تذكرة الفقهاء - ج ١٥

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٥

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: ٥٣٧

مسألة ٩٩١ : إذا كان له جارية ذات ولد فقال : هذا ولدي من هذه الجارية ، ثبت نسبه مع الإمكان.

وهل تكون الجارية أُمَّ ولدٍ؟ فيه إشكال ينشأ : من إمكان استيلادها بالنكاح ثمّ ملكها بعد ذلك ، فلا تكون أُمَّ ولدٍ ، أو أنّه استولدها بشبهةٍ أو بإباحة المولى ، فلا تكون أيضاً أُمَّ ولدٍ ، ومن أنّ الظاهر أنّه استولدها في الملك ؛ لأنّه حاصل محقّق ، والنكاح غير معلومٍ ، والأصل فيه العدم ، وكذا الأصل عدم الشبهة وعدم الإباحة.

وللشافعي قولان (١) كهذين.

وللمسألة خروج ظاهر عند الشافعيّة على قولَي تقابل الأصل والظاهر.

وما الأظهر من الخلاف في المسألة؟

قال جماعة منهم : إنّ الثاني أظهر ، وهو ظاهر نصّ الشافعي في المختصر.

لكنّ الأوّل أقرب إلى القياس ، وأشبه بقاعدة الإقرار ، وهي البناء على المتيقّن (٢) (٣).

ولو قال : إنّه ولدي منها ولدَتْه في ملكي ، فهي أُمّ ولدٍ ؛ لتصريحه بالولادة في الملك.

وللشافعيّة فيه طريقان :

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٣.

(٢) في « العزيز شرح الوجيز » ونسخة بدل في هامش « ج » : « اليقين ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٣.

٤٤١

أحدهما : القطع بثبوت أُمّيّة الولد ؛ لتصريحه بالولادة في الملك.

وأصحّهما عندهم : إنّه على القولين ؛ لاحتمال أن يحبلها قبل الملك بالنكاح ثمّ يشتريها فتلد في الملك (١). ولا بأس به عندي.

ولو قال : إنّه ولدي استولدتها به في ملكي ، أو عَلِقَتْ في ملكي ، فهي أُمّ ولدٍ قطعاً ، وانقطع الاحتمال.

وكذا لو قال : هذا ولدي منها وهي في ملكي منذ عشر سنين ، وكان الولد ابنَ سنةٍ.

هذا كلّه مفروض فيما إذا لم تكن الأمة مزوّجةً ولا فراشاً عند الشافعي (٢) ، أمّا إذا كانت مزوّجةً لم ينسب الولد إلى السيّد ، ولم يعتد باستلحاقه ؛ للحوقه بالزوج.

وإن كانت فراشاً له ، فإن أقرّ بوطئها فالولد يلحقه بحكم الفراش لا بالإقرار عند الشافعي (٣) ، فلا يعتبر فيه إلاّ الإمكان.

ولا فرق في الإقرار بالاستيلاد بين أن يكون في الصحّة أو في المرض ؛ لأنّ إنشاءه نافذ في الحالين.

مسألة ٩٩٢ : لو كان له جاريتان لكلّ واحدةٍ منهما ولد ، فقال : ولد إحداهما ولدي ، فللأمتين أحوال :

أ ـ أن لا تكون واحدة منهما مزوّجةً ولا فراشاً للسيّد ، فيؤمر بالتفسير والتعيين ، كما لو أقرّ بطلاق إحدى امرأتيه ، فإذا عيّن أحدهما ثبت نسبه ، وكان حُرّاً وورثه.

ثمّ إن صرّح بأنّه استولد أمةً في النكاح ، لم تصر أُمَّ ولدٍ.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٥.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٣.

٤٤٢

وإن أضافه إلى وطئ شبهةٍ ، فكذلك على الأقوى.

وللشيخ رحمه‌الله فيه قول (١).

وللشافعيّة قولان (٢).

ولو قال : استولدتها بالزنا ، مفصولاً عن الاستلحاق ، لم يُقبل ، ولحق به النسب ؛ عملاً بأوّل كلامه.

وفي حُرّيّته إشكال ، الأقرب : ذلك.

وفي أُمّيّة الولد للشافعيّة قولان ، كما إذا أطلق الاستلحاق (٣).

وإن وصله باللفظ ، قال بعض الشافعيّة : لا يثبت النسب ولا أُمّيّة الولد (٤).

وينبغي أن يخرّج ذلك عندهم على [ قولَي ] (٥) تبعيض الإقرار (٦).

وقد سبق (٧) البحث في مثله.

إذا ثبت هذا ، فإنّ الولد الآخَر يكون رقّاً.

وكذا لو كانا من أمةٍ واحدة.

ولو ادّعت الأمة الأُخرى أنّ ولدها هو الذي استلحقه ، وأنّها التي استولدها ، فالقول قول السيّد مع يمينه ؛ لتمسّكه بالأصل ، وكذا لو بلغ الولد‌

__________________

(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ٣ : ٤٦.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٣ ، بحر المذهب ٨ : ٢٥٣ و ٣٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٣.

(٤) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٣.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « قول ». وما أثبتناه كما في المصدر.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٣.

(٧) في ص ٤٠٢ ، المسألة ٩٦٣.

٤٤٣

وادّعى ، فإن نكل السيّد حلف المدّعي ، وقُضي بمقتضى يمينه.

ولو مات السيّد قبل التعيين قام ورثته مقامه في التعيين عند الشافعيّة (١).

والأقرب عندي : القرعة.

فإن عيّن الورثة ، كان حكمُ تعيينهم حكمَ تعيين المولى في النسب والحُرّيّة والإرث عندهم (٢).

وتكون أُمّ المعيّن مستولدةً إن ذكر السيّد ما يقتضي الاستيلاد ، وإلاّ سُئلوا ، وحكم بيانهم حكم بيان المورّث ، فإن قالوا : لا نعلم أنّه استولدها ، فعلى الخلاف فيما إذا أطلق المستلحق استلحاقه.

ولو لم يكن وارثٌ أو قال الورثة : لا نعلم ، حُكم بالقرعة قطعاً عندنا ؛ لأنّه أمر مشتبه.

وقالت الشافعيّة : يُعرض الولدان على القافة ، فأيّهما ألحقوه به لحق ، والحكم في النسب والحُرّيّة والإرث كتعيين المُورّث أو الوارث عندهم ، وفي الاستيلاد كما لو أطلق الاستلحاق (٣).

قالت الشافعيّة : ويجوز ظهور الحال للقائف مع موت المستلحق بأن كان قد رآه ، أو بأن يراه قبل الدفن ، أو بأن يرى عصبته فيجد الشبه ، فإن‌

__________________

(١) بحر المذهب ٨ : ٣٢١ ، الوسيط ٣ : ٣٥٧ ، حلية العلماء ٨ : ٣٧٦ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٧٥ ـ ٢٧٦ ، البيان ١٣ : ٤٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٣.

(٢) بحر المذهب ٨ : ٣٢١ ، البيان ١٣ : ٤٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٣.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٣٢١ ، حلية العلماء ٨ : ٣٧٦ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٧٦ ، البيان ١٣ : ٤٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٦.

٤٤٤

عجزنا عن الاستفادة من القائف ؛ لعدمه ، أو لإلحاقه الولدين به أو نفيهما [ عنه ] أو أشكل الأمر عليه ، أقرعنا بينهما لنعرف الحُرّ منهما (١).

فأمّا عندنا فإنّه يُحكم بالقرعة من رأس ، ولا يُنتظر بلوغ الولدين ـ عندنا وعندهم (٢) ـ حتى ينتسبا ، بخلاف ما لو تنازع اثنان في ولدٍ ولا قائف هناك ؛ لأنّ الاشتباه هاهنا في أنّ الولد أيّهما ، فلو اعتبر الانتساب ربما ينسب كلّ واحدٍ منهما إليه ، فلا يرتفع الإشكال.

ولا يُحكم عندهم لمن خرجت قرعته بالنسب والميراث ؛ لأنّ القرعة عندهم على خلاف القياس ، وإنّما ورد الخبر (٣) ـ عندهم ـ بها في العتق ، فلا تُعمل في النسب والميراث (٤).

وعندنا أنّها تجري في كلّ أمرٍ مشكل بالنصّ عن الأئمّة عليهم‌السلام (٥).

ومع القرعة عندهم هل يوقف نصيب ابنٍ بين مَنْ خرجت له القرعة وبين الآخَر؟ للشافعيّة وجهان ، والأظهر عندهم : إنّه يوقف (٦).

وأمّا الاستيلاد فهو على التفصيل السابق.

وعندنا القرعة تنفذ في النسب وتوابعه من الميراث وغيره.

__________________

(١) بحر المذهب ٨ : ٣٢١ ـ ٣٢٢ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٤.

(٢) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٤.

(٣) أي خبر القرعة ، راجع صحيح مسلم ٣ : ١٢٨٨ / ١٦٦٨ ، وسنن ابن ماجة ٢ : ٧٨٦ / ٢٣٤٥ ، وسنن أبي داوُد ٤ : ٢٨ / ٣٩٥٨ و ٣٩٦١ ، وسنن الترمذي ٣ : ٦٤٥ / ١٣٦٤ ، وسنن البيهقي ١٠ : ٢٨٥ ـ ٢٨٦.

(٤) بحر المذهب ٨ : ٣٢٢ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٧٦ ، البيان ١٣ : ٤٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٤.

(٥) الفقيه ٣ : ٥٢ / ١٧٤ ، التهذيب ٦ : ٢٤٠ / ٥٩٣ ، النهاية ـ للطوسي ـ : ٣٤٦.

(٦) بحر المذهب ٨ : ٣٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٤.

٤٤٥

وأمّا الاستيلاد فإن لم يوجد من السيّد ما يقتضيه ، لم يثبت.

وإن وُجد ، فهل تحصل أُمّيّة الولد في أُمّ ذلك الولد بخروج القرعة؟

ذكر الجويني للشافعيّة وجهين.

ثمّ قال : المذهب أنّها لا تحصل ؛ لأنّها تبع النسب ، فإذا لم نجعله ولداً لم نجعلها أُمَّ ولدٍ.

والذي أورده الأكثر أنّها تحصل ؛ لأنّ المقصود العتق ، والقرعة عاملة فيه ، فكما تفيد حُرّيّته تفيد حُرّيّتها (١).

وهو الذي نذهب نحن إليه.

وهل يفتقر في إخراج الأُمّيّة لإحداهما إلى قرعةٍ أُخرى ، أم تثبت بحكم القرعة الأُولى؟ الأقوى عندي : الثاني ـ وهو قول أكثر الشافعيّة (٢) ـ إذ لا يؤمن خروج القرعة على غير التي خرجت لولدها.

مسألة ٩٩٣ : كلّ موضعٍ يثبت الاستيلاد فيه فالولد حُرّ الأصل لا ولاء عليه ، وكلّ موضعٍ لا يثبت فعليه الولاء ، إلاّ إذا نسبه إلى وطئ شبهة وقلنا : إنّها لا تصير أُمَّ ولدٍ له إذا مَلَكها بعد ذلك.

وإذا لم يثبت الاستيلاد ومات السيّد ، ورث الولد أُمّه وعُتقت عليه ، وهذا إذا تعيّن لا بالقرعة.

وإن كان معه وارثٌ آخَر ، عُتق نصيبه عليه ولم يَسْرِ.

هذا كلّه حكم الحالة الأُولى في الأمتين ، و [ هي ] (٣) أن لا تكونا مزوّجتين.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٧.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « هو ». والصحيح ما أثبتناه.

٤٤٦

ب : أن تكون الأمتان مزوّجتين ، فإنّه لا يُقبل قول السيّد ، وولد كلّ أمةٍ ملحق بزوجها وإن كانتا فراشاً للسيّد ، فإن كان قد أقرّ بوطئهما ، لحقه الولدان بحكم الفراش.

ج : لو كانت إحداهما مزوّجةً ، لم يتعيّن إقراره في الأُخرى ، بل يُطالَب بالتعيين ، فإن عيّن في ولد المزوّجة لم يُقبل ، وإن عيّن في ولد الأُخرى قُبِل ، وثبت (١) نسبه.

وإن كانت إحداهما فراشاً له ، لم يتعيّن إقراره في ولدها ، بل يؤمر بالتعيين ، فإن عيّن في ولد الأُخرى لحقه بالإقرار ، والولد الآخَر ملحق به بالفراش.

مسألة ٩٩٤ : لو كان له جارية لها ثلاثة أولاد ، فقال : أحد هؤلاء الثلاثة ولدي ، ولم تكن الأمة مزوّجةً ولا فراشاً للسيّد قبل ولادتهم ، عندهم (٢) ـ فإنّها لو كانت مزوّجةً كان الولد للزوج ولم يلتفت إلى إقراره ، وإن كانت موطوءةً للمولى ثبت الولد بالفراش ، لا بالإقرار ، عندهم (٣) ـ فحينئذٍ يطالَب بالتعيين ، فمَنْ عيّنه منهم فهو نسيب حُرّ وارث. والقول في الاستيلاد على التفصيل الذي مرَّ.

ثمّ إن عيّن الأصغر منهم ، ثبت نسبه ، وكان الأكبران رقيقين ، ولكلّ واحدٍ منهما أن يدّعي أنّه الولد ، والقول قول المنكر مع يمينه.

وإن عيّن الوسط ، فالأكبر رقيق.

وأمّا الأصغر فمبنيّ على استيلاد الأمة ، فإذا لم نجعلها مستولدةً فهو‌

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « يثبت ».

(٢) بحر المذهب ٨ : ٣٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٣.

٤٤٧

رقيق كالأُمّ.

وإن جعلناها مستولدةً فيُنظر إن لم يدّع الاستبراء بعد الأوسط فقد صارت فراشاً له بالأوسط ، فيلحقه الأصغر ويرثه.

وإن ادّعى الاستبراء ، فيبنى على أنّ نسب ملك اليمين هل ينتفي بدعوى الاستبراء؟ وسيأتي الخلاف فيه في اللعان.

فإن قلنا : لا ينتفي ، فهو كما لو لم يدّع الاستبراء. وإن قلنا : ينتفي ، فلا يلحقه الأصغر.

وفي حكمه للشافعيّة وجهان :

أظهرهما : إنّه كالأُمّ يُعتق بوفاة السيّد ؛ لأنّه ولد أُمّ الولد ، وأُمّ الولد إذا ولدت من زوج أو زنا عُتق ولدها بعتقها.

والثاني : إنّه يكون قِنّاً ؛ لأنّ ولد أُمّ الولد قد يكون كذلك ، كما لو أحبل الراهن الجاريةَ المرهونة وقلنا : إنّها لا تصير أُمَّ ولدٍ له فبِيعت في الحقّ فولدت أولاداً ثمّ مَلَكها وأولادها ، فإنّا نحكم بأنّها أُمّ ولدٍ له على الصحيح عندهم ، والأولاد أرقّاء لا يأخذون حكمها.

وأيضاً فإنّه إذا أحبل جاريةً بالشبهة ثمّ أتت بأولادٍ من زوج أو زنا ثمّ مَلَكها وأولادها ، تكون أُمَّ ولدٍ على قولٍ ، والأولاد لا يأخذون حكمها ، فإذا أمكن ذلك لم يلزم من ثبوت الاستيلاد أن يأخذ الولد حكمها بالشكّ والاحتمال (١).

ولصاحب الوجه الأوّل أن يقول : الأولاد في الصورتين المذكورتين وُلدوا قبل الحكم بالاستيلاد ، والأصغر وُلد بعد الحكم بالاستيلاد.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٥.

٤٤٨

على أنّ بعض الشافعيّة حكى في صورة الرهن وجهاً : أنّ الأولاد يأخذون حكمها ، ولا يبعد ـ عندهم ـ أن يجي‌ء مثله في صورة الإحبال بالشبهة (١).

وقد ذكر بعضهم وجهاً آخَر فيما إذا لم يدّع الاستبراء : إنّه لا يثبت نسبه ، ويكون حكمه حكمَ الأُمّ يُعتق بموت السيّد ؛ لأنّ الاستبراء حصل بالأوسط (٢).

وإن عيّن الأكبر ، فالقول في حكم الأوسط والأصغر كما ذكرناه في الأصغر إذا عيّن الأوسط.

ولو مات السيّد قبل التعيين ، عيّن وارثه.

ويحتمل القرعة عندنا.

فإن لم يعيّن الوارث أو لم يكن ، عُرضوا على القائف ، عند الشافعي ـ وهو غلط عندنا ـ فإن تعذّر معرفة القائف ، فالقرعة (٣).

ونحن نقول بالقرعة ابتداءً لمعرفة الحُرّيّة وثبوت الاستيلاد على ما سلف (٤).

واعترض المزني : بأنّ الأصغر حُرٌّ بكلّ حال عند موت السيّد ؛ لأنّه إمّا أن يكون هو المُقرّ به ، أو يكون ولدَ أُمّ الولد ، وولد أُمّ الولد يُعتق بموت السيّد ـ عندهم ـ وإذا كان حُرّاً بكلّ حال ، وجب أن لا يدخل في القرعة (٥).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٨.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٣٢٤ ـ ٣٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٥.

(٤) في ص ٤٤٤.

(٥) مختصر المزني : ١١٥ ، الوسيط ٣ : ٣٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٥.

٤٤٩

لكن عندنا لا يتحرّر ولد أُمّ الولد بموت السيّد.

قالوا : وإنّما لم يدخل في القرعة ؛ لأنّه ربما تخرج القرعة على غيره ، فيلزم إرقاقه (١).

واختلف أصحاب الشافعي في الجواب عنه.

فقال بعضهم : إنّه حُرٌّ ، ولا يدخل في القرعة ليرقّ إن خرجت لغيره ، بل ليرقّ غيره إن خرجت عليه ، ويقتصر العتق عليه (٢).

ومَنَع آخَرون حُرّيّته [ بناءً ] (٣) على أنّها (٤) وإن كانت أُمَّ ولدٍ فولد أُمّ الولد يجوز أن يكون رقيقاً (٥). وهذا مذهبنا.

لكنّ الأظهر عندهم الأوّل (٦).

وهو عين الوجه الأوّل المذكور فيما إذا عيّن الأوسط وادّعى الاستبراء بعده وقلنا : إنّه ينتفي به النسب.

ثمّ إذا أقرعنا بينهم وخرجت القرعة لواحدٍ منهم فهو حُرٌّ.

والمشهور : إنّ النسب والميراث لا يثبتان عندهم (٧) ، كما في المسألة الأُولى.

وحكي عن المزني أنّ الأصغر نسيب بكلّ حال ؛ لأنّه بين أن يكون هو المراد بالاستلحاق ، وبين أن يكون ولد أمته التي صارت فراشاً له بولادة مَنْ قبله (٨).

ثمّ جرى أصحاب الشافعي على دأبهم في الطعن على اعتراضاته‌

__________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٥.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٤) في « ر » بدل « على أنّها » : « لأنّها ».

(٥ ـ ٨) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٥.

٤٥٠

متبادرين.

وقال بعض الشافعيّة : لكنّ الحقّ المطابق لما تقدّم أن يُفرَّق بين ما إذا كان السيّد قد ادّعى الاستبراء قبل ولادة الأصغر ، وبين ما إذا لم يدّعه ، ويساعد (١) في هذه الحالة ، وإذا ثبت النسب ثبتت الحُرّيّة لا محالة (٢).

وحيث لا نحكم بثبوت النسب فهل يوقف الميراث؟ فيه للشافعيّة وجهان :

أحدهما : نعم ؛ لأنّا نتيقّن أنّ أحدهما ابنه وإن لم تُفد القرعة تعيينَه عندهم ، فأشبه ما إذا طلّق إحدى امرأتيه ومات قبل البيان ، حيث يوقف نصيب امرأةٍ.

والثاني : لا ؛ لأنّه إشكال وقع اليأس عن زواله ، فأشبه ما إذا غرق المتوارثان ولم يعلم هل ماتا معاً أو على التعاقب ، لا توريث ولا وقف.

وهذا أصحّ عند أكثر الشافعيّة (٣).

واختار المزني الوقفَ.

ثمّ اختلفت الرواية عنه في كيفيّته ، ففي بعضها : إنّه إذا كان له ابن معروف النسب يُدفع إليه ربع الميراث ، ويُدفع ربعه إلى الأصغر ، ويوقف النصف. وفي أُخرى : إنّه يُدفع نصف الميراث إلى معروف النسب ، ويوقف النصف للمجهول (٤).

والرواية الأُولى مبنيّة على ما ذهب إليه المزني من أنّ الأصغر نسيب‌

__________________

(١) أي يساعد المزني.

(٢ و ٣) بحر المذهب ٨ : ٣٢٥ ـ ٣٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٥.

(٤) بحر المذهب ٨ : ٣٢٦ و ٣٢٧ ، حلية العلماء ٨ : ٣٧٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٩.

٤٥١

بكلّ حال (١) ، فهو والمعروف ابنان يقيناً ، فيُدفع النصف إليهما ، ويوقف النصف بينهما وبين الأكبرين ، فيجوز أن يكونا ابنين أيضاً ، ويجوز أن يكون واحد منهما ابناً ، ويجوز أن يكون الأوسطَ ، دون الأكبر.

والرواية الثانية اختيار منه للشافعي جواباً على أنّه لا يثبت نسب واحدٍ منهم على التعيين ، لكن نعلم أنّ فيهم ابناً ، فيوقف النصف له ، ويُدفع النصف إلى الابن المعروف (٢).

إذا عرفت هذا ، فاعلم أنّ أبا حنيفة قال : إذا مات المُقرّ قبل البيان لم يُقرع ، ويكون الأصغر حُرّاً كلّه ، ويُعتق من الأوسط ثلثاه ؛ لأنّه حُرٌّ في حالتين ـ وهُما : إذا عيّنه أو عيّن الأكبر ـ رقيق في حالةٍ واحدة ـ وهي : إذا عيّن الأصغر ـ ومن الأكبر ثلثه ؛ لأنّه حُرٌّ في حالةٍ واحدة ـ وهي : إذا عيّن فيه ـ رقيق في حالتين ، وهُما : إذا عيّن الأوسط أو الأصغر.

قال : ويُعتق من الأُمّ ثلثاها ؛ لأنّه قد عُتق ثلثا ولدها (٣).

مسألة ٩٩٥ : إذا أقرّ ببنوّة صغيرٍ ، لم يكن ذلك اعترافاً بزوجيّة الأُم ، سواء كانت أُمّه مشهورةً بالحُرّيّة أو بالزنا ، أو غير مشهورةٍ بأحدهما ؛ لأنّ الزوجيّة والنسب أمران متغايران غير متلازمين ، فلا يدلّ أحدهما على الآخَر بالمطابقة ولا بالتضمّن ولا بالالتزام.

وخالف فيه أبو حنيفة ، فقال : إن كانت أُمّه مشهورةً بالحُرّيّة كان الإقرار بالولد إقراراً بزوجيّة أُمّه ، وإن لم تكن مشهورةً فلا (٤).

__________________

(١) راجع الهامش (٨) من ص ٤٥٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٩.

(٣) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٠.

(٤) مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٠٨ / ١٩٠٢ ، بحر المذهب ٨ : ٣١٨ ، المغني ٥ : ٣٣٥ ـ ٣٣٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٨٦.

٤٥٢

ولو عيّن أحد الولدين في الاستلحاق ثمّ اشتبه ومات ، أو لم يعيّن وكانا من جاريةٍ له ، استُخرج بالقرعة ، وكان الآخَر رقّاً له ، ويثبت الاستيلاد لأُمّ مَنْ أخرجته القرعة على ما تقدّم.

ولو كان للجاريتين زوجان ، بطل إقراره.

ولو كان لإحداهما زوجٌ ، انصرف الإقرار إلى ولد الأُخرى.

القسم الثاني (١) : الإقرار بغير الولد من الأنساب.

مسألة ٩٩٦ : إذا أقرّ مَنْ يلحق النسب بغيره ، مثل أن يقول : أخي ، كان معناه أنّه ابن أبي أو ابن أُمّي. ولو أقرّ بعمومة غيره ، كان النسب ملحقاً بالجدّ ، فكأنّه قال : ابن جدّي.

ويثبت النسب بهذا الإلحاق بالشرائط السابقة وبشروط أُخَر زائدة عليها :

أ : أن يصدّقه المُقرّ به أو تقوم البيّنة على دعواه وإن كان ولدَ ولدٍ.

ب : أن يكون الملحق به ميّتاً ، فما دام حيّاً لم يكن لغيره الإلحاق به وإن كان مجنوناً.

ج : أن لا يكون الملحق به قد نفى المُقرّ به ، أمّا إذا نفاه ثمّ استلحقه وارثه بعد موته ، فإشكال ينشأ : من أنّه لو استلحقه المورّث بعد ما نفاه باللعان وغيره ، لحق به وإن لم يرثه عندنا ، ومن سبق الحكم ببطلان هذا النسب ، ففي إلحاقه به بعد الموت إلحاق عارٍ بنسبه ، وشرط الوارث أن يفعل ما فيه حظّ المورّث ، لا ما يتضرّر به.

وللشافعيّة فيه وجهان كهذين ، لكنّ الأوّل عندهم أشبه (٢) ، وهو‌

__________________

(١) مرّ القسم الأوّل في ص ٤٣٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦١ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٦.

٤٥٣

الأقوى عندي.

د : صدور الإقرار من الورثة الحائزين للتركة ، فلو أقرّ الأجنبيّ لم يثبت به النسب.

ولو مات مسلم عن ابنٍ كافر أو قاتل أو رقيق ، لم يُقبل إقراره عليه بالنسب ، كما لا يُقبل إقراره عليه بالمال.

ولو كان له ابنان : مسلم وكافر ، لم تعتبر موافقة الكافر.

ولو كان الميّت كافراً ، كفى استلحاق الكافر عند العامّة (١).

ولا فرق في ثبوت النسب بين أن يكون المُقرّ به كافراً أو مسلماً.

مسألة ٩٩٧ : لو مات وخلّف ولداً فأقرّ ذلك الولد بابنٍ آخَر للميّت ، ثبت نسبه.

ولو خلّف ابنين أو جماعة أولاد ذكور أو إناث أو ذكور وإناث ، لم يكن بُدٌّ من اتّفاقهم جميعاً.

وكذا تعتبر موافقة الزوج والزوجة ؛ لأنّهما من الورثة ، وهو قول أكثر الشافعيّة (٢).

وفيه وجهٌ آخَر لهم : إنّه لا تعتبر موافقتهما له ؛ لأنّ الزوجيّة تنقطع بالموت ، ولأنّ المُقرّ به النسب ، ولا شركة لهما فيه (٣).

ويجري مثل هذا الخلاف في العتق (٤).

ولو مات وخلّف بنتاً لا غير ، ورثت الجميع عندنا.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦١ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٦.

(٢ و ٣) بحر المذهب ٨ : ٣١١ ، الوجيز ١ : ٢٠٢ ، حلية العلماء ٨ : ٣٧٢ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦١ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٦.

(٤) الوجيز ١ : ٢٠٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦١ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٦.

٤٥٤

فلو أقرّت بولدٍ آخَر ذكر أو أُنثى ، ثبت النسب عندنا.

وفصّل الشافعيّة فقالوا : إن كانت حائزةً بأن كانت معتقةً ثبت النسب بإقرارها ، وإن لم تكن حائزةً ووافقها الإمام فوجهان جاريان فيما إذا مات مَنْ لا وارث له ، فألحق الإمام به مجهولاً (١).

والخلاف مبنيّ عندهم على أنّ الإمام له حكم الوارث أو لا؟

قال بعض الشافعيّة : إنّه يثبت النسب بموافقة الإمام.

ثمّ هذا الكلام فيما إذا ذكر الإمام ذلك لا على وجه الحكم ، أمّا إذا ذكره على وجه الحكم فإن قلنا : إنّه يقضي بعلم نفسه ، ثبت النسب ، وإلاّ فلا (٢).

ولا فرق عندهم بين أن تكون حيازة المُلحِق تركة المُلحَق به بواسطةٍ أو بغيرها بأن كان قد مات أبوه قبل جدّه والوارث ابن الابن فلا واسطة (٣).

مسألة ٩٩٨ : لو خلّف ابنين بالغين فأقرّ أحدهما بأخٍ ثالث ، لم يستقل بالإقرار ، ولم يثبت النسب إن لم يوافقه الآخَر ، وكان للثالث مشاركة المُقرّ في الميراث دون الآخَر.

وإنّما لم يثبت نسبه ؛ لأنّ المنكر يُقدَّم قوله مع عدم البيّنة ، فلا يثبت النسب بالنسبة إليه ولا بالنسبة إلى المُقرّ أيضاً ؛ لأنّ النسب لا يتبعّض ، بل يشارك بالنسبة إلى حصّة المُقرّ ، فيأخذ ثلث ما في يده ، وهو فضل ما في يد المُقرّ عن ميراثه.

ولا فرق بين أن يُقرّ أحدهما بأب أو أخ.

__________________

(١) الوجيز ١ : ٢٠٢ ـ ٢٠٣ ، البيان ١٣ : ٤٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦١ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٦ ـ ٦٧.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦١ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٧.

٤٥٥

ونقل الجويني وجهاً آخَر : إنّه ينفرد ، ويُحكم بثبوت النسب في الحال ؛ لأنّ أمر النسب خطير ، فالظاهر من حال كامل الحال من الورثة أنّه يعتني به ولا يجازف فيه (١).

ولو كان أحد الولدين صغيراً وأقرّ البالغ ، فعلى ما اخترناه من عدم ثبوت النسب بقول الواحد ـ وهو قول أكثر الشافعيّة (٢) ـ ينتظر بلوغ الصبي ، فإذا بلغ ووافق البالغ ثبت النسب حينئذٍ.

وإن مات قبل البلوغ ، فإن لم يكن الميّت قد خلّف سوى المُقرّ ثبت النسب ، ولا يحتاج إلى تجديد الإقرار ، وإن خلّف ورثةً سواه اعتبر موافقتهم.

فإن كان أحد الوارثين مجنوناً ، فهو كما لو كان أحدهما صبيّاً.

مسألة ٩٩٩ : لو خلّف وارثين بالغين رشيدين فأقرّ أحدهما بوارثٍ ثالث وأنكر الآخَر ، قال الشافعي : الذي أحفظه من قول المدنيّين في مَنْ خلّف ابنين فأقرّ أحدهما بأخٍ : إنّ نسبه لا يلحق ، ولا يأخذ شيئاً ؛ لأنّه أقرّ له بمعنى إذا ثبت وَرِث ووَرَّث ، فإذا لم يثبت بذلك عليه حقٌّ ، لم يثبت له. قال : وهذا أصحّ ما قيل عندنا (٣).

وقد عرفت أنّ الذي نصير نحن إليه ثبوت الميراث بالنسبة إلى المُقرّ ، فيأخذ ما فضل عن نصيبه ممّا في يده خاصّةً.

وأمّا عدم النسب فإجماعٌ ؛ لأنّ النسب لا يتبعّض ، فلا يمكن إثباته‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦١ ـ ٣٦٢.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٩٨ ـ ٩٩ ، بحر المذهب ٨ : ٣١٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦١ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٧.

(٣) مختصر المزني : ١١٤.

٤٥٦

في حقّ المُقرّ دون المنكر ، ولا يمكن إثباته في حقّهما ؛ لأنّ شهادة الواحد لا يثبت بها نسب.

إذا عرفت هذا ، فإنّ المُقرّ له يشارك المُقرّ في الميراث بالنسبة ، فلو كان الميّت قد خلّف ابنين فأقرّ أحدهما بثالثٍ وأنكر الآخَر ، فالتركة في قول المنكر نصفان بينه وبين المُقرّ ، وفي قول المُقرّ أثلاث وفي يده النصف ، فيدفع منه السدس الذي فضل في يده إلى الثالث ، ويكون للمُقرّ الثلث ، وللمنكر النصف ، وللثالث السدس ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال مالك وابن أبي ليلى (١) ـ لأنّه أقرّ بمالٍ تعلّق (٢) بسببٍ لم يحكم ببطلانه ، فوجب أن يلزمه المال ، كما لو أقرّ ببيع شقصٍ له وأنكر المشتري وحلف ، فإنّ الشفعة تثبت فيه. وكذا لو أقرّ بدَيْنٍ على أبيه وأنكره الآخَر.

وقال أبو حنيفة وأحمد (٣) : يأخذ الثالث نصف ما في يد المُقرّ (٤).

__________________

(١) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٢٠ ـ ٦٢١ / ١٠٥٨ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٩٨ ـ ١٧٠٠ / ١١٩٦ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٥٦ ، المعونة ٢ : ١٢٥٦ ، الحاوي الكبير ٧ : ٨٧ ، بحر المذهب ٨ : ٣٠٩ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٨ ، البيان ١٣ : ٤٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٤ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢٣٠ ، المغني ٥ : ٣٢٦ ، و ٧ : ١٤٥ ، الشرح الكبير ٧ : ٢٠٤.

(٢) في « ج » : « يتعلّق ». وفي الطبعة الحجريّة : « متعلّق ».

(٣) في المغني والشرح الكبير وكذا العزيز شرح الوجيز نُسب إلى أحمد القول المنقول عن مالك ... آنفاً ، لاحظ الهامش التالي.

(٤) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٣٠ : ٧٢ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٠٣ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢٣٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٨٧ ، بحر المذهب ٨ : ٣٠٩ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٨ ، البيان ١٣ : ٤٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٤ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٢١ / ١٠٥٨ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٠٠ / ١١٩٦ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٥٦ ، المعونة ٢ : ١٢٥٦ ـ ١٢٥٧ ، المغني ٥ : ٣٢٦ ، و ٧ : ١٤٥ ، الشرح الكبير ٧ : ٢٠٥.

٤٥٧

وقال الشافعي : ليس للمُقرّ له شي‌ء من الميراث لا من حصّة المُقرّ ولا من أصل التركة ـ وبه قال ابن سيرين ـ لأنّه أقرّ بنسبٍ لم يثبت ، فوجب أن لا يثبت له ميراث ، كما لو أقرّ بنسب معروف النسب (١).

والملازمة ممنوعة ، والفرق ظاهر بين مشهور النسب وغيره.

مسألة ١٠٠٠ : لو أقرّ أحد الولدين الرشيدين بثالثٍ وأنكر الآخَر ثمّ مات المنكر ولم يخلّف إلاّ أخاه المُقرّ ، فالأقرب : إنّه يثبت النسب والميراث ـ وبه قال الشافعيّة في أظهر الوجهين (٢) ـ لأنّ جميع الميراث قد صار له.

والثاني لهم : المنع ؛ لأنّ إقرار الفرع مسبوق بإنكار الأصل (٣).

ويجري هذا الخلاف فيما إذا خلّف المنكر غير المُقرّ وارثاً فأقرّ ذلك الوارث (٤).

والوجهان عند بعض الشافعيّة مبنيّان على الوجهين في استلحاق مَنْ‌

__________________

(١) الأُمّ ٦ : ٢٢٥ ، مختصر المزني : ١١٤ ، الحاوي الكبير ٧ : ٨٧ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٣٥٣ ، بحر المذهب ٨ : ٣٠٩ ، الوسيط ٣ : ٣٦١ ، الوجيز ١ : ٢٠٣ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٧ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٥٦ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٢١ / ١٠٥٨ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٠٠ / ١١٩٦ ، المغني ٥ : ٣٢٥ ، و ٧ : ١٤٥ ، الشرح الكبير ٧ : ٢٠٥.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٩٩ ، بحر المذهب ٨ : ٣١٤ ، الوسيط ٣ : ٣٦٢ ، حلية العلماء ٨ : ٣٧٠ ـ ٣٧١ ، البيان ١٣ : ٤٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٧.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٩٩ ، بحر المذهب ٨ : ٣١٤ ، الوسيط ٣ : ٣٦٢ ، حلية العلماء ٨ : ٣٧١ ، البيان ١٣ : ٤٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٧.

(٤) الوسيط ٣ : ٣٦٢ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٧١ ـ ٢٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٧.

٤٥٨

نفاه المورّث (١).

ولو أقرّ أحد الابنين وسكت الآخَر ثمّ مات الساكت وخلّف ابناً وأقرّ الابن ، ثبت النسب قطعاً عندنا ، وهو ظاهر.

وكذا عند الشافعي ؛ لأنّ إقراره غير مسبوقٍ بتكذيب الأصل (٢).

مسألة ١٠٠١ : إذا مات وخلّف ابناً بالغاً رشيداً لا ولد له مشهور سواه ، فأقرّ الابن بأُخوّة مجهول النسب وأنكر المجهول نسب المعروف المُقرّ له ، لم يلتفت إلى إنكاره ، ولم يتأثّر بقوله نسب المشهور ، وهو قول أكثر الشافعيّة (٣).

وفيه وجهٌ آخَر لهم : إنّ المُقرّ يحتاج إلى البيّنة على نسبه ؛ لأنّه قد اعترف بنسب المجهول وقد أنكر المجهول نسب المُقرّ ، فالمجهول ثبت نسبه بإقرار المنفرد بالميراث.

لكنّ الأوّل أصحّ عندهم (٤).

وفي ثبوت نسب المجهول عند الشافعيّة وجهان : المنع ؛ لأنّ المُقرّ ليس بوارثٍ بزعمه.

والثاني ـ وهو الأصحّ عندهم وعندنا ـ أنّه يثبت ؛ لأنّا قد حكمنا بأنّه وارث حائز للتركة (٥).

ولو أقرّ بأُخوّة مجهولٍ ثمّ إنّهما معاً أقرّا بثالثٍ وأنكر الثالث نسب الثاني ، ففي سقوط نسب الثاني للشافعيّة وجهان ، أصحّهما عندهم :

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٢.

(٢) الوجيز ١ : ٢٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٧.

(٣) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٧.

(٥) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٧.

٤٥٩

السقوط ؛ لأنّه ثبت نسب الثالث ، فاعتبر موافقته لثبوت نسب الثاني (١).

ولو أقرّ بأُخوّة مجهولَيْن وصدّق كلّ واحدٍ منهما الآخَر ، ثبت نسبهما.

فإن كذّب كلّ واحدٍ منهما الآخَر ، فللشافعيّة وجهان ، أصحّهما عندهم : ثبوت النسبين ؛ لوجود الإقرار ممّن يحوز التركة (٢).

وإن صدّق أحدهما الآخَر وكذّبه الآخَر ، ثبت نسب المصدِّق ، دون المكذِّب.

هذا إذا لم يكن المجهولان توأمين ، فإن كانا توأمين فلا أثر لتكذيب أحدهما الآخَر ، فإذا أقرّ الوارث بأحدهما ثبت نسب كليهما.

مسألة ١٠٠٢ : لو أقرّ بنسب مَنْ يحجب المُقر ـ كما إذا مات عن أخٍ أو عمٍّ فأقرّ بابنٍ للميّت ـ فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : إنّه لا يثبت نسبه ، وإلاّ لزم الدور ؛ لأنّه لو ثبت لورث ، ولو ورث لحجب المُقرّ ، ولو حجب لخرج عن أهليّة الإقرار ، فإذا بطل الإقرار بطل النسب.

وأصحّهما عندهم ـ وهو مذهبنا ـ : إنّه يثبت النسب ؛ لأنّ ثبوت النسب بمجرّده لا يرفع الإقرار ، وإنّما يلزم ذلك من التوريث (٣) ، وسيأتي‌

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٣٥٣ ، بحر المذهب ٨ : ٣١٥ ، حلية العلماء ٨ : ٣٧١ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٧٢ ، البيان ١٣ : ٤٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٧.

(٢) بحر المذهب ٨ : ٣١٥ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٧ ـ ٦٨.

(٣) هذا الوجه الأصحّ قد سقط من الطبع في « العزيز شرح الوجيز » وهو موجود في « فتح العزيز » المطبوع بهامش « المجموع » ١١ : ٢٠١.

٤٦٠