تذكرة الفقهاء - ج ١١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: ٤٢٩

ب ـ الافتراق.

ج ـ التخاير.

د ـ التصرّف ، فإن كان من المشتري ، سقط خياره في الردّ ؛ لأنّه بتصرّفه التزم بالملك ، واختار إبقاء العقد. وإن كان البائع ، كان فسخاً للعقد.

أمّا الأوّل : فإذا تعاقدا وشرطا في متن العقد سقوط خيار المجلس أو غيره ، سقط ؛ لأنّه شرط سائغ ، لتعلّق الأغراض بلزوم العقد تارة وجوازه اخرى ، فيصحّ ؛ لقوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (١) وصحّته تقتضي الوفاء به.

ولو شرط أحدهما سقوطه عنه خاصّة ، سقط بالنسبة إليه دون صاحبه ، فليس له اختيار الفسخ ، ولصاحبه اختياره.

وأمّا الثاني : فإنّه مسقط للخيار إجماعاً ؛ لقوله عليه‌السلام : « ما لم يفترقا » (٢) جعل مدّة الخيار لهما دوامهما مصطحبين ، سواء أقاما كذلك في المجلس أو فارقاه ، فيكون ما عداه خارجاً عن هذا الحكم تحقيقاً لمسمّى الغاية.

ويحصل بالتفرّق بالأبدان لا بالمجلس خاصّة ؛ لانصراف الإطلاق إليه عرفاً ، وحيث علّق الشارع الحكم عليه ولم يبيّنه دلّ على حوالته فيه على عرف الناس ، كغيره من الألفاظ ، كالقبض والحرز والإحياء.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧١ ، ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ ، ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٦ ، ٢١٨١ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٧٢ ٢٧٣ ، ٣٤٥٤ و ٣٤٥٦ و ٣٤٥٧ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٥٠ ، ١٢٤٧ ، سنن النسائي ٧ : ٢٤٩ ٢٥٠ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٥٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٦٨ ، الموطّأ ٢ : ٦٧١ ، ٧٩.

٢١

ولما روي عن الباقر عليه‌السلام قال : « إنّي ابتعت أرضاً فلمّا استوجبتها قمت فمشيت خُطاً ثمّ رجعت فأردت أن يجب البيع » (١).

وأمّا الثالث : فإنّه يقطع خيار المجلس إجماعاً.

وصورته : أن يقولا : تخايرنا أو اخترنا إمضاء العقد ، أو أمضيناه ، أو اخترناه ، أو التزمنا به ، وما أشبه ذلك ، فإنّه يدلّ على الرضا بلزوم البيع.

إذا ثبت هذا ، فإن قالاه في نفس العقد بأن عقدا على أن لا يكون بينهما خيار المجلس ، فهو القسم الأوّل ، وقد ذكرنا مذهبنا فيه ، وأنّه يقتضي سقوط خيار المجلس ؛ عملاً بالشرط.

واختلفت الشافعيّة في ذلك على طريقين :

أحدهما : أنّ هذا الشرط لا يصحّ قولاً واحداً ؛ لأنّه خيار يثبت بعد تمام العقد ، فلا يسقط بإسقاطه قبل تمام العقد ، كخيار الشفعة.

والثاني : أنّه يصحّ ويسقط الخيار ؛ لقوله عليه‌السلام : « البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا إلاّ بيع الخيار » (٢) والاستثناء من الإثبات نفيٌ ، فيكون بيع الخيار لا خيار فيه ، ويريد ببيع الخيار ما أُسقط فيه الخيار. ولأنّ الخيار حقٌّ للمتعاقدين وفيه غرر أيضاً ، فإذا اتّفقا على إسقاطه ، جاز ، كالأجل ، وكما لو أسقطاه بعد العقد.

وعلى القول ببطلان الشرط ففي بطلان البيع وجهان : البطلان ؛ لأنّه شرط نافى مقتضاه فأفسده ، كما لو شرط أن لا يبيعه أو لا يتصرّف فيه. والصحّة ؛ لأنّه شرط لا يؤدّي إلى جهالة العوض ولا المعوّض (٣).

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٠ ، ٨٤ ، الاستبصار ٣ : ٧٢ ، ٢٣٩.

(٢) صحيح مسلم ٣ : ١١٦٣ ، ١٥٣١ ، صحيح البخاري ٣ : ٨٤ ، سنن النسائي ٧ : ٢٤٨ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٦٨ ، الموطّأ ٢ : ٦٧١ ، ٧٩ بتفاوت يسير في غير الأوّل.

(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٦٥ ، المجموع ٩ : ١٧٨ ١٧٩ ، حلية العلماء ٤ : ١٨ ـ ١٩ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٢٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٣ ١٠٤.

٢٢

فروع التفرّق :

أ ـ قد عرفت أنّ الحوالة في التفرّق على العادة ، فلو تبايعا وأقاما سنةً في مجلسهما لم يتفرّقا بأبدانهما ، بقي الخيار. وكذا لو قاما وتماشيا مصطحبين منازل كثيرة ، لم ينقطع الخيار ؛ لعدم تحقّق التفرّق ، وبه قال أكثر الشافعيّة (١).

ولباقيهم قولان غريبان :

أحدهما : أنّه لا يزيد الخيار على ثلاثة أيّام ؛ لأنّها نهاية الخيار المشروط شرعاً (٢). وهو ممنوع.

والثاني : قال بعضهم : لو لم يتفرّقا لكن شرعا في أمرٍ آخر وأعرضا عمّا يتعلّق بالعقد وطال الفصل ، انقطع الخيار (٣). وليس بشي‌ء.

ب ـ التفرّق حقيقة في غير المتماسّين ، وهو يحصل بأن يكون كلّ واحد منهما في مكان ثمّ يتبايعا. لكن ذلك غير مراد من قوله عليه‌السلام : « ما لم يتفرّقا » (٤) أي ما لم يجدّدا افتراقاً بعد عقدهما ، فيبقى المراد : ما لم يفارق أحدهما مكانه ، فإنّه متى فارق تخلّلهما أجسام أكثر ممّا كان يتخلّلهما أوّلاً ، فيثبت معنى الافتراق بأقلّ انتقالٍ ولو بخُطوة.

وفصّل الشافعي هنا ، فقال : إن كانا في دارٍ صغيرة ، لم يحصل التفرّق إلاّ بأن يخرج أحدهما من الدار ، أو يصعد أحدهما إلى العلوّ والآخر في‌

__________________

(١) الوسيط ٣ : ١٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٧٥ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٣٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٤ ، المجموع ٩ : ١٨٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٧٧ ١٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٤ و ١٠٥ ، المجموع ٩ : ١٨٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٧٧ ١٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٤ و ١٠٥ ، المجموع ٩ : ١٨٠.

(٤) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٢٢ ، الهامش (٢).

٢٣

السفل. وكذا المسجد الصغير والسفينة الصغيرة لا يحصل التفرّق إلاّ بالخروج منهما.

وإن كانا في دارٍ كبيرة وكان أحدهما في البيت والآخر في الصفّة ، حصل الافتراق ، أو يخرج أحدهما من البيت إلى الصحن أو يدخل من الصحن في بيت أو صُفّة. وكذا السفينة الكبيرة إذا صعد أحدهما إلى أعلاها وبقي الآخر في أسفلها.

وإن كانا في صحراء أو سوق ، قال الشافعي : يحصل التفرّق بأن يولّيه ظهره.

قال أصحابه : لم يرد أنّه يجعل ذلك بتفسير التولية ، وإنّما أراد إذا ولاّه ظهره ومشى قليلاً.

وقال الإصطخري : يشترط أن يبعد بحيث إذا كلّمه صاحبه على الاعتياد من غير رفع الصوت ، لم يسمع (١).

وكلّ هذه تخمينات ، الأولى الإعراض عنها ، والاعتماد على ما دلّ عليه اللفظة.

ج ـ لا يحصل التفرّق ببقائهما في المجلس وضَرْب ساترٍ بينهما كستْرٍ وشبهه ، ويكون كما لو غمّضا أعينهما. وكذا لو شُقّ بينهما نهر لا يتخطّى. وكذا لو بُني بينهما جدار من طين أو جصّ.

وفي الآخِر للشافعيّة وجهان ، أصحّهما : عدم السقوط ؛ لأنّهما في مجلس العقد (٢).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٥ ، المجموع ٩ : ١٨٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٥ ، المجموع ٩ : ١٨١.

٢٤

وألحقه الجويني بما إذا حُمل أحدهما وأُخرج (١).

وصحن الدار والبيت الواحد إذا تفاحش اتّساعهما كالصحراء.

د ـ لو تباعدا كثيراً وتناديا وتبايعا ، صحّ البيع إجماعاً ، ويثبت الخيار ما داما في مجلس العقد وموضعهما ، وبه قال جماعة من الشافعيّة (٢).

وقال الجويني : لا خيار هنا ؛ لأنّ التفرّق الطارئ قاطع للخيار ، فالمقارن يمنع ثبوته (٣). وليس بشي‌ء.

هـ ـ لو فارق أحدهما موضعه وبقي الآخر ، بطل خيار الأوّل قطعاً. وفي الثاني للجويني احتمالان :

سقوط خياره وهو الأقوى عندي لتحقّق معنى الافتراق ، فإنّه يحصل بقيام أحدهما عن مكانه.

وعدمُه ، بل يدوم إلى أن يفارق مكانه (٤). وليس بشي‌ء.

وكذا لو هرب أحدهما خاصّة ، سواء فعل ذلك حيلة في لزوم العقد أو لا ، وسواء كانا عالمين بالحكم أو بالتفريق أو جاهلين بهما أو بالتفريق ؛ لتحقّق الافتراق في الجميع.

و ـ لو مات أحد المتعاقدين في مجلس العقد ، احتمل سقوط الخيار ؛ لأنّه يسقط بمفارقة المكان فبمفارقة الدنيا أولى. وعدمُه ؛ لانتفاء افتراق الأبدان ، فيثبت للوارث ما دام الميّت والآخر في المجلس ، أو الآخر والوارث على احتمال ، كخيار الشرط والعيب.

وللشافعي قولان كالاحتمالين ؛ لأنّه قال في « المختصر » في « البيع » : إنّ الخيار لوارثه. وقال في « المكاتب » : إذا باع ولم يتفرّقا حتى مات‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٧٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٥ ، المجموع ٩ : ١٨١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٥ ، المجموع ٩ : ١٨١.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٥ ، المجموع ٩ : ١٨١.

٢٥

المكاتب ، وجب البيع.

واختلف أصحابه في القولين على ثلاثة طرق :

أظهرها : أنّه قولان : لزوم البيع ، وعدم لزومه ، بل يثبت الخيار للوارث والسيّد.

والثاني : القطع بثبوت الخيار للوارث والسيّد.

والثالث : ثبوته في الوارث دون السيّد.

والفرق : أنّ الوارث خليفة المورّث ، فيقوم مقامه في الخيار ، والسيّد ليس خليفةً للمكاتب ، بل يأخذ بحقّ الملك. وعلى هذا العبدُ المأذون إذا باع أو اشترى ومات في المجلس ، يجي‌ء فيه الخلاف (١). وقد عرفت ما عندنا فيه.

ولو مات الوكيل بالشراء في المجلس ، انتقل الخيار إلى الموكّل.

هذا إذا فرّعنا على أنّ الاعتبار بمجلس الوكيل في الابتداء ، وهو الوجه عند الشافعيّة (٢).

ولهم آخر : أنّ الاعتبار بمجلس الموكّل (٣).

ز ـ إذا قلنا بلزوم البيع ، انقطع خيار الميّت. وأمّا الحيّ : فإن جعلنا الموت تفريقاً وأسقطنا الخيار للمقيم بعد مفارقة صاحبه ، سقط هنا أيضاً.

وللشافعيّة قول : إنّه لا يسقط حتى يفارق ذلك المجلس (٤).

وقال الجويني تفريعاً على هذا القول ـ : إنّه يلزم العقد من الجانبين ؛ لأنّ الخيار لا يتبعّض في السقوط ، كما في الثبوت (٥).

ح ـ إن قلنا بثبوت الخيار للوارث ، فإن كان حاضراً في المجلس ،

__________________

(١) الحاوي الكبير ٥ : ٥٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٥ ، المجموع ٩ : ٢٠٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٦ ، المجموع ٩ : ٢٠٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٦ ، المجموع ٩ : ٢٠٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٦ ، المجموع ٩ : ٢٠٧.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٦ ، المجموع ٩ : ٢٠٧.

٢٦

امتدّ الخيار بينه وبين العاقد الآخر حتى يتفرّقا أو يتخايرا.

ويحتمل أن يمتدّ الخيار بينه وبين الآخر ما دام الميّت والآخر في المجلس.

وإن كان غائباً ، فله الخيار إذا وصل الخبر إليه.

ثمّ هو على الفور أو يمتدّ بامتداد مجلس بلوغ الخبر إليه؟ للشافعيّة وجهان : الفور ؛ لأنّ المجلس قد انقضى وإنّما أثبتنا له الخيار ؛ لئلاّ يبطل حقّا كان للمورّث. وعدمُه ؛ لأنّ الوارث خليفة المورّث ، فيثبت له على ما يثبت للمورّث (١).

والأوّل عندي أقرب.

وهذان الوجهان عند الشافعيّة كالوجهين في خيار الشرط إذا ورثه الوارث وكان بلوغ الخبر إليه بعد انقضاء مدّة الخيار. ففي وجهٍ : هو على الفور. وفي آخر : يدوم ويمتدّ ما كان يدوم للمورّث لو لم يمت. هذا على قول الأكثر.

وقال بعضهم : في كيفيّة ثبوت الخيار للوارث وجهان نقلوهما في كيفيّة ثبوته للعاقد الباقي :

أحدهما : أنّ له الخيار ما دام في مجلس العقد ، فإذا فارقه ، بطل. فعلى هذا يكون خيار الوارث الواحد في المجلس الذي يشاهد فيه المبيع ليتأمّل ويختار ما فيه الحظّ.

والثاني : أنّ خياره يتأخّر إلى أن يجتمع مع الوارث في مجلسٍ. فعلى هذا حينئذٍ يثبت الخيار للوارث (٢).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٦ ، المجموع ٩ : ٢٠٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٧٩ ١٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٦ ، المجموع ٩ : ٢٠٨.

٢٧

ط ـ لو تعدّد الوارث ، فإن كانوا حضوراً في مجلس العقد ، فلهم الخيار إلى أن يفارقوا العاقد الآخر ، ولا ينقطع الخيار بمفارقة بعضهم ـ وهو أصحّ قولي الشافعيّة (١) لأنّه لم يحصل تمام الافتراق ، لأنّهم ينوبون عن الميّت جميعهم.

وكذا إذا بلغهم وهُمْ في مجالسهم ففارقوا مجالسهم إلاّ واحداً ، لم يلزم العقد.

وإن كانوا غُيّباً عن المجلس ، فإن قلنا : في الوارث الواحد يثبت له الخيار في مجلس مشاهدة المبيع ، فلهُم الخيار إذا اجتمعوا في مجلسٍ واحد. وإن قلنا : له الخيار إذا اجتمع مع العاقد ، فكذلك لهُم الخيار إذا اجتمعوا معه.

ي ـ لو فسخ بعضهم وأجاز بعضهم ، فالأقوى أنّه ينفسخ في الكلّ ، كالمورّث لو فسخ في حياته في البعض وأجاز في البعض. وهو أصحّ وجهي الشافعيّة. وفي آخر : أنّه لا ينفسخ في شي‌ء (٢).

يأ ـ لو أُكرها على التفرّق وترك التخاير ، لم يسقط خيار المجلس وكان الخيار باقياً إلاّ أن يوجد منه ما يدلّ على الرضا باللزوم ، وهو أظهر الطريقين عند الشافعيّة.

والثاني : أنّ في انقطاعه وجهين ، كالقولين في صورة الموت ، وهذا أولى ببقاء الخيار ؛ لأنّ إبطال حقّه قهراً مع بقائه بعيد (٣).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٦ ١٠٧ ، المجموع ٩ : ٢٠٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٧ ، المجموع ٩ : ٢٠٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٨٠ ١٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٧ ، المجموع ٩ : ١٨١ ـ ١٨٢.

٢٨

وكذا لو حُمل أحد المتعاقدين وأُخرج عن المجلس مُكرَهاً ومُنع من الفسخ بأن يُسدّ فوه مثلاً.

ولو لم يُمنع من الفسخ ، فطريقان للشافعيّة :

أظهرهما : أنّ في انقطاع الخيار وجهين :

أحدهما : ينقطع وبه قال أبو إسحاق لأنّ سكوته عن الفسخ مع القدرة رضا بالإمضاء.

وأصحّهما : أنّه لا ينقطع ؛ لأنّه مُكرَه في المفارقة ، فكأنّه لا مفارقة ، والسكوت عن الفسخ لا يُبطل الخيار ، كما في المجلس.

والثاني : القطع بالانقطاع ، فإن قلنا به ، انقطع خيار الماكث أيضاً ، وإلاّ فله التصرّف بالفسخ والإجازة إذا وجد التمكّن (١).

وهل هو على الفور؟ فيه ما سبق من الخلاف ، فإن قلنا بعدم الفور وكان مستقرّاً حين زائلة للإكراه في مجلسٍ ، امتدّ الخيار بامتداد ذلك المجلس. وإن كان مارّاً ، فإذا فارق في مروره مكان التمكّن ، انقطع خياره ، وليس عليه الانقلاب إلى مجلس العقد ليجتمع مع العاقد الآخر إن طال الزمان. وإن لم يطُلْ ، ففيه احتمال عند الجويني (٢).

وإذا لم يبطل خيار المُخْرَج ، لم يبطل خيار الماكث أيضاً إن مُنع من الخروج معه. وإن لم يُمنع ، بطل ؛ لحصول التفرّق باختياره ؛ إذ لا يشترط فيه مفارقة كلٍّ منهما المجلسَ ، بل يكفي مفارقة أحدهما وبقاء الآخر فيه باختياره ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة (٣).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٨٠ ١٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٧ ، المجموع ٩ : ١٨١ ـ ١٨٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٧ ، المجموع ٩ : ١٨٢.

٢٩

يب ـ لو ضُربا حتى تفرّقا بأنفسهما ، فالأقرب : عدم انقطاع الخيار ؛ لأنّه نوع إكراه. وللشافعي قولان (١).

ولو هرب أحدهما ولم يتبعه الآخر مع التمكّن ، بطل خيارهما. وإن لم يتمكّن ، بطل خيار الهارب خاصّة. وفي بطلان خيار الآخر وجهان للشافعيّة (٢).

والأقرب عندي : البطلان إن كان الهرب اختياراً ؛ لأنّه باختياره فارقه ، ولا يقف افتراقهما على تراضيهما جميعاً ؛ لأنّه لمّا سكت عن الفسخ وفارقه صاحبه ، لزم.

يج ـ لو جُنّ أحد المتعاقدين أو أُغمي عليه قبل التفرّق ، لم ينقطع الخيار ، لكن يقوم وليّه أو الحاكم مقامه ، فيفعل ما فيه مصلحته من الفسخ أو الإجازة ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة (٣).

ولهم آخر مخرَّج من الموت : أنّه ينقطع (٤).

ولو فارق المجنون مجلس العقد ، قال الجويني : يجوز أن يقال : لا ينقطع الخيار ؛ لأنّ التصرّف انقلب إلى القيّم عليه (٥).

وعُورض بأنّه لو كان كذلك ، لكان الجنون كالموت (٦).

ولو خرس أحدهما قبل التفرّق ، فإن كان له إشارة مفهومة ، قامت‌

__________________

(١) التهذيب للبغوي ٣ : ٣٠٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٧.

(٢) التهذيب للبغوي ٣ : ٣٠٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٧ ، المجموع ٩ : ١٨٢ ١٨٣.

(٣) الوسيط ٣ : ١٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٨١ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٣١٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٨ ، المجموع ٩ : ٢٠٩.

(٤) الوسيط ٣ : ١٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٨١ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٣١٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٨ ، المجموع ٩ : ٢٠٩.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٨١.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٨١.

٣٠

مقام لفظه. وإن لم يكن له إشارة مفهومة ولا خطّ ، كان حكمه حكم المغمى عليه ينوب عنه الحاكم.

يد ـ لو جاءا مصطحبين وتنازعا في التفرّق بعد البيع فادّعاه أحدهما وأنّ البيع قد لزم ، وأنكر الآخر ، قُدّم قول المنكر مع اليمين ؛ لأصالة دوام الاجتماع ، وهو أحد قولي الشافعيّة.

وفي الآخر : يبنى على الظاهر ، فإن قصرت المدّة ، قُدّم قول المنكر مع اليمين. وإن طالت ، قُدّم قول المدّعى ؛ لندور الاجتماع المدّة الطويلة ، فمدّعيه يدّعي خلاف الظاهر ، فيُقدّم قول مدّعي الفسخ بالتفرّق بناءً على الظاهر (١).

ولو اتّفقا على التفرّق وقال أحدهما : فسخت قبله ، وأنكر الآخر ، قُدّم قوله مع اليمين ؛ لأنّ الأصل عدم الفسخ ، وهو أحد قولي الشافعيّة.

وفي الآخر : يُقدّم قول مدّعي الفسخ ؛ لأنّه أعرف بتصرّفه (٢). وليس شيئاً.

ولو اتّفقا على عدم التفرّق وادّعى أحدهما الفسخَ ، احتُمل أن تكون دعواه فسخاً.

يه ـ لو اشترى الوكيل أو باع أو تعاقد الوكيلان ، فالأقرب : تعلّق الخيار بهما وبالموكّلين جميعاً في المجلس ، وإلاّ فبالوكيلين. فلو مات الوكيل في المجلس والموكّل غائب ، انتقل الخيار إليه ؛ لأنّ ملكه أقوى من‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٨٢ ، وفي روضة الطالبين ٣ : ١٠٨ ، والمجموع ٩ : ١٨٣ القول الأوّل.

(٢) الوجيز ١ : ١٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٨ ، المجموع ٩ : ١٨٣.

٣١

ملك الوارث.

وللشافعيّة قولان ، أحدهما : أنّ الخيار يتعلّق بالموكّل. والثاني : أنّه يتعلّق بالوكيل (١).

فروع التخاير :

أ ـ لو قال أحد المتعاقدين : اخترت إمضاء العقد ، سقط خياره قطعاً ؛ لرضاه بالتزام البيع ، ولا يسقط خيار الآخر ؛ عملاً بأصالة الاستصحاب السالم عن معارضة الإسقاط ، وكما في خيار الشرط إذا أسقط أحدهما الخيار ، يبقى خيار الآخر ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

وفي الآخر : أنّه يسقط أيضاً ؛ لأنّ هذا الخيار لا يتبعّض في الثبوت فلا يتبعّض في السقوط (٢).

وهو ممنوع ؛ لأنّ (٣) اشتراط الخيار لأحدهما دون الآخر سائغ ، فجاز الافتراق في الإسقاط.

ب ـ لو قال أحدهما للآخر : اختر ، أو خيّرتك ، فقال الآخر : اخترت إمضاء العقد ، انقطع خيارهما معاً ، وإن اختار الفسخ ، انفسخ ، وإن سكت ولم يختر إمضاء العقد ولا فسخه ، فهو على خياره لم يسقط. وأمّا الذي خيّره فإنّه يسقط خياره ؛ لأنّه جعل له ما ملكه من الخيار ، فسقط خياره ؛ لأنّه جَعَله لغيره ، وهو أظهر قولي الشافعيّة.

وفي الثاني : لا يسقط ؛ لأنّه خيّره ، فإذا لم يختر ، لم يسقط بذلك‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٦ ، المجموع ٩ : ٢٠٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٤ ، المجموع ٩ : ١٧٩.

(٣) في « ق ، ك‍ » : « فإنّ » بدل « لأنّ ».

٣٢

حقّ المخيّر ، كما أنّ الزوج إذا خيّر زوجته فسكتت ولم تختر ، لم يسقط بذلك حقّه ، كذا هنا (١).

والفرق : أنّه ملّك الزوجة ما لا تملك ، فإذا لم تقبل ، سقط ، وهنا كلّ واحد منهما يملك الخيار ، فلم يكن قوله تمليكاً له ، وإنّما كان إسقاطاً لحقّه من الخيار ، فسقط.

ويدلّ عليه قوله عليه‌السلام : « أو يقول أحدهما لصاحبه : اختر » (٢) فإنّه يقتضي أنّه إذا قال لصاحبه : اختر ، لا يكون الخيار لكلّ واحد منهما ، كما في قوله : « ما لم يتفرّقا » (٣).

هذا إذا قصد بقوله : « اختر » تمليك الخيار لصاحبه ، ويسقط (٤) حقّه منه. ولو لم يقصد ، لم يسقط خياره ، سواء اختار الآخر أو سكت.

والموت كالسكوت ، فلو قال له : اختر ، وقصد التمليك ثمّ مات القائل ، سقط خياره. ولو مات المأمور ، فكسكوته.

ج ـ لو اختار أحدهما الإمضاءَ والآخرُ الفسخَ ، قُدّم الفسخ على الإجازة ؛ إذ لا يمكن الجمع بينهما ، ولا انتفاؤهما ؛ لاشتماله الجمعَ بين النقيضين ، فتعيّن تقديم أحدهما ، لكنّ الذي اختار الإمضاء قد دخل في عقدٍ ينفسخ باختيار صاحبه الفسخَ ورضي به ، فلا أثر لرضاه به لازماً بعد ذلك.

__________________

(١) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٦٥ ، المجموع ٩ : ١٧٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٤.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ٨٤ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٧٣ ، ٣٤٥٥ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٦٩.

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٢٢ ، الهامش (٢).

(٤) في « ق ، ك‍ » : « سقط ».

٣٣

د ـ لو تقابضا العوضين في المجلس ثمّ تبايعا العوضين معاً ثانياً ، صحّ البيع الثاني ؛ لأنّه صادف الملك ، وهو رضا منهما بالأوّل ، وهو المشهور عند الشافعيّة (١).

وعند بعضهم أنّه مبنيّ على أنّ الخيار هل يمنع انتقال الملك؟ إن قلنا : يمنع ، لم يصح (٢).

هـ ـ لو تقابضا في عقد الصرف ثمّ أجازا في المجلس ، لزم العقد. وإن أجازاه قبل التقابض ، فكذلك ، وعليهما التقابض. فإن تفرّقا قبله ، انفسخ العقد.

ثمّ إن تفرّقا عن تراضٍ ، لم يحكم بعصيانهما ، فإن انفرد أحدهما بالمفارقة ، عصى ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. وفي الثاني : أنّ الإجازة قبل التقابض لاغية ؛ لأنّ القبض متعلّق بالمجلس ، وهو باقٍ ، فيبقى حكمه في الخيار (٣).

البحث الثاني : في خيار الحيوان.

مسألة ٢٢٩ : إذا كان المبيع حيواناً ، يثبت (٤) الخيار‌ فيه للمشتري خاصّة ثلاثة أيّام من حين العقد على رأي ، فله الفسخ والإمضاء مدّة ثلاثة أيّام عند علمائنا أجمع ، خلافاً للجمهور كافّة.

لنا : الأخبار المتواترة عن أهل البيت عليهم‌السلام بذلك ، وهُمْ أعرف بالأحكام حيث هُمْ مظانّها ، ومهبط الوحي ، وملازمو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٤ ، المجموع ٩ : ١٨٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٤ ، المجموع ٩ : ١٨٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٤.

(٤) في « ق ، ك‍ » : « ثبت ».

٣٤

قال الصادق عليه‌السلام : « الشرط في الحيوان كلّه ثلاثة أيّام للمشتري ، وهو بالخيار اشترط أو لم يشترط » (١).

ولأنّ العيب في الحيوان قد يثبت خفياً غالباً ، وفي الثلاثة يختبر ويظهر أثره ، فوجب أن يكون مشروعاً ؛ دفعاً للضرر. ولأنّه يثبت في الشاة المصرّاة فكذا في غيرها ؛ لأنّ المناط هو ظهور العيب الخفيّ. ولأنّ الحيوان يغتذي ويأكل في حالتَي صحّته وسقمه ويتحوّل طبعه قلّما ينفكّ (٢) عن عيبٍ خفيّ أو ظاهر ، فيحتاج إلى إثبات الخيار ليندفع عنه هذا المحذور.

مسألة ٢٣٠ : هذا الخيار وخيار المجلس يثبتان بأصل الشرع ، سواء شرطاه في العقد أو أطلقا. أمّا لو شرطا سقوطه ، فإنّه يسقط إجماعاً ؛ لعموم قوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (٣).

إذا ثبت هذا ، فإنّما يثبت الخيار للمشتري لو لم يتصرّف في الحيوان في الثلاثة ، فإن تصرّف فيه ، سقط خياره إجماعاً ؛ لأنّه دليل على الرضا به.

ولقول الصادق عليه‌السلام : « فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل ثلاثة أيّام فذلك رضا منه فلا شرط له » قيل : وما الحدث؟ قال : « إن لامس أو قبّل أو نظر منها إلى ما يحرم عليه قبل الشراء » (٤).

ولا فرق بين أن يكون التصرّف لازماً كالبيع ، أو غير لازم كالهبة قبل القبض ، والوصيّة ، فإنّه بأجمعه مُسقط للخيار.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٢٦ ، ٥٤٩ ، التهذيب ٧ : ٢٤ ، ١٠١ بتفاوت.

(٢) كذا في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة. والظاهر : « وبتحوّل طبعه قلّما ينفكّ ». أو : و « يتحوّل طبعه وقلّما ينفكّ ».

(٣) التهذيب ٧ : ٣٧١ ، ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ ، ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٤) الكافي ٥ : ١٦٩ ، ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٤ ، ١٠٢.

٣٥

مسألة ٢٣١ : وكما يسقط هذا الخيار بالتصرّف كيف كان فكذا يسقط باشتراط سقوطه في العقد. وكذا بالتزامه واختيار الإمضاء بعد العقد.

ولا يسقط بالرضا بالعيب الموجود في الحيوان ، ولا بالتبرّي من عهدة العيب الحادث في الثلاثة. وكذا لا يسقط خيار العيب بإسقاط خيار الثلاثة.

نعم ، لو أسقط خيار الثلاثة ، سقط خيار العيب المتجدّد فيها ، وكان من ضمان المشتري.

مسألة ٢٣٢ : وهذا الخيار يثبت للمشتري خاصّة‌ عند أكثر (١) علمائنا.

وقال السيّد المرتضى رحمه‌الله : يثبت للبائع (٢) أيضاً.

لنا : الأصل لزوم العقد ، خرج عنه جانب المشتري ، نظراً له لخفاء العيب ، فإنّ عيوب الحيوانات أكثرها باطنة لا تظهر (٣) إلاّ بالاختبار والتراخي والتروّي المفتقر إلى طول الزمان ، أمّا البائع فإنّه المالك ، وقلّ أن يخفى عليه جودة حيوانه ، وعيب الثمن ظاهر في الحال.

ولأنّ الصادق عليه‌السلام قال : « الشرط في الحيوان كلّه ثلاثة أيّام للمشتري » (٤) والتخصيص بالوصف يدلّ على نفي الحكم عمّا عداه.

احتجّ السيّد المرتضى رحمه‌الله بقول الصادق عليه‌السلام : « المتبايعان بالخيار ثلاثة أيّام في الحيوان وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا » (٥).

__________________

(١) منهم : الشيخ الطوسي في النهاية : ٣٨٦ ، وسلاّر في المراسم : ١٧٣ ، والقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٣٥٣ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٢٤٣ ٢٤٤ ، والمحقّق الحلّي في شرائع الإسلام ٢ : ٢٢.

(٢) الانتصار : ٢٠٧.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « لا تظهر له ».

(٤) تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص ٣٥ ، الهامش (١).

(٥) التهذيب ٧ : ٢٣ ٢٤ ، ٩٩.

٣٦

والجواب : ثبوته للمشتري يدلّ على ثبوته للمجموع ، ولا يدلّ على ثبوته للآخر.

وأيضاً يُحمل على ما إذا كان الثمن حيواناً إمّا في ثمن حيوانٍ آخر أو في ثوبٍ أو غيرهما ؛ جمعاً بين الأدلّة.

ولوجود المقتضي لثبوت الخيار للمشتري ، وهو خفاء عيب الحيوان ، فإذا كان الثمن حيواناً ، كان المقتضي لثبوت الخيار فيه متحقّقاً ، ولا يثبت إلاّ للبائع.

ويؤيّده قول الباقر عليه‌السلام ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : المتبايعان بالخيار حتى يفترقا وصاحب الحيوان ثلاث » (١) وهو عامّ في البائع والمشتري. فعلى هذا لو باع حيواناً بحيوان ، يثبت (٢) الخيار لهما معاً ، وعلى ما اخترناه يكون الخيار للمشتري خاصّة.

ولو كان الثمن حيواناً والمثمن ثوباً ، فلا خيار. أمّا للمشتري : فلأنّه لم يشتر حيواناً. وأمّا البائع : فلأنّه ليس بمشترٍ ، والحديث إنّما يقتضي ثبوته للمشتري خاصّة.

البحث الثالث : في خيار الشرط.

مسألة ٢٣٣ : لا خلاف بين العلماء في جواز اشتراط الخيار في البيع ؛ للأصل. ولقوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٣) فإذا وقع على شرطٍ سائغ ،

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٧٠ ، ٤ ، وفيه : « البيّعان .. » التهذيب ٧ : ٢٤ ، ١٠٠ ، وفيه « البائعان .. ».

(٢) في « ق ، ك‍ » : « ثبت ».

(٣) المائدة : ١.

٣٧

وجب الوفاء. وقولِه عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (١).

وإنّما اختلفوا في أنّه مقدّر أم لا؟ فمن قدّره اختلفوا في مدّة تقديره ، فالذي عليه علماؤنا أجمع أنّه لا يتقدّر في أصل الشرع بقدر معيّن ، بل يجوز أن يشترط خياراً مهما أراد من الزمان ، طال أو قصر بشرط ضبطه بما لا يحتمل الزيادة والنقصان ، كاليوم والشهر والسنة والسنين المعدودة المعيّنة المضبوطة ابتداءً وانتهاءً ـ وبه قال أبو يوسف ومحمّد وأحمد بن حنبل (٢) للعمومات السابقة.

وقولِ الصادق عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم إلاّ كلّ شرط خالف كتاب الله عزّ وجلّ فلا يجوز » (٣).

وسُئل الصادق عليه‌السلام عن رجل مسلم احتاج إلى بيع داره ، فجاء إلى أخيه ، فقال : أبيعك داري هذه وتكون لك أحبّ إليَّ من أن تكون لغيرك على أن تشترط لي إن أنا جئتك بثمنها إلى سنة أن تردّ عليَّ ، فقال : « لا بأس بهذا إن جاء بثمنها إلى سنة ردّها عليه » قلت : فإنّها كانت فيها غلّة كثيرة فأخذ الغلّة لمن تكون الغلّة؟ قال : « الغلّة للمشتري ، ألا ترى أنّها لو احترقت لكانت من ماله » (٤).

ولأنّه لا فرق بين المدّة القليلة والكثيرة ، فإذا جاز في القليلة ، جاز في‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧١ ، ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ ، ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٢) النتف ١ : ٤٤٦ ، المبسوط للسرخسي ١٣ : ٤١ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٥١ ، ١١٢٨ ، تحفة الفقهاء ٢ : ٦٦ ، الهداية للمرغيناني ٣ : ٢٧ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٨ ، المغني ٤ : ٩٧ ٩٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٧٣ ٧٤ ، الوسيط ٣ : ١٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٠ ، الحاوي الكبير ٥ : ٦٥ ، الذخيرة ٥ : ٢٤.

(٣) الفقيه ٣ : ١٢٧ ، ٥٥٣ ، التهذيب ٧ : ٢٢ ، ٩٣ ، وفيهما : « المسلمون .. ».

(٤) التهذيب ٧ : ٢٣ ، ٩٦.

٣٨

الكثيرة ، بل هي أولى ؛ لأنّ الخيار جُعل إرفاقاً بالمتعاقدين ، فإذا زادت المدّة ، كان الإرفاق المطلوب حصوله في نظر الشرع أزيد. ولأنّها مدّة ملحقة بالعقد ، فكانت إلى تقدير المتعاقدين.

وقال الشافعي : لا يجوز اشتراط مدّة في العقد تزيد على ثلاثة أيّام ـ وبه قال أبو حنيفة لقول عمر : ما أجد (١) لكم أوسع ممّا جعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحبّان (٢) بن منقذ جعل له عهدة ثلاثة أيّام إن رضي أخذ ، وإن سخط ترك (٣).

وعن ابن عمر أنّ حبّان بن منقذ أصابته آمّة (٤) في رأسه ، فكان يُخدع في البيع ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا بايعت فقُلْ : لا خلابة » وجَعَل له الخيار ثلاثة أيّام (٥).

وقوله : « لا خلابة » عبارة في الشرع عن اشتراط الخيار ثلاثاً إذا أطلقاها عالمين بمعناها كان كالتصريح بالاشتراط.

ولأنّ الخيار غرر ينافي مقتضى البيع (٦) ، وإنّما جوّز لموضع الحاجة ، فجاز القليل منه الذي تدعو الحاجة إليه في الغالب ، وآخر حدّ القلّة الثلاثة ؛ لقوله تعالى ( فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ ) (٧) ثمّ قال ( تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « ما أُحلّ ». والظاهر أنّها تصحيف ما أثبتناه من المصدر.

(٢) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « لحنان ». وكذا في الموارد الآتية ، وما أثبتناه من المصدر ، وكما في تهذيب الأسماء واللغات للنووي ١ : ١٥٢ ، ١١١.

(٣) سنن الدارقطني ٣ : ٥٤ ، ٢١٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٧٤.

(٤) الآمّة : هي الشجّة التي بلغت أُمّ الرأس ، وهي الجلدة التي تجمع الدماغ. لسان العرب ١٢ : ٣٣ « أمم ».

(٥) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٨٩ ، ٢٣٥٥ ، سنن الدارقطني ٣ : ٥٥ ٥٦ ، ٢٢٠.

(٦) في الطبعة الحجريّة : « العقد » بدل « البيع ».

(٧) هود : ٦٤.

٣٩

ثَلاثَةَ أَيّامٍ ) (١) وأجاز رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للمهاجر أن يقيم بمكّة بعد قضاء مناسكه ثلاثاً (٢) (٣).

وقال مالك : يجوز في ذلك قدر ما يحتاج إليه ، فإن كان البيع من الفواكه التي لا تبقى أكثر من يوم ، جاز الخيار فيها (٤) يوماً واحداً. وإن كان ضيعةً لا يمكنه أن يصل إليها إلاّ في أيّامٍ ، جاز الخيار أكثر من ثلاث ؛ لأنّ الخيار إنّما يثبت للحاجة إليه ، فجاز حسب الحاجة (٥).

والجواب : لا عبرة بتحريم عمر ، فإنّه ليس أهلاً لأن يُحلّل أو يُحرّم. وجَعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحبّان بن منقذ عهدة ثلاثة أيّام لا يدلّ على المنع عن الزائد. ولو كان الخيار مشتملاً على غرر ، لما ساغ التقدير بثلاثة أيّام ، وإذا كان الضابط الحاجةَ ، وجب أن يتقدّر بقدرها ، كما قاله مالك ، والغالب‌

__________________

(١) هود : ٦٥.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٩٨٥ ، ٤٤٢ ، و ٩٨٦ ، ٤٤٤ ، سنن النسائي ٣ : ١٢٢ ، سنن البيهقي ٣ : ١٤٧ ، مسند أحمد ٦ : ٣٩ ، ٢٠٠٠٢ ، المعجم الكبير للطبراني ١٨ : ٩٦ و ٩٧ ، ١٦٩ ١٧١.

(٣) مختصر المزني : ٧٦ ، الحاوي الكبير ٥ : ٦٥ ، المهذّب للشيرازي ١ : ٢٦٥ ، المجموع ٩ : ١٩٠ و ٢٢٥ ، الوجيز ١ : ١٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٠ ، الوسيط ٣ : ١٠٨ ، حلية العلماء ٤ : ٢١ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٣١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٨ ، المبسوط للسرخسي ١٣ : ٤١ ، الهداية للمرغيناني ٣ : ٢٧ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٥١ ، ١١٢٨ ، النتف ١ : ٤٤٦ ، تحفة الفقهاء ٢ : ٦٥ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٠٩ ، الذخيرة ٥ : ٢٤ ، المغني ٤ : ٩٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٧٤.

(٤) كلمة « فيها » لم ترد في « ق ، ك‍ ».

(٥) بداية المجتهد ٢ : ٢٠٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ٦٥ ، الذخيرة ٥ : ٢٣ ٢٤ ، حلية العلماء ٤ : ١٩ ٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٠ ، المغني ٤ : ٩٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٧٤.

٤٠