تذكرة الفقهاء - ج ١١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: ٤٢٩

القيمة للبائع ، وادّى الثمن. والثاني (١) : القطع بالقول الأوّل ، فإن لم نحكم بالانفساخ ، عاد الخلاف في حبس القيمة (٢).

وقطع بعضهم بأنّه لا حبس هنا ؛ لتعدّيه بإتلاف العين (٣).

وإن باع شقصاً من عبد وأعتق باقيه قبل القبض وهو موسر ، عتق كلّه ، وانفسخ البيع ، وسقط الثمن إن جعلنا إتلاف البائع كالآفة السماويّة. وإن جعلناه كإتلاف الأجنبيّ ، فللمشتري الخيار.

وإتلاف الصبي الذي لا يميّز بأمر البائع أو المشتري كإتلافهما ، وإتلاف المميّز بأمرهما كإتلاف الأجنبيّ.

وقال بعض الشافعيّة : إذن المشتري للأجنبيّ في الإتلاف لغو. وإذا أتلف ، فله الخيار ، ويلزمه لو أذن البائع في الأكل والإحراق ففعل ، كان التلف من ضمان البائع ، بخلاف ما إذا أذن للغاصب (٤) ففعل ، يبرأ ؛ لأنّ الملك مستقيم (٥).

وقال بعض الشافعيّة : إتلاف عبد البائع كإتلاف الأجنبيّ ، وكذا إتلاف عبد المشتري بغير إذنه ، فإن اختار ، جعل قابضاً ، كما لو أتلفه بنفسه. وإن فسخ ، اتّبع البائعُ الجاني. ولو كان المبيع علفاً فاعتلفه حمار المشتري بالنهار ، ينفسخ البيع. وإن اعتلفه بالليل ، لا ينفسخ ، وللمشتري الخيار ، فإن أجاز ، فهو قابض ، وإلاّ طالَبه البائع بقيمة ما أتلف حماره. وأطلق القول بأنّ‌

__________________

(١) أي الطريق الثاني. والطريق الأوّل على قولين مضيا آنفاً.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٢.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « الغاصب ». وما أثبتناه من المصدر.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٢ ١٦٣ ، وفيهما : « لأنّ الملك ثَمَّ هناك مستقرّ ».

٣٨١

بهيمة البائع إتلافها كالآفة السماويّة (١).

ولو صال العبد المبيع على المشتري في يد البائع فقَتَله دفعاً ، قال بعض الشافعيّة : لا يستقرّ الثمن عليه (٢).

وقال بعضهم : إنّه يستقرّ ؛ لأنّه أتلفه في غرض نفسه (٣).

والأوّل عندي أصحّ.

مسألة ٥٣٦ : لو أخذ المشتري المبيع بغير إذن البائع ، فللبائع الاسترداد‌ إذا ثبت له حقّ الحبس. وإن أتلفه في يد المشتري ، فعليه القيمة ، ولا خيار للمشتري ؛ لاستقرار العقد بالقبض وإن كان ظالماً فيه ، قاله بعض الشافعيّة (٤).

وقال بعضهم : إنّه يجعل مستردّاً بالإتلاف ، كما أنّ المشتري قابض بالإتلاف ، وعلى هذا فينفسخ البيع أو يثبت الخيار للمشتري (٥).

والأخير عندي أقوى.

ووقوع الدرّة في البحر قبل القبض كالتلف ينفسخ به البيع ، وكذا انفلات الطير والصيد المتوحّش.

ولو غرّق البحرُ الأرضَ المبيعة أو وقع عليها صخور عظيمة من جبلٍ أو كبسها رمل ، فهي بمثابة التلف أو يثبت به الخيار؟ للشافعيّة وجهان (٦) ، أقربهما : الثاني.

ولو أبق العبد قبل القبض أو ضاع في انتهاب العسكر ، لم ينفسخ البيع ؛ لبقاء الماليّة ، ورجاء العود.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٣.

(٦) التهذيب للبغوي ٣ : ٣٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٠ ٢٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٣.

٣٨٢

وفيه للشافعيّة وجه : أنّه ينفسخ كما في التلف (١).

مسألة ٥٣٧ : لو غصب المبيعَ غاصبٌ ، فليس للمشتري إلاّ الخيار ، فإن اختار ، لم يلزمه تسليم الثمن.

وإن سلّمه ، قال بعض الشافعيّة : ليس له الاسترداد ؛ لتمكّنه من الفسخ (٢).

وإن أجاز ثمّ أراد الفسخ ، فله ذلك ، كما لو انقطع المُسْلَم فيه فأجاز ثمّ أراد الفسخ ؛ لأنّه يتضرّر كلّ ساعة.

وكذا لو أتلف الأجنبيّ المبيع قبل القبض وأجاز المشتري ليتبع الجاني ثمّ أراد الفسخ.

وقال بعضهم في هذه الصورة : وجب أن لا يمكّن من الرجوع ؛ لأنّه رضي بما في ذمّة الأجنبيّ ، فأشبه الحوالة (٣).

ولو جحد البائع العين قبل القبض ، فللمشتري الفسخ ؛ لحصول التعذّر.

مسألة ٥٣٨ : لو باع عبداً من رجل ثمّ باعه من آخر وسلّمه إليه وعجز عن انتزاعه وتسليمه إلى الأوّل ، فهذا جناية‌ منه على المبيع فينزل منزلة الجناية الحسّيّة حتى ينفسخ البيع في قولٍ للشافعيّة ، ويثبت للمشتري الخيار في الثاني (٤) بين أن يفسخ وبين أن يأخذ القيمة من البائع (٥).

__________________

(١) التهذيب للبغوي ٣ : ٣٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٣.

(٢) التهذيب للبغوي ٣ : ٣٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٤.

(٤) أي القول الثاني للشافعيّة.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٤.

٣٨٣

والثاني عندي أقوى.

ولو طالَب البائع بالتسليم وزعم قدرته عليه وقال البائع : أنا عاجز ، حلف عليه ، فإن نكل ، حلف المدّعى على أنّه قادر ، وحبس إلى أن يسلّم أو يقيم بيّنةً على عجزه.

ولو ادّعى المشتري الأوّل على الثاني العلمَ بالحال فأنكر ، حلّفه ، فإن نكل ، حلف هو وأخذه منه.

مسألة ٥٣٩ : لو تعيّب المبيع بآفة سماويّة قبل القبض كعمى العبد وشلل يده أو سقوطها ، تخيّر المشتري بين الفسخ والإجازة‌ بجميع الثمن عند بعض علمائنا وبه قال الشافعي (١) وبالأرش عندنا ، وقد تقدّم (٢).

مسألة ٥٤٠ : قد بيّنّا حكم البيع قبل القبض وما فيه من الخلاف.

وفي العتق للشافعي قولان ، أصحّهما : النفوذ (٣). وهو الحقّ عندي.

هذا إذا لم يكن للبائع حقّ الحبس ، كما إذا كان الثمن مؤجّلاً أو حالاّ وقد أدّاه المشتري ، أمّا إذا ثبت له حقّ الحبس ، فالأقوى عندي : النفوذ أيضاً.

وللشافعيّة قولان ، أحدهما هذا. والثاني : أنّه كإعتاق الراهن (٤).

وهو ممنوع ؛ لأنّ الراهن حجر على نفسه بالرهن ، والرهن جعل ليحبسه المرتهن.

وأمّا الوقف فيجوز للمشتري وقفه قبل القبض ؛ لما تقدّم.

__________________

(١) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٤.

(٢) في ج ١٠ ص ١١٧ ، ضمن المسألة ٦٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٤ ٢٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٧ ، المجموع ٩ : ٢٦٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٧ ، المجموع ٩ : ٢٦٤.

٣٨٤

والشافعي بناه على أنّ الوقف هل يفتقر إلى القبول؟ إن قلنا : نعم ، فهو كالبيع. وإن قلنا : لا ، فهو كالإعتاق (١).

وكذا في إباحة الطعام للفقراء والمساكين إذا كان قد اشتراه جزافاً.

والكتابة كالبيع في أصحّ وجهي الشافعيّة ؛ إذ ليس لها قوّة العتق (٢).

والاستيلاد كالعتق.

وأمّا هبة المبيع قبل قبضه ، ورهنه فإنّهما صحيحان عندنا.

وللشافعي قولان ، هذا أحدهما ؛ لأنّ التسليم غير لازم فيهما ، بخلاف البيع. وأصحّهما عندهم : المنع ؛ لضعف الملك ، فإنّه كما يمنع البيع يمنع الهبة ، ولهذا لا يصحّ رهن المكاتب وهبته ، كما لا يصحّ بيعه (٣).

وقطع بعضهم بمنع الرهن إذا كان محبوساً بالثمن (٤).

وعلى تقدير صحّتهما فليس العقد قبضاً ، بل يقبضه المشتري من البائع ثمّ يسلّمه من المتّهب أو المرتهن (٥).

ولو أذن للمتّهب أو المرتهن حتى قبضه ، قال بعض الشافعيّة : يكفي ذلك ، ويتمّ به البيع والهبة أو الرهن بعده (٦).

وقال آخرون : [ لا ] (٧) يكفي ذلك للبيع وما بعده ، ولكن ينظر إن قصد قبضه للمشتري ، صحّ قبض البيع ، ولا بُدَّ من استئناف قبض الهبة (٨) ،

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٧ ، المجموع ٩ : ٢٦٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٧ ، المجموع ٩ : ٢٦٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٧ ، المجموع ٩ : ٢٦٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٥.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٧ ، المجموع ٩ : ٢٦٥.

(٦) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٧ ، المجموع ٩ : ٢٦٥.

(٧) ما بين المعقوفين من المصادر.

(٨) في المصادر : « للبهة » بدل « الهبة ».

٣٨٥

ولا يجوز له أن يأذن في قبضه من نفسه لنفسه. وإن قصد قبضه لنفسه ، لم يحصل القبض للبيع ولا للهبة ، فإنّ قبضها يجب أن يتأخّر عن تمام البيع (١).

والإقراض والتصدّق كالهبة والرهن ، ففيهما خلاف عند الشافعي (٢).

والأقوى عندي : النفوذ.

وأمّا تزويج الأمة قبل القبض فإنّه جائز عندنا ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة (٣).

وبعضهم فرّق فأبدى قولاً ثالثاً ، وهو أن يقال : إمّا أن يكون للبائع حقّ الحبس فلا يصحّ التزويج ؛ لأنّه منقص ، وإمّا أن لا يكون فيصحّ (٤).

وطرّد بعضهم التفصيل في الإجارة ، فإن كانت منقصةً ، لم تصح ، وإلاّ صحّت (٥).

ولو باع من البائع ، فللشافعيّة وجهان (٦) سبقا.

ولو وهب منه أو رهن فطريقان : أحدهما : القطع بالمنع ؛ لأنّه لا يجوز أن يكون نائباً عن المشتري في القبض. وأصحّهما عندهم : أنّه على القولين. فإن جوّزنا فإذا أذن له في القبض أو الرهن ففَعَل ، أجزأ ، ولا يزول ضمان البيع في صورة الرهن ، بل إذا تلف ينفسخ العقد (٧).

ولو رهنه من البائع بالثمن ، جاز عندنا.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٧ ، المجموع ٩ : ٢٦٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٧ ، المجموع ٩ : ٢٦٥.

(٣) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٨ ، المجموع ٩ : ٢٦٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٨ ، المجموع ٩ : ٢٦٥.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٨ ، المجموع ٩ : ٢٦٥.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٨.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٨.

٣٨٦

تذنيب : لو باع عبداً بثوب وقبض الثوب ولم يسلّم العبد ، له بيع الثوب وللآخر بيع العبد عندنا.

ومَنْ مَنَع من البيع قبل القبض مَنَع من بيع العبد.

فلو باع الثوب وهلك العبد في يده ، بطل العقد في العبد ، ولا يبطل في الثوب ، ويغرم قيمته لبائعه.

ولا فرق بين أن يكون هلاك العبد بعد تسليم الثوب أو قبله ؛ لخروجه عن ملكه بالبيع.

ولو تلف العبد والثوب في يده ، غرم لبائع الثوب القيمة ، و [ ردّ (١) ] على مشتريه الثمن.

مسألة ٥٤١ : قد بيّنّا أنّ المنتقل بغير البيع يجوز بيعه قبل قبضه ، فلو اشترى من مورّثه شيئاً ومات المورّث قبل التسليم ، فله بيعه ، سواء كان على المورّث دَيْن أو لم يكن. وحقّ الغريم يتعلّق بالثمن.

وإن كان له وارث آخر ، لم ينفذ بيعه في قدر نصيب الآخر حتى يقبضه عند المانعين (٢).

ويجوز بيع المال في يد المستعير والمستام ، وفي يد المشتري والمتّهب في البيع والهبة الفاسدين ، وكذا بيع المغصوب من الغاصب.

والأرزاق من السلطان لا تُملك إلاّ بالقبض ، فليس له بيعها قبل قبضها ، خلافاً للشافعي ؛ فإنّه جوّزه ، فبعض أصحابه قال : هذا إذا أفرزه السلطان ، فتكون يد السلطان في الحفظ يد المفرز له ، ويكفي ذلك لصحّة البيع. ومنهم مَنْ لم يكتف بذلك ، وحَمَل قوله على ما إذا وكّل وكيلاً‌

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٩.

٣٨٧

يقبضه فقبضه الوكيل ثمّ باعه الموكّل ، وإلاّ فهو بيع شي‌ء غير مملوك (١).

ولو وهب الأجنبيّ شيئاً ثمّ رجع ، كان له بيعه قبل استرداده.

والشفيع إذا تملّك الشقص بالشفعة ، له بيعه قبل القبض ، وبه قال بعض الشافعيّة (٢).

وقال بعضهم : ليس له ذلك ؛ لأنّ الأخذ بالشفعة معاوضة (٣).

وللموقوف عليه أن يبيع الثمرة الخارجة من الشجرة الموقوفة قبل أخذها.

ولو استأجر صبّاغاً لصَبْغ ثوبٍ وسلّمه إليه ، كان للمالك بيعه قبل الصبغ.

وقال الشافعي : ليس له بيعه ما لم يصبغ ؛ لأنّ له أن يحبسه إلى أن يعمل ما يستحقّ به العوض ، وإذا صبغه ، فله بيعه قبل الاسترداد إن وفّى الأُجرة ، وإلاّ فلا ؛ لأنّه يستحقّ حبسه إلى استيفاء الأُجرة (٤).

ولو استأجر قصّاراً لقصارة الثوب وسلّمه إليه ، جاز له بيعه قبل القصر.

ومَنَع الشافعي من بيعه ما لم يقصر. وإذا قصر فمبنيّ عنده على أنّ القصارة عين فتكون كمسألة الصبغ ، أو أثر فله البيع ؛ إذ ليس للقصّار الحبس (٥).

__________________

(١) التهذيب للبغوي ٣ : ٤١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٨ ٢٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٠ ، المجموع ٩ : ٢٦٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٠ ١٧١ ، المجموع ٩ : ٢٦٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧١ ، المجموع ٩ : ٢٦٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧١ ، المجموع ٩ : ٢٦٨.

(٥) التهذيب للبغوي ٣ : ٤١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧١ ، المجموع ٩ : ٢٦٨.

٣٨٨

وكذا صياغة الذهب ورياضة الدابّة ونسج الغزل.

وإذا قاسم شريكه فباع ما صار إليه قبل القبض من الشريك ، صحّ البيع.

وقال الشافعي : يبنى على أنّ القسمة بيع أو إفراز؟ (١).

ولو أثبت صيداً في احبولةٍ أو سمكة في شبكةٍ (٢) ، فله بيعه وإن لم يأخذه.

مسألة ٥٤٢ : تصرّف المشتري في زوائد المبيع قبل القبض كالولد والثمرة ـ جائز‌ عندنا.

وقال الشافعي : يبنى على أنّها تعود إلى البائع لو عرض انفساخ ، أو لا تعود؟ إن عادت ، لم يتصرّف فيها كما في الأصل ، وإلاّ كان له التصرّف (٣).

ولو كانت الجارية حبلى عند البائع وولدت قبل القبض ، كان له التصرّف في الولد.

وقال الشافعي : إن قلنا : الحمل يقابله قسط من الثمن ، لم يتصرّف فيه ، وإلاّ فهو كالولد الحادث بعد البيع (٤).

مسألة ٥٤٣ : لو باع متاعاً بنقدٍ معيّن مشخّص من ذهب أو فضّة ، جاز للبائع التصرّف فيهما قبل القبض.

وقال الشافعي : ليس للبائع التصرّف فيهما قبل القبض ؛ لأنّ الدراهم‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧١ ، المجموع ٩ : ٢٦٨.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « شبكته ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧١ ، المجموع ٩ : ٢٦٩.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧١ ، المجموع ٩ : ٢٦٩.

٣٨٩

والدنانير تتعيّنان بالتعيين كالمبيع ، فلا يجوز للمشتري إبدالها بمثلها. ولو تلفت قبل القبض ، انفسخ البيع. وإن وجد البائع بها عيباً ، لم يستبدلها ، بل يرضي بها أو يفسخ العقد. وبه قال أحمد (١).

وقال أبو حنيفة : لا تتعيّن ، ويجوز إبدالها بمثلها. وإذا تلفت قبل القبض ، لا ينفسخ العقد. وإذا وجد بها عيباً ، فله الاستبدال (٢). وقد تقدّم (٣).

مسألة ٥٤٤ : الدَّيْن في ذمّة الغير قد يكون ثمناً ومثمناً ، أو (٤) لا ثمناً ولا مثمناً.

ونعني بالثمن ما أُلصق به الباء ؛ لأنّ هذه الباء تسمّى « باء التثمين » على قولٍ (٥). أو النقد ؛ لإطلاق أهل العرف اسم الثمن عليه دون غيره. والمثمن ما قابل ذلك على الوجهين على قولٍ (٦). فإن لم يكن في العقد نقد أو كان العوضان نقدين ، فالثمن ما أُلصق به الباء ، والمثمن ما قابلة.

فلو باع أحد النقدين بالآخر ، فعلى الوجه الثاني لا مثمن فيه.

ولو باع عرضاً بعرض ، فعلى الوجه الثاني لا ثمن فيه ، وإنّما هو مقابضة.

ولو قال : بعتك هذه الدراهم بهذا العبد ، فعلى الأوّل العبدُ ثمن ، والمثمن الدراهم. وعلى الثاني في صحّة العقد وجهان (٧) ، كالسَّلَم في‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧١ ١٧٢ ، المجموع ٩ : ٢٦٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٠.

(٣) في ص ١٤٨ ، المسألة ٣١٨.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « و» بدل « أو ». والأنسب ما أثبتناه.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٢.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٢.

(٧) الوجهان للشافعيّة ، انظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠١ ، وروضة الطالبين ٣ : ١٧٢ ، والمجموع ٩ : ٢٧٣.

٣٩٠

الدراهم والدنانير ؛ لأنّه جعل الثمن مثمناً. وإن صحّ ، فالعبد ثمن.

ولو قال : بعتك هذا الثوب بعبد ، ووَصَفه ، صحّ العقد ، فإن (١) قلنا : الثمن ما الصق به الباء ، فالعبد ثمن ، ولا يجب تسليم الثوب في المجلس. وإن لم نقل بذلك ، ففي وجوب تسليم الثوب للشافعيّة وجهان : في وجهٍ : لا يجب ؛ إذ (٢) لم يجر بينهما لفظ السَّلَم. وفي وجهٍ : يجب ؛ اعتباراً بالمعنى (٣).

إذا عرفت هذا ، فالضرب الأوّل : المثمن ، وهو المُسْلَم فيه لا يجوز الاستبدال عنه ولا بيعه من غيره عند الشافعي (٤).

وهل الحوالة تدخل في المُسْلَم فيه إمّا به بأن يحيل المسلم إليه المسلمَ بحقّه على مَنْ له عليه دَيْن قرض أو إتلاف ، وإمّا عليه بأن يحيل المسلم مَنْ له عليه دَيْن قرض أو إتلاف على المسلم إليه؟ فيه ثلاثة أوجه للشافعيّة ، أصحّها : لا ؛ لما فيه من تبديل المسلم فيه بغيره ، والثاني : نعم ، تخريجاً على أنّ الحوالة استيفاء وإيفاء لا اعتياض. والثالث : أنّه لا تجوز الحوالة عليه ؛ لأنّها بيع سَلَم بدَيْن ، وتجوز الحوالة به على القرض ونحوه ؛ لأنّ الواجب على المُسْلَم إليه توفية (٥) الحقّ على المسلم وقد فعل (٦).

الضرب الثاني : الثمن. وإذا باع بدراهم أو دنانير في الذمّة ، ففي‌

__________________

(١) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « إن ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « إذا ». وما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز » وهو الموافق لما في « روضة الطالبين » و « المجموع ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٢ ، المجموع ٩ : ٢٧٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٢ ، المجموع ٩ : ٢٧٢.

(٥) في « العزيز شرح الوجيز » : « توفير » بدل « توفية ».

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٢ ، المجموع ٩ : ٢٧٤.

٣٩١

الاستبدال عنها قولان للشافعي : القديم :

أنّه لا يجوز ؛ لمطلق النهي عن بيع ما لم يقبض. ولأنّه عوض في معاوضة ، فأشبه المُسْلَم فيه.

والجديد : الجواز (١). وهو الأقوى عندي.

الضرب الثالث : ما ليس بمثمن ولا ثمن ، كدَيْن القرض والإتلاف ، فيجوز الاستبدال عنه إجماعاً ، كما لو كان في يده عين مال بغصب أو عارية ، يجوز بيعه منه. ويفارق المُسْلَم فيه ؛ لأنّه غير مستقرّ ؛ لجواز أن يطرأ ما يقتضي انفساخ السَّلَم.

وقال بعض الشافعيّة : إنّما يستبدل عن القرض إذا استهلكه ، أمّا إذا بقي في يده ، فلا ؛ لأنّا إن قلنا : إنّ القرض يُملك بالقبض ، فبدله غير مستقرّ في الذمّة ؛ لأنّ للمقرض أن يرجع في عينه. وإن قلنا : يُملك بالتصرّف ، فالمستقرض مسلّط عليه ، وذلك يوجب ضعف ملك المقرض ، فلا يجوز الاعتياض عنه (٢).

ونحن نمنع أن يكون للمقرض الرجوع في العين.

واعلم أنّ الاستبدال عند الشافعي بيع ممّن عليه الدَّيْن ، ولا يجوز استبدال المؤجّل عن الحالّ ، ويجوز العكس ، وكان مَنْ عليه الدَّيْن قد عجّله (٣).

مسألة ٥٤٥ : القبض فيما لا ينقل كالدور والأراضي هو التخلية‌ بينه‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٢ ١٧٣ ، المجموع ٩ : ٢٧٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٤ ، المجموع ٩ : ٢٧٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٤ ، المجموع ٩ : ٢٧٦.

٣٩٢

وبين المشتري ، ويمكّنه من اليد والتصرّف بتسليم المفتاح إليه. ولا يعتبر دخوله وتصرّفه فيه.

والأقرب : أنّه لا يشترط تفريغ الدار من أقمشة البائع ، خلافاً للشافعي (١).

ولو جمع البائع متاعه في بيت من الدار وخلّى بين المشتري وبين الدار ، حصل القبض في الدار كلّها عندنا ، وعنده يحصل في غير البيت (٢).

ولو اشترى صبرة ولم ينقلها حتى اشترى الأرض التي عليها الصبرة وخلّى البائع بينه وبينها ، حصل القبض في الصبرة عند الشافعي (٣).

ولو جاء البائع بالمبيع فامتنع المشتري من قبضه ، أجبره الحاكم عليه. فإن أصرّ ، أمر الحاكم مَنْ يقبضه عنه ، كالغائب.

ولو أحضره البائع فوضعه بين يدي المشتري ولم يقل المشتري شيئاً ، أو قال : لا أُريده ، فوجهان للشافعيّة (٤) ، أضعفهما : أنّه لا يحصل القبض ، كما لا يحصل به الإيداع. وأصحّهما عندهم : أنّه يحصل ؛ لوجود التسليم ، فعلى هذا للمشتري التصرّفُ فيه. ولو تلف ، فهو من ضمانه ، لكن لو خرج مستحقّاً ولم يجر (٥) إلاّ وضعه بين يديه ، فليس للمستحقّ مطالبة المشتري بالضمان وبه قال الشافعي (٦) لأنّ هذا القدر لا يكفي لضمان الغصب.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٥ ، المجموع ٩ : ٢٧٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٥ ، المجموع ٩ : ٢٧٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٦ ، المجموع ٩ : ٢٧٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٧ ، المجموع ٩ : ٢٧٧.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « ولم يجز » بالزاي المعجمة. والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٧ ، المجموع ٩ : ٢٧٨.

٣٩٣

ولو وضع المديون الدَّيْن بين يدي مستحقّه ، ففي حصول التسليم خلاف بين الشافعيّة مرتّب على المبيع. وهذه الصورة أولى بعدم الحصول ؛ لعدم تعيّن الملك (١).

وفيه نظر ؛ لأنّ الملك يتعيّن بتعيين (٢) المديون ، وبالدفع قد عيّنه.

ولو دفع ظرفاً إلى البائع وقال : اجعل المبيع فيه ، ففَعَل ، لا يحصل التسليم ؛ إذ لم يوجد من المشتري ما هو قبض. والظرف غير مضمون عليه ؛ لأنّه استعمله في ملك المشتري بإذنه ، وفي مثله في السَّلَم يكون الظرف مضموناً على المسلم إليه ؛ لأنّه استعمله في ملك نفسه.

ولو قال البائع : أعِرْني ظرفك واجعل المبيع فيه ، ففَعَل ، لم يصر المشتري قابضاً أيضاً.

ولو قبض بالوزن ما اشتراه كيلاً أو بالعكس ، فهو كما لو قبضه جزافاً إن تيقّن حصول الحقّ فيه ، صحّ ، وإلاّ فلا.

وللشافعيّة قولان فيما لو علم حصول الحقّ (٣) ، تقدّما (٤).

ولو قال البائع : خُذْه فإنّه كذا ، فأخذه مصدّقاً له ، صحّ القبض.

وقال الشافعي : لا يصحّ حتى يجري الكيل الصحيح ، فإن زاد ، ردّ الزيادة. وإن نقص ، أخذ الباقي (٥).

ولو تلف المقبوض فزعم الدافع أنّه كان قدر حقّه أو أكثر ، وزعم‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٧ ، المجموع ٩ : ٢٧٨.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « بتعيّن » والصحيح ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٧ ، المجموع ٩ : ٢٧٨.

(٤) في ص ٣٧٢ ، ضمن المسألة ٥٢٥ ، وكذا في ج ١٠ ص ١٠٤ ١٠٥ ، الفرع ( أ ) من المسألة ٦٠.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٨ ، المجموع ٩ : ٢٧٨.

٣٩٤

المدفوع إليه أنّه كان دون حقّه أو قدره ، فالقول قوله.

ومعنى التصديق أن يحمل خبره على الصدق ويأخذه بناءً (١) عليه ، أمّا لو أقرّ بجريان الكيل ، لم يسمع منه خلافه.

مسألة ٥٤٦ : إذا اعتبر في المبيع كيل أو وزن ، لم يكن على البائع الرضا بكيل المشتري ووزنه ، ولا على المشتري الرضا بكيل البائع ، بل يتّفقان على كيّال أو وزّان. ولو اختلفا ، نصب الحاكم أميناً يتولاّه.

ولو كان لِزيدٍ طعام على رجل سَلَماً (٢) ولآخر مثله على زيد ، فأراد زيد أن يوفّي ما عليه ممّا لَه على الآخر ، فقال : اذهب إلى فلان واقبض لنفسك ما لي عليه ، فالقبض فاسد ، والمقبوض مضمون على القابض.

وهل تبرأ ذمّة الدافع عن حقّ زيد؟ للشافعي وجهان أصحّهما : نعم. وهُما مبنيّان على القولين فيما إذا باع نجوم الكتابة وقبضها المشتري هل يعتق المكاتب؟ فإن قلنا : لا يبرأ ، فعلى القابض ردّ المقبوض إلى الدافع (٣).

والوجه : البراءة.

ولو قال زيد : اقبضه لي ثمّ اقبضه منّي لنفسك بذلك الكيل ، أو قال : احضر معي لأقبضه لنفسي ثمّ تأخذ أنت بذلك الكيل ، ففَعَل ، فقبضه لزيد في الصورة الاولى وقبض زيد لنفسه في الثانية صحيح (٤) ، وتبرأ ذمّة البائع‌

__________________

(١) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « منا » بدل « بناءً ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « سلم » والصحيح ما أثبتناه. ويحتمل : « من سَلَم ».

(٣) التهذيب للبغوي ٣ : ٤١٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٨ ، المجموع ٩ : ٢٧٩.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « صحّ » بدل « صحيح » وما أثبتناه يقتضيه السياق.

٣٩٥

عن حقّه. والقبض الآخر فاسد عند الشافعيّة (١) ، والمقبوض مضمون عليه.

وفي قبضه لنفسه في الصورة الأُولى وجه آخر : أنّه صحيح (٢).

ولو اكتال زيد فقبضه لنفسه ثمّ كاله على مشتريه وأقبضه ، فقد جرى الصاعان ، وصحّ القبضان ، ولا رجوع له. وإن زاد كثيراً ، تبيّن أنّ الكيل الأوّل وقع غلطاً ، فيردّ زيدٌ الزيادة ، ويرجع بالنقصان.

تذنيب : مئونة الكيل الذي يفتقر إليه القبض على البائع ، كمئونة إحضار المبيع الغائب ، ومئونة وزن الثمن على المشتري ؛ لتوقّف التسليم عليه ، ومئونة نقد الثمن على المشتري أيضاً ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : أنّه على البائع (٣).

مسألة ٥٤٧ : للمشتري أن يوكّل في القبض‌ وإن وكّل مَنْ يده كيد البائع ، كعبده ، خلافاً للشافعي (٤).

ولا بأس بتوكيل ابنه وأبيه ومكاتَبه عنده (٥).

وفي توكيل عبده المأذون في التجارة وجهان له ، أصحّهما عنده : أنّه لا يجوز (٦).

ولو قال للبائع : وكّل مَنْ يقبض لي عنك ، ففَعَل ، جاز ، ويكون وكيلَ المشتري. وكذا لو وكّل البائع بأن يأمر مَنْ يشتري منه للموكّل.

ولو كان القابض والمقبض واحداً ، لم يجز عند الشافعي (٧).

والأولى عندي : الجواز.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٩ ، المجموع ٩ : ٢٧٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٨ ٣٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٩ ، المجموع ٩ : ٢٧٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٨ ، المجموع ٩ : ٢٧٩.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٩ ، المجموع ٩ : ٢٨٠.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٩ ، المجموع ٩ : ٢٨٠.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٩ ، المجموع ٩ : ٢٨٠.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٩ ، المجموع ٩ : ٢٨٠.

٣٩٦

ولو اشترى الأب لابنه الصغير من مالٍ لنفسه أو لنفسه من مال الصغير ، فإنّه يتولّى طرفي القبض ، كما يتولّى طرفي البيع.

وهل يحتاج إلى النقل والتحويل في المنقول؟ الأقرب : العدم ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : احتياجه (١).

وإتلاف المشتري المبيع قبض. وقبض الجزء المشاع إنّما يحصل بتسليم الجميع ، ويكون ما عدا المبيع أمانةً في يده.

ولو طلب القسمة قبل القبض ، أُجيب إليها ، وبه قال الشافعي (٢).

أمّا إذا جعلنا القسمة إفرازاً : فظاهر.

وأمّا إذا جعلناها بيعاً : فإنّ الرضا غير معتبر فيه ؛ لأنّ الشريك يُجبر عليه ، وإذا لم يعتبر الرضا ، جاز أن لا يعتبر القبض ، كما في الشفعة.

مسألة ٥٤٨ : قد بيّنّا (٣) وجوب تسليم ما على كلٍّ من البائع والمشتري ، فلو اختلفا في التقديم ، فأحد أقوال الشافعي : إجبارهما معاً على التسليم ، فيأمر (٤) كلّ واحد منهما بإحضار ما عليه ، فإذا أحضرا ، سلّم الثمن إلى البائع والمبيع إلى المشتري بأيّهما بدأ جاز ، أو يأمرهما بالوضع عند عدل ليفعل العدل ذلك وهو المعتمد عندي لأنّ كلّ واحد منهما يستحقّ قبض ما عند الآخر ، فيؤمر بإيفائه ، كما لو كان لكلٍّ منهما وديعة عند الآخر وتنازعا هكذا.

والثاني : أنّهما لا يُجبران ، بل يمنعهما من التنازع ، فإذا سلّم أحدهما‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٠ ٣١١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٠ ، المجموع ٩ : ٢٨٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٠ ، المجموع ٩ : ٢٨١.

(٣) في ج ١٠ ص ١٠٨ « النظر الثاني في وجوب القبض ».

(٤) أي الحاكم.

٣٩٧

ما عليه ، أجبر الآخر ؛ لأنّ على كلّ واحد إيفاء واستيفاء ، فلا سبيل إلى تكليف الإيفاء قبل الاستيفاء.

والثالث وبه قال مالك وأبو حنيفة ـ : أنّه يُجبر المشتري على تسليم الثمن أوّلاً ؛ لأنّ حقّه متعيّن في المبيع ، وحقّ البائع غير متعيّن في الثمن ، فيؤمر بالتعيين.

والرابع وبه قال الشيخ (١) : أنّه يُجبر البائع أوّلاً على التسليم وبه قال أحمد لأنّه لا يخاف هلاك الثمن ، فملكه مستقرّ فيه ، وتصرّفه فيه بالحوالة والاعتياض نافذ ، وملك المشتري في المبيع غير مستقرّ ، فعلى البائع التسليم ليستقرّ (٢).

وفي المسألة طريقة اخرى للشافعي ، وهي : القطع بالرابع ، وحَمْل الأوّل والثاني على حكاية مذهب الغير ، والثالث من تخريج بعضهم (٣).

هذا إذا كان الثمن في الذمّة ، وأمّا إذا كان معيّناً ، فإنّه يسقط القول الثالث (٤).

وإن تبايعا عرضاً بعرض ، سقط القول الرابع أيضاً ، وبقي قولان : إنّهما يُجبران ، ولا يُجبران. والأوّل أظهر ، وبه قال أحمد (٥).

__________________

(١) المبسوط للطوسي ٢ : ١٤٧ ١٤٨ ، الخلاف ٣ : ١٥١ ، المسألة ٢٣٩.

(٢) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٢ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥١١ ٥١٢ ، حلية العلماء ٤ : ٣٣٦ ٣٣٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٠٧ ٣٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨١ ، المغني ٤ : ٢٩٢ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٢.

(٤) التهذيب للبغوي ٣ : ٥١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨١.

(٥) التهذيب للبغوي ٣ : ٥١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٢ ٣١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨١ ١٨٢.

٣٩٨

فإن قلنا : يُجبر البائع على تسليم المبيع أوّلاً أو قلنا : لا يُجبر لكنّه تبرّع وابتدأ بالتسليم ، أُجبر المشتري على تسليم الثمن في الحال إن كان حاضراً في المجلس ، وإلاّ فإن كان المشتري موسراً ، فإن كان مالُه في البلد ، حُجر عليه إلى أن يسلّم الثمن لئلاّ يتصرّف في أملاكه بما يفوت حقّ البائع (١).

وللشافعيّة وجه آخر : أنّه لا يُحجر عليه ، ويمهل إلى أن يأتي بالثمن (٢). وهو الوجه عندي.

وعلى تقدير الحجر قيل : يُحجر عليه في المبيع وسائر أمواله (٣).

وقال بعضهم : لا حجر عليه في سائر أمواله إن كان ماله وافياً ، بل يتبعه به (٤).

وهل يدخل المبيع في الاحتساب؟ للشافعيّة وجهان ، أشبههما عندهم : الدخول (٥).

وإن كان غائباً ، لم يكلّف البائع الصبر إلى إحضاره ؛ لتضرّره ، بل في وجهٍ : يباع في حقّه ويؤدّى في ثمنه.

والأظهر : أنّه يفسخ ؛ لتعذّر تحصيل الثمن ، كالمفلس. فإن فسخ ، فذاك ، وإن صبر إلى الإحضار ، فالحجر على ما سبق (٦).

وحكي عن بعضهم أنّه لا فسخ ، لكن يردّ المبيع إلى البائع ، ويحجر على المشتري ، ويمهل إلى الإحضار (٧).

وإن كان دون مسافة القصر ، فهو كما لو كان في البلد أو كما لو كان‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٢.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٣ ٣١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٢.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٢.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٢.

٣٩٩

على مسافة القصر؟ للشافعيّة وجهان (١).

وعندنا أنّ للبائع الفسخ بعد ثلاثة أيّام.

وإن كان معسراً ، فهو مفلس ، فإن حجر عليه الحاكم ، تخيّر البائع بين الفسخ والضرب مع الغرماء.

وقال الشافعي : إذا كان مفلساً ، فالبائع أحقّ بمتاعه في وجهٍ. وفي آخر : لا فسخ ، لكن يباع ويوفّى من الثمن حقّ البائع ، فإن فضل شي‌ء ، فهو للمشتري (٢).

وهذا التفريع جارٍ فيما إذا اختلف المتواجران (٣) في البدأة بالتسليم بغير فرق.

مسألة ٥٤٩ : توهّم قوم أنّ الخلاف في البدأة بالتسليم خلاف في أنّ البائع هل له حقّ الحبس أم لا؟ إن قلنا : البدأة بالبائع ، فليس له حبس المبيع إلى استيفاء الثمن ، وإلاّ فله ذلك (٤).

ونازع أكثر الشافعيّة فيه ، وقالوا : هذا الخلاف مفروض فيما إذا كان نزاعهما في مجرّد البدأة ، وكان كلّ واحد منهما يبذل ما عليه ولا يخاف فوت ما عند صاحبه ، فأمّا إذا لم يبذل البائع المبيع وأراد حبسه خوفاً من تعذّر تحصيل الثمن ، فله ذلك بلا خلاف. وكذا للمشتري حبس الثمن خوفاً من تعذّر تحصيل المبيع ، وأن يحبس بالثمن الحالّ ، أمّا المؤجّل فلا وإن حلّ الأجل (٥).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٣.

(٣) أي : المكري والمكتري.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٣.

٤٠٠