مستمسك العروة الوثقى - ج ١٠

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٠

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣٨٦

انعقاد اليمين من المملوك إذن المولى ، وفي انعقاده من الزوجة إذن الزوج ، وفي انعقاده من الولد إذن الوالد. لقوله (ع) : « لا يمين لولد مع والده ، ولا للزوجة مع زوجها ، ولا للمملوك مع مولاه » [١] ، فلو حلف أحد هؤلاء بدون الاذن لم ينعقد. وظاهرهم اعتبار الاذن السابق ، فلا تكفي الإجازة بعده [٢]. مع أنه من الإيقاعات وادعى الاتفاق على عدم جريان الفضولية فيها [٣]. وإن كان يمكن دعوى : أن القدر المتيقن من الاتفاق ما إذا وقع الإيقاع على مال العير ـ مثل : الطلاق ، والعتق ، ونحوهما ـ لا مثل المقام مما كان في مال نفسه‌

______________________________________________________

[١] رواه منصور بن حازم ـ في الصحيح ـ عن أبي عبد الله (ع) قال : « قال رسول الله (ص) : لا يمين للولد مع والده ، ولا للمملوك مع مولاه ولا للمرأة مع زوجها. ولا نذر في معصية. ولا يمين في قطيعة (١). و‌رواه القداح عن أبي عبد الله (ع) قال : « لا يمين لولد مع والده ، ولا للمرأة مع زوجها ، ولا للمملوك مع سيده » (٢). و‌في خبر أنس في وصية النبي (ص) لعلي (ع) : « ولا يمين لولد مع والده ، ولا لامرأة مع زوجها ، ولا للعبد مع مولاه » (٣).

[٢] فان الظاهر من الاذن المذكور في كلامهم ذلك ، إذ اللاحق لا يسمى إذناً ، بل يسمى إجازة وإمضاء.

[٣] عن غاية المرام : الاتفاق. على بطلان إيقاع الفضولي ولو مع الإجازة.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب اليمين حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب اليمين حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب اليمين حديث : ٣‌

٣٠١

غاية الأمر اعتبار رضا الغير فيه [١]. ولا فرق فيه بين الرضا السابق واللاحق. خصوصاً إذا قلنا : إن الفضولي على القاعدة. وذهب جماعة إلى أنه لا يشترط الاذن في الانعقاد ، لكن للمذكورين حل يمين الجماعة إذا لم يكن مسبوقاً بنهي أو اذن [٢] ، بدعوى : أن المنساق من الخبر المذكور ونحوه : أنه ليس للجماعة المذكورة يمين مع معارضة المولى أو الأب أو الزوج [٣]. ولازمه : جواز حلهم له ، وعدم وجوب‌

______________________________________________________

[١] كما في عتق الراهن العين المرهونة ، فإن المعروف بينهم الصحة مع الإجازة. وما عن بعض : من القول بالبطلان يحتمل أن يكون من جهة بنائه على بطلان الفضولي حتى لو كان عقداً. أو لاختصاص كلامه بصورة عدم الإجازة. فتأمل. وكما في عتق المفلس عبده بدون إذن الديان ، فقد اختار جماعة صحته بإجازة الديان. بل الظاهر أن المقام لا حق فيه للغير ، بل مجرد الحكم باعتبار رضاه ، فلا يرتبط بباب الفضولي في العقد أو الإيقاع ، والمدار فيه على دليل اعتبار الرضا من حيث شموله للاحق وعدمه.

[٢] نسبه في الرياض إلى الأكثر ، وعن المسالك والمفاتيح : نسبته إلى المشهور.

[٣] هذه الدعوى ادعاها في الجواهر. وهي غير بعيدة ، إذ لو كان المراد أن وجود الوالد مانع ـ كما يقتضيه الجمود على ما تحت العبارة ـ كان قوله : « مع والده » زائداً. وكذا قوله : « مع زوجها » و « مع سيده » إذ الولد لا بد أن يكون له والد ، وكذا الزوجة والعبد لا بد أن يكون لهما زوج وسيد ، فذكر الوالد والزوج والسيد لا بد أن يكون بملاحظة المعارضة والممانعة. ولعله واضح.

٣٠٢

العمل به مع عدم رضاهم به. وعلى هذا فمع النهي السابق لا ينعقد ، ومع الاذن يلزم ، ومع عدمهما ينعقد ، ولهم حله. ولا يبعد قوة هذا القول. مع أن المقدر ـ كما يمكن أن يكون هو الوجود ـ يمكن أن يكون هو المنع والمعارضة ، أي : لا يمين مع منع المولى مثلا [١]. فمع عدم الظهور في الثاني لا أقل من الاجمال ، والقدر المتيقن هو عدم الصحة مع المعارضة والنهي ، بعد كون مقتضى العمومات الصحة واللزوم. ثمَّ إن جواز الحل ـ أو التوقف على الاذن ـ ليس في اليمين بما هو يمين مطلقاً ـ كما هو ظاهر كلماتهم ـ بل إنما هو فيما كان المتعلق منافياً لحق المولى أو الزوج ، وكان مما يجب فيه طاعة الوالد إذا أمر أو نهى. وأما ما لم يكن كذلك فلا [٢] ، كما إذا حلف المملوك أن يحج إذا أعتقه المولى أو حلفت الزوجة أن‌

______________________________________________________

[١] هذه الدعوى ـ أيضاً ـ ذكرها في الجواهر ، قال في الرد على الرياض : « وثانياً : أنه قد يقال : إن ظاهر قوله (ع) : « مع والده » ‌نفيها مع معارضة الوالد ، إذ تقدير وجوده ليس أولى من تقدير معارضته ، بل هذا أولى للشهرة والعمومات .. ». وفيه : ان الاسم الموضوع للماهية إما أن يراد به نفس الماهية التي هي موضوع الوجود والعدم ، أو نفس الوجود. فإن أريد به نفس الماهية في المقام تعين تقدير الوجود ، وإن أريد الماهية الموجودة لم يحتج الى تقدير ، بل هو ممتنع إذ لا وجود للوجود ، وعند الدوران يتعين الثاني بمقتضى الأصل. وحينئذ لا مقتضي لتقدير المعارضة ، والأصل عدمه. مع أن الشهرة لا تصلح لتعيين الظهور.

[٢] هذه الدعوى ذكرها في الجواهر ، وتبعه عليها المصنف (ره).

٣٠٣

تحج إذا مات زوجها أو طلقها ، أو حلفا أن يصليا صلاة الليل مع عدم كونها منافية لحق المولى أو حق الاستمتاع من الزوجة ، أو حلف الولد أن يقرأ كل يوم جزءاً من القران ، أو نحو ذلك مما لا يجب طاعتهم فيها للمذكورين ، فلا مانع من انعقاده. وهذا هو المنساق من الأخبار ، فلو حلف الولد أن يحج إذا استصحبه الوالد إلى مكة ـ مثلاً ـ لا مانع من انعقاده ، وهكذا بالنسبة إلى المملوك والزوجة. فالمراد من الاخبار : أنه ليس لهم أن يوجبوا على أنفسهم باليمين ما يكون منافياً لحق المذكورين. ولذا استثنى بعضهم الحلف على فعل‌

______________________________________________________

قال (ره) : « فالمراد حينئذ من نفي اليمين مع الوالد في الفعل الذي يتعلق بفعله إرادة الولد وتركه إرادة الوالد ، وليس المراد مجرد نهي الوالد عن اليمين .. ». فالمعارضة ـ التي تقدم أنها المنساقة من النصوص ـ المعارضة في فعل المنذور وتركه ـ بأن نذر الولد فعله ويريد الوالد تركه وبالعكس ـ لا في نفس إيقاع اليمين ، بأن يريد الولد الإيقاع ويريد الوالد ترك الإيقاع. وما ذكره (ره) ـ كما أنه مخالف لظاهر كلماتهم ـ مخالف لظاهر النصوص ، إذ المذكور في الحديث اليمين فهو مورد المعارضة. لا المحلوف عليه ، كي يحتمل أنه مورد المعارضة ويحمل الكلام عليه.

مع أنه على هذا لا يكون حكماً تأسيسياً ، فإن اليمين على تضييع حقوق الناس باطلة ، كما يستفاد مما‌ ورد : « لا يمين في المعصية » (١) ‌، فتكون هذه الروايات مؤكدة له. ولا تختص بالزوجة مع زوجها ، فإنه أيضاً لا يمين للزوج مع زوجته ـ بهذا المعنى الذي ذكره المصنف (ره) ـ

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب اليمين.

٣٠٤

الواجب أو ترك القبيح وحكم بالانعقاد فيهما [١] ، ولو كان المراد اليمين بما هو يمين لم يكن وجه لهذا الاستثناء [٢].

______________________________________________________

ولا يمين لكل أحد مع من له الحق ، كالراهن مع المرتهن ، والمفلس مع غريمه ، وغيرهم ممن لهم الحقوق. وحمل الروايات على هذا المعنى من أبعد البعيد ، كما هو ظاهر.

[١] قال في الشرائع : « ولا تنعقد من الولد مع والده إلا مع إذنه ، وكذا يمين المرأة والمملوك. إلا أن يكون اليمين في فعل واجب أو ترك قبيح ». ونحوه : ما في غيره. وفي الجواهر : جعل الاستثناء المذكور شاهداً لما ادعاه حسبما بينه المصنف (ره). وفي الرياض : « ويمكن أن يوجه كلام الجماعة بما لا ينافي ما ذكرناه ، بأن يراد من الإحلال : جواز الأمر بترك ما حلف على فعله أو فعل ما حلف على تركه ، ونفي جواز الإحلال بهذا المعنى لا ينافي عدم انعقاد اليمين أصلاً ». وما ذكره (ره) لا يخلو من إشكال ، لأن الحل بهذا المعنى ـ مع أنه خلاف الظاهر ـ لا يرفع الإشكال في العبارة التي كان الاستثناء فيها من جواز الحل ، لا فيما كان الاستثناء من عدم الانعقاد بدون الإذن ، إذ الاستثناء فيها يقتضي الانعقاد في المستثنى فيرجع الإشكال.

[٢] أقول : لا يتوجه الاستثناء على كلا القولين ، لأنه لو بني على ما ذكره في المتن لم يكن للاقتصار في الاستثناء على ما كان في فعل الواجب وترك الحرام وجه ، بل كان اللازم استثناء مطلق ما لم يكن فيه تفويت حق الغير وإن لم يكن على ترك حرام أو فعل واجب ـ كالأمور التي ذكرها في المتن ـ فان اليمين فيها أيضاً مستثنى من عدم الانعقاد بدون الاذن ، ولا وجه للاقتصار في الاستثناء على الموردين المذكورين. فالاستثناء يتوجه عليه الاشكال على كل من القولين ، فلا يصلح قرينة على أحدهما.

٣٠٥

هذا كله في اليمين ، وأما النذر فالمشهور بينهم أنه كاليمين في المملوك والزوجة ، وألحق بعضهم بهما الولد أيضاً [١]. وهو مشكل ، لعدم الدليل عليه ـ خصوصاً في للولد ـ إلا القياس على اليمين ، بدعوى : تنقيح المناط. وهو ممنوع. أو بدعوى : أن المراد من اليمين في الأخبار ما يشمل النذر ، لإطلاقه عليه في جملة من الأخبار ، منها : خبران في كلام الامام (ع) [٢]. ومنها : أخبار في كلام الراوي [٣]

______________________________________________________

[١] حكي ذلك عن الإرشاد والدروس ، بل حكاه في الرياض عن جملة من كتب العلامة. وعن السيد في شرح النافع : الاقتصار على المملوك واستظهر أيضاً من المسالك.

[٢] أحدهما : موثق سماعة : « إنما اليمين الواجبة ـ التي ينبغي لصاحبها أن يفي بها ـ ما جعل لله تعالى عليه في الشكر إن هو عافاه من مرضه ، أو عافاه من أمر يخافه ، أو رد عليه ماله ، أو رده من سفره ، أو رزقه رزقاً ، فقال : لله علي كذا وكذا شكراً ، فهذا الواجب على صاحبه .. » (١). وثانيهما : خبر السندي بن محمد عن أبي عبد الله (ع) قال : « قلت له : جعلت على نفسي مشياً إلى بيت الله. قال (ع) : كفر عن يمينك ، فإنما جعلت على نفسك يميناً ، وما جعلته لله فف به » (٢).

[٣] وفي الرياض : أنها مستفيضة ، وذكر فيه أربعة ، منها : رواية الحسن بن علي عن أبي الحسن (ع) ، المتقدمة في اعتبار رجحان المنذور‌ (٣). ومنها : رواية مسعدة بن صدقة قال : « سمعت أبا عبد الله (ع) ـ وسئل

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب النذر حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب النذر حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ١٧ من أبواب النذر حديث : ١١.

٣٠٦

وتقرير الامام (ع) له. وهو ـ أيضاً ـ كما ترى [١]. فالأقوى في الولد عدم الإلحاق [٢]. نعم في الزوجة والمملوك لا يبعد الإلحاق باليمين [٣] ، لخبر قرب الاسناد عن جعفر (ع)

______________________________________________________

عن رجل يحلف بالنذر ، ونيته في يمينه التي حلف عليها درهم أو أقل ـ قال (ع) : إذا لم يجعل لله فليس بشي‌ء » (١) ‌، وغيرهما.

[١] لأن الاستعمال أعم من الحقيقة. وما في الرياض : من أن الاستعمال على وجه المجاز والاستعارة يدل على المشاركة في الأحكام الشرعية ومنها : انتفاؤها عند عدم إذن الثلاثة. فيه : أنه لا إطلاق في الاستعمال يدل على المشاركة في جميع الأحكام. ومثله : ما ذكره من التأييد بالاستقراء والتتبع التام ، الكاشف عن اشتراك النذر واليمين في كثير من الاحكام. فان الاستقراء ناقص. والاشتراك في كثير من الأحكام لا يجدي ما لم يكن في جميعها. ومثله ما ذكره بقوله : « وبالجملة : بملاحظة جميع ما ذكرنا يظهر الظن المعتمد عليه بصحة ما ذهب إليه الأكثر .. ». فإن الظن ـ على تقدير حصوله مما ذكر ـ ليس بمعتمد ، ولا يدخل تحت أدلة الحجية ، لأنه لا يرجع إلى ظهور الكلام. فلاحظ.

[٢] كما في كشف اللثام ، ومال إليه في الجواهر ، وهو ظاهر الشرائع وغيرها مما اقتصر فيه على ذكر المملوك والزوجة. وفي الكشف : « وعن فخر الإسلام : أن أباه أفتى به بعد أن تصفح كتب الحديث فلم يظفر بما يدل على مساواته لليمين .. ». وبناء على ما تقدم من المصنف (ره) : من اختصاص محل الكلام بما كان منافياً لحق الوالد ، يكون التوقف على إذنه مقتضى القاعدة ، ولا يحتاج الى الاستدلال عليه بما ذكر ، ولا وجه لتقوية العدم.

[٣] قد عرفت أنه ـ بناء على ما سبق منه : من اختصاص النصوص‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب النذر حديث : ٤.

٣٠٧

عن أبيه (ع) : « ان علياً (ع) كان يقول : ليس على المملوك نذر إلا بإذن مولاه » [١] ، و‌صحيح ابن سنان عن الصادق عليه‌السلام [٢] : « ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق ، ولا صدقة ، ولا تدبير ، ولا هبة ، ولا نذر في مالها إلا بإذن

______________________________________________________

الواردة في اليمين بما يكون منافياً لحقوق الزوج والسيد ـ لا يحتاج إلى تكلف الاستدلال على الإلحاق بما ذكر ، لأن النصوص المذكورة واردة على حسب مقتضى القاعدة التي لا فرق فيها بين اليمين والنذر ، كما لا يخفى. نعم بناء على ما هو ظاهر الأصحاب : من عموم النصوص لما يكون منافياً لحق الزوج والسيد وغيره ، يحتاج حينئذ إلى الاستدلال على الإلحاق بما ذكر. بل في المملوك لا يحتاج إليه أيضا ، لأن ما دل على قصور سلطنته وولاية المالك عليه يقتضي عدم نفوذ نذره ، كغيره من التصرفات الإيقاعية ، كطلاقه ، ونكاحه ، وبيعه ، وغيرها. وقد استدل الامام (ع) (١) على عدم صحة طلاق العبد بغير إذن مولاه بقوله تعالى : ( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ .. ) (٢) ، وكذا في المقام. فلاحظ.

[١] رواه عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد ، عن الحسن بن ظريف ، عن الحسين بن علوان ، عن جعفر (ع) (٣).

[٢] رواه الصدوق والشيخ بأسانيد صحيحة » عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله (ع) (٤).

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب مقدمات الطلاق حديث : ٢.

(٢) النحل : ٧٥.

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب النذر حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ١ من أبواب النذر ملحق حديث : ١.

٣٠٨

زوجها. إلا في حج ، أو زكاة ، أو بر والديها ، أو صلة قرابتها » [١]. وضعف الأول [٢] منجبر بالشهرة [٣]. واشتمال الثاني على مالا نقول به لا يضر. ثمَّ هل الزوجة تشمل المنقطعة أولا؟ وجهان [٤]. وهل الولد يشمل ولد الولد‌

______________________________________________________

[١]. كذا في بعض طرق الحديث ، و‌في بعضها : « أو صلة رحمها » (١).

[٢] الضعف في سند الأول : من جهة الحسين بن علوان ، لأنه من المخالفين ، ولم يثبت توثيقه. أما الحسن بن ظريف فثقة.

[٣] لم يثبت اعتماد المشهور عليه في فتواهم ، بل الظاهر أنه كان اعتمادهم على عموم : « لا يمين للمملوك مع مولاه ». ولذا كان بناؤهم على ثبوت الحكم في الولد. نعم مضمون الخبر موافق لفتوى المشهور. لكن الموافقة لفتوى المشهور لا تجدي في جبر الضعف. هذا مضافاً إلى ما عرفت : من أن ما دل على قصور ولاية العبد كاف في بطلان نذره. فكيف يمكن دعوى اعتماد المشهور عليه؟!

[٤] في الرياض : « ينبغي القطع باختصاص الحكم فيها بالدائم دون المتعة » لعدم تبادرها منها عند الإطلاق. مضافاً إلى قوة احتمال كون صدقها عليها على سبيل المجاز دون الحقيقة ». وفيه : ما لا يخفى ، إذ لا ريب في كونها زوجة كالدائمة ، وإن فارقت الدائمة في بعض الاحكام. بل التحقيق : أن الزوجية المنقطعة عين الزوجية الدائمة ، والانقطاع جاء من قبل الشرط في ضمن العقد ـ كما اختاره في الجواهر ـ لا أنه داخل في مفهوم الزوجية الانقطاعية ، فيكون من قبيل الفصول المميزة بينها وبين الدائمية ، كما اختاره شيخنا الأعظم (ره). وقد أشرنا إلى ذلك في ( نهج الفقاهة ) في بعض مباحث المعاطاة. فراجع. كما أن دعوى الانصراف‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب النذر حديث : ١.

٣٠٩

أو لا؟ كذلك وجهان [١]. والأمة المزوجة عليها الاستئذان من الزوج والمولى ، بناء على اعتبار الاذن [٢]. وإذا أذن المولى للمملوك أن يحلف أو ينذر الحج لا يجب عليه إعطاء ما زاد عن نفقته الواجبة عليه من مصارف الحج [٣]. وهل عليه تخلية سبيله لتحصيلها أو لا؟ وجهان [٤]. ثمَّ على القول بأن لهم الحل ، هل يجوز مع حلف الجماعة التماس المذكورين‌

______________________________________________________

بنحو يعتد به في رفع اليد عن الإطلاق ممنوعة.

[١] وفي الرياض ذكر أن الأول لا يخلو من قرب ، ونسب إلى الدروس : الجزم به. ولكنه غير ظاهر ، والخروج عن عموم الأدلة المقتضية للصحة بدون الاذن لا مقتضي له.

[٢] لعموم الأدلة بناء عليها ، كما سبق.

[٣] إذ لا مقتضي لذلك. ولو شك فالأصل البراءة.

[٤] أوجههما الأول ، لأن الإذن في الشي‌ء إذن في لوازمه ، وبعد الاذن يسقط حقه في المنع. وعليه يجوز له أن يؤجر نفسه بأجرة ثمَّ يصرفها في سبيل الحج. فان قلت : الأجرة ملك للمولى كسائر أمواله ، فكيف يجوز له التصرف فيها ولا يجوز له التصرف في سائر أموال المولى؟!. وحينئذ يتعين صرف نفس المنفعة في الحج ، فإن أمكنه الحج فهو ، وإلا بطل النذر بتعذر المنذور. قلت : لا فرق بين المنفعة والعين في أنهما ملك للمولى ، وأنه لا يجوز التصرف فيهما بغير إذن ويجوز مع الاذن ، فاذا كان الاذن في الحج إذناً من المولى في التصرف في ماله وجب عليه ذلك ، وليس للمولى منعه عنه.

والتحقيق : أن الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين. الأول : في أن إذن المولى في النذر إذن في صرف ماله في سبيل المنذور. ولا ريب‌

٣١٠

في حل حلفهم أم لا؟ وجهان [١].

______________________________________________________

في أن قاعدة : أن الاذن في الشي‌ء إذن في لوازمه قاعدة ظاهرية يبنى عليها ما لم تقم حجة على خلافها ، فإذا أذن مالك الدار في الصلاة في داره ، وكان يترتب على الصلاة بعض التصرفات فقد أذن في ذلك ، ومرجعها إلى الأخذ بإطلاق الإذن ما لم تقم قرينة أو ما يصلح للقرينية على خلافها. وعليه إذا شك في إذن المولى في سعي العبد وتحصيله المال المحتاج إليه في الحج يجوز له السعي اعتماداً على الاذن الظاهرية المستفادة من الاذن في الحج. بل لو فرض أن العبد عاجز عن تحصيل المال ، وأذن له المالك في النذر فقد أذن له في أخذ مال المولى الذي في يده وصرفه في الحج.

الثاني : في أنه لو أذن المولى في نذر الحج وفي أخذ المال الذي في يده إذناً صريحاً ، أو أذن له في التكسب وصرف الربح في الحج المنذور ، فهل له العدول عن الاذن فيكون المنذور متعذراً ويبطل النذر ، أو ليس له العدول؟ وقد عرفت فيما سبق : أنه لا مانع من العدول ، وحينئذ لا مانع من منع المولى عبده عن التكسب وصرف الربح في الحج حتى لو كان قد أذن له في ذلك. وعليه يتعذر على العبد العمل بالنذر فيبطل. نعم لو أجر نفسه للخدمة في مقابل أن يحج به المستأجر فقد صحت الإجارة ، لأنها بإذن المولى ، فلا مجال للعدول عن الاذن بعد وقوع الإجارة عن الاذن ، فينحصر العمل بالنذر في هذه الصورة لا غيرها. نعم قبل وقوع الإجارة المذكورة لا مانع من عدول المولى عن الاذن ، فيمنعه عن إيقاع الإجارة المذكورة. بل في الصورة السابقة لما كان الإحجاج عوضاً عن الخدمة ـ التي هي ملك المولى ـ كان ملكاً للمولى ، فيمكنه إسقاطه عن المستأجر ومنع العبد عن التصرف فيه.

[١] أوجههما الأول ، لأصالة البراءة من الحرمة.

٣١١

( مسألة ٢ ) : إذا كان الوالد كافراً ففي شمول الحكم له وجهان ، أوجههما العدم. للانصراف ، ونفي السبيل [١].

( مسألة ٣ ) : هل المملوك المبعض حكمه حكم القن أو لا؟ وجهان ، لا يبعد الشمول [٢]. ويحتمل عدم توقف حلفه على الاذن في نوبته في صورة المهاياة [٣]. خصوصاً إذا كان وقوع المتعلق في نوبته.

______________________________________________________

[١] لأن المنصرف من الدليل : أن ذلك تكريم للأب ، والكافر لا يستحق ذلك. وأما آية نفي السبيل فظاهرة ـ بمناسبة ما قبلها من قوله تعالى : ( فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ .. ) ـ (١) في أنها في أمور الآخرة ، فلا تكون مما نحن فيه.

[٢] لإطلاق أدلة نفي سلطنة العبد. وإن كان لا يخلو من إشكال ، لاحتمال انصرافه الى غير المبعض ، بل هو قريب ، والمرجع فيه عموم قاعدة السلطنة. لكن الظاهر أنه لا إشكال عندهم في نفي السلطنة المطلقة عنه.

[٣] هذا الاحتمال موافق لقاعدة السلطنة التي قد عرفت أنها المرجع عند الشك. لكن يشكل : بأن المهاياة تقتضي اختصاص المنافع التي تكون في نوبة المالك بالمالك ، فقاعدة سلطنة المالك عليها تقتضي المنع من التصرف فيها بغير إذنه ، وهي غير سلطنته على العبد المنتفية في نوبته. ( وبالجملة ) : عدم صحة النذر تارة : لعدم سلطنة العبد على تصرفه من حيث قيامه به ، وأخرى : من حيث تعلق التصرف بمال غيره. فاذا نذر في نوبته ما يتعلق بنوبة المولى ، فمن حيث كونه نذراً صادراً من العبد في نوبته يكون تحت سلطانه ، ومن حيث كونه متعلقاً بما في نوبة المولى لا يكون تحت سلطانه ، فلا ينفذ. نعم إذا كان النذر في نوبة العبد ومتعلقاً بما في نوبته لم يكن مانع من‌

__________________

(١) النساء : ١٤١‌

٣١٢

( مسألة ٤ ) : الظاهر عدم الفرق في الولد بين الذكر والأنثى [١] ، وكذا في المملوك والمالك [٢]. لكن لا تلحق الأم بالأب [٣].

______________________________________________________

نفوذه ، إذ لا سلطان لغيره عليه ، لا في نذره ولا في متعلق نذره. نعم يتوقف ذلك على دليل يدل على استقلاله في نوبته وبما في نوبته ، فان ثمَّ كان نذره نافذاً.

[١] لعموم الولد للجميع. قال الله تعالى : ( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ .. ) (١).

[٢] الظاهر أنه لا إشكال فيه ، ولم يتعرض في كلام أحد للخلاف فيه كما تعرضوا للخلاف في عموم الحكم للأم. وكأنه لعموم المملوك والمالك للذكر والأنثى ، لأن المالكية والمملوكية قائمة بالنفس ، وهي لا تقبل الذكورة والأنوثة. أو لأن المناط الملكية وهي مشتركة. وكلا الوجهين لا يخلو من إشكال ، ضرورة صحة قولنا : « زيد مالك ، وزينب مالكة » ، ولا يقال : « زينب مالك ». وكذا الكلام في المملوك والمملوكة. وأما دعوى اشتراك المناط فغير معلومة. مع أنه لا فرق بينها وبين الوالد والوالدة. فالعمدة ـ إذاً ـ ظهور التسالم على الحكم. مع أنه سبق في النذر : أن الحكم في المملوك على القاعدة لقصور سلطنته ، ولا يفرق فيه بين الذكر والأنثى.

[٣] كما نص على ذلك في الرياض ، لاختصاص النص والفتوى بالوالد ، وهو غير شامل للأم. نعم بناء على ما تقدم من المصنف (ره) ـ تبعاً للجواهر ـ من اختصاص النصوص بما كان منافياً لحق المولى والزوج ، وكان مما تجب فيه إطاعة الوالدين يتعين الإلحاق. لأن النصوص حينئذ تكون واردة على مقتضى القاعدة. فكأن كلام المصنف (ره) مبني على‌

__________________

(١) النساء : ١١.

٣١٣

( مسألة ٥ ) : إذا نذر أو حلف المملوك بإذن المالك ، ثمَّ انتقل إلى غيره بالإرث أو البيع أو نحوه ـ بقي على لزوم [١].

( مسألة ٦ ) : لو نذرت المرأة أو حلفت حال عدم الزوجية ثمَّ تزوجت ، وجب عليها العمل به [٢] وإن كان منافياً للاستمتاع بها ، وليس للزوج منعها من ذلك الفعل ،

______________________________________________________

ما هو ظاهر كلمات الأصحاب. فلاحظ.

[١] الكلام فيه تارة : فيما يكون منافياً لحق المولى ، وأخرى : في غيره. أما الثاني فالحكم فيه ظاهر ، لأنه مقتضى الاستصحاب. أو مقتضى العموم الأزماني الثابت لدليل اللزوم. وإطلاق ما دل على اعتبار إذن السيد مختص بالسيد حال النذر ، فلا يشمل السيد بعده كي يقتضي اعتبار إذنه. وأما الأول فقد يشكل من جهة : أن السيد الوارث أو المشتري تثبت له الاحكام كما تثبت للموروث والبائع ، فإذا نهى العبد عن العمل بالنذر لمنافاته لحقه وجب على العبد إطاعته ، فيبطل النذر لأنه نذر للمعصية.

ويعارض ذلك : أن وجوب اطاعة المولى يختص بغير الواجب ، فاذا صح النذر وجب المنذور ولم تجز اطاعة المولى في تركه. وقد تقدم نظير ذلك في الفصل السابق في المسألة الثانية والثلاثين ، وتقرر هناك : أنه إذا تعارض تكليفان ، بحيث إذا ثبت أحدهما رفع موضوع الآخر ، كان العمل على السابق منهما زماناً دون اللاحق.

[٢] الصورتان المتقدمتان في المسألة الخامسة أيضاً آتيتان في هذه المسألة ، فتارة : تنذر مالا ينافي حق الزوج ، وأخرى : تنذر ما ينافيه. ففي الأولى يجب عليها العمل بالنذر ، لإطلاق دليل وجوب العمل بالنذر ، أو استصحابه. والزوج الثاني لا يشمله‌ قوله (ع) : « لا يمين للمرأة مع

٣١٤

كالحج ونحوه بل وكذا لو نذرت أنها لو تزوجت بزيد ـ مثلاً ـ صامت كل خميس ، وكان المفروض أن زيداً أيضاً حلف أن يواقعها كل خميس إذا تزوجها ، فان حلفها أو نذرها مقدم على حلفه وإن كان متأخراً في الإيقاع لأن حلفه لا يؤثر شيئاً في تكليفها [١]. بخلاف نذرها ، فإنه يوجب الصوم عليها ، لأنه متعلق بعمل نفسها ، فوجوبه عليها يمنع من العمل بحلف الرجل.

______________________________________________________

زوجها » (١) ‌، لاختصاصها بالزوج حال النذر ، ولا يشمل الثاني. وأما الثانية فقد يشكل فيها الأخذ بالنذر بدعوى : مرجوحية متعلقه حين وقوعه ، فيبطل. وقد عرفت جوابه ، فان المسألتين من باب واحد.

[١] من المعلوم أن حلف الزوج موجب لتوجه الخطاب اليه بوجوب العمل ، لا أنه يوجب توجه الخطاب إليها ، ففرضه لا يوجب اختلاف حكم هذه المسألة عن سابقتها. وحينئذ يرجع إلى حكم المسألة السابقة ، فيقال : يتعارض فيها خطاب وجوب العمل بالنذر وخطاب وجوب إطاعة الزوج ، ولما كان الأول سابقاً زماناً كان دليله مقدماً في الحجية على الثاني ، لأنه رافع لموضوع الثاني ، وإذا ارتفع وجوب إطاعة الزوج عنها فكانت لا تجب عليها إطاعته ، كان نذر الزوج باطلا ، لتعلقه بغير المشروع.

وبالجملة : نذر الزوج ونذر الزوجة إن صحا اقتضيا خطابين متوجهين إلى شخصين لا إلى شخص واحد ، ولما لم يكونا متوجهين الى شخص واحد لا مجال لتوهم المعارضة بين دليليهما ، كي يهتم في تعيين المقدم منهما على الآخر ، فيدعى أن دليل المتقدم زماناً مقدم على دليل المتأخر. والخطابان‌

__________________

(١) لاحظ الوسائل باب : ١٠ من أبواب اليمين حديث : ١ ، ٢ ، ٣.

٣١٥

______________________________________________________

المتعارضان في هذه المسألة أيضاً هما وجوب العمل بالنذر ، ووجوب إطاعة الزوج ، فيجري الكلام السابق فيهما ، وتكون النتيجة تقديم دليل الأول ـ لسبقه زماناً ـ على دليل الثاني ، فإذا سقط الثاني لم يكن لنذر الزوج مجال لأنه متعلق بغير المشروع. ومن ذلك يظهر أن المناسب في التعبير : أن يقال ـ بدل قوله : « فوجوبه عليها يمنع .. » ـ هكذا : « فوجوبه عليها يمنع الرجل أن يعمل بحلفه » ، لا أنه يمنع الزوجة من العمل بحلف الرجل ، لأن المفروض أن حلف الرجل لا يوجب تكليفاً للزوجة ، ولا عملا عليها. فلاحظ.

ثمَّ إنه قد يستشكل في صحة نذر الزوجة الصوم إذا تزوجت ، لأنها إذا تزوجت وجب عليها إطاعة الزوج ، وحينئذ يكون نذرها الصوم إذا تزوجت راجعاً إلى نذر تفويت حق الزوج. نظير ما إذا نذرت أنها إذا تزوجت منعت الزوج عن حقه ، فيكون باطلا لعدم مشروعية المنذور. ولأجله يشكل نذرها الصوم من دون تقييد بالتزويج ، فلا يجوز العمل به إذا تزوجت على كل حال. لأنها إذا نذرته مطلقاً جاء فيه الاشكال المذكور ، لأنه إذا فرض أنه لا يصح النذر المقيد لا يصح النذر المطلق. فاذا نذرت الصوم غير مقيد بتقدير الزوجية ، فان أخذ مطلقاً فهو ممتنع ، لأن امتناع المقيد يوجب امتناع المطلق الشامل له ، وإذا أخذ مهملا لم يشمل حال التزويج ، فلا يجب العمل به إذا تزوجت. وإن أخذ مقيداً بغير حال التزويج كان صحيحاً ، لكن لا يجب العمل به إذا تزوجت لفوات القيد المقيد به النذر.

بل من ذلك يظهر الإشكال في نذر زيارة الحسين (ع) يوم عرفة لمن استطاع بعد ذلك ، لأنه أيضاً إذا نذرها على تقدير الاستطاعة ـ بأن قال : « لله علي إذا استطعت أن أزور يوم عرفة » ـ كان نذراً لغير‌

٣١٦

( مسألة ٧ ) : إذا نذر الحج من مكان معين ـ كبلدة ، أو بلد آخر معين فحج من غير ذلك المكان لم تبرء ذمته ووجب عليه ثانياً. نعم لو عينه في سنة ، فحج في تلك السنة من غير ذلك المكان وجب عليه الكفارة ، لعدم إمكان التدارك ولو نذر أن يحج من غير تقييد بمكان ، ثمَّ نذر نذراً آخر أن يكون ذلك الحج من مكان كذا ، وخالف فحج من غير ذلك المكان ، برئ من النذر الأول ، ووجب عليه الكفارة لخلف للنذر الثاني. كما أنه لو نذر أن يحج حجة الإسلام من بلد كذا فخالف ، فإنه يجزيه عن حجة الإسلام ، ووجب عليه الكفارة لخلف النذر [١].

______________________________________________________

المشروع ، لأنه على تقدير الاستطاعة يجب عليه الحج ، فلا يجوز له تفويته بالزيارة ، فلا يصح نذرها ، وإذا لم يصح النذر مقيداً بتقدير الاستطاعة لم يصح النذر مطلقاً ، وإذا نذرها نذراً مهملا أو مقيداً بغير الاستطاعة لم يجب العمل به على تقدير الاستطاعة. وفيه : أن الجواب المتقدم أيضاً آت هنا ، فان النذر على تقدير الاستطاعة إنما يكون نذراً لغير المشروع إذا تقدم دليل وجوب الحج ، أما إذا سقط بارتفاع موضوعه بسبق النذر فلا يكون نذراً لغير المشروع. ومثله الكلام في نذر الزوجة. فلاحظ ، وتأمل.

[١] قد تقدم ـ في مواضع من هذا الشرح ـ الكلام في نظير المسألة وحاصله : أن وجود حج الإسلام إن أخذ شرطاً للنذر فمع سقوطه بالأداء لا مجال للكفارة إذ لا حنث ، وإن أخذ قيداً للمنذور وجب تحصيله. فيرجع قوله : « لله علي أن أحج حج الإسلام من بلد كذا » إلى قوله : « لله علي أن لا أحج إلا من بلد كذا » ، لأن وجوب المحافظة على حصول قيد‌

٣١٧

( مسألة ٨ ) : إذا نذر أن يحج ولم يقيده بزمان ، فالظاهر جواز التأخير إلى ظن الموت أو الفوت [١] ، فلا يجب عليه المبادرة ، إلا إذا كان هناك انصراف ، فلو مات قبل الإتيان به ـ في صورة جواز التأخير ـ لا يكون عاصياً. والقول‌

______________________________________________________

المنذور يقتضي المنع من حصوله ، لئلا يعجز عن أداء المنذور المؤدي الى تركه ، فاذا حج من غير البلد المعين حج الإسلام فقد فوت الموضوع وعجز نفسه عن أداء المنذور. وهذا التعجيز حرام عقلا ، فيكون تجرياً ، فلا يصح التعبد به ، فاذا بطل ـ لفوات التقرب ـ بقي النذر بحاله ، فيجب الإتيان بالمنذور بعد ذلك وحينئذ لا تجب الكفارة ، لأن الكفارة إنما تجب بترك المنذور ، لا بمجرد التجري في تركه وتفويته ، الحاصل بالاقدام على إفراغ الذمة عن حجة الإسلام. فراجع ما كتبناه في شرح مسألة : ما لو نذر أن يصلي جماعة. هذا كله مع العمد ، وأما مع السهو فلا ينبغي الإشكال في صحة الحج وعدم الكفارة.

[١] قال في المسالك : « لا خلاف في جواز تأخير المطلق ، إلا أن يظن الوفاة. سواء حصل مانع أم لا .. ». وقال في المدارك : « قد قطع الأصحاب : بأن من نذر الحج مطلقاً يجوز له تأخيره إلى أن يتضيق الوقت بظن الوفاة. ووجهه واضح ، إذ ليس في الأدلة النقلية ما يدل على اعتبار الفورية. والأمر المطلق إنما يدل على طلب الماهية من غير إشعار بفور ولا تراخ ، كما بيناه مراراً .. ». وفي كشف اللثام : عن التذكرة : أن عدم الفورية أقوى. فاحتمال الفورية إما لانصراف المطلق إليها ، كما قيل في الأوامر المطلقة. أو لأنا إن لم نقل بها لم يتحقق الوجوب لجواز الترك ما دام حياً. أو لضعف ظن الحياة هنا ، لأنه إذا لم يأت به في عام لم يمكنه الإتيان به إلا في عام آخر. ولإطلاق بعض الأخبار الناهية عن‌

٣١٨

بعصيانه ـ مع تمكنه في بعض تلك الأزمنة وإن جاز التأخير ـ لا وجه له [١]. وإذا قيده بسنة معينة لم يجز التأخير مع فرض. تمكنه في تلك السنة ، فلو أخر عصى [٢] ، وعليه القضاء والكفارة [٣] ، وإذا مات وجب قضاؤه عنه. كما أن في‌

______________________________________________________

تسويف الحج.

أقول : الوجوه المذكورة كلها ضعيفة. لمنع الانصراف. وجواز الترك ما دام حياً ـ لو سلم ـ فهو ظاهري لا ينافي الوجوب الواقعي. على أنه قد يحصل الظن بالفوات في الأثناء فلا يجوز الترك حينئذ. مع أن هذا الاشكال ـ لو تمَّ ـ اقتضى المنع من الموسع ـ موقتاً كان أم لا ـ لاطراد ما ذكر فيه. ومنع ضعف ظن الحياة هنا دائماً. وإطلاق بعض الأخبار منصرف إلى حج الإسلام ، ولا يشمل الحج النذري ، بل هو تابع للنذر من حيث الإطلاق والتقييد. فالعمدة في الاشكال : أن النذر إذا كان مستوجباً حقاً لله تعالى كان تأخير الحق بغير إذن ذي الحق حراماً. ولذلك ذكروا أن إطلاق البيع والإجارة ونحوهما يقتضي التعجيل.

[١] قال في الجواهر : « وقد يقال باستحقاقه العقاب بالترك تمام عمره ، مع التمكن منه في بعضه ، وإن جاز له التأخير إلى وقت آخر يظن التمكن منه. فان جواز ذلك له ـ بمعنى عدم العقاب عليه لو اتفق حصول التمكن له في الوقت الثاني ـ لا ينافي استحقاق عقابه لو لم يصادف بالترك في أول أزمنة التمكن .. ». وكأن هذا منه مبني على أن العقاب تابع للواقع لا للإقدام على المخالفة. وهو كما ترى.

[٢] لأن نذر المقيد يقتضي وجوب الإتيان بالمقيد ، فتركه عمداً عصيان حرام.

[٣] في الجواهر : « بلا خلاف أجده فيه ، بل هو مقطوع به في‌

٣١٩

صورة الإطلاق إذا مات ـ بعد تمكنه منه. قبل إتيانه ـ وجب القضاء عنه. والقول بعدم وجوبه [١] ، بدعوى : أن القضاء بفرض جديد ، ضعيف لما يأتي. وهل الواجب القضاء‌

______________________________________________________

كلام الأصحاب ، كما اعترف به في المدارك .. ». وأشكل عليه في المدارك : بأن القضاء يحتاج إلى أمر جديد ، وهو مفقود. وإشكاله في محله ، والأصل البراءة من وجوبه. ولا مجال للاستصحاب في المقام ونحوه ، مما كان للقضاء وقت معين ينفصل عن وقت الأداء. ووجوب إخراجه من الأصل أو من الثلث لو كان منذوراً نذراً مطلقاً ، لا يقتضي وجوب القضاء عليه في الموقت في حياته ، ولا إخراجه من تركته بعد وفاته ، لأن المقيد يتعذر الإتيان به فلا مجال لإخراجه إلا بدليل. وما يأتي من تقريب إخراج الحج من أصل المال إنما يجري في النذر المطلق لا المقيد ، لأنه يفوت بفوات وقته ، وما يؤتي به في غير وقته مباين له. فالعمدة ـ إذاً ـ في وجوب القضاء : هو الإجماع ، كما عرفت من المدارك والجواهر ، وهو ظاهر غيرهما. فان وجوب القضاء بعد الوقت مذكور في كلامهم ، ومرسل فيه إرسال المسلمات. وأما الكفارة فلمخالفة النذر.

[١] ذكر ذلك في المدارك قال : « أما وجوب قضائه من أصل التركة إذا مات بعد التمكن من الحج فمقطوع به في كلام أكثر الأصحاب. واستدلوا عليه بأنه واجب مالي ثابت في الذمة ، فيجب قضاؤه من أصل ماله كحج الإسلام. وهو استدلال ضعيف ، أما أولا : فلأن النذر إنما اقتضى وجوب الأداء ، والقضاء يحتاج إلى أمر جديد ـ كما في حج الإسلام ـ ، وبدونه يكون منفياً بالأصل السالم عن المعارض. وأما ثانياً : فلمنع كون الحج واجباً مالياً ، لأنه عبارة عن المناسك المخصوصة ، وليس بذل المال داخلا في ماهيته ولا من ضرورياته. وتوقفه عليه في بعض الصور كتوقف‌

٣٢٠