تذكرة الفقهاء - ج ١١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: ٤٢٩

فيها. وإن مزج السمسم بها ثمّ اعتصرها ، جاز (١).

د ـ المختلطات في أصل الخلقة ، كالشهد. ويجوز السلف فيه وهو أصحّ وجهي الشافعيّة (٢) لأنّ اختلاطه في أصل خلقته ، فأشبه النوى في التمر ، وكما يجوز السَّلَم في الشهد يجوز في كلّ واحد من ركنية.

والثاني للشافعيّة : المنع ؛ لأنّ أحد جزءيه الشمع ، وقد يقلّ تارة ويكثر اخرى ، فلا يمكن ضبطه (٣).

وهذه الكثرة والقلّة لم يعتبرها الشارع ، كما في صغر النواة وكبرها.

وأمّا اللبن : فإنّه شي‌ء واحد يجوز السَّلَم فيه إجماعاً وإن كان قد يحصل منه شيئان مختلفان ، كالزبد والمخيض.

مسألة ٤٣٨ : اللحم لا يجوز السلف فيه‌ عند علمائنا وبه قال أبو حنيفة (٤) لأنّه لا يضبط بالوصف ، ففيه السمين والهزيل ، والمشتمل على العظم والخالي عنه ، واللين والقويّ.

ولأنّ جابراً سأل الباقرَ عليه‌السلام عن السلف في اللحم ، قال : « لا تقربه فإنّه يعطيك مرّة السمين ، ومرّة التاوي (٥) ، ومرّة المهزول ، اشتره معاينة يداً بيد » (٦).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٨.

(٢) التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٨.

(٣) التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٨.

(٤) تحفة الفقهاء ٢ : ١٥ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢١٠ ، الهداية للمرغيناني ٣ : ٧٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١١ ، ١٠٧٧ ، فتاوى قاضيخان ٢ : ١١٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٠٢ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٤٢.

(٥) في « ي » والطبعة الحجريّة : « المساوي » بدل « التاوي ». والتاوي : الهالك. لسان العرب ١٤ : ١٠٦ « توا ».

(٦) الفقيه ٣ : ١٦٧ ، ٧٣٨ ، التهذيب ٧ : ٤٥ ، ١٩٣.

٢٨١

وقال الشافعي : يجوز ؛ لأنّه يجوز في الحيوان فيجوز في اللحم (١).

والملازمة ممنوعة.

ولا فرق في المنع عندنا بين المطبوخ منه والني‌ء.

إذا ثبت هذا ، فإنّ الشافعي حيث جوّزه قال : يضبط بسبعة (٢) أوصاف : الجنس ، كلحم الغنم. والنوع ، كالضأن. والسنّ ، فيقول : لحم صغير أو كبير ، فطيم أو رضيع. والذكر والأُنثى ، والسمين والمهزول ، والمعلوف والراعي ، وموضعه من البدن ، كلحم الرقبة أو الكتف أو الذراع ، وفحل أو خصيّ ، وتسليمه إليه مع العظام ؛ لأنّ اللحم يدّخر معه ، فأشبه النوى في التمر. ولأنّ العظم يلتصق باللحم ويتّصل به أكثر من اتّصال النوى بالتمر. وإن أسلم في مشويّ أو مطبوخ ، لم يجز عنده ؛ لأنّ النار تختلف فيه. وكره اشتراط الأعجف وإن لم يكره المهزول ؛ لأنّ العجف هزال مع مرض. ولأنّ الحموضة في اللبن لا يجوز شرطها ؛ لأنّها تغيّر فالعجف أولى (٣).

وهذا كلّه عندنا باطل ؛ للمنع من السلف في اللحم.

إذا ثبت هذا ، فلا فرق بين لحم الأهلي ولحم الصيد في المنع عندنا‌

__________________

(١) الام ٣ : ١١٠ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١١ ، ١٠٧٧ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٠٢ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٤٢.

(٢) كذا حيث إنّ المذكور هنا ثمانية أوصاف. وفي « العزيز شرح الوجيز » و « روضة الطالبين » ذكرا الفحل أو الخصي من توابع الشرط الرابع الذي هو الذكورة والأُنوثة ، لا شرطاً مستقلا.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٦ ٤١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٢ ٢٦٣.

٢٨٢

والجواز عنده.

ويذكر عنده في لحم الصيد ستّة (١) أوصاف : النوع ، والذكر أو الأُنثى ، والسمن أو الهزال ، والصغر أو الكبر ، والجيّد أو الردي‌ء. وإن كان يختلف بالآلة التي يصطاد بها ، شرطه ، فإنّ صيد الأُحبولة أنظف وهو سليم ، وصيد الجارح مجروح متألّم ، ويقال : صيد الكلب أطيب من صيد الفهد ؛ لطيب نكهة الكلب وتغيّر فم الفهد ، فإن كان ذلك يتباين ويختلف ، وجب شرطه. وإن كان اختلافاً يسيراً ، لم يجب. فإن كان الصيد يعمّ وجوده في جميع الأزمان ، أسلم فيه ، وجعل محلّه ممّا يتّفقان عليه. وإن كان يوجد في وقتٍ دون وقت ، أسلم فيه متى شاء ، وجعل محلّه الوقت الذي يوجد فيه عامّاً (٢).

وهذا كلّه عندنا ساقط ؛ للمنع من السلف في اللحم ، وهو قول أبي حنيفة (٣).

وأمّا لحم الطير فلا يجوز السلف فيه عندنا على ما تقدّم (٤) ، وبه قال أبو حنيفة (٥).

وقال الشافعي : يجوز بناءً على أصله من جواز السلف في اللحوم ، فيصف لحم الطير عنده بالنوع والصغر والكبر والسمن والهزال والجودة‌

__________________

(١) المذكور هنا خمسة أوصاف ، ولعلّ السادس : الجنس ، انظر : المصدر في الهامش التالي.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٣.

(٣) راجع المصادر في الهامش (٤) من ص ٢٨٣.

(٤) في صدر المسألة.

(٥) راجع المصادر في الهامش (٤) من ص ٢٨٣.

٢٨٣

والرداءة. وإن كان كبيراً ، يذكر موضع اللحم منه ، ولا يأخذ في الوزن الرأس والساق والرِّجْل ؛ لأنّ ذلك لا لحم عليه (١).

مسألة ٤٣٩ : قد بيّنّا أنّ الاستقصاء في ذكر الأوصاف المخرج إلى عزّة الوجود وعسر التحصيل مبطل للسَّلَم ؛ لما فيه من تعذّر التسليم ، الذي هو مانع من صحّة البيع. ولأنّ في عقد السَّلَم نوعَ غرر ، فلا يحصل إلاّ فيما يوثق بتسليمه.

ثمّ الشي‌ء قد يكون نادر الوجود من حيث جنسه ، كلحم الصيد في موضع العزّة ، وقد لا يكون كذلك إلاّ أنّه بحيث إذا ذكرت أوصافه التي يجب التعرّض لها ، عزّ وجوده ؛ لندور اجتماعها ، كاللآلي الكبار واليواقيت والزبرجد على ما بيّنّا ، وكجارية حسناء معها ولد صفته كذا ، أو أُخت أو عمّة بحيث يتعذّر حصوله ، فإنّه لا يجوز. ولو لم يتعذّر كجارية معها ولد أو شاة لها سخلة فإنّه يجوز عندنا.

وبالجملة ، الضابط عزّة الوجود وتعذّره ، فيبطل معه ويصحّ بدونه.

واختلفت الشافعيّة ، فقال بعضهم : يجب التعرّض للأوصاف التي تختلف بها الأغراض. وبعضهم اعتبر الأوصاف التي تختلف بها القيمة. وبعضهم جمع بينهما (٢).

وليست هذه الأقوال بشي‌ء ؛ لأنّ كون العبد كاتباً أو أُمّيّا ، وكونه قويّاً في العمل أو ضعيفاً أوصاف يختلف بها الغرض والقيمة ، ولا يجب التعرّض لها.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٧.

٢٨٤

إذا ثبت هذا ، فإطلاق الشافعي المنع من السلف في الجارية وولدها (١) ليس بشي‌ء.

إذا ثبت هذا ، فيجب ذكر الصفات المميّزة في الولد المنضمّ إلى الجارية أو الأُخت أو العمّة ، كما في صفات الجارية.

مسألة ٤٤٠ : لو شرط كونها حبلى ، فالأقرب : الجواز ؛ لأنّه وصف مرغوب فيه عند العقلاء ، وتختلف به الأغراض والأثمان ، لا يوجب عزّةً ولا تعذّراً في التسليم ، فكان جائزاً ، كغيره من الشروط.

وللشافعيّة طريقان : أظهرهما : المنع ؛ لأنّ اجتماع الحمل مع الصفات المشروطة نادر (٢).

وهو ممنوع ؛ لأنّه شرط يمكن حصوله ، فجاز انضمامه إلى الشروط والصفات المشروطة ، كما لو شرط كون العبد كاتباً ، وكون الجارية ماشطةً مع الصفات المشروطة.

والثاني : قال أبو إسحاق وجماعة : إنّه على قولين بناءً على أنّ الحمل هل له حكم أم لا؟ إن قلنا : له حكم ، جاز ، وإلاّ فلا ؛ لأنّه لا يعرف حصوله (٣).

وهو ممنوع ؛ لإمكان المعرفة به.

ولو شرط كون الشاة لبوناً ، فالأقرب : الجواز. وللشافعيّة قولان (٤).

مسألة ٤٤١ : ولو أسلم في جارية وولد ، جاز ، وبه قال الشافعي (٥)

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٩.

(٢) حلية العلماء ٤ : ٣٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٩.

(٣) حلية العلماء ٤ : ٣٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٩.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٩.

(٥) انظر : التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧٧.

٢٨٥

حيث لم يشترط نسبة الولد إليها ، ويكون ذلك شراء جارية كبيرة وعبد صغير إذا لم يقل : ابنها.

ونحن قد بيّنّا جواز ذلك أيضاً.

ولو شرط في العبد أنّه كاتب أو صانع أو غير ذلك من الصنائع ، أو كون الجارية ماشطةً أو صانعةً ، جاز ، ولزمه أدنى ما يقع عليه الاسم ، وبه قال الشافعي (١).

مسألة ٤٤٢ : يجوز السَّلَم في الحيوان بسائر أنواعه‌ عند علمائنا أجمع وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق (٢) لما رواه العامّة عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن أُجهّز جيشاً وليس عندنا ظهر ، فأمره النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يبتاع البعير بالبعيرين وبالأبعرة إلى خروج المصدّق (٣).

ومن طريق الخاصّة : رواية الحلبي في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام قال : « لا بأس بالسَّلَم في الحيوان إذا سمّيت الذي تسلم فيه فوصفته ، فإن وفيته وإلاّ فأنت أحقّ بدراهمك » (٤).

وعن زرارة في الصحيح عن الباقر عليه‌السلام قال : « لا بأس بالسَّلَم في‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١١ ٤١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٩.

(٢) التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧٦ ، شرح السنّة للبغوي ٥ : ١٣٠ ، حلية العلماء ٤ : ٣٦٢ ، الوسيط ٣ : ٤٣٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٩ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٠١ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٣٨ ، المعونة ٢ : ٩٨٥ ، الاستذكار ٢٠ : ٩٢ ، ٢٩٣٨٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٢ ، ١٠٨٢ ، المغني ٤ : ٣٤١ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٣٩.

(٣) سنن البيهقي ٥ : ٢٨٧ و ٢٨٨ ، المصنّف لعبد الرزّاق ٨ : ٢٢ ٢٣ ، ١٤١٤٤.

(٤) التهذيب ٧ : ٤١ ، ١٧٤.

٢٨٦

الحيوان والمتاع إذا وصفت الطول والعرض ، وفي الحيوان إذا وصفت أسنانها » (١).

ولأنّه يثبت في الذمّة صداقاً فيثبت سَلَماً ، كالثياب.

وقال الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة : لا يجوز السَّلَم في الحيوان ؛ لأنّ عمر بن الخطّاب قال : إنّ من الربا أبواباً لا تحصى (٢) ، وإنّ منها السلف في السنّ. ولأنّ الحيوان يختلف كثيراً ، فلا يمكن ضبطه بالصفة ، فأشبه رؤوس الحيوان وكوارعه (٣).

وحديث عمر ليس حجّةً ، ولو كان فهو حديث لم يعرفه أصحاب الاختلاف. وأيّ ربا فيه؟ مع أنّه محمول على أنّه أراد ما كانوا يسلمون فيه ويشترطون من ضراب فحل بني فلان ، على أنّه قد روي أنّ أمير المؤمنين عليّاً عليه‌السلام باع جملاً له يدعى (٤) عصيفيراً (٥) بعشرين بعيراً إلى أجل (٦). واشترى ابن عمر راحلة بأربعة أبعرة يوفّيها صاحبها بالربذة (٧). وما ذكروه من اختلافه يستلزم عليه الثياب. والأطراف لا تثبت صداقاً ، بخلاف‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٤١ ، ١٧٥.

(٢) في المغني والشرح الكبير : « لا تخفى » بدل « لا تحصى ».

(٣) المغني ٤ : ٣٤٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٣٩ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٨٢ ، ١٠٨٢ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٠٩ ، الاستذكار ٢٠ : ٩٢ ، ٢٩٣٨٤ ، شرح السنّة للبغوي ٥ : ١٣٠ ، حلية العلماء ٤ : ٣٦٢ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧٦ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٩٩ ، الوسيط ٣ : ٤٣٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٠١.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « يسمّى » بدل « يدعى ».

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « عصفر ». وما أثبتناه من المصادر.

(٦) الموطّأ ٢ : ٦٥٢ ، ٥٩ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٨٨ ، و ٦ : ٢٢ ، معرفة السنن والآثار ٨ : ١٩٢ ، ١١٦٠٢ ، شرح السنّة للبغوي ٥ : ٥٦.

(٧) الموطّأ ٢ : ٦٥٢ ، ٦٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٨٨ ، و ٦ : ٢٢ ، معرفة السنن والآثار ٨ : ١٩٢ ، ١١٦٠٣ ، شرح السنّة للبغوي ٥ : ٥٦.

٢٨٧

الحيوان.

مسألة ٤٤٣ : لا يجوز السَّلَم في رؤوس الحيوانات المأكولة ، سواء كانت مطبوخةً أو مشويّةً أو نيّةً ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد القولين في النيّة ، أمّا المطبوخة والمشويّة فلا يجوز قولاً واحداً ؛ لاختلاف تأثير النار في ذلك ، فلم يجز ، كما لا يجوز السَّلَم في اللحم المشويّ والمطبوخ. أمّا النيّة فوجه المنع : أنّ أكثر الرأس العظام والمشافر ، فاللحم فيه قليل يختلف ، فإذا كان أكثره غير مقصود ، لم يجز ، بخلاف اللحم عنده يكون فيه العظم ؛ لقلّة العظم فيه ، فالأكثر مقصود وعندنا أنّ اللحم كالرأس في المنع وبخلاف الحيوان ، فإنّ المقصود جملة الحيوان من غير التفات إلى آحاد الأعضاء.

والقول الثاني له : الجواز في النيّة وبه قال مالك لأنّ ذلك لحم فيه عظم يجوز شراؤه ، فجاز السَّلَم فيه ، كاللحم (١).

والملازمة ممنوعة ، فليس كلّ ما جاز بيعه جاز السلف فيه.

وعلى تقدير الجواز إنّما يجوز عنده بشروط :

أ ـ أن تكون منقّاةً من الصوف والشعر ، فأمّا السَّلَم فيها من غير تنقية فلا يجوز ؛ لستر المقصود بما ليس بمقصود.

ب ـ أن توزن ، فإنّها تختلف بالصغر والكبر اختلافاً بيّناً ، فلا يجزئ العدد فيها.

__________________

(١) بدائع الصنائع ٥ : ٢٠٩ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١١ ، ١٠٧٨ ، فتاوى قاضيخان ٢ : ١١٨ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٤١ ٣٤٢ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٠٢ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٨٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٣ و ٢٦٤.

٢٨٨

ج ـ أن تكون نيّةً ، فأمّا المطبوخة والمشويّة فلا يجوز السَّلَم فيها بحال (١).

واعتبر بعضهم آخَر : أن تكون المشافر والمناخر منحّاةً عنها (٢). ولم يعتمد عليه أكثرهم (٣).

مسألة ٤٤٤ : لا يجوز السَّلَم في الكوارع ، سواء كانت مطبوخةً أو مشويّةً أو نيّةً ؛ لعدم انضباطها ، فقد يكثر لحمها ويقلّ.

واختلفت الشافعيّة (٤) ، فقال بعضهم : لا يجوز السَّلَم فيها قطعاً ، ولم يحك فيها قولين. وبعضهم قال : إنّ فيها قولين. ولا فرق بينها وبين الرؤوس ؛ لأنّ الرؤوس والأكارع تختلف بالصغر والكبر ، وأكثرها غير مقصود ، فإن جوّزوا السَّلَم فيها ، اشترطوا الوزن.

وكذا لا يجوز السلف في غير ذلك من أعضاء الحيوان.

وقال بعضهم : يجوز السلف في الكوارع ؛ لقلّة الاختلاف في أجزائها (٥).

وبعضهم مَنَع من الرؤوس ؛ لأنّ الكبر فيها مقصود ، فلا يجوز اعتبارها بالوزن ، فيلحق بالمعدودات (٦) ، لكن بيعها سلفاً بالعدد باطل ، فلهذا لم يجز السلف في الرؤوس.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٨.

(٤) انظر : التهذيب للبغوي ٣ : ٥٨٢ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٨ ، وروضة الطالبين ٣ : ٢٦٤.

(٥) الغزالي في الوجيز ١ : ١٥٧ ، وانظر : الوسيط ٣ : ٤٤٢.

(٦) انظر : الوسيط ٣ : ٤٤١ ٤٤٢ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٩ ، وروضة الطالبين ٣ : ٢٦٤.

٢٨٩

مسألة ٤٤٥ : لا يجوز بيع الترياق ولا السَّلَم فيه‌ ؛ لأنّه يخالطه لحوم الأفاعي ، وهي حرام ، ويمازجه الخمر ، وهو نجس. وكذا جميع السموم من الحيتان وغيرها لا يجوز بيعه ولا السلف فيه ؛ لعدم الانتفاع به.

ولو كان ممّا يصلح قليله للدواء ويكون كثيره سمّاً كالسقمونيا ، فإنّه يجوز السَّلَم فيه ، ويصفه بما يحتاج إليه إذا أمكن ضبط أوصافه.

ولا فرق عندنا في جواز البيع بين قليله وكثيره ، وهو قول أكثر الشافعيّة (١).

وقال بعضهم : لا يجوز بيع كثيرة ؛ لأنّه سمّ (٢).

وهو خطأ ؛ لأنّه لم يبع كذلك ، وإذا جاز قليله ، جاز بيع جنسه ؛ لأنّ فيه منفعةً بالجملة.

مسألة ٤٤٦ : يجوز السَّلَم في الحيتان مع إمكان ضبطها ـ وبه قال الشافعي (٣) لأنّها نوع من الحيوان ، وقد بيّنّا جواز السلف في أنواعه.

ولا يجوز السلف في شي‌ء من لحوم الطير ؛ لأنّا بيّنّا بطلان السَّلَم في اللحوم مطلقاً.

وقال الشافعي : يجوز ، بناءً على مذهبه من جواز السَّلَم في مطلق اللحم ، ويصفه بذكر النوع والصغر والكبر والسمن والهزال والجيّد والردي. وإن كان كبيراً ، ذكر موضع اللحم منه ، ولا يأخذ في الوزن الرأس والساق والرِّجْل ؛ لأنّه لا لحم عليها (٤).

__________________

(١) انظر : التهذيب للبغوي ٣ : ٥٨١ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩ ، وروضة الطالبين ٣ : ٢٠ ، والمجموع ٩ : ٢٥٦.

(٢) انظر : التهذيب للبغوي ٣ : ٥٨١ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩ ، وروضة الطالبين ٣ : ٢٠ ، والمجموع ٩ : ٢٥٦.

(٣) الأُم ٣ : ١١١.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٦ و ٤١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٢ و ٢٦٣.

٢٩٠

وكلّ هذا عندنا باطل.

مسألة ٤٤٧ : يجوز السلف في اللبن والسمن والزُّبْد واللبَأ والأقط ؛ لإمكان ضبطها بالوصف ، وينصرف مطلق اللبن إلى الحلو.

ولو أسلم في اللبن الحامض ، قال بعض الشافعيّة : لا يجوز ؛ لأنّ الحموضة عيب فيه (١).

والأولى عندي : الجواز ؛ فإنّ العيوبة (٢) لا تخرجه عن الماليّة والتقويم.

ولو أسلم في لبن يومين أو ثلاثة ، جاز إذا بقي حلواً في تلك المدّة.

ولو تغيّر إلى الحموضة ، لم يبرأ ؛ لأنّها عيب ، إلاّ أن يكون حصولها ضروريّاً في تلك المدّة.

ويجوز السَّلَم فيه كيلاً ووزناً ، ولا يكال حتى تسكن الرغوة ، ويجوز وزنه قبل سكونها.

ويجوز في السمن كيلاً ووزناً ، لكن إن كان جامداً يتجافى في المكيال ، تعيّن الوزن.

وليس في الزُّبْد إلاّ الوزن ، قاله الشافعي (٣).

ولو قيل بجواز كيله ، أمكن.

وأمّا اللِّبَأ المجفّف : فهو موزون عند الشافعي ، وقبل تجفيفه كاللبن (٤).

وهل يجوز السلف في المخيض؟ مَنَع منه الشافعي إن كان فيه ماء (٥).

والأولى عندي : الجواز مطلقاً.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٥.

(٢) كذا ، ولعلّ الأولى : « الحموضة » بدل « العيوبة ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٥.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٥.

٢٩١

ولو مخض اللبن من غير ماء ، جاز السلف فيه ، ويصحّ وصفه بالحموضة ، وبه قال الشافعي (١).

مسألة ٤٤٨ : يجوز السلف في الأثمان : الدراهم والدنانير إذا كان الثمن غير النقدين وبه قال الشافعي ومالك (٢) لأنّه يثبت في الذمّة صداقاً فيثبت سَلَماً كغيره. ولأنّه يمكن ضبطه بالوصف ، وهو أقرب إلى الضبط من غيره ، فكان الجواز فيه أولى.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز السَّلَم فيها ؛ لأنّها لا تثبت في الذمّة إلاّ ثمناً فلا تكون مثمنةً (٣).

وهو ممنوع ؛ فإنّه يجوز بيع الذهب بمثله وبالفضّة ، والفضّة بمثلها وبالذهب ، ولا [ بدّ أن ] (٤) يكون كلّ واحد منهما مثمناً [ و ] (٥) ثمناً كذا هنا.

وإنّما لم يجز بالنقدين ؛ لأنّه يكون صرفاً ، ومن شرطه التقابضُ في المجلس. ولو فرض امتداده حتى يخرج الأجل ، فالأولى المنع أيضاً.

ولو كان السَّلَم حالاّ وقلنا به ، جاز إذا تقابضا في المجلس ، وهو قول بعض (٦) الشافعيّة.

وقال بعضهم (٧) : على تقدير جواز الحالّ لا يجوز هنا ؛ لأنّ لفظ السَّلَم يقتضي تقديم أحد العوضين واستحقاق قبضه دون الآخر ، والصرف‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٥.

(٢) الام ٣ : ٩٨ ، المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٤ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧٦ ، حلية العلماء ٤ : ٣٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٨ ، المعونة ٢ : ٩٦٨ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٦٧.

(٣) تحفة الفقهاء ٢ : ١١ ، الهداية للمرغيناني ٣ : ٧١ ، النتف ١ : ٤٥٧ ، المغني ٤ : ٣٦٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٦٧ ، حلية العلماء ٤ : ٣٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢١ ـ ٤٢٢.

(٤) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٥) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٦) حلية العلماء ٤ : ٣٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٨.

(٧) حلية العلماء ٤ : ٣٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٨.

٢٩٢

يقتضي تسليم العوضين جميعاً ، فلم ينعقد الصرف بلفظ السَّلَم.

والمقدّمتان ممنوعتان.

مسألة ٤٤٩ : يجوز السلف في جميع الثمار والفواكه ؛ لإمكان ضبطها بالوصف.

وقد روى ابن بكير عن الصادق عليه‌السلام قال : « لا بأس بالسَّلَم في الفاكهة » (١).

وسأل عبدُ الله بن بكير الصادقَ عليه‌السلام عن رجل أسلف في شي‌ء يسلف الناس فيه من الثمار فذهب زمانها فلم يستوف سلفه ، قال : « فليأخذ رأس ماله أو لينظره » (٢).

وكذا يجوز السلف في أصناف الطعام من الحنطة والشعير والدخن والذرّة ، وأصنافِ الحبوب من العدس والسمسم والماش واللوبيا ، وغير ذلك من جميع الأشياء التي يمكن ضبط أوصافها ، وعموم وجودها في المحلّ ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ للأصل.

ولما رواه محمّد الحلبي في الصحيح أنّه سأل الصادقَ عليه‌السلام عن السَّلَم في الطعام بكيل معلوم إلى أجل معلوم ، قال : « لا بأس به » (٣).

وكذا يجوز السلف في العسل والسُّكّر والسيلان والدبس وإن خالطته النار ، خلافاً للشافعي فيما خالطته النار (٤).

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٤٤ ، ١٨٧.

(٢) الفقيه ٣ : ١٦٥ ، ٧٢٨ ، التهذيب ٧ : ٣١ ، ١٣١ ، الاستبصار ٣ : ٧٤ ، ٢٤٧.

(٣) الكافي ٥ : ١٨٥ ، ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٨ ، ١٢١.

(٤) التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧٨ و ٥٧٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٧ و ٤١٨ ، وانظر : روضة الطالبين ٣ : ٢٦٣.

٢٩٣

مسألة ٤٥٠ : يجوز السلف (١) في الوبر والصوف والقطن والإبريسم والغزل‌ المصبوغ وغير المصبوغ والثياب والحطب والخشب والحديد والصفر والرصاص والقير والنفط والبزر والشيرج والخضر والفواكه وما تنبته الأرض والبيض والجوز واللوز والشحم والطيب والملبوس والأشربة والأدوية والصفر والحديد والرصاص (٢) والنحاس والزئبق والكحل والزيت ، وبالجملة سائر أصناف الأموال إذا جمعت الشرائط.

قال الصادق عليه‌السلام : « لا بأس بالسَّلَم في المتاع إذا وصفت الطول والعرض » (٣).

وسأله سماعة عن السَّلَم وهو السلف في الحرير والمتاع الذي يصنع في البلد الذي أنت فيه ، قال : « نعم ، إذا كان إلى أجل معلوم » (٤).

وسأل الحلبي الصادقَ (٥) عليه‌السلام عن الزعفران يسلم فيه الرجل دراهم في عشرين مثقالاً أو أقلّ من ذلك أو أكثر ، قال : « لا بأس إن لم يقدر الذي عليه الزعفران أن يعطيه جميع ما له أن يأخذ نصف حقّه أو ثلثه أو ثلثيه ويأخذ رأس مال ما بقي من حقّه » (٦).

وهذا الخبر كما دلّ على المطلوب فقد دلّ على مطلوبٍ آخر ، وهو : أنّ الزعفران يجوز السَّلَم فيه مع كثرته ، مع أنّ الكثير منه قاتل.

__________________

(١) في « س » : « السَّلَم » بدل « السلف ».

(٢) قوله : « والصفر .. الرصاص » قد تكرّر هنا ذكرها في « س » والطبعة الحجريّة. ولم يرد ذكرها وكذا النحاس والزئبق في « ي ».

(٣) الكافي ٥ : ١٩٩ ( باب السلف في المتاع ) الحديث ١ ، التهذيب ٧ : ٢٧ ، ١١٣.

(٤) التهذيب ٧ : ٤١ ٤٢ ، ١٧٦.

(٥) في المصادر : عن الحلبي ، قال : سُئل الصادق عليه‌السلام.

(٦) الكافي ٥ : ١٨٦ ، ١٠ ، الفقيه ٣ : ١٦٦ ، ٧٣٥ ، التهذيب ٧ : ٢٩ ، ١٢٤.

٢٩٤

وروى سليمان بن خالد عن الصادق عليه‌السلام قال : « والأكسية أيضاً مثل الحنطة والشعير والزعفران والغنم » (١) يعني بذلك جواز السلف فيها.

ويجوز السلف في أنواع العطر ، العامّة الوجود ، كالمسك والعنبر والكافور ، وكذا جميع بسائط العطر ، كالعود والزعفران والورس. وكذا يجوز السَّلَم في مركّبات العطر ، كالغالية (٢) والندّ (٣) والعود المطرّى (٤) إذا عرف مقدار بسائطه.

ومَنَع الشافعي من المركّب مطلقاً ؛ لأنّ كلّ بسيط منه مقصود ولا يُعرف قدره ، ويكون سَلَماً في المجهول (٥).

ونمنع الجهالة ؛ إذ التقدير المعرفة.

ويجوز السَّلَم في الزجاج مع ضبطه بالوصف ، والطين والجصّ والنورة وحجارة الأرحية والأبنية والأواني مع الوصف.

وكذا يجوز في البِرام المعمولة ، والكيزان والحباب والطسوس والسرج والمنائر والقماقم والطناجير مع ضبط هذه كلّها بالوصف ، خلافاً للشافعي ؛ فإنّه مَنَع ؛ لندرة اجتماع الوزن في الصفات المشروطة (٦). وهو ممنوع.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٢ ، ١٣٢ ، الإستبصار ٣ : ٧٤ ، ٢٤٨.

(٢) الغالية : نوع من الطيب مركّب من مسك وعنبر وعود ودهن. لسان العرب ١٥ : ١٣٤ « غلا ».

(٣) الندّ : ضرب من الطيب يدخّن به. لسان العرب ٣ : ٤٢١ « ندد ».

(٤) طرىّ الطيب : فتقه بأخلاطٍ وخلَّصه. لسان العرب ١٥ : ٦ « طرا ».

(٥) التهذيب للبغوي ٣ : ٥٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٧.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٨.

٢٩٥

وكذا يجوز السَّلَم في الكاغذ عدداً مع ضبطه بالوصف. وكذا يجوز في العلس والأرز ، خلافاً للشافعي حيث مَنَع ؛ لاستتارهما (١). وينتقض بمثل الجوز.

ويجوز في الدقيق ، خلافاً لبعض الشافعيّة (٢).

ولا يجوز السَّلَم على المنافع ، كتعليم القرآن وغيره خلافاً للشافعي (٣) لأنّ مثل ذلك لا يُعدّ بيعاً.

مسألة ٤٥١ : يجوز السَّلَم في عيدان النبل‌ قبل نحتها مع إمكان ضبطها بالوصف ـ وبه قال الشافعي (٤) ويسلم فيه وزناً. وإن أمكن أن يقدّر عرضها وطولها بما يجوز التقدير به في السَّلَم ، جاز عدداً.

وأمّا النبل بعد عمله فلا يجوز السلف فيه ؛ لأنّه يجمع أخلاطاً غير مقصودة (٥) ؛ لأنّ فيه خشباً وعصباً وريشاً ، وبه قال الشافعي ، قال : ولأنّ فيه ريش النسر. وهو نجس عنده (٦).

وأمّا إذا كان منحوتاً حسب ، فالأقرب : المنع وبه قال الشافعي (٧) لعدم القدرة على معرفة ثخانتها ، ويتفاضل في الثخن ويتباين فيه.

وفي موضعٍ آخر قال : يجوز السَّلَم في النشاب الذي لا ريش عليه إذا أمكن أن يوصف (٨).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٧.

(٥) في « س ، ي » : « لأنّه يجمع أخلاطاً مقصودة ».

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٧ ، المغني ٤ : ٣٤٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٤٣.

(٧) انظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٨ ، وروضة الطالبين ٣ : ٢٥٧.

(٨) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

٢٩٦

ومَنَع بعضهم من إمكان وصفه ؛ لأنّ أطرافه خفيفة ووسطه ثخين ، ولا يمكن ضبط ذلك (١).

وأمّا القسيّ فلا يجوز السَّلَم فيها ؛ لاشتمالها على الخشب والعظم والعصب ، وكلّ واحد منها مجهول لا يُعلم قدره ولا يمكن ضبطه ، فإن فرض إمكانه ، جاز.

مسألة ٤٥٢ : لا يجوز السلف (٢) في المشويّ والمطبوخ ـ وبه قال الشافعي (٣) لأنّه لا يُعلم قدر تأثير النار فيه عادة ، وتختلف الأغراض باختلاف تأثير النار فيه ، ويتعذّر الضبط في السَّلَم فيه ، فأشبه الخبز.

وللشافعيّة في الخبز وجهان (٤).

ولو أمكن ضبط تأثير النار كالسمن والدبس والسُّكّر حيث إنّ لتأثير النار فيها نهايةً مضبوطة ، جاز.

وأمّا الماء وَرْد : فالأقرب : جواز السَّلَم فيه.

وللشافعيّة فيه خلاف ؛ لاختلاف تأثير النار فيما يتصعَّد ويقطّر (٥).

ولا عبرة بتأثير الشمس ، بل يجوز السَّلَم في العسل المصفّى بالشمس عند الشافعيّة (٦).

__________________

(١) انظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٨ ٤٠٩.

(٢) في « س » : « السَّلَم ».

(٣) التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧٩ ، الوجيز ١ : ١٥٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٩ و ٤١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٧ و ٢٦٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٣.

(٦) التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٤.

٢٩٧

وفي العسل المصفّى بالنار عندهم وجهان ، وكذا الدبس : أحدهما : المنع ؛ لاختلاف تأثير النار فيه. ولأنّ النار تعيبه وتسرع الفساد إليه. والثاني : الجواز (١) ، كما اخترناه نحن.

الباب الثاني : في ذكر أوصاف هذه الأجناس.

مسألة ٤٥٣ : يجب أن يذكر في مطلق الحيوان أربعة أوصاف : النوع ، واللون ، والذكورة والأُنوثة ، والسنّ ؛ لاختلاف الأغراض باختلاف هذه الصفات ، واختلاف القِيَم بها.

فإن كان رقيقاً ، ذكر نوعَه ، كالتركي والرومي والزنجي ، ولونَه إن كان النوع يختلف لونه ، كالأبيض والأصفر والأسود. وهل يجب التعرّض لصنف النوع إن كان فيه اختلاف؟ الأولى الوجوب كالنوبي من الزنج.

وللشافعي قولان (٢).

ويصف البياض بالسمرة أو الشقرة ، والسواد بالصفاء أو الكدورة.

هذا إذا اختلف لون الصنف المذكور ، فإن لم يقع فيه اختلاف ، أغنى ذكره عن اللون.

ويذكر الذكورة أو الأُنوثة ؛ لاختلاف الرغبات فيهما.

ويذكر السنّ ، فيقول : محتلم ، أو ابن ستّ أو سبع.

ويبنى الأمر فيه على التقريب حتى لو شرط كونه ابن سبع مثلاً بلا زيادة ولا نقصان ، لم يجز ؛ لندور الظفر به.

__________________

(١) التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٩.

٢٩٨

والرجوع في الاحتلام إلى قول العبد. وفي السنّ إليه إن كان بالغاً. وإن كان صغيراً فإلى قول سيّده إذا احتمل صدقه ، وإن لم يعرف سيّده ، رجع إلى أهل الخبرة ، وعمل على ما يغلب عليه ظنونهم من سنّه.

ويزيد في الرقيق وصفين آخرين :

أحدهما : القدّ ، فيذكر أنّه طويل أو قصير أو رَبْع (١) ؛ لأنّ القيمة تختلف بذلك وتتفاوت تفاوتاً عظيماً.

ولو قال : خماسي يعني خمسة أشبار أو سداسي يعني ستّة أشبار جاز.

وقال بعض الشافعيّة : المراد بالخماسي ابن خمس سنين ، وبالسداسي ابن ست (٢).

وقال المسعودي : الخماسي والسداسي صنفان من عبيد النُّوبة معروفان عندهم (٣).

وقال بعض الشافعيّة : لا يعتبر ذكر القدّ عند العراقيّين (٤).

وكتبهم مملوءة من اعتباره.

الثاني : اشتراط الجودة أو الرداءة ، وهو غير مختصّ بالرقيق ولا بالحيوان ، وسيأتي إن شاء الله تعالى.

مسألة ٤٥٤ : لا يشترط وصف كلّ عضو على حياله‌ (٥) بأوصافه المقصودة وإن تفاوت به الغرض والقيمة ؛ لإفضائه إلى عزّة الوجود ، لكن‌

__________________

(١) الرَّبْع : ما بين الطويل والقصير. لسان العرب ٨ : ١٠٧ « ربع ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٤.

(٤) الوسيط ٣ : ٤٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٠.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « حاله ». والصحيح ما أثبتناه.

٢٩٩

في التعرّض للأوصاف التي يعتني بها أهل البصر ، ويرغب فيها في الرقيق ـ كالكَحَل (١) والدَّعَج (٢) وتَكَلْثم (٣) الوجه وسمن الجارية إشكال ينشأ من تسامح الناس بإهمالها ، ويعدّون ذكرها استقصاءً ، ومن أنّها مقصودة لا يورث ذكرها العزّة.

وللشافعيّة وجهان ، أظهرهما : عدم الوجوب (٤).

وشرط بعض الشافعيّة الملاحة ؛ لأنّها من جملة المعاني ؛ إذ المرجع إلى ما يميل إليه طبع كلّ أحد (٥).

والأظهر : عدم اعتبارها.

وكذا لا يجب التعرّض لجعودة الشعر وسبوطته.

مسألة ٤٥٥ : لا يشترط في الجارية ذكر الثيوبة والبكارة‌ إلاّ مع اختلاف القيمة باختلافهما اختلافاً بيّناً.

وللشافعيّة قولان.

أحدهما : عدم الوجوب.

والثاني : الوجوب بناءً على اختلاف القيمة هل يتحقّق بهما أو لا؟ (٦).

ولو شرط كون العبد يهوديّاً أو نصرانيّاً ، جاز ، كشرط الصنعة.

فإن دفع إليه مسلماً ، احتمل وجوب القبول ؛ لأنّه أجود ويجب قبول الأجود. والعدم ؛ لأنّه قد يرغب إلى الكافر ؛ لاتّساع العاملين فيه.

__________________

(١) الكَحَل في العين : أن يعلو منابت الأجفان الأشفار سواد مثل الكُحْل من غير كُحْل. لسان العرب ١١ : ٥٨٤ « كحل ».

(٢) الدعج : شدّة سواد العين مع سعتها. لسان العرب ٢ : ٢٧١ « دعج ».

(٣) الكَلْثمة : اجتماع لحم الوجه. لسان العرب ١٢ : ٥٢٥ « كلثم ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٠.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٠.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٠.

٣٠٠