مستمسك العروة الوثقى - ج ١٠

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٠

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣٨٦

الحج فقط ـ كما فيمن وظيفته حج الافراد والقران ـ [١] ثمَّ زالت استطاعته ، فكما مر ، يجب عليه أيضاً بأي وجه تمكن. وإن مات يقضى عنه [٢].

______________________________________________________

والظاهر أن المراد من صحة البدن ما يقابل الإحصار ، ومن تخلية السرب ما يقابل الصد ، فلا يمكن فرض الحج مع انتفائهما. وأما ملك الزاد والراحلة فالمقدار المستفاد من الأدلة اعتباره بالخصوص في حج الإسلام هو ما يكون إلى آخر الأعمال لا غير ، وما زاد على ذلك ـ مما يحتاج في الإياب ، أو بعد الرجوع إلى أهله ـ فهو داخل في القسم الثاني. وعلى هذا فاذا زالت الاستطاعة المالية في الأثناء لم يجز عن حج الإسلام ، وإذا زالت بعد تمام الأعمال أجزأت. وأما بقية شرائط الاستطاعة فإذا زالت في الأثناء ، أو بعد تمام الاعمال أجزأه حجه عن حج الإسلام. بل مقتضى ما ذكرنا : أنه إذا لم تكن حاصلة له من أول الأمر فحج أجزأه عن حج الإسلام. وقد تعرض المصنف في المسألة الخامسة والستين وغيرها لما ذكره هنا. وتعرضنا لذلك تبعاً له. فراجع.

[١] المحقق في محله : أن كلاً من الحج والعمرة ـ في القران والافراد ـ واجب مستقل ، يجب ـ مع الاستطاعة إليه ـ وحده دون الآخر.

[٢] الظاهر أنه مما لا إشكال فيه. وقد أرسله في الجواهر إرسال المسلمات. قال ـ في شرح قول ماتنه : « إذا استقر الحج في ذمته .. » ـ : « والمراد به ما يعم النسكين وأحدهما. فقد تستقر العمرة وحدها ، وقد يستقر الحج وحده ، وقد يستقر ان .. ». لكن دلالة الأدلة على وجوب الأداء ولو متسكعاً ظاهرة ، فإنه مقتضى الإطلاق. أما وجوب القضاء عنه لو مات فدلالتها غير ظاهرة ، فينحصر الدليل بالإجماع.

٢٤١

( مسألة ٨٣ ) : تقضى حجة الإسلام [١] من أصل التركة إذا لم يوص بها [٢] ،

______________________________________________________

[١] بلا إشكال ولا خلاف. والنصوص الدالة عليه كثيرة جداً ، بل لعلها متواترة. منها : صحيح محمد بن مسلم قال : « سألت أبا جعفر (ع) عن رجل مات ولم يحج حجة الإسلام ، ولم يوص بها ، أتقضى عنه؟ قال (ع) : نعم » (١). ونحوه غيره. وسيأتي بعض ذلك.

[٢] عن المنتهى والتذكرة : أنه قول علمائنا أجمع. وفي المستند : « الظاهر أنه إجماعي .. ». وفي الجواهر : « بلا خلاف أجده فيه بيننا ، بل الإجماع بقسميه عليه .. ». ويدل عليه جملة من النصوص. منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « قال : تقضى عن الرجل حجة الإسلام من جميع ماله » (٢) ‌، و‌موثق سماعة : « سألت أبا جعفر (ع) عن الرجل يموت ، ولم يحج حجة الإسلام ، ولم يوص بها وهو موسر. فقال : يحج عنه من صلب ماله ، لا يجوز غير ذلك » (٣) ‌، و‌صحيح العجلي : « عن رجل استودعني مالاً فهلك ، وليس لولده شي‌ء ، ولم يحج حجة الإسلام. قال (ع) : حج عنه ، وما فضل فأعطهم » (٤). ونحوها غيرها. مضافاً إلى ما يستفاد من الجمود على ظاهر قوله تعالى : ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ .. ) (٥). فان ظاهر اللام الملك. فاذا كان الحج مملوكاً عليه يكون ديناً مالياً ، فيخرج من أصل المال كسائر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب وجوب الحج حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب وجوب الحج حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب وجوب الحج حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ١٣ من أبواب النيابة في الحج حديث : ١.

(٥) آل عمران : ٩٧.

٢٤٢

سواء كانت حج التمتع ، أو القران ، أو الافراد [١]. وكذا إذا كان عليه عمرتهما [٢]. وإن أوصى بها من غير تعيين كونها من الأصل أو الثلث فكذلك أيضاً [٣]. وأما إن أوصى‌

______________________________________________________

الديون ، كما لو آجر نفسه ليخيط ثوباً لا بنحو المباشرة فمات ، فإن الخياطة تخرج من أصل المال.

نعم‌ في صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل توفي ، وأوصى أن يحج عنه. قال (ع) : إن كان صرورة فمن جميع المال ، إنه بمنزلة الدين الواجب. وإن كان قد حج فمن ثلثه. ومن مات ولم يحج حجة الإسلام ، ولم يترك إلا قدر نفقة الحمولة ، وله ورثة ، فهم أحق بما ترك ، فان شاؤوا أكلوا ، وإن شاؤوا حجوا عنه » (١). فان صدره وإن كان صريحاً في إخراجه من الأصل إذا كان قد أوصى به ، لكن ذيله ظاهر في خلاف ذلك إذا لم يكن أوصى به ، فلا بد من طرحه ، أو تأويله.

[١] لإطلاق الأدلة.

[٢] لما سبق ، من أن المراد من الحج ـ في النص والفتوى ـ ما يشمل العمرة.

[٣] يشهد به‌ مصحح معاوية بن عمار قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل مات ، فأوصى أن يحج عنه. قال (ع) : إن كان صرورة فمن جميع المال ، وإن كان تطوعاً فمن ثلثه » (٢). ونحوه صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) (٣). وما في صحيح معاوية الآخر ، وقد تقدم‌ (٤).

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب وجوب الحج حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب وجوب الحج حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب وجوب الحج حديث : ٢.

(٤) تقدم ذلك قريباً في نفس المسألة.

٢٤٣

بإخراجها من الثلث وجب إخراجها منه ، وتقدم على الوصايا المستحبة وإن كانت متأخرة عنها في الذكر [١]. وإن لم يف‌

______________________________________________________

نعم يختص الحكم المذكور بما إذا أوصى بإخراج ثلثه وصرفه في مصلحته ، وانعقد لكلامه ظهور في ذلك. أما إذا أجمل كلام الموصي ، ولم يعلم أنه يريد إخراج الحج من الثلث أو من الأصل ، فاللازم إخراجه من الثلث ، للشك في وصيته بما يساوي ثلث الحج. مثلاً : إذا قال : « أخرجوا ثلثي ، واخرجوا عني حجة الإسلام ، وأعتقوا عني ، وتصدقوا عني » ، وشك في أن مراده الوصية بإخراج الحج من الثلث أو من الأصل ، فإن الشك المذكور يوجب الشك في الوصية بإخراج التفاوت. ومع الشك في الوصية به يبنى على عدمها ، فيجري حكم الوصية بإخراجه من الثلث. وأما النصوص المذكورة فالظاهر منها بيان أن الوظيفة الأولية الشرعية هو إخراج حجة الإسلام من الأصل وغيرها من الثلث وإن أوصى بها. وأن السؤال فيها كان عن ذلك لدفع توهم أن الوصية بالحج يلحقها حكم الوصية من الإخراج من الثلث. وليس فيها تعرض لصورة ما إذا عين الموصي الإخراج من الثلث أو الأصل ، بل المرجع ـ في صورة التعيين المذكور ـ القواعد العامة. ولو كان نظرها إلى صورة التعيين كان اللازم إخراج حج الإسلام من الأصل وإن عينه من الثلث.

[١] يعني : عند تزاحمها معها في الإخراج من الثلث ، بأن كان الثلث لا يسع جميعها. ووجه التقديم ظاهر ، لأنها لما كانت يجب إخراجها على كل حال وإن لم يسعها الثلث ، لم تصلح المستحبات لمزاحمتها التي لا يجب إخراجها إذا لم يسعها الثلث ، لأن النسبة بينهما من قبيل نسبة الواجب المطلق إلى المشروط ، يكون الأول رافعاً للثاني. والظاهر أن ذلك هو المراد مما‌ في صحيح معاوية بن عمار قال : « سألت أبا عبد الله (ع)

٢٤٤

______________________________________________________

عن امرأة أوصت بمال في الصدقة والحج والعتق. فقال (ع) : ابدأ بالحج فإنه مفروض ، فإن بقي شي‌ء فاجعله في العتق طائفة ، وفي الصدقة طائفة » (١) ‌، و‌خبره الآخر ، قال : « إن امرأة هلكت ، وأوصت بثلثها يتصدق به عنها ، ويحج عنها ، ويعتق عنها ، فلم يسع المال ذلك‌ .. ( إلى أن قال ) : فسألت أبا عبد الله (ع) عن ذلك. فقال : ابدأ بالحج فان الحج فريضة ، فما بقي فضعه في النوافل » (٢). فان الظاهر : أن المراد من كون الحج فريضة أنه يجب إخراجه مع قطع النظر عن الوصية وليس المراد : أنه كان يجب على الميت وإن لم يكن يجب إخراجه عنه لو لا الوصية ، فإن حمله على ذلك خلاف الأصل في التعليل ، المحمول على بيان العلة العرفية الارتكازية ، وخلاف ما دل على لزوم الأخذ بالسابق فالسابق في الوصايا المترتبة. بل خلاف الظاهر من فعلية الوصف. فلاحظ.

ومن ذلك يظهر عدم الفرق بين الوصايا المستحبة للحي والواجبة عليه التي لا يجب إخراجها من الأصل ، فيقدم حج الإسلام على الوصايا الواجبة أيضاً ـ عند المزاحمة في إخراجها من الثلث ـ إذا كان قد أوصى الميت بذلك ، لعين ما ذكر.

وقد يتوهم : أن الوجه في التقديم كونها واجبة على الميت في حياته ، والواجب مقدم على المستحب عند التزاحم. ولذلك لو أوصى بإخراج الواجب الذي لا يخرج من الأصل ، كالعبادات البدنية ـ بناء على ما هو التحقيق ـ والمستحب ، يتعين إخراج الواجب وإلغاء المستحب. وفيه : أن أهمية الواجب من المستحب إنما هي بالنظر إلى الأمر الشرعي المتعلق بالواجب والمستحب ، الموجه الى الميت حال حياته ، الذي هو ساقط ـ بعد وفاته ـ

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب وجوب الحج حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب وجوب الحج حديث : ٢.

٢٤٥

الثلث بها أخذت البقية من الأصل [١]. والأقوى أن حج النذر ـ أيضاً ـ كذلك ، بمعنى : أنه يخرج من الأصل [٢] ، كما سيأتي الإشارة إليه. ولو كان عليه دين أو خمس أو زكاة‌

______________________________________________________

عنه وعن غيره ، لا بالنظر إلى وجوب العمل بالوصية. فإن الوجوب المذكور بعد ما كان ثابتاً حتى في الوصايا المستحبة والمباحة والمكروهة ، كان مناطه موجوداً في الجميع على نحو واحد لا يترجح في بعض على آخر. فلا موجب لترجيح الوصية بالواجب على الوصية بالمستحب ، ولا لترجيح الوصية بالمستحب على الوصية بالواجب على الوصية بالمستحب ، ولا لترجيح الوصية بالمستحب على الوصية بالمباح ، ولا الوصية به على الوصية بالمكروه ، لاشتراك الجميع في وجود المناط. بل اللازم رجوع النقص على الجميع على النسبة إذا كانت غير مترتبة ، وإذا كانت مترتبة كان السابق رافعاً لموضوع اللاحق. فراجع مباحث الوصية ، وتأمل.

نعم إذا تزاحمت الوصايا غير المترتبة بنحو لا يمكن التوزيع ، لم يبعد ترجيح الواجب ، لاحتمال تعينه ، فيكون الفرض من موارد الدوران بين التعيين والتخيير ، كما سيأتي نظيره في آخر المسألة.

[١] لما عرفت : من أن دليل وجوب إخراج الحج من الأصل. رافع لوجوب العمل بالوصية. لأن وصيته بإخراجه من الثلث ـ في الفرض المذكور ـ منافية لوجوب إخراجه من الأصل ، فلا مجال للعمل بها ، لقوله تعالى ( فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) (١).

[٢] كما يقتضيه الأخذ بمضمون النذر ، فإنه تمليك لله سبحانه العمل المنذور ، فاذا كان مملوكاً كان ديناً ، فيجب إخراجه من الأصل كسائر الديون ، كما سيأتي التعرض لذلك من المصنف (ره) في المسألة الثامنة من الفصل الآتي.

__________________

(١) البقرة : ١٨٢.

٢٤٦

وقصرت التركة ، فإن كان المال المتعلق به الخمس أو الزكاة موجوداً قدم ، لتعلقهما بالعين ، فلا يجوز صرفه في غيرهما [١]. وإن كانا في الذمة فالأقوى أن التركة توزع على الجميع بالنسبة ، كما في غرماء المفلس [٢]. وقد يقال : بتقديم الحج على غيره وإن كان دين الناس [٣] ، لخبر معاوية بن عمار الدال على تقديمه على الزكاة. ونحوه خبر آخر. لكنهما موهونان باعراض‌

______________________________________________________

[١] أما التعلق بالعين فمما لا إشكال فيه عندنا ، وقد تقدم بيانه في كتاب الزكاة والخمس. وأما أنه مانع عن جواز الصرف في غيرهما فأوضح ، لأنه تضييع لحق الغير ، فهو خلاف قاعدة السلطنة على الحقوق.

[٢] كما في الشرائع وغيرها. وفي المدارك : أنه واضح ، بل هو المعروف بيننا. وتقتضيه : قاعدة بطلان الترجيح بلا مرجح.

[٣] حكى في الجواهر عن جواهر القاضي : احتمال تقدم الحج ، وعن آخر : احتمال تقدم الدين. وظاهر الوسائل والحدائق : اختيار الأول ، لمصحح معاوية بن عمار : « قلت له : رجل يموت وعليه خمسمائة درهم من الزكاة ، وعليه حجة الإسلام ، وترك ثلثمائة درهم ، وأوصى بحجة الإسلام ، وأن يقضى عنه دين الزكاة. قال (ع) : يحج عنه من أقرب المواضع ، ويجعل ما بقي في الزكاة » (١). ونحوه‌ خبره عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل مات وترك ثلثمائة درهم ، وعليه من الزكاة سبعمائة درهم ، وأوصى أن يحج عنه. قال (ع) : يحج عنه من أقرب المواضع ، ويجعل ما بقي في الزكاة » (٢). قال في الجواهر : « وفيه ـ بعد إعراض الأصحاب عنهما ، وقصور سند الثاني منهما ، واختصاصهما بالزكاة ـ : أنه يمكن كون‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب المستحقين الزكاة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب أحكام الوصايا حديث : ١.

٢٤٧

الأصحاب. مع أنهما في خصوص الزكاة. وربما يحتمل تقديم دين الناس لأهميته [١]. والأقوى ما ذكر من التحصيص [٢] وحينئذ فإن وفت حصة الحج به فهو [٣] ، وإلا فان لم تف إلا ببعض الأفعال [٤] ـ كالطواف فقط ،

______________________________________________________

ما ذكره فيهما مقتضى التوزيع أيضاً .. ». ولم يتعرض في المتن للإشكال بقصور السند ، لأنه يكفي في إثبات القول المذكور المصحح المعتبر السند. كما أنه لم يذكر الاشكال الأخير ، لأنه خلاف إطلاق الدليل. مع أنه مبني على لزوم الحج البلدي ، إذ لو كان الميقاتي مجزياً كان حصة الحج ـ بعد ورود النقص عليها ـ غير كافية فيه ، فلا وجه للأمر بإخراجه إلا لأجل عدم ورود النقص عليه ، بخلاف الزكاة.

[١] تقدم الكلام في هذه الأهمية في شرح المسألة السابعة عشرة. فراجع.

[٢] يعني : التوزيع. لما عرفت : من أنه مقتضى بطلان الترجيح بلا مرجح لأن الحج لما كان غير الدين وفي قبال الدين ، فإذا بني على تعلق الحج دون الدين ، أو الدين دون الحج كان ترجيحاً بلا مرجح.

فان قلت : إذا كانت الحصة الراجعة إلى الدين لا تفي به فلا بد من وفاء بعض الدين وبقاء بعضه ، فيلزم أيضاً الترجيح بلا مرجح. قلت : لا تعين لبعض الدين في مقابل البعض الآخر. نظير : ما لو نذر صوم يومين ، فإنه لا تعين لصوم أحد اليومين في مقابل صوم الآخر ، فلا يكون وفاء بعض الدين دون بعض ترجيحاً بلا مرجح.

[٣] هذا خلاف فرض المسألة ، من قصور التركة ، إذ حينئذ البناء على التحصيص إنما كان لقصور الحصة عن الوفاء.

[٤] قال في الجواهر : « ولو كان قد استقر عليه كل من النسكين ووسع النصيب خصوص أحدهما صرف فيه ، وإن وسع كلاً منهما تخير للتساوي في الاستقرار. ويحتمل تقديم الحج لكونه أهم في نظر الشارع.

٢٤٨

أو هو مع السعي ـ فالظاهر سقوطه [١] ، وصرف حصته في الدين أو الخمس أو الزكاة. ومع وجود الجميع توزع عليها [٢]. وإن وفت بالحج فقط أو العمرة فقط ، ففي مثل حج القران والافراد تصرف فيهما مخيراً بينهما ، والأحوط تقديم الحج [٣]. وفي حج التمتع الأقوى السقوط‌

______________________________________________________

وتقديمه ممن عليه الافراد والقران خاصة ، وتقديم العمرة ممن عليه التمتع خاصة ، والتخيير ممن عليه أحد الأنواع مخيراً. وقد يحتمل سقوطهما عمن عليه التمتع ، لدخول العمرة في حجه. وإن لم يف النصيب بشي‌ء من النسكين صرف في الدين ، لا فيما يفي به من الافعال من طواف ووقوف ، لعدم التعبد بشي‌ء منها وحدها عدا الطواف. واحتمال إثبات مشروعية ذلك بقاعدة الميسور ، وما يدرك ، قد بينا فساده في محله. على أن الظاهر قصر الاستدلال بها على ما يعضدها فيه كلام الأصحاب ، لقصور سندها ، وعدم ثبوت كونها قاعدة ، وكلام الأصحاب على الظاهر بخلافها هنا ، بل لعل ظاهره كون الطواف أيضاً كذلك ، لإطلاقهم رجوع النصيب ميراثاً بمجرد قصوره عن الحج أو العمرة .. ».

[١] لما عرفت في كلام الجواهر ، من عدم الدليل على مشروعية الأبعاض ، والأصل عدمها. وحينئذ لا يكون الحج مزاحماً لغيره ، فلا تكون له حصة في قبال غيره ، بل يكون المال كله لغيره.

[٢] لعدم المرجح لبعضها على الآخر.

[٣] لما تقدم في كلام الجواهر ، من احتمال تقديمه لأنه أهم ، ولا ينبغي الإشكال في أن احتمال الأهمية موجب للترجيح في نظر العقل. لكن يختص ذلك بالتكليف ، والكلام هنا في الوضع ، وهو تعلق حق الحج بالتركة. ونسبة هذا الحق إلى الحج والعمرة نسبة واحدة ، فإن إضافة الحقية كإضافة‌

٢٤٩

وصرفها في الدين وغيره. وربما يحتمل فيه أيضاً التخيير ، أو ترجيح الحج لأهميته [١] ، أو العمرة لتقدمها. لكن لا وجه لها بعد كونهما في التمتع عملاً واحداً [٢]. وقاعدة الميسور لا جابر لها في المقام.

( مسألة ٨٤ ) : لا يجوز للورثة التصرف في التركة قبل استئجار الحج إذا كان مصرفه مستغرقاً لها [٣].

______________________________________________________

الملكية لا تقبل الشدة والضعف ولا التأكد واللاتأكد. إلا أن يقال : الأهمية في التكليف لما كانت موجبة لاحتمال التعيين في أحد الأمرين كانت موجبة للترجيح عقلا.

[١] في حاشية بعض مشايخنا على المقام : « لا يبعد استفادته من الرواية الآتية التي أوردها في المسألة السادسة والثمانين ، فلا يترك الاحتياط » وفيه نظر ، فان ظاهر الرواية الآتية : أنه أوصى أن يحج الوصي بنفسه ، فالحج الموصى به بلدي بمباشرة الوصي ، والامام (ع) أمره بالحج الميقاتي عند عدم كفاية المال لذلك ، فالمراد من الحج من مكة الحج الميقاتي في قبال البلدي ، لا الحج الذي يكون إحرامه من مكة في مقابل العمرة التي يكون إحرامها من الميقات. فلاحظ.

[٢] كما تقتضيه النصوص. ولأجلها لا أثر لاحتمال مشروعية البعض ، بل يبنى على خلافه. وحينئذ يبطل حق الحج لأنه لا أثر له ، فلا تكون التركة موضوعاً له ، وتكون موضوعاً لغيره لا غير.

[٣] لا إشكال في انتقال التركة إلى الورثة إذا لم يكن دين ولا وصية ، بل هو من الضروريات. كما لا إشكال في انتقال ما زاد على الدين والوصية إلى الورثة. أما انتقال ما يساوي الدين والوصية إليهم ففيه خلاف ، نسب إلى كثير من كتب العلامة ، وإلى جامع المقاصد وغيرها : الأول ، ونسب‌

٢٥٠

______________________________________________________

إلى الحلي والمحقق وبعض كتب العلامة وغيرهم. الثاني ، وعن المسالك والمفاتيح : نسبته إلى الأكثر. وقد استدل لكل من القولين بوجوه لا تخلو من خدش وإشكال. ولكن الأظهر الأخير ، للنصوص المتضمنة للترتيب بين الدين والوصية والميراث ، ففي خبر محمد بن قيس : « قال أمير المؤمنين (ع) : إن الدين قبل الوصية ، ثمَّ الوصية على أثر الدين ، ثمَّ الميراث بعد الوصية ، فإن أول القضاء كتاب الله تعالى » (١). و‌خبر السكوني : « أول شي‌ء يبدأ به من المال الكفن ، ثمَّ الدين ، ثمَّ الوصية ، ثمَّ الميراث » (٢) ‌، و‌خبر عباد بن صهيب : « في رجل فرط في إخراج زكاته في حياته ، فلما حضرته الوفاة حسب جميع ما فرط فيه مما يلزمه من الزكاة ، ثمَّ أوصى به أن يخرج ذلك فيدفع إلى من يجب له. قال (ع) : جائز ، يخرج ذلك من جميع المال. إنما هو بمنزلة دين لو كان عليه ، ليس للورثة شي‌ء حتى يؤدوا ما أوصى به من الزكاة » (٣). ونحوها غيرها. فان ظاهر النصوص المذكورة الترتيب في التعلق ، فلا يتعلق الميراث بما يتعلق به الدين والوصية ، فمع الدين لا ميراث ، وكذا مع الوصية ، فيكون المال باقياً على ملك الميت موضوعاً لحق الديان ، إذ لا مانع عقلي ولا شرعي من ملك الميت.

ولا ينافي ذلك الإجماع على ملك الوارث للزائد على الوصية والدين ، لأن الظاهر من نصوص الترتيب ، أنه للترجيح والأهمية ، فيختص ذلك بما يكون مورد المزاحمة ـ وهو المقدار المساوي للدين والوصية ـ وما زاد عليه يكون داخلاً تحت عموم : ما ترك الميت فهو لوارثه. وعلى هذا القول فالوجه في عدم جواز تصرف الورثة ظاهر ، لأنه تصرف بملك الغير. أما‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب الوصايا حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب الوصايا حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب الوصايا حديث : ١.

٢٥١

بل مطلقاً على الأحوط [١]. إلا إذا كانت واسعة جداً فلهم التصرف في بعضها حينئذ ، مع البناء على إخراج الحج من بعضها الآخر كما في الدين ، فحاله حال الدين.

______________________________________________________

على القول الآخر ـ وهو الانتقال إلى الوارث ـ فالوجه فيه : أن حق الديان متعلق بالتركة المنتقلة إلى الوارث. بلا خلاف ولا إشكال ، بل في الجواهر : الإجماع بقسميه عليه ، فلا يجوز التصرف فيها بما يوجب ضياع الحق وانتفاءه بانتفاء موضوعه.

وهذا بالنسبة إلى التصرف بالإتلاف ونحوه ظاهر ، أما التصرف بالبيع ونحوه من التصرف الناقل فعدم جوازه يتوقف على كون حق الديان قائماً بالتركة بما أنها ملك الوارث ـ كما في حق الرهانة ـ فانتقالها بالسبب الناقل يوجب انتفاء موضوع الحق بانتفاء قيده. أما إذا كان قائماً بها مطلقاً ـ نظير حق الجناية القائم بالعبد الجاني وإن لم يكن في ملك مالكه حال الجناية ، كما هو المشهور ـ فلا مانع من التصرف فيها بالنقل ، لأنه لا ينافي موضوع الحق. وظاهر الأصحاب : أن التعلق على النحو الأول. ولكنه غير ظاهر من الأدلة العامة ، وإن كان يساعده ارتكاز العرف والمتشرعة. وربما يستفاد من الصحيح والموثق الآتيين. فتأمل.

[١] كما عن جامع الشرائع ، وميراث القواعد ، وحجر الإيضاح ورهنه وغيرها. فلم يفرق فيها بين المستغرق وغيره في المنع عن التصرف ، إذ لا أولوية لبعض من بعض في اختصاص التعلق به. ولأن الأداء لا يقطع بكونه بذلك البعض ، لجواز التلف ، ولما دل على تعليق الإرث بمطلق الدين. والجميع كما ترى. ولذا كان مختار جامع المقاصد وغيره : الجواز. ويشهد له‌ صحيح البزنطي بإسناده : « أنه سئل عن رجل يموت ويترك عيالاً وعليه دين ، أينفق عليهم من ماله؟ قال (ع) : إن استيقن أن الذي عليه يحيط

٢٥٢

______________________________________________________

بجميع المال فلا ينفق ، وإن لم يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال » (١). ونحوه موثق عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن (ع) (٢). ومنهما يستفاد عدم جواز التصرف فيما يساوي الدين. لكن الظاهر منهما التصرف المتلف ، فلا تعرض فيهما لغيره ، وإن كان لا يخلو من تأمل.

ومن ذلك يظهر لك الاشكال فيما ذكره المصنف (ره) ، من التوقف في الجواز إلا إذا كانت واسعة جداً ، إذ ليس في الصحيح وغيره إشارة إلى التفصيل بين الواسعة وغيرها ، فان بني على العمل بالنص كان اللازم الجزم بالجواز فيما زاد على الدين ، وإلا كان اللازم التوقف حتى في الواسعة.

وفي حاشية بعض الأعاظم : « لا يبعد جواز التصرف حتى في المستغرق أيضاً مع تعهد الأداء. لكن الأحوط أن يكون برضى الديان ». وفيه : أنه لا وجه لجواز التصرف بمجرد الضمان إذا لم يرض الديان ، إذ لا دليل على فراغ ذمة الميت بذلك ، فاللازم الرجوع إلى صحيح البزنطي‌ ونحوه لبقاء الدين بحاله. نعم إذا رضي الديان بالضمان فقد برئت ذمة الميت ، كما‌ في صحيح ابن سنان : « في الرجل يموت وعليه دين ، فيضمنه ضامن للغرماء. قال (ع) : إذا رضي الغرماء فقد برئت ذمة الميت » (٣). وإذا انتفى الدين لم يكن مانع من ملك الوارث ، ولا من جواز تصرفه به.

ثمَّ إن المنع من التصرف الناقل ـ بناء على انتقال التركة إلى الوارث ـ يختص بالتصرف الذي لا يكون مقدمة لوفاء الدين ، أما ما يكون مقدمة له فلا بأس به. فاذا باع الورثة التركة بقصد وفاء الدين من الثمن صح ذلك البيع ، لأن التصرف المذكور مما يقتضيه الدين فلا يمنع عنه. وكذا لو باع‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب الوصايا حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب الوصايا حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٩١ من أبواب الوصايا حديث : ١.

٢٥٣

( مسألة ٨٥ ) : إذا أقر بعض الورثة بوجوب الحج على المورث وأنكره الآخرون لم يجب عليه الا دفع ما يخص حصته بعد التوزيع [١] ، وإن لم يف ذلك بالحج لا يجب عليه تتميمه من حصته. كما إذا أقر بدين وأنكره غيره من الورثة فإنه لا يجب عليه دفع الأزيد. فمسألة الإقرار بالحج أو الدين مع إنكار الآخرين نظير مسألة الإقرار بالحج أو الدين مع إنكار الآخرين نظير مسألة الإقرار بالنسب ، حيث أنه إذا أقر أحد الأخوين بأخ آخر وأنكره الآخر لا يجب عليه إلا دفع الزائد عن حصته ، فيكفي دفع ثلث ما في يده ،

______________________________________________________

الراهن العين المرهونة بقصد وفاء الدين الذي عليه الرهن ، فإنه لا يمنع عنه الدين ، لأنه مما يقتضيه. فلاحظ.

[١] لأن الحج بمنزلة الدين ، وذلك التحصيص من أحكام الدين. أما الأول فلما تقدم من صحيح معاوية بن عمار في مسألة إخراج الحج من الأصل‌ (١). ويقتضيه ظهور اللام في قوله تعالى : ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ .. ) (٢) ‌على ما عرفت. وأما الثاني فهو المعروف ، وفي الجواهر : « بلا خلاف محقق معتد به أجده في شي‌ء من ذلك عندنا نصاً وفتوى .. ». ويشهد له : خبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل مات ، فأقر بعض ورثته لرجل بدين. قال (ع) : يلزمه ذلك في حصته » (٣). ودلالته على المدعي غير ظاهرة. وفي الوسائل : « حمله الشيخ على أنه يلزم بقدر ما يصيب حصته لما يأتي ». ويريد بما يأتي : خبر أبي البختري وهب ابن وهب ، عن جعفر بن محمد (ع) ، عن أبيه (ع) قال : « قضى علي (ع)

__________________

(١) تقدم في أوائل مسألة : ٨٣ من هذا الفصل.

(٢) آل عمران : ٩٧.

(٣) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الوصايا حديث : ٣.

٢٥٤

______________________________________________________

في رجل مات وترك ورثة ، فأقر أحد الورثة بدين على أبيه : أنه يلزمه ذلك في حصته بقدر ما ورث ، ولا يكون ذلك في ماله كله. وإن أقر اثنان من الورثة ، وكانا عدلين أجيز ذلك على الورثة ، وإن لم يكونا عدلين ألزما في حصتهما بقدر ما ورثا. وكذلك إن أقر بعض الورثة بأخ أو أخت ، إنما يلزمه في حصته » (١). لكن الخبر ضعيف السند. مع احتمال كون المراد أن الدين يلزم المقر في حصته من الميراث لا في تمام ماله الذي ملكه بغير ميراث. فالعمدة ـ إذاً ـ الإجماع على التحصيص في الدين على حسب نسبة الحصة. ولو لا ذلك لزم البناء على وجوب وفاء الدين بتمامه على المقر ولو بتمام حصته ، لأن حق الديان قائم بالتركة بتمامها لا على نحو الإشاعة ، بل على نحو قيام الكلي في المعين أو الكلي بالكل والبعض ، نظير حق الرهانة. ولذا لو كان بعض التركة مغصوباً في حال حياة الميت أو بعد وفاته ، أو تلف بعد وفاته يتعين الوفاء من الباقي. ولا فرق بينه وبين المقام إلا في أن استيلاء الوارث المنكر للدين على حصته لم يكن بنحو الغصب ، بل بنحو يكون معذوراً في الإنكار ، وربما لا يكون معذوراً في الإنكار فيكون غاصباً.

وبالجملة : الفرق بين تعذر الوفاء ـ لغصب أجنبي ونحوه ـ وبين تعذر الوفاء ـ لإنكار الوارث أو تمرده ـ غير ظاهر ، فإذا بني على وجوب الوفاء بما يمكن الوفاء به في الأول يتعين البناء عليه في الثاني. نعم الفارق الدليل ، وحينئذ يقتصر على مورده ، وهو صورة إقرار بعض الورثة وإنكار الآخر. أما صورة علم بعض الورثة وجهل الآخر أو تمرده فخارجة عن مورد الدليل ، فيرجع فيها إلى ما ذكرنا ، والبناء على عدم الفرق بين الصور غير ظاهر.

وأشكل منه : ما إذا كان الاختلاف بين الورثة للاختلاف في الاجتهاد والتقليد ، فإنه يتعين فيه الرجوع إلى مجتهد آخر لحل النزاع وحسم الخصومة إن كان‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الوصايا حديث : ٥.

٢٥٥

ولا ينزل إقراره على الإشاعة على خلاف القاعدة ، للنص [١].

( مسألة ٨٦ ) : إذا كان على الميت الحج ، ولم تكن تركته وافية به ، ولم يكن دين فالظاهر كونها للورثة [٢] ، ولا يجب صرفها في وجوه البر عن الميت. لكن الأحوط التصدق عنه ، للخبر عن الصادق (ع) [٣] : « عن رجل مات ، وأوصى بتركته أن أحج بها ، فنظرت في ذلك فلم يكفه للحج ، فسألت من عندنا من الفقهاء فقالوا : تصدق بها. فقال (ع) : ما صنعت بها؟ قلت : تصدقت بها. فقال (ع) ضمنت. إلا أن لا يكون يبلغ ما يحج به من مكة فإن كان لا يبلغ ما يحج به من مكة فليس عليك ضمان .. ».

______________________________________________________

قد أدى إلى النزاع والخصومة. وسيأتي التعرض له في المسألة الواحدة بعد المائة ، فانتظر.

[١] قد عرفت : أنه خبر أبي البختري المتقدم ، و‌خبره الآخر قال : « قال علي (ع) : من أقر لأخيه فهو شريك في المال ، ولا يثبت نسبه ، فإن أقر اثنان فكذلك. إلا أن يكونا عدلين فيثبت نسبه ، ويضرب في الميراث معهم » (١).

[٢] لأن المانع عن الميراث هو وجوب الحج ، فاذا فرض عدم الوجوب ـ لعدم كفاية المال ـ لم يكن مانع عن الميراث.

[٣] هو‌ خبر علي بن مزيد [ فرقد ـ مرثد ـ يزيد ] قال : « أوصى إلى رجل بتركته ، فأمرني أن أحج بها عنه ، فنظرت في ذلك فاذا هو شي‌ء يسير لا يكفي في الحج ، فسألت أبا حنيفة وفقهاء أهل الكوفة فقالوا : تصدق بها عنه‌ .. ( إلى أن قال ) : فلقيت جعفر بن محمد (ع) في الحجر

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الوصايا حديث : ٦.

٢٥٦

نعم لو احتمل كفايتها للحج بعد ذلك ، أو وجود متبرع يدفع التتمة لمصرف الحج وجب إبقاؤها [١].

( مسألة ٨٧ ) : إذا تبرع متبرع بالحج عن الميت رجعت أجرة الاستئجار إلى الورثة [٢] ، سواء عينها الميت أو لا. والأحوط صرفها في وجوه البر ، أو التصدق عنه. خصوصاً فيما إذا عينها الميت [٣] ، للخبر المتقدم [٤].

( مسألة ٨٨ ) : هل الواجب الاستئجار عن الميت من

______________________________________________________

فقلت له : رجل مات وأوصى إلى بتركته أن أحج بها عنه .. » (١) لكن مورد الخبر صورة ما إذا عين مالا للحج ، فلا يكون مما نحن فيه.

[١] لأن الشك في القدرة موجب للاحتياط.

[٢] أما صحة التبرع فيدل عليها النصوص ، كصحيح معاوية بن عمار : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل مات ، ولم يكن له مال ولم يحج حجة الإسلام فأحج عنه بعض إخوانه ، هل يجزي ذلك عنه؟ أو هل هي ناقصة؟. قال (ع) : بل هي حجة تامة » (٢). ونحوه غيره. وأما رجوع الأجرة إلى الورثة فلعين ما سبق : من أن المانع من الإرث الحج ، فإذا جي‌ء به لم يبق مانع منه.

[٣] لاحتمال كون التعيين على نحو تعدد المطلوب ، فاذا تعذرت خصوصية الحج بقيت الوصية بصرف المال في مصلحته بحالها.

[٤] لكن مورد الخبر صورة الوصية بتمام التركة ، التي لا تصح‌

__________________

(١) ذكر صدره في الوسائل باب : ٣٧ من أبواب الوصايا حديث : ٢ وذيله في باب : ٨٧ من أبواب الوصايا حديث : ١. وسيأتي ـ ان شاء الله تعالى ـ التعرض للرواية بنصها الكامل في المسألة : ٩ من فصل الوصية بالحج.

(٢) الوسائل باب : ٣١ من أبواب وجوب الحج حديث : ١.

٢٥٧

الميقات أو البلد؟ المشهور : وجوبه من أقرب المواقيت إلى مكة إن أمكن ، وإلا فمن الأقرب إليه فالأقرب [١].

______________________________________________________

بدون إجازة الوارث ، سواء أكان الحج الموصى به حج الإسلام أم غيره. إذ هو على الثاني ظاهر ، وكذا على الأول ، لما يأتي من المصنف ، من أن الواجب هو الحج الميقاتي ، وظاهر الرواية الحج البلدي ، كما عرفت الإشارة إليه سابقاً. وعلى تقدير لزوم البلدي فتعيين المقدار لا يكون باختيار الموصي بل تابع لأجرة المثل واقعاً ، وعلى تقديم لزوم العمل بتقدير الموصي فذلك إنما يكون بالإضافة إلى الثلث ـ الذي هو حقه ـ لا بالإضافة إلى الثلاثين الآخرين. فالتصدق بجميع المال لا بد أن يكون لأجل أن الموصي لا وارث له ، بناء على أنه إذا أوصى بصرف ماله في البر والمعروف لزم ولا بكون ميراثه للإمام ـ كما هو ظاهر ـ وتكون الوصية بالحج بنحو تعدد المطلوب ، فالأخذ بالرواية مع وجود الوارث غير ظاهر.

[١] نسبه إلى أكثر الأصحاب في المدارك ، وعن الغنية : الإجماع عليه ، ونسبه في كشف اللثام إلى الخلاف ، والمبسوط ، والوسيلة ، وقضية وصايا الغنية ، وكتب المحقق ، ونسبه في المستند إلى الفاضلين في كتبهما ، والمسالك ، والروضة ، والمدارك والذخيرة. لكن الذي يظهر من عبارات المتن : أن الواجب الحج من أقرب المواقيت إلى مكة ، وإلا فمن غيره من المواقيت مراعياً الأقرب فالأقرب إلى مكة. وفي الشرائع : « يقضي الحج من أقرب الأماكن .. » قال في المدارك : « والمراد بأقرب الأماكن أقرب المواقيت إلى مكة إن أمكن الاستيجار منه ، وإلا فمن غيره مراعياً للأقرب فالأقرب. فإن تعذر الاستيجار من أحد المواقيت وجب الاستيجار من أقرب ما يمكن الحج منه الى الميقات .. ». ونحوه ما في المستند والجواهر وغيرهما.

لكن هذا الترتيب غير ظاهر من الأدلة الآتية على هذا القول ولا‌

٢٥٨

وذهب جماعة إلى وجوبه من البلد مع سعة المال ، وإلا فمن الأقرب إليه فالأقرب [١]. وربما يحتمل قول ثالث ، وهو الوجوب من البلد مع سعة المال ، وإلا فمن الميقات وإن أمكن من الأقرب الى البلد فالأقرب [٢].

______________________________________________________

من غيرها. بل ولا يظن الالتزام به ممن نسب إليه هذا القول. ونحوه في الاشكال : ما في القواعد ، من التعبير بأقرب الأماكن إلى الميقات. وقال في كشف اللثام ـ في بيان القول المذكور ـ : « فإن أمكن من الميقات لم يجب إلا منه ، والا فمن الأقرب إليه فالأقرب لذلك. ولا يجب من بلد موته ، أو بلد استقراره عليه .. ». وهذا التعبير هو الذي تقتضيه أدلة القول المذكور ، كما سيأتي. ولعل المراد من الأقرب ما هو أقل قيمة ، يعني : لا يجب على الورثة بذل ما هو أكثر قيمة.

[١] حكاه في الشرائع قولا ، واختاره في الدروس ، قال : « فيقضى من أصل تركته من منزله. ولو ضاق المال فمن حيث يمكن ـ ولو من الميقات ـ على الأقوى. ولو قضي مع السعة من الميقات أجزأه وإن أثم الوارث .. ». وهو ظاهر الحلي ، كما يقتضيه دليله. فإنه استدل على وجوب الحج من البلد : « بأنه كان تجب عليه نفقة الطريق من بلده ، فلما مات سقط الحج عن بدنه وبقي في ماله تبعه ما كان يجب عليه لو كان حياً من مئونة الطريق من بلده .. ».

[٢] حكاه في المدارك عن الحلي والشيخ في النهاية ، وحكاه في المستند ـ أيضاً ـ عن الصدوق في المقنع ، والقاضي ، والجامع ، والمحقق الثاني ، والدروس. ولكن في صحة النسبة في بعضها نظر ، كما عرفت. وإنما عبر المصنف (ره) بالاحتمال لأن في الجواهر احتمل أن يكون الفرق بين القول بوجوب الحج من البلد والقول بوجوبه من البلد إن اتسع المال والا فمن حيث‌

٢٥٩

والأقوى هو القول الأول [١] ، وإن كان الأحوط القول الثاني.

______________________________________________________

يمكن ـ اللذين ذكرهما في الشرائع ـ : أن الأول يراد به الوجوب من البلد مع الإمكان ، ومع عدمه من الميقات. واحتمل في المدارك : أن يكون المراد من الأول السقوط مع عدم إمكان الحج من البلد. لكن قال فيها : « لا نعرف بذلك قائلا .. ». وفي المستند : « لا يعرف قائله ، كما صرح به جمع ، بل نفاه بعضهم .. ».

[١] للأصل ، وإطلاق الأدلة. إذ السفر من البلد لا جزء من الحج ولا شرط له ، وإنما هو مقدمة عقلية للحج إذا كان الحاج بعيداً ، فلا تدخل في مفهومه ، والإطلاق ينفي وجوبها. ولبعض النصوص ، كخبر زكريا ابن آدم قال : « سألت أبا الحسن (ع) عن رجل مات وأوصى بحجة ، أيجوز أن يحج عنه من غير البلد الذي مات فيه؟ فقال : أما ما كان دون الميقات فلا بأس » (١) ‌، و‌صحيح حريز بن عبد الله قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل أعطى رجلا حجة يحج عنه من الكوفة ، فحج عنه من البصرة. قال (ع) : لا بأس ، إذا قضى جميع المناسك فقد تمَّ حجه » (٢) ‌، و‌صحيح علي بن رئاب عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل أوصى أن يحج عنه حجة الإسلام ، فلم يبلغ جميع ما ترك إلا خمسين درهماً. قال (ع) : يحج عنه من بعض الأوقات التي وقتها رسول الله (ص) من قرب » (٣).

لكن الجميع غير وارد فيما نحن فيه ، بل الثاني وارد في الحي ، والأول والأخير واردان في الوصية. والأولان أيضاً لا ظهور لهما في حجة الإسلام. والأخير إنما ينفي القول الرابع ـ الذي لا يعرف قائله ـ ولا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب النيابة في الحج حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب النيابة في الحج حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب النيابة في الحج حديث : ١.

٢٦٠