تذكرة الفقهاء - ج ١٥

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٥

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: ٥٣٧

وقال بعض الشافعيّة : إذا أمره ببيعه بمائة درهم ، لم يجز أن يبيعه بالأزيد (١) ، سواء كان من الجنس أو لا ، وسواء نهاه عن الزيادة أو لم ينهه ؛ لأنّه لم يرض بعهدة ما فوق المائة. ولأنّ البيع بالمائتين غير البيع بالمائة ، ولهذا لو قال : بعت بمائة درهمٍ ، لم يصح القبول بمائتين ، كما لا يصحّ القبول بمائتي دينار.

والأولى الصحّة. والتغاير مسلّم ، لكنّ الإذنَ في أحدهما إذنٌ في الآخَر بطريق الأولى ، بخلاف القبول ؛ لأنّ من شرطه المطابقةَ ، فعلى هذا البيعُ بعرضٍ يساوي مائة دينارٍ كالبيع بمائة دينارٍ.

فروع :

أ ـ لو أمره ببيعه بمائة ونهاه عن البيع بالأزيد ، لم يكن له البيع بالأزيد قطعا ؛ لاحتمال تعلّق غرضه بذلك ، فلا يجوز التخطّي.

ب ـ لو أمره ببيعه بمائة وهناك مَنْ يرغب بالزيادة على المائة ، جاز له بيعه بالمائة امتثالاً لأمره.

ويحتمل المنع ؛ لأنّه منصوب لمصلحة الموكّل ، وترك الزيادة مضرّة به.

وللشافعيّة وجهان :

أحدهما : الجواز ؛ لموافقته صريح إذنه.

والثاني : المنع ، كما لو أطلق الوكالة فباع بثمن المثل وهناك مَنْ يرغب بالزيادة ٢.

ج ـ لا فرق بين أن يكون المشتري قد عيّنه الموكّل أو لا إذا لم يقصد إرفاقه.

__________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٧.

١٠١

فلو قال : بِعْه من زيدٍ بمائةٍ وقصد إرفاق زيدٍ ، لم يبع بأكثر ، فإن باع كان فضوليّاً.

وإن لم يقصد إرفاقه ، بل قصد سهولة معاملته أو خلوص ماله عن الشبهة أو بُعْده عنها ، جاز أن يبيع بأكثر من المائة ، كما لو أطلق.

ولو جهل الأمر ، لم يبعه إلاّ بالمائة ، مع احتمال الأزيد.

د ـ لو قال : بِعْ بكذا (١) ، ولا تبعه (٢) بأكثر من مائة ، لم يبِعْ بالأكثر ،

ويبيع (٣) بها وبأقلّ ؛ لاحتمال أمره الشيئين ، وشموله لهما.

نعم ، لا يبيع بأقلّ من ثمن المثل.

ولو كانت المائة أقلّ من ثمن المثل ، باع بها لا بالأقلّ.

هـ ـ لو قال : بِعْه بمائةٍ ولا تبعه بمائةٍ وخمسين ، لم يبِعْ بأقلّ من مائةٍ ولا بمائةٍ وخمسين ؛ للنهي. وله بيعه بأزيد من مائةٍ وأقلّ من مائةٍ وخمسين ، وله بيعه أيضاً بأزيد من مائةٍ وخمسين.

وللشافعيّة في بيعه بأزيد من مائةٍ وخمسين وجهان ، أصحّهما عندهم : المنع ؛ لأنّه نهاه عن زيادة خمسين فما فوقها أولى (٤).

و ـ البحث في طرف المشتري كالبحث في طرف البائع ، فلو قال له : اشتر كذا بمائة ، فله أن يشتري بما دونها ، إلاّ مع النهي ، فلا يصحّ ؛ لأنّه خالفه ، وصريح قوله مقدَّم على دلالة العرف. وكذا لو قصد الإرفاق للبائع ، وليس له أن يشتري بأزيد من مائة.

__________________

(١) فيما عدا « ر » من النسخ الخطّيّة والحجريّة : « كذا ».

(٢) في « خ » : « لا تبع ».

(٣) في « ج ، ر » والطبعة الحجريّة : « بِيع ».

(٤) بحر المذهب ٨ : ١٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٧.

١٠٢

ولو قال : اشتر بمائة ، ولا تشتر بخمسين ، جاز له أن يشتري بما بين مائة وخمسين ، ولا يشتري بخمسين ؛ لأنّ إذنه في الشراء بمائة دلّ عرفاً على الشراء بما دونها ، خرج منه المحصور بصريح النهي [ و ] بقي فيما فوقها على مقتضى الإذن.

وفيما دونها للشافعيّة وجهان (١).

والوجه عندي : الجواز ؛ لأنّه لم يخالف صريح نهيه ، فأشبه ما إذا زاد على الخمسين.

مسألة ٧١٨ : لو وكّله في بيع عبدٍ بمائة فباع نصفه بها ، أو وكّله مطلقاً فباع نصفه بثمن الكلّ ، جاز ؛ لأنّه مأذون فيه من جهة العرف ، فإنّ مَنْ رضي بمائة ثمناً للكلّ رضي بها ثمناً للنصف ، ولأنّه حصّل له المائة وأبقى له زيادة تنفعه ولا تضرّه ، فكان بمنزلة ما لو باعه بمائةٍ وثوبٍ أو عبد أو نصف عبدٍ.

إذا ثبت هذا ، فله بيع النصف الآخَر ؛ لأنّه مأذون له في بيعه ، فأشبه ما لو باع العبد كلّه بمثلَي ثمنه.

ويحتمل المنع ؛ لأنّه قد حصل للموكّل غرضه من الثمن ببيع نصفه ، فربما لا يؤثّر بيع باقيه ؛ للغنى عن باقيه بما حصل له من ثمن نصفه.

وكذا لو وكّله في بيع عبدين بمائة ، فباع أحدهما بالمائة ، صحّ.

وهل له بيع الآخَر؟ فيه الاحتمالان السابقان.

ولو وكّله في بيع عبدٍ بمائة ، فباع نصفه بأقلّ منها ، لم يجز ؛ لأنّه غير المأذون فيه.

__________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٩٤ ، البيان ٦ : ٣٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٧.

١٠٣

وإن وكّله مطلقاً ، فباع بعضه بأقلّ من ثمن الكلّ ، لم يجز ، وبه قال الشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمّد (١).

وقال أبو حنيفة : يجوز ، كما إذا أطلق الوكالة ؛ بناءً على أصله في أنّ للوكيل المطلق البيعَ (٢).

وهو غلط ؛ لما فيه من الضرر على الموكّل ببيع بعضه ، ولم يوجد الإذن فيه نطقاً ولا عرفاً ، فلم يجز ، كما لو وكّله في شراء عبدٍ ، فاشترى نصفه.

ولو قال : اشتره بمائة دينارٍ ، فاشتراه بمائة درهمٍ ، فالحكم فيه كالحكم فيما لو قال : بِعْه بمائة درهمٍ ، فباعه بمائة دينارٍ.

والأقرب : الجواز.

ولو قال : اشتر نصفه بمائة ، فاشتراه كلّه أو أكثر من نصفه بالمائة ، صحّ ؛ لأنّه مأذون فيه عرفاً.

ولو قال : اشتر نصفه بمائة ولا تشتر جميعه ، فاشترى أكثر من النصف وأقلّ من الكلّ بمائة ، صحّ على ما تقدّم في البيع ؛ لأنّ دلالة العرف قاضية بالإذن في شراء كلّ ما زاد على النصف ، خرج الجميع بصريح نهيه ، فيبقى ما عداه على مقتضى الإذن.

مسألة ٧١٩ : لو وكّله في شراء عبدٍ موصوفٍ بمائة ، فاشتراه على الصفة بدونها ، جاز ؛ لأنّه مأذون فيه عرفاً ، فلو خالف في الصفة أو اشتراه‌

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٦٢ ، بحر المذهب ٨ : ١٩٥ ، الوسيط ٣ : ٢٩٩ ، المغني ٥ : ٢٥٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٨ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣٤ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٧ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٤٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦١.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣٤ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٧ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٤٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦١ ، بحر المذهب ٨ : ١٩٥ ، المغني ٥ : ٢٥٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٨.

١٠٤

بأكثر منها ، لم يلزم الموكّل.

ولو قال : اشتر لي عبداً بمائة ، فاشترى عبداً يساوي مائةً بدونها ، جاز ؛ لأنّه لو اشتراه بمائةٍ جاز ، فإن اشتراه بدونها فقد زاده خيراً ، فيجوز.

وإن كان لا يساوي مائةً ، لم يجز وإن كان يساوي أكثر ممّا اشتراه به ؛ لأنّه خالف أمره ، ولم يحصل غرضه.

مسألة ٧٢٠ : لو قال له : بِعْه إلى أجل ، وبيّن قدره ، فامتثل ، صحّ.

وإن باع حالًّا ، فإن باع بما يساويه حالًّا ، لم يصح ؛ لأنّه يكون ناقصاً عمّا أمره به ، فإنّ ما يشترى به الشي‌ء نقداً أقلّ ممّا يشترى به نسيئةً.

وإن باعه بما يساويه نسيئةً إلى ذلك الأجل الذي عيّنه ، فإن لم يكن هناك للموكّل غرض في النسيئة بأن يكون في وقتٍ لا يؤمن فيه من النهب أو السرقة ، أو كان لحفظه مئونة في الحال ، صحّ البيع ؛ لأنّه زاده خيراً وقد أحسن إليه ، وقال تعالى : ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (١) وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

وفي الثاني : المنع ؛ لأنّه ربما كان يحتاج إلى الثمن في ذلك الوقت ، أو يخاف من التعجيل خروجه في النفقة (٢).

وهو غلط ؛ لأنّا فرضنا انتفاء الأغراض بأسرها ؛ إذ الكلام فيه.

وإن كان هناك غرض صحيح ممّا ذكرناه أو غيره ، لم يصح البيع ؛ لأنّه قد خالف ما أمره ، فيكون فضوليّاً فيه ، إن أجازه صحّ ، وإلاّ فلا.

فروع :

أ ـ لا فرق فيما ذكرناه بين ثمن المثل عند الإطلاق ، وبين ما يقدّره‌

__________________

(١) التوبة : ٩١.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٨٤ ، البيان ٦ : ٣٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٨.

١٠٥

من الثمن بأن قال : بِعْ بمائةٍ نسيئةً ، فباع بمائةٍ نقداً.

ب ـ لو قال : بِعْه بكذا إلى شهرين ، فباعه به إلى شهر ، ففيه ما قدّمناه في النسيئة والحالّ.

ج ـ لو قال : اشتر حالًّا ، فاشتراه مؤجَّلا ، فإن اشتراه بما يرغب به فيه (١) إلى ذلك الأجل ، لم يصح الشراء للموكّل ؛ لأنّ الثمن يكون أكثر ، فيكون فضوليّاً في هذا الشراء.

وإن اشتراه بما يرغب به فيه حالًّا إلى ذلك الأجل ، فللشافعيّة وجهان ، كما في طرف البيع (٢).

والحقّ أن نقول : إن كان له غرض بأن يخاف هلاك المال وبقاء الدَّيْن عليه أو غير ذلك من الأغراض ، لم يصح ، وإلاّ جاز.

وقال بعض الشافعيّة : هذا إذا قلنا : إنّ مستحقّ الدَّيْن المؤجَّل إذا عجّل حقّه ، يلزمه القبول ، أمّا إذا قلنا : لا يلزمه القبول ، لا يصحّ الشراء هنا للموكّل بحال (٣).

وخرّجوا عليه أنّ الوكيل بالشراء مطلقاً لو اشترى نسيئةً بثمن مثله نقداً ، جاز ؛ لأنّه زاده خيراً ، والموكّل بسبيلٍ من تفريغ ذمّته بالتعجيل (٤).

د ـ إذا وكّله في البيع نسيئةً ، ولم يعيّن الأجل ، صحّ عندنا ، وحُمل الإطلاق على المتعارف بين الناس. ولو عيّن له ، لم تجز الزيادة. وفي النقصان قولان.

مسألة ٧٢١ : لو وكّله في الشراء بخيار أو في البيع به ، فاشتراه منجّزاً أو باعه منجّزاً ، كان فضوليّا ؛ لأنّه خالف ما أُمر به ، فإن أمضاه الموكّل‌

__________________

(١) في « ث ، ر » : « بما يرغب فيه ». وفي « ج » والطبعة الحجريّة : « بما يرغب فيه به ».

(٢ ـ ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٨.

١٠٦

صحّ ، وإلاّ فلا.

ولو أمره بالشراء بخيارٍ له ، فجَعَله للآخَر أو في البيع ، لم يلزم ، وكان فضوليّاً ؛ لأنّه خالف أمره ، وربما كان له غرض في ذلك صحيح.

أمّا لو قال : اجعل الخيار للآخَر ، فجَعَله له ، أو قال : اجعل الخيار للجميع ، فجَعَله للموكّل خاصّةً ، احتُمل الصحّة ؛ لأنّه زاده خيراً ، وهو الأقوى. والمنع ؛ للمخالفة.

مسألة ٧٢٢ : لو سلّم إلى وكيله ديناراً ليشتري له شاةً موصوفة ، فاشترى الوكيل بالدينار شاتين كلّ واحدةٍ بتلك الصفة تساوي ديناراً ، صح الشراء ، وحصل الملك للموكّل فيهما ؛ لأنّه إذا أذن له في شراء شاة بدينارٍ فإذا اشترى شاتين كلّ واحدةٍ منهما تساوي ديناراً بدينار ، فقد زاده خيراً مع تحصيل ما طلبه الموكّل ، فأشبه ما إذا أمره ببيع شاة بدينار ، فباعها بدينارين ، أو بشراء شاة تساوي ديناراً بدينار ، فاشتراها بنصفه ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّ الشاتين معاً لا تقعان للموكّل ؛ لأنّه لم يأذن له إلاّ في شراء واحدة ، ولكن يُنظر إن اشتراهما في الذمّة ، فللموكّل واحدة بنصف الدينار ، والأُخرى للوكيل ، ويردّ على الموكّل نصف دينارٍ ، وللموكّل أن ينتزع الثانية منه ، ويقرّر العقد فيهما ؛ لأنّه عقد العقد فيهما له. وإن اشتراهما بعين الدينار ، فكأنّه اشترى واحدةً بإذنه ، وأُخرى بغير إذنه ، فيبنى على أنّ العقود هل تتوقّف على الإجازة؟

إن قلنا : لا تتوقّف ، بطل العقد في واحدة ، وفي الثانية قولا تفريق الصفقة.

وإن قلنا : تتوقّف ، فإن شاء الموكّل أخذهما بالدينار ، وإن شاء اقتصر‌

١٠٧

على واحدةٍ ، وردّ الأُخرى على المالك (١).

واستشكله بعض الشافعيّة ومَنَعه ؛ لأنّ تعيين واحدة للموكّل أو بطلان العقد فيها ليس بأولى من تعيين الأُخرى ، والتخيير شبيه بما إذا باع شاةً من شاتين على أن يتخيّر المشتري ، وهو باطل (٢).

ونقل الجويني فيما إذا اشترى في الذمّة قولاً ثالثاً : إنّ الشراء لا يصحّ للموكّل في واحدةٍ منهما ، بل تقعان للوكيل (٣).

ولو كانت كلّ واحدةٍ من الشاتين تساوي أقلّ من دينارٍ ، لم يلزم الشراء ، وكان فضوليّاً وإن كان مجموعهما تساوي أكثر من الدينار ؛ لأنّه لم يمتثل ما أمره به.

ولو كانت إحداهما تساوي ديناراً والأُخرى تساوي أقلّ من دينارٍ ، صحّ الشراء ؛ لأنّه امتثل وزاد خيراً.

واعلم أنّ الشافعي ذكر في كتاب الإجارات هذه المسألة ، وقال : إذا أعطاه ديناراً وقال : اشتر به شاةً ، فاشترى به شاتين ، ففيها قولان :

أحدهما : ينتقل ملك الشاتين معاً إلى الموكّل.

والثاني : ينتقل ملك إحداهما إلى الموكّل ، وملك الأُخرى إلى الوكيل ، ويكون الموكّل فيها بالخيار إن شاء أقرّها على ملك وكيله ، وإن شاء انتزعها (٤).

قال القاضي أبو الطيّب من أصحابه : لا وجه لهذا القول ، إلاّ أن يكون‌

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٦٢ ، بحر المذهب ٨ : ١٩٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٣ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٢٢ ، البيان ٦ : ٣٩٥ ـ ٣٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٩.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٩.

(٤) الأُم ٤ : ٣٢.

١٠٨

على قولٍ محكيٍّ عن الشافعي في المبيع الموقوف (١).

وذكر أبو حامد أنّه إذا اشترى ذلك في الذمّة ، وقع للموكّل في أحد القولين و [ تقع ] (٢) إحداهما للوكيل في القول الآخَر ، وللموكّل أخذها (٣) منه.

قال أبو العباس بن سريج : إنّ ذلك جارٍ مجرى الأخذ بالشفعة ؛ لتعلّقه بملكه ، ومشاركته له في العقد (٤).

فأمّا إذا اشتراهما بعين مال الموكّل ، ففي أحد القولين يقع الكلّ للموكّل. وعلى القول الآخَر لا يصحّ العقد في الشاتين (٥) ؛ لأنّه لا يصحّ أن يقع الملك للوكيل والثمن عين ملك الموكّل (٦).

والأوّل عندهم أشبه ؛ لأنّ المسألة إذا دفع إليه ديناراً وقال : اشتر به شاة.

والقول الصحيح عند الشافعيّة أنّ الشاتين تقعان للموكّل (٧). وهو مذهبنا أيضاً نصّ عليه الشيخ في الخلاف (٨).

وقال أبو حنيفة : تقع للموكّل إحدى الشاتين بنصف دينار ، وتقع الأُخرى للوكيل ، ويرجع الموكّل عليه بنصف دينار ؛ لأنّ الموكّل لم يرض إلاّ بأن تلزمه عهدة شاة واحدة ، فلا تلزمه شاتان (٩).

__________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٩٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٤.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « وقع ». والأنسب ما أثبتناه. وفي المصدر بدلها : « يقع ».

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أخذه ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) بحر المذهب ٨ : ١٩٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٤.

(٥) في المصدر : بطلان العقد في إحدى الشاتين.

(٦) بحر المذهب ٨ : ١٩٨ ، البيان ٦ : ٣٩٧.

(٧) تقدّم تخريجه في ص ١٠٨ ، الهامش (١).

(٨) الخلاف ٣ : ٣٥٣ ، المسألة ٢٢ من كتاب الوكالة.

(٩) بحر المذهب ٨ : ١٩٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٣ ، المغني ٥ : ٢٥٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣١ ، وانظر : المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٩ : ٦٥ ، والهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٤١ ، وبدائع الصنائع ٦ : ٣٠ ، والاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٩ ـ ٢٦٠.

١٠٩

واحتجّ الشيخ رحمه‌الله بحديث عروة البارقي ، فإنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطى عروة ابن الجعد البارقي ديناراً وقال له : « اشتر لنا به شاة » قال : فأتيت الجلب فاشتريت به شاتين بدينار ، فجئت أسوقهما ـ أو أقودهما ـ فلقيني رجل بالطريق فساومني ، فبعت منه شاةً بدينار ، وأتيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالدينار وبالشاة ، فقلت : يا رسول الله هذا ديناركم وهذه شاتكم ، فقال : « وصنعت كيف؟ » فحدّثته ، فقال : « اللهمّ بارك له في صفقة يمينه » (١).

ولأنّه فَعَل المأذون فيه وزيادة من جنسه تنفع ولا تضرّ ، فوقع ذلك كلّه له ، كما لو قال : بِعْه بدينار ، فباعه بدينارين.

وما ذكره أبو حنيفة يبطل بالبيع.

مسألة ٧٢٣ : قد بيّنّا أنّه يصحّ شراء الشاتين للموكّل ؛ استدلالاً بحديث عروة البارقي ، فإذا باع الوكيل إحدى الشاتين من غير إذن الموكّل ، فالوجه عندي : إنّ بيعه يقع موقوفاً على إجازة الموكّل إن أجازه نفذ ، وإلاّ بطل.

وللشافعيّة قولان :

أحدهما : المنع ـ كما قلناه ـ لأنّه لم يأذن له في البيع ، فأشبه ما إذا اشترى شاةً بدينارٍ ثمّ باعها بدينارين. ولأنّه باع مال موكّله بغير أمره فلم يجز ، كما لو باع الشاتين معاً.

والثاني : إنّه يصحّ ؛ لأنّه إذا جاء بالشاة ، فقد حصل مقصود الموكّل ، فلا فرق فيما زاد بين أن يكون ذهباً أو غيره ، هذا إذا كانت الباقية تساوي ديناراً (٢).

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٦ ، الهامش (٥).

(٢) البيان ٦ : ٣٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٩.

١١٠

وبالصحّة قال أحمد ؛ لحديث (١) عروة البارقي (٢).

وعندنا أنّ بيع الفضولي يقع موقوفاً ، ولا يلزم من إجازة بيع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له ملكه لذلك ، فجاز أن يجيز عقد الفضولي. وأيضاً جاز أن يكون عروة وكيلاً عامّاً في البيع والشراء.

وعند الشافعي يُخرَّج على هذا ما إذا اشترى [ الشاة بدينار وباعها ] (٣) بدينارين ، ويقال : هذا الخلاف هو بعينه القولان في بيع الفضولي ، فعلى الجديد يلغو ، وعلى القديم ينعقد موقوفاً على إجازة الموكّل (٤).

لكن فعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تقرير البارقي على الشراء والبيع يعطي صحّة وقوع العقد ، ولا يكون باطلاً في أصله.

واحتجّ أبو حنيفة (٥) للشافعي على أحد قوليه ـ من وقوع إحدى الشاتين للوكيل ـ بأنّ الشاتين لو وقعتا للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما باع إحداهما قبل مراجعته ؛ إذ الإنسان لا يبيع مال الغير ، كيف! وقد سلّم وتصرّف الفضولي ، فإن حكم بانعقاده ، فلا كلام في أنّه ليس له التسليم قبل مراجعة المالك وإجازته ، فلمّا باع إحداهما دلّ على أنّها دخلت في ملكه (٦).

وهذا ليس بشي‌ءٍ ؛ لأنّ عروة لمّا عرف أنّ الاحتياج إلى الشاة للأُضحية لا إلى أزيد ، حصّل المطلوب وباع فضوليّاً وسلّم المبيع وقبض‌

__________________

(١) في « ث ، خ » والطبعة الحجريّة : « لرواية » بدل « لحديث ».

(٢) المغني ٥ : ٢٦٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٢.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الشاتين بدينار وباعهما ». وما أثبتناه من المصدر.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٩.

(٥) كذا قوله : « أبو حنيفة ». والظاهر أنّها إمّا تصحيف كنيةٍ أُخرى ، أو زائدة.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٢.

١١١

الثمن كذلك ، ويكون موقوفاً على الإجازة ، فلمّا رضي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالبيع وما فَعَله البارقي ، لزم.

ولو سلّمنا أنّ إحداهما دخلت في ملكه ، لكنّها لا تتعيّن ما لم يختر الموكّل واحدةً منهما ، أو يجري بينهما اصطلاح في ذلك ، وإذا لم تكن التي ملكها متعيّنةً ، فكيف يبيع واحدةً على التعيين!؟.

والقائلون بالصحّة احتجّ مَنْ ذهب منهم إلى صحّة بيع إحدى الشاتين : بالحديث ، ومَنْ مَنَع حَمَل القضيّة (١) على أنّ عروة كان وكيلاً مطلقاً من جهة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيع أمواله ، فيبيع إذا رأى المصلحة فيه (٢).

لكن في هذا التأويل بحث ؛ لأنّه إن كان قد وكّله في بيع أمواله ، لم يدخل فيه ما يملكه من بَعْدُ.

وإن قيل : وكّله في بيع أمواله وما سيملكه ، وقع في الخلاف المذكور في التوكيل ببيع ما سيملكه ، إلاّ أن يقال : ذلك الخلاف فيما إذا خصّص بيع ما سيملكه بالتوكيل ، أمّا إذا جَعَله تابعاً لأمواله الموجودة في الحال ، فيجوز ، وهذا كما أنّه لو قال : وَقَفْتُ على مَنْ سيولد من أولادي ، لا يجوز. ولو قال : على أولادي ومَنْ سيولد ، جاز.

ولو قال له : بِعْ عبدي بمائة درهم ، فباعه بمائة وعبد أو ثوب يساوي مائة درهم ، قال ابن سريج : إنّه على قولين بالترتيب على مسألة الشاتين ، وأولى بالمنع ؛ لأنّه عدل عن الجنس الذي أمره بالبيع به ، إن منع منه فليمنع في القدر الذي يقابل غير الجنس ـ وهو النصف ـ أو في‌

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة : « القصّة » بدل « القضيّة ».

(٢) البيان ٦ : ٣٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٢.

١١٢

الجميع ؛ كي لا تتفرّق الصفقة؟ فيه قولان (١).

إن قلنا : في ذلك القدر خاصّةً ، قال بعضهم : إنّه لا خيار للبائع ؛ لأنّه إذا رضي ببيع الجميع بالمائة كان راضياً ببيع النصف بها ، وأمّا المشتري إن لم يعلم كونه وكيلاً بالبيع بالدراهم فله الخيار. وإن علم فوجهان ؛ لشروعه في العقد مع العلم بأنّ بعض المعقود لا يسلم له (٢).

مسألة ٧٢٤ : لو دفع إليه ألفاً وقال : اشتر بها بعينها شيئاً ، فاشترى شيئاً في الذمّة لينقد ما سلّمه إليه في ثمنه ، لم يلزمه‌ (٣) ، وكان الوكيل فضوليّاً ، إن رضي المالك بالبيع جاز ، وإلاّ فلا ـ وبه قال الشافعي (٤) ـ لأنّه أمره بعقدٍ ينفسخ لو تلف ما سلّمه إليه ، والوكيل أتى بعقدٍ لا ينفسخ لو تلف ما سلّمه إليه ، ويلزم أن يؤدّي ألفاً أُخرى ، وقد لا يريد لزوم ألفٍ أُخرى.

ولو قال : اشتر في الذمّة وسلِّم هذا في ثمنه ، فاشترى بعينه ، لم يلزم أيضاً ، وكان الوكيل فضوليّاً ؛ لأنّه ربما يريد حصول ذلك المبيع له ، سواء سلّم ما سلّمه إليه أو تلف ، وهو أصحّ قولَي الشافعيّة.

وفي الثاني : أنّه يلزم الوكيل ؛ لأنّه زاد خيراً حيث عقد على وجهٍ لو تلف ما سلّمه إليه لم يلزمه شي‌ء آخَر (٥).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٠.

(٣) فيما عدا « ث » من النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لم يلزم ».

(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٦٠ ، التنبيه : ١٠٩ ، الوجيز ١ : ١٩٢ ، الوسيط ٣ : ٢٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٣.

(٥) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٦٠ ، التنبيه : ١٠٩ ، الوجيز ١ : ١٩٢ ، الوسيط ٣ : ٢٩٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٣.

١١٣

ولو سلّم إليه ألفاً وقال : اشتر كذا بألف ، ولم يقل : بعينه ، ولا قال : في الذمّة ، بل قال : اصرف هذا في الثمن ، فالأقرب : إنّ الوكيل يتخيّر بين أن يشتري بعينها أو في الذمّة ؛ لأنّه على التقديرين يكون آتياً بالمأمور به ، ويجوز أن يكون غرضه من تسليمه إليه مجرّد انصرافه إلى ثمن ذلك الشي‌ء ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّه يشتري بالعين ، فإن اشترى في الذمّة لم يصح ، ويكون بمنزلة ما لو قال : اشتر بعينه ؛ لأنّ قرينة التسليم تشعر به (١).

وهو ممنوع.

مسألة ٧٢٥ : إذا وكّله في بيع عينٍ أو شرائها ، لم يملك العقد على بعضه‌ ؛ لأنّ التوكيل إنّما وقع بالجميع ، وهو مغاير للأجزاء. ولأنّ في التبعيض إضراراً بالموكّل ، ولم يأذن له فيه ، فإن فَعَله (٢) كان فضوليّاً.

أمّا لو أذن له في بيع عبيدٍ أو شرائهم ، مَلَك العقد جملةً وفرادى ؛ لأنّ الإذن تناول العقد عليهم جملةً ، والعرف في بيعه وشرائه العقد على واحدٍ واحدٍ ، ولا ضرر في جمعهم ولا إفرادهم. ولو كان أحدهما أنفع ، وجب المصير إليه ؛ لأنّ الوكيل منصوب للمصلحة.

ولو نصّ على الجمع ، فقال : اشتر لي عبيداً صفقةً واحدة ، أو : بِعْهم كذلك ، أو على التفريق ، فقال : اشتر لي عبيداً واحداً واحداً ، أو : بِعْهم كذلك ، وجب الامتثال ، فإن خالف كان فضوليّاً ؛ لأنّ تنصيصه على أحدهما‌

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٦٠ ، بحر المذهب ٨ : ١٩٧ ، الوسيط ٣ : ٢٩٩ ، حلية العلماء ٥ : ١٣٤ ـ ١٣٥ ، البيان ٦ : ٣٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٣.

(٢) في « ث ، ج » : « فَعَل ».

١١٤

بعينه يدلّ على ثبوت غرضٍ له فيه ، فلا تجوز مخالفته ، ولم يتناول إذنه سوى ما عيّنه.

وإن قال : اشتر لي عبدين صفقةً ، فاشترى عبدين لاثنين مشتركين بينهما من وكيلهما أو من أحدهما وأجاز الآخَر ، جاز.

وإن كان لكلّ واحدٍ منهما عبد منفرد فاشتراهما من المالكين [ بأن ] (١) أوجبا له البيع فيهما وقَبِل ذلك منهما بلفظٍ واحد ، صحّ.

وقال الشافعي : لا يصحّ ؛ لأنّ عقد الواحد مع الاثنين عقدان (٢).

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّ القبول من المشتري ، وهو متّحد ، والغرض لا يختلف.

ولو اشتراهما من وكيلهما وعيّن ثمن كلّ واحدٍ منهما ، مثل أن يقول : بعتك هذين العبدين هذا بمائة وهذا بمائتين ، فقال : قبلت ، صحّ.

ولبعض العامّة وجهان (٣).

ولو لم يعيّن ثمن كلّ واحدٍ منهما ، صحّ عندنا ـ خلافاً لبعض العامّة ٤ ـ ويقسّط الثمن على قدر القيمتين.

مسألة ٧٢٦ : إذا أمره بشراء سلعةٍ ، لم يكن له أن يشتري غيرها ، فلو أمره بشراء جاريةٍ معيّنة أو عبدٍ معيّن ، فاشترى غير ما عيّن له ، فإن كان قد سمّاه أو نواه وصدّقه البائع وقف العقد على الإجازة ، وكان الوكيل فضوليّاً ؛ لأنّه اشترى له شيئاً لم يأذن له فيه ، فلا يلزمه ، ولا يقع عن الوكيل ، سواء‌

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فإن ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٥٤٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٩٦ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٢٢ ، البيان ٦ : ٣٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦١ ، المغني ٥ : ٢٥٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٠.

(٣ و ٤) المغني ٥ : ٢٥٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٠.

١١٥

اشتراه بعين مال الموكّل أو في ذمّته.

وإن أطلق العقد ولم يضفه إلى الموكّل ولا نواه ، فإن اشترى بالعين ، احتمل الوقوف على الإجازة ، فإن أجازه (١) المالك صحّ ، وإلاّ بطل ؛ لحديث (٢) عروة البارقي ، فإنّه باع مال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والشراء بالعين كبيع مال الغير ، وأقرّه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودعا له. ولأنّه تصرّفٌ له مجيزٌ ، فصحّ ، ووقف على الإجازة كالوصيّة بالزائد على الثلث ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد.

وفي الأُخرى : يبطل ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّه عقد على مال مَنْ لم يأذن له في العقد ، فلم يصح ، كما لو باع مال الصبي ثمّ بلغ فأجاز ، وقد نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حكيم بن حزام عن بيع ما ليس عنده ، فقال : « لا تبع ما ليس عندك » (٣) يعني ما لا تملك (٤).

وإن اشترى في الذمّة ثمّ نقد ثمنه ، وقع البيع للوكيل ؛ لأنّه تصرّفٌ صدر من بالغٍ عاقلٍ غير محجورٍ عليه ، فصحّ ، ووقع للوكيل حيث لم ينو الموكّلَ ولا سمّاه ولا اشترى ما أذن له فيه.

وقال بعض الشافعيّة : إذا اشترى بمالٍ في ذمّته للموكّل ، فالشراء صحيح ؛ لأنّه إنّما اشترى بثمنٍ في ذمّته ، وليس ذلك ملكاً لغيره ، ويقع البيع للوكيل (٥).

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة : « أجاز ».

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٦ ، الهامش (٥).

(٣) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٧ / ٢١٨٧ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٣ / ٣٥٠٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٣٤ / ١٢٣٢ ، سنن النسائي ٧ : ٢٨٩ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٦٧ و ٣١٧ و ٣٣٩ ، مسند أحمد ٤ : ٤٠٣ / ١٤٨٨٧ و ١٤٨٨٨ ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ ٦ : ١٢٩ / ٥٤٠ ، المصنّف ـ لعبد الرزّاق ـ ٨ : ٣٨ / ١٤٢١٢ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ٣ : ٢١٧ ـ ٢١٨ / ٣٠٩٧ ـ ٣٠٩٩ ، و ٣١٠٢ و ٣١٠٣.

(٤) المغني ٥ : ٢٤٩ ـ ٢٥٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٨.

(٥) المغني ٥ : ٢٤٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٨ ـ ٢٥٩.

١١٦

وقال بعضهم : لا يصحّ للموكّل ولا للوكيل ؛ لأنّه عقده على أنّه للموكّل ، فلم يقع عن الوكيل ، والموكّل لم يأذن له فيه ، فلم يقع عنه (١).

وعن أحمد روايتان :

إحداهما : إنّ الشراء للوكيل ؛ لأنّه اشترى في ذمّته بغير إذنه ، فكان الشراء له ، كما لو لم ينو غيره.

والثانية : إنّه يقف على إجازة الموكّل ـ كما قلناه نحن ـ فإن أجازه ، صحّ ؛ لأنّه اشترى له وقد أجازه فلزمه ، كما لو اشترى بإذنه. وإن لم يُجزه ، قال : يلزم الوكيل ؛ لأنّه لا يجوز أن يلزم الموكّل ؛ لأنّه لم يأذن في شرائه ، ولزم الوكيل ؛ لأنّ الشراء صدر منه ، ولم يثبت لغيره ، فيثبت في حقّه ، كما لو اشتراه لنفسه (٢).

وليس بحقٍّ ؛ لأنّه اشترى لغيره ، فإذا لم يرض الغير ، بطل العقد.

وهذا الحكم في كلّ مَن اشترى شيئاً في ذمّته لغيره بغير إذنه ، سواء كان وكيلاً للّذي قصد الشراء له ، أو لم يكن وكيلاً.

مسألة ٧٢٧ : إذا قال له : بِعْ هذا العبد ، فباع عبداً آخَر ، فهو فضوليّ في بيع الآخَر ؛ لأنّه غير مأذونٍ له فيه ، فكان كالأجنبيّ بالنسبة إليه ، فإن أمضى المالك البيعَ ، صحّ ، وإلاّ بطل ؛ لأنّ المالك لم يرض بإزالة ملكه عنه.

وقال الشافعي في أحد القولين : إنّه باطل (٣).

وأمّا الشراء : فإن وقع بعين مال الموكّل ، فهو كالبيع. وإن كان في الذمّة ، فإن لم يسمّ الموكّلَ ولا نواه ، فهو واقع عن الوكيل ؛ لجريان‌ الخطاب معه ، وإنّما ينصرف إلى الموكّل بشرط أن ينويه أو يوافق إذنه.

__________________

(١ و ٢) المغني ٥ : ٢٤٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٨ ـ ٢٥٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٣.

١١٧

وقال الشافعي : إذا نواه ، لم يعتبر بالنيّة ، ووقع الشراء للوكيل ، لأنّه لم يوافق أمره ، فلغت النيّة (١).

وليس بجيّد.

قال : ولو سمّاه ، فوجهان :

أحدهما : إنّه يبطل العقد رأساً ؛ لأنّه صرّح بإضافته إلى الموكّل ، وامتنع إيقاعه عنه ، فيلغو (٢). وهو الذي اخترناه.

والأظهر عندهم : إنّه يقع عن الوكيل ، وتلغو تسمية الموكّل ؛ لأنّ تسمية الموكّل غير معتبرة في الشراء (٣) ، فإذا سمّاه ولم يمكن صرف العقد إليه ، صار كأنّه لم يسمّه (٤).

ونحن نمنع وقوعه عن الوكيل ؛ لأنّه لم يشتر لنفسه.

هذا كلّه فيما إذا قال البائع : بعت منك ، فقال المشتري : اشتريته لفلان ، يعني موكّله ، فأمّا إذا قال البائع : بعت من فلان ، وقال المشتري : اشتريته لفلان ، فظاهر مذهب الشافعيّة بطلان العقد ؛ لأنّه لم تجر بينهما مخاطبة ، ويخالف النكاح حيث يصحّ من الزوج ووكيل الزوج على هذه الصفة ، بل لا يجوز إلاّ ذلك ، وللبيع أحكام تتعلّق بمجلس العقد ، كالخيار وغيره ، وتلك الأحكام إنّما يمكن الاعتبار فيها بالمتعاقدين ، فاعتبر جريان المخاطبة بينهما ، والنكاح سفارة محضة (٥).

ونحن لا فرق عندنا بين أن يوجب ويخاطب الوكيل أو يوجب‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٣ ـ ٥٥٤.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الشرع » بدل « الشراء ». والمثبت كما في المصدر.

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٤.

١١٨

للموكّل في البطلان.

مسألة ٧٢٨ : وكيل المتّهب بالقبول يجب أن يسمّي موكّله‌ ، وإلاّ وقع عنه ؛ لجريان الخطاب معه ، ولا ينصرف بالنيّة إلى الموكّل ؛ لأنّ الواهب قد يقصده بالتبرّع بعينه ، وما كلّ أحد تسمح النفس بالتبرّع عليه ، بخلاف المشتري ، فإنّ المقصود فيه حصول العوض ، هكذا قاله بعض الشافعيّة (١) ، ولا استبعاد في هذا القول.

البحث الخامس : في التوكيل بالخصومة.

مسألة ٧٢٩ : الوكيل بالخصومة إمّا أن يتوكّل عن المدّعي أو عن المدّعى عليه.

فإن كان وكيلاً عن المدّعي ، مَلَك الدعوى وإقامة البيّنة وتعديلها والتحليف وطلب الحكم على الغريم والقضاء عليه. وبالجملة ، كلّ ما يقع وسيلةً إلى الإثبات.

وأمّا الوكيل عن المدّعى عليه فيملك الإنكار والطعن في (٢) الشهود وإقامة بيّنة الجرح ومطالبة الحاكم بسماعها وتبيينها والحكم بها. وبالجملة ، عليه السعي في الدفع ما أمكن.

ولو ادّعى المنكر في أثناء حكومة وكيله الإقباضَ أو الإبراءَ ، انقلب مدّعياً ، ومَلَك وكيله الدعوى بذلك وإقامة البيّنة (٣) وطلب الحكم بها من الحاكم ، ومَلَك وكيل المدّعي الإنكار لذلك والطعن في بيّنة المشهود عليه.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٤.

(٢) في « ر » والطبعة الحجريّة : « على » بدل « في ».

(٣) في « ث ، خ » والطبعة الحجريّة زيادة : « عليه ».

١١٩

مسألة ٧٣٠ : لا يُقبل إقرار الوكيل ، فلو أقرّ وكيل المدّعي بالقبض ، أو الإبراء ، أو قبول الحوالة ، أو المصالحة على مال ، أو بأنّ الحقّ مؤجَّل ، أو أنّ البيّنة فسقة ، أو قد زوّروا ، أو قد أقرّ وكيل المدّعى عليه بالحقّ المدّعى ، لم يُقبل ، سواء أقرّ في مجلس الحكم أو غيره ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي ومالك وابن أبي ليلى وزفر وأحمد (١) ـ لأنّ الإقرار معنى يقطع الخصومة وينافيها ، فلا يملكه الوكيل فيها ، كالإبراء. ولأنّه غير وكيلٍ في الإقرار ، فلا يكون نائباً عنه ، وإخبار الغير عن حقّ الغير إن كان شهادةً سُمعت ، وإلاّ فلا ، والإقرار إخبار.

وقال أبو حنيفة ومحمّد : يُقبل إقراره إذا كان في مجلس الحكم فيما عدا الحدود والقصاص (٢).

وقال أبو يوسف : يُقبل إقراره في مجلس الحكم وغيره ؛ لأنّ الإقرار‌

__________________

(١) الأُم ٣ : ٢٣٢ ، مختصر المزني : ١١٠ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥١٣ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٨ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٣ ، الوسيط ٣ : ٢٩٧ ، الوجيز ١ : ١٩٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٢١ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢١٤ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٥٣ / ١٨٣٩ ، البيان ٦ : ٣٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٣ ـ ٢٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٤ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٩ : ٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٩ / ١٧٤٢ ، النتف ٢ : ٥٩٩ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٥١ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٧ ، المغني ٥ : ٢١٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٣.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٩ / ١٧٤٢ ، النتف ٢ : ٥٩٩ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٥٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٧ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥١٣ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٣ ، الوسيط ٣ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٢١ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢١٤ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٥٣ / ١٨٣٩ ، البيان ٦ : ٣٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٤ ، المغني ٥ : ٢١٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٣.

١٢٠