مستمسك العروة الوثقى - ج ١٠

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٠

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣٨٦

من أصل التركة ، أو من الثلث؟ قولان ، فذهب جماعة إلى القول بأنه من الأصل [١] ، لأن الحج واجب مالي ، وإجماعهم قائم على أن الواجبات المالية تخرج من الأصل. وربما يورد عليه بمنع كونه واجباً مالياً ، وإنما هو أفعال مخصوصة بدنية وإن كان قد يحتاج الى بذل المال في مقدماته ، كما أن الصلاة أيضاً قد تحتاج إلى بذل المال في تحصيل الماء والساتر والمكان ونحو ذلك [٢]. وفيه : أن الحج في الغالب محتاج الى بذل المال [٣] ، بخلاف الصلاة وسائر العبادات البدنية ، فإن كان هناك إجماع أو غيره على أن الواجبات المالية من الأصل يشمل الحج قطعاً. وأجاب صاحب الجواهر ـ رحمه‌الله ـ بأن المناط‌

______________________________________________________

الصلاة عليه في بعض الوجوه ، كما إذا احتاج الى شراء الماء ، أو استئجار المكان والساتر ، ونحو ذلك ، مع القطع بعدم وجوب قضائها من التركة. وذهب جمع من الأصحاب إلى وجوب قضاء الحج المنذور من الثلث. ومستنده غير واضح أيضاً .. ». وظاهره التوقف في أصل وجوب القضاء ، وتبعه على ذلك في كشف اللثام والذخيرة والمستند وغيرها. وسيأتي الإشكال فيه.

[١] حكى هذا القول في كشف اللثام عن السرائر ، وإطلاق المقنعة والخلاف ، واختاره في الشرائع.

[٢] تقدم هذا الإيراد في المدارك.

[٣] لكن ذلك لا يكفي في كونه واجباً مالياً ، لأن صرف الطبيعة ـ الذي هو موضوع الوجوب ـ ليس موقوفاً على المال ، فضلا عن أن يكون واجباً مالياً.

٣٢١

في الخروج من الأصل كون الواجب ديناً ، والحج كذلك ،

______________________________________________________

وتفصيل المقام : أن الواجبات التي تكون في الذمة تارة : لا تكون المالية ملحوظة فيها أصلا ، مثل الواجبات العبادية الأصلية التي وجبت لمصالح اقتضت وجوبها ، كالصوم ، والصلاة ، والحج ، والجهاد ، ونحوها. وأخرى : تكون المالية ملحوظة فيها. وهذه على قسمين : الأول : ما يكون اشتغال الذمة فيه منتزعاً من غير التكليف ، ويكون ذلك الاشتغال موضوعاً لوجوب الأداء ، مثل وجوب أداء الدين ، ووجوب أداء نفقة الزوجة ، ووجوب أداء الزكاة إذا كان النصاب قد تلف مضموناً على المالك. فان وجوب الدفع وإن اشتغلت به الذمة لكنه منوط باشتغالها بالمال ، وذلك الاشتغال منتزع من أمر آخر غير وجوب الأداء. الثاني : ما يكون الاشتغال منتزعاً فيه من وجوب الأداء لا غير ، مثل وجوب أداء نفقة الأقارب.

أما الأول فلا ينبغي التأمل في أن مقتضى العمومات عدم وجوب إخراجها من الأصل ، لأن الذي تضمنته العمومات إخراج الدين ، والظاهر من الدين المال الذي تشتغل به الذمة للغير اشتغالا وضعياً ، وقد عرفت أن العبادات البدنية ليست مالا ولم تشتغل بها الذمة اشتغالا وضعياً ، فلا تكون ديناً. وقد تقدم من المدارك : القطع بعدم وجوب إخراجها من الأصل ، وفي الرياض : « لا خلاف في أنها تخرج من الثلث ، مرسلين له إرسال المسلمات .. ». وأما الثاني فلا ينبغي التأمل في وجوب إخراجه من الأصل لعموم الدين. وأما الثالث ففيه تأمل وإشكال ، ينشأ من عدم العموم المقتضي لإخراجه من الأصل. ومن الإجماع المدعى على أن الواجبات المالية تخرج من الأصل. لكن في جواز الاعتماد على دعوى الإجماع المذكورة تأمل ، بل منع.

هذا وقد يشكل الحال في جملة من الموارد من حيث أنها من القسم‌

٣٢٢

فليس تكليفاً صرفاً ـ كما في الصلاة والصوم ـ بل الأمر به جهة وضعية [١]. فوجوبه على نحو الدينية ، بخلاف سائر العبادات البدنية ، فلذا يخرج من الأصل ، كما يشير اليه بعض‌

______________________________________________________

الثاني أو الثالث ، مثل : وجوب الفدية على من أفطر لعذر ولم يتمكن من القضاء ـ كالمريض المستمر به المرض من رمضان الى رمضان الثاني ـ أو تمكن من القضاء وأهمله ، أو كان شيخاً أو شيخة ، أو ذا عطاش أو غيرهم. فان وجوب الفداء هل هو من باب وجوب أداء ما في الذمة فيكون من القسم الثاني أو وجوب ابتدائي فيكون من القسم الثالث؟ وكذا فداء المحرم إذا ارتكب بعض المحرمات في الإحرام ، فإنه يحتمل أن يكون المال في الذمة ويجب أداؤه ، ويحتمل أن لا يكون إلا وجوب الأداء لا غير. وإن كان الظاهر من الأدلة في أمثال ذلك أنه من القسم الثاني ، فيجب إخراجها من الأصل.

وأما الكفارة المحيرة على من أفطر في شهر رمضان عمداً ، وكفارة الجمع ، فالظاهر أنهما قسم برأسه ، فلا يدخل في واحد من الأقسام المذكورة. ولا دليل على إخراجهما من الأصل.

[١] لم يتضح الوجه في ذلك إلا من جهة ما عرفت : من أن دليل التشريع كانت العبارة فيه هكذا : ( لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ .. ) (١) ، وظاهرها أن اللام للملك ، فيكون الحج مملوكاً لله سبحانه على الناس ، فيكون حينئذ من قبيل القسم الثاني. هذا بالنسبة إلى حج الإسلام أما بالنسبة إلى الحج المنذور فأظهر ، لما عرفت مراراً ، من أن صيغة النذر مفادها جعل المنذور لله سبحانه وتمليكه إياه ، فيكون من قبيل القسم الثاني. هذا ولو كان المراد من عبارة الجواهر ذلك كان المتعين التعبير بغير تلك العبارة مما هو أخصر وأوضح.

__________________

(١) آل عمران : ٩٧.

٣٢٣

الأخبار الناطقة بأنه دين ، أو بمنزلة الدين [١]. قلت : التحقيق أن جميع الواجبات الإلهية ديون لله تعالى ، سواء كانت مالاً ، أو عملاً مالياً ، أو عملاً غير مالي. فالصلاة والصوم أيضا ديون لله ، ولهما جهة وضع ، فذمة المكلف مشغولة بهما [٢]. ولذا يجب قضاؤهما ، فإن القاضي يفرغ ذمة نفسه أو ذمة الميت. وليس القضاء من باب التوبة ، أو من باب الكفارة ، بل هو إتيان لما كانت الذمة مشغولة به. ولا فرق بين كون الاشتغال بالمال أو بالعمل ، بل مثل قوله : « لله علي أن أعطي زيداً درهماً » دين إلهي لا خلقي [٣].

______________________________________________________

[١] في صحيح ضريس : « إنما هو مثل دين عليه » (١) ‌، و‌في حسن معاوية : « إنه بمنزلة الدين الواجب » (٢) ‌، و‌في رواية الحارث بياع الأنماط : « إنما هي دين عليه » (٣). والأول يأتي ، والأخيران واردان فيمن أوصى أن يحج عنه.

[٢] قد عرفت أن الاشتغال تارة : ينتزع من التكليف ويكون مترتباً عليه ، وأخرى : منتزعاً من أمر آخر غير التكليف ويكون التكليف متفرعاً عليه. فالدين الذي يخرج من الأصل يختص بالقسم الثاني ولا يشمل القسم الأول ، فنفس الاشتغال ـ في الجملة ـ لا يقتضي الحكم بالدينية ولا الإخراج من الأصل.

[٣] هذا مما لا ينبغي الإشكال فيه ، وحينئذ يصدق الدين. وكان على المصنف هذا التقرير بالنسبة إلى قوله تعالى : ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب وجوب الحج حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب وجوب الحج حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب وجوب الحج حديث : ٢.

٣٢٤

فلا يكون الناذر مديوناً لزيد ، بل هو مديون لله بدفع الدرهم لزيد ، ولا فرق بينه وبين أن يقول : « لله علي أن أحج أو أن أصلي ركعتين » ، فالكل دين الله ، ودين الله أحق أن يقضى ، كما في بعض الأخبار. ولازم هذا كون الجميع من الأصل. نعم إذا كان الوجوب على وجه لا يقبل بقاء شغل الذمة به بعد فوته لا يجب قضاؤه ، لا بالنسبة إلى نفس من وجب عليه ، ولا بعد موته. سواء كان مالاً أو عملاً ، مثل : وجوب إعطاء الطعام لمن يموت من الجوع عام المجاعة فإنه لو لم يعطه حتى مات لا يجب عليه ولا على وارثه القضاء لأن الواجب إنما هو حفظ النفس المحترمة ، وهذا لا يقبل البقاء بعد فوته. وكما في نفقة الأرحام فإنه لو ترك الإنفاق عليهم ـ مع تمكنه ـ لا يصير ديناً عليه ، لأن الواجب سد الخلة ، وإذا فات لا يتدارك. فتحصل : أن مقتضى القاعدة في الحج النذري إذا تمكن وترك حتى مات وجوب قضائه من الأصل لأنه دين إلهي. إلا أن يقال : بانصراف الدين عن مثل هذه الواجبات. وهو محل منع ، بل دين الله أحق أن يقضى [١].

______________________________________________________

الْبَيْتِ .. ) (١) ، فإنهما من قبيل واحد.

[١] قد عرفت أن هذه الجملة مذكورة في رواية الخثعمية في بعض متونها ، وأن الظاهر منها : أن دين الله أحق وأولى أن يصح قضاؤه ، لا أنه أحق أن يجب قضاؤه (٢).

__________________

(١) آل عمران : ٩٧.

(٢) تقدم التعرض لها في الجزء : ٧ من هذا الشرح صفحة : ١١٧.

٣٢٥

وأما الجماعة القائلون بوجوب قضائه من الثلث [١] ، فاستدلوا بصحيحة ضريس وصحيحة ابن أبي يعفور الدالتين على أن من نذر الإحجاج ومات قبله يخرج من ثلثه [٢]. وإذا كان نذر الإحجاج كذلك ـ مع كونه مالياً قطعاً ـ فنذر الحج بنفسه أولى بعدم الخروج من الأصل. وفيه : أن الأصحاب لم‌

______________________________________________________

[١] وهم أبو علي ، والشيخ في النهاية والتهذيب والمبسوط ، وابنا سعيد في المعتبر والجامع ، على ما في كشف اللثام. وزاد في المستند حكايته عن الصدوق ، والمحقق في النافع.

[٢] قال ضريس : « سألت أبا جعفر (ع) عن رجل ـ عليه حجة الإسلام ـ نذر نذراً في شكر ليحج رجلاً إلى مكة ، فمات الذي نذر قبل أن يحج حجة الإسلام ، ومن قبل أن يفي بنذره الذي نذر. قال (ع) : إن ترك مالاً يحج عنه حجة الإسلام من جميع المال ، وأخرج من ثلثه ما يحج به رجلاً لنذره وقد وفي بالنذر. وإن لم يكن ترك مالاً إلا بقدر ما يحج به حجة الإسلام حج عنه بما ترك ، ويحج عنه وليه حجة النذر. إنما هو مثل دين عليه » (١). و‌قال ابن أبي يعفور : « قلت لأبي عبد الله (ع) : رجل نذر لله : إن عافى الله ابنه من وجعه ليحجنه إلى بيت الله الحرام ، فعافى الله الابن ومات الأب. فقال : الحجة على الأب يؤديها عنه بعض ولده. قلت : هي واجبة على ابنه الذي نذر فيه؟ فقال : هي واجبة على الأب من ثلثه. أو يتطوع ابنه فيحج عن أبيه » (٢). قال في كشف اللثام : « فإن إحجاج الغير ليس إلا بذل المال لحجة ، فهو دين مالي محض بلا شبهة ، فاذا لم يجب إلا من الثلث فحج نفسه أولى ».

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب وجوب الحج حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب وجوب الحج حديث : ٣.

٣٢٦

يعملوا بهذين الخبرين في موردهما [١] ، فكيف يعمل بهما في غيره؟ وأما الجواب عنهما بالحمل على صورة كون النذر في حال المرض [٢] ، بناء على خروج المنجزات من الثلث. فلا وجه له بعد كون الأقوى خروجها من الأصل. وربما يجاب عنهما بالحمل على صورة عدم إجراء الصيغة ، أو على صورة عدم التمكن من الوفاء حتى مات. وفيهما ما لا يخفى [٣]. خصوصاً الأول.

( مسألة ٩ ) : إذا نذر الحج مطلقاً أو مقيداً بسنة معينة ،

______________________________________________________

[١] قال في المستند : « قيل : لم يفت به أحد ـ يعني : الحكم المذكور في الصحيحين ـ في موردهما ، بل أخرجوه من الأصل ، لما دل على وجوب الحق المالي من الأصل. ونزلوا الصحيحين تارة : على وقوع النذر في مرض الموت ، وأخرى : على وقوعه التزاماً بغير صيغة ، وثالثة : على ما إذا قصد تنفيذ الحج المنذور بنفسه فلم يتفق بالموت. فلا يتعلق بما له حج واجب بالنذر ، ويكون الأمر بإخراج الحج المنذور وارداً على الاستحباب للوارث ، وكونه من الثلث رعاية لجانبه .. ».

[٢] حكاه في كشف اللثام عن المختلف.

[٣] لأن الموجب لارتكاب التأويلين المذكورين الحذر من مخالفة القواعد ، وهذا المحذور لازم لهما ، فان النذر بلا صيغة أو مع عدم التمكن من الوفاء باطل لا أثر له ، فلا وجه لإخراجه من الثلث. كما لا وجه لإخراجه من الأصل ، فالتوجيهات المذكورة فيها تخلص عن محذور ووقوع في محذور آخر. ولذلك حكي عن منتقى الجمان : حملهما على صورة عدم التمكن من الأداء وكون الحكم ندبياً. وهو وإن لم يلزم منه محذور ، لكن لا موجب‌

٣٢٧

ولم يتمكن من الإتيان به حتى مات لم يجب القضاء عنه [١] ، لعدم وجوب الأداء عليه حتى يجب القضاء عنه ، فيكشف ذلك عن عدم انعقاد نذره [٢].

______________________________________________________

له. فالأولى إرجاع تعيين المراد منهما إلى قائلهما (ع).

هذا وربما يعارض الصحيحتين حسن مسمع الآتي في المسألة الثالثة عشرة. لكن العمل به في مورده لا يخلو عن إشكال. وسيأتي التعرض لذلك. مضافاً إلى احتمال أن يكون نسبته إليهما نسبة المطلق الى المقيد ، فيتعين الجمع بينهما بالتقييد ، فيحمل الحسن على إرادة الثلث مما ترك أبوه. فلاحظ.

[١] بلا خلاف أجده فيه. للأصل السالم عن معارضة خطاب النذر ، الذي انكشف عدم تعلقه بعدم التمكن منه ، كذا في الجواهر.

[٢] يعني : عدم وجوب الأداء يكشف عن عدم الانعقاد. وكان المناسب التعليل : بأن عدم التمكن مانع من الانعقاد ، إذ من شرائط انعقاد النذر التمكن من المنذور ، كما عرفت. وأما عدم وجوب الأداء فأعم من عدم الانعقاد ، لجواز الانعقاد مع العذر في مخالفة وجوب الوفاء ، فإنه كما لا يسقط الدين أو الحق بطروء العجز عن الوفاء والأداء يمكن أن يثبت معه أيضاً ، ولا فرق بين الحدوث والبقاء.

ولأجل ذلك يتعين القول : بأن اشتراط التمكن من المنذور في انعقاد النذر شرعي لا عقلي ، والمرجع فيه دليله من حيث العموم والخصوص. كما أنه على تقدير العموم يقبل التخصيص. نعم إذا لم يكن للانعقاد أثر إلا وجوب الأداء فمع العجز عن الأداء لا يتحقق الانعقاد ، إذ لا أثر له حينئذ فإن الانعقاد من الاعتبارات العقلائية التي لا تصح إلا مع الأثر. وسيأتي القول بصحة النذر مع العجز عن المنذور في بعض الفروض.

٣٢٨

( مسألة ١٠ ) : إذا نذر الحج معلقاً على أمر كشفاء مريضة ، أو مجي‌ء مسافرة ـ فمات قبل حصول المعلق عليه ، هل يجب القضاء عنه أم لا؟ المسألة مبنية على أن التعليق من باب الشرط ، أو من قبيل الوجوب المعلق [١]. فعلى الأول لا يجب ، لعدم الوجوب عليه بعد فرض موته قبل حصول الشرط ، وإن كان متمكناً من حيث المال وسائر الشرائط. وعلى الثاني يمكن أن يقال بالوجوب لكشف حصول الشرط عن كونه واجباً عليه من الأول. إلا أن يكون نذره منصرفاً الى بقاء حياته حين حصول الشرط.

( مسألة ١١ ) : إذا نذر الحج ـ وهو متمكن منه ـ فاستقر عليه ، ثمَّ صار معضوباً لمرض أو نحوه ـ أو مصدوداً ـ بعدو أو نحوه ـ فالظاهر وجوب استنابته حال حياته ، لما‌

______________________________________________________

[١] يعني : مبنية على أن الشرط لوحظ شرطاً للمنذور نظير شرط الواجب ، أو شرطاً للنذر نظير شرط الوجوب. فعلى الأول لا يجب القضاء عنه ، لعدم تحقق الوجوب قبل الشرط. وعلى الثاني يجب لتحقق الوجوب. ويشكل بأن هذا الابتناء غير ظاهر ، إذ على الثاني لا وجه لوجوب القضاء ـ بناء على شرطية التمكن من المنذور في انعقاد النذر ـ فان المفروض فيه الموت المانع من التمكن ، فلا ينعقد النذر ، فلا وجوب. وعلى الأول يمكن القول بوجوب القضاء إذا لوحظ الشرط بنحو الشرط المتأخر ، لتحقق الحق فعلا ، فيستدعي الوجوب الفعلي. وأما تحقيق المبنى ، فالظاهر الذي لا ينبغي الإشكال فيه : أن الشرط لوحظ شرطاً للنذر لا للمنذور ، فيكون وجوب القضاء وعدمه تابعين لملاحظته بنحو الشرط المتأخر والمتقدم.

٣٢٩

مر من الأخبار سابقاً في وجوبها [١]. ودعوى : اختصاصها بحجة الإسلام ممنوعة كما مر سابقاً. وإذا مات وجب القضاء عنه. وإذا صار معضوباً أو مصدوداً قبل تمكنه واستقرار الحج عليه ، أو نذر وهو معضوب أو مصدود حال النذر مع فرض تمكنه من حيث المال ، ففي وجوب الاستنابة وعدمه حال حياته ووجوب القضاء عنه بعد موته قولان [٢] ، أقواهما‌

______________________________________________________

[١] قد تقدم الكلام في هذه الأخبار في المسألة الثانية والسبعين ، وتقدم من المصنف : التوقف في عموم الأخبار للمورد. فراجع. وعن المحقق : أن وجوب الاستنابة حسن ، وعن موضع من التذكرة : أنه قريب.

[٢] أحدهما : الوجوب ، نسب في الجواهر إلى الشيخ (ره) وأتباعه. قال في محكي المبسوط : « المعضوب إذا وجبت عليه حجة ـ بالنذر ، أو بإفساد ـ وجب عليه أن يحج عن نفسه رجلا ، فاذا فعل فقد أجزأه .. ». واحتمل في توجيهها : أن المراد صورة ما إذا طرأ العذر بعد التمكن ، وهو غير بعيد. وحينئذ لا يكون خلاف منه في المسألة.

ثمَّ إنه قد يوجه كلامه ـ بناء على حمله على صورة ما إذا كان النذر حال العذر المانع ، كما استظهره في الجواهر ـ : بفحوى ثبوتها في حجة الإسلام كذلك ، بتقريب : أن مشروعيته على الوجه المزبور ، فالنذر ملزم به على حسب ما هو مشروع. وفيه : أن المشروعية على الوجه المذكور مختصة بالواجب ، والوجوب في المقام ممنوع ، لفقد شرط الانعقاد بالعجز. ودليل مشروعية الاستنابة بالنسبة إلى حج الإسلام وإن كان ناظراً إلى إثبات الاستطاعة تعبداً ـ كما تقدم ـ لكن ثبوته بالنظر الى المقام غير ظاهر.

والانصاف أنه ـ بناء على عموم نصوص الاستنابة لمن لم يكن مستطيعاً‌

٣٣٠

العدم ، وإن قلنا بالوجوب بالنسبة الى حجة الإسلام. إلا أن يكون قصده من قوله : « لله علي أن أحج » الاستنابة [١].

( مسألة ١٢ ) : لو نذر أن يحج رجلاً في سنة معينة ، فخالف ـ مع تمكنه وجب عليه القضاء والكفارة [٢]. وإن مات قبل إتيانهما يقضيان من أصل التركة ، لأنهما واجبان ماليان بلا إشكال [٣]. والصحيحتان المشار إليهما سابقاً ـ الدالتان على الخروج من الثلث ـ معرض عنهما ـ كما قيل ـ أو محمولتان على بعض المحامل. وكذا إذا نذر الإحجاج من غير تقييد بسنة معينة مطلقاً ، أو معلقاً على شرط وقد حصل وتمكن منه وترك حتى مات ، فإنه يقضى عنه من أصل التركة.

______________________________________________________

قبل العذر ، وعلى عمومها للحج النذري ـ يكون التفكيك بين الاستطاعة ـ التي هي شرط وجوب الحج ـ والقدرة ـ التي هي شرط انعقاد النذر ـ من غير وجه. فلاحظ تلك النصوص ، وتأمل.

[١] فإن الوجوب حينئذ ثابت قولا واحداً ، كما في الجواهر. وهو ظاهر‌

[٢] تقدم الإشكال في وجوب القضاء ، وأنه يحتاج إلى أمر جديد ، وهو مفقود. فراجع ما سبق في المسألة الثامنة.

[٣] أما الأول فلما عرفت من أن المنذور من الحقوق المالية التي تخرج من الأصل. وأما الكفارة فاخراجها من الأصل غير ظاهر ، لما عرفت في المسألة الثامنة : من أن كفارة النذر ـ سواء قلنا بأنها كفارة يمين ، كما هو الظاهر ، أم كفارة إفطار شهر رمضان كما اختاره المصنف (ره) في كتاب الصوم ـ لم يثبت كونها حقاً مالياً لله تعالى أو لغيره ، فلا تدخل في الدين الذي يخرج من الأصل.

٣٣١

وأما لو نذر الإحجاج بأحد الوجوه ولم يتمكن منه حتى مات ، ففي وجوب قضائه وعدمه وجهان ، أوجههما ذلك. لأنه واجب مالي أوجبه على نفسه فصار ديناً ، غاية الأمر أنه ما لم يتمكن معذور. والفرق بينه وبين نذر الحج بنفسه : أنه لا يعد ديناً مع عدم التمكن منه واعتبار المباشرة ، بخلاف الإحجاج فإنه كنذر بذل المال ، كما إذا قال : « لله علي أن أعطي الفقراء مائة درهم » ومات قبل تمكنه. ودعوى : كشف عدم التمكن عن عدم الانعقاد ممنوعة [١]. ففرق بين إيجاب مال على نفسه ، أو إيجاب عمل مباشري وإن استلزم صرف المال ، فإنه لا يعد ديناً عليه ، بخلاف الأول [٢].

( مسألة ١٣ ) : لو نذر الإحجاج معلقاً على شرط ـ كمجي‌ء المسافر ، أو شفاء المريض ـ فمات قبل حصول الشرط ، مع فرض حصوله بعد ذلك وتمكنه منه قبله ، فالظاهر وجوب القضاء عنه. إلا أن يكون مراده التعليق على ذلك الشرط مع كونه حياً حينه. ويدل على ما ذكرنا خبر مسمع بن عبد الملك : فيمن كان له جارية حبلى ، فنذر إن هي ولدت غلاماً أن يحجه أو يحج عنه ، حيث‌ قال الصادق (ع) ـ بعد ما سئل عن هذا ـ : « إن رجلاً نذر في ابن له إن هو

______________________________________________________

[١] هذا خروج عن معقد الإجماع المدعى على اعتبار القدرة على المنذور في انعقاد النذر.

[٢] هذا التفصيل بلا فاصل.

٣٣٢

أدرك أن يحجه أو يحج عنه ، فمات الأب وأدرك الغلام بعد ، فأتى رسول الله (ص) فسأله عن ذلك ، فأمر رسول الله (ص) أن يحج عنه مما ترك أبوه » [١]. وقد عمل به جماعة [٢].

______________________________________________________

[١] قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : كانت لي جارية حبلى ، فنذرت لله عز وجل إن ولدت غلاماً أن أحجه أو أحج عنه. فقال : إن رجلاً نذر لله عز وجل في ابن له إن هو أدرك أن يحجه أو يحج عنه ، فمات الأب وأدرك الغلام بعد ، فأتى رسول الله (ص) ذلك الغلام فسأله عن ذلك ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يحج عنه مما ترك أبوه » (١).

[٢] المذكور في الشرائع وغيرها قولهم : « لو نذر إن رزق ولداً يحج به أو يحج عنه ، ثمَّ مات الوالد ، حج بالولد أو عنه من صلب ماله ». وجعل في الرياض : مفروض المسألة حصول الشرط المعلق عليه النذر في حال الحياة ، وحينئذ يكون الوجه فيها : القواعد الأولية. ولذا اعتبر ـ في محكي المسالك ـ التمكن من المنذور في حال الحياة ، ولا تكون الرواية معمولا بها عنه أحد منهم ، لأنها غير مضمون العبارة ، ولا تكون الرواية معمولا بها عند أحد منهم ، لأنها غير مضمون العبارة المذكورة. قال (ره) : « لاتفاق الفتوى على تصوير المسألة بنحو ما فرضناه ، ولذا استدل عليها بما أسلفناه أولا .. ». ومراده بما أسلفه من الاستدلال : ما ذكره أولا في شرح المسألة ، من أنه حق مالي تعلق بتركته ، فيجب قضاؤه منها. وأشكل عليه في الجواهر : بأن الشهيد في المسالك ذكر أن الأصل في هذا الحكم الحسن المذكور ، وكذلك سبطه في نهاية المرام ، فذلك يدل على أن مفروض المسألة في كلام الأصحاب ما هو مورد السؤال في الرواية ـ يعني : صورة ما إذا مات قبل حصول الشرط ـ وأن تعبير الأصحاب بمضمون الرواية كالصريح في ذلك. ولو كان مفروض المسألة كما ذكر من الموت‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب النذر حديث : ١.

٣٣٣

وعلى ما ذكرنا لا يكون مخالفاً للقاعدة [١] كما تخيله سيد الرياض‌

______________________________________________________

بعد التمكن لم يحتج إلى هذه المتعبة العظيمة ، إذ الحكم حينئذ يكون موافقاً للقواعد .. إلى آخر ما ذكره في تقريب أن مفروض المسألة هو مورد الرواية ، وأن الوجه فيه هو الرواية.

أقول : قد اشتملت الرواية على فرضين : الأول : ما إذا نذر إن ولد له ولد أن يحجه أو يحج عنه ، فولد له ثمَّ مات الوالد. والثاني : ما إذا نذر إن ولد له ولد وأدرك أن يحجه أو يحج عنه ، فمات الوالد قبل أن يدرك. والمفروض في كلام الأصحاب هو الأول. فلاحظ ما تقدم عن الشرائع. ومثله : ما في النافع والقواعد وغيرها. ولم يتعرض في كلام الأصحاب للفرض الثاني. ولأجل ذلك صح للمسالك وغيرها : قولهم : « الأصل في مفروض الفقهاء هو حسن مسمع ». وليس مرادهم مفروض المتن الموافق للفرض الثاني ، وإلا لعبروا به. ولما صح لهم الاستدلال عليه بالقاعدة ، فإن الشهيد في المسالك ـ مع أنه ذكر أن الأصل في المسألة رواية مسمع ـ قال بعد ذلك ـ في الاستدلال على وجوب القضاء من التركة ـ : « لأنه حق مالي تعلق بالتركة ، وهو مدلول الرواية ». ونحوه في كشف اللثام. وبالجملة : العبارة المذكورة في كلام الأصحاب آبية عن الحمل على ما ذكر في الجواهر ، ويتعين حملها على ما ذكره في الرياض ، الذي هو الفرض الأول في الرواية. فلاحظ. ومن ذلك يظهر : أن الرواية لم يظهر عمل أحد بها في الفرض المذكور في المتن ، الذي هو الفرض الثاني المذكور في الرواية ، كما سبق.

[١] لم يتضح ترتبه على ما ذكره ، فإنه لم يتقدم منه إلا مجرد الفتوى والاستدلال بالرواية ، وكلاهما لا يظهر منه أن مقتضى القاعدة لزوم القضاء وانعقاد النذر. بل قد تقدم منه في المسألة العاشرة : إما البطلان أو التفصيل‌

٣٣٤

وقرره عليه صاحب الجواهر ، وقال : إن الحكم فيه تعبدي على خلاف القاعدة.

( مسألة ١٤ ) : إذا كان مستطيعاً ونذر أن يحج حجة الإسلام انعقد على الأقوى [١] ،

______________________________________________________

ولا فرق بين المسألتين إلا في أن المنذور في السابقة الحج ، وفي هذه المسألة الإحجاج ، وهو غير فارق. وقد عرفت في تلك المسألة أنه يمكن التفصيل بين ملاحظة الشرط بنحو الشرط المتأخر وبين ملاحظته بنحو الشرط المتقدم ، وهو آت هنا أيضاً.

ويحتمل أن يكون مراده مما ذكرنا : ما ذكر في المسألة الثانية عشرة من صدق الدين في نذر الإحجاج بخلاف نذر الحج. لكن كان كلامه هناك فيما لو حصل الشرط في حياته ولم يتمكن من المنذور ، والكلام هنا فيما لو تمكن من المنذور ولم يحصل الشرط. والفرق بين المقامين ظاهر ، فإنه مع حصول الشرط يكون استحقاق المنذور فعلياً ، ولا مانع من انعقاده إلا عدم التمكن ، فيمكن منع مانعيته ، وفي المقام لم يحصل الشرط ، فلم يكن الاستحقاق فعلياً. هذا مضافاً الى أنه لم يظهر الوجه في اعتباره ـ في لزوم قضاء المنذور تمكنه منه قبل موته ، مع أن التمكن حينئذ لا دخل له في الانعقاد ، إذ التمكن المعتبر في انعقاد النذر التمكن من المنذور في حين فعله لا غير ، وهو ظاهر جداً. وبالجملة : فكلام المصنف (ره) في المقام لا يخلو من غموض وإشكال.

[١] وفاقاً لأكثر المتأخرين ، كما في الجواهر في كتاب النذر. خلافاً للمرتضى والشيخ وأبي الصلاح وابن إدريس ، فيمن نذر أن يصوم أول يوم من شهر رمضان. لأن صيامه مستحق بغير النذر. ولأن صيامه مستحق بالأصل ، ولا يمكن أن يقع فيه غيره. وفيه : أن الوجوب بالأصل لا ينافي‌

٣٣٥

______________________________________________________

الاستحقاق بالنذر ، وهو لا يقتضي وقوع غير رمضان في رمضان ، وإنما يقتضي ذلك لو نذر أن يصوم غير رمضان فيه ، لا ما لو نذر أن يصوم رمضان ، كما هو ظاهر. ويشهد بما ذكرنا : ما ورد من النصوص في صحة اليمين على الواجب ، كما ذكر في الجواهر. وبالجملة : النذر يقتضي ثبوت شي‌ء زائد على الوجوب ، وهو الحق الإلهي. وإذا لم نقل بذلك فلا أقل من اقتضائه تأكد الوجوب ، الموجب لزيادة الانبعاث. ولا سيما بملاحظة ما يترتب عليه من الكفارة.

هذا كله إذا كان مراد المانع ـ من قوله في الاستدلال : « لأن صيامه مستحق .. » ـ : أنه واجب ، أما لو كان مراده أنه مستحق بالحق الوضعي ـ بأن يكون صوم اليوم الأول من شهر رمضان مستحقاً لله تعالى ومملوكاً له ـ فهو وإن كان مانعاً من صحة النذر ، لأن النذر مفاده الاستحقاق ، فلا يقع على المستحق ، لأنه لا يقبل التكرر في اليوم الأول لاجتماع المثلين ولا التأكد ، فإنه لا يصح اعتبار ذلك له عند العقلاء. ومثله أكثر عناوين الإيقاعات ـ مثل : الزوجية ، والرقية ، والحرية ، وغيرها ـ فإنها جميعاً لا تقبل التأكيد والتأكد ، وليست هي من الماهيات التشكيكية ، والاستحقاق منها ، فنذر المستحق لله تعالى لا يوجب استحقاقاً له تعالى ، فيكون باطلا. لكن ثبوت الاستحقاق من أجل الوجوب ممنوع. ولو ثبت كان مانعاً من صحة النذر. ومن ذلك يشكل الأمر في نذر حج الإسلام ـ بناء على ما سبق من أن الظاهر من اللام في قوله تعالى : ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ .. ) (١) ‌هو الملكية ـ فإنه إذا كان حج الإسلام مملوكاً بالأصل لا يكون مملوكاً بالنذر أيضاً. وليت المانعين ذكروا ذلك في نذر حج الإسلام ، واستدلوا عليه بما ذكر ، فإنه يكون حينئذ في محله ومتين جداً ، لكنهم ذكروه في نذر صوم أول‌

__________________

(١) آل عمران : ٩٧.

٣٣٦

وكفاه حج واحد [١]. وإذا ترك حتى مات وجب القضاء عنه والكفارة من تركته [٢]. وإذا قيده بسنة معينة فأخر عنها وجب عليه الكفارة. وإذا نذره في حال عدم الاستطاعة انعقد أيضاً ، ووجب عليه تحصيل الاستطاعة مقدمة [٣]. إلا أن يكون مراده الحج بعد الاستطاعة [٤].

( مسألة ١٥ ) : لا يعتبر في الحج النذري الاستطاعة الشرعية ، بل يجب مع القدرة العقلية [٥].

______________________________________________________

يوم من شهر رمضان ـ على ما حكي عنهم ـ وقد عرفت الاشكال فيه. فلاحظ.

[١] اتفاقاً ، كما في كشف اللثام. ووجهه ظاهر ، إذ هو مقتضى الإطلاق.

[٢] أما القضاء فلما عرفت. وأما الكفارة فقد عرفت الإشكال في لزوم خروجها من الأصل ، ولا سيما بناء على أنها كفارة إفطار شهر رمضان.

[٣] حسبما يقتضيه إطلاق النذر. لكن في الروضة : « ولا يجب تحصيلها هنا على الأقوى ». ونحوه في المستند. وفي المدارك : « ولا يجب تحصيلها قطعاً ». وعلله : بأن المنذور ليس أمراً زائداً عن حج الإسلام ، إلا أن ينذر تحصيلها فيجب. وهو ظاهر كشف اللثام والجواهر ، حيث ذكر فيهما : أنه إذا لم يكن مستطيعاً استطاعة شرعية توقعها. وضعف ذلك يظهر مما ذكرنا.

[٤] يعني : الحج على تقدير الاستطاعة ، بأن تكون الاستطاعة شرطاً للنذر.

[٥] فإنه ظاهر النص والفتوى ، كما في الروضة وغيرها. وهو كذلك. وفي الدروس قال : « والظاهر أن استطاعة النذر شرعية لا عقلية ، فلو نذر الحج ثمَّ استطاع صرف ذلك إلى النذر. فان أهمل واستمرت الاستطاعة إلى القابل وجبت حجة الإسلام أيضاً .. ». ولا يخفى أن تفريع ما ذكره يصلح أن يكون قرينة على إرادة غير الظاهر من كلامه ، ولو كان مراده‌

٣٣٧

خلافاً للدروس ، ولا وجه له ، إذ حاله حال سائر الواجبات التي تكفيها القدرة عقلاً [١].

( مسألة ١٦ ) : إذا نذر حجاً غير حجة الإسلام في عامه وهو مستطيع لم ينعقد [٢]. إلا إذا نوى ذلك على تقدير زوالها فزالت. ويحتمل الصحة مع الإطلاق أيضاً إذا زالت ، حملاً لنذره على الصحة [٣].

( مسألة ١٧ ) : إذا نذر حجاً في حال عدم الاستطاعة الشرعية ثمَّ حصلت له ، فان كان موسعاً أو مقيداً بسنة متأخرة‌

______________________________________________________

ظاهر الكلام كان اللازم أن يقول : « فلو لم يملك زاداً ولا راحلة لم يجب الوفاء بالنذر ». ولذا احتمل في الجواهر : إرادة غير الظاهر من كلامه. وستأتي الإشارة إليه.

[١] لكن الفرق بينه وبينها : أن اعتبار القدرة فيها عقلي ، فلا تكون شرطاً في الملاك وإنما تكون شرطاً في فعلية الخطاب ، واعتبارها فيه شرعي ـ بمعنى : أنها شرط في الملاك ـ لما عرفت : من أن شرط انعقاد النذر القدرة على المنذور ، وبدونها لا ينعقد.

[٢] لانتفاء القدرة التي هي شرط الانعقاد. وفي المدارك علله : بأنه نذر ما لا يصح فعله. وهو مبني على عدم صحة غير حج الإسلام من المستطيع ، وقد تقدم.

[٣] قال في المدارك ـ فيمن كان مستطيعاً حال النذر وقد نذر حجاً غير حج الإسلام ـ : « فإن قيدها بسنة الاستطاعة ، وقصد الحج عن النذر مع بقاء الاستطاعة بطل النذر من أصله ، لأنه نذر مالا يصح فعله. وإن قصد الحج مع فقد الاستطاعة صح. ولو خلا عن القصد احتمل البطلان.

٣٣٨

قدم حجة الإسلام لفوريتها ، وإن كان مضيقاً ـ بأن قيده بسنة معينة وحصل فيها الاستطاعة ، أو قيده بالفورية ـ قدمه [١] وحينئذ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجبت ، وإلا فلا ، لأن المانع الشرعي كالعقلي. ويحتمل وجوب تقديم النذر ولو مع كونه موسعاً [٢] ، لأنه دين عليه ، بناء على أن الدين ـ ولو كان موسعاً ـ يمنع عن تحقق الاستطاعة. خصوصاً مع ظن عدم تمكنه من الوفاء بالنذر إن صرف استطاعته في حجة الإسلام.

( مسألة ١٨ ) : إذا كان نذره في حال عدم الاستطاعة فورياً ثمَّ استطاع وأهمل عن وفاء النذر في عامه ، وجب الإتيان به في العام القابل مقدماً على حجة الإسلام وإن بقيت الاستطاعة اليه ، لوجوبه عليه فوراً ففوراً ، فلا يجب عليه‌

______________________________________________________

لأنه نذر في عام الاستطاعة غير حج الإسلام ، والصحة حملا للنذر على الوجه المصحح ، وهو ما إذا فقدت الاستطاعة .. ».

ويشكل : بأن الحمل على الصحة إنما يكون مع الشك لا مع فرض الإبهام وانتفاء القصد ، لأن المبهم الجامع بين المشروع واللامشروع غير مشروع. نعم يمكن البناء على صحة النذر ، لأن زوال الاستطاعة يكشف عن صحته حال وقوعه ، ولا يكون نذراً في عام الاستطاعة غير حج الإسلام كي يكون باطلا.

[١] تقدم الكلام في ذلك مفصلا في المسألة الثانية والثلاثين من الفصل السابق.

[٢] هذا الاحتمال ذكره في الجواهر في توجيه كلام الشهيد ، المتقدم في اعتبار الاستطاعة الشرعية في الحج النذري.

٣٣٩

حجة الإسلام إلا بعد الفراغ عنه [١]. لكن عن الدروس أنه قال ـ بعد الحكم بأن استطاعة النذر شرعية لا عقلية ـ : « فلو نذر ثمَّ استطاع صرف ذلك الى النذر ، فان أهمل واستمرت الاستطاعة إلى العام القابل وجب حجة الإسلام أيضاً ـ ». ولا وجه له. نعم لو قيد نذره بسنة معينة ، وحصل فيها الاستطاعة فلم يف به وبقيت استطاعته إلى العام المتأخر أمكن أن يقال بوجوب حجة الإسلام أيضاً ، لأن حجه للنذري صار قضاء موسعاً [٢]. ففرق بين الإهمال مع الفورية والإهمال مع التوقيت ، بناء على تقديم حجة الإسلام مع كون النذر موسعاً [٣].

( مسألة ١٩ ) : إذا نذر الحج وأطلق من غير تقييد بحجة الإسلام ولا بغيره ، وكان مستطيعاً أو استطاع بعد ذلك فهل يتداخلان فيكفي حج واحد عنهما ، أو يجب التعدد ، أو يكفي نية الحج النذري عن حجة الإسلام دون العكس؟ أقوال [٤] ،

______________________________________________________

[١] هذا الاستدلال متين. وقد أشار إليه في الروضة مستشكلا به على ما في الدروس ، وتبعه عليه المصنف (ره).

[٢] والموسع لا يزاحم المضيق ، وهو حج الإسلام.

[٣] تقدم منه تضعيف هذا الاحتمال في المسألة السابعة عشرة.

[٤] مورد الكلام صورة ما إذا لم يكن المنذور مقيداً بعام الاستطاعة. ثمَّ إن القول بالتداخل محكي عن الشيخ والذخيرة والمدارك ، والقول بعدمه محكي عن الخلاف والسرائر والفاضلين والشهيدين وغيرهم ، بل نسب في‌

٣٤٠