تذكرة الفقهاء - ج ١٥

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٥

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: ٥٣٧

وعندنا لا ولاية له ، ولا مدخل له في النكاح البتّة ، فلا يصحّ له أن يوكّل فيه.

وللمحجور عليه بالفلس أو السفه أو الرقّ أن يوكّلوا فيما لهم الاستقلال [ به ] (١) من التصرّفات ، فيصحّ من العبد أن يوكّل فيما يملكه دون إذن سيّده ، كالطلاق والخُلْع.

وكذا المحجور عليه لسفهٍ لا يوكّل إلاّ فيما لَه فعله ، كالطلاق والخُلْع وطلب القصاص.

والمفلس له التوكيل في الطلاق والخُلْع وطلب القصاص والتصرّف في نفسه ، فإنّه يملك ذلك ، وأمّا ماله فلا يملك التصرّف فيه.

وأمّا ما لا يستقلّ أحدهم بالتصرّف فيه فيجوز مع إذن الوليّ والمولى.

ومَنْ جوّز التوكيل بطلاق (٢) امرأة سينكحها وبيع (٣) عبد سيملكه فقياسه تجويز توكيل المحجور عليه بما سيأذن له فيه الوليّ (٤).

وكلّ هذا عندنا باطل.

ومَنْ مَنَع من بيع الأعمى وشرائه من العامّة جوّز له أن يوكّل فيه ؛ للضرورة.

وإذا نفذ توكيل الوكيل ، فمنصوبه وكيل الموكّل أم وكيل الوكيل؟ فيه خلاف سيأتي إن شاء الله تعالى.

فإذا جعلناه وكيلاً للوكيل ، لم يكن من شرط التوكيل كون الموكّل مالكاً للتصرّف بحقّ الملك أو الولاية.

__________________

(١) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٢) في « ج ، ر » : « في طلاق ».

(٣) الظاهر : « أو بيع ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٠ ـ ٥٣١.

٢١

مسألة ٦٥٦ : الوكالة جائزة في كلّ ما يصحّ دخول النيابة فيه‌ من البيع والشراء والمحاكمة ومطالبة الحقوق ممّن هي عليه وإثباتها ، عند علمائنا كافّة مع حضور الموكّل وغيبته وصحّته ومرضه ـ وبه قال ابن أبي ليلى ومالك وأحمد والشافعي وأبو يوسف ومحمّد (١) ـ لأنّ الخصومة تصحّ فيها النيابة ، فكان له الاستنابة فيها من غير رضا خصمه لدفع المال الذي عليه إذا كان غائباً أو مريضاً. ولأنّ الخصومة حقّ تجوز النيابة فيه ، فكان لصاحبه الاستنابة بغير رضا خصمه ، كحالة غيبته أو مرضه.

ولأنّ الصحابة أجمعوا عليه ، فإنّ العامّة رووا أنّ عليّاً عليه‌السلام وكّل عقيلاً وقال : « ما قضي له فلي ، وما قضي عليه فعلَيَّ » (٢) ، ووكّل [ عبد الله ] (٣) بن جعفر أيضاً وقال : « إنّ للخصومة قحماً ، وإنّ الشيطان ليحضرها ، وإنّي أكره أن أحضرها » (٤). والقحم : المهالك. واشتهر ذلك بين الصحابة ، ولم ينكره أحد ، فكان إجماعاً.

__________________

(١) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٧ / ١٠٣١ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٠١ ، التلقين ٢ : ٤٤٥ ـ ٤٤٦ ، الذخيرة ٨ : ٦ و ٨ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٩٤ ، المعونة ٢ : ١٢٣٧ ، المغني ٥ : ٢٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٦ ـ ٢٠٧ ، التنبيه : ١٠٨ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٥ ، بحر المذهب ٨ : ١٤٩ و ١٥٣ ، الوسيط ٣ : ٢٧٨ ، الوجيز ١ : ١٨٨ ، البيان ٦ : ٣٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٩ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٣ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٨ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٢ ، فتاوى قاضيخان ـ بهامش الفتاوى الهنديّة ـ ٣ : ٧ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٣٦ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٧ / ١٧٤١.

(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٥ ، المغني ٥ : ٢٠٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٧ ، سنن البيهقي ٦ : ٨١.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « عبد الرحمن ». والصحيح ما أثبتناه كما في المصادر.

(٤) نفس المصادر في الهامش (٢).

٢٢

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام : « مَنْ وكّل رجلاً على إمضاء أمر من الأُمور فالوكالة ثابتة أبداً حتى يُعلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول فيها » (١) وهو من ألفاظ العموم.

وقال أبو حنيفة : للخصم أن يمتنع من مخاصمة الوكيل ومحاكمته إذا كان الموكّل حاضراً ؛ لأنّ حضوره مجلسَ الحكم ومخاصمته حقٌّ لخصمه عليه ، فلم يكن له نقله إلى غيره بغير رضا خصمه ، كالدَّيْن يكون عليه (٢).

والفرق : إنّ الحوالة إسقاط الحقّ عن ذمّته ، فلا يملكه ، وهنا الوكالة نيابة عنه ، فهو بمنزلة توكيله في تسليم الحقّ الذي عليه. ولأنّ الحاجة قد تدعو إلى التوكيل ، فإنّه قد لا يُحسن الخصومة ، أو [ يترفّع ] (٣) عنها ، فإنّه يكره للإنسان أن يباشر الخصومة بنفسه ، بل ينبغي لذوي المروءات وأهل المناصب الجليلة التوكيل في محاكماتهم إذا احتاجوا إليها.

مسألة ٦٥٧ : ولا فرق في ذلك بين الطلاق وغيره عند أكثر علمائنا (٤). وللشيخ رحمه‌الله قولٌ : إنّه إذا وكّل الإنسان غيره في أن يطلّق عنه امرأته وكان غائباً ، جاز طلاق الوكيل ، وإن كان شاهداً لم يجز طلاق الوكيل (٥).

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٧ ، الهامش (٢).

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٨ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٢ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٣ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٣٦ ـ ١٣٧ ، فتاوى قاضيخان ـ بهامش الفتاوى الهنديّة ـ ٣ : ٧ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٧ / ١٧٤١ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٣ ، الوسيط ٣ : ٢٧٨ ، البيان ٦ : ٣٥٥ ، الذخيرة ٨ : ٨ ، المعونة ٢ : ١٢٣٧ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٧ / ١٠٣١ ، المغني ٥ : ٢٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٧.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يرتفع ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٤) منهم : ابن إدريس في السرائر ٢ : ٨٣ ، والمحقّق الحلّي في شرائع الإسلام ٢ : ١٩٧ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٣١٩.

(٥) النهاية : ٣١٩.

٢٣

ولا وجه له ، والمعتمد : جواز طلاق الوكيل في حضرة الموكّل وغيبته.

وللفاسق أن يوكّل غيره في إيجاب العقد على ابنته وفي قبول النكاح عن ابنه.

وللشافعيّة فيهما وجهان (١).

وبعض العامّة فرّق بين القبول عن ابنه والإيجاب عن ابنه والإيجاب عن ابنته ، فجوّز الأوّل ، ومَنَع الثاني (٢).

وليس للكافر ولاية التزويج لابنته المسلمة ، فليس له أن يوكّل فيه ؛ لقوله تعالى : ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (٣).

وكذا ليس للمُحْرم أن يوكّل في شراء الصيد ولا في عقد النكاح إيجاباً وقبولاً.

مسألة ٦٥٨ : التوكيل على أقسام ثلاثة :

الأوّل : أن يأذن الموكّل لوكيله في التوكيل ، فيجوز له أن يوكّل إجماعاً ؛ لأنّه عقد أذن له فيه ، فكان له فعله ، كالتصرّف المأذون فيه.

الثاني : أن ينهاه عن التوكيل ، فليس له أن يوكّل إجماعاً ؛ لأنّ ما نهاه عنه غير داخل في إذنه ، فلم يجز له فعله ، كما لو لم يوكّله.

الثالث : أطلق (٤) الوكالة. وأقسامه ثلاثة :

أحدها : أن يكون العمل ممّا يترفّع (٥) الوكيل عن مثله ، كالأعمال الدنيئة في حقّ أشراف الناس المترفّعين (٦) عن فعل مثلها في العادة ، كما‌ لو وكّله في البيع والشراء ، والوكيل ممّن لا يبتذل بالتصرّف في الأسواق ، أو

__________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٥٢ ، البيان ٦ : ٣٦٠ و ٣٦١.

(٢) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

(٣) النساء : ١٤١.

(٤) في « ج » : « إطلاق ».

(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يرتفع ... المرتفعين ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٦) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يرتفع ... المرتفعين ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

٢٤

يعجز عن عمله ؛ لكونه لا يُحسنه ، فله التوكيل فيه ؛ لأنّ تفويض مثل هذا التصرّف إلى مثل هذا الشخص لا يقصد منه إلاّ الاستنابة ، وهو قول علمائنا أجمع وأكثر الشافعيّة (١).

ولهم وجهٌ آخَر : إنّه لا يوكّل ؛ لقصور اللفظ (٢).

وليس بجيّد ؛ لأنّ [ العمل ] إذا كان ممّا لا يعمله [ الوكيل ] عادةً (٣) انصرف الإذن إلى ما جرت العادة من الاستنابة فيه.

الثاني : أن يكون العمل ممّا لا يترفّع (٤) الوكيل عن مثله ، بل له عادة بمباشرته إلاّ أنّه عملٌ كثير منتشر لا يقدر الوكيل على فعل جميعه فيباشره بنفسه ، ولا يمكنه الإتيان بالكلّ ؛ لكثرتها ، فعندنا يجوز له التوكيل ، ولا نعلم فيه مخالفاً.

وله أن يوكّل فيما يزيد على قدر الإمكان قطعاً ، وفي قدر الإمكان إشكال أقربه ذلك أيضاً ؛ لأنّ الوكالة اقتضت جواز التوكيل فيه ، فجازت في جميعه ، كما لو أذن له في التوكيل فيه بلفظٍ.

وللشافعيّة ثلاثة طرق :

أصحّها عندهم : إنّه يوكّل فيما يزيد على قدر الإمكان.

وفي قدر الإمكان وجهان :

أحدهما : يوكّل فيه أيضاً ؛ لأنّه ملك التوكيل في البعض ، فيوكّل في الكلّ ، كما لو أذن صريحاً.

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٨ ، حلية العلماء ٥ : ١١٩ ـ ١٢٠ ، البيان ٦ : ٣٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٤ ، منهاج الطالبين : ١٣٥.

(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٨ ، حلية العلماء ٥ : ١١٩ ـ ١٢٠ ، البيان ٦ : ٣٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٤ ، منهاج الطالبين : ١٣٥.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لأنّ الوكيل إذا كان ممّا لا يعمله عادةً ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لا يرتفع ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

٢٥

وأصحّهما عندهم : أنّه لا يوكّل في القدر المقدور عليه ؛ لأنّه لا ضرورة إليه ، بل يوكّل في الزائد خاصّةً ؛ لأنّ التوكيل إنّما جاز لأجل الحاجة ، فاختصّ بما دعت إليه الحاجة ، بخلاف وجود إذنه فيه ؛ لأنّه مطلق.

والثاني : إنّه لا يوكّل في قدر الإمكان ، وفيما يزيد عليه وجهان.

والثالث : إطلاق الوجهين في الكلّ (١).

قال الجويني : والخلاف على اختلاف الطرق نظراً إلى اللفظ أو (٢) القرينة ، وفي القرينة تردّد في التعميم والتخصيص (٣).

الثالث : ما عدا هذين القسمين ، وهو ما أمكنه فعله بنفسه ولا يترفّع عنه ، فقد قلنا : إنّه لا يجوز له أن يوكّل فيه إلاّ بإذن الموكّل ؛ لأنّه لم يأذن له في التوكيل ولا تضمّنه إذنه ، فلم يجز ، كما لو نهاه. ولأنّ التوكيل استئمان ، فإذا استأمنه (٤) فيما يمكنه النهوض به ، لم يكن له أن يولّيه مَنْ لم يأتمنه عليه ، كالوديعة ، وبهذا قال أبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين.

وقال في الأُخرى : يجوز له أن يوكّل ـ وبه قال ابن أبي ليلى إذا مرض أو غاب ـ لأنّ الوكيل له أن يتصرّف بنفسه ، فملكه نيابةً للموكّل (٥).

[ و ] الأوّل أولى. ولا يشبه الوكيل المالك ، فإنّ المالك يتصرّف في‌

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٤.

(٢) في « ث ، خ » : « و» بدل « أو ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٦.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « استئمار ... استأمره ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٥) الفقه النافع ٣ : ١٢٤٠ / ٩٩٥ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٦ ، البيان ٦ : ٣٦٨ ، المغني ٥ : ٢١٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٠.

٢٦

ملكه كيف شاء ، بخلاف الوكيل.

لا يقال : للوصي أن يوكّل وإن كان الموصي لم يأذن له في التوكيل.

لأنّا نقول : إنّ الوصي يتصرّف بولايةٍ ؛ لأنّه يتصرّف فيما لم ينص له على التصرّف فيه ، والوكيل لا يتصرّف إلاّ فيما نصّ له عليه ، كذلك التوكيل. ولأنّ الوصي لا يملك أن يوصي إلى غيره ، كذا أيضاً الوكيل ينبغي أن لا يملك أن يوكّل غيره ، أمّا إذا أذن له الموكّل في التوكيل ، فإنّه يجوز له أن يوكّل ؛ لأنّ التوكيل عقد أُذن له فيه ، فكان كما لو أُذن له في البيع.

مسألة ٦٥٩ : إذا وكّله بتصرّفٍ وقال له : افعل ما شئت ، لم يقتض ذلك الإذنَ في التوكيل ؛ لأنّ التوكيل يقتضي تصرّفاً يتولاّه بنفسه ، وقوله : « اصنع ما شئت » لا يقتضي التوكيل ، بل يرجع إلى ما يقتضيه التوكيل من تصرّفه بنفسه ، وهذا أصحّ قولَي الشافعيّة.

وفي الثاني : إنّه له التوكيل ـ وبه قال أحمد ، واختاره الشيخ رحمه‌الله في الخلاف (١) ـ لأنّه أطلق الإذن بلفظٍ يقتضي العموم في جميع ما شاء ، فيدخل في عمومه التوكيل (٢).

وهو ممنوع.

مسألة ٦٦٠ : كلّ وكيلٍ جاز له التوكيل فليس له أن يوكّل إلاّ أمينا ؛ لأنّه لا نظر للموكّل في توكيل مَنْ ليس بأمين ، فيفيد جواز التوكيل فيما فيه الحظّ والنظر ، كما أنّ الإذن في البيع يفيد البيع بثمن المثل ، إلاّ أن يعيّن له الموكّل مَنْ يوكّله ، فيجوز ، سواء كان أميناً أو لم يكن ؛ اقتصاراً على مَنْ نصّ عليه‌

__________________

(١) الخلاف ٣ : ٣٤٣ ، المسألة ٨.

(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٨ ، حلية العلماء ٥ : ١١٩ ـ ١٢٠ ، البيان ٦ : ٣٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٧ ، المغني ٥ : ٢١٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٩.

٢٧

المالك ، ولأنّ المالك قطع نظره بتعيينه.

ولو وكّل أميناً فصار خائناً ، فعليه عزله ؛ لأنّ تركه يتصرّف في المال مع خيانته تضييعٌ وتفريطٌ على المالك ، والوكالة تقتضي استئمان أمين ، وهذا ليس بأمين ، فوجب عزله.

وللشافعيّة وجهان في أنّه هل له عزله؟ (١).

مسألة ٦٦١ : إذا أذن له أن يوكّل ، فأقسامه ثلاثة :

الأوّل : أن يقول له : وكِّل عن نفسك ، فَفَعَل ، كان الثاني وكيلاً للوكيل ينعزل بعزل الأوّل إيّاه‌ ؛ لأنّه نائبه ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.

والثاني : لا ينعزل ؛ لأنّ التوكيل فيما يتعلّق بحقّ الموكّل حقٌّ للموكّل ، وإنّما حصّله بالإذن ، فلا يرفعه إلاّ بالإذن (٢).

ويجري هذا الخلاف في انعزاله بموت الأوّل وجنونه (٣).

والأصحّ : الانعزال.

ولو عزل الموكّل الأوّلَ ، انعزل. وفي انعزال الثاني بانعزاله هذا الخلاف بين الشافعيّة (٤).

ولو عزل الأوّل الثاني ، فالأقرب الانعزال ؛ لأنّه وكيله ـ وهو أصحّ وجهي الشافعيّة ـ كما ينعزل بموته وجنونه.

والثاني : لا ينعزل ؛ لأنّه ليس بوكيلٍ من جهته (٥).

__________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٥١٨ ـ ٥١٩ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٨ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٨ ، الوسيط ٣ : ٢٩٢ ، حلية العلماء ٥ : ١١٩ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢١٥ ، البيان ٦ : ٣٦٧ ـ ٣٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٥.

(٢ و ٣) بحر المذهب ٨ : ١٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٥.

(٥) بحر المذهب ٨ : ١٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٥.

٢٨

والأصل في ذلك أنّ الثاني وكيل الوكيل كما [ لو ] (١) صرّح [ به ] ٢ في التوكيل ، أو وكيل الموكّل ، ومعنى كلامه : أقم غيرك مقام نفسك؟

والأصحّ أنّه وكيل الوكيل ، لكن إذا كان وكيل الوكيل ، كان فرعُ الفرع فرعَ أصل الأصل ، فينعزل بعزله.

الثاني : لو قال : وكِّل عنّي ، فوكَّل عن الموكّل ، فالثاني وكيلٌ للموكّل ، كما أنّ الأوّل وكيل الموكّل ، وليس لأحدهما عزل الآخَر ، ولا ينعزل أحدهما بموت الآخَر ولا جنونه ، وإنّما ينعزل أحدهما بعزل الموكّل ، فأيّهما عزل انعزل.

الثالث : لو قال : وكّلتُك بكذا وأذنتُ لك في توكيل مَنْ شئتَ ، أو : في أن توكّل وكيلا ، أو : في أن توكّل فلاناً ، ولم يقل : عنّي ، ولا عن نفسك ، بل أطلق ، فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : إنّه كالصورة الأُولى ـ وهو أن يكون وكيلاً عن الوكيل ـ لأنّ المقصود من الإذن في التوكيل تسهيل الأمر على الوكيل.

وأصحّهما عندهم : إنّه كالصورة الثانية يكون وكيلاً عن الموكّل ؛ لأنّ التوكيل تصرّف يتولاّه بإذن الموكّل ، فيقع عنه (٣).

وإذا جوّزنا للوكيل أن يوكّل في صورة سكوت الموكّل عنه ، فينبغي أن يوكّل عن موكّله.

ولو وكّله عن نفسه ، فللشافعيّة وجهان ؛ لأنّ القرينة المجوّزة للتوكيل كالإذن في مطلق التوكيل (٤).

مسألة ٦٦٢ : يجوز للوصي أن يوكّل وإن لم يفوّض الموصي إليه‌

__________________

(١) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٥.

٢٩

ذلك بالنصوصيّة ؛ لأنّه يتصرّف بالولاية ، كالأب والجدّ ، لكن لو منعه الموصي من التوكيل ، وجب أن يتولّى بنفسه ، وليس له أن يوكّل حينئذٍ ؛ لقوله تعالى : ( فَمَنْ بَدَّلَهُ ) (١) الآية.

ويجوز للحاكم أن يوكّل عن السفهاء والمجانين والصبيان مَنْ يتولّى الحكومة عنهم ، ويستوفي حقوقهم ، ويبيع عنهم ويشتري لهم ، ولا نعلم فيه خلافاً.

البحث الثالث : في الوكيل.

مسألة ٦٦٣ : كما يشترط في الموكّل التمكّن من مباشرة التصرّف للموكّل فيه بنفسه ، يشترط في الوكيل التمكّن من مباشرته بنفسه‌ ، وذلك بأن يكون صحيحَ العبارة فيه ، فلا يصحّ للصبي ولا للمجنون أن يكونا وكيلين في التصرّفات ، سواء كان الصبي مميّزاً ، أو لا ، وسواء بلغ عشر سنين أو خمسة أشبار ، أو لا ، وسواء كان في المعروف ، أو لا.

وعلى الرواية (٢) المسوّغة تصرّفاتِ الصبي إذا بلغ عشر سنين في المعروف والوصيّة يحتمل جواز وكالته فيما يملكه من ذلك.

لكنّ المعتمد الأوّل.

ولو جُنّ الوكيل أو الموكّل أو أُغمي على أحدهما ، بطلت الوكالة ؛ لخروجه حينئذٍ عن التكليف ، وسقوط اعتبار تصرّفه وعبارته في شي‌ء البتّة. وقد استثني في الصبي الإذن في الدخول إلى دار الغير والملك في إيصال الهديّة.

وفي اعتبار عبارته في هاتين الصورتين للشافعيّة وجهان ، فإن جاز‌

__________________

(١) البقرة : ١٨١.

(٢) تقدّم تخريجها في ص ١٩ ، الهامش (٣).

٣٠

فهو وكيل من جهة الآذن والمُهْدي (١).

وإذا (٢) قلنا : إنّ تجويزهما على سبيل التوكيل ، فلو أنّه وكّل غيره فيه ، فقياس الشافعيّة أنّه على الخلاف في أنّ الوكيل هل يوكّل؟ فإن جاز ، لزم أن يكون الصبي أهلاً للتوكيل أيضاً (٣).

وقال أبو حنيفة وأحمد : يجوز أن يكون الصبيّ وكيلاً في البيع والشراء وغير ذلك من أنواع التصرّفات إذا كان يعقل ما يقول ، ولا يحتاج إلى إذن وليّه ؛ لأنّه يعقل ما يقول ، فجاز توكيله ، كالبالغ (٤).

وهو غلط ؛ لأنّه غير مكلّف ، فلا يصحّ تصرّفه ، كالمجنون.

والفرق بينه وبين البالغ ظاهرٌ ؛ فإنّ البالغ مكلّف ، بخلافه.

إذا عرفت هذا ، فيستحبّ أن يكون الوكيل تامَّ البصيرة فيما وكّل فيه ، عارفاً باللغة التي يحاور بها.

مسألة ٦٦٤ : يجوز للمرأة أن تتوكّل في عقد النكاح إيجاباً وقبولاً عندنا ؛ لأنّ عبارتها في النكاح معتبرة ، بخلاف المُحْرم ، فإنّه لا يجوز أن يتوكّل فيه إيجاباً ولا قبولاً ، وبه قال أبو حنيفة (٥).

وقال الشافعي : لا يجوز للمرأة أن تكون وكيلةً في النكاح إيجاباً ولا قبولاً ، كالمُحْرم ؛ لأنّهما مسلوبا العبارة في النكاح ، فلا يتوكّلان فيه كما لا يوكّلان (٦).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٢.

(٢) في « ث » : « فإن ». وفي « خ » والطبعة الحجريّة : « فإذا » بدل « وإذا ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٢.

(٤) مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٧٠ / ١٧٤٤ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٩ ـ ١٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٧ ، المغني ٥ : ٢٠٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٤.

(٥) الوجيز ١ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٧.

(٦) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٢ ، الوجيز ١ : ١٨٩ ، حلية العلماء ٦ : ٣٢٣ ، البيان ٦ : ٣٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٢ ، منهاج الطالبين : ٢٠٦.

٣١

ونحن نمنع ذلك في النكاح على ما يأتي.

ويجوز توكيل المطلّقة الرجعيّة في رجعة نفسها وتوكيل امرأةٍ أُخرى ، خلافاً للشافعيّة ؛ لأنّ الفرج ـ عندهم ـ لا يستباح بقول النساء ، ومنعوا من توكيل المرأة في الاختيار للنكاح إذا أسلم الكافر على أكثر من أربع نسوة (١).

وكلّ هذا عندنا جائز.

وكذا يجوز توكيل المرأة في الاختيار للفراق لما زاد على أربع.

وللشافعيّة وجهان ، أحدهما : المنع ؛ لأنّه يتضمّن اختيار الأربع للنكاح (٢).

مسألة ٦٦٥ : يجوز تعدّد الوكيل في الشي‌ء الواحد ، ووحدته‌ ، ولا نعلم فيه خلافاً ، فإذا وكّل اثنين في تصرّفٍ بأن جَعَل لكلّ واحدٍ منهما الانفراد بالتصرّف ، فله ذلك ؛ لأنّه مأذون له فيه. وإن منعه من الانفراد ، لم يكن له التفرّد. وإن أطلق ، فكذلك لا ينفرد أحدهما ؛ لأنّه لم يأذن له في ذلك ، وإنّما يتصرّف فيما أذن له فيه موكّلُه ، وبه قال الشافعي وأحمد وأصحاب الرأي (٣).

مسألة ٦٦٦ : يجوز أن يتوكّل العبد في الشراء لنفسه أو لغيره.

وللشافعيّة وجهان (٤).

__________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٣.

(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٨ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢١٥ ، البيان ٦ : ٣٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١ ، المغني ٥ : ٢١٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٠ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣١ ، بدائع الصنائع ٦ : ٣٢ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٤٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٣.

(٤) الوسيط ٣ : ٢٨٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٩ ، البيان ٦ : ٣٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٤ ، و ٥ : ٢١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٠ و ٥٣٢ ، المغني ٥ : ٢٤٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١١ ـ ٢١٢.

٣٢

وفي توكّله في قبول النكاح بغير إذن السيّد وجهان :

أحدهما : المنع ، كما لا يقبل لنفسه بغير إذن السيّد.

وأصحّهما عندهم : الجواز (١).

والحقّ ذلك إن لم يمنع شيئاً من حقوق السيّد ، وإنّما لم يجز قبوله لنفسه ؛ لما يتعلّق به من المهر ومُؤن النكاح.

وكذا يصحّ أن يتوكّل في طرف الإيجاب لصحّة عبارته ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : المنع ؛ لأنّه لا يزوّج ابنته فأولى أن لا يزوّج بنت غيره (٢).

والفرق : إنّه إنّما لم يَلِ أمر ابنته ؛ لأنّه لا يتفرّغ للبحث والنظر ، وهنا قد تمّ البحث والنظر من جهة الموكّل.

ويوكّل المحجور عليه بالسفه في [ طرفي ] (٣) النكاح ، كتوكيل العبد ، وتوكيل الفاسق في إيجاب النكاح إذا سلبنا الولاية بالفسق ، ونحن لا نسلبه الولاية.

ولا خلاف في جواز قبوله بالوكالة.

والمحجور عليه بالفلس يتوكّل فيما لا يلزم ذمّته عُهْدة ، وكذا فيما‌

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٢ ، الوسيط ٣ : ٢٨٢ ، حلية العلماء ٥ : ١١٥ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢١١ ، البيان ٦ : ٣٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٢.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٧ ـ ٢١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٢.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « طريق ». والصحيح ما أثبتناه.

٣٣

يلزم على أصحّ وجهي الشافعيّة ، كما يصحّ شراؤه على الصحيح (١).

ويجوز توكّل المرأة في طلاق زوجة الغير ـ وهو أصحّ وجهي الشافعيّة (٢) ـ كما يجوز أن يفوّض الزوج طلاق زوجته إليها ، ويوكّلها في طلاق نفسها.

مسألة ٦٦٧ : كلّ مَنْ لا يملك التصرّف في شي‌ء لنفسه لا يصحّ أن يتوكّل فيه‌ ، كالكافر في تزويج مسلمةٍ ، والمُحْرم في شراء صيدٍ ، والطفل والمجنون في الحقوق كلّها.

وللمكاتَب أن يتوكّل بجُعْلٍ ؛ لأنّه من اكتسابه للمال وإن لم يأذن له مولاه ؛ لأنّه ليس له منعه من الاكتساب بأنواع وجوهه.

وأمّا بغير جُعْلٍ فإن لم يمنع شيئاً من حقوق السيّد ، فالأقرب : الجواز ، كما قلناه في العبد ، وإلاّ افتقر إلى إذن السيّد ؛ لأنّ منافعه كأعيان ماله ، وليس له بذل عين ماله بغير عوضٍ ، فكذا منافعه.

وليس للعبد المأذون له في التجارة التوكّل في شي‌ء يمنع بعض حقوق سيّده بغير إذنه ؛ لأنّ الإذن في التجارة لا يتناول التوكّل.

مسألة ٦٦٨ : مدار الوكالة بالنسبة إلى الإسلام والكفر على ثمان مسائل تبطل فيها وكالة الذمّيّ على المسلم ، وهي صورتان : أن يتوكّل الذمّيّ للمسلم على المسلم ، أو للكافر على المسلم ، عند علمائنا أجمع ؛ لقوله تعالى : ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (٣).

__________________

(١) البيان ٦ : ٣٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٣.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٥٢ ، البيان ٦ : ٣٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٣.

(٣) النساء : ١٤١.

٣٤

ويكره أن يتوكّل المسلم للذمّي ، عند علمائنا أجمع. ولم يذكر ذلك أحد من العامّة ، بل أطلقوا القول بأنّ المسلم إذا وكّل ذمّيّاً أو مستأمناً أو مرتدّاً أو حربيّاً ، صحّ التوكيل فيما يصحّ تصرّف الكافر فيه ؛ لأنّ العدالة غير مشروطة فيه ، فكذلك الدين ، كالبيع (١).

ولأنّ كلّ ما صحّ أن يتصرّف فيه لنفسه ودخلته النيابة ولم يشترط فيه العدالة ، لم يعتبر فيه الدين ، كما لو كان الوكيل فاسقاً ، فإنّه يجوز.

فإن وكّل الكافر مسلماً ، جاز ، وكان أولى.

وإن وكّل المسلم مرتدّاً ، جاز ؛ لأنّ ردّته لا تؤثّر في تصرّفه ، وإنّما تؤثّر في ماله.

مسألة ٦٦٩ : لو وكّل المسلم مسلماً ثمّ ارتدّ الوكيل ، لم تبطل وكالته ، سواء لحق بدار الحرب أو لا ؛ لأنّه يصحّ تصرّفه لنفسه ، فلم تبطل وكالته ، كما لو لم يلحق بدار الحرب. ولأنّ الردّة لا تمنع ابتداء وكالته ، فلم تمنع استدامتها ، كسائر الكفر.

وقال أبو حنيفة : إن لحق بدار الحرب ، بطلت وكالته ؛ لأنّه صار منهم (٢).

ولا دلالة فيه ؛ لجواز أن يكون الوكيل حربيّاً.

ولو ارتدّ الموكّل ، لم تبطل الوكالة فيما له التصرّف فيه ، وتبطل فيما ليس للمرتدّ التصرّف فيه.

وللشافعي أقوال ثلاثة ، إن قلنا : يزول ملكه أو قلنا : لا يزول ولكن‌

__________________

(١) المغني ٢ : ٢٤٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٢١٥.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣٦ ، بدائع الصنائع ٦ : ٣٨ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٥٤ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٤ ، فتاوى قاضيخان ـ بهامش الفتاوى الهنديّة ـ ٣ : ١١ ، الفقه النافع ٣ : ١٢٤١ / ٩٩٦.

٣٥

لا يصحّ تصرّفه ، لم تصح وكالته فيه. وإن قلنا ببقاء ملكه وتصرّفه فيه نافذ ، صحّ أن يوكّل فيه ، وإن قلنا : إنّه موقوف ، فالوكالة موقوفة (١).

ولو وكّل المرتدّ مسلماً في التصرّفات الماليّة ، يبنى على انقطاع ملكه وبقائه ، إن قطعناه لم تصح ، وإن أبقيناه صحّ. وإن قلنا : إنّه موقوف فكذلك التوكيل.

فلو وكّله مرتدّاً أو ارتدّ الوكيل ، لم يقدح في الوكالة ؛ لأنّ التردّد في تصرّفه لنفسه ، لا لغيره.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه يبنى على أنّه [ هل ] (٢) يصير محجوراً عليه؟ إن قلنا : نعم ، انعزل عن الوكالة ، وإلاّ فلا (٣).

البحث الرابع : فيما فيه التوكيل.

والنظر في شرائطه ، وهي ثلاثة :

الأوّل : أن يكون مملوكاً للموكِّل.

الثاني : أن يكون قابلاً للنيابة.

الثالث : أن يكون ما به التوكيل معلوماً ولو إجمالاً.

النظر الأوّل : أن يكون مملوكاً للموكّل.

يشترط فيما تتعلّق الوكالة به أن يكون مملوكاً للموكِّل ، فلو وكَّل غيره بطلاق زوجةٍ سينكحها [ أو بيع عبد ] (٤) سيملكه ، أو إعتاق رقيق سيشتريه ،

__________________

(١) البيان ٦ : ٤٠٩ ـ ٤١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٣.

(٢) إضافة من « العزيز شرح الوجيز ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٣.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أو عبداً ». والصحيح ما أثبتناه.

٣٦

أو قضاء دَيْنٍ يستدينه ، أو تزويج امرأة إذا انقضت عدّتها أو طلّقها زوجها ، وما أشبه ذلك ، لم يصح ؛ لأنّ الموكّل لا يتمكّن من مباشرة ذلك بنفسه ، فلا تنتظم إنابة غيره فيه ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّه صحيح ، ويكتفى بحصول الملك عند التصرّف ، فإنّه المقصود من التوكيل (١).

وقال بعض الشافعيّة : الخلاف عائد إلى أنّ الاعتبار بحال التوكيل أم بحال التصرّف؟ (٢).

ولو وكّله في شراء عبدٍ وعتْقِه ، أو في تزويج امرأة وطلاقها ، أو في استدانة دَيْنٍ وقضائه ، صحّ ذلك كلّه ؛ لأنّ ذلك مملوك للموكِّل.

النظر الثاني : في قبول متعلّق الوكالة النيابة.

مسألة ٦٧٠ : الضابط فيما تصحّ فيه النيابة وما لا تصحّ أن نقول : كلّ ما تعلّق غرض الشارع بإيقاعه من المكلّف مباشرةً ، لم تصح فيه الوكالة ، وأمّا ما لا يتعلّق غرض الشارع بحصوله من مكلّفٍ معيّن ، بل غرضه حصوله مطلقاً ، فإنّه تصحّ فيه الوكالة.

وذلك ؛ لأنّ التوكيل تفويض وإنابة ، فلا يصحّ فيما لا تدخله النيابة ، كالطهارة مع القدرة لا يصحّ التوكيل فيها ؛ لأنّ غرض الشارع تعلَّق بإيقاعها من المكلّف بها مباشرةً ، وهي عبادة محضة لا تتعلّق بالمال. ولأنّ محلّها متعيّن ، فلا ينوب غيره منابه.

نعم ، عند الضرورة تجوز الاستنابة في غَسْل الأعضاء ، والاستنابة في‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٥.

٣٧

صبّ الماء على أعضائه ؛ لأنّ إيصال الماء إلى أعضائه واجب عليه ، فيجوز أن يستنيب فيه.

وتجوز الاستنابة في إزالة النجاسة عن بدنه وثوبه مع القدرة ، لا في النيّة ، حتى لو غسله ساهياً أو مجنوناً مع نيّة العاجز ، صحّ. ولو غسله ناوياً مع غفلة العاجز ، بطل.

وكذا الصلاة الواجبة لا تصحّ فيها النيابة ما دام حيّاً ، فإذا مات ، جازت الاستنابة فيها ، كالحجّ ، عند علمائنا.

وكذا الاستنابة في ركعتي الطواف إجماعاً ، وفي فعل الصلاة المنذورة عند أحمد في إحدى الروايتين (١).

ومَنَع الجمهور من الاستنابة في الصلاة إلاّ صلاة ركعتي الطواف (٢).

وأمّا الصوم فلا يصحّ دخول النيابة فيه ما دام حيّاً ، فإذا مات صحّ أن يصوم عنه غيره بعوضٍ ومجّاناً.

وللشافعي قولان فيما لو مات فصام عنه وليُّه (٣).

والاعتكاف لا تدخله النيابة بحال ، وبه قال الشافعي (٤). وعن أحمد‌

__________________

(١) المغني ٥ : ٢٠٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٨.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٩٧ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٠ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ١٨٢ ، البيان ٦ : ٣٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٣.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤٩٧ ، التنبيه : ٦٧ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ١٩٤ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٨ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ١٨٠ ـ ١٨١ ، و ٤ : ٢١٠ ، الوسيط ٢ : ٥٥١ ، الوجيز ١ : ١٠٥ ، البيان ٦ : ٣٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٣ : ٢٣٧ ، و ٥ : ٢٠٦ ، روضة الطالبين ٢ : ٢٤٦ ، و ٣ : ٥٢٣ ، منهاج الطالبين : ٧٧ ، المجموع ٦ : ٣٦٨.

(٤) بحر المذهب ٨ : ١٥٠ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ١٨١ ، البيان ٦ : ٣٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٣ : ٢٣٧ ، روضة الطالبين ٢ : ٢٤٦ ، المجموع ٦ : ٣٧٢.

٣٨

روايتان (١).

وأمّا الزكاة فتجوز النيابة في أدائها ، فيؤدّيها عنه غيره.

وكذا كلّ ما يتعلّق (٢) بالمال من الصدقات الواجبة والمندوبة والخُمْس ، فإنّه يجوز التوكيل في قبض ذلك كلّه وتفريقه.

ويجوز للمُخرج التوكيل في إخراجها وتفريقها ودفعها إلى مستحقّها ، ويستنيب الفقراء والإمام أيضاً في تسلّمها (٣) من أربابها ؛ لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث عُمّاله لقبض الصدقات وتفريقها ، وقال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن :

« أعلمهم أنّ عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فتُردّ في فقرائهم فإن هُمْ أطاعوك بذلك فإيّاك وكرائم أموالهم ، واتّق دعوة المظلوم ، فإنّه ليس بينها وبين الله حجاب » (٤).

وأمّا الحجّ فتجوز النيابة فيه إذا يئس المحجوج عنه من الحجّ بنفسه بزمانةٍ ، عند الشيخ (٥) رحمه‌الله وعند الشافعي وأكثر العامّة (٦) ، أو بموتٍ إجماعاً. وكذا العمرة وكثير من أفعال الحجّ ، كطواف النساء والرمي.

وكذا تجوز النيابة في ذبح الضحايا والهدايا ؛ لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أناب فيه.

__________________

(١) المغني ٥ : ٢٠٧.

(٢) في النسخ الخطّيّة : « تعلّق ».

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « تسليمها ». والمثبت هو الصحيح.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٥٨ ـ ١٥٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٦٨ / ١٧٨٢ ، سنن أبي داوُد ٢ : ١٠٥ / ١٥٨٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٢١ / ٦٢٥ ، المغني ٥ : ٢٠٦ ـ ٢٠٧.

(٥) الخلاف ٢ : ٢٤٨ ، المسألة ٦.

(٦) الحاوي الكبير ٤ : ٨ ، و ٦ : ٤٩٧ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٠ ، الوسيط ٢ : ٥٩٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٤٤ ـ ٢٤٥ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٣ : ٢٤٩ ، البيان ٦ : ٣٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٣ : ٣٠٠ ، روضة الطالبين ٢ : ٢٨٧ ـ ٢٨٨ ، المجموع ٧ : ٩٤ و ١٠٠ ، المغني ٣ : ١٨١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨٣.

٣٩

ونحر عن عليّ عليه‌السلام ـ وهو غائب ـ وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مائة ناقة ثلثيها (١) عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وثلثها عن عليّ عليه‌السلام (٢).

وتجوز النيابة في الجهاد ؛ لأنّ الغرض حراسة المسلمين ، وحفظ عمود الدين ، وليس الغرض متعلّقاً بمباشرة معيّن ، إلاّ أن يعيّنه الإمام للخروج بنفسه إمّا لشدّة بلائه في الحرب ، أو لجودة شوره ووفور عقله وربط جأشه (٣) وقوّة بأسه ، أو لغير ذلك من الحِكَم والمصالح ، فحينئذٍ لا تجوز الاستنابة فيه.

مسألة ٦٧١ : يصحّ التوكيل في البيع إيجاباً وقبولاً ، وفي جميع أنواعه‌ ـ كالسَّلَم والصرف والتولية وغيرها ـ وفي جميع أحكامه وتوابعه من الفسخ بالخيار والأخذ بالشفعة وإسقاطهما ، فإنّه قد يترفّع عن التردّد في الأسواق ، وقد لا يُحْسن التجارة ، وقد لا يتفرّغ لها ، وقد يكون مأموراً بالتخدير ، كالمرأة ، فأجاز الشارع التوكيل فيه ؛ دفعاً للحاجة ، وتحصيلاً لمصلحة الآدمي المخلوق لعبادة الله تعالى ، كما قال عزّ من قائل : ( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ ) (٤).

ويجوز التوكيل في الحوالة والضمان والكفالة وعقد الرهن والشركة والوكالة والصلح ؛ لأنّه إمّا بيع عند الشافعي (٥) ، أو عقد مستقلّ برأسه.

__________________

(١) في « ث ، ج ، خ » والطبعة الحجريّة : « ثلثاها ».

(٢) الفقيه ٢ : ١٥٣ / ٦٦٥ ، الكامل في التاريخ ٢ : ٣٠٢ ، صحيح مسلم ٣ : ٨٨٦ ـ ٨٩٢ / ١٢١٨ ، سنن البيهقي ٥ : ١٣٤ ، الاستذكار ١٣ : ٩٥ ـ ٩٦ / ١٨١٨٨ ، التمهيد ٢ : ١١١.

(٣) جأش القلب هو رُواعه إذا اضطرب عند الفزع ، يقال : فلان رابط الجأش ، أي يربط نفسَه عن الفرار ، لشجاعته. الصحاح ٣ : ٩٩٧ « جأش ».

(٤) الذاريات : ٥٦.

(٥) الحاوي الكبير ٦ : ٣٦٧ ، التنبيه : ١٠٣ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٤٠ ، الوسيط ٤ : ٤٩ ، الوجيز ١ : ١٧٧ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ١٤١ ـ ١٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٨ ، منهاج الطالبين : ١٢٥.

٤٠