مستمسك العروة الوثقى - ج ١٠

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٠

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣٨٦

وآية الحبط مختصة بمن مات على كفره [١] ، بقرينة الآية الأخرى ، وهي قوله تعالى ( وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ .. ) (١). وهذه الآية دليل على قبول توبة المرتد الفطري [٢]. فما ذكره بعضهم ، من عدم قبولها منه لا وجه له.

( مسألة ٧٧ ) : لو أحرم مسلماً ثمَّ ارتد ثمَّ تاب لم‌

______________________________________________________

خلاف ذلك.

وفيه ـ كما في الجواهر وغيرها ـ : أنه مخالف للوجدان ، ولظواهر الكتاب والسنة. وفي المدارك : « يدفعه صريحاً : قوله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا .. ) (٢) حيث أثبت الكفر بعد الايمان .. ». إلا أن يقال : إن الاستعمال أعم من الحقيقة. فتأمل.

[١] في الجواهر ناقش فيها أولاً : باختصاصها بالعمل حال الكفر ، فلا تشمل ما نحن فيه. وثانياً : بما ذكره في المتن. لكن المناقشة الأولى غير مطردة في أدلة الإحباط ، لظهور بعضها في حبط العمل قبل الكفر ، مثل قوله تعالى : ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ .. ) (٣). وكأنه لذلك لم يتعرض لها المصنف.

[٢] في الدلالة خفاء ، إذ مفادها ليس إلا عدم حبط عمل من لم يمت وهو كافر. وذلك أعم من قبول التوبة في الآخرة ، لجواز أن يكون عدم الحبط موجباً لتخفيف العذاب ، ولا تدل على ثبوت الثواب ـ فتأمل ـ فضلاً عن قبولها في الدنيا ، من حيث الطهارة والنجاسة ،

__________________

(١) البقرة : ٢١٧.

(٢) النساء : ١٣٦.

(٣) الزمر : ٦٥.

٢٢١

يبطل إحرامه على الأصح [١] ، ـ كما هو كذلك لو ارتد في أثناء الغسل ثمَّ تاب. وكذا لو ارتد في أثناء الأذان أو الإقامة أو الوضوء ، ثمَّ تاب قبل فوات الموالاة. بل وكذا لو ارتد في أثناء الصلاة ثمَّ تاب قبل أن يأتي بشي‌ء أو يفوت الموالاة ،

______________________________________________________

والتوارث ، ونكاح المسلمة ، وغير ذلك من أحكام المسلمين.

[١] كما في الشرائع وغيرها ، وقال الشيخ في المبسوط : « فإن أحرم ثمَّ ارتد ثمَّ عاد إلى الإسلام جاز أن يبني عليه ، لأنه لا دليل على فساده. إلا على ما استخرجناه في المسألة المتقدمة في قضاء الحج ، فان على ذلك التعليل لم ينعقد إحرامه الأول أيضاً. غير أنه يلزم عليه إسقاط العبادات التي فاتته في حال الارتداد عنه ، لمثل ذلك. لأنا إذا لم نحكم بإسلامه الأول فكأنه كان كافراً في الأصل ، وكافر الأصل لم يلزمه قضاء ما فاته في حال الكفر. وإن قلنا بذلك كان خلاف المعهود من المذهب. وفي المسألة نظر .. ». وقال في المدارك : « وهذا الإيراد متوجه ، وهو من جملة الأدلة على فساد تلك القاعدة .. ». لكن الإيراد غير ظاهر ، لأن المراد من الكافر الأصلي ما لا يعم ذلك ، فلا يترتب عليه حكمه. وليس عندنا دليل على تنزيله منزلته كي يؤخذ بإطلاق التنزيل.

نعم قد تشكل لو كان الارتداد في أثناء الإحرام ، لأنه عبادة ، ومع الارتداد في الأثناء يبطل منه الجزء المقارن للارتداد. نظير الارتداد في أثناء الصوم ، كما سيأتي. وفيه : أن الصوم من الأفعال الاختيارية القارة ، نظير الأكل والشرب ونحوهما ، فيجب أن تكون عبادة حدوثاً وبقاء. وليس الإحرام كذلك ، بل هو من الصفات ، نظير الطهارة والحدث ، فاذا وقع عن النية حصل ، وبقاؤه لا يعتبر فيه النية. فبطلانه بالكفر يتوقف على أن يكون الكفر محللاً ، كما أن بطلان الطهارة بالكفر يتوقف على كونه حدثاً.

٢٢٢

على الأقوى من عدم كون الهيئة الاتصالية جزءاً فيها [١]. نعم لو ارتد في أثناء الصوم بطل ، وإن تاب بلا فصل.

( مسألة ٧٨ ) : إذا حج المخالف ثمَّ استبصر لا يجب عليه الإعادة [٢].

______________________________________________________

ولأجل ذلك لا يبطل الإحرام بالرياء في الأثناء ، كما لا تبطل الطهارة بالرياء بعد حصولها ، وإن كان الصوم يبطل بالرياء في أثنائه. ومثله : الاعتكاف. وكأنه إلى ذلك أشار في الجواهر ـ في تعليل ما في المتن ـ بقوله : « لما عرفت في الحج ، من الأصل وغيره ، بعد عدم دخول الزمان في مفهومه ، كي يتجه بطلانه بمضي جزء ولو يسير .. ».

[١] لا إشكال في أن أجزاء الصلاة يعتبر فيها الترتيب ، الموجب لحدوث هيئة خاصة للأفعال الخاصة. كما يعتبر فيها الموالاة الشرعية بنحو ينافيها السكوت الطويل ، الموجب لخروج المصلي عن كونه مصلياً في نظر المتشرعة. وهل يعتبر فيها الموالاة العرفية؟ إشكال ، والأظهر العدم. أما الهيئة الاتصالية المذكورة في المتن فالظاهر أن المراد منها الأكوان الصلاتية التي تكون بين الأفعال ، وظاهر الجواهر هنا : اعتبارها فيها ، وبطلان الصلاة بالارتداد. لكنه غير ظاهر ، فإن الأكوان المذكورة ليست عبادة ، ولا يعتبر وقوعها على وجه القربة. بل هي غير اختيارية للمكلف. فلاحظ‌

[٢] كما هو المشهور شهرة عظيمة. لصحيح بريد العجلي عن أبي عبد الله (ع) : « كل عمل عمله ـ وهو في حال نصبه وضلالته ـ ثمَّ من الله تعالى عليه وعرفه الولاية ، فإنه يؤجر عليه. إلا الزكاة ، فإنه يعيدها لأنه وضعها في غير مواضعها ، لأنها لأهل الولاية. وأما الصلاة والحج والصيام فليس عليه قضاء » (١) ‌، و‌مصحح الفضلاء عن أبي جعفر (ع)

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ١.

٢٢٣

بشرط أن يكون صحيحاً في مذهبه ، وإن لم يكن صحيحاً في مذهبنا [١].

______________________________________________________

وأبي عبد الله (ع) : « أنهما قالا في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء ، الحرورية ، والمرجئة ، والعثمانية ، والقدرية ، ثمَّ يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه ، أيعيد كل صلاة صلاها ، أو زكاة أو حج ، أو ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك؟ قال (ع) : ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك ، غير الزكاة » (١) ‌، وخبر محمد بن حكيم ، المروي في الذكرى عن كتاب علي ابن إسماعيل الميثمي ، (٢) ، وغير ذلك مما يأتي بعضه.

وعن ابن الجنيد وابن البراج : وجوب الإعادة.لخبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « لو أن رجلاً معسراً أحجه رجل كانت له حجة ، فان أيسر بعد ذلك كان عليه الحج. وكذلك الناصب إذا عرف فعليه الحج وإن كان قد حج » (٣) ‌، و‌مكاتبة إبراهيم بن محمد بن عمران الهمداني : « كتبت إلى أبي جعفر (ع) : إني حججت ـ وأنا مخالف ـ وكنت صرورة ودخلت متمتعاً بالعمرة إلى الحج. فكتب إليه : أعد حجك » (٤). لكنهما محمولان على الاستحباب جمعاً. مضافاً إلى ما قيل ، من ضعفهما ، واختصاص الأول بالناصب.

[١] الذي ينسبق إلى الذهن من الروايات المذكورة : أن السؤال فيها كان عن صحة العبادة. من جهة فساد الاعتقاد ، في فرض الصحة من الجهات الأخرى ، فيكون الجواب بعدم الحاجة إلى الإعادة راجعاً إلى عدم قدح‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب المستحقين للزكاة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٣١ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ٢١ من أبواب وجوب الحج حديث : ٥. وأورد ذيله في باب ٢٣ من أبواب وجوب الحج حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ٣١ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ٣.

٢٢٤

من غير فرق بين الفرق. لإطلاق الأخبار. وما دل على‌

______________________________________________________

فساد العقيدة في صحة العبادة. وحينئذ يختص عدم وجوب الإعادة بما إذا كان العمل صحيحاً لو لا فساد العقيدة ، وما لم يكن صحيحاً لولاها يرجع في حكمه إلى عموم الوجوب. لكن التفصيل بين الزكاة وغيرها معللاً بما ذكر ، مع غلبة الفساد في الأعمال غير الزكاة ، يوجب ظهورها في عموم الحكم لما كان فاسداً في نفسه. ويكون وجه التعليل : أن الزكاة لما كانت من حقوق الناس لم تجز ، بخلاف غيرها فإنها من حقوق الله تعالى فاجتزأ بها تعالى. وحينئذ لا فرق في العمل بين أن يكون فاسداً عندنا وعندهم ، وأن يكون صحيحاً عندنا لا عندهم ، وبين العكس إذا كان آتياً به على وجه العبادة.

نعم مقتضى الغلبة : أن يكون صحيحاً عند العامل كما يناسبه قوله (ع) في الزكاة : « إنه وضعها في غير مواضعها ». فإنه مبني على ذلك ، فيكون المستثنى منه كذلك. لكن في اقتضاء ذلك رفع اليد عن ظاهر التعليل ، المقتضي لانحصار الوجه في عدم الاجزاء في كونه من حقوق الناس لا غير إشكال ظاهر. ومن ذلك تعرف أن عدم وجوب الإعادة فيما كان صحيحاً عندنا لا عندهم أقرب إلى مفاد النصوص غير المشتملة على التعليل من العكس. مضافاً إلى الأولوية التي ادعاها في الجواهر ، فان ما كان صحيحاً في الواقع أولى بالاجتزاء به مما كان فاسداً. فتأمل.

ومن ذلك تعرف الاشكال فيما في الشرائع ، وعن المعتبر والقواعد والمنتهى والدروس وغيرها ، من وجوب الإعادة إذا أخل بركن ، سواء أكان المراد الركن عندنا أم عندهم. وإن كان الثاني أبعد عن الاشكال ، بناء على ما تقدم من الغلبة. وان كان الأول أبعد عن الاشكال ، بناء على ما ينسبق إلى الذهن من الروايات ، مع قطع النظر عن التعليل. لكن عرفت الإشكال في المبنين معاً ، وأنهما معاً خلاف ظاهر التعليل. فلاحظ.

٢٢٥

الإعادة من الأخبار محمول على الاستحباب [١] ، بقرينة بعضها الآخر ، من حيث التعبير‌ بقوله (ع) : « يقضي أحب إلي » ‌، و‌قوله (ع) : « والحج أحب إلي ».

( مسألة ٧٩ ) : لا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحج إذا كانت مستطيعة [٢]

______________________________________________________

[١] في صحيح بريد العجلي قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل حج وهو لا يعرف هذا الأمر ، ثمَّ من الله تعالى عليه بمعرفته والدينونة به ، أعليه حجة الإسلام أو قد قضى فريضته؟ فقال : قد قضى فريضته. ولو حج لكان أحب الي. قال : وسألته عن رجل حج وهو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ، ناصب متدين ، ثمَّ من الله عليه فعرف هذا الأمر يقضي حجة الإسلام؟ فقال (ع) : يقضي أحب إلى .. » (١). ونحوه صحيح عمر بن أذينة‌ (٢).

ثمَّ إنه لا ريب في شرطية الايمان في صحة العبادة ، وعليه فعبادة المخالف باطلة ، لا يترتب عليها الأحكام. فإذا حج ولم يطف طواف النساء جاز للمؤمنة أن تتزوجه ، لعدم صحة إحرامه ، ولو استبصر بعد ذلك لم يجب عليه. طواف النساء ، لما ذكرنا. لكن في الجواهر : احتمل أن الايمان اللاحق شرط في صحة عبادته. وهو خلاف ظاهر الأدلة. ولو سلم لم يجب عليه طواف النساء ، لإطلاق النصوص المتقدمة الدالة على الاجتزاء وعدم لزوم الإعادة ، فإنها ظاهرة في عدم لزوم طواف النساء.

[٢] بلا خلاف يوجد ، كما في المستند. ويشهد له جملة من النصوص ، كصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) قال : « سألته عن امرأة لها زوج ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب وجوب الحج حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب وجوب الحج حديث : ٢.

٢٢٦

ولا يجوز له منعها منه [١]. وكذا في الحج الواجب بالنذر ونحوه إذا كان مضيقاً [٢].

______________________________________________________

وهي صرورة ، ولا يأذن لها في الحج. قال (ع) : تحج وإن لم يأذن لها » (١) ‌، و‌صحيح محمد عن أبي جعفر (ع) قال : « سألته عن المرأة لم تحج ، ولها زوج ، وأبي أن يأذن لها في الحج ، فغاب زوجها ، فهل لها أن تحج؟ قال (ع) : لا طاعة له عليها في حجة الإسلام » (٢) ‌، و‌صحيح معاوية بن وهب قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : امرأة لها زوج ، فأبى أن يأذن لها في الحج ، ولم تحج حجة الإسلام ، فغاب عنها زوجها وقد نهاها أن تحج. فقال (ع) : لا طاعة له عليها في حجة الإسلام ، ولا كرامة. لتحج إن شاءت » (٣). ونحوها غيرها.

[١] كما يفهم من النصوص المذكورة. سواء أكان المراد منه المنع التشريعي أم التكويني ، إذا الأول أمر بالمنكر ، وهو حرام. والثاني كذلك مع أنه خلاف قاعدة السلطنة على النفس.

[٢] النصوص الواردة في الباب موردها خصوص حج الإسلام ، فإلحاق مطلق الواجب به ، إما لإلغاء خصوصية المورد. أو للإجماع. أو لما في المعتبر وغيره ، من‌ قوله (ع) : « لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق » (٤). وإن كان الاستدلال به في حج الإسلام إنما يتم فيما لو استقر الحج في ذمتها أما إذا لم يستقر فيشكل : بأن نهي الزوج مانع عن تحقق الاستطاعة ، فلا موضوع لمعصية الخالق. وأما في غير الحج الإسلامي ، من الحج النذري‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٩ من أبواب وجوب الحج حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٥٩ من أبواب وجوب الحج حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٥٩ من أبواب وجوب الحج حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ٥٩ من أبواب وجوب الحج حديث : ٧.

٢٢٧

وأما في الحج المندوب فيشترط إذنه [١] ، وكذا في الواجب‌

______________________________________________________

وغيره مما استقر في ذمتها ، فلا مانع من الاستدلال به فيه.

[١] بلا خلاف يعرف ـ كما في الذخيرة ـ ولا نعلم فيه خلافاً بين أهل العلم ـ كما عن المنتهى ـ بل الإجماع ـ كما في المدارك ـ بل لعله إجماع محقق ، كذا في المستند. واستدل له ـ كما قيل ـ : بأن حق الزوج واجب ، فلا يجوز تفويته بما ليس بواجب. و‌بموثق إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم قال : « سألته عن المرأة الموسرة قد حجت حجة الإسلام ، تقول لزوجها حجني مرة أخرى ، أله أن يمنعها؟ قال (ع) : نعم يقول لها : حقي عليك أعظم من حقك علي في هذا » (١). لكن في المدارك : « وقد يقال : إن الدليل الأول إنما يقتضي المنع من الحج إذا استلزم تفويت حق الزوج ، والمدعى أعم من ذلك. والرواية إنما تدل على أن للزوج المنع ، ولا يلزم منه التوقف على الإذن .. ».

ويشكل : بأن ما دل على سقوط نفقة الزوجة بالخروج من بيتها بغير إذنه ـ وهو‌ خبر السكوني عن أبي عبد الله (ع) قال : « قال رسول الله (ص) : أيما امرأة خرجت من بيتها بغير إذن زوجها فلا نفقة لها حتى ترجع » (٢). و‌صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (ع) في حقوق الزوج على الزوجة : « ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه » (٣) ‌ونحوه : خبر العزرمي‌ (٤) ، و‌خبر ابن جعفر عن المرأة : « ألها أن تخرج بغير إذن زوجها؟ قال (ع) : لا » (٥) ‌يدل على أن من حقوقه الاستيذان منه في السفر ، فلا يجوز‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٩ من أبواب وجوب الحج ملحق حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب وجوب النفقات حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٧٩ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ٧٩ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٣.

(٥) الوسائل باب : ٧٩ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٥.

٢٢٨

الموسع قبل تضيقه على الأقوى [١]. بل في حجة الإسلام يجوز له منعها من الخروج مع أول الرفقة ، مع وجود الرفقة الأخرى قبل تضيق الوقت. والمطلقة الرجعية كالزوجة في‌

______________________________________________________

لها تفويته. نعم دلالة الموثق على وجوب الاستيذان غير ظاهرة. على أن سوق السؤال فيه وفي غيره من النصوص ـ المتقدمة في حج الإسلام ـ يقتضي أن وظيفة الزوجة الاستيذان ، لا عدم المنع. فلاحظ. وأما ما ذكر في كلام غير واحد ، من أن حق تعيين المسكن للزوج ، فهو متفرع على مطالبة الزوجة بنفقة الإسكان ، لا ما إذا أسقطت حقها من ذلك.

[١] حكى ذلك في المدارك بقوله : « وربما قيل : بأن للزوج المنع في الموسع إلى محل التضييق .. ». لكنه قال : « وهو ضعيف ، لأصالة عدم سلطنته عليها في ذلك .. ». وفي الدروس : « وليس يشترط في الوجوب ، ولا في البدار في الحج الواجب المضيق .. ». وفيه : أن إطلاق ما دل على اعتبار إذن الزوج محكم في غير ما دل على خلافه دليل. ولا دليل في المقام على خلافه ، لأن ظاهر النصوص السابقة ـ بناء على التعدي عن موردها إلى مطلق الواجب ـ عدم اعتبار إذنه في أصل الواجب ، لا في الخصوصيات الأخرى. بل عرفت أن العمدة ـ في الخروج عن قاعدة : اعتبار إذن الزوج في جواز السفر ، في مطلق الواجب ـ هو الإجماع ، وهو غير ثابت. وكذلك‌ قوله (ع) : « لاطاعة لمخلوق .. » ‌يختص بما إذا كانت إطاعة المخلوق معصية للخالق ، فلا يشمل محل الكلام.

ومن ذلك يظهر الوجه في قوله (ره) : « بل في حجة الإسلام .. ». كما أنه من ذلك يظهر لك الاشكال فيما يتراءى من عبارة الشرائع وغيرها ، من إطلاق عدم اعتبار إذن الزوج في الحج الواجب وإن كان موسعاً. لكن المظنون قوياً إرادتهم ما هو ظاهر النصوص الذي قد عرفته.

٢٢٩

اشتراط إذن الزوج ما دامت في العدة [١]. بخلاف البائنة [٢] ، لانقطاع عصمتها منه. وكذا المعتدة للوفاة ، فيجوز لها الحج ، واجباً كان أو مندوباً [٣]. والظاهر أن المنقطعة كالدائمة في اشتراط الاذن [٤]. ولا فرق في اشتراط الاذن بين أن يكون‌

______________________________________________________

[١] كما صرح به جماعة ، مرسلين له إرسال المسلمات ، من دون تعرض لخلاف فيه. ووجهه واضح ، لأن المطلقة رجعياً بحكم الزوجة باتفاق النص والفتوى ، فيجري فيها التفصيل السابق في الزوجة بين الواجب والمندوب. مضافاً الى جملة من النصوص المحمولة عليها ، كصحيح منصور ابن حازم عن أبي عبد الله (ع) قال : « المطلقة إن كانت صرورة حجت في عدتها ، وإن كانت حجت فلا تحج حتى تقضي عدتها » (١). و‌في صحيح معاوية بن عمار : « ولا تحج المطلقة في عدتها » (٢). و‌في رواية أبي هلال : « ولا تخرج التي تطلق. إن الله تعالى يقول ( وَلا يَخْرُجْنَ ) (٣) » (٤). ولعل الأخير قرينة على حمل غيره على المطلقة رجعياً.

[٢] بلا خلاف ظاهر. وعللوه بما في المتن.

[٣] فقد استفاضت النصوص في جواز حجها في العدة. ففي موثق زرارة عن أبي عبد الله (ع) : « سألته عن التي يتوفى عنها زوجها ، أتحج في عدتها؟ قال (ع) : نعم » (٥). ونحوه غيره.

[٤] لعموم بعض الأخبار المتقدمة الشامل لها وللدائمة. نعم خبر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٠ من أبواب وجوب الحج حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٦٠ من أبواب وجوب الحج حديث : ٣.

(٣) الطلاق : ١.

(٤) الوسائل باب : ٦٠ من أبواب وجوب الحج حديث : ٤.

(٥) الوسائل باب : ٦١ من أبواب وجوب الحج حديث : ٢.

٢٣٠

ممنوعاً من الاستمتاع بها ـ لمرض ، أو سفر ـ أو لا [١].

( مسألة ٨٠ ) : لا يشترط وجود المحرم في حج المرأة [٢] إذا كانت مأمونة على نفسها وبضعها ، كما دلت عليه جملة من الأخبار [٣].

______________________________________________________

السكوني‌ (١) لما كان مشتملاً على النفقة كان قاصراً عن شمولها ، لعدم النفقة لها.

[١] لما عرفت من عموم خبر السكوني‌. نعم لو كان الموجب لاعتبار الاذن منافاته لحق الاستمتاع ، كان التفصيل بين الممنوع من الاستمتاع وغيره في محله. إذ في الأول لا يكون السفر منافياً للحق المذكور.

[٢] بلا خلاف أجده فيه بيننا ، كذا في الجواهر. وفي المدارك : « هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، حكاه في المنتهى .. ». ويقتضيه إطلاق الأدلة. وعن أحمد في إحدى الروايتين : اشتراط ذلك حتى مع الاستغناء عنه.

[٣] منها‌ صحيح معاوية بن عمار قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن المرأة تخرج إلى مكة بغير ولي. فقال (ع) : لا بأس ، تخرج مع قوم ثقاة » (٢) ‌، و‌صحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (ع) : « في المرأة تريد الحج ، وليس معها محرم ، هل يصلح لها الحج؟ فقال : نعم إذا كانت مأمونة » (٣) ‌، و‌صحيح صفوان الجمال قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : قد عرفتني بعملي ، تأتيني المرأة ، أعرفها بإسلامها وحبها إياكم وولايتها لكم ، ليس لها محرم ، فقال (ع) : إذا جاءت المرأة

__________________

(١) تقدم ذلك قريباً في المسألة. فلاحظ.

(٢) الوسائل باب : ٥٨ من أبواب وجوب الحج حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٥٨ من أبواب وجوب الحج حديث : ٢.

٢٣١

ولا فرق بين كونها ذات بعل أو لا [١]. ومع عدم أمنها يجب عليها استصحاب المحرم [٢] ولو بالأجرة ، مع تمكنها منها ، ومع عدمه لا تكون مستطيعة [٣]. وهل يجب عليها التزويج تحصيلاً للمحرم؟ وجهان [٤]. ولو كانت ذات‌

______________________________________________________

المسلمة فاحملها ، فإن المؤمن محرم المؤمنة. ثمَّ تلا هذه الآية : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) .. (١) » (٢) ‌ونحوها غيرها.

[١] لإطلاق النصوص ، و‌خصوص صحيح معاوية بن عمار : « سألت أبا عبد الله (ع) عن المرأة تحج بغير ولي؟ قال (ع) : لا بأس. وإن كان لها زوج أو أخ أو ابن أخ ، فأبوا أن يحجوا بها ، وليس لهم سعة ، فلا ينبغي لها أن تقعد ، ولا ينبغي لهم أن يمنعوها » (٣).

[٢] لأنه مقدمة للواجب. لكن هذا إذا توقف الأمن على استصحاب المحرم. أما إذا كان يكفي في حصول الأمن وجود من تصحبه وإن لم يكن محرماً ، وجب عليها استصحابه وإن لم يكن محرماً. وبالجملة : الواجب استصحاب من تكون مأمونة بمصاحبته ، سواء أكان محرماً أم غيره.

[٣] لانتفاء تخلية السرب ، الذي هو أحد شرائط الاستطاعة.

[٤] أقواهما الوجوب ، كسائر الأمور المحتاج إليها في السفر ، مثل : الرحل ، والراحلة ، وغيرهما. وكأن منشأ توقف المصنف : احتمال أن يكون من شرائط الاستطاعة التي لا يجب تحصيلها ، مثل : ملك الزاد والراحلة. لكنه ضعيف ، إذ كما يجب استصحاب المحرم في ظرف كونه محرماً ، يجب جعله محرماً واستصحابه. لتوقف الواجب المطلق عليه.

__________________

(١) التوبة : ٧١.

(٢) الوسائل باب : ٥٨ من أبواب وجوب الحج حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٥٨ من أبواب وجوب الحج حديث : ٤.

٢٣٢

زوج ، وادعى عدم الأمن عليها وأنكرت [١] ، قدم قولها ، مع عدم البينة ، أو القرائن الشاهدة. والظاهر عدم استحقاقه اليمين عليها. إلا أن ترجع الدعوى إلى ثبوت حق الاستمتاع له عليها ، بدعوى : أن حجها حينئذ مفوت لحقه ، مع عدم وجوبه عليها ، فحينئذ عليها اليمين على نفي الخوف. وهل‌

______________________________________________________

وتخلية السرب حاصلة مع القدرة على أحد الأمرين ، وإلا لم يجب استصحاب المحرم الثابتة محرميته. وفي الجواهر : جعل الحكم محل إشكال ، ولم يرجح أحد الاحتمالين. لكنه في غير محله. اللهم إلا إذا كان التزويج مهانة لها ، فإنه لا يجب ، لانتفاء الاستطاعة. وكذا الكلام فيما لو توقف على تزويج ابنة ابنها أو بنتها منه. مع إمكان ذلك لها ، فإنه يجب.

[١] أول من صور هذا النزاع ـ فيما وقفت عليه ـ الشهيد في الدروس ، قال : « ولو ادعى الزوج الخوف وأنكرت ، عمل بشاهد الحال ، أو بالبينة ، فإن انتفيا قدم قولها. والأقرب أنه لا يمين عليها .. ». وفي المدارك : « ولو ادعى الزوج الخوف وأنكرت عمل .. ». ونحوهما في الجواهر والحدائق. وظاهره أن الذي يدعيه الزوج خوفه عليها ، وعليه فلا ينبغي التأمل في أن هذه الدعوى غير مسموعة ، لأن خوفه ليس موضوعاً للأثر الشرعي ، وإنما موضوع الأثر خوفها ، فاذا كانت آمنة على نفسها وجب عليها السفر ، وإن كان زوجها أو غيره ـ ممن يمت إليها بنسب أو سبب ـ خائفاً عليها ، نعم إذا كانت دعوى الزوج أنها خائفة وغير آمنة ، كانت موضوعاً لأثر شرعي ، وهو عدم الاستطاعة وعدم وجوب الحج. ويترتب على ذلك استحقاق النفقة على الزوج ، وسقوط حقوق الزوج على تقدير صحة دعواها ، وسقوط نفقتها ، وثبوت حقوق الزوج على تقدير صحة دعواه. لكن ثبوت نفقتها يتوقف على كونها زوجة دائمة.

٢٣٣

للزوج ـ مع هذه الحالة ـ منعها عن الحج باطناً إذا أمكنه‌

______________________________________________________

كما أن ثبوت حقوقه يتوقف على عدم المانع من أهليته لاستيفائها ـ من مرض ، أو هرم ، أو نحوهما فيه أو فيها ـ وإلا لم يكن له حق عليها. وأما حق الاستئذان في الخروج من بيتها فليس من الفوائد المرغوب فيها التي تثير النزاع والخصام ، لتسمع الدعوى بملاحظته. وكأنه لذلك قال المصنف : « والظاهر عدم استحقاقه اليمين .. ». لكنه بناء على ذلك لا تسمع دعواه ، لعدم استحقاق المطالبة بشي‌ء ، لا أنها تسمع ولا يمين عليها ، كما أشار إلى ذلك في الجواهر. مع أن منع كون حق الاستيذان من الحقوق التي تصح المطالبة بها ـ لعدم ترتب الفائدة المرغوب فيها عليه ـ غير ظاهر ، كيف والمطالبة به قد تكون محافظة منه على غرضه؟ فالتحقيق إذاً : سماع دعواه ، وعليها اليمين إن لم يقم البينة على مدعاه.

وفي بعض الحواشي : احتمال أن يكون النزاع المذكور من باب التداعي ، لا من باب المدعي والمنكر. وكأنه لأن مصب الدعوى وإن كان الخوف وعدمه ، فيكون مدعيه مدعياً ومنكره منكراً ، لكن بلحاظ أن الغرض من إنكار الخوف استحقاق النفقة على الزوج مدة السفر ، فهي تطالب بالنفقة ، وهو يطالب بالاستمتاع. فكل واحد منهما يطالب بحق هو على خلاف مقتضى الأصل.

والتحقيق : أن المعيار في صدق المدعي والمنكر هو الغرض المقصود من الخصومة » لا ما هو مصب الدعوى. ولكن يشكل : بأن هذا المقدار لا يوجب جريان حكم التداعي ، لأن الزوجة وإن كانت تدعي ثبوت حق الاتفاق ، لكن ذلك لما كان من آثار عدم الخوف كان مدعاها مقتضى الأصل ، فتكون منكرة.

٢٣٤

ذلك؟ وجهان في صورة عدم تحليفها [١]. وأما معه فالظاهر سقوط حقه [٢]. ولو حجت بلا محرم مع عدم الأمن ،

______________________________________________________

[١] أما وجه الأول فواضح ، لأنه استيفاء لحقه. وأما الثاني فمبني على أن حرمة الخروج بغير إذن الزوج من الأحكام لا من الحقوق. أو أنها من الحقوق لكن لما كانت الزوجة تعتقد أنها مكلفة تكون معذورة في تفويت الحق ، وحينئذ لا دليل على ثبوت الحق. وفيه : ما عرفت من أن الظاهر من الأدلة كون ترك الخروج بغير إذن الزوج من الحقوق. مع أنه لو سلم ذلك بالنسبة إلى ترك الخروج ، فلا شبهة في أن الاستمتاع منها ، فيجوز له حبسها لاستيفائه. وأما عذر المرأة في تفويت الحق فهو مبني على أن المسوغ لترك الحج الخوف النوعي ، إذ حينئذ يمكن فيه الخطأ ، فتعتقد عدمه ، فتكون معذورة على تقدير الخطأ. أما إذا كان العذر خوفها ـ كما عرفت ، ويقتضيه أدلة العذر ـ فلا تكون معذورة في حالة الخطأ ، فاذا كان الزوج يدعي كذبها في دعوى عدم الخوف لا تكون معذورة. نعم يتم ذلك فيما إذا اعتقدت أنها مستطيعة من حيث المال وكان الزوج ينكر ذلك ، إذ يمكن حينئذ الخطأ فيه فتكون معذورة ، لا فيما نحن فيه. ولأجل ذلك يكون أقوى الوجهين أولهما.

[٢] لا إشكال في أن اليمين مانعة من الدعوى ثانياً. كما أن المشهور أنها مانعة من جواز المقاصة عن الحق. ولكن في كونها مانعة من التصرف في العين التي يدعيها المدعي تصرفاً عينياً ، مثل : أن يلبسها أو يتلفها ، أو اعتبارياً ، مثل : أن يبيعها أو يعتقها ، إشكال. والتحقيق : عدمه ، كما ذكرنا ذلك في مبحث التنازع من كتاب الإجارة من هذا الشرح. فراجع. وكيف تصح دعوى حرمة تصرف المالك المحكوم عليه؟ وحرمة تصرف الآخذ المحكوم له؟ لأنها ليست ملكاً له ـ وكذا غيره من الناس ـ

٢٣٥

صح حجها إن حصل الأمن قبل الشروع في الإحرام [١] ، وإلا ففي الصحة إشكال ، وإن كان الأقوى الصحة [٢].

( مسألة ٨١ ) : إذا استقر عليه الحج ـ بأن استكملت الشرائط ، وأهمل حتى زالت أو زال بعضها ـ صار ديناً عليه ووجب الإتيان به بأي وجه تمكن. وإن مات فيجب أن يقضى عنه إن كانت له تركة ، ويصح التبرع عنه. واختلفوا فيما به يتحقق الاستقرار على أقوال ، فالمشهور : مضي زمان يمكن فيه الإتيان بجميع أفعاله ، مستجمعاً للشرائط [٣] ، وهو إلى اليوم الثاني عشر من ذي الحجة. وقيل : باعتبار مضي زمان يمكن فيه الإتيان بالأركان جامعاً للشرائط [٤] ، فيكفي بقاؤها إلى مضي جزء من يوم النحر يمكن فيه الطوافان والسعي.

______________________________________________________

فتكون العين من المحرمات ، فان التزام ذلك كما ترى. وعليه لا مانع من جواز حبس الزوجة ، ومنعها من الخروج في فرض المسألة.

[١] هذا واضح. لتحقق شرائط الاستطاعة من الميقات ، الكافي في وجوب حج الإسلام وصحته.

[٢] تقدم الكلام في ذلك في المسألة الخامسة والستين. وذكرنا هناك : أن هذه الأعذار إنما تكون مانعة عن الاستطاعة في ظرف الترك ، لا في ظرف الفعل فراجع ، وتأمل.

[٣] نسبه في المدارك والذخيرة والمستند إلى الأكثر. وفي الجواهر : جعله المشهور نقلاً وتحصيلاً.

[٤] قال في المسالك : « ويمكن اعتبار زمان يمكن فيه تأدي الأركان خاصة .. إلى أن قال : واختاره في التذكرة والمهذب .. ». وفي‌

٢٣٦

وربما يقال : باعتبار بقائها إلى عود الرفقة [١]. وقد يحتمل كفاية بقائها إلى زمان يمكن فيه الإحرام ودخول الحرم [٢] وقد يقال بكفاية وجودها حين خروج الرفقة ، فلو أهمل استقر عليه ، وإن فقدت بعد ذلك ، لأنه كان مأموراً بالخروج معهم [٣]. والأقوى اعتبار بقائها إلى زمان يمكن فيه العود إلى وطنه ، بالنسبة إلى الاستطاعة المالية ، والبدنية ، والسربية وأما بالنسبة إلى مثل العقل فيكفي بقاؤه إلى آخر الاعمال. وذلك لان فقد بعض هذه الشرائط يكشف عن عدم الوجوب عليه واقعاً ، وأن وجوب الخروج مع الرفقة كان ظاهرياً [٤].

______________________________________________________

الجواهر : ذكر أنه حكي عن الشهيد والمهذب.

[١] قد يستفاد ذلك مما ذكره في التذكرة ، من أن من تلف ماله قبل عود الحاج ، وقبل مضي إمكان عودهم ، لم يستقر الحج في ذمته.

[٢] هذا الاحتمال ذكره في القواعد. وفي المستند : « نسبه بعضهم إلى التذكرة ، واستحسنه بعض المتأخرين إن كان زوال الاستطاعة بالموت .. ».

[٣] قال في المستند : « إن اشترط وجوب القضاء بالاستقرار واقعاً فالحق هو الأول .. ( إلى أن قال ) : لكن الشأن في اشتراط ذلك ، ولذا تأمل فيه في الذخيرة. وهو في موضعه. بل الأقرب عدم الاشتراط وكفاية توجه الخطاب ظاهراً أولاً ، كما هو ظاهر المدارك ، وصريح المفاتيح وشرحه .. » إلى آخر ما نقلناه عنه في شرح المسألة الخامسة والستين. فراجع كلامه وكلام غيره المنقول هناك.

[٤] في المستند اعترف بذلك ، غير أنه ادعى إطلاق صحيحتي ضريس‌ والعجلي‌ ، المتقدمتين في المسألة الثالثة والسبعين ، الدالتين على وجوب القضاء‌

٢٣٧

______________________________________________________

إذا لم يمت بعد الإحرام ودخول الحرم ، الشامل لما إذا لم يستقر. وكذا إطلاقات وجوب القضاء. وفيه : ما عرفت في المسألة السابقة ، من أن الصحيحتين المذكورتين لا عموم لهما لذلك ، وليستا واردتين في مقام تشريع وجوب القضاء وإن لم يجب عليه الأداء. فراجع.

ثمَّ إن المتعين الرجوع إلى القواعد الأولية. ومقتضى ما تقدم ، من اعتبار الشرائط في الوجوب : عدم استقرار الوجوب مع انتفاء بعضها. فما يعتبر في الوجوب وجوده ـ في الذهاب والإياب ـ إذا انتفى قبل مضي زمان الإياب انتفى الوجوب معه ، وما لا يعتبر في الإياب ، بل يعتبر وجوده إلى آخر زمان العمل ، إذا انتفى قبل زمان تمام العمل انتفى الوجوب معه ، وإذا انتفى بعد ذلك لم ينتف الوجوب معه. فالمدار في استقرار الوجوب واقعاً وجود الشرط واقعاً ، فاذا انتفى انتفى ، كما أشار الى ذلك المصنف.

ومنه يظهر لك الإشكال في بقية الأقوال المذكورة. إذ الأول خلاف ما دل على اعتبار جملة من الشرائط في الإياب كالذهاب. نعم يتم ذلك بالإضافة إلى الحياة. ولعل مراد بعضهم خصوص ذلك. والثاني مبني على الفرق بين أجزاء الواجب ، وهو غير ظاهر. وعدم لزوم التدارك مع الفوات ـ لعذر ، أو ولو لا لعذر ـ لا يوجب الفرق بينها في الجزئية ، وفي اعتبار وجود شرائط الاستطاعة في كل منها على نحو واحد. وعدم لزوم التدارك والإعادة على تقدير ترك بعضها لا يدل على عدم الجزئية ، ولا على الفرق بينها فيما ذكرنا. وأما الاحتمال الرابع فهو مبني على إلحاق المقام بما لو مات بعد الإحرام ودخول الحرم ، وهو لا دليل عليه. وليس البناء على التعدي عن مورده ، وإلا لزم وجوب الحج على من علم بانتفاء جميع الشرائط بعد الإحرام ودخول الحرم ، وهو كما ترى. وأما الخامس فهو ـ على ظاهره ـ مبني على اعتبار اجتماع الشرائط حين خروج الرفقة ظاهراً ،

٢٣٨

ولذا لو علم من الأول أن الشرائط لا تبقى الى الآخر لم يجب عليه. نعم لو فرض تحقق الموت بعد تمام الاعمال كفى بقاء تلك الشرائط إلى آخر الاعمال ، لعدم الحاجة حينئذ إلى نفقة العود ، والرجوع إلى كفاية ، وتخلية السرب ، ونحوها. ولو علم من الأول بأنه يموت بعد ذلك ، فان كان قبل تمام الاعمال لم يجب عليه المشي ، وإن كان بعده وجب عليه. هذا إذا لم يكن فقد الشرائط مستنداً إلى ترك المشي ، والا استقر عليه ، كما إذا علم أنه لو مشى الى الحج لم يمت أو لم يقتل أو لم يسرق ماله مثلاً ، فإنه حينئذ يستقر عليه الوجوب ، لأنه بمنزلة تفويت الشرط على نفسه. وأما لو شك في أن الفقد مستند إلى ترك المشي أولا ، فالظاهر عدم الاستقرار ، للشك‌

______________________________________________________

ولا يضر انتفاء الشرائط واقعاً. وهو غريب ، لأنه خلاف ما دل على اعتبار الاستطاعة ، الظاهر في شرطية الوجود الواقعي لا الظاهري. ولعل مراد بعضهم صورة ما إذا لم يعلم استناد انتفاء بعض الشرائط إلى ترك الحج ، بحيث احتمل بقاؤها على تقدير السفر للحج. اعتماداً منهم على أصالة السلامة ، المقتضية للوجوب الظاهري ، فيكون الاستقرار ظاهرياً لا واقعياً. وحينئذ يجب ترتيب آثار استقراره ظاهراً ، من وجوب الأداء بعد ذلك ولو متسكعاً ، والقضاء عنه بعد موته ، لا أن اجتماع الشرائط ظاهراً موضوع للحكم الواقعي. ولذلك استشكل في المدارك على العلامة في التذكرة ، حيث جزم بأن من تلف ماله قبل عود الحاج ، وقبل مضي إمكان عودهم ، لم يستقر الحج في ذمته ، لأن نفقة الرجوع لا بد منها في الشرائط ، بقوله : « ويشكل : باحتمال بقاء المال لو سافر .. ». وكيف كان فهذا القول على ظاهره خلاف مقتضى‌

٢٣٩

في تحقق الوجوب وعدمه واقعاً [١]. هذا بالنسبة إلى استقرار الحج لو تركه ، وأما لو كان واجداً للشرائط حين المسير فسار ، ثمَّ زال بعض الشرائط في الأثناء فأتم الحج على ذلك الحال. كفى حجه عن حجة الإسلام ، إذا لم يكن المفقود مثل العقل ، بل كان هو الاستطاعة البدنية ، أو المالية ، أو السربية ونحوها على الأقوى [٢].

( مسألة ٨٢ ) : إذا استقر عليه العمرة فقط ، أو‌

______________________________________________________

الأدلة ، بل خلاف المقطوع به منها.

[١] هذا الشك إنما يقدح في البناء على ثبوت الوجوب لو لم تجر أصالة السلامة التي من أجلها بني على ثبوت الوجوب ظاهراً حين سفر القافلة ، وعدم جريانها بعد العلم بانتفاء الشرط غير ظاهر ، لأن الثابت بها السلامة على تقدير السفر وهي مشكوكة ، لا السلامة مطلقا كي يتبين انتفاؤها. فلاحظ وتأمل.

[٢] قد تقدمت الإشارة إلى أن الشرائط المعتبرة في الاستطاعة على قسمين : الأول : ما دل على اعتباره دليل بالخصوص ، كملك الزاد والراحلة ، وكالصحة في البدن ، وتخلية السرب. الثاني : ما دخل تحت عنوان العذر ، وهو ما يصح الاعتذار به عند العقلاء في ترك الحج. فالقسم الأول إذا حج مع فقده لم يكن حجه حج الإسلام ، لفقد شرط حج الإسلام ، وهو الاستطاعة. والقسم الثاني إذا حج مع فقده أجزأه ، وكان حج الإسلام. لأن دليل اعتباره يختص بما لو ترك الحج معتذراً به ، فلا يشمل صورة ما لو حج مقدماً عليه. وحينئذ يكون المرجع فيه : إطلاق أدلة الوجوب ، المقتضي للإجزاء.

٢٤٠