تذكرة الفقهاء - ج ١٥

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٥

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: ٥٣٧

وقال بعضهم : فيه وجهان هُما الوجهان في أنّه هل يملك قبض الثمن؟ فإنّهما جاريان في أنّه هل يملك تسليم المبيع (١)؟.

واتّفقوا على أنّ الوكيل بعقد الصرف يملك القبض والإقباض ؛ لأنّه شرط صحّة العقد ، وكذا في السَّلَم يقبض وكيل المُسْلَم إليه رأس المال ، ووكيل المُسْلم يقبضه إيّاه لا محالة عندهم (٢).

وعندي في ذلك كلّه نظر ، والوجه : أنّه لا يملك القبض بحالٍ.

مسألة ٧٠٠ : إذا وكّله في البيع ، لم يملك قبض الثمن على ما تقدّم (٣) ، ويملك تسليم المبيع إلى المشتري ، لكن لا يسلّم قبل أن يقبض الموكّل أو مَنْ يرتضيه الثمنَ ، فإن سلّمه قبل قبض الثمن ، كان ضامناً.

وقال بعض العامّة : إن قلنا : لا (٤) يملك قبض الثمن لو تعذّر قبضه من المشتري ، لم يكن ضامناً ، وإن قلنا : يملك قبض الثمن ، لم يملك تسليم المبيع قبل قبضه ، فإن سلّم قبل قبضه كان ضامناً (٥).

والتقدير الأوّل يقتضي جواز أن يسلّم المبيع قبل إيفاء الثمن ، وهو ضعيف.

أمّا لو أذن له في البيع بثمن مؤجَّل ، فهنا يسلّم المبيع ؛ إذ لا يثبت للبائع هنا حقّ حبس المبيع على الثمن عند تأجيل الثمن.

ويجي‌ء للشافعيّة قول : إنّه لا يجوز له التسليم ، لا لغرض الحبس ، لكن لأنّه لم يفوّض إليه (٦).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٨ ـ ٢٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٠.

(٣) في ص ٧٩ ، المسألة ٦٩٨.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « لم » بدل « لا ».

(٥) المغني ٥ : ٢١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٩.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٠.

٨١

ثمّ إذا حلّ الأجل ، لم يملك الوكيل قبض الثمن إلاّ بإذنٍ مستأنف.

مسألة ٧٠١ : الوكيل في البيع يملك تسليم المبيع بعد الإيفاء على ما قلناه نحن ، ولا يملك قبض الثمن على ما اخترناه ، ولا يملك إبراء المشتري من الثمن ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي وأحمد (١) ـ لأنّ إبراء الموكّل يصحّ ، فلا يصحّ إبراء وكيله بغير إذنه. ولأنّ الإبراء ليس من البيع ولا من تتمّته ، وهو مغاير للبيع وغير لازمٍ له ، فلا يكون التوكيل في البيع توكيلاً فيه. ولأنّ فيه إضراراً بالبائع ، والوكيل منصوب لمصلحته ، لا لفعل ما يتضرّر به. ولأنّه مغاير للبيع حقيقةً ، وغير مستلزمٍ له ولا لازم ، فكان كالإبراء من غير الثمن.

وقال أبو حنيفة : الوكيل في البيع إذا أبرأ المشتري من الثمن ، برئ ، وضمنه الوكيل ؛ لأنّ حقوق البيع تتعلّق بالوكيل ، فلمّا مَلَك المطالبة مَلَك الإسقاط (٢).

وهو باطل ؛ فإنّه إنّما يتعلّق بالوكيل من الحقوق ما نصّ عليه الموكّل أو تضمّنه نصّه.

ويبطل ما قاله بأمين الحاكم والوصي والأب ، فإنّه يملك المطالبة بثمن المبيع ، ولا يملك الإبراء.

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٨ ، بحر المذهب ٨ : ٢١٤ ، الوسيط ٣ : ٢٨٩ ، الإقناع في الفقه الشافعي : ١١٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٤ ، البيان ٦ : ٣٧١ ، المغني ٥ : ٢١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٩.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣٥ ـ ٢٣٦ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٨ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٩ : ٣٣ و ٣٥ ، فتاوى قاضيخان ـ بهامش الفتاوى الهنديّة ـ ٣ : ٢١ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٣٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢١٤ ، الوسيط ٣ : ٢٨٩ ، البيان ٦ : ٣٧١ ، المغني ٥ : ٢١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٩.

٨٢

مسألة ٧٠٢ : إذا وكّله في البيع فباعه بثمنٍ حال وقلنا : له قبض الثمن أو جعل له الموكّل (١) ذلك ، فلا يسلّم المبيع حتى يقبض الثمن ، كما لو أذن فيهما.

ولكلٍّ من الوكيل والموكّل مطالبة المشتري بالثمن على كلّ حال ـ وبه قال الشافعي (٢) ـ لأنّ الموكّل يصحّ قبضه لهذا الدَّيْن ، فجاز له المطالبة به ، كسائر ديونه التي وكّل فيها.

وقال أبو حنيفة : ليس للموكّل المطالبة بالثمن ؛ لأنّ حقوق العقد تتعلّق بالوكيل ، دون الموكّل ، ولهذا يتعلّق مجلس الصرف والخيار به ، دون موكّله (٣).

والفرق ظاهر ؛ لأنّ مجلس العقد من شروط العقد وهو العاقد ، فيتعلّق به ، وأمّا الثمن فهو حقّ الموكّل ومالٌ من أمواله ، فكان له المطالبة به.

مسألة ٧٠٣ : إذا وكّله في البيع ومَنَعه من قبض الثمن ، لم يكن للوكيل القبضُ إجماعاً.

ولو مَنَعه من تسليم المبيع ، فكذلك.

وقال بعض الشافعيّة : هذا الشرط فاسد ؛ فإنّ التسليم مستحقّ‌

__________________

(١) في « ج ، ر » : « الموكّل له » بدل « له الموكّل ».

(٢) بحر المذهب ٨ : ٢١٤ ، البيان ٦ : ٣٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٠ ، المغني ٥ : ٢٦٣ ـ ٢٦٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٨.

(٣) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣٥ ، بدائع الصنائع ٦ : ٣٣ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٩ : ٣٣ و ٣٥ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٣٧ ـ ١٣٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٤ ـ ٢٥٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢١٤ ، البيان ٦ : ٣٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٩ ، المغني ٥ : ٢٦٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٨.

٨٣

بالعقد (١).

ثمّ اختلف هؤلاء فقال بعضهم : إنّ الوكالة تفسد بهذا الشرط حتى أنّه يسقط الجُعْل المسمّى فيه ، ويرجع إلى أُجرة المثل ؛ لأنّ استحقاقه مربوط بالبيع ، والامتناع من التسليم ، فكان الجُعْل مقابلاً بشي‌ءٍ صحيح وشي‌ءٍ فاسد ، فليفسد المسمّى.

وقيل : المسألة مبنيّة على أنّ في صورة الإطلاق هل للوكيل التسليم ، أم لا؟ إن قلنا : لا ، فعند المنع أولى. وإن قلنا : نعم ، فكذلك ؛ لأنّه من توابع البيع وتمام العقد ، كالقبض ، لا لأنّ تسليمه مستحقّ بالعقد ، فإنّ المستحقّ هو التسليم لا تسليمه ، والممنوع منه تسليمه.

نعم ، لو قال : امنع المبيع ، فهذا الشرط فاسد ؛ لأنّه لا يجوز منع المالك عن ملكه حيث يستحقّ إثبات اليد عليه ، وفرقٌ بين أن يقول :

لا تسلّمه إليه ، وبين أن يقول : أمسكه وامنعه منه (٢).

وأمّا الوكيل بالشراء فإن لم يسلّم الموكّل إليه الثمنَ واشترى في الذمّة ، فسيأتي الكلام في [ أنّ ] (٣) المطالبة على مَنْ تتوجّه؟ وإن سلّمه إليه واشترى بعينه أو في الذمّة ، فالقول في أنّه هل يسلّمه؟ وهل يقبض المبيع بمجرّد التوكيل بالشراء؟ كالقول في أنّ وكيل البائع هل يسلّم المبيع ويقبض الثمن بمجرّد التوكيل بالبيع؟.

وجزم بعض الشافعيّة هنا بتسليم الثمن وقبض المبيع ؛ لأنّ العرف يقتضي ذلك. ولأنّ الملك في الثمن لا يتعيّن إلاّ بالقبض ، فيستدعي إذناً جديداً ، وأمّا المبيع فإنّه متعيّن للملك (٤).

__________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٠.

(٣) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٤) الوسيط ٣ : ٢٨٨ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢١٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤١.

٨٤

ومَنْ طرد الخلاف مَنَع العرف الفارق بين الطرفين. ولو كان المعنى الثاني معتبراً ، لوجب أن يجزم بقبض وكيل البائع الثمن إذا كان معيّناً ، ولم يفرّقوا بين أن يبيع بثمنٍ معيّن أو في الذمّة ، بل ذكروا الوجهين وأطلقوا فيهما (١).

مسألة ٧٠٤ : إذا دفع المشتري الثمن إلى الموكّل أو إلى الوكيل المأذون له أو إلى المطلق إذا جوّزنا له قبض الثمن ، فالوكيل يسلّم المبيع ، سواء أذن له الموكّل أو لا ، أو مَنَعه ؛ لأنّ المشتري إذا دفع الثمن ، صار قبض المبيع مستحقّاً ، وللمشتري الانفراد بأخذه ، فإن أخذه المشتري فذاك ، وإن سلّمه الوكيل فالأمر محمول على أخذ المشتري ، ولا حكم للتسليم.

مسألة ٧٠٥ : قد بيّنّا أنّه ليس للوكيل أن يسلّم المبيع إلى المشتري قبل أن يستوفي الموكّل الثمن أو الوكيل إن أذن له أو لغيره ، فلو سلّمه إلى المشتري قبل ذلك ، غرّمه الموكّل قيمته إن كانت القيمة والثمن متساويين.

ولو كان الثمن أكثر ، لم يكن عليه إلاّ القيمة ؛ لأنّه لم يقبض الثمن ، فلا يكون مضموناً عليه ، وإنّما يضمن ما فرّط فيه ، وهو العين حيث سلّمها قبل الإيفاء.

ولو كانت القيمة أكثر بأن باعه بغبنٍ محتمل يتغابن الناس بمثله ، فالأقوى أنّه يغرم جميع القيمة حيث فرّط فيها ، كما لو لم يبع بل أتلفها ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة. والثاني : أنّه يغرم القيمة ، ويحطّ قدر الغبن ؛ لصحّة البيع بذلك الثمن (٢).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٠.

(٢) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢١٧ ـ ٢١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤١.

٨٥

ولو باع بغبْنٍ فاحش بإذن الموكّل ، احتُمل الوجهان.

أمّا الأوّل : فظاهر.

وأمّا الثاني : فقياسه أن لا يغرم إلاّ قدر الثمن ؛ لصحّة البيع به بالإذن. فإن قبض الوكيل الثمن بعد ما غرم ، دفعه إلى الموكّل ، واستردّ ما غرمه.

البحث الثالث : فيما يملك الوكيل بالشراء.

مسألة ٧٠٦ : الوكيل بالشراء إذا اشترى ما وُكّل فيه ، مَلَك تسليم ثمنه‌ ؛ لأنّه من تتمّته وحقوقه ، فهو كتسليم المبيع في الحكم ، والحكم في قبض المبيع كالحكم في قبض الثمن في البيع ، الوجه عندنا أنّه لا يملكه كما قلنا في البيع : لا يملك الوكيل فيه قبض الثمن. فإذا اشترى الوكيل بثمنٍ معيّن ، فإن كان في يده ، طالَبه البائع به ، وإلاّ فلا.

فإن اشترى عبداً ونقد ثمنه ، فخرج العبد مستحقّاً ، لم يملك مخاصمة البائع في الثمن.

ولو اشترى شيئاً وقبضه وأخّر دفع الثمن إلى البائع لغير عذرٍ فهلك في يده ، ضمن. وإن كان لعذرٍ ـ مثل أن مضى لينقده فهلك ، أو نحو ذلك ـ فلا ضمان عليه ؛ لأنّه في الصورة الأُولى مفرّط ، دون الثانية.

مسألة ٧٠٧ : إذا وكّله في الشراء فإمّا أن تكون العين شخصيّةً (١) أو كلّيّةً.

فإن كانت كلّيّةً ـ مثل أن يقول : وكّلتُك في شراء عبدٍ هنديّ أو تركيّ ، أو يطلق على الأصحّ كما قلنا ـ اقتضى ذلك شراء السليم دون المعيب ، عند‌

__________________

(١) يأتي حكمها في ص ٩٢ ، المسألة ٧١١.

٨٦

علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي وأحمد (١) ـ لأنّ الإطلاق في الشراء يقتضي السلامة ، كما أنّ الإطلاق في البيع يقتضي سلامة المبيع ، حتى أنّ للمشتري الردَّ لو خرج معيباً.

وقال أبو حنيفة : يجوز أن يشتري العمياء والمقعدة والمقطوعة اليدين والرِّجْلين ؛ لعموم أمره ، كالمضارب (٢).

وهو خطأ بما تقدّم. ولأنّه إذا أسلم في شي‌ء موصوف استحقّ السليم منه.

والفرق واقع بين الوكيل والمضارب حيث جوّزنا له أن يشتري الصحيح والمعيب ؛ لأنّ صاحب المال أمره أن يشتري ذلك للتجارة وطلب الربح ، وذلك قد يحصل بالمعيب كما يحصل بالسليم ، فلهذا كان له شراؤهما ، بخلاف الوكيل ؛ فإنّه يقتضي السلامة ؛ لجواز أن يريد المالك القنية والانتفاع ، والعيب قد يمنع بعض المقصود من ذلك ، وإنّما يقتنى ويدّخر السليم دون المعيب.

وقد ناقض أبو حنيفة نفسَه في أصله ؛ فإنّه قال في قوله تعالى : ( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) (٣) : لا تجوز العمياء ولا المقطوعة اليدين والرِّجْلين (٤).

__________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٥٥٦ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٩ ، بحر المذهب ٨ : ٢٠٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٣٠ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٢٣ ، البيان ٦ : ٣٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٢ ، المغني ٥ : ٢٦٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٣.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣٣ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٩ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٧٦ / ١٧٥٥ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٩ : ٣٩ ، فتاوى قاضيخان ـ بهامش الفتاوى الهنديّة ـ ٣ : ٣٢ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٦٤ / ١٨٧١ ، بحر المذهب ٨ : ٢٠٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٣٠ ، البيان ٦ : ٣٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٢ ، المغني ٥ : ٢٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٤.

(٣) النساء : ٩٢.

(٤) بدائع الصنائع ٥ : ١٠٨ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٢ : ١٩ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٧ : ٢ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢٣٤ ، المغني ٥ : ٢٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٥.

٨٧

مسألة ٧٠٨ : لو اشترى الوكيل المعيبَ جاهلاً بعيبه ، صحّ البيع ؛ لأنّه إنّما يلزمه الشراء الصحيح في الظاهر ، وليس مكلَّفاً بالسلامة في الباطن ؛ لأنّ ذلك لا يمكن الوقوف عليه ، فلا يجوز تكليفه به ، ويعجز عن التحرّز عن شراء معيبٍ لا يظهر عيبه.

ويقع البيع للموكّل ـ وهو قول أكثر الشافعيّة (١) ـ كما لو اشتراه بنفسه جاهلاً بعيبه.

وقال الجويني : لا يقع عن الموكّل ؛ لأنّ الغبن يمنع الوقوع عن الموكّل مع سلامة المبيع وإن لم يعرف الوكيل فعند العيب أولى (٢).

ويفارق مجرّد الغبن ؛ لأنّه لا يُثبت الخيار عندهم (٣)، فلو صحّ البيع ولزم الموكّل للزم ، ولحقه الضرر ، والعيب يُثبت الخيار ، فالحكم بوقوعه عنه لا يورّطه في الضرر.

وحيث يقع عن الموكّل وكان الوكيل جاهلاً بالعيب ، فللموكّل الردّ إذا اطّلع عليه ؛ لأنّه المالك.

وهل يملك الوكيل الردّ بالعيب؟

أمّا عندنا : فلا ؛ لأنّه إنّما وكّله في الشراء ، وهو مغاير للردّ ، فلا يملكه ، وهو قول بعض الشافعيّة (٤).

وقال أكثرهم : إنّه يملك الردّ ، وينفرد الوكيل بالفسخ ؛ لأنّ الموكّل‌ أقامه مقام نفسه في هذا العقد ولواحقه. ولأنّه لو لم يكن له الردّ وافتقر إلى

__________________

(١) الوجيز ١ : ١٩١ ، الوسيط ٣ : ٢٨٩ ، البيان ٦ : ٣٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٢.

(٢ ـ ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٢.

٨٨

استئذان الموكّل ، فربما لا يرضى الموكّل ، فيتعذّر الردّ حينئذٍ ؛ لكونه على الفور ، ويبقى المبيع في عهدة الوكيل ، وفيه ضرر عظيم (١).

ونمنع إقامة الموكّل له مقامه في جميع الأشياء ، بل إنّما أقامه مقام نفسه في العقد ، وهو مضادٌّ للفسخ.

ونمنع كون الخيار على الفور.

سلّمنا ، لكن بالنسبة إلى المالك ، فإذا علم بالعيب ، اختار حينئذٍ على الفور إمّا الفسخ أو الإمضاء ، كما لو اشترى شيئاً فغاب ولم يعلم بعيبه إلاّ بعد مدّةٍ ثمّ ظهر على العيب.

ولأنّا لو لم نُثبت الردَّ له ، لكان كسائر الأجانب عن العقد ، فلا أثر لتأخيره. ولأنّ مَنْ له الردّ قد يعذر في التأخير لأسبابٍ داعية إليه ، فهلاّ كانت مشاورة الوكيل (٢) عذراً؟!

وأيضاً فإنّه وإن تعذّر منه الردّ فلا يتعذّر نفس الردّ ؛ إذ الموكّل يردّ إذا كان قد سمّاه في العقد أو نواه ، على أنّ في كون المبيع للوكيل وفي تعذّر الردّ منه بتقدير كونه له خلافاً سيأتي.

مسألة ٧٠٩ : لو كان الوكيل في الشراء وكيلاً في ردّ المعيب ، فاشترى معيباً جاهلاً بعيبه ، كان له الرد ، وللموكّل أيضاً الردّ ؛ لأنّ الملك له.

وإن حضر الموكّل قبل ردّ الوكيل ورضي بالعيب ، لم يكن للوكيل ردّه ؛ لأنّ الحقّ له ، بخلاف عامل المضاربة إذا اشترى المعيب جاهلاً بعيبه ، فإنّ له الردَّ وإن رضي ربّ المال بالعيب ؛ لأنّ له حقّاً في العين ، ولا يسقط حقّه برضا غيره.

__________________

(١) البيان ٦ : ٣٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٢.

(٢) أي : مشاورة الوكيل للموكّل.

٨٩

وإن لم يحضر الموكّل وأراد الوكيل الردَّ ، فقال البائع : توقّف حتى يحضر الموكّل فربما يرضى بالمعيب ، لم يلزمه ذلك ؛ لأنّه لا يأمن فوات الردّ بهرب البائع وفوات الثمن بتلفه.

فإن أخّره بناءً على هذا القول فلم يرض به الموكّل ، لم يسقط الردّ وإن قلنا بأنّ الردّ على الفور ؛ لأنّه أخّره بإذن البائع.

وإن قال البائع : موكّلك قد علم بالعيب فرضيه ، لم يُقبل قوله إلاّ ببيّنةٍ ، فإن لم تكن له بيّنة ، لم يستحلف الوكيل إلاّ أن يدّعي علمه ، فيحلف على نفيه عند الشافعي (١).

وقال أبو حنيفة : لا يستحلف ؛ لأنّه لو حلف كان نائباً في اليمين (٢).

وفيه إشكال من حيث إنّه لا نيابة هنا ، وإنّما يحلف على نفي علمه ، وهذا لا ينوب فيه عن أحد.

وإن أقرّ بذلك ، لزمه ـ عندنا ـ في حقّ نفسه ، دون موكّله ، فيمينه في حقّه دونه.

وقال ابن أبي ليلى : إنّه لا يردّ حتى يحضر الموكّل ويحلف (٣).

فإن ردّ الوكيل فحضر الموكّل ورضي بأخذه معيباً ، افتقر إلى عقدٍ جديد ؛ لخروجه عن ملكه بالردّ ، فلا يعود إلاّ بالعقد.

ولو قال الموكّل : قد كان بلغني العيب ورضيت به ، فصدّقه البائع ، أو‌

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٩ ، بحر المذهب ٨ : ٢٠٩ ، حلية العلماء ٥ : ١٣٢ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٢٣ ، البيان ٦ : ٣٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٣ ، المغني ٥ : ٢٦١ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٤.

(٢) الأُم ٧ : ١٠٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢٠٩ ، حلية العلماء ٥ : ١٣٣ ، المغني ٥ : ٢٦١ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٤.

(٣) الأُم ٧ : ١٠٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢٠٩ ، حلية العلماء ٥ : ١٣٣.

٩٠

قامت به بيّنة ، بطل الردّ ، وعلمنا أنّه لم يقع موقعه ، وكان للموكّل استرجاعه ، وعلى البائع ردّه عليه ؛ لأنّ رضاه به عزل للوكيل عن الردّ ؛ لأنّه لو علم لم يكن له الردّ ، إلاّ أن نقول : إنّ الوكيل لا ينعزل حتى يعلم العزل.

وإن رضي الوكيل بالعيب أو أمسكه إمساكاً ينقطع به الردّ فحضر الموكّل فأراد الردّ ، فله ذلك إن صدّقه البائع على أنّ الشراء له ، أو قامت به بيّنة.

وإن كذّبه ولم تكن له بيّنة فحلف البائع أنّه لا يعلم أنّ الشراء له ، فليس له الردّ ؛ لأنّ الظاهر أنّ مَن اشترى شيئاً فهو له ، ويلزمه ، وعليه غرامة الثمن ، وبهذا قال الشافعي (١).

وقال أبو حنيفة : للوكيل شراء المعيب ؛ عملاً بالإطلاق (٢).

مسألة ٧١٠ : لو اشترى الوكيل المعيبَ مع علمه بالعيب ، فإن كان بإذن الموكّل ، فلا ردّ هنا لا للوكيل ولا للموكّل إجماعا ، كما لو باشر الموكّل العقد مع علمه بالعيب.

وإن لم يأذن له ، فهل للوكيل الردّ إن كان الموكّل قد جعل إليه ذلك ، أو قلنا : إنّه يملكه؟ يحتمل عدمه ؛ لإقدامه على شراء المعيب عالماً بعيبه ، فلا يكون له الردّ ، وبه قال الشافعي (٣).

ويحتمل أن يكون له الردّ ؛ لأنّه نائب عن الموكّل ، وللموكّل الردّ ؛ لجهله ، فكذا للوكيل.

أمّا الموكّل فهل له الردّ؟ للشافعيّة وجهان :

__________________

(١) المغني ٥ : ٢٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٤.

(٢) راجع المصادر في الهامش (٢) من ص ٨٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٢.

٩١

أحدهما : المنع ؛ لأنّه نزّل الوكيل منزلة نفسه في العقد ولواحقه ، فيكون اطّلاعه على العيب كاطّلاع الموكّل ، كما أنّ رؤيته كرؤيته في إخراج العقد عن أن يكون على قولَي شراء الغائب.

وأصحّهما عندهم : أنّ له الردَّ ـ وهو المعتمد ـ لأنّ اطّلاعه ورضاه بعد العقد لا يُسقط حقَّ الردّ للموكّل ، فكذا اطّلاعه في الابتداء (١).

وعلى هذا فينتقل الملك إلى الوكيل ، أو ينفسخ العقد من أصله؟ للشافعيّة وجهان (٢).

والقائل بالانتقال إلى الوكيل كأنّه يقول بانعقاد العقد موقوفاً إلى أن يتبيّن الحال ، وإلاّ فيستحيل ارتداد الملك من الموكّل إلى الوكيل.

وهذه الاختلافات متفرّعة على وقوع العقد للموكّل مع علم الوكيل بالعيب ، ومذهب الشافعيّة [ خلافه ] (٣) (٤).

والوجه : أن نقول : إنّه يقع عن الموكّل إن نسبه إليه أو نواه وصدّقه على ذلك ، لكن لا وقوعاً لازماً ، بل بمنزلة عقد الفضولي ؛ لأنّ الإطلاق إذا كان يقتضي شراء السليم فإذا اشترى المعيب يكون قد اشترى ما لم يوكّل فيه ، فيكون فضوليّاً ، ولا يقع العقد عن الوكيل ؛ لأنّ المالك لو رضي بالمعيب وأجاز عقد وكيله ، كان الملك له ، فدلّ على أنّه يقع عن الموكّل ، لكن للموكّل الفسخ حيث لم يأذن له فيه.

مسألة ٧١١ : إذا كانت العين شخصيّةً بأن وكّله في شراء عبدٍ بعينه أو سلعةٍ بعينها ، فاشتراها ثمّ ظهر أنّها معيبة ، فإن كان الوكيل جاهلاً بالعيب ،

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٢ ـ ٢٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٢.

(٢ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٢.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

٩٢

لم يكن له الردُّ بالاستقلال ؛ لأنّه لم يكن له الردُّ مع الإطلاق فمع التعيين أولى ، ولأنّ المالك قطع نظره بالتعيين ، وربما رضيه على جميع صفاته ، وربما كان قد اطّلع على عيبه.

وللشافعيّة وجهان :

هذا أحدهما ؛ لأنّه ربما يتعلّق غرضه بعينه فينتظر مشاورته.

والثاني ـ وهو الأصحّ عندهم ـ : إنّ له الردَّ ؛ لأنّ الظاهر أنّ الموكّل طلب السليم لا المعيب (١).

فروع :

أ ـ لا استبعاد عندي في أنّه إذا أطلق بأن قال له : اشتر عبداً هنديّاً ، فاشترى معيباً جاهلاً بعيبه : أنّه يملك الرد ؛ لأنّه اشترى ما لم يؤذن له فيه.

لكن الأقرب : المنع ؛ لأنّا قد بيّنّا أنّ الشراء وقع عن الموكّل ، فلا ينتقل خيار الردّ إلى الوكيل.

ب ـ لم تذكر الشافعيّة فيما إذا وكّله في ابتياع عينٍ شخصيّة وظهر عيبها أنّه متى يقع عن الموكّل؟ ومتى لا يقع؟

والقياس عندهم يقتضي أنّه كما سبق في الحالة الأُولى.

نعم ، لو كان المبيع معيباً يساوي ما اشتراه به وهو عالم به ، فإيقاعه عن الموكّل هنا أولى ؛ لجواز تعلّق الغرض بعينه (٢).

ج ـ لو وكّله في الشراء مطلقاً وعيّن له عيناً شخصيّة فوجدها الوكيل معيبةً قبل أن يعقد الشراء ، فهل للوكيل شراؤها؟ يحتمل ذلك والعدمُ.

__________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٢.

٩٣

قال بعض العامّة : فيه وجهان مبنيّان على ما إذا علم عيبه بعد شرائه ، إن قلنا : يملك ردّه ، فليس له شراؤه ؛ لأنّ العيب إذا جاز به الردّ بعد العقد فلأن يمنع الشراء أولى. وإن قلنا : لا يملك الردّ هناك ، فله الشراء هنا ؛ لأنّ تعيين الموكّل قطع نظره واجتهاده في جواز الردّ [ فكذلك ] (١) في الشراء (٢).

والوجه عندي : أنّه يجوز له شراؤه ، فإن كان الموكّل قد علم بسبق العيب ، فلا ردّ. وإن لم يكن قد علم ، كان له الردّ ، ولا يضرّه علم الوكيل ؛ لأنّ الحقّ للموكّل لا للوكيل ، سواء قلنا : إنّه يملك الردّ لو علم بعد البيع ، أو لا.

ونمنع الملازمة بين جواز الردّ بعد العقد ومنع الشراء ؛ فإنّه يجوز أن يملك الردّ والشراء معاً.

مسألة ٧١٢ : جميع ما ذكرنا في الحالتين ـ أعني في كلّيّة العين أو شخصيّتها ـ مفروض فيما إذا اشترى الوكيل بمالٍ في الذمّة ، أمّا إذا اشترى بعين مال الموكّل ، فحيث قلنا هناك : لا يقع عن الموكّل ، فهنا لا يصحّ أصلاً ، وحيث قلنا : يقع ، فكذلك هنا.

وهل للوكيل الردّ؟ أمّا عندنا : فلا ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة. والثاني : نعم (٣).

ويمكن أن يكون الوجهان عندهم مبنيّين على المعنيين السابقين ، فإن علّلنا انفراد الوكيل بالردّ بأنّه أقامه مقام نفسه في العقد ولواحقه ، فنعم. وإن علّلنا بأنّه لو أخّر ربما لزمه العقد وصار المبيع كَلاًّ عليه ، فلا ؛ لأنّ المشترى‌

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٢) المغني ٥ : ٢٦٢ ـ ٢٦٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٢.

٩٤

بملك [ الغير ] (١) لا يقع له بحال (٢).

مسألة ٧١٣ : إذا ثبت الردّ للوكيل في صورة الشراء في الذمّة لو اطّلع الموكّل على العيب قبل اطّلاع الوكيل أو بعده ورضيه ، سقط عن الوكيل ، بخلاف عامل القراض ؛ فإنّه يبقى له الردّ وإن رضي المالك لحظّه في الربح ، ولا يسقط خيار الموكّل بتأخير الوكيل وتقصيره ، فإذا أخّر أو صرّح بالتزام العقد ، فله الردّ ؛ لأنّ أصل الحقّ باقٍ بحاله ، على إشكالٍ من حيث إنّه نائب ، فكأنّه بالتزام العقد أو التأخير عزل نفسه عن العقد.

والأظهر عند الشافعيّة : المنع (٣).

وإذا قلنا بأنّه ليس له العود إلى الردّ أو أثبتنا له العود ولم يعد ، فإذا اطّلع الموكّل عليه وأراد الردّ ، فله ذلك إن سمّاه الوكيل في الشراء ، أو نواه وصدّقه البائع عليه. وإن كذّبه ، ردّه على الوكيل ، ولزمه البيع ؛ لأنّه اشترى في الذمّة ما لم يأذن فيه الموكّل ، فينصرف إليه ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.

والثاني : أنّ المبيع يكون للموكّل ، والردّ قد فات ؛ لتفريط الوكيل ، فيضمن للموكّل (٤).

والذي يضمنه قدر نقصان قيمته من الثمن ، فلو كانت القيمة تسعين والثمن مائةً ، رجع بعشرة ، ولو تساويا فلا رجوع ، وهو قول بعض الشافعيّة (٥).

وقال الأكثر منهم : يرجع بأرش العيب من الثمن ؛ لفوات الردّ بغير تقصيره ، فكان له الأرش ، كما لو تعذّر الردّ بعيبٍ حادث ، إلاّ أنّ هناك‌

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « العين ». والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٢ ـ ٥٤٣.

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٣.

٩٥

يؤخذ الأرش من البائع ؛ لتلبيسه ، وهنا من الوكيل ؛ لتقصيره (١).

ولو التمس البائع من الوكيل تأخير الردّ حتى يحضر الموكّل ، فقد قلنا : إنّه لا تجب عليه الإجابة ؛ لأنّ الردّ حقٌّ ثبت له ، فلا يكلّف تأخيره.

فإن أخّر كما التمسه البائع ، فحضر الموكّل ولم يرض به ، قال بعض الشافعيّة : المبيع للوكيل ، ولا ردّ ؛ لتأخيره مع الإمكان (٢).

وقال بعضهم : له الردّ ؛ لأنّه لم يرض بالعيب (٣).

ولو ادّعى البائع رضا الموكّل بالعيب فأنكر الوكيلُ العلمَ ، ففي إحلافه خلاف سبق (٤).

فإن قلنا بالحلف فعرضت اليمين على الوكيل ، فإن حلف ردّه ، ثمّ إن حضر الموكّل وصدّق البائع ، فله استرداد المبيع من البائع ؛ لموافقته إيّاه على الرضا قبل الردّ ، وبه قال بعض الشافعيّة (٥).

وقال بعضهم : لا يستردّ ، وينفذ فسخ الوكيل (٦).

وإن نكل ، حلف البائع ، وسقط ردّ الوكيل ، فإذا حضر الموكّل فإن صدّق البائع ، فذاك. وإن كذّبه ، قال بعض الشافعيّة : لزم العقد الوكيل ، ولا ردّ ؛ لإبطال الحقّ بالنكول (٧).

مسألة ٧١٤ : هذا كلّه في طرف الشراء ، أمّا الوكيل بالبيع إذا باع فوجد المشتري عيباً ، ردّه عليه إن لم يعلمه وكيلا ، ثمّ هو يردّ على الموكّل. وإن علمه وكيلاً ، ردّه على الموكّل خاصّةً.

وقال بعض الشافعيّة : إن شاء ردّه على الوكيل ، وإن شاء ردّه على‌

__________________

(١ ـ ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٣.

(٤) في ص ٩٠ ، ضمن المسألة ٧٠٩.

(٥ و ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٣.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٤.

٩٦

الموكّل ، فإذا ردّه على الوكيل ردّه على الموكّل (١).

وهو ممنوع ؛ لبراءة ذمّة الوكيل من العهدة.

وهل للوكيل حطّ بعض الثمن للعيب؟ للشافعيّة قولان (٢).

ويحتمل أنّه ليس له ذلك ؛ لأنّه مأمور بالبيع ، وأن يكون له ؛ لأنّ الأمر بالبيع إنّما يتناول ثمن مثل السلعة ، وثمن مثل سلعته ما قبضه ثمناً بعد إسقاط الأرش.

ولو زعم الموكّل حدوث العيب في يد المشتري ، وصدّق الوكيل المشتري ، ردّ المشتري على الوكيل ، ولم يردّ الوكيل على الموكّل عند الشافعيّة (٣).

والوجه : إنّه مع عدم البيّنة يحلّف المشتري البائعَ على عدم السبق ، ويستقرّ البيع للمشتري مجّاناً.

هذا إن علم المشتري بالوكالة. وإن لم يعلم ، ردّ على الوكيل.

تذنيب : هل لعامل القراض أن يشتري مَنْ ينعتق على المالك؟ سيأتي.

فإن قلنا : له ذلك فلو اشترى أباه فظهر معيباً ، فللوكيل ردّه إن جعلنا للوكيل الردَّ أو كان وكيلاً فيه ؛ لأنّه لا يعتق على الموكّل قبل الرضا بالعيب.

البحث الرابع : في تخصيصات الموكّل.

مسألة ٧١٥ : يجب على الوكيل تتبّع تخصيصات الموكّل ، ولا يجوز له العدول عنها ولا التجاوز بها ، إلاّ في صورة السُّوق على ما يأتي (٤) ، بل‌

__________________

(١ ـ ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٤.

(٤) في ص ٩٨.

٩٧

يجب النظر إلى تقييدات الموكّل في الوكالة.

ويشترط على الوكيل رعاية المفهوم منها بحسب العرف ، فإذا عيّن الموكّل بالبيع شخصاً فقال : بِعْ على زيدٍ ، لم يجز له بيعه من غيره ؛ لاختلاف الأغراض في أعيان المشترين ، فقد يرغب إلى شخصٍ دون غيره إمّا لسهولة معاملته ، وإمّا لخلوّ ماله عن الشبهات ، فقد يكون أقرب إلى الحِلّ وأبعد عن الشبهة ، وإمّا لإرادة تخصيصه بذلك المبيع إمّا لإفادته إيّاه شيئاً ، أو لإمكان استرداده منه ، فإن باع الوكيل من غير مَنْ عيّن له الموكّل ، كان موقوفاً ، فإن أجازه الموكّل صحّ البيع ، وإلاّ فلا.

تذنيب : لو قال : بِعْه من زيدٍ بمائة ، لم يجز بيعه على غيره بأزيد إلاّ أن يجيز.

مسألة ٧١٦ : لو عيّن له زماناً ، لم يجز له التخطّي ولا العدول عنه‌ ، فإذا قال : بِعْه اليوم ، أو يوم كذا ، لم يجز له التقديم ولا التأخير ؛ لأنّه ربما يحتاج إلى البيع في ذلك الوقت ، دون ما قبله وما بعده ، فإن قدّم أو أخّر ، وقف على الإجازة.

ولو عيّن له مكاناً من سُوقٍ ونحوه ، فإن كان له في ذلك المكان غرضٌ صحيح بأن كان الراغبون فيه أكثر والنقد فيه أجود والمتعاملون فيه أسمح ، لم يجز له البيع في غيره.

وإن لم يكن له غرض ، فالأقرب : جواز بيعه في غيره ؛ لأنّ التعيين في مثل ذلك يقع اتّفاقاً من غير باعثٍ إليه ، وإنّما الغرض والمقصود تحصيل الثمن ، فإذا حصل في غيره ، جاز ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : لا يجوز التعدّي ؛ لجواز أن يكون له فيه غرض صحيح‌

٩٨

لا يطّلع عليه (١).

وهو غير محلّ النزاع ؛ لأنّا نفرض الكلام فيما لو انتفى الغرض بالكلّيّة ، أمّا لو جوّزنا حصول غرضٍ صحيح ، فإنّه لا يجوز له التعدّي.

ولو نهاه صريحاً عن البيع في غير السُّوق الذي عيّنه ، لم يجز له التعدّي إلى المنهيّ عنه إجماعاً.

ولو قال : بِعْه في بلد كذا ، احتُمل أن يكون كقوله : بِعْه في السُّوق الفلاني ، حتى لو باعه في بلدٍ آخَر ، جاء فيه التفصيل : إن كان له غرض صحيح في التخصيص ، لم يجز التعدّي ، وإلاّ جاز ، لكن يضمن هنا الوكيل بالنقل إلى غير المعيّن ، وكذا الثمن يكون مضموناً في يده ، بل لو أطلق التوكيل في بلدٍ ، يبيعه في ذلك البلد ، فلو نقله صار ضامناً.

مسألة ٧١٧ : الموكّل إذا أذن للوكيل في البيع ، فإمّا أن يُطلق ، أو يُقيّد.

فإن أطلق ، فقد بيّنّا أنّه يُحمل على البيع بثمن المثل بنقد البلد حالًّا.

وإن قيّد فقال : بِعْه بمائة درهمٍ ، لم يجز له البيع بأقلّ ، فإن باع بالأقلّ ، كان موقوفاً ؛ لأنّه غير مأذون فيه ، ويكون الوكيل هنا فضوليّاً ، إن أجاز المالك البيعَ صحّ ، وإلاّ فلا ، وكان للموكّل فسخ البيع.

وقول الشيخ رحمه‌الله : « إذا تعدّى الوكيل شيئاً ممّا رسمه الموكّل ، كان ضامناً لما تعدّى فيه » (٢) لا ينافي ما قلناه.

ولو باعه بأكثر من مائة درهمٍ ، فإن كانت الكثرة من غير الجنس‌ ـ مثل : أن يبيعه بمائة درهمٍ وثوبٍ ـ جاز عند علمائنا ، سواء كانت الزيادة قليلةً أو كثيرةً ، وسواء كانت الزيادة

__________________

(١) الوسيط ٣ : ٢٩٣ ـ ٢٩٤ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢١٨ ، البيان ٦ : ٣٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٦.

(٢) النهاية : ٣١٩.

٩٩

من الأثمان أو لا ؛ لأنّها زيادة تنفعه ولا تضرّه.

وقال أصحاب الشافعي : لا يصحّ بيعه بمائةٍ وثوبٍ ـ في أحد الوجهين ـ لأنّه من غير جنس الأثمان (١).

وكونه من غير جنس الأثمان لا ينافي كونها زيادةً. ولأنّ الإذنَ في بيعه بمائة إذنٌ في بيعه بزيادة عليها عرفاً ، فإنّ مَنْ رضي بمائة لا يكره الزيادة عليها بثوبٍ ينفعه.

ولو باعه بمائة دينار ، أو بمائة ثوب ، أو بمائة دينار وعشرين درهماً ، أو بمهما كان غير ما عيّن له ، لم يجز ؛ لأنّ المأتيّ به غير المأمور بتحصيله ، ولا هو مشتمل على تحصيل ما أُمر بتحصيله ، والوكيل متصرّف بالإذن ، فإذا عدل عن المأذون فيه ، كان فضوليّاً.

ويحتمل عندي قويّاً : جواز بيعه بأكثر من المائة ولو من غير الجنس ، إلاّ أن يكون له غرض صحيح في التخصيص بالدراهم خصوصاً إذا جعل مكان الدراهم دنانير أو مكان بعضها ؛ لأنّه مأذون فيه عرفاً ، فإنّ مَنْ رضي بدرهمٍ رضي مكانه بدينارٍ ، فجرى مجرى ما إذا باعه بمائة درهمٍ ودينارٍ ، بخلاف ما لو باعه بمائة ثوبٍ ؛ لأنّه من غير الجنس.

ويحتمل عندي مع الزيادة الجواز.

ولو باعه بالأزيد ولو قلّ ـ مثل أن يبيعه بمائة درهمٍ ودرهمٍ ـ صحّ ؛ لأنّ المقصود من التقدير أن لا ينقص منها في العرف.

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٦٢ ، بحر المذهب ٨ : ١٩٥ ، البيان ٦ : ٣٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٠ ، المغني ٥ : ٢٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٧.

١٠٠