مستمسك العروة الوثقى - ج ١٠

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٠

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣٨٦

على التكسب ، وهو ملتزم بالإنفاق عليه ، أو كان متكفلاً لانفاق يتيم في حجره ولو أجنبي يعد عيال له ، فالمدار على العيال العرفي.

( مسألة ٥٨ ) : الأقوى وفاقاً ـ لأكثر القدماء ـ اعتبار الرجوع الى كفاية ، من تجارة ، أو زراعة ، أو صناعة ، أو منفعة ملك له ، من بستان ، أو دكان ، أو نحو ذلك [١] ،

______________________________________________________

الحكم بالعيال العاجز عن الإنفاق على نفسه. والذي اختاره في الجواهر عموم الحكم لكل من يكون ترك إعالته حرجاً عليه. عملا بأدلة الحرج ، التي كانت هي المرجع في استثناء المسكن والخادم ونحوهما. وقد رمز الامام (ع) له‌ بقوله : « اليسار في المال ». وما ذكره (ره) في محله ، لما تقدم.

[١] حكي ذلك عن الشيخين والحلبيين وابني حمزة وسعيد وجماعة آخرين ، وعن الخلاف والغنية : الإجماع عليه. لخبر أبي الربيع الشامي ، المتقدم في المسألة السابقة‌. وزاد المفيد في المقنعة في روايته عنه ـ بعد قوله (ع) : « ويستغني به عن الناس » ‌ـ : « يجب عليه أن يحج بذلك ثمَّ يرجع فيسأل الناس بكفه! لقد هلك الناس إذاً. فقيل فما السبيل؟ قال : فقال : السعة في المال ، وهو أن يكون معه ما يحج ببعضه ، ويبقى بعض يقوت به نفسه وعياله » (١) ‌، و‌خبر الأعمش عن الصادق (ع) أيضاً في تفسير السبيل : « هو الزاد والراحلة ، مع صحة البدن ، وأن يكون للإنسان ما يخلفه على عياله ، وما يرجع اليه من بعد حجه » (٢). و‌في مجمع البيان في تفسير الآية الشريفة : « المروي عن أئمتنا (ع) : أنه الزاد والراحلة ، ونفقة من تلزمه نفقته ، والرجوع إلى كفاية ، إما من مال أو

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب وجوب الحج ملحق حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب وجوب الحج حديث : ٤.

١٦١

______________________________________________________

ضياع أو حرفة .. » (١).

لكن الجميع غير صالح لذلك ، أما الخبر فظاهر في نفقة العيال حال السفر. وأما المرسل في المقنعة فالموثوق به أنه عين الخبر المذكور ، وحينئذ يشكل الاستدلال به ، للتعارض في النقل. مع أن منصرف الحديث صورة العجز على نحو يؤدي إلى الهلاك. فلا يدل على القول المذكور. وأما خبر الأعمش‌ فلإجمال ما يرجع إليه بعد حجه من حيث المدة ـ وأنها سنة أو أقل أو أكثر ـ ومن حيث الكم ، وأنه قليل أو كثير. وحمله على ما لا بد له منه عند الرجوع ـ بقرينة دليل نفي الحرج ـ رجوع إلى الدليل المذكور ، وحينئذ يتعين العمل بمقتضاه لا غير. وأما مرسل مجمع البيان‌ فعده من قسم الخبر لا يخلو من إشكال ، لظهوره في كونه من باب بيان المضمون بحسب فهم الناقل ، فهو أشبه بالفتوى من الخبر. ولا سيما مع تفرده في نقل ذلك دون غيره من أئمة الحديث. مضافا إلى إشكال السند فيه وفي خبر الأعمش‌ ، لعدم صحتهما. وعدم ثبوت اعتماد الأصحاب عليهما ، فان الظاهر أن اعتمادهم كان على خبر أبي الربيع‌ الذي عرفت قصور دلالته. وعلى هذا فالاعتماد على النصوص المذكورة غير ظاهر.

نعم لا بأس بالرجوع إلى أدلة نفي الحرج والعمل بمقتضاها (٢) ، فكما أنها تعمل عملها في كيفية مئونته ومئونة عياله في السفر ، واستثناء مثل الخادم والدار وغيرهما من المستثنيات ، تعمل عملها في ذلك أيضاً. فإذا كان صرف ما عنده ، مما يكفيه في سفره لنفسه ولعياله حرجا عليه ـ لأنه يرجع الى مهانة ومذلة ـ فهو غير مستطيع ، وإلا فهو مستطيع. ولعل مراد القائلين باعتبار الرجوع الى كفاية ذلك ـ كما يظهر من المتن ـ لا اعتبار‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب وجوب الحج حديث : ٥.

(٢) تقدمت الإشارة إلى الأدلة المذكورة إجمالا في صفحة : ٧٢.

١٦٢

بحيث لا يحتاج الى التكفف ، ولا يقع في الشدة والحرج. ويكفي كونه قادراً على التكسب اللائق به ، أو التجارة باعتباره ووجاهته ، وإن لم يكن له رأس مال يتجر به. نعم قد مر عدم اعتبار ذلك في الاستطاعة البذلية [١]. ولا يبعد عدم اعتباره ـ أيضاً ـ فيمن يمضي أمره بالوجوه اللائقة به ، كطلبة العلم من السادة وغيرهم ، فاذا حصل لهم مقدار مئونة الذهاب والإياب ، ومئونة عيالهم إلى حال الرجوع وجب عليهم. بل وكذا الفقير الذي عادته وشغله أخذ الوجوه ولا يقدر على التكسب ، إذا حصل له مقدار مئونة الذهاب والإياب له ولعياله [٢].

______________________________________________________

الكفاية تعبداً ، كما في ملك الزاد والراحلة ، حسبما ينسبق الى الذهن من كلماتهم ولأجل ذلك لم يوافقهم جماعة عليه كابن إدريس والمحقق والعلامة. وعن ظاهر اليد ـ بل عن المعتبر والتذكرة ـ : نسبته إلى الأكثر. وكيف كان فان كان مراد القائلين باعتبار الرجوع إلى كفاية في الاستطاعة ، المعنى الذي يقتضيه دليل نفي الحرج فهو في محله. وإن كان مرادهم المعني الذي يظهر من نفس الكلام فلا دليل عليه ، بل إطلاق أدلة الوجوب ينفيه.

[١] بناء على ما ذكرنا من المعنى لا فرق بين الاستطاعة المالية والبذلية في ذلك ، فاذا كان المبذول له ممن يكتسب في أيام الحج لا غير ، ويعيش بربحه في تمام السنة ، فوجوب الحج عليه بالبذل يوجب وقوعه في الحرج ، من جهة عجزه عن إدارة معاشه في بقية السنة ، فلا يجب عليه الحج. إلا إذا بذل له ما يكفيه لبقية سنته.

[٢] ومثله : من كان له ولد ، أو والد ، أو صديق ينفق عليه بمقدار حاجته.

١٦٣

وكذا كل من لا يتفاوت حاله قبل الحج وبعده [١] ، إذا صرف ما حصل له من مقدار مئونة الذهاب والإياب ، من دون حرج عليه.

( مسألة ٥٩ ) : لا يجوز للولد أن يأخذ من مال والده ويحج به [٢]. كما لا يجب على الوالد أن يبذل له. وكذا لا يجب على الولد بذل المال لوالده ليحج به. وكذا لا يجوز للوالد الأخذ من مال ولده للحج. والقول بجواز ذلك أو‌

______________________________________________________

[١] مثل الذي كانت حرفته النيابة عن الأموات في العبادات ، أو كانت حرفته بعض الأعمال الخسيسة ، كالحمال والكناس ونحوهما ممن اعتاد ذلك ولا يراه حرجاً عليه ، فان الجميع يجب عليهم الحج وإن لم يكن لهم ما به الكفاية. ولا سيما إذا كان عازماً على الاستمرار على عمله بعد رجوعه من الحج على كل حال. وما في مناسك بعض الأعاظم. وفي حاشيته على الكتاب : من عدم وجوب الحج عليهم غير ظاهر.

[٢] كل ذلك على المشهور. لقاعدة السلطنة. و‌للتوقيع الشريف : « فلا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه » (١). وللنصوص الخاصة مثل‌ خبر علي بن جعفر (ع) عن أبي إبراهيم (ع) قال : « سألته عن الرجل يأكل من مال ولده؟ قال : لا ، إلا أن يضطر إليه فيأكل منه بالمعروف. ولا يصلح للولد أن يأخذ من مال والده شيئاً إلا بإذن والده » (٢) ‌، و‌حسن الحسين بن أبي العلاء قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : ما يحل للرجل من مال ولده؟ قال (ع) : قوته بغير سرف إذا اضطر اليه. قال : قلت له : فقول رسول الله (ص) للرجل الذي أتاه فقدم أباه ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب الأنفال حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٧٨ من أبواب ما يكتسب به حديث : ٦.

١٦٤

وجوبه ـ كما عن الشيخ [١] ـ ضعيف ، وإن كان يدل عليه‌ صحيح سعيد بن يسار قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : الرجل يحج من مال ابنه وهو صغير؟ قال : نعم ، يحج منه حجة الإسلام. قلت : وينفق منه؟ قال : نعم. ثمَّ قال : إن مال

______________________________________________________

فقال له : أنت ومالك لأبيك. فقال (ع) : إنما جاء بأبيه إلى النبي (ص) فقال : يا رسول الله ، هذا أبي وقد ظلمني ميراثي من أمي ، فأخبره الأب أنه أنفقه عليه وعلى نفسه. فقال : أنت ومالك لأبيك ، ولم يكن عند الرجل شي‌ء. أو كان رسول الله (ص) يحبس الأب للابن؟! » (١) ‌، و‌خبر أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (ع) : « إن رسول الله (ص) قال لرجل : أنت ومالك لأبيك. ثمَّ قال أبو جعفر (ع) : ما أحب أن يأخذ من مال ابنه إلا ما احتاج اليه مما لا بد منه ، إن الله لا يُحِبُّ الْفَسادَ » (٢). ونحوها غيرها.

[١] حكي عنه ذلك في الخلاف والتهذيب والنهاية ، وحكي أيضاً عن القاضي في المهذب. وظاهر الجواهر : نسبته الى المفيد ، بل ظاهر الخلاف عدم الخلاف فيه. قال (ره) : « مسألة : إذا كان لولده مال ، روى أصحابنا : أنه يجب عليه الحج ، ويأخذ منه قدر كفايته ويحج به ، وليس للابن الامتناع منه. وخالف جميع الفقهاء في ذلك. دليلنا : الأخبار المروية في هذا المعنى من جهة الخاصة ، قد ذكرناها في الكتاب الكبير. وليس فيها ما يخالفها ، فدل على إجماعهم على ذلك. وأيضاً قوله (ع) : « أنت ومالك لأبيك » ‌، فحكم أن ملك الابن مال الأب ، وإذا كان له فقد وجد الاستطاعة ، فوجب عليه الحج ».

__________________

(١) الوسائل باب : ٧٨ من أبواب ما يكتسب به حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ٧٨ من أبواب ما يكتسب به حديث : ٢.

١٦٥

الولد لوالده. إن رجلاً اختصم هو ووالده الى رسول الله (ص) فقضى أن المال والولد للوالد » (١) [١]. وذلك لإعراض الأصحاب عنه [٢]. مع إمكان حمله على الاقتراض من ماله ، مع استطاعته من مال نفسه. أو على ما إذا كان فقيراً ، وكانت نفقته على ولده ، ولم يكن نفقة السفر إلى الحج أزيد من نفقته في الحضر إذ الظاهر الوجوب حينئذ [٣].

______________________________________________________

[١] وكذا‌ صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن الرجل يحتاج الى مال ابنه. قال (ع) : يأكل منه ما شاء من غير سرف. وقال (ع) : في كتاب علي (ع) : إن الولد لا يأخذ من مال والده شيئاً إلا بإذنه ، والوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء. وله أن يقع على جارية ابنه إذا لم يكن الابن وقع عليها. وذكر أن رسول الله (ص) قال للرجل : أنت ومالك لأبيك » (٢).

[٢] لكن الإشكال في كون الاعراض بنحو يقتضي السقوط عن الحجية ، إذ من الجائز أن يكون الوجه فيه بناءهم على التعارض والترجيح ، وإلا فالشيخان أعرف بمذهب الإمامية من غيرهما. وكذا في جهة الصدور.

[٣] مجرد الإمكان غير كاف في رفع اليد عن الظاهر. إلا إذا كان مقتضى الجمع العرفي. ومن المعلوم أن الجمع العرفي بين الدليلين ـ المتضمن أحدهما للمنع والآخر للرخصة ـ حمل الأول على الكراهة ، فتحمل النصوص الأول على كراهة الأخذ وإن جاز. نعم يشكل الأخذ بالصحيح المذكور ، لظهوره في أن جواز الأخذ من أجل قول النبي (ص) : إن المال والولد للوالد ، الوارد في الخصومة بين الوالد والولد. فان ذلك معارض بما في خبر الحسين بن أبي العلاء المتقدم في شرح تلك الخصومة‌ ، وقول النبي (ص)

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب وجوب الحج حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٧٨ من أبواب ما يكتسب به حديث : ١.

١٦٦

______________________________________________________

الوارد فيها‌ (١). وحينئذ لا بد من الرجوع الى قواعد التعارض. ورواية الحسين‌ معتضدة بعموم حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه ، والنصوص الخاصة ، كرواية الثمالي المتقدمة‌ (٢) ، و‌رواية علي بن جعفر (ع) عن أبي إبراهيم (ع) : « سألته عن الرجل يأكل من مال ولده؟ قال (ع) : لا. إلا أن يضطر إليه ، فيأكل منه بالمعروف » (٣) ‌، و‌صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) ، وفيها : « أما إذا أنفق عليه بأحسن النفقة فليس له أن يأخذ من ماله شيئاً. وإنه لا يطأ جارية إلا أن يقومها على نفسه » (٤) ‌وغير ذلك مما هو كثير.

كما أن صحيح سعيد معتضد بصحيح ابن مسلم المتقدم‌ (٥). وقوله (ع) : « من غير سرف » ‌يمكن حمله على السرف المحرم. فتأمل. و‌برواية محمد ابن سنان فيما كتبه إلى الرضا (ع) : « وعلة تحليل مال الولد لوالده بغير إذنه‌ .. ( إلى أن قال ) : لأن الولد موهوب‌ .. ( إلى أن قال ) : ولقول النبي (ص) : أنت ومالك لأبيك » (٦) ‌، وخبر علي بن جعفر (ع) المروي عن كتابه ، المتضمن لجواز وطء الأب جارية الابن إن أحب ، وكذلك الأخذ من ماله ، وأن الأم لا تأخذ إلا قرضاً‌ (٧). وعلى هذا فالنصوص طائفتان ، كل منهما فيه الصحيح وغيره ، وكل منهما مشهور الرواية.

نعم الطائفة الأولى موافقة لعموم المنع من التصرف في مال الغير بغير إذنه ، والطائفة الثانية مخالفة للعامة ، لما تقدم في كلام الشيخ في الخلاف ،

__________________

(١) تقدم ذكر الروايات المذكورة في صدر المسألة.

(٢) تقدم ذكر الروايات المذكورة في صدر المسألة.

(٣) تقدم ذكر الروايات المذكورة في صدر المسألة.

(٤) الوسائل باب : ٧٨ من أبواب ما يكتسب به حديث : ٣.

(٥) تقدم ذكر الروايتين في المسألة قريباً.

(٦) الوسائل باب : ٧٨ من أبواب ما يكتسب به حديث : ٩.

(٧) الوسائل باب : ٧٨ من أبواب ما يكتسب به حديث : ١٠.

١٦٧

( مسألة ٦٠ ) : إذا حصلت الاستطاعة لا يجب أن يحج من ماله ، فلو حج في نفقة غيره لنفسه أجزأه [١] ، وكذا لو حج متسكعاً. بل لو حج من مال الغير غصباً صح وأجزأه. نعم إذا كان ثوب إحرامه وطوافه وسعيه من المغصوب لم يصح. وكذا إذا كان ثمن هديه غصباً [٢].

( مسألة ٦١ ) : يشترط في وجوب الحج الاستطاعة البدنية ، فلو كان مريضاً لا يقدر على الركوب ، أو كان حرجاً عليه ـ ولو على المحمل أو الكنيسة ـ لم يجب [٣]. وكذا لو‌

______________________________________________________

من بناء جميع الفقهاء على المنع. وعلى هذا إن بني على الترتيب في الترجيح بالمرجحات ، فالموافقة للكتاب لما كانت متقدمة على مخالفة العامة كان اللازم الأخذ بنصوص المنع. وإن بني على عدم الترتيب فاللازم التخيير في المقام ، لاشتمال كل طائفة منهما على مرجح. لكن الأخذ بنصوص المنع أولى ، لأنه أبعد عن الظلم والعدوان ، وأقرب الى المرتكزات الشرعية ، وموافق للمشهور بين الأصحاب. والله سبحانه الموفق للصواب.

[١] إجماعاً بقسميه ، كما في الجواهر. وفي المستند. « لا خلاف فيه بين العلماء ، لأن الحج واجب عليه ، وقد امتثل بفعل المناسك المخصوصة ، فيحصل الاجزاء. وصرف المال غير واجب لذاته ، وإنما يجب إذا توقف عليه الواجب .. ».

[٢] إذا كان قد اشتراه بعين الثمن. أما إذا اشتراه بثمن في الذمة ووفى من المغصوب صح الهدي ، وإن بقي مشغول الذمة بالثمن.

[٣] بلا خلاف أجده فيه ، بل عن المنتهى : كأنه إجماعي ، وعن المعتبر : اتفاق العلماء عليه ، كذا في الجواهر وغيرها. ويقتضيه ما دل على‌

١٦٨

تمكن من الركوب على المحمل لكن لم يكن عنده مئونته [١]. وكذا لو احتاج الى خادم ولم يكن عنده مئونته.

( مسألة ٦٢ ) : ويشترط أيضاً : الاستطاعة الزمانية [٢] ، فلو كان الوقت ضيقاً لا يمكنه الوصول الى الحج ، أو أمكن لكن بمشقة شديدة لم يجب [٣]. وحينئذ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب ، وإلا فلا.

______________________________________________________

اعتبار صحة البدن في الاستطاعة زائداً على اعتبار الزاد والراحلة.

[١] يمكن أن يدخل هذا في فقد الاستطاعة المالية وإن كان ذلك لفقد صحة البدن. وإن شئت قلت : يدخل في أحد الأمرين.

[٢] نسبه في التذكرة إلى علمائنا ، وفي كشف اللثام : أنه إجماع. وقال في المستند : « للإجماع ، وفقد الاستطاعة ، ولزوم الحرج والعسر ، وكونه مما يعذره الله تعالى فيه ، كما صرح به في بعض الأخبار .. » (١). والعمدة : الأول والأخير. وأما الثاني فمشكل ، بعد تفسير الاستطاعة بالزاد والراحلة وغيرهما مما لا يدخل فيه الزمان. اللهم إلا أن يكون مفهوما من سياق أدلة التفسير. وأما الثالث فإنما يجدي في رفع التكليف لا في رفع الملاك. إلا أن يرجع إلى الأخير ، كما أشرنا إليه آنفاً ، ويأتي أيضاً.

[٣] لما عرفت ويأتي من أن أدلة نفي الحرج وإن لم تكن نافية لملاك الحكم في الواجبات والمحرمات الحرجية غير الحج ، لكنها في الحج رافعة لملاكه ، فان من مقومات الاستطاعة ـ التي هي شرط الوجوب ـ عدم لزوم الحرج. ولذلك بنى الأصحاب على انتفائها في كثير من الموارد التي يكون وجوب الحج فيها حرجياً ، يتضح ذلك بملاحظة ما تقدم في‌

__________________

(١) لعل المقصود بها حديث : ٢ و٧ من باب ٢٤ من أبواب وجوب الحج من الوسائل.

١٦٩

( مسألة ٦٣ ) : ويشترط أيضاً : الاستطاعة السربية [١] ، بأن لا يكون في الطريق مانع لا يمكن معه الوصول الى الميقات أو الى تمام الأعمال ، وإلا لم يجب. وكذا لو كان غير مأمون [٢] بأن يخاف على نفسه ، أو بدنه أو عرضه ، أو ماله ـ وكان الطريق منحصراً فيه ، أو كان جميع الطرق كذلك. ولو كان هناك طريقان ، أحدهما أقرب لكنه غير مأمون ، وجب الذهاب‌

______________________________________________________

فروع الاستطاعة المالية.

[١] بلا خلاف ولا إشكال. وفي المستند : « اشتراطها مجمع عليه ، محققاً ومحكياً .. ». ويقتضيه ـ مضافاً الى ذلك ـ الآية (١) ، والنصوص المتضمنة لتخلية السرب‌ (٢).

[٢] الحكم هنا ظاهري ، فإن موضوع الحكم الواقعي بعدم الوجوب ـ لعدم الاستطاعة ـ هو عدم تخلية السرب واقعاً ، فمع الشك لا يحرز الحكم الواقعي ، بل يكون الحكم بعدم الوجوب ظاهرياً. نعم مع احتمال تلف النفس لما كان يحرم السفر يكون الحكم الظاهري بحرمة السفر موضوعاً للحكم الواقعي بانتفاء الاستطاعة وانتفاء وجوب الحج ، لكن لا لأجل انتفاء تخلية السرب ، بل للحرمة الظاهرية المانعة عن القدرة على السفر. أما مع احتمال تلف المال أو غيره مما لا يكون الاقدام معه حراماً ، فالأصول والقواعد العقلائية ـ المرخصة في ترك السفر ـ تكون من قبيل الحجة على انتفاء تخلية السرب. ولأجل ذلك يكون المدار في عدم وجوب السفر وجود الحجة على عدم وجوبه ، من أصل عقلائي ، أو أمارة كذلك تقتضي الترخيص في تركه. وعليه لو انكشف الخلاف انكشف كونه‌

__________________

(١) آل عمران : ٩٧.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب وجوب الحج حديث : ٤ ، ٥ ، ٧.

١٧٠

من الأبعد المأمون. ولو كان جميع الطرق مخوفاً إلا أنه يمكنه الوصول الى الحج بالدوران في البلاد ـ مثل ما إذا كان من أهل العراق ، ولا يمكنه إلا أن يمشي إلى كرمان ، ومنه الى خراسان ، ومنه الى بخارا ، ومنه الى الهند ، ومنه الى بوشهر ، ومنه الى جدة مثلاً ، ومنه إلى المدينة ، ومنها إلى مكة ـ فهل يجب أو لا؟ وجهان ، أقواهما عدم للوجوب [١] ، لأنه يصدق عليه أنه لا يكون مخلى السرب.

( مسألة ٦٤ ) : إذا استلزم الذهاب الى الحج تلف مال

______________________________________________________

مستطيعا واقعاً ، كما لو قامت البينة على ثبوت دين عليه بمقدار ما يوجب ثلم استطاعته ، ثمَّ انكشف كذب البينة ، فإنه يجب عليه في العام اللاحق السفر إلى الحج ولو متسكعاً ، لاشتغال ذمته به واستقرار الوجوب عليه ، كما تقدم ذلك في بعض الفروع السابقة. بل في صورة احتمال تلف النفس وإن كان السفر حراماً.

لكن يمكن أن يقال : إن الحرمة الآتية من جهة جهل المكلف وغلطه لا تكون نافية للاستطاعة ، كما تقدم في بعض الفروع السابقة ويأتي. نظير : ما لو ملك الزاد والراحلة واعتقد أنهما لغيره ، فإن حرمة التصرف الآتية من جهة الجهل لا تمنع من تحقق الاستطاعة واستقرار الوجوب عليه. فلاحظ.

[١] وفي المستند : « إشكال ، بل عدمه أظهر. لعدم صدق تخلية السرب عرفاً ، وعدم انصراف استطاعة السبيل إليه. فالمدني لو منع من المسير من طريق المدينة إلى مكة ، وأمكنه المسير الى الشام ، ومنه الى العراق ، ومنه الى خراسان ، ومنه الى الهند ، ومنه الى البحر ، ومنه الى مكة لم يجب عليه الحج ». وما ذكره في محله.

١٧١

له‌ في بلده معتد به لم يجب [١]. وكذا إذا كان هناك مانع شرعي [٢] ، من استلزامه ترك واجب فوري سابق على حصول الاستطاعة ، أو لاحق مع كونه أهم من الحج [٣] ، كإنقاذ غريق أو حريق. وكذا إذا توقف على ارتكاب محرم ، كما إذا توقف على ركوب دابة غصبية ، أو المشي في الأرض المغصوبة.

______________________________________________________

[١] كما نص على ذلك في المستند. لقاعدة الضرر. وفيه : أن أدلة وجوب الحج مخصصة لأدلة نفي الضرر ، لاقتضائها وجوب صرف المال ، نظير أدلة وجوب الإنفاق على الرحم ، فلا مجال لإعمال أدلة نفي الضرر معها. إلا أن يقال : إن المقدار اللازم من تخصيص أدلة نفي الضرر بأدلة وجوب الحج خصوص المال المصروف في سبيل الحج ، وفرض المسألة ليس من ذلك القبيل ، فيبقى داخلاً تحت أدلة النفي. لكن هذا التخصيص غير ظاهر ، والإطلاق ينفيه. وكأنه لذلك قال في كشف اللثام : « والحق أنه إن أدى تلف المال إلى الضرر في النفس أو البضع سقط لذلك ، وإن كان الخوف على شي‌ء قليل من المال. وإن لم يؤد إليه فلا أعرف للسقوط وجهاً ، وإن خاف على كل ما يملكه ، إذا لم نشترط الرجوع إلى كفاية .. ». وسيأتي في المسألة السابعة والستين ماله نفع في المقام ، وكذا في المسألة الآتية ، فانتظر.

[٢] قد عرفت سابقاً الوجه في ذلك. فراجع ما تقدم في المسألة الثانية والثلاثين وغيرها.

[٣] قد عرفت الإشكال في اعتبار الأهمية في نفي الاستطاعة ، فإن إطلاق العذر النافي للاستطاعة يقتضي شموله لغير الأهم ، فيكون لحوقه‌

١٧٢

( مسألة ٦٥ ) : قد علم مما مر أنه يشترط في وجوب الحج ـ مضافاً الى البلوغ ، والعقل ، والحرية الاستطاعة المالية ، والبدنية ، والزمانية ، والسربية ، وعدم استلزامه الضرر [١] ، أو ترك واجب ، أو فعل حرام [٢] ، ومع فقد أحد هذه لا يجب. فبقي الكلام في أمرين :

______________________________________________________

رافعاً للاستطاعة. ومن ذلك تعرف وجه ما ذكره بقوله : « وكذا إذا توقف .. ».

[١] الضرر الذي يستلزمه السفر الى الحج تارة : يكون بدنياً. وحينئذ إما أن يرجع الى الاستطاعة البدنية ، أو إلى الشرط الأخير. وهو استلزام فعل الحرام. وأخرى : يكون مالياً. وحينئذ يكون دليل نفي الضرر دالاً على نفي الوجوب. لكن نفي الوجوب الضرري لا يدل على نفي ملاكه ، لأنه دليل امتناني ، والامتنان إنما يكون برفع الحكم لا برفع ملاكه ، إذ لا امتنان في رفعه. وإذا ثبت الملاك فقد استقر الحج في ذمة المكلف ، وحينئذ يجب عليه الحج في السنة القابلة ولو متسكعاً ، وهو خلاف المدعى من انتفاء الاستطاعة. وعلى هذا لا يكون لزوم الضرر شرطاً في الاستطاعة لدليل نفي الضرر ، بل لا بد أن يدخل تحت عنوان آخر. مثل كونه مما يصح الاعتذار به في ترك الحج ، ليدخل في النصوص المتضمنة لاشتراط عدم القدرة في تحقق الاستطاعة. لكن في صحة الاعتذار بالضرر المالي إشكال ، كما عرفت قريباً. وكان المناسب للمصنف (ره) التعرض لعدم الحرج ، منضماً إلى عدم الضرر ، فان الحرج أولى من الضرر في صحة الاعتذار به. وقد تقدم : أن جملة من الشروط كان الوجه في اعتبارها لزوم الحرج.

[٢] تقدم وجه ذلك ، كما أشرنا إليه في المسألة السابقة.

١٧٣

أحدهما : إذا اعتقد تحقق جميع هذه مع فقد بعضها واقعاً ، أو اعتقد فقد بعضها وكان متحققاً ، فنقول : إذا اعتقد كونه بالغاً أو حراً ـ مع تحقق سائر الشرائط ـ فحج ، ثمَّ بان أنه كان صغيراً أو عبداً ، فالظاهر ـ بل المقطوع ـ عدم إجزاءه عن حجة الإسلام [١]. وإن اعتقد كونه غير بالغ أو عبداً ـ مع تحقق سائر الشرائط ـ وأتى به ، أجزأه عن حجة الإسلام ، كما مر سابقاً [٢]. وإن تركه مع بقاء الشرائط إلى ذي الحجة فالظاهر استقرار وجوب الحج عليه [٣].

______________________________________________________

[١] كما يقتضيه إطلاق أدلة الوجوب عند اجتماع الشرائط.

[٢] يعني : في المسألة التاسعة من مبحث اشتراط الكمال. ومر بعض الاشكال فيه.

[٣] أصل الحكم في الجملة مما لا ينبغي الإشكال فيه. قال في الجواهر : « لا خلاف ولا إشكال ـ نصاً وفتوى ـ في أنه يستقر الحج في الذمة إذا استكملت الشرائط وأهمل حتى فات. فيحج في زمن حياته وإن ذهبت الشرائط التي لا ينتفي معها أصل القدرة ، ويقضى عنه بعد وفاته .. ». ونحوه كلام غيره. إنما الإشكال فيما ذكر المصنف (ره) : من التحديد بذي الحجة ، فإن المذكور في كلام الجماعة غير ذلك. قال في الذخيرة : « اختلف كلام الأصحاب فيما يتحقق به استقرار الحج ، فذهب الأكثر إلى أنه يتحقق بمضي زمان يمكن الإتيان فيه بجميع أفعال الحج مستجمعاً للشرائط ، وأطلق المحقق القول بتحققه بالإهمال مع تحقق الشرائط ، واكتفى المصنف (ره) في التذكرة بمضي زمان يمكن فيه تأدي الأركان خاصة. واحتمل الاكتفاء بمضي زمان يمكن فيه الإحرام ودخول الحرم. واستحسنه‌

١٧٤

______________________________________________________

بعض المتأخرين إن كان زوال الاستطاعة بالموت ، وإن كان بذهاب المال أو غيره فلا. ولعدم الدليل على الاجزاء لو عجز عن الحج بعد دخول الحرم. والأخبار خالية عن ذلك كله ، بل ليس فيها حديث الاستقرار أصلا. ولعل ما ذكره الأصحاب مبني على أن وجوب القضاء تابع لوجوب الأداء. وللتأمل فيه مجال .. ». ونحوه ما ذكره في المستند. وزاد ـ بعد ما حكى عن الذخيرة ما ذكره أخيراً ، من التأمل في كون القضاء تابعاً للأداء ـ أن قال : « وهو في موضعه. بل الأقرب عدم الاشتراط ، وكفاية توجه الخطاب ظاهراً أولا. وهو ظاهر المدارك ، وصريح المفاتيح وشرحه. وجعل الأخير القول بالاشتراط اجتهاداً في مقابلة النص ، ونسب فيه ـ وفي سابقة ـ القول بعدم الاشتراط إلى الشيخين. وينسب إلى المحقق أيضاً ، حيث حكم بوجوب القضاء بالإهمال ، مع استكمال الشرائط .. ». ونحوهما كلام غيرهما.

والمستفاد منها وجود احتمالات وأقوال : الأول : استمرار بقاء الشرائط إلى آخر زمان يمكن فيه تمام الافعال. وهو الذي اختاره في التذكرة والقواعد. قال في أولهما : « استقرار الحج في الذمة يحصل بالإهمال ، بعد حصول الشرائط بأسرها ، ومضي زمان جميع أفعال الحج .. ». الثاني : مضي زمان الأركان. وهو المحكي عن التذكرة. لكنه غير موجود فيما عندنا ، كما اعترف به في كشف اللثام. الثالث : مضي زمان يقع فيه الإحرام ودخول الحرم ، كما احتمله في التذكرة والقواعد. الرابع : توجه الخطاب بالحج ولو ظاهراً ، كما اختاره في المستند وغيره. وحكى في المدارك وغيرها عن التذكرة : بأن من تلف ماله قبل عود الحاج ، وقبل مضي إمكان عودهم ، لم يستقر الحج في ذمته ، لأن نفقة الرجوع لا بد منها في الشرائط. ومقتضى ذلك : اعتبار بقاء الشرائط إلى زمان يمكن‌

١٧٥

فان فقد بعض الشرائط بعد ذلك ـ كما إذا تلف ماله ـ وجب عليه الحج ولو متسكعاً. وان اعتقد كونه مستطيعاً مالاً وأن ما عنده يكفيه فبان الخلاف بعد الحج ، ففي إجزائه عن حجة الإسلام وعدمه وجهان ، من فقد الشرط واقعاً. ومن أن القدر المسلم من عدم [١] إجزاء حج غير المستطيع عن حجة الإسلام غير هذه الصورة [٢]. وإن اعتقد عدم كفاية ما عنده من المال وكان في الواقع كافياً وترك الحج ، فالظاهر الاستقرار عليه. وان اعتقد عدم الضرر أو عدم الحرج فحج فبان الخلاف ، فالظاهر كفايته [٣]. وإن اعتقد المانع ـ من‌

______________________________________________________

فيه العود ، فيكون قولاً خامساً. وما ذكره المصنف (ره) من التحديد بذي الحجة خارج عن الأقوال المذكورة. وسيأتي منه ( قده ) التعرض للأقوال في المسألة الإحدى والثمانين ، ولم يذكر فيها ما ذكره هنا ، ولا حكاه عن أحد قولاً ولا احتمالاً. وكيف كان فتحقيق هذه الأقوال يأتي في المسألة المذكورة إن شاء الله.

[١] هذا إنما يصلح وجهاً للاجزاء لو كان دليل يدل على عموم الأجزاء ، فإنه حينئذ يقتصر في الخروج عنه على القدر المتيقن. أما إذا كان مقتضى عموم الأدلة عدم الاجزاء ـ للوجه المذكور أولا ـ فيتعين القول بعدم الاجزاء.

[٢] كما تقدم ذلك في المسألة الخامسة والعشرين. وتقدم فيها ذكر خلاف المحقق القمي ( قده ) ، لشبهة العذر الموجب لرفع الاستطاعة. وتقدم الجواب عنها : بأن العذر الرافع للاستطاعة يختص بالعذر الواقعي ، ولا يشمل العذر الخطئي.

[٣] لتحقق الاستطاعة في حقه. والحرج أو الضرر وإن كان مانعاً‌

١٧٦

العدو ، أو الضرر ، أو الحرج ـ فترك الحج ، فبان الخلاف ، فهل يستقر عليه الحج أو لا؟ وجهان. والأقوى عدمه ، لأن المناط في الضرر الخوف ، وهو حاصل [١]. إلا إذا كان‌

______________________________________________________

عن الاستطاعة ، إلا أن دليل مانعيته يختص بمثل صحيح الحلبي ، المتضمن لمنافاة العذر للاستطاعة‌ (١) ، وهو يختص بمن ترك الحج ، فلا يشمل من حج.

وبالجملة : شرائط الاستطاعة مختلفة في أدلتها ، فبعضها دليلها مطلق ، مثل الزاد والراحلة ، وتخلية السرب ، وصحة البدن. وبعضها دليلها مختص بصورة ترك الحج ، مثل الحرج ، ولزوم ترك الواجب ، والوقوع في الحرام ، وغير ذلك من الأعذار. ففي القسم الأول إن حج مع فقده لم يكن حج الإسلام ، وإن لم يحج لم يستقر الحج في ذمته. وفي القسم الثاني لما كان الدليل مختصاً بمن ترك الحج ولا يشمل من حج ، فاذا حج مع فقده كان حج الإسلام وإذا تركه لم يستقر الحج في ذمته. والتفكيك بين الفاعل والتارك لا مانع عنه. ونظيره : جميع موارد الأبدال الاضطرارية ، فإن الفعل الناقص إن جاء به كان واجباً عليه ، وإن لم يأت به كان الواجب هو الكامل. فلاحظ. لكن الظاهر أن المصنف (ره) في فتواه اعتمد على ما يأتي في المسألة الآنية ، ولم يعتمد على ما ذكرنا.

[١] لا يخفى أنه إذا اعتقد المانع من العدو ، فتارة : يعتقد منعه من السير ، وأخرى : يعتقد الإضرار به بجرحه ونحوه. ففي الصورة الأولى يكون معتقداً لعدم تخلية السرب ، ومن المعلوم أن تخلية السرب في النص أخذت بنفسها شرطاً في الاستطاعة ، فاذا اعتقدها فقد اعتقد وجود المانع. وهذا الاعتقاد لم يؤخذ بنفسه مانعاً عن الاستطاعة ، ولا موجباً لفقدها ،

__________________

(١) لعل المراد به حديث : ٢ من باب : ٢٤ من أبواب وجوب الحج من الوسائل. أو يراد به صدر الحديث : ٣ من باب : ٦ من أبواب وجوب الحج من الوسائل.

١٧٧

اعتقاده على خلاف روية العقلاء وبدون الفحص والتفتيش. وإن اعتقد عدم مانع شرعي فحج ، فالظاهر الاجزاء إذا بان الخلاف [١]. وإن اعتقد وجوده فترك فبان الخلاف ، فالظاهر الاستقرار [٢].

______________________________________________________

وإنما أخذ الواقع شرطاً وعدمه مانعاً ، فيكون المقام من قبيل ما لو اعتقد عدم الاستطاعة المالية ، الذي تقدم منه استقرار الحج في الذمة معه. وفي الصورة الثانية يكون المانع من قبيل العذر المسوغ للترك ، وقد عرفت إشكال أن دليل مانعية العذر يختص بصورة وجوده واقعاً ، ولا يشمل صورة اعتقاد وجوده خطأ ، فكيف يصح أن يدعى أن المناط في الضرر الخوف؟!. نعم الخوف من الطرق الشرعية ، فإذا حصل فقد حرم السفر ظاهراً. لكن لا دليل على مانعيته واقعاً على استقرار الحج ، لانصراف دليل مانعية العذر عن مثله. وقد أشرنا إلى أن نظيره ما لو كان عنده مال لغيره سابقاً ، وشك في انتقاله اليه ، ثمَّ تبين له أنه انتقل اليه ـ ببيع ونحوه ـ وكان قد نسي ذلك. فلاحظ.

هذا في ضرر النفس. وأما ضرر المال فقد عرفت أنه راجع الى الحرج ، وقد عرفت أن مانعيته مستفادة من مانعية مطلق العذر ، وهي مختصة بالحرج الواقعي لا الخطئي. والخوف فيه ليس من الطرق الشرعية الموجبة للحرمة ظاهراً ، كي يتوهم مانعيته عن الاستطاعة ، كما قد يتوهم في الضرر الوارد على النفس. وعلى هذا فالبناء على استقرار الحج في ذمة المكلف في الفرض في محله.

[١] لما تقدم في من اعتقد عدم الضرر أو عدم الحرج فحج ، فان الفرضين من باب واحد.

[٢] لما عرفته في من اعتقد المانع من العدو أو الضرر أو الحرج ،

١٧٨

ثانيهما : إذا ترك الحج مع تحقق الشرائط متعمداً ، أو حج مع فقد بعضها كذلك. أما الأول فلا إشكال في استقرار الحج عليه مع بقائها إلى ذي الحجة [١]. وأما الثاني فإن حج مع عدم البلوغ ، أو مع عدم الحرية فلا إشكال في عدم إجزائه. إلا إذا بلغ أو انعتق قبل أحد الموقفين ، على اشكال في البلوغ قد مر [٢]. وإن حج مع عدم الاستطاعة المالية فالظاهر مسلمية عدم الاجزاء [٣]. ولا دليل عليه إلا الإجماع ، والا فالظاهر أن حجة الإسلام هو الحج الأول [٤] ، وإذا أتى به كفى ولو كان ندباً ، كما إذا أتى الصبي صلاة الظهر‌

______________________________________________________

من أن الوجه الاستقرار. ومن ذلك يظهر لك الإشكال في الفرق بين المسألتين ، حيث اختار المصنف (ره) الاستقرار في هذه المسألة وعدمه في المسألة السابقة ، مع أنهما من باب واحد.

[١] قد عرفت الإشكال في هذا التحديد.

[٢] قد مر دفع الاشكال المذكور. فراجع.

[٣] في المستند : عن بعض نفي الخلاف فيه ، وعن ظاهر الخلاف والمنتهى وغيرهما : الإجماع عليه.

[٤] هذا خلاف إطلاق ما دل على وجوب الحج على تقدير الاستطاعة ، فإنه يقتضي وجوب الحج بعد الاستطاعة وإن كان قد حج قبل ذلك ، فيكشف ذلك عن كون الحج المأتي به قبل الاستطاعة غير حج الإسلام الواجب بالاستطاعة ، وإلا لكان الأمر به من قبيل الأمر بتحصيل الحاصل ، أو من قبيل الأمر بالوجود بعد الوجود. والأول محال. والثاني مقطوع بخلافه ، وخلاف ظاهر الأدلة ، إذ الظاهر أن موضوع الأمر صرف الوجود.

١٧٩

مستحباً ـ بناء على شرعية عباداته ـ فبلغ في أثناء الوقت ، فان‌

______________________________________________________

ولا مجال لمقايسة المقام بصلاة الصبي قبل البلوغ ، إذ أدلة التشريع الأولية تقتضي كون موضوع الحكم في الصبي والبالغ واحدا ، لإطلاق الأدلة الشامل للصبي كالبالغ ، نظير إطلاقها الشامل للعادل والفاسق ، والشيخ والكهل ، ونحو ذلك. فاذا كان موضوع الخطاب والحكم في الجميع واحداً كانت الماهية واحدة لا متعددة ، فإذا جاء به الصبي قبل البلوغ فلو وجب ثانياً بعد البلوغ كان إما من الأمر بتحصيل الحاصل ، أو من الأمر بالوجود بعد الوجود. والأول محال ـ كما عرفت ـ والثاني خلاف ظاهر الأدلة ، فلا يجب.

وليس دليل نفي الوجوب عن الصبي من قبيل : « إذا بلغت فصل » كي يكون نظير المقام ، فيجب البناء فيه على وجوب الصلاة بعد البلوغ. بل ليس هو إلا حديث رفع القلم عن الصبي‌ (١) ، وهو لا يقتضي الاثنينية ولا يدل عليها. بل إنما يقتضي مجرد نفي اللزوم عن الصبي. لأن الظاهر من رفع القلم عنه رفع قلم السيئات ، وارتفاع ذلك يقتضي عدم اللزوم لا غير ، لأنه به يكون الترك سيئة. ولما لم يقتض الحديث المذكور الاثنينية لم يكن معارضاً لما دل على الوحدة ، فيتعين العمل به. ومقتضاه إجزاء الفعل قبل البلوغ ، وعدم الحاجة الى فعله ثانياً بعد البلوغ ، بل عدم مشروعيته لما عرفت من الاشكال. نعم لا بأس بالإتيان به برجاء المطلوبية ، إذ ما ذكرنا إنما يكون دليلاً على عدم مشروعيته ثانياً ، لا أنه يوجب العلم بعدمها. ولما كان احتمال المشروعية موجوداً كان كافياً في جواز الإتيان به برجاء المطلوبية. ومن ذلك تعرف أنه يتعين البناء في المقام على تعدد ماهية الحج قبل الاستطاعة والحج بعدها. فلاحظ.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١١.

١٨٠