تذكرة الفقهاء - ج ١١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: ٤٢٩

وكذا لو شرط وصفاً يتعلّق به غرض معقول وإن كان ضدّه أجود من الماليّة ، فإنّ الخيار يثبت لو لم يخرج على الوصف ، كما لو شرط العبد كاتباً أو خيّاطاً أو فحلاً.

أمّا لو شرط ما لا غرض للعقلاء فيه ولا تزيد به الماليّة ، فإنّه لغو لا يوجب الخيار ، وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى.

مسألة ٢٦٧ : إذا وجد المشتري بالمبيع عيباً سابقاً على العقد ولم يحدث عنده عيب ولا تصرّف فيه ، كان مخيّراً‌ بين فسخ البيع والإمضاء بالأرش وبه قال أحمد (١) لأنّه ظهر على عيب لم يقف على محلّه ، فكان له المطالبة بالأرش ، كما لو حدث عنده عيب. ولأنّ الثمن في مقابلة السليم ، فإذا ظهر عيب ، كان قد فات جزء من المبيع ، فكان للمشتري المطالبة بما يقابله من الثمن ؛ لأنّ الأرش في الحقيقة جزء من الثمن.

وقال الشافعي : لا يثبت له الأرش ، بل يتخيّر بين الردّ والإمساك بجميع الثمن ؛ لحديث المصرّاة ، فإنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل له الخيار بين الإمساك من غير أرش ، أو الردّ ؛ لأنّه قال : « إن رضيها أمسكها ، وإن سخطها ردّها » (٢) فثبت أنّه إذا أمسك لم يستحقّ شيئاً. ولأنّه يملك ردّه فلم يكن له المطالبة بجزء من الثمن ، كما لو كان الخيار بالشرط (٣).

وحديث المصرّاة نقول بموجَبه ؛ لأنّ التصرية ليست عيباً وإن كانت تدليساً. والأرش عندنا يثبت في العيب لا التدليس.

__________________

(١) المغني ٤ : ٢٥٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٩٦ ٩٧.

(٢) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٧٠ ، ٣٤٤٣.

(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٧ و ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢١ و ١٢٦ و ١٤٠ ، المغني ٤ : ٢٥٩ ٢٦٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٩٧.

٨١

سلّمنا ، لكنّه عليه‌السلام لم يسقط عنه الأرش كما لم يثبته ، على أنّ الحقّ : الأوّل. وخيار الشرط لا يوجب الأرش ؛ لعدم فوات جزء من العين.

مسألة ٢٦٨ : لو تجدّد العيب بعد القبض في يد المشتري من غير تصرّف ، فإن كان حيواناً ، كان من ضمان البائع‌ إن تجدّد في ثلاثة أيّام الخيار ، وفي جذام الرقيق وبرصه وجنونه إن تجدّد في السنة ما بين العقد وظهوره. وإن كان غير حيوان ، فلا ضمان على البائع وبه قال مالك (١) لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل عهدة البيع ثلاثة أيّام (٢) ، وأنّه إجماع أهل المدينة (٣).

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام : « إن حدث بالحيوان قبل ثلاثة فهو من مال البائع » (٤).

ولأنّ الحيوان قد يكون فيه العيوب ثمّ تظهر.

وأمّا عيوب السنة فقد وافقنا مالك (٥) عليها ؛ لأنّ الرضا عليه‌السلام قال : « الخيار في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري ، وفي غير الحيوان أن يتفرّقا ، وأحداث السنة تُردّ بعد السنة » قلت : وما أحداث السنة؟ قال : « الجنون والجذام والبرص والقرن ، فمن اشترى فحدث فيه هذه الأحداث فالحكم أن يردّ على صاحبه إلى تمام السنة من يوم اشتراه » (٦).

__________________

(١) التفريع ٢ : ١٧٧ ، حلية العلماء ٤ : ٢٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٨ ، المغني ٤ : ٢٦٢ ، الشرح الكبير ٤ : ١٠١.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٥٤ ، ٢٢٤٤ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٤ ، ٣٥٠٦ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٥١ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٢٤ ، المصنّف لابن أبي شيبة ١٤ : ٢٢٧ ، ١٨١٧٥ ، مسند أحمد ٥ : ١٥١ ، ١٦٩٣٤ ، وفيها « عهدة الرقيق » بدل « عهدة البيع ».

(٣) كما في المغني ٤ : ٢٦٢ ، والشرح الكبير ٤ : ١٠١.

(٤) الفقيه ٣ : ١٢٧ ، ٥٥٥ ، التهذيب ٧ : ٦٧ ، ٢٨٨.

(٥) انظر : المصادر في الهامش (١).

(٦) الكافي ٥ : ٢١٦ ٢١٧ ، ١٦ ، التهذيب ٧ : ٦٤ ، ٢٧٤.

٨٢

وقال الشافعي : إذا حدث العيب بعد القبض ، لم يثبت به الخيار مطلقاً ـ وبه قال أبو حنيفة لأنّه عيب ظهر في يد المشتري ، فلا يثبت به خيار ، كما لو كان بعد الثلاث أو السنة (١).

والجواب : الفرق ؛ فإنّ امتداد الخيار دائماً ممّا يضرّ البائع ، فلا بدّ من ضبطه لئلاّ يتضرّر المشتري بإسقاطه.

مسألة ٢٦٩ : لو تجدّد العيب بعد العقد وقبل القبض ، كان للمشتري ردّه ؛ لأنّه مضمون في يد البائع ، فكما لو تلفت الجملة كانت من ضمانه ، كذا الأجزاء ، وكما إذا كان العيب موجوداً حالة العقد وبه قال الشافعي (٢) لأنّ المبيع في يد البائع مضمون بالثمن ، فكان النقص الموجود فيه كالنقص الموجود حالة العقد في إثبات الخيار.

وهل للمشتري الإمساك مع الأرش؟ منع الشيخ منه وقال : ليس له مع اختيار الإمساك الأرش ، بل إمّا أن يردّه أو يمسكه بجميع الثمن (٣). وبه قال الشافعي (٤) ؛ لأنّه جعل هذا العيب بمنزلة الموجود ، فلا يثبت به أمران ، فإذا ثبت به الفسخ ، لم يثبت به الأرش. وادّعى الشيخ عدم الخلاف (٥).

والأقوى عندي : أنّ للمشتري المطالبة بالأرش مع الإمساك ؛ لأنّه جزء من الثمن مقابل لما تلف قبل قبضه من المبيع ، فكان له المطالبة به ،

__________________

(١) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٩١ ، حلية العلماء ٤ : ٢٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٧ ، المغني ٤ : ٢٦٢ ، الشرح الكبير ٤ : ١٠١.

(٢) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٦ ١٢٧.

(٣) الخلاف ٣ : ١٠٩ ، المسألة ١٧٨.

(٤) روضة الطالبين ٣ : ١٤٠ ، المغني ٤ : ٢٥٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٩٧.

(٥) انظر : الخلاف ٣ : ١٠٩ ، المسألة ١٧٨.

٨٣

كالجميع.

مسألة ٢٧٠ : لو تراضى البائع والمشتري على أخذ الأرش والإمساك ، قال الشيخ : يجوز‌ (١). وهو الحقّ عندنا ؛ لأنّه يثبت من غير الصلح فمعه أولى. واحتجّ الشيخ بعموم قوله عليه‌السلام : « الصلح جائز بين المسلمين إلاّ ما أحلّ حراماً أو حرّم حلالاً » (٢) وهو أحد وجهي الشافعيّة ، وبه قال أبو حنيفة ؛ لأنّه إذا تعذّر الردّ يثبت الأرش ، فجاز أن يثبت الأرش بتراضيهما ، كخيار وليّ القصاص.

والثاني : لا يجوز ؛ لأنّه خيار ثبت لفسخ البيع ، فلا يجوز التراضي به على مال ، كخيار المجلس والشرط. وعلى تقدير الصحّة يستحقّ الأرش ، ويسقط الردّ ، وعلى تقدير عدمها لا يجب الأرش (٣).

وفي سقوط الردّ له وجهان : السقوط ؛ لأنّ صلحه تضمّن رضاه بالمبيع. وعدمُه ـ وهو الصحيح عندهم لأنّه رضي بالمبيع لحصول الأرش ، فإذا لم يثبت له لم يسقط خياره (٤).

وهذان الوجهان عندهم في خيار الشفعة إذا صالح عنه على عوض (٥).

مسألة ٢٧١ : لو كان العيب بعد القبض لكن سببه سابق على العقد أو على القبض ، كما لو اشترى عبداً جانياً أو مرتدّاً أو محارباً ، فإن قُتل قبل‌

__________________

(١) الخلاف ٣ : ١٠٩ ، المسألة ١٧٨.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٨٨ ، ٢٣٥٣ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٣٠٤ ، ٣٥٩٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٦٣٥ ، ١٣٥٢ ، سنن البيهقي ٦ : ٦٥.

(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٩١ ، حلية العلماء ٤ : ٢٣٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٠.

(٤) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٩١ ، حلية العلماء ٤ : ٢٣٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٠.

(٥) حلية العلماء ٤ : ٢٣٩.

٨٤

القبض ، انفسخ البيع إجماعاً. وإن كان بعد القبض ، فإن كان المشتري جاهلاً بحاله ، فله الأرش ؛ لأنّ القبض سلطة على التصرّف ، فيدخل المبيع في ضمانه ، وتعلُّق القتل برقبته كعيب من العيوب ، فإذا هلك ، رجع على البائع بالأرش ، وهو نسبته ما بين قيمته مستحقّاً للقتل وغير مستحقٍّ من الثمن ، وهو أحد قولي الشافعي.

وأصحّهما : أنّه من ضمان البائع وبه قال أبو حنيفة لأنّ التلف حصل بسببٍ كان في يده ، فأشبه ما لو باع عبداً مغصوباً فأخذه المستحقّ ، فحينئذٍ يرجع المشتري عليه بجميع الثمن (١).

والأوّل أولى. والفرق بينه وبين المغصوب ظاهر ، وهو ثبوت الملك في المتنازع دون صورة النقض. ويبتنى على الوجهين مئونة تجهيزه (٢) من الكفن والدفن وغيرهما. فعلى ما قلناه يكون على المشتري ، وعلى ما قاله الشافعي وأبو حنيفة يكون على البائع (٣).

ولو كان المشتري عالماً بالحال أو تبيّن له بعد الشراء ولم يردّ ، لم يرجع بشي‌ء ، كما في غيره من العيوب.

وعلى قول الشافعي وأبي حنيفة وجهان :

أحدهما : أنّه يرجع بجميع الثمن إتماماً للتشبيه بالاستحقاق.

وأصحّهما عند جمهور الشافعيّة : أنّه لا يرجع بشي‌ء ؛ لدخوله في العقد على بصيرة ، أو إمساكه مع العلم بحاله ، وليس هو كظهور الاستحقاق من كلّ وجه ، ولو كان كذلك ، لم يصحّ بيعه البتّة (٤).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٧.

(٢) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « موته وتجهيزه ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٨ ٢١٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٧.

٨٥

وكذا لو اشترى عبداً وجب عليه القطع بسرقة أو قصاص ، فإنّه يصحّ إجماعاً ، بخلاف صورة الجاني ؛ فإنّ فيه خلافاً ، فإذا قبضه المشتري ثمّ قُطع في يده ، فعلى ما اخترناه إذا كان المشتري جاهلاً ، لم يكن له الردّ ؛ لكون القطع من ضمانه ، بل يرجع بالأرش ، وهو ما بين قيمته مستحَقّاً للقطع وغير مستحقٍّ من الثمن ، وهو أحد قولي الشافعي.

وعلى الثاني : له الردّ واسترجاع جميع الثمن ، كما لو قُطع في يد البائع. ولو تعذّر الردّ بسبب ، فالنظر في الأرش على هذا الوجه إلى التفاوت بين العبد السليم والأقطع (١).

وإن كان المشتري عالماً ، فليس له الردّ ولا الأرش.

مسألة ٢٧٢ : يسقط الردّ والأرش معاً بعلم المشتري بالعيب‌ قبل العقد وكذا بعده بشرط إسقاطهما وتبرّي البائع من العيوب حالة العقد مجملةً أو مفصّلةً مع علمه بالعيب وجهله ويسقط الردّ خاصّة بتصرّف المشتري في السلعة قبل العلم بالعيب أو بعده أو حدوث عيبٍ آخر عند المشتري من جهته أو من غير جهته إذا لم يكن حيواناً في مدّة الخيار ، ويثبت له الأرش في هذه الصور خاصّة. ولو كان العيب الحادث قبل القبض ، لم يمنع الردّ مطلقاً لأنّ علمه بالعيب ورضاه به دليل على انتفاء الغرر ، فيسقط الخيار. وكذا إسقاط حكم العيب بعد العلم به.

وأمّا تبرّي البائع من العيوب فإنّه مسقط للردّ والأرش معاً عند علمائنا أجمع ، سواء كان المبيع حيواناً أو لا ، وسواء علم البائع بالعيب أو لا ، وسواء فصّلها أولا ، وسواء كان العيب باطناً أو لا وبه قال أبو حنيفة‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٨.

٨٦

والشافعي في أحد أقواله (١) لما رواه الجمهور عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « المؤمنون عند شروطهم » (٢).

وعن أُمّ سلمة أنّ رجلين اختصما في مواريث قد درست إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « استهما وتوخّيا وليحلّل أحدكما صاحبه » (٣) وهو يدلّ أنّ البراءة من المجهول جائزة.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام : « المسلمون عند شروطهم إلا كلّ شرط خالف كتاب الله عزّ وجلّ فلا يجوز » (٤).

ولأنّه إسقاط حقٍّ ، فيصحّ في المجهول ، كالطلاق والعتاق. ولأنّ خيار العيب إنّما يثبت لاقتضاء مطلق العقد السلامة ، فإذا صرّح بالبراءة ، فقد ارتفع الإطلاق.

والقول الثاني للشافعي : أنّه لا يبرأ البائع بالتبرّي من كلّ العيوب إلاّ من عيبٍ واحد ، وهو العيب الباطن في الحيوان إذا لم يعلمه ، فأمّا إذا علمه أو كان ظاهراً علمه أو لم يعلمه ، أو كان بغير الحيوان ، فإنّه لا يبرأ منه ـ وبه قال مالك ، وهو الصحيح عندهم لأنّ عبد الله بن عمر باع عبداً من زيد بن‌

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ١٣ : ٩١ ، الهداية للمرغيناني ٣ : ٤١ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٣١ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٤٢ ، ١٢١٥ ، الام ٣ : ٧٠ ، المهذّب للشيرازي ١ : ٢٩٥ ، حلية العلماء ٤ : ٢٨٢ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٧٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٧١ و ٢٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٣ ، المحلّى ٩ : ٤١.

(٢) الحاوي الكبير ٥ : ٢٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٣ ، الذخيرة ٥ : ٢٤ ، المغني ٤ : ٣٨٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٤ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٣) مسند أحمد ٧ : ٤٥١ ، ٢٦١٧٧ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ : ٢٣٣ ٢٣٤ ، ٣٠١٦ ، و ١٤ : ٢٦٩ ، ١٨٣٣٨ ، سنن البيهقي ٦ : ٦٦ ، المغني ٤ : ٢٨٠.

(٤) الفقيه ٣ : ١٢٧ ، ٥٥٣ ، التهذيب ٧ : ٢٢ ، ٩٣.

٨٧

ثابت بشرط البراءة بثمانمائة درهم (١) فأصاب به عيباً فأراد ردّه على ابن عمر فلم يقبله ، فارتفعا إلى عثمان ، فقال عثمان لابن عمر : أتحلف أنّك لم تعلم بهذا العيب؟ فقال : لا قدرة لي عليه ، فردّه عليه ، فباعه ابن عمر بألف درهم ولم ينكر عليه أحد (٢).

وفعْلُ عثمان لا حجّة فيه.

والقول الثالث للشافعي : أنّه لا يبرأ البائع من شي‌ء من العيوب البتّة بالتبرّي ـ وهو إحدى الروايتين عن أحمد لأنّه خيار ثابت بالشرع ، فلا ينتفي بالشرط ، كسائر مقتضيات العقد. ولأنّ البراءة من جملة المرافق فلتكن معلومةً ، كالرهن والكفيل ، والعيوب المطلقة مجهولة (٣).

والكبرى في الأوّل ممنوعة. والفرق بين الرهن والكفيل وبين المتنازع أنّ الحاجة تدعو إليه هنا ، بخلاف الرهن والضمين.

وعن أحمد رواية اخرى : أنّه يبرأ من كلّ عيب لم يعلمه في الحيوان وغيره ، ولا يبرأ من كلّ عيب يعلمه في الحيوان وغيره (٤) ؛ لأنّ كتمان المعلوم تلبيس.

ولبعض الشافعيّة طريقة اخرى عن الشافعي : أنّه يبرأ في الحيوان من‌

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « بمائتي درهم ». وما أثبتناه من بعض المصادر في الهامش التالي.

(٢) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٩٥ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٧٢ و ٢٧٣ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٢٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٢ ١٣٣ ، المدوّنة الكبرى ٤ : ٣٤٩ ، المغني ٤ : ٢٨٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٦٧ ، المحلّى ٩ : ٤١ ٤٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٤٢ ، ١٢١٥.

(٣) الحاوي الكبير ٥ : ٢٧٢ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٢٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٣ ، المغني ٤ : ٢٧٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٦٧.

(٤) المغني ٤ : ٢٨٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٣.

٨٨

غير المعلوم دون المعلوم ، ولا يبرأ في غير الحيوان من المعلوم ، وفي غير المعلوم قولان (١).

وأثبت بعضهم طريقة رابعة ، وهي : ثلاثة أقوال في الحيوان وغيره ، ثالثها : الفرق بين المعلوم وغير المعلوم (٢).

فروع :

أ ـ لو قال : بعتك بشرط أن لا تردّ بالعيب ، جرى فيه هذا الاختلاف.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه فاسد قطعاً يُفسد العقد (٣).

والأقرب : أنّه إن قصد إسقاط الخيار ، لزم البيع.

ب ـ لو عيّن بعض العيوب وشرط البراءة عنه ، صحّ ، وبرئ ممّا عيّنه خاصّة.

وقال الشافعي : إن كان العيب خفيّاً لا يشاهد ، مثل أن يشرط البراءة من الزنا والسرقة والإباق ، برئ منها إجماعاً ؛ لأنّ ذكرها إعلام واطّلاع عليها. وإن كان ممّا يشاهد كالبرص فإن أراه قدره وموضعه ، برئ أيضاً. وإن لم يره ، فهو كشرط البراءة مطلقاً ؛ لتفاوت الأغراض باختلاف قدره وموضعه (٤).

ج ـ ما لا يعرفه البائع ويريد البراءة عنه لو كان ، يصحّ البراءة منه على ما تقدّم.

وللشافعي ما تقدّم من الخلاف في الأقوال.

فعلى البطلان في العقد وجهان للشافعيّة : البطلان ، كسائر الشروط‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٣.

٨٩

الفاسدة. وأظهرهما عندهم : الصحّة ؛ لاشتهار القصّة المذكورة بين الصحابة في قضيّة ابن عمر. ولأنّه شرط يؤكّد العقد ويوافق ظاهر الحال ، وهو السلامة عن العيوب.

وعلى الصحّة فذلك في العيوب الموجودة عند العقد ، أمّا الحادث بعده وقبل القبض فيجوز الردّ به (١).

د ـ لو شرط البراءة عن العيوب الكائنة والتي تحدث ، جاز عندنا ؛ عملاً بعموم « المؤمنون عند شروطهم » (٢).

وللشافعيّة وجهان أصحّهما عندهم : أنّه فاسد (٣).

فإن أفرد ما يستحدث بالشرط ، فهو بالفساد أولى عندهم (٤).

والأولى عندنا : الصحّة.

لا يقال : التبرّي ممّا لم يوجد يستدعي البراءة ممّا لم يجب ، وهو باطل.

لأنّا نقول : التبرّي إنّما هو من الخيار الثابت بمقتضى العقد لا من العيب.

هـ ـ ما مأكوله في جوفه من الجوز والبطّيخ لو تبرّأ من العيوب فيه ، صحّ عندنا ؛ عملاً بالشرط.

وهل يلحق بالحيوان؟ عند الشافعيّة قولان :

أحدهما : نعم ، فيجوز التبرّي من عيوبه الخفيّة الباطنة غير المعلومة.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٣.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٧١ ، ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ ، ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٣.

٩٠

والثاني وهو الأشهر بينهم ـ : لا ، لتبدّل أحوال الحيوان ، فإنّه يغتذي في الصحّة والسقم وتتحوّل (١) طباعه ، فالغالب فيه وجود العيب في باطنه ، فلهذا جوّز التبرّي من عيوبه ، بخلاف البطّيخ ، فإنّ الأكثر فيه السلامة (٢).

و ـ إذا شرط البراءة ، صحّ ، فإن حدث عند البائع فيه عيب قبل القبض ، فإن عمّم التبرّي من العيوب التي يدخل فيها المتجدّد ، صحّ. وإن خصّص بالثابت ، لم يبرأ. وإن أطلق ، فالأقرب : الانصراف إلى الثابت حالة العقد ، وبه قال الشافعي (٣).

وكذا لو عمّم ، لم يدخل عنده ؛ لأنّه إسقاط للحقّ قبل ثبوته ، وإبراء ممّا لا يجب عليه.

وقال أبو يوسف : يبرأ منه ؛ لأنّ الشرط أسقط ذلك ، وقد وُجد في حال سبب وجوب الحقّ ، فصار كما لو وُجد بعد ثبوته (٤).

ز ـ ينبغي للبائع إعلام المشتري بالعيب إذا أراد التبرّي ، أو ذكر العيوب مفصّلةً والتبرّي منها ؛ لأنّه أبعد من الغشّ ، فإن أجمل البراءة من كلّ عيب ، صحّ ، ولزم على ما تقدّم.

مسألة ٢٧٣ : تصرّف المشتري كيف كان يُسقط الردّ بالعيب السابق‌ عند علمائنا ـ وبه قال أبو حنيفة (٥) لأنّ تصرّفه فيه رضا منه به على الإطلاق ، ولو لا ذلك كان ينبغي له الصبر والثبات حتى يعلم حال صحّته وعدمها.

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « فتتحوّل ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٣.

(٣) انظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٤٤ ، وروضة الطالبين ٣ : ١٣٣.

(٤) الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٣١.

(٥) بدائع الصنائع ٥ : ٢٧٠ ، الشرح الكبير ٤ : ١٠٣.

٩١

ولقول الباقر عليه‌السلام : « أيّما رجل اشترى شيئاً وبه عيب أو عوار لم يتبرّأ إليه ولم يبرأ فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئاً وعلم بذلك العوار وبذلك العيب أنّه يمضي عليه البيع ، ويردّ عليه بقدر ما ينقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك لو لم يكن به » (١).

وقال الصادق عليه‌السلام : « أيّما رجل اشترى جارية فوقع عليها فوجد بها عيباً لم يردّها ، وردّ البائع عليه قيمة العيب » (٢).

وقال الشافعي : لا يسقط الردّ ؛ للأصل (٣). وليس بشي‌ء.

إذا ثبت هذا ، فإنّ الأرش لا يسقط بتصرّف المشتري ، سواء تصرّف قبل العلم بالعيب أو بعده ، وليس تصرّفه فيه مؤذناً برضاه به مجّاناً. نعم ، يدلّ على رضاه بترك الردّ ، ولما تقدّم من الأحاديث.

مسألة ٢٧٤ : إذا اشترى أمةً ثيّباً فوطئها قبل العلم بالعيب ثمّ علم به ، لم يكن له الردّ ، بل الأرش خاصّة وبه قال عليّ عليه‌السلام والزهري والثوري وأبو حنيفة (٤) لما تقدّم.

ولقول الصادق عليه‌السلام في رجل اشترى جاريةً فوقع عليها ، قال : « إن وجد بها عيباً فليس له أن يردّها ولكن [ يردّ ] (٥) عليه بقدر ما نقّصها العيب » قال : قلت : هذا قول عليّ عليه‌السلام؟ قال : « نعم » (٦).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٠٧ ، ٣ ، التهذيب ٧ : ٦٠ ، ٢٥٧.

(٢) التهذيب ٧ : ٦٠ ، ٢٦٠.

(٣) الحاوي الكبير ٥ : ٢٦١.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٧٦ ، المغني ٤ : ٢٥٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٩٨ ، المحلّى ٩ : ٧٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٤٦ ، المبسوط للسرخسي ١٣ : ٩٥ ، بداية المجتهد ٢ : ١٨٢.

(٥) أضفناها من المصدر.

(٦) الكافي ٥ : ٢١٤ ٢١٥ ، ٥ ، التهذيب ٧ : ٦١ ، ٢٦٢.

٩٢

ولأنّ الوطء يجري مجرى الجناية ؛ لأنّه لا يخلو في ملك الغير من عقوبة أو مال ، فوجب أن يمنع الردّ ، كما لو كانت بكراً.

وقال الشافعي : يردّها ولا يردّ معها شيئاً وبه قال مالك وأبو ثور وعثمان البتّي وأحمد في إحدى الروايتين ، ورواه أبو علي الطبري عن زيد ابن ثابت لأنّه معنى لا ينقص من عينها ولا من قيمتها ، ولا يتضمّن الرضا بالعيب ، فلا يمنع الردّ ، كوطي الزوج ، والخدمة (١).

والجواب : المنع من ثبوت الحكم في الأصل ومن عدم النقص في القيمة.

وقال ابن أبي ليلى : يردّها ويردّ معها مهر مثلها وهو مرويّ عن عمر لأنّه إذا فسخ العقد صار واطئاً في ملك البائع ، فلزمه المهر (٢).

وهو باطل ؛ لأنّ الردّ بالعيب فسخ للعقد في الحال ، ولهذا لا يجب ردّ النماء ولا يبطل الشفعة ، فيكون وطؤه قد صادف ملكه ، فلا ضمان.

مسألة ٢٧٥ : ولو كانت الأمة بكراً فافتضّها ، لم يكن له ردّها بالعيب السابق ، ويثبت له الأرش ، وبه قال الشافعي أيضاً وأبو حنيفة (٣).

أمّا عندنا : فلما مرّ من أنّ التصرّف يمنع الردّ.

وأمّا عند الشافعي : فلأنّ البكارة قد ذهبت ، وذلك نقصان من عينها ،

__________________

(١) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٩٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٠ ، المغني ٤ : ٢٥٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٩٨ ، المحلّى ٩ : ٧٧ ، المبسوط للسرخسي ١٣ : ٩٥ ، بداية المجتهد ٢ : ١٨٢.

(٢) الحاوي الكبير ٥ : ٢٤٦ ، المغني ٤ : ٢٥٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٩٨.

(٣) مختصر المزني : ٨٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٠ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٩٥ ، المغني ٤ : ٢٦٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٩٩.

٩٣

كما لو اشترى عبداً فخصاه ثمّ وجد به عيباً ، فإنّه لا يردّه وإن زادت قيمته بذلك لنقصان عينه. وكذا لو اشترى ذا إصبع زائدة فقطعها (١).

وقال مالك : يردّها ويردّ أرش البكارة. وهو إحدى الروايتين عن أحمد (٢) ، بناءً على أنّ العيب لا يمنع من الردّ.

مسألة ٢٧٦ : قد بيّنّا أنّ التصرّف من المشتري يمنع من الردّ بالعيب السابق مطلقاً ، إلاّ في صورتين :

إحداهما : وطؤ المشتري الجارية الحامل قبل البيع ، فإنّه يردّها ويردّ معها نصف عُشْر قيمتها ، فلو تصرّف في الحامل بالاستخدام وغيره من العقود الناقلة وغيرها بدون الوطي أو معه ، لم يكن له الردّ ، وكان له الأرش.

ولو وطئ وكان العيب غير الحبل السابق (٣) ، لم يكن له الردّ أيضاً ، بل كان له الأرش ، فالضابط اختصاص العيب بالحبل أو (٤) التصرّف بالوطي ؛ لأنّ ابن سنان سأل الصادقَ عليه‌السلام عن رجل اشترى جاريةً ولم يعلم بحبلها فوطئها ، قال : « يردّها على الذي ابتاعها منه ، ويردّ عليه نصف عُشْر قيمتها لنكاحه إيّاها وقد قال عليّ عليه‌السلام : لا تردّ التي ليست بحبلى إذا وطئها صاحبها ، ويوضع عنه من ثمنها بقدر عيب إن كان فيها » (٥).

فروع :

أ ـ نصف العُشْر يجب لو كانت ثيّباً ، أمّا لو حملت البكر من السحق‌

__________________

(١) انظر : الحاوي الكبير ٥ : ٢٤٧ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٧٧ ، والمغني ٤ : ٢٦٠ ، والشرح الكبير ٤ : ٩٩.

(٢) المغني ٤ : ٢٦٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٩٩.

(٣) كلمة « السابق » لم ترد في « ق ، ك‍ ».

(٤) في « ق ، ك‍ » : « و» بدل « أو ».

(٥) الكافي ٥ : ٢١٤ ، ٢ ، التهذيب ٧ : ٦١ ٦٢ ، ٢٦٦.

٩٤

ثمّ اشتراها ووطئها بكراً ثمّ ظهر سبق الحبل (١) على البيع ، فإنّه يردّها أيضاً. والأقرب : أنّه يردّ معها عُشْر قيمتها ؛ لأنّ الشارع قد ضبط أرش البكارة بنصف العُشْر. وعليه تُحمل الرواية عن عبد الملك بن عمرو عن الصادق عليه‌السلام في الرجل يشتري الجارية وهي حبلى فيطؤها ، قال : « يردّها ويردّ عُشْر ثمنها إذا كانت حبلى » (٢).

ويحتمل نصف العُشْر ؛ لعموم الأحاديث الشاملة للثيّب والبكر.

ويحتمل عدم الردّ ؛ لفوات جزء من العين وهو البكارة ، وتعيّب الجارية بذهاب العذرة ، وليس ذلك عيب الحبل (٣).

ب ـ لا فرق بين الوطي في القُبُل والدُّبُر ، فإنّ له الردّ فيهما ، ويردّ معها نصف العُشْر ؛ لأنّ الوطء في الدُّبر مساوٍ له في القُبُل في إيجاب جميع المهر.

ج ـ لو وطئ البكر في الدُّبُر ووجدها حاملاً ، كان له الردّ هنا قطعاً ؛ لعدم الجناية بغير الوطي ، ويردّ هنا نصف العُشْر ؛ لسلامة البكارة.

الصورة الثانية : الشاة المصرّاة ، فإذا اشترى شاةً وحلبها ثمّ وجدها مصرّاةً ، كان له الردّ بعد ثلاثة أيّام وحلب اللبن منها ، فلو كان العيب غير التصرية أو كان التصرّف بغير الحلب ، سقط الردّ ، ولا أرش ؛ لأنّه ليس عيباً.

مسألة ٢٧٧ : التصرية هي جمع اللبن في الضرع ، مشتقّة من الصري ، وهو الجمع ، يقال : صري الماء في الحوض. وكذا قوله عليه‌السلام : « من ابتاع محفَّلةً » (٤) وهي أيضاً من الجمع ، ولهذا سُمّي اجتماع الناس محافل.

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « الحمل » بدل « الحبل ».

(٢) التهذيب ٧ : ٦٢ ، ٢٦٨ ، الاستبصار ٣ : ٨١ ، ٢٧٤.

(٣) قوله : « ويحتمل عدم الردّ .. عيب الحمل » لم يرد في « ق ».

(٤) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٧١ ، ٣٤٤٦ ، سنن النسائي ٧ : ٢٥٤ ، مسند أحمد ٢ : ٤٩٠ ، ٧٣٣٣.

٩٥

فإذا جمع الرجل اللبن في الضرع ليبيعها ويدلّس بذلك كثرة لبنها ، لم يجز ؛ لأنّه غشّ ، فإذا باعها (١) مصرّاةً ثمّ ظهر المشتري على تصريتها ، ثبت له الخيار بين الردّ والإمساك وبه قال عبد الله بن مسعود وابن عمر وأبو هريرة وأنس والشافعي ومالك والليث وابن أبي ليلى وأحمد وإسحاق وأبو يوسف وزفر (٢) لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « لا تصرّوا الإبل والغنم للبيع ، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها ، إن رضيها أمسكها ، وإن سخطها ردّها وصاعاً من تمر » (٣).

وقال أبو حنيفة : لا يثبت بذلك خيار ؛ لأنّ نقصان اللبن ليس بعيب ، ولهذا لو وجدها ناقصة اللبن عن أمثالها ، لم يثبت الخيار له ، والتدليس [ بما ليس ] (٤) بعيب لا يثبت الخيار ، كما لو علفها حتى انتفخ جوفها فظنّها المشتري حاملاً (٥).

ويبطل بالخبر ، وأنّه تدليس بما يختلف الثمن لاختلافه ، فوجب به‌

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « باع » بدل « باعها ».

(٢) المغني ٤ : ٢٥٢ ٢٥٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٨٩ ، المحلّى ٩ : ٦٦ ٦٧ ، المهذّب ـ للشيرازي ١ : ٢٨٩ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٩٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٣٦ ، حلية العلماء ٤ : ٢٢٦ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٩ ، بداية المجتهد ٢ : ١٧٥ ، الاستذكار ٢١ : ٨٦ ، ٣٠٥٥٩ ٣٠٥٦١ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٥٩ ، ١١٣٩.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ٩٢ ٩٣ ، صحيح مسلم ٣ : ١١٥٥ ، ١١ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٧٠ ، ٣٤٤٣ ، سنن البيهقي ٥ : ٣١٨.

(٤) أضفناها لأجل السياق من المغني والشرح الكبير.

(٥) المغني ٤ : ٢٥٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٨٩ ، حلية العلماء ٤ : ٢٢٦ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٢١ ٤٢٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٣٦ ٢٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٢٩ ، بداية المجتهد ٢ : ١٧٥.

٩٦

الردّ ، كما لو كانت شمْطاء (١) فسوّد شعرها. وما ذكره يبطل أيضاً ببياض الشعر ، فإنّه ليس بعيب ككبر السن إذا دلّس بتسويده. وانتفاخ البطن لا ينحصر في الحبل ، فقد يكون لكثرة الأكل والشرب ، فلا معنى لحملة على الحمل.

إذا ثبت هذا ، فإنّ التصرية تدليس يوجب الخيار عندنا ، وليست عيباً. وقال الشافعي : إنّها عيب (٢). ومنعهما معاً أبو حنيفة (٣).

مسألة ٢٧٨ : وتختبر التصرية بثلاثة أيّام ، ويمتدّ الخيار بامتدادها كما في الحيوانات ؛ للخبر (٤) ؛ لأنّ الشارع وضع هذه الثلاثة لمعرفة التصرية ، فإنّه لا يعرف ذلك قبل مضيّها ؛ لجواز استناد كثرة اللبن إلى الأمكنة ، فإنّها تتغيّر ، أو إلى اختلاف العلف ، فإذا مضت ثلاثة أيّام ، ظهر ذلك ، ويثبت له الخيار حينئذٍ على الفور.

ولا يثبت الخيار بالتصرية قبل انقضائها ؛ لعدم العلم بالتصرية وإن ثبت خيار الحيوان ، وهو قول أبي إسحاق (٥) من الشافعيّة.

وقال أبو علي بن أبي هريرة منهم : مدّة الثلاثة المذكورة في الخبر إنّما تثبت بشرطه (٦) ، ولا تثبت بالتصرية ، فإذا استبان ، ثبت له الخيار‌

__________________

(١) الشمط : بياض شعر الرأس يخالط سواده. والمرأة : شمطاء. الصحاح ٣ : ١١٣٨ « شمط ».

(٢) الامّ ٣ : ٦٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٣٧ ، بداية المجتهد ٢ : ١٧٥.

(٣) انظر : المصادر في الهامش (١).

(٤) صحيح مسلم ٣ : ١١٥٨ ، ٢٤ و ٢٥ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٧٠ ، ٣٤٤٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٥٣ ٥٥٤ ، ١٢٥٢ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٢٠ ، سنن الدارقطني ٣ : ٧٤ ، ٢٧٩ ، مسند أحمد ٣ : ٣٠٤ ، ١٠٢٠٨.

(٥) حلية العلماء ٤ : ٢٢٦ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٤٠.

(٦) أي : بشرط الخيار.

٩٧

على الفور (١).

ومنهم مَنْ قال : إذا وقف على التصرية فيما دون الثلاثة ، ثبت له الخيار فيها إلى تمامها (٢). كما اخترناه نحن ، وذكر القاضي أبو حامد في جامعه أنّ الشافعي نصّ عليه في اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى (٣).

فروع :

أ ـ لو عرف التصرية قبل ثلاثة أيّام بإقرار البائع أو بشهادة الشهود ، ثبت له الخيار إلى تمام الثلاثة أيّام ؛ لأنّه كغيره من الحيوان. أمّا لو أسقط خيار الحيوان ، فإنّ خيار التصرية لا يسقط.

وهل يمتدّ إلى الثلاثة ، أو يكون على الفور؟ إشكال. وللشافعيّة وجهان (٤).

ب ـ ابتداء هذه الثلاثة من حين العقد لا من حين التفرّق ، كما قلنا في خيار المجلس. وللشافعيّة وجهان (٥).

ج ـ لو عرف التصرية في آخر الثلاثة أو بعدها ، فالأقرب‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٣٠.

(٢) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٨٩ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٢٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٤٠.

(٣) انظر : الخلاف للطوسي ٣ : ١٠٣ ، المسألة ١٦٨ ، والمغني ٤ : ٢٥٥ ، والشرح الكبير ٤ : ٩٤.

(٤) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٩.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٠.

٩٨

ثبوت الخيار ؛ لأنّه عيب سابق. والتنصيص على الثلاثة بناء على الغالب ، وهو قول بعض الشافعيّة القائلين بامتداد الخيار إلى ثلاثة ؛ لامتناع مجاوزة الثلاثة كما في خيار الشرط. وعلى القول الثاني يثبت على الفور (١).

د ـ لو علم أنّها مصرّاة فاشتراها كذلك ، فلا خيار له ؛ لإقدامه على العيب ، وانتفاء التدليس في طرفه ، فلا وجه لثبوت الخيار له ، كما في غيرها من العيوب ، وهو أحد قولي الشافعيّة.

والثاني : يثبت له الخيار ؛ لظاهر الخبر (٢). ولأنّ انقطاع اللبن لم يوجد وقد يبقى على حاله فلم يجعل ذلك رضا به ، كما إذا تزوّجت بعنّين ثمّ طالبت بالفسخ ، ثبت ؛ لجواز أن لا يكون عنّيناً عليها (٣).

وليس بشي‌ء ، والأصل ممنوع.

مسألة ٢٧٩ : وتثبت التصرية في الشاة إجماعاً ، والأقرب : ثبوتها في البقرة والناقة وبه قال الشافعي وغيره (٤) ممّن أثبت الخيار ، إلاّ داوُد (٥) ‌ـ

__________________

(١) الحاوي الكبير ٥ : ٢٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٠.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٩٧ ، الهامش (٥).

(٣) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٢٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٤٠ ٢٤١ ، حلية العلماء ٤ : ٢٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٠ ، المغني ٤ : ٢٥٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٩٠.

(٤) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٨٩ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٢١ و ٤٢٨ ، حلية العلماء ٤ : ٢٢٥ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٩ ، المغني ٤ : ٢٥٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٩٢.

(٥) حلية العلماء ٤ : ٢٢٦ ، المغني ٤ : ٢٥٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٩٢.

٩٩

لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « لا تصرّوا الإبل والغنم » (١) وفي روايةٍ : « مَنْ باع مُحفّلةً » (٢) ولم يفصّل. ولأنّه تدليس بتصرية ، فأشبه الإبل والغنم.

وقال داوُد : تثبت التصرية في الشاة والناقة ، دون البقرة ؛ لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « لا تصرّوا الإبل والغنم » (٣) ولم يذكر البقرة (٤).

وينتقض بالخبر الآخر (٥) ، وعدم الذكر لا يدلّ على العدم خصوصاً والبقر لبنها أغزر وأكثر نفعاً من الإبل والغنم ، فالخبر يدلّ عليها بالتنبيه.

مسألة ٢٨٠ : ولا تثبت التصرية في غير الثلاثة المذكورة‌ في الخبر : الإبل والبقر والغنم عند علمائنا ؛ لأصالة لزوم البيع. ولأنّ لبن ما عداها غير مقصود ، وهو أحد وجهي الشافعيّة ، والثاني لهم : أنّه غير مختصّ بالأنعام ، بل هو ثابت في جميع الحيوانات المأكولة (٦).

ولو اشترى أتاناً فوجدها مصرّاة ، فلا خيار له ؛ لأنّه ليس عيباً ، ولا يُعدّ تدليساً ؛ إذ المقصود لذاته ظَهْرها ، ولا مبالاة بلبنها ، وهو أضعف وجهي الشافعيّة.

__________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ٩٢ ، صحيح مسلم ٣ : ١١٥٥ ، ١١ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٧٠ ، ٣٤٤٣ ، سنن النسائي ٧ : ٢٥٣ ، سنن الدارقطني ٣ : ٧٥ ، ٢٨٣ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٢٠ ٣٢١ ، مسند أحمد ٣ : ١٣١ ، ٩٠٥٥ ، المعجم الكبير للطبراني ١٢ : ٤١٩ ، ١٣٥٤٥.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٥٣ ، ٢٢٤٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٣١٩.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ٩٢ ، صحيح مسلم ٣ : ١١٥٥ ، ١١ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٧٠ ، ٣٤٤٣ ، سنن النسائي ٧ : ٢٥٣ ، سنن الدارقطني ٣ : ٧٥ ، ٢٨٣ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٢٠ ٣٢١ ، مسند أحمد ٣ : ١٣١ ، ٩٠٥٥ ، المعجم الكبير للطبراني ١٢ : ٤١٩ ، ١٣٥٤٥.

(٤) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٩٩ ، الهامش (٦).

(٥) وهو قوله عليه‌السلام : « مَنْ باع محفّلةً » المتقدّم آنفاً.

(٦) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٢٨ ، منهاج الطالبين : ١٠٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٤١ ٢٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣١.

١٠٠