تذكرة الفقهاء - ج ١٧

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٧

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-530-4
الصفحات: ٤٨٥

قد أذن له فيه ، أو نهاه عنه ، أو لم يأذن فيه ولا نهى عنه.

فإن كان المولى قد أذن له في الالتقاط ـ مثل أن يقول : مهما وجدتَ ضالّةً فخُذْها وائتني بها ـ جاز ذلك عند علمائنا ـ وبه قال أبو حنيفة وأحمد (١) ـ كما لو أذن له المولى في قبول الوديعة ، فإنّه يصحّ منه قبولها ، ولعموم الخبر (٢) ، ولأنّ الالتقاط سبب يملك به الصبي ويصحّ منه ، فصحّ من العبد ، كالاحتطاب والاحتشاش والاصطياد ، ولأنّ مَنْ جاز له قبول الوديعة صحّ منه الالتقاط ، كالحُرّ.

وللشافعيّة فيه طريقان :

أحدهما : القطع بالصحّة ؛ لما تقدّم.

والثاني : إنّ فيه قولين ، أحدهما : المنع ؛ لما في اللّقطة من معنى الولاية ، والإذن لا يفيده أهليّة الولاية.

وفي رواية الخاصّة عن أبي خديجة عن الصادق عليه‌السلام : إنّه سأله ذريح عن المملوك يأخذ اللّقطة ، فقال : « ما للمملوك واللّقطة؟ والمملوك لا يملك من نفسه شيئاً ، فلا يُعرّض لها المملوك ، فإنّه ينبغي للحُرّ أن يعرّفها سنةً في مجمعٍ ، فإن جاء طالبها دفعها إليه ، وإلاّ كانت في ماله ، فإن مات كانت ميراثاً لولده ولمن ورثه ، فإن جاء طالبها بعد ذلك دفعوها إليه » (٣).

ولأنّ الالتقاط أمانةٌ وولايةٌ في السنة الأُولى ، وتملّكٌ بعوضٍ في السنة‌

__________________

(١) المغني ٦ : ٣٨٧ ، الشرح الكبير ٦ : ٤٠٠ ، البيان ٧ : ٤٧٠.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ١٧٤ ، الهامش (١).

(٣) الكافي ٥ : ٣٠٩ / ٢٣ ، الفقيه ٣ : ١٨٨ / ٨٤٥ ، التهذيب ٦ : ٣٩٧ / ١١٩٧ بتفاوتٍ.

١٨١

الأُخرى ، والعبد ليس من أهل الولايات ، ولا يملك المال ، ولا له ذمّة يستوفى منها (١).

والرواية لا تعطي التحريم ، فيحتمل الكراهة ، والولاية قد ثبتت له مع إذن مولاه ، والتملّك لمولاه.

وإن كان المولى قد نهاه عن الالتقاط ، حرم عليه ؛ لأنّه محجور عليه في التصرّف ، إلاّ بإذن المولى ، فإن التقط والحال هذه كان للمولى انتزاعها من يده.

وللشافعيّة طريقان :

أحدهما : القطع بمنع العبد مع نهي مولاه من الالتقاط.

والثاني : طرد القولين (٢).

وإن كان المولى لم يأمره بالالتقاط ولا نهاه عنه ، فإنّه يصحّ التقاطه عندنا ـ وبه قال أبو حنيفة وأحمد والشافعي في أحد القولين (٣) ـ لأنّ يد العبد يد سيّده ، فكأنّ السيّد هو الملتقط ، وكما أنّه يعتبر اصطياده واحتطابه ، كذا يعتبر التقاطه ، ويكون الحاصل للسيّد ، ولا عبرة بقصده.

وهذا القول نقله المزني عمّا وضعه بخطّه ، قال : ولا أعلمه سُمع منه (٤).

__________________

(١) البيان ٧ : ٤٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٩.

(٣) المغني ٦ : ٣٨٧ ، الشرح الكبير ٦ : ٤٠٠ ، حلية العلماء ٥ : ٥٤٢ ، البيان ٧ : ٤٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٥.

(٤) مختصر المزني : ١٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٣.

١٨٢

والثاني ـ نصّ عليه في الأُم ، واختاره المزني ـ : إنّه لا يصحّ ؛ لأنّ اللّقطة أمانة وولاية في الابتداء ، وتملّكٌ في الانتهاء ، والعبد لا يملك ، ولا هو من أهل الأمانة والولاية (١).

قال ابن سريج : القولان مبنيّان على أنّ العبد يملك ، فأمّا إذا فرّعنا على الجديد ـ وهو أنّه لا يملك ـ فليس له الالتقاط بحالٍ (٢).

وقال بعضهم : في هذا التباس من جهة أنّه ليس القولان في أنّ العبد هل يملك مطلقاً؟ وإنّما هُما في أنّه هل يملك بتمليك السيّد؟ ولا تمليك هنا من جهة السيّد (٣).

مسألة ٣١٥ : قد بيّنّا أنّ العبد يصحّ التقاطه ، فإذا التقط شيئاً صحّ منه أن يُعرّفه ، كما صحّ التقاطه ـ وهو أحد قولَي الشافعي (٤) ـ كالحُرّ ، فإذا كمل حول التعريف لم يكن للعبد أن يتملّكها لنفسه ؛ لأنّه ليس أهلاً للتملّك مطلقاً عندنا ـ وهو الجديد للشافعي (٥) ـ وبدون تمليك السيّد على قول بعض علمائنا (٦) والشافعي في القديم (٧) ، وهنا لم يُملّكه السيّد.

__________________

(١) الأُم ٤ : ٦٨ ، مختصر المزني : ١٣٥ ، حلية العلماء ٥ : ٥٤٢ ، البيان ٧ : ٤٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٥.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٣.

(٤) البيان ٧ : ٤٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٧.

(٥) الحاوي الكبير ٥ : ٢٦٥ ـ ٢٦٦ ، الوجيز ١ : ١٥٢ ، الوسيط ٣ : ٢٠٤ ، حلية العلماء ٥ : ٣٦٠ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٤٦٧ ، البيان ٧ : ٤٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٠.

(٦) لم نتحقّقه.

(٧) الحاوي الكبير ٥ : ٢٦٥ ـ ٢٦٦ ، الوجيز ١ : ١٥٢ ، الوسيط ٣ : ٢٠٤ ، حلية العلماء ٥ : ٣٦٠ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٤٦٧ ، البيان ٧ : ٤٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٠.

١٨٣

فإن اختار العبد التملّكَ على الوجه الذي لو فَعَله الحُرّ مَلَك به ، لم يملك به ؛ لأنّ التملّك على وجه الاقتراض ، واقتراضه بغير إذن سيّده لا يصحّ ، إلاّ أنّها تكون في يده مضمونةً ؛ لأنّها في يده بقرضٍ فاسد ، فإذا تلفت ضمنها في ذمّته يتبع بها بعد العتق.

وله التملّك للسيّد بإذنه.

ولو لم يأذن السيّد ، فالأقوى : إنّه لا يدخل في ملك السيّد بنيّة العبد التملّك له.

وللشافعيّة طريقان :

أحدهما : إنّه على الوجهين في أنّه هل يصحّ اتّهاب العبد بدون إذن السيّد؟ أو على القولين في شرائه بغير إذنٍ.

والثاني : القطع بالمنع ، بخلاف الهبة ؛ لأنّ الهبة لا تقتضي عوضاً ، وبخلاف الشراء ؛ فإنّا إن صحّحناه علّقنا الثمن بذمّة العبد ، وهنا يبعد أن لا يطالب مالك اللّقطة السيّدَ المتملّك ؛ لأنّه لم يرض بذمّة العبد (١).

والأصحّ عندهم : المنع ، سواء ثبت الخلاف أم لا (٢).

وعلى هذا فقد قال بعض الشافعيّة : إنّه لا يصحّ تعريفه دون إذن السيّد أيضاً (٣).

لكنّ الأصحّ عندهم : إلحاق التعريف بالالتقاط (٤).

قال الجويني : نعم ، إن قلنا : انقضاء مدّة التعريف يوجب الملك ، فيجوز أن يقال : لا يصحّ تعريفه ، ويجوز أن يقال : يصحّ ، ولا يثبت الملك‌

__________________

(١ ـ ٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٧.

١٨٤

في هذه الصورة ، كما لا يثبت إذا عرف من قصده الحفظ أبداً (١).

وعلى القول الثاني للشافعي بأنّه لا يصحّ التقاط العبد لا يعتدّ بتعريفه (٢).

ثمّ إن لم يعلم السيّد بالتقاطه ، فالمال مضمون في يد العبد ، والضمان يتعلّق برقبته ، سواء أتلفه أو تلف بتفريطه أو بغير تفريطٍ ، كما في المغصوب.

وإن علم السيّد ، فأقسامه ثلاثة :

أحدها : أن يأخذه من يده.

وينبغي أن يُقدَّم عليه مقدّمة هي : إنّ الحاكم لو أخذ المغصوب من الغاصب ليحفظه للمالك هل يبرأ الغاصب من الضمان؟ فيه للشافعيّة وجهان ، ظاهر القياس منهما البراءة ؛ لأنّ يد الحاكم نائبة عن يد المالك.

فإن قلنا : لا يبرأ ، فللقاضي أخذها منه.

وإن قلنا : يبرأ ، فإن كان المال عرضةً للضياع والغاصب بحيث لا يبعد أن يفلس أو يغيب وجهه ، فكذلك ، وإلاّ فوجهان :

أحدهما : إنّه لا يأخذ ، فإنّه أنفع للمالك.

والثاني : يأخذ ؛ نظراً لهما جميعاً (٣).

وليس لآحاد الناس أخذ المغصوب إذا لم يكن في معرض الضياع ،

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٥ ـ ٣٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٧.

(٢) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٥٦٠ ، البيان ٧ : ٤٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٣ ـ ٣٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٥ ـ ٤٥٦.

١٨٥

ولا الغاصب بحيث تفوت مطالبته ظاهراً.

وإن كان كذلك ، فوجهان :

أظهرهما عندهم : المنع ؛ لأنّ القاضي هو النائب عن الناس ، ولأنّ فيه ما يؤدّي إلى الفتنة وشهر السلاح.

والثاني : الجواز احتساباً ونهياً عن المنكر.

فعلى الأوّل لو أخذ ضمن ، وكان كالغاصب من الغاصب.

وعلى الثاني لا يضمن ، وبراءة الغاصب على الخلاف السابق ، وأولى بأن لا يبرأ (١).

وفصّل قومٌ بين أن يكون هناك قاضٍ يمكن رفع الأمر إليه فلا يجوز ، وبين أن لا يكون فيجوز (٢).

إذا عرفتَ ذلك ، فقد قال أكثر الشافعيّة : إذا أخذ السيّد اللّقطة من العبد صار هو الملتقط ؛ لأنّ يد العبد إذا لم تكن يدَ التقاطٍ كان الحاصل في يده ضائعاً بَعْدُ ، ويسقط الضمان عن العبد ؛ لوصوله إلى نائب المالك ، فإن كان أهلاً للالتقاط كان نائباً عنه (٣).

وبمثله أجابوا فيما لو أخذه أجنبيٌّ ، إلاّ أنّ بعضهم جعل أخذ الأجنبيّ على الخلاف فيما لو تعلّق صيدٌ بشبكة إنسانٍ فجاء غيره وأخذه (٤).

واستبعد الجويني قولَهم : « إنّ أخذ السيّد التقاطٌ » لأنّ العبد ضامن بالأخذ ، ولو كان أخذ السيّد التقاطاً لسقط الضمان عنه ، فيتضرّر به المالك (٥).

وقال بعضهم : إنّ السيّد ينتزعه من يده ، ويسلّمه إلى الحاكم ليحفظه‌

__________________

(١ ـ ٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٦.

١٨٦

للمالك أبداً (١).

وأمّا الجويني فإنّه قال : إذا قلنا : إنّه ليس بالتقاطٍ فأراد أخْذَه بنفسه وحِفْظه لمالكه ، ففيه وجهان مرتَّبان على أخذ الآحاد المغصوبَ للحفظ ، وأولى بعدم الجواز ؛ لأنّ السيّد ساعٍ لنفسه غير محتسبٍ ، ثمّ يترتّب على جواز الأخذ حصول البراءة ، كما قدّمناه.

وإن استدعى من الحاكم انتزاعه ، فهذه الصورة أولى بأن يزيل الحاكم فيها اليد العادية ، وإذا أزال فأولى بأن تحصل البراءة ؛ لتعلّق غرض السيّد بالبراءة وكونه غير منسوبٍ إلى العدوان حتى يغلظ عليه (٢).

الثاني : أن يُقرّه في يده ويستحفظه عليه ليعرّفه.

فإن كان العبد أميناً جاز ، كما لو استعان به في تعريف ما التقطه بنفسه.

والأقرب عندهم : عدم سقوط الضمان ، وقياس كلام جمهورهم سقوطه (٣).

وإن لم يكن أميناً فالمولى متعدٍّ بإقراره عليه ، وكأنّه أخذه منه وردّه إليه.

الثالث : أن يُهمله ، فلا يأخذه ولا يُقرّه ، بل يعرض عنه ، فللشافعي قولان :

ففي رواية المزني : إنّ الضمان يتعلّق برقبة العبد كما كان ، ولا يُطالَب به السيّد في سائر أمواله ؛ لأنّه لا تعدّي منه ، ولا أثر لعلمه ، كما لو رأى عبده يُتلف مالاً فلم يمنعه منه.

__________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٤ ـ ٣٤٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٦ ـ ٤٥٧.

١٨٧

وفي رواية الربيع : تعلّقه بالعبد وبجميع أموال السيّد ؛ لأنّه متعدٍّ بتركه في يد العبد (١).

ثمّ اختلفوا فيهما على أربعة طُرقٍ :

قال الأكثر : المسألة على قولين ، أظهرهما : تعلّقه بالعبد وبسائر أموال السيّد ، حتى لو هلك العبد لا يسقط الضمان ، ولو أفلس السيّد قُدّم صاحب اللّقطة في العبد على سائر الغرماء. ومَنْ قال به لم يُسلّم عدمَ وجوب الضمان فيما إذا رأى عبده يُتلف مالاً فلم يمنعه.

وبعضهم حَمَل منقولَ المزني على ما إذا كان العبد مميّزاً ، وحَمَل منقول الربيع على ما إذا كان غير مميّزٍ.

وقطع بعضهم بما رواه المزني ، وبعضهم بما رواه الربيع ، وغلّطوا المزني في النقل ، واستشهدوا بأنّه روى في الجامع الكبير كما رواه الربيع ، فأشعر بغفلته هنا عن آخر الكلام (٢).

وهذا كلّه ساقط عندنا حيث قلنا : إنّ للعبد الالتقاط.

مسألة ٣١٦ : إذا التقط العبد ولم يأمره السيّد به ولا نهاه عنه ، صحّ التقاطه.

ثمّ لا يخلو إمّا أن يعلم السيّد بالالتقاط أو لا يعلم.

فإن لم يعلم ، فالمال أمانة في يد العبد.

فإن أعرض عن التعريف ، ضمن ، وهو أحد وجهي الشافعيّة ،

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٤٤٠ ، حلية العلماء ٥ : ٥٤٣ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٥٦٠ ، البيان ٧ : ٤٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٧.

(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٤٤٠ ، حلية العلماء ٥ : ٥٤٤ ، البيان ٧ : ٤٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٧.

١٨٨

كالحُرّ ؛ فإنّ فيه وجهين لهم لو أعرض عن التعريف (١).

ولو أتلفه العبد بعد مدّة التعريف أو تملّكه لنفسه فهلك عنده ، تعلّق المال بذمّة العبد ، كما لو استقرض قرضاً فاسداً واستهلكه ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّه يتعلّق برقبته ، كما لو غصب شيئاً فتلف عنده ، وليس كالقرض ، فإنّ صاحب المال سلّمه إليه (٢).

والحكم في الأصل عندنا ممنوع.

ولو أتلفه في المدّة ، تعلّق بذمّته عندنا يُتبع به بعد العتق.

وأكثر الشافعيّة قالوا : يتعلّق برقبته (٣).

وكذا لو تلف بتقصيرٍ منه عندنا ، ويتعلّق بذمّته.

وعندهم يتعلّق برقبته ، وفرّقوا بينه وبين الإتلاف بعد المدّة ـ حيث كان على الخلاف السابق ـ بأنّ الإتلاف في السنة خيانة محضة ؛ لأنّه لم يدخل وقت التملّك ، وأمّا بعدها فالوقت وقت الارتفاق والإنفاق ، فاستهلاك العبد يشابه استقراضاً فاسداً (٤).

وحكى بعض الشافعيّة أنّ المسألة على قولين :

أحدهما : التعلّق بالرقبة.

والثاني : التعلّق بالذمّة ؛ لأنّا إذا جوّزنا له الالتقاط فكان المال قد حصل في يده برضا صاحبه ، وحينئذٍ فالإتلاف لا يقتضي إلاّ التعلّق بالذمّة ، كما لو أُودع العبد مالاً فأتلفه ، يكون الضمان في ذمّته (٥).

ولمانعٍ أن يمنع ذلك ؛ لأنّ الضمان في الوديعة أيضاً يتعلّق برقبته عند‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٧.

(٢ ـ ٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٨.

١٨٩

بعض الشافعيّة (١).

وأمّا عندنا فيتعلّق بذمّته أيضاً.

وإن علم به السيّد ، فله انتزاعها من يده ، كالأموال التي يكتسبها العبد ؛ فإنّ اللّقطة نوعٌ منها ، ثمّ يصير السيّد كالملتقط بنفسه إن شاء حفظها على مالكها ، وإن شاء عرّفها وتملّكها ، ولو كان العبد قد عرّف بعضَ الحول احتسب به وأكمل الحول.

وإن أقرّه في يد العبد ، فإن كان خائناً ضمن بإبقائه في يده عند الشافعيّة (٢).

والأقوى ذلك إن كان قد قبضه المولى ثمّ دفعه إليه ، وإلاّ فلا.

ولو كان أميناً ، لم يضمن ، سواء قبضها ثمّ دفعها إليه ، أو أقرّها في يده من غير قبضٍ.

ولو تلف المال في يد العبد في مدّة التعريف ، فلا ضمان.

وإن تلف بعدها ، فإن أذن السيّد في التملّك وجرى التملّكُ ضمن.

وإن لم يَجْر التملّك بَعْدُ ، فالأقوى : تعلّق الضمان بالسيّد ؛ لأنّه أذن في سبب الضمان ، فأشبه ما لو أذن له في أن يسوم شيئاً فأخذه وتلف في يده ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّه لا يضمن ، كما لو أذن له في الغصب فغصب (٣).

فإن قلنا بالثاني ، تعلّق الضمان برقبة العبد عندهم (٤).

وإن قلنا بالأوّل ، تعلّق بذمّة العبد يتبع به بعد العتق ، كما أنّ السيّد مطالب به.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٦.

(٢ ـ ٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٨.

١٩٠

وإن كان السيّد لم يأذن له في التملّك ، تعلّق الضمان بذمّة العبد ـ وهو أظهر وجهي الشافعيّة (١) ـ لأنّه دَيْنٌ لزم لا برضا مستحقّه ، ولا يتعلّق الضمان بالسيّد بحالٍ ؛ لعدم الإذن.

والثاني للشافعيّة : إنّه يتعلّق برقبته (٢).

ولو أتلفه العبد بعد المدّة ، تعلّق بذمّته.

وللشافعيّة قولان (٣).

وهل يثبت الفرق بين أن يقصد العبد الالتقاط لنفسه أو لسيّده؟

الأقرب : انتفاء الفرق ؛ فإنّ كلّ واحدٍ منهما يقع الالتقاط فيه (٤) للسيّد.

واختلفت الشافعيّة.

فقال بعضهم : إنّ القولين في المسألة مفروضان فيما إذا نوى بالالتقاط نفسَه ، فأمّا إذا نوى سيّدَه فيحتمل أن يطّرد القولان ، ويحتمل القطع بالصحّة (٥).

وعكس بعضهم ، فقال : القولان فيما إذا التقط ليدفعها إلى سيّده ، فأمّا إذا قصد نفسَه فليس له الالتقاط قولاً واحداً ، بل هو متعدٍّ بالأخذ (٦).

مسألة ٣١٧ : قد بيّنّا أنّه يجوز التقاط العبد.

وللشافعي قولٌ آخَر : إنّه لا يجوز ، فإذا التقطها ضمنها في رقبته عنده ، سواء أتلفها ، أو تلفت في يده بتفريطٍ أو بغير تفريطٍ ؛ لأنّه أخذ مال غيره على وجه التعدّي ، وسواء كان قبل الحول أو بعده ؛ لأنّ تعريفه‌

__________________

(١ ـ ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٨.

(٤) في « ج » : « منه » بدل « فيه ».

(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٨ ـ ٤٥٩.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٩.

١٩١

لا يصحّ ، لأنّه ليس من أهل الالتقاط عنده (١).

فإن علم به سيّده ، فإن انتزعها من يده كان له ذلك ، وسقط عن العبد الضمان ، وكانت أمانةً في يد السيّد ؛ لأنّه يأخذها على سبيل الالتقاط.

وهذا بخلاف ما لو غصب العبد شيئاً فأخذه سيّده منه ، فإنّه لا يزول عن العبد الضمان ؛ للفرق بينهما ، فإنّ السيّد لا ينوب عن المغصوب منه ، فلا يزول الضمان بأخذه ، وهنا ينوب عن صاحبها ، وله حفظها عليه.

وينبغي أن يكون لو أخذها من العبد غيرُ سيّده من الأحرار جاز ، وزال الضمان عنه ؛ لأنّ كلّ مَنْ هو مِنْ أهل الالتقاط نائب عن صاحبها.

إذا ثبت هذا ، فإن أخذها سيّده كان كما لو ابتدأ التقاطها إن شاء حفظها لصاحبها ، وإن شاء تملّكها بعد التعريف ، ولا يعتدّ بتعريف العبد عنده (٢).

وإن أقرّها في يد العبد ، ضمن إن لم يكن أميناً ، وإلاّ فلا.

فإذا قلنا : لا ضمان على المولى ، تعلّق الضمان برقبة العبد خاصّةً ، فإن تلف سقط الضمان.

وإن قلنا : يضمن السيّد ، تعلّق الضمان بمحلّين : رقبة العبد ، وذمّة السيّد.

فإن أفلس السيّد ، كان صاحب اللّقطة أحقَّ باستيفاء عوضها من العبد ؛ لأنّ حقّه تعلّق برقبته عنده (٣).

__________________

(١) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٥٦٠ ، البيان ٧ : ٤٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٥.

(٢) راجع : الهامش (٢) من ص ١٨٥.

(٣) راجع : الهامش (١) من ص ١٨٨.

١٩٢

وإن مات العبد ، تعلّق بذمّة سيّده يدفعه من سائر أمواله.

مسألة ٣١٨ : إذا التقط العبد لقطةً ثمّ أعتقه السيّد قبل علمه باللّقطة ، أو بعد علمه وقبل أن يأخذها منه ، كان السيّد أحقَّ بأخذها من يده ؛ لأنّ التقاط العبد قد صحّ ، وكان كسباً له ، وما كسبه العبد قبل عتقه يكون للسيّد ، فيُعرّفها السيّد ويتملّكها ، فإن كان العبد قد عرّف ، اعتدّ به ، وهذا ظاهر مذهب الشافعي (١).

وعن بعض الشافعيّة وجهان في أنّ السيّد أحقّ بها ؛ اعتباراً بوقت الالتقاط ، أو العبد ؛ اعتباراً بوقت الملك؟ وشبّهه بما إذا أُعتقت الأمة تحت عبدٍ ولم تفسخ حتى تحرّر العبد (٢).

وعلى القول الثاني للشافعي من منع التقاط العبد للشافعيّة قولان ، أحدهما : إنّه ليس للسيّد أخذها من يد العبد ؛ لأنّه قبل أن يعتق لم يتعلّق بها حقُّ السيّد ؛ لكون العبد متعدّياً ، وقد زالت ولايته بالعتق ، فإذا أُعتق صار كأنّه اكتسبها بعد عتقه ، وصار كأنّه التقطها بعد حُرّيّته ، فلم يكن للسيّد فيها حقٌّ (٣).

وهل للعبد تملّكها؟ الوجه ذلك ، ويجعل كأنّه التقطه بعد الحُرّيّة ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة ، والثاني : المنع ؛ لأنّه لم يكن أهلاً للأخذ ، فعليه تسليمها إلى الإمام (٤).

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٤٤٠ ، حلية العلماء ٥ : ٥٤٤ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٥٦١ ، البيان ٧ : ٤٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٩.

(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٤٤٠ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٥٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٩.

(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٤٤٠ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٥٦١ ـ ٥٦٢ ، البيان ٧ : ٤٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٩.

١٩٣

تذنيب : للعبد أخذ لقطة الحرم ، كما له أخذ لقطة الحِلّ ، ولا يجوز له التملّك لا له ولا لسيّده على ما يأتي (١) ، والمدبَّر وأُمّ الولد كالقِنّ ، ولا نعلم فيه خلافاً.

مسألة ٣١٩ : المكاتَب إن كان مشروطاً فكالقِنّ ، يجوز له الالتقاط ، لكن ليس للمولى انتزاعها من يده ؛ لأنّها كسب له إذا لم يكن لقطة الحرم.

نعم ، لو عجز فاستُرقّ كان للمولى انتزاعها من يده ، كالقِنّ.

وللشافعيّة في المكاتَب طريقان مبنيّان على اختلاف قولَي الشافعي ، فإنّه قال في الأُم : المكاتَب كالحُرّ (٢) ، وقال في موضعٍ آخَر : إنّه كالعبد (٣).

واختلف أصحابه :

فقال بعضهم : إنّ المكاتَب كالحُرّ قولاً واحداً ، وقطع بصحّة التقاطه ؛ لأنّه مستقلّ بالتملّك والتصرّف كالحُرّ ، وله ذمّة يمكن استيفاء الحقوق منها ، ثمّ تأوّلوا قوله : « كالعبد » بأنّه أراد به إذا كانت الكتابة فاسدةً (٤).

وقال بعضهم : فيه قولان :

أحدهما : إنّه كالحُرّ ؛ لأنّه ماله ، كذا قال الشافعي في الأُم (٥) ، ونقل المزني أنّ ماله يسلم له (٦) ، والأوّل أولى ؛ لأنّ المال في الحال له ، وقد يسلم له بتمام الكتابة ، وقد لا يسلم بفسخها.

والثاني : إنّه كالعبد ، وفي التقاطه قولان ؛ لتعارض معنى الولاية والاكتساب ، فإنّ الملك موجود في العبد ، وهو ينافي الولاية ، ولهذا‌

__________________

(١) في ص ٢٤٥ ، المسألة ٣٥٤ ، وص ٢٥١ ، المسألة ٣٥٦.

(٢) الأُم ٤ : ٦٨ ، مختصر المزني : ١٣٦.

(٣) قاله في الإملاء على ما في الحاوي الكبير ٨ : ٢١.

(٤) الحاوي الكبير ٨ : ٢١ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٤٤٠ ، حلية العلماء ٥ : ٥٤٤ و ٥٤٥ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٥٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٨.

(٥ و ٦) راجع : الهامش (٢).

١٩٤

لا تصحّ الوصيّة إليه ، فجرى مجرى العبد (١).

وللشافعيّة هنا أُمور غريبة.

أ : عن ابن القطّان رواية قاطعة بالمنع من التقاط المكاتَب ، بخلاف القِنّ ؛ لأنّ سيّده ينتزعه من يده ، وأمّا المكاتَب فقد انقطعت ولاية السيّد عنه على نقصانه (٢).

ب : حكى القاضي ابن كج خلافاً في أنّ الخلاف المذكور في المكاتَب سواء صحّت الكتابة أو فسدت ، أو في المكاتَب كتابةً صحيحةً؟

وأمّا المكاتَب كتابةً فاسدةً فهو كالقِنّ لا محالة ، والصحيح عندهم : الثاني (٣).

ج : نقل الجويني عن تفريع العراقيّين على القطع بالصحّة أنّ في إبقاء اللّقطة في يده قولين على قياس ما مرّ في الفاسق ، وكتبهم ساكتة عن ذلك ، إلاّ ما شاء الله (٤).

ونحن قد قلنا : إن التقاط المكاتَب صحيح ، فحينئذٍ يُعرّف اللّقطة ويتملّكها إن شاء ، وبدلها في كسبه ، وليس للمالك (٥) انتزاعها من يده ، وهو قول الشافعي (٦) على تقدير قوله بصحّة التقاطه.

وهل يُقدَّم صاحب اللّقطة بها على الغرماء؟ الأقرب عندي ذلك.

وللشافعيّة وجهان (٧).

وعلى القول للشافعي بأنّ المكاتَب كالحُرّ لا بحث ، وبأنّه كالعبد إن قلنا : إنّه لا يصحّ التقاط العبد لا يصحّ التقاط المكاتَب ، ويكون متعدّياً‌

__________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٢١ ، الوسيط ٤ : ٢٨٧ ، البيان ٧ : ٤٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٨.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٨ ـ ٣٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٠.

(٥) أي : المولى.

(٦ و ٧) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٠.

١٩٥

بأخذها ، وعليه ضمانها ، وليس للسيّد انتزاعها من يده ؛ لانتفاء ولاية السيّد عن المكاتَب ، وإنّما يسلّمها إلى الحاكم ليُعرّفها ، فإذا مضى الحول تملّكها المكاتَب ؛ لأنّه من أهل التملّك ، هكذا قال بعض الشافعيّة (١).

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّه إذا فسد الالتقاط لم يجز له الالتقاط ، فلا يملكها بالحول والتعريف ، وإنّه إذا أخذها من يده مَنْ هو من أهل الالتقاط وإن كان أجنبيّاً يكون ملتقطاً ، ولم يعتبروا الولاية ، وليس السيّد في حقّ المكاتَب بأدنى حالاً من الأجنبيّ في القِنّ أن يجوز ذلك ، وبرئ من ضمانها كما قلنا في العبد إذا أخذها سيّده منه.

لا يقال : للسيّد يدٌ على العبد وعلى ما في يده ، دون المكاتَب.

لأنّا نقول : إنّما له ذلك فيما هو كسب للعبد ويُقرّ يده عليه ، وأمّا هذه اللّقطة فلا يُقرّ يد العبد عليها ، ولا له فيها كسب.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه يسلّمها إلى الحاكم ليحفظها ، ولا يعرّفها (٢).

والكلّ عندنا غلط.

مسألة ٣٢٠ : لو التقط المكاتَب ، صحّ عندنا ، فإذا اشتغل بالتعريف فأُعتق ، أتمّ التعريف وتملّك.

وإن عاد إلى الرقّ قبل تمام التعريف ، كان حكمه حكمَ القِنّ ، للمولى انتزاعها من يده وتقرير يده عليها.

وقال بعض الشافعيّة : يأخذها القاضي ويحفظها للمالك ، وإنّه ليس للسيّد أخذها وتملّكها ؛ لأنّ التقاط المكاتَب لا يقع للسيّد ابتداءً فلا ينصرف‌

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٤٤٠ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٥٦٢ ، البيان ٧ : ٤٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٠.

(٢) حلية العلماء ٥ : ٥٤٥.

١٩٦

إليه انتهاءً (١).

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّ الالتقاط اكتسابٌ ، واكتساب المكاتَب عند عجزه للسيّد.

ولو مات المكاتَب أو العبد قبل التعريف ، وجب أن يجوز للسيّد التعريف والتملّك ، كما أنّ الحُرّ إذا التقط ومات قبل التعريف ، يُعرّف الوارث ويتملّك.

مسألة ٣٢١ : مَنْ نصفه حُرٌّ ونصفه رقيقٌ يصحّ التقاطه ؛ لأنّ القِنّ عندنا يجوز التقاطه ، فالمعتق بعضه أولى.

وقال الشافعي : إنّه كالمكاتَب (٢).

وللشافعيّة طريقان :

منهم مَنْ قال : يصحّ التقاطه قولاً واحداً ؛ لاستقلاله بالملك والتصرّف وقوّة ذمّته (٣).

ومنهم مَنْ قال : فيه قولان ، كالعبد (٤).

وقال بعضهم بالتفصيل ، وهو : إنّه يصحّ التقاطه بقدر الحُرّيّة قولاً واحداً ، والطريقان إنّما هُما في نصيب الرقّيّة (٥).

فعلى القول بمنع الالتقاط يكون متعدّياً بالأخذ ، ضامناً بقدر الحُرّيّة في ذمّته يؤخذ منه إن كان له مال ، وبقدر الرقّ في رقبته ، بناءً على أنّ إتلافه متعلّق برقبته (٦).

وعندنا أنّه متعلّق بذمّته أيضاً يُتبع به بعد العتق لو تعدّى في اللّقطة ،

__________________

(١) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٥٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٩.

(٣ و ٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٤٤٠ ، حلية العلماء ٥ : ٥٤٦ ، البيان ٧ : ٤٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦١.

(٥ و ٦) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦١.

١٩٧

ولا يؤخذ نصيب الرقّيّة من نصيب الحُرّيّة.

وذكر بعض الشافعيّة وجهين في أنّه ينتزع منه ، أو يبقى في يده ويُضمّ إليه مُشرف؟ والظاهر عندهم : الانتزاع (١).

ثمّ بعد الانتزاع وجهان في أنّه يُسلّم إلى السيّد ، أو يحفظه الحاكم إلى ظهور مالكه؟ والأظهر عندهم : الثاني (٢).

فإن سلّم إلى السيّد ، قال بعضهم : إنّ السيّد يُعرّفه ويتملّكه (٣).

وقال بعضهم : يكون بينهما بحسب الرقّ والحُرّيّة ، ويصيران كشخصين التقطا مالاً (٤).

وقال بعضهم : بل يختصّ السيّد بها ؛ إلحاقاً للقطته بلقطة القِنّ (٥).

مسألة ٣٢٢ : مَنْ نصفه حُرٌّ ونصفه عبدٌ يصحّ التقاطه على ما تقدّم ، وهو أحد قولَي الشافعي (٦).

ثمّ لا يخلو إمّا أن يكون بينه وبين سيّده مهايأة ، أو لا.

فإن لم يكن هناك مهايأة ، كان ما يكتسبه بينهما على النسبة ، ومن جملته الالتقاط.

وإن كان بينهما مهايأة ، فاللّقطة من الاكتسابات النادرة ، فعندنا أنّها تدخل في المهايأة ـ وهو أحد قولَي الشافعي ـ لأنّ هذا كسب ، فكان حكمه حكمَ سائر الاكتسابات.

والثاني : لا تدخل ؛ لأنّ الالتقاط نادر غير معلوم الوجود ولا مظنونه ،

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٩ ـ ٣٥٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦١.

(٢ ـ ٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦١.

(٦) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٤٤٠ ، الوسيط ٤ : ٢٨٧ ، حلية العلماء ٥ : ٥٤٦ ، البيان ٧ : ٤٧٤.

١٩٨

فلا تدخل تحت المهايأة (١).

والمعتمد ما قلناه.

فعلى ما اخترناه إن وقعت اللّقطة في نوبة المولى كانت للمولى ، وإن وقعت في نوبة العبد كانت له ، وأيّهما وقعت له فإنّه يُعرّفها ويتملّكها.

والاعتبار بيوم الالتقاط ؛ لأنّه وقت حصول الكسب ، لا بوقت الملك ، وهو قول أكثر الشافعيّة (٢).

ولهم وجهٌ آخَر ، وهو : اعتبار وقت التملّك (٣).

ولو وقع الالتقاط في نوبة أحدهما وانقضاء مدّة التعريف في نوبة الآخَر ، فعندنا الحكم بنوبة الالتقاط.

وعند مَن اعتبر التملّك ألحقه به ، وعلى القول بعدم دخول النادر في المهايأة يكون الحكم فيه كما لو لم يكن بينهما مهايأة (٤).

مسألة ٣٢٣ : قد بيّنّا أنّ المدبَّر والمعتق بصفةٍ (٥) عند مَنْ جوّزه وأُمّ الولد حكمهم حكم القِنّ يصحّ التقاطهم عندنا ـ وللشافعي قولان (٦) ـ كالقِنّ أيضاً ، إلاّ أنّ أُمّ الولد إذا التقطت فأتلفت اللّقطة أو تلفت في يدها يكون حكمها عندنا حكمَ القِنّ من أنّها تُتبع بعد العتق.

__________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٢٢ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٤٤٠ ، الوسيط ٤ : ٢٨٨ ، حلية العلماء ٥ : ٥٤٦ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٥٦٢ ـ ٥٦٣ ، البيان ٧ : ٤٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦١ ـ ٤٦٢.

(٢ و ٣) الوسيط ٤ : ٢٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٢.

(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٤٤٠ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٥٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٢.

(٥) في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة بدل « بصفة » : « نصفه ». وهو تصحيف.

(٦) البيان ٧ : ٤٧٥ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٥٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٢.

١٩٩

وأمّا عند الشافعي على تقدير صحّة التقاطها يتعلّق الضمان بذمّة سيّدها دون رقبتها ؛ لأنّه لا يجوز بيعها ، وإنّما منع السيّد بالإحبال من بيعها ، فضمن عنها.

وهذا مبنيٌّ على أصله من أنّ الضمان في القِنّ يتعلّق برقبته دون ذمّته ، أمّا هنا فلا يمكن بيعها ، فلزم الضمان مولاها ، سواء علم بالتقاطها أو لم يعلم ؛ لأنّ جناية أُمّ الولد على سيّدها (١).

هذا هو المشهور عند الشافعيّة.

وقال الشافعي في الأُم : ليس للعبد أن يلتقط ؛ لأنّ أخذه اللّقطة غرر ، وكذلك المدبَّر وأُمّ الولد ، وإن علم بها سيّدها فالضمان في ذمّته ، وإن لم يعلم بها فالضمان في ذمّتها (٢).

وهذا مخالف لما ذكره الأصحاب (٣) ، فمنهم مَنْ نسب ذلك إلى سهو الكاتب (٤) ، وقال بعضهم : يكون هذا على القول الذي يقول : لها أن تلتقط (٥).

وهذا لا وجه له ؛ لأنّه لا نصّ في هذا الكلام على أنّه ليس للعبد الالتقاط.

وتأوّله بعضهم بأنّه يكون قد التقطت لسيّدها لا لنفسها ، قال : ويجوز‌

__________________

(١) البيان ٧ : ٤٧٥ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٥٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٢.

(٢) الأُم ٤ : ٦٨ ، وراجع : البيان ٧ : ٤٧٥ ، والعزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٠ ، وروضة الطالبين ٤ : ٤٦٢.

(٣) أي : الأصحاب من الشافعيّة.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٢.

(٥) البيان ٧ : ٤٧٥.

٢٠٠