر [٢]. واستدلوا على ذلك بوجوه :

أحدها : النصوص الواردة في العبد ـ على ما سيأتي ـ بدعوى : عدم خصوصية العبد في ذلك [٣] ،

______________________________________________________

[١] قال في التذكرة. « وان بلغ الصبي ، أو أعتق العبد قبل الوقوف بالمشعر ، فوقف به أو بعرفة معتقاً ، وفعل باقي الأركان أجزأ عن حجة الإسلام. وكذا لو بلغ أو أعتق وهو واقف. عند علمائنا أجمع .. ). وفي الخلاف : « وإن كملا ـ يعني : الصبي والعبد ـ تغير إحرام كل منهما بالفرض ، وأجزأه عن حجة الإسلام. وبه قال الشافعي .. ( إلى أن قال ) : دليلنا : إجماع الفرقة وأخبارهم ، فإنهم لا يختلفون في هذه المسألة ، وهي منصوصة لهم ، وقد ذكرناها ونصوصها في الكتاب المتقدم ذكره .. ».

[٢] يظهر من كلماتهم عدم الفصل بين الصبي والمجنون. والأدلة الآتية ـ المستدل بها على الحكم في الصبي ـ مطردة في المجنون ، ولا فرق بينهما فيها. نعم لم أقف على دعوى الإجماع صريحاً في المجنون كما ادعي في الصبي ، وإن عرفت أن ظاهر كلماتهم عدم الفرق بينهما.

[٣] قد صرح بذلك في الجواهر ، قال : « إن الحمل على العبد ليس قياساً بعد ما عرفت ، من الإجماع ، وظهور نصوص العبد في عدم الخصوصية له .. ».

أقول : لا يظهر وجه لهذا الظهور ، ففي صحيح شهاب عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل أعتق عشية عرفة عبداً له. قال (ع) : يجزي عن العبد

٢٩

بل المناط الشروع حال عدم الوجوب لعدم الكمال ، ثمَّ حصوله قبل المشعر. وفيه : أنه قياس. مع أن لازمه الالتزام به فيمن حج متسكعاً ثمَّ حصل له الاستطاعة قبل المشعر ، ولا يقولون به [١].

الثاني : ما ورد من الأخبار ، من أن من لم يحرم من مكة أحرم من حيث أمكنه ، فإنه يستفاد منها : أن الوقت صالح لإنشاء الإحرام ، فيلزم أن يكون صالحاً للانقلاب أو القلب بالأولى. وفيه ما لا يخفى [٢].

______________________________________________________

حجة الإسلام .. » (١). وهو خال عن الاشعار بعدم الخصوصية ، فضلاً عن الظهور. و‌صحيح معاوية بن عمار ، قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : مملوك أعتق يوم عرفة. قال : إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج » (٢) ‌وليس لهذا الصحيح ظهور فيما نحن فيه ، إذ من المحتمل أن يكون المراد منه أن العبد إذا لم يكن حاجاً ، وأعتق فأحرم بعد أن أعتق وأدرك أحد الموقفين ، أجزأه عن حجة الإسلام ، بل هذا المعنى أقرب في معنى العبارة المذكورة. نعم‌ رواه في المعتبر بزيادة : « وإن فاته الموقفان فقد فاته الحج ، ويتم حجه ، ويستأنف حجة الإسلام فيما بعد » (٣). ودلالته على ما نحن فيه في العبد ظاهرة. لكن دلالته على عدم الخصوصية غير ظاهرة.

[١] يمكن أن يدفع ذلك : بأن الإجماع منع من ذلك.

[٢] فان صاحب الجواهر (ره) ـ مع أنه في مقام تقريب الاستدلال على القول المشهور ـ اعترف بأن صلاحية الوقت إنما ذكرت استيناساً لما نحن فيه ، لا أنها دليل ، ضرورة الفرق بين نفس الموضوعين.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب وجوب الحج حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٧ من أبواب وجوب الحج حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٧ من أبواب وجوب الحج حديث : ٥.

٣٠

الثالث : الأخبار الدالة على أن من أدرك المشعر فقد أدرك الحج. وفيه : أن موردها من لم يحرم [١] ، فلا يشمل من أحرم سابقاً لغير حجة الإسلام ، فالقول بالاجزاء مشكل [٢]. والأحوط الإعادة بعد ذلك إن كان مستطيعاً ، بل لا يخلو عن قوة. وعلى القول بالإجزاء يجري فيه الفروع الآتية في مسألة العبد ، من أنه هل يجب تجديد النية لحجة الإسلام أولا [٣]؟

______________________________________________________

[١] بل موردها من لم يدرك غير الوقوف بالمشعر وإن كان محرما.

[٢] وفي الشرائع والمعتبر : « في الاجزاء تردد .. » ، وفي المنتهى : « وإن أدرك أحد الموقفين بالغاً ففي الإجزاء تردد. ولو قيل به كان وجهاً ، لأنه زمان يصح إنشاء الحج فيه ، فكان مجزياً بأن يجدد نية الوجوب .. وقال بعد ذلك : وبالجملة : فنحن في هذا الموضع من المترددين ، وإن كان الأقرب عندنا الجواز .. ». وفي المدارك : « التردد في محله .. » ، وفي المستند : نسب المنع الى جمع من متأخري المتأخرين ، وجعله الأظهر.

هذا ويمكن الاستدلال للمشهور : بأن عمومات التشريع الأولية تقتضي الصحة ، وليس ما يستوجب الخروج عنها إلا ما تقدم من النصوص الدالة على اعتبار البلوغ في مشروعية حجة الإسلام. لكنها مختصة بصورة ما إذا وقع تمام الحج قبل البلوغ ، ولا تشمل صورة ما إذا بلغ في الأثناء ، فتبقى الصورة المذكورة داخلة في الإطلاق المقتضي للصحة. نعم لازم ذلك المشروعية أيضاً لو بلغ بعد الوقوف قبل إتمام أعمال الحج ، وقد ادعي ـ في التذكرة وغيرها ـ الإجماع على خلافه. لكن يمكن دفعه : بأن الإجماع المذكور هو الموجب للخروج عن مقتضي الأدلة.

[٣] بناء على ما ذكرناه في وجه الاجزاء يكون الحج الواقع منه هو‌

٣١

وأنه هل يشترط في الاجزاء استطاعته بعد البلوغ من البلد أو من الميقات أولا [١]؟ وأنه هل يجري في حج التمتع مع كون العمرة بتمامها قبل البلوغ أولا؟ إلى غير ذلك ..

( مسألة ٨ ) : إذا مشى الصبي إلى الحج فبلغ قبل أن يحرم من الميقات وكان مستطيعاً لا إشكال في أن حجة حجة الإسلام.

( مسألة ٩ ) : إذا حج باعتقاد أنه غير بالغ ندباً فبان بعد الحج أنه كان بالغاً ، فهل يجزي عن حجة الإسلام أو لا؟ وجهان ، أوجههما الأول [٢]. وكذا إذا حج الرجل ـ باعتقاد عدم الاستطاعة ـ بنية الندب ثمَّ ظهر كونه مستطيعاً حين الحج.

______________________________________________________

حج الإسلام من حين وقوعه ، غاية الأمر أنه لم يكن واجباً عليه ، وبالبلوغ في الأثناء يكون واجباً عليه ، كما إذا بلغ في أثناء صلاة الظهر ، فإنها من حين وقوعها منوية صلاة الظهر ، وبالبلوغ في الأثناء يجب إتمامها وتكون واجبة بعد أن لم تكن واجبة ولا يجب إتمامها. فان وجبت نية الوجوب والندب ـ وقد نوى الندب ـ نوى الوجوب عند البلوغ ، وان لم تجب نية الوجوب والندب لم يلزم تجديد نية الوجوب. وأما بناء على الأدلة ـ المذكورة في كلام المصنف ـ فربما يختلف الحكم باختلافها ، كما سننبه عليه فيما يلي إن شاء الله تعالى.

[١] بناء على ما ذكرنا يتعين اعتبار الاستطاعة من الميقات ، لما يأتي : من أن البالغ إذا وصل الى الميقات متسكعاً ثمَّ استطاع حينئذ وجب عليه حج الإسلام ، لعموم الأدلة. ومن ذلك تعرف الوجه في حكم المسألة الآتية.

[٢] الإشكال في الصحة في هذه المسألة من وجهين :

الأول : أن حجة الإسلام تختلف مع غيرها من أنواع الحج بالخصوصيات‌

٣٢

______________________________________________________

الداخلية ، نظير الاختلاف بين صلاة الصبح ونافلة الصبح ، فالحج مع فقد بعض الشرائط ليس حج الإسلام وليس بواجب ، والحج مع الشرائط حج الإسلام وهو واجب. فاذا حج ـ بعد ما حج حجة الإسلام ـ كان حجه غير حجة الإسلام ، فالاختلاف بينهما بالخصوصيات الداخلية. وحينئذ فإذا نوى حجاً غير حجة الإسلام كيف تصح حجة الإسلام مع عدم النية؟! نظير ما لو نوى العصر ـ باعتقاد أنه صلى الظهر ـ فتبين أنه لم يصل الظهر فإنها لا تصح ظهراً ، فاذا صحت ظهراً فقد صحت بلا نية.

الثاني : من وجهي الاشكال : أنه إذا نوى الأمر الندبي ولم ينو. الأمر الوجوبي ، لم يتحقق امتثال الأمر الوجوبي بقصد امتثال غيره ، فلا موجب لسقوطه.

والتحقيق : أن القيود التي تذكر في موضوع الامتثال العبادي اشتباهاً تارة : تلحظ بما هي ، وأخرى : تلحظ طريقاً ومرآة إلى غيرها. والأولى تارة : تكون ملحوظة على نحو وحدة المطلوب ، وأخرى : على نحو تعدد المطلوب ، فان لوحظت بما هي على نحو وحدة المطلوب بطلت العبادة ، لفوات القصد الى الواقع ، لمنافاة قصد القيد ـ ولو اشتباهاً ـ إياه. ففي فرض المسألة إذا لوحظ قيد الحج الندبي والأمر الندبي فقد فات قصد الحج الإسلامي والأمر الوجوبي ، فلا مجال للصحة. وإن لوحظت على نحو تعدد المطلوب فان كان الاختلاف بين القيود الواقعية والقيود المقصودة من قبيل الاختلاف بين الأقل والأكثر صحت العبادة. كما إذا اعتقد أن الحج الإسلامي شرع في مكة ـ مثلاً ـ اشتباهاً ، فقصد الحج الإسلامي المشرع في مكة على نحو تعدد المطلوب ، لم يقدح ذلك في صحة امتثال أمر الحج الإسلامي إذا كان قد شرع في المدينة ، لأن فوات القيد المذكور ـ الذي قصد اشتباهاً ـ لا يقدح في قصد الحج الإسلامي ، بعد ما كان التقييد على نحو تعدد المطلوب. وإن‌

٣٣

الثاني من الشروط : الحرية ، فلا يجب على المملوك وإن أذن له مولاه ، وكان مستطيعاً من حيث المال [١] ،

______________________________________________________

كان الاختلاف بين القيود الواقعية والقيود المقصودة من قبيل الاختلاف بين المتباينين لم يصح الامتثال ، فان تعدد المطلوب إنما يقتضي وقوع القصد على ذات المقيد حتى على تقدير انتفاء القيد ، ولا يقتضي وقوع القصد على القيد المباين. ففي المقام إذا قصد الحج غير الإسلامي والأمر الندبي على نحو تعدد المطلوب ، فقد تعلق القصد بذات الحج وبذات الأمر ، لكن لم يتعلق بالحج الإسلامي ولا بالأمر الوجوبي. ولو بني على عدم اعتبار قصد الوجوب والندب يكون البطلان مستنداً إلى عدم قصد خصوصية الحج الإسلامي فإنه لا بد من قصدها في تحقق العبادة ، فينحصر تصحيح الحج الإسلامي ـ في الفرض ـ بصورة ما إذا كان قصد الحج غير الإسلامي بعنوان كونه عبرة ومرآة إلى الحج الإسلامي ، فيكون الحج الإسلامي مقصوداً بالأصالة ولو إجمالا. ومن ذلك يظهر أنه ـ مع تباين القيود الواقعية والخطئية ـ ينحصر تصحيح العبادة بصورة ملاحظة القيد الاشتباهي بنحو المرآتية والطريقية ، ومع عدم التباين وكونها من قبيل الأقل والأكثر ينحصر تصحيح العبادة بصورة ملاحظة القيد الاشتباهي بنحو تعدد المطلوب ، فاذا لوحظ بنحو وحدة المطلوب تعين البناء على البطلان. ومن ذلك يظهر أنه في إطلاق الصحة في كلام المصنف (ره) نظر ، وكان اللازم التفصيل في المسألتين على النحو الذي ذكرنا. وسيأتي في المسألة الخامسة والعشرين نظير المقام.

[١] إجماعاً بقسميه عليه منا ومن غيرنا ، كما في الجواهر. ويشهد له ما‌ في موثق الفضل بن يونس عن أبي الحسن موسى (ع) ، قال : « ليس على المملوك حج ولا عمرة حتى يعتق » (١) ‌، وما‌ في خبر آدم بن علي

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب وجوب الحج حديث : ٢.

٣٤

بناء على ما هو الأقوى من القول بملكه [١] ،

______________________________________________________

عن أبي الحسن (ع) : « ليس على المملوك حج ولا جهاد ، ولا يسافر إلا بإذن مالكه » (١).

[١] نسبه في الدروس إلى ظاهر الأكثر ، وفي المسالك إلى الأكثر ، ثمَّ قال : « ومستنده الأخبار. وذهب جماعة إلى عدم ملكه مطلقاً ، واستدلوا عليه بأدلة كلها مدخولة ، والمسألة موضع إشكال ، ولعل القول بعدم الملك مطلقاً متوجه. ويمكن حمل الأخبار ـ يعني : الأخبار التي استند إليها الأكثر ـ على إباحة تصرفه فيما ذكر ، لا بمعنى ملك رقبة المال ، فيكون وجهاً للجمع .. ». وجعل القول المذكور في الشرائع حسناً ، وحكاه في الجواهر عن ظاهر الشهيد في الحواشي ، واختاره هو قدس‌سره. واستدل له بجملة من الأخبار ، كما أشار إليها في المسالك.

منها : صحيح زرارة : « سألت أبا جعفر (ع) عن رجل أعتق عبداً وللعبد مال ، لمن المال؟ فقال (ع) : إن كان يعلم أنه له مال تبعه ماله وإلا فهو له » (٢) ‌، وصحيحه الآخر عن أبي عبد الله (ع) : « إذا كاتب الرجل مملوكه أو أعتقه ، وهو يعلم أن له مالاً ، ولم يكن استثنى السيد المال حين أعتقه فهو للعبد » (٣) ‌، و‌صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله (ع) ، قال : « سألته عن رجل أعتق عبداً له ، وللعبد مال ، وهو يعلم أن له مالاً فتوفي الذي أعتق العبد ، لمن يكون مال العبد يكون للذي أعتق العبد أو للعبد؟ قال (ع) : إذا أعتقه وهو يعلم أن له مالاً فماله له ، وإن لم يعلم فماله لولد سيّده » (٤) ‌، وخبر إسحاق بن عمار‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب وجوب الحج حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب العتق حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب العتق حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب العتق حديث : ٦.

٣٥

______________________________________________________

عن جعفر (ع) عن أبيه : « إن علياً أعتق عبداً ، فقال له : إن ملكك لي ولك وقد تركته لك » (١) ‌، و‌صحيح سعد بن سعد عن أبي جرير ، قال : « سألت أبا جعفر (ع) عن رجل قال لمملوكه أنت حر ولي مالك قال (ع) : لا يبدأ بالحرية قبل المال ، يقول : لي مالك وأنت حر يرضى المملوك ، فان ذلك أحب إلي » (٢). هذا مضافاً إلى الاخبار الآتية في أدلة بعض الأقوال. لكن النصوص المذكورة ونحوها لا تصلح لا ثبات هذا القول ـ وهو الملكية مطلقاً ـ إذ لا إطلاق لها من هذه الجهة ، وإنما هي واردة في مقام حكم آخر. فالعمدة ـ في إثبات القول المذكور ـ : إطلاق أدلة سببية الأسباب الموجبة للملك ، التي لا فرق فيها بين الحر والعبد ، كما لا فرق فيها بين مورد ومورد.

وتوهم : أن الشك في المقام ناشئ من الشك في قابلية العبد الملك ، لاحتمال أن المملوكية مانعة من قابلية المملوك للمالكية ، والشك في القابلية على النحو المذكور مانع من التمسك بعموم السببية ، لأنها لا تحرز القابلية المذكورة ، فيكون المرجع أصالة عدم ترتب الأثر.

فيه : أن القابلية المذكورة تحرز بالأذواق العرفية ، فإن ذوق العرف في ثبوت القابلية حجة على ثبوتها بتوسط الإطلاقات المقامية ، وإلا لم يكن مطلق من المطلقات باقياً على الحجية ، لحصول الشك المذكور في جميعها ، ولا ريب في بطلان ذلك. مضافاً إلى أنه يمكن استفادة القابلية في المقام من النصوص السابقة وإن لم يكن لها إطلاق ، فالعمل بإطلاق دليل السببية متعين ، إلا أن يقوم الدليل على خلافه.

هذا وقيل : لا يملك مطلقاً. وعن التذكرة : نسبته إلى أكثر علمائنا ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب العتق حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب العتق حديث : ٥.

٣٦

______________________________________________________

وفي الجواهر عن شرح أستاذه : أنه المشهور غاية الاشتهار بين المتقدمين والمتأخرين ، المدعى عليه الإجماع ـ بلفظه الصريح ـ من جماعة ، وفي الرياض : « هو الأشهر بين أصحابنا ، كما حكاه جماعة منا. وهو الظاهر من تتبع كلماتهم جداً ، حيث لم أقف على مخالف لهم في ذلك إلا نادراً ، بل ادعى الشيخ في الخلاف ـ في كتاب الزكاة ـ والفاضل في نهج الحق عليه إجماعنا صريحاً ، ودل عليه كلام الحلي المحكي في المختلف في كتاب العتق ، حيث قال : إنه لا يملك عندنا. ونحوه عبارة المبسوط المحكية عنه في كتاب الكفارات. وربما كان في عبارة الانتصار إشعار به ، بل ظهور جداً ، مع فتواه صريحاً ، وهو الحجة .. ».

واستدل له‌ بصحيح عبد الله بن سنان : « قلت لأبي عبد الله (ع) : مملوك في يده مال ، أعليه زكاة؟ قال : لا. قلت : ولا على سيده. قال (ع) : لا ، لأنه لم يصل اليه ، وليس هو للمملوك ». (١) ‌فان حكمه بنفي الملك عن العبد لما في يده لا بد أن يكون من جهة امتناع ملكه وإلا لأمكن أن يكون له. و‌صحيح محمد بن إسماعيل عن الرضا (ع) : « سألته عن رجل يأخذ من أم ولده شيئاً وهبه لها بغير طيب نفسها ، من خدم ومتاع ، أيجوز ذلك له؟ قال : نعم إذا كانت أم ولد » (٢) ‌، و‌صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) : « أنه قال ـ في المملوك ـ : ما دام عبداً فإنه وماله لأهله ، لا يجوز له تحرير ، ولا كثير عطاء ، ولا وصية ، إلا أن يشاء سيده » (٣). بل قد استدل عليه بقوله تعالى : ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنّا رِزْقاً حَسَناً

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب من تجب الزكاة عليه حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الهبات حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٧٨ من أبواب الوصايا حديث : ١.

٣٧

______________________________________________________

فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ ) (١) ، وقوله تعالى ( ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ .. ) (٢). فان الاستفهام فيه إنكاري يقتضي امتناع الشركة بين المالك وعبده. وما ورد : من أن العبد إذا مات وترك مالاً كان في يده فإنه لمالكه ، ففي موثق عمار الساباطي : « في مكاتبة بين شريكين يعتق أحدهما نصيبه ، كيف تصنع الخادم؟ قال : تخدم الباقي يوماً وتخدم نفسها يوماً. قلت : فان ماتت وتركت مالاً. قال (ع) : المال بينهما نصفين ، بين الذي أعتق وبين الذي أمسك » (٣). ولو أمكن ملك العبد كان ميراثاً للمولى ، لأنه مال انتقل اليه بموت مملوكه ، مع أنه باطل إجماعاً ، ونصوصاً تضمنت : أن العبد لا يرث ولا يورث ، ففي خبر محمد بن حمران : « لا يتوارث الحر والمملوك .. » (٤). ونحوه غيره.

ويمكن الإشكال في جميع ما ذكر ، أما صحيح ابن سنان‌ فلأن السائل لما فرض في السؤال كون المال في يد العبد فهم منه أن المال ليس للعبد ، وإلا كان المناسب أن يقول : « مملوك له مال ». وحينئذ يكون قول الامام : « وليس هو للمملوك » ‌مبنياً على ما فهم من كلام السائل ولا يدل على أن المملوك يمتنع أن يملك.

وأما صحيح محمد بن إسماعيل‌ فلأن من الجائز أن يكون أخذ الرجل ما وهبه لأم ولده من باب الرجوع في الهبة ، الذي لا ريب في جوازه في غير الموارد المستثناة ، وليس منها مورد الصحيح. أو لأن للمالك أخذ مال‌

__________________

(١) النحل : ٧٥.

(٢) الروم : ٢٨.

(٣) الوسائل باب : ١٩ من أبواب المكاتبة حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ١٦ من أبواب موانع الإرث حديث : ٢.

٣٨

______________________________________________________

العبد وإن لم يكن قد وهبه إياه ، فلا تدل الرواية على المدعى. بل المناسب الاستدلال بها على الخلاف ، لأن إقرار الإمام (ع) ما في السؤال من وقوع الهبة من المالك يدل على صحة الهبة ، ولو كان العبد لا يملك كانت لغواً قطعاً.

وأما صحيح محمد بن قيس‌ فلأن قول الامام علي (ع) : « وماله » ‌ظاهر في أن المال للعبد. وحينئذ يكون قوله (ع) : « لأهله » ‌منافياً له لامتناع اجتماع الملكيتين على المملوك الواحد ، فلا بد من التصرف في أحدهما وذلك إما بحمل الإضافة في الأول على كونها غير إضافة الملكية ، وإما بحمل اللام في الثاني على كونها لمحض السلطنة على التصرف. والثاني أقرب ، بقرينة ما بعده ، الظاهر في كونه تفسيراً لقوله : « لأهله » ‌، بل قوله (ع) : « إلا أن يشاء .. » ‌ظاهر في صحة الوصية إذا شاء السيد ، فتكون الوصية له ، ولا تصح الوصية بمال الغير ، وإن أجاز المالك ـ كما يظهر من ملاحظة كلماتهم في كتاب الوصية ـ فتكون الرواية على القول الأول أدل منها على القول الثاني.

وأما الآية الأولى فإن كان الاستدلال بها من جهة وصف العبد بأنه لا يقدر ، فليس ذلك محل الكلام ، إذ لا خلاف في أنه محجور عليه وإن قلنا بملكه. وإن كان من جهة أن المقابلة بين قوله تعالى : ( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) .. (١) وقوله تعالى : ( وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنّا رِزْقاً حَسَناً ) .. (٢) يدل على أن وصف المملوكية يراد منه عدم المالكية ، فكأنه قال : « عبداً لا يجد شيئاً ولا يقدر على شي‌ء » في مقابل من يجد شيئاً ويقدر عليه ، وإرادة عدم المالكية من المملوكية لا وجه له ، إلا لأن المملوكية مانعة من المالكية. فالظاهر أن الوجه في المقابلة : مجرد عدم القدرة ، المراد بها الأعم من عدم القدرة على التملك ، فكأنه قال تعالى :

__________________

(١) النحل : ٧٥.

(٢) النحل : ٧٥.

٣٩

______________________________________________________

« عبداً مملوكاً لا يقدر أن يملك ، وحراً يقدر أن يملك فيملك وينفق ». فالفارق المقصود بيانه هو عدم القدرة على التملك في العبد ، والقدرة على التملك وعلى التصرف فيما يملك في الحر ، فلا دلالة فيهما على المدعى. هذا مضافاً إلى أن التمثيل أعم من وقوع المثال في الخارج ـ كما قيل ـ وإن كان ضعيفاً ، لأنه خلاف الظاهر. وأما الآية الثانية فالظاهر منها نفي الاشتراك بين العبد والمولى على نحو يكونان سواء ، وذلك لا يدل على المدعى ، إذ يكفي في نفي المساواة كون المولى قادراً على التصرف والمملوك ليس قادراً عليه إلا بإذن مولاه ، فهذا المقدار من الاختلاف ـ في القدرة واللاقدرة ـ كاف في نفي المساواة.

وأما ما ورد : من أن العبد إذا مات كان ماله لمولاه‌ (١) ، فهو من الأحكام التعبدية. ولا ينافيه ما ورد : من أنه لا توارث بين الحر والعبد‌ (٢) لأنه إما مخصص بذلك ، أو هو مختص بغيره ، بناء على أن المراد نفي التوارث الذي يكون بين الحرين في مراتب الإرث ، ولا يشمل ما نحن فيه ، ولا هذا النحو من التوارث. فلا يمكن من ذلك استفادة كون ما في يد العبد لمولاه لا له ، كما لا يخفي.

ومثله في الاشكال : الاستدلال على ذلك بما دل على عدم صحة الوصية للعبد ، كصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) : « قال : قضى أمير المؤمنين (ع) في مكاتب كانت تحته امرأة حرة ، فأوصت له عند موتها بوصية ، فقال أهل المرأة : لا تجوز وصيتها له لأنه مكاتب لم يعتق ولا يرث. فقضى : أنه يرث بحساب ما أعتق منه ، ويجوز له من الوصية بحساب ما أعتق منه. قال : وقضى (ع) في مكاتب أوصي له بوصية ،

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٢٣ ، ٢٤ من أبواب موانع الإرث.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب موانع الإرث حديث : ٢.

٤٠