تذكرة الفقهاء - ج ١١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: ٤٢٩

والسكران واللاعب والمكره.

وبعضهم قال بما قلناه ، فيجب تسليم الدراهم في المجلس (١).

ولا يثبت فيه خيار الشرط عندهم (٢). ولا يجوز الاعتياض عن الثوب عندهم (٣) ، كغيره من السلف.

ولو قال : اشتريت ثوباً صفته كذا في ذمّتك بعشرة دراهم في ذمّتي ، فإن جعلناه سلفاً ، وجب تعيين الدراهم وتسليمها في المجلس. وإن جعلناه بيعاً ، لم يجب.

مسألة ٤٢٦ : وكما ينعقد السَّلَم بلفظ البيع ، كذا الأقرب : العكس ، فلو قال : أسلمت إليك هذا الثوب ويعينه في هذا الدينار ، انعقد بيعاً نظراً إلى المعنى لا إلى لفظ السَّلَم ، فلا يجب التقابض في المجلس حينئذٍ ، ولا يكون هذا سَلَماً إجماعاً.

وللشافعيّة قولان في انعقاده بيعاً نظراً إلى المعنى فينعقد. ويحتمل عدم الانعقاد ؛ لاختلال اللفظ (٤).

ولو قال : بعتك بلا ثمن ، أو على أن لا ثمن عليك ، فقال : قبلت ، أو اشتريت ، وقَبَضه ، ففي انعقاده هبةً نظر ينشأ : من الالتفات إلى المعنى ، واختلال اللفظ.

وهل يكون المقبوض مضموناً هنا على القابض؟ فيه نظر ينشأ : من ثبوت الضمان في البيع الفاسد وهذا منه. ومن دلالة اللفظ على إسقاطه.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٥ ٣٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٦ ٢٤٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٧.

(٤) الوسيط ٣ : ٤٢٤ ، الوجيز ١ : ١٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٥ ، حلية العلماء ٤ : ٣٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٦ ، منهاج الطالبين : ١١٠.

٢٦١

وللشافعيّة وجهان (١).

أمّا لو قال : بعت ، ولم يتعرّض للثمن ، فإنّه لا يكون تمليكاً ، ويجب الضمان ، وهو قول أكثر الشافعيّة (٢).

وقال بعضهم : فيه الوجهان السابقان (٣).

النظر الثاني : في الشرائط. وينظمها مباحث :

البحث الأوّل : الأجل.

مسألة ٤٢٧ : الأجل شرط في السَّلَم ، فلا يجوز حالاّ ، فإن بِيع حالاّ بلفظ السَّلَم ، خرج اللفظ عن حقيقته إلى مجازه ، وهو مطلق البيع ، ولم يكن سَلَماً وبه قال أبو حنيفة ومالك والأوزاعي (٤) لما تقدّم (٥) من رواية العامّة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « مَنْ أسلف (٦) فليسلف في كيلٍ معلوم ووزنٍ معلوم وأجلٍ معلوم ».

ومن طريق الخاصّة : رواية سماعة ، قال : سألته عن السَّلَم وهو السلف في الحرير والمتاع الذي يصنع في البلد الذي أنت فيه ، قال : « نعم ،

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٦.

(٤) مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٦ ، ١٠٧٠ ، الهداية للمرغيناني ٣ : ٧٣ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢١٢ ، المبسوط للسرخسي ١٢ : ١٢٥ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٠٣ ، مقدّمات ابن رشد : ٥١٥ ، المعونة ٢ : ٩٨٨ ، الوسيط ٣ : ٤٢٥ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧٠ ، حلية العلماء ٤ : ٣٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٦ ، المغني ٤ : ٣٥٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٥٤.

(٥) في ص ٢٦١.

(٦) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « سلف ». وما أثبتناه من المصادر المشار إليها في الهامش (٥) من ص ٢٦١ ما عدا مسند أحمد وكما سيأتي في ص ٢٦٨ و ٢٧٦.

٢٦٢

إذا كان إلى أجلٍ معلوم » (١).

ولأنّ الحلول يخرجه عن اسمه ومعناه ، فإنّه سمّي سَلَماً وسلفاً ؛ لتعجيل أحد العوضين وتأجيل الآخر ، ومعناه أنّه وضع للرفق ، والرفق لا يحصل إلاّ بالأجل.

وقال الشافعي : السَّلَم يجوز حالاّ ومؤجّلاً وبه قال عطاء وأبو ثور وابن المنذر لأنّ الأجل غرر فيه ؛ لأنّ التسليم قد يتعذّر وقت الأجل ، فإذا أسقطه ، لم يؤثّر في صحّة العقد ، كبيوع الأعيان (٢).

ولا ينتقض بالكتابة ؛ لأنّ الغرر يحصل بإسقاط الأجل ؛ لأنّ العبد يتحقّق عجزه عن العوض حال العقد ، لأنّ ما في يده مال السيّد إن كان في يده شي‌ء ، ولا يلزم السَّلَم في المعدوم ؛ لأنّ المفسد تعذّر القبض في محلّه دون الأجل ، والاسم حاصل ؛ لأنّ رأس المال يجب قبضه في المجلس ، بخلاف المُسْلَم فيه وإن كان حالاّ.

وأمّا الرفق فلحظّ المتعاقدين ، فإذا أسقطاه ، لم يؤثّر في العقد ، كما لو أسلم إليه وكان رأس المال أكثر ممّا يساوي حالاّ.

ونمنع كون الأجل غرراً ، وإلاّ لكان منهيّاً عنه وخصوصاً وقد رويتم تأويل الآية في الدَّيْن أنّها عبارة عن السلف (٣).

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٩٩ ، ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٧ ، ١١٤.

(٢) الام ٣ : ٩٧ ، مختصر المزني : ٩٠ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٩٦ ٣٩٧ ، المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٤ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧٠ ، الوسيط ٣ : ٤٢٥ ، حلية العلماء ٤ : ٣٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٧ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٦ ، ١٠٧٠ ، الهداية للمرغيناني ٣ : ٧٣ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢١٢ ، المعونة ٢ : ٩٨٨ ، المغني ٤ : ٣٥٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٥٤.

(٣) راجع ص ٢٦١ ، المسألة ٤٢٤.

٢٦٣

إذا ثبت هذا ، فلو باعه سلفاً ولم يرد مطلق البيع ، كان باطلاً عندنا ؛ لفوات شرطه.

وعند الشافعي يصحّ ، ويترتّب عليه حكم السلف من وجوب قبض الثمن في المجلس دون المثمن ، ومن منع خيار الشرط فيه عندهم. وإذا كان المُسْلَم فيه معدوماً ، لم يجز حالاّ ؛ لتعذّر تسليمه.

مسألة ٤٢٨ : لو أطلق عقد السَّلَم ولم يرد مطلق البيع ، بل بيع السَّلَم ، فإن قال : حالاّ ، بطل‌ عندنا ، خلافاً للشافعي على ما تقدّم (١).

وإن شرط التأجيل ، لزم إجماعاً. وإن أطلق ، بطل ؛ لأنّ الحالّ باطل ، والمؤجّل شرطه تعيين الأجل ، ومع الإطلاق لا تعيين.

وللشافعي قولان :

أحدهما : أنّ العقد يبطل ؛ لأنّ مطلق العقود يحمل على المعتاد ، والمعتاد في السَّلَم التأجيل. ولأنّ ما يختلف الثمن باختلافه لا بُدَّ من اشتراطه في السَّلَم ، كسائر الأوصاف ، وإذا كان كذلك ، فسد ، ويكون كما لو ذكر أجلاً مجهولاً.

والثاني : أنّ العقد يصحّ ، ويكون الثمن حالاّ ، كما في المثمن ، وهو الأصحّ عندهم (٢).

مسألة ٤٢٩ : لو أطلقا العقد ولم يذكرا فيه أجلاً ، بطل‌ عندنا على ما تقدّم (٣) وعلى أحد قولي الشافعي (٤) ، فلو ألحقا بالعقد أجلاً في مجلس‌

__________________

(١) في المسألة السابقة (٤٢٧).

(٢) التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧٠ ٥٧١ ، الوسيط ٣ : ٤٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٧.

(٣) في المسألة السابقة (٤٢٨).

(٤) نفس المصادر في الهامش (٢).

٢٦٤

العقد ، لم يلحق عندنا ؛ لأنّ العقد الباطل لا يصحّ بلحوق ما يلحق به في المجلس ، وكيف ينقلب الفاسد صحيحاً!؟ وكيف يعتبر مجلسه!؟

وصرّح الشافعي هنا بأنّ الأجل يلحق بالعقد (١).

ويجي‌ء فيه الخلاف السابق في سائر الإلحاقات (٢).

قال أصحابه : وهذا دليل على صحّة العقد عند الإطلاق ؛ إذ الفاسد لا ينقلب صحيحاً (٣).

ولو صرّحا بالتأجيل في نفس العقد وعيّناه ، صحّ العقد ، فإن أسقطاه في المجلس ، لم يسقط إلاّ بالتقايل ، ولا يصير العقد حالاّ.

وقال الشافعي : يسقط ، ويصير حالاّ (٤).

إذا ثبت هذا ، فاعلم أنّ الشرط المبطل للعقد إذا حذفاه في المجلس ، لم ينحذف ، ولم ينقلب العقد صحيحاً ، وهو ظاهر مذهب الشافعيّة (٥).

وقال بعضهم : لو حذفا الأجل المجهول في المجلس ، انحذف ، وصار العقد صحيحاً (٦).

واختلفت الشافعيّة في جريان هذا الوجه في سائر المبطلات ، كالخيار والرهن الفاسدين وغيرهما. فمنهم مَنْ أجراه مجرى الأجل (٧).

وقال الجويني : الأصحّ تخصيصه بالأجل ؛ لأنّ بين الأجل والمجلس مناسبةً لا توجد في سائر الأُمور ، وهي أنّ البائع لا يملك مطالبة المشتري‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٧.

(٢) كما في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٦ ، وروضة الطالبين ٣ : ٢٤٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٧.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٦ ٣٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٧.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٧.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٧ ٢٤٨.

٢٦٥

بالثمن في المجلس ، كما لا يملكها في مدّة الأجل ، فلم يبعد إصلاح الأجل في المجلس (١).

واختلفوا أيضاً في أنّ زمان الخيار المشروط هل يلحق بالمجلس في حذف الأجل المجهول؟ تفريعاً على هذا الوجه. والأظهر عندهم : أنّه لا يلحق (٢).

مسألة ٤٣٠ : يشترط في الأجل المشروط في عقد السَّلَم أن يكون معيّناً مضبوطاً‌ محروساً من الزيادة والنقصان ، كالشهر والسنة المعيّنين ، فلو عيّنا أجلاً يحتمل الزيادة والنقصان كالحصاد وموسم الحاجّ والزائرين وقدوم القوافل وطلوع الثريّا وإدراك الغلاّت لم يجز ، وبطل العقد عندنا ـ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة (٣) لما رواه العامّة من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « مَنْ أسلف فليسلف في كيلٍ معلوم ووزنٍ معلوم وأجلٍ معلوم » (٤).

ومن طريق الخاصّة : قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : « لا بأس بالسَّلَم كيل معلوم إلى أجل معلوم ، لا يسلم إلى دياس ولا إلى حصاد » (٥).

ولأنّ الأجل إذا كان مجهولاً ، تعذّر القبض والمطالبة ، فلم يصح.

وقال مالك : إذا أسلم إلى الحصاد أو الموسم أو ما أشبه ذلك ، جاز ؛ لأنّه أجل تعلّق بوقت من الزمان يعرف في العادة لا يتفاوت اختلافه اختلافاً‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٨.

(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٦ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧٢ ، حلية العلماء ٤ : ٣٧٢ ٣٧٣ ، الوسيط ٣ : ٤٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٢١ ، ١٠٩٠ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٠٣ ٢٠٤ ، المغني ٤ : ٣٥٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٥٨.

(٤) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٢٦١ ، الهامش (٥).

(٥) الكافي ٥ : ١٨٤ ( باب السَّلَم في الطعام ) الحديث ١ ، الفقيه ٣ : ١٦٧ ، ٧٤٠ ، التهذيب ٧ : ٢٧ ، ١١٦ بتفاوت يسير.

٢٦٦

كثيراً ، فأشبه ما إذا قال : إلى المهرجان. ولأنّ يهوديّاً بعث [ إليه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فيما روته ] عائشة (١) أن ابعث إليَّ ثوبين إلى الميسرة (٢) (٣).

والجواب : قد روى العامّة عن ابن عباس أنّه قال : لا تبايعوا إلى الحصاد والدياس ، ولا تبايعوا إلاّ إلى شهر معلوم (٤). ونحوه روى الخاصّة عن أمير المؤمنين (٥) عليه‌السلام.

ولأنّ ذلك يختلف ويقرب ويبعد ، فلا يجوز أن يكون أجلاً ، ولا يناط به ما يحتاج إلى التعيين من المطالبة والأخذ والعطاء واستحقاق الحبس مع المنع.

والمهرجان معروف لا يختلف فيه.

ورواية عائشة لا دلالة فيها ، مع أنّ راويها حرمي بن عمارة وكان فيه غفلة. قال ابن المنذر : لا نتابعه عليه أخاف أن يكون من غفلاته (٦).

فروع :

أ ـ المعلوم أن يسلم إلى شهر من شهور الأهلّة ، فيقول : إلى شهر‌

__________________

(١) وردت العبارة في « س ، ي » والطبعة الحجريّة هكذا : « ولأنّ يهوديّاً بعث إلى عائشة » إلى آخره. وهو غلط واضح. وما أثبتناه ممّا بين المعقوفين موافق لما في المصادر المشار إليها في الهامش التالي.

(٢) سنن الترمذي ٣ : ٥١٨ ، ١٢١٣ ، سنن النسائي ٧ : ٢٩٤ ، سنن البيهقي ٦ : ٢٥ ، المستدرك للحاكم ٢ : ٢٣ و ٢٤.

(٣) بداية المجتهد ٢ : ٢٠٣ ٢٠٤ ، المعونة ٢ : ٩٨٩ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٢٢ ، ١٠٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٧ ، المغني ٤ : ٣٥٦ ٣٥٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٥٨ ٣٥٩.

(٤) المغني ٤ : ٣٥٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٥٩.

(٥) الكافي ٥ : ١٨٤ ( باب السَّلَم في الطعام ) الحديث ١ ، الفقيه ٣ : ١٦٧ ، ٧٤٠ ، التهذيب ٧ : ٢٧ ، ١١٦.

(٦) المغني ٤ : ٣٥٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٥٩.

٢٦٧

كذا ؛ لقوله تعالى ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَالْحَجِّ ) (١) فإذا ذكر هذا الأجل ، جاز إجماعاً. وكذا يجوز إلى سنة كذا ويوم كذا بلا خلاف.

ب ـ يجوز التأقيت بشهور الفرس ك‍ « تير ماه » و « مرداد ماه » أو بشهور الروم ك‍ « حزيران » و « تمّوز » كالتأقيت بشهور العرب ؛ لأنّها معلومة مضبوطة عند العامّة.

ج ـ يجوز التأقيت بالنيروز والمهرجان وبه قال الشافعي (٢) لأنّه معلوم عند العامّة.

ونُقل عن بعض الشافعيّة وجهٌ أنّه لا يجوز التأقيت بهما ؛ لأنّ النيروز والمهرجان يطلقان على الوقتين اللذين تنتهي الشمس فيهما إلى أوائل برجي الحمل والميزان ، وقد يتّفق ذلك ليلاً ثمّ يختلس مسير الشمس كلّ سنة بمقدار ربع يوم وليلة (٣).

د ـ لو وقّتاه بفصح النصارى وهو عيد من أعيادهم أو بعيد من أعياد أهل الذمّة ، كالشعانين وعيد الفطير ، قال الشافعي : لا يجوز (٤).

واختلف أصحابه ، فأخذ بعضهم بهذا الإطلاق ؛ تجنّباً عن التأقيت‌

__________________

(١) البقرة : ١٨٩.

(٢) الوسيط ٣ : ٤٢٦ ، المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٦ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٨.

(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٨ ٢٤٩.

(٤) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٦ ، حلية العلماء ٤ : ٣٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٩.

٢٦٨

بمواقيت الكفّار (١).

وأكثرهم فصّلوا ، فقالوا : إن اختصّ بمعرفة وقته الكفّار ولم يكن معلوماً عندنا البتّة ، فالأمر كذلك ؛ لأنّه لا اعتماد على قولهم. ولأنّهم يقدّمونه ويؤخّرونه على حسابٍ لهم ، ولا يجوز الركون [ إليهم ] (٢) قال الله تعالى ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ ) (٣) وإن عرفه المسلمون ، جاز ، كالنيروز والمهرجان (٤). وهو المعتمد عندي.

وكذا لو أخبر الكثيرون البالغون مبلغ التواتر بحيث يؤمن عليهم التواطؤ على الكذب ؛ لانتشارهم في البلاد الكبار من الكفّار.

وهل يعتبر معرفة المتعاقدين؟ قال بعض الشافعيّة : نعم (٥).

وقال بعضهم : لا يعتبر ، ويكتفى بمعرفة الناس ، وسواء اعتبر معرفتهما أو لا [ فلو ] (٦) عُرّفا ، كفى (٧).

وفي وجهٍ للشافعيّة : لا بُدَّ من معرفة عَدْلين من المسلمين سواهما ؛ لأنّهما قد يختلفان ، فلا بُدَّ من مرجع (٨).

هـ ـ لو أجّله إلى عرفة أو الغدير عاشوراء أو يوم المبعث ، جاز ؛ لأنّ‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٩.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « إليه ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٣) هود : ١١٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٩.

(٥) التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٩.

(٦) بدل ما بين المعقوفين في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « لو ». وما أثبتناه من المصدر.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٩.

(٨) التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٩.

٢٦٩

ذلك معلوم.

ولو وقّته بمولد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكانا يعرفانه أو يعتقدانه ، جاز ، وإلاّ فلا ؛ لاختلاف الناس فيه ، فعندنا أنّه السابع عشر من شهر ربيع الأوّل ، وعند جماعة من العامّة : الثاني عشر (١).

و ـ لو قال : إلى الظهر أو الزوال أو إلى العصر أو إلى الليل ، جاز ؛ لأنّه معلوم ، بخلاف الشتاء أو الصيف.

ز ـ لو وقّت بنفير الحجيج ، فإن أقّته بالأوّل أو الثاني ، جاز. وإن أطلق ، احتُمل البطلان ؛ لتردّد المحلّ بين النفيرين.

وقال الشافعي : يحمل على الأوّل ؛ لأنّه أوّل ما يتناوله الاسم ، ولتحقّق الاسم به. وكذا الخلاف لو قال : إلى « ربيع » أو « جمادى » أو العيد ، ولا يحتاج إلى تعيين السنة (٢).

وقال بعض الشافعيّة : إنّ التوقيت بالنفر الأوّل أو الثاني لأهل مكة جائز ؛ لأنّه معروف عندهم ، ولغيرهم وجهان (٣).

وإن عيّن التوقيت بيوم القَرّ (٤) لأهل مكة ، وجهان أيضاً ؛ لأنّه لا يعرفه إلاّ خواصّهم (٥).

وقال بعضهم : هذا ليس بشي‌ء ؛ لأنّا إن اعتبرنا علم المتعاقدين ،

__________________

(١) انظر : السيرة النبويّة لابن هشام ١ : ١٦٧ ، والبدء والتاريخ ٢ : ٤٤ ، ودلائل النبوّة للبيهقي ١ : ٧٤.

(٢) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٦ ، الوجيز ١ : ١٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٩.

(٤) يوم القَرّ : اليوم الذي يلي عيد النحر ؛ لأنّ الناس يقرّون في منازلهم ، أو يقرّون بمنى. لسان العرب ٥ : ٨٧ « قرر ».

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٩.

٢٧٠

فلا فرق ، وإلاّ فهي مشهورة في كلّ ناحية عند الفقهاء وغيرهم (١).

ح ـ لو قال : إلى الجمعة ، حُمل على الأقرب في الجُمع. وكذا غيره من الأيّام ؛ قضيّةً للعرف المتداول بين الناس ، بخلاف « جمادى » و « ربيع ».

ط ـ لو أجّله إلى الجمعة ، حلّ بأوّل جزء منه ؛ لتحقّق الاسم ، فإذا طلع الفجر من يوم الجمعة ، فقد حلّ.

ولو قال : إلى شهر رمضان ، فإذا غربت الشمس من آخر شعبان ، فقد حلّ الشهر ، ويحلّ الدَّيْن.

والفرق بينهما : أنّ اليوم اسم لبياض النهار ، والشهر يشتمل على الليل والنهار.

وربما يقال : يحلّ بانتهاء ليلة الجمعة وانتهاء شعبان (٢). والمقصود واحد.

ي ـ لو قال : محلّه في الجمعة ، أو في رمضان ، أو في سنة كذا وكذا ، فإن لم يعيّن أوّل ذلك أو آخره ، بطل وبه قال الشافعي (٣) لأنّه جعل اليوم ظرفاً لحلوله ولم يبيّن. وكذا الشهر والسنة ولم يبيّن ، فيكون تقديره : أنّه في وقت من أوقات يوم الجمعة.

وقال بعض الشافعيّة : يجوز ، ويُحمل على الأوّل ، كما لو قال : أنت طالق في يوم كذا (٤).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٩.

(٢) كما في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٠ ، وروضة الطالبين ٣ : ٢٥٠.

(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٦ ٣٠٧ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٠.

(٤) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٦ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٠.

٢٧١

وفرّق الأوّلون بأنّ الطلاق يجوز تعليقه بالمجاهيل (١).

ولو قيل بجوازه على تقدير أنّ الأجل متى شاء البائع أو المشتري في أيّ وقت كان من يوم الجمعة أو من الشهر أو من السنة المذكورة ، كان وجهاً ، ويتخيّر مَنْ جُعل المشيئة إليه في مبدأ الوقت إلى آخره أيّ وقت طالب أو دفع اجبر الآخر على القبول ، بخلاف المشيئة المطلقة.

يأ ـ لو أجّله إلى أوّل الشهر أو آخره ، صحّ ، وحُمل على أوّل جزء من أوّل يوم من الشهر ، أو على آخر جزء من الشهر ، كما لو أجّل إلى يوم الجمعة ، حُمل على أوّله وإن كان اسم اليوم عبارةً عن جميع الأجزاء. ولأنّه لو قال : إلى شهر كذا ، حمل على أوّل جزء منه ، فقوله : « إلى أوّل شهر كذا » أقرب إلى هذا المعنى ممّا إذا أطلق ذكر الشهر ، وهو قول بعض الشافعيّة (٢).

والمشهور عندهم : البطلان ؛ لأنّ اسم الأوّل والآخر يقع على جميع النصف ، فلا بُدَّ من البيان ، وإلاّ فهو مجهول (٣).

وهو ممنوع ؛ لأنّ الأوّل أغلب في العرف.

يب ـ لو أجّله إلى سنة أو سنتين ، صحّ ، وحمل مطلقه على الهلاليّة ؛ لأنّها أغلب استعمالاً وأظهر عند العرف ؛ فإن قيّد بالفارسيّة أو الروميّة أو الشمسيّة ، تقيّد بالمذكور. ولو قال بالعدد ، فهو ثلاثمائة وستّون يوماً. وكذا لو قال : إلى خمسة أو ستّة أشهر ، حُملت الأشهر على الهلاليّة ؛ لأنّه المتعارف.

__________________

(١) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٧ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٠.

(٢) التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥١.

(٣) التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥١.

٢٧٢

ثمّ إن وقع العقد في أوّل الشهر ؛ اعتبر الجميع بالأهلّة تامّةً كانت أو ناقصةً ، فإن جرى في أثناء الشهر ، عُدّ ما بقي منه بالأيّام ، وعُدّت الأشهر بعد ذلك بالأهلّة ، ثمّ يتمّم المذكور بالعدد ثلاثين ؛ لأنّ الشهر الشرعي هو ما بين الهلالين إلاّ أنّ في الشهر المنكسر لا بُدَّ من الرجوع إلى العدد ؛ لئلاّ يؤخّر أمد الأجل عن العقد ، وهو أحد وجهي الشافعيّة (١).

والثاني : أنّه إذا انكسر الشهر ، انكسر الجميع ، فيعتبر الكلّ بالعدد (٢). وهو قول أبي حنيفة (٣).

وضرب الجويني مثلاً للتأجيل بثلاثة أشهر مع فرض الانكسار ، فقال : عقدا وقد بقي من صفر لحظة ونقص الربيعان وجمادى ، فيحسب الربيعان بالأهلّة ، ويضمّ جمادى إلى اللحظة الباقية من صفر ، ويكملان بيوم من جمادى الآخرة سوى لحظة (٤).

وقطع بعض الشافعيّة بالحلول عند انسلاخ جمادى في الصورة المذكورة ، وأنّ العدد إنّما يراعى لو جرى العقد في غير اليوم الأخير (٥).

مسألة ٤٣١ : لا ضابط للأجل قلّةً وكثرةً ، بل مهما اتّفقا عليه من الأجل القليل أو الكثير إذا كان معيّناً ، صحّ العقد عليه.

وقال الأوزاعي : أقلّ الأجل ثلاثة أيّام (٦). وليس بمعتمد.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٩.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٠.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٩ ٤٠٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٠.

(٦) حلية العلماء ٤ : ٣٦٠ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٧ ، ١٠٧٠ ، المغني ٤ : ٣٥٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٥٥.

٢٧٣

مسألة ٤٣٢ : لو أسلم في جنسٍ واحد إلى أجلين‌ أو أسلم في جنسين إلى أجلٍ واحد كما لو أسلم في قفيزي حنطة إلى شهرين يسلّم أحدهما في آخر الشهر الأوّل والباقي في آخر الثاني ، أو أسلم في قفيز حنطة وقفيز شعير إلى شهر يسلّمهما في آخره صحّ عندنا وهو أصحّ قولي الشافعي (١) للأصل.

والثاني : البطلان في الصورتين ؛ لأنّه ربما يتعذّر تسليم بعض النجوم أو بعض الأجناس فيه ، فيرتفع العقد فيه ، ويتعدّى إلى الباقي (٢).

وهو خطأ ، وإلاّ لزم في القفيز الواحد ذلك ؛ لجواز تعذّر بعضه.

مسألة ٤٣٣ : إذا جعل الأجل العطاء ، فإن قصد فعله ، بطل ؛ لتقدّمه وتأخّره ، فلا ينضبط. وإن قصد وقته ، صحّ إن كان معلوماً ، وإلاّ فلا. ولو قال : إلى شهر ، وأطلق ، اقتضى اتّصاله ، ووقت العقد مبدأ الشهر فالأجل آخره. وكذا إلى شهرين أو إلى ثلاثة أو إلى سنة أو سنتين ، بخلاف المعيّن ، فإنّه يحلّ بأوّله.

ولا يشترط في الأجل أن يكون له وَقْعٌ في الثمن ، فلو قال : إلى نصف يوم ، صحّ ؛ للعموم.

__________________

(١) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٧ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٩٨ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧٢ ، حلية العلماء ٤ : ٣٧٥ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٠ ٤٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥١.

(٢) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٧ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٩٨ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧٢ ، حلية العلماء ٤ : ٣٧٥ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٠ ٤٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥١.

٢٧٤

البحث الثاني : العلم.

وفيه بابان :

الأوّل : الجنس.

مسألة ٤٣٤ : يجب أن يكون المُسْلَم فيه معلوماً عند المتعاقدين ؛ لرواية العامّة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « مَنْ أسلف فليسلف في كيلٍ معلوم ووزنٍ معلوم وأجلٍ معلوم » (١).

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام : « لا بأس بالسَّلَم في المتاع إذا وصفت الطول والعرض » (٢) (٣).

ولأنّ المُسْلَم فيه عوض غير مشاهد يثبت في الذمّة ، فلا بُدَّ من كونه معلوماً.

وإنّما يتحقّق العلم بالمُسْلَم فيه بأمرين : ذِكْر اللفظ الدالّ على الحقيقة ، أعني لفظ الجنس ، كالحنطة والشعير والأرز والعبد والثوب وأشباه ذلك. وذِكْر اللفظ المميّز ، وهو ما يوصف به ممّا يميّزه عن جميع ما عداه ممّا يشاركه في الجنس كثيراً برفع الجهالة ، كصرابة (٤) الحنطة وحمرتها ودقّتها وغلظها وغير ذلك من الأوصاف ، فلو لم يذكر الجنس بل قال : بعتك شيئاً صريباً ، أو ذكره ولم يذكر الوصف ، بطل ، سواء كان ممّا‌

__________________

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٢٥٩ ، الهامش (٥).

(٢) الكافي ٥ : ١٩٩ ، ٣ ، التهذيب ٧ : ٢٧ ، ١١٣.

(٣) في « ي » زيادة : « وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا بأس بالسَّلَم بالمتاع إذا سمّيت الطول والعرض ». انظر : التهذيب ٧ : ٢٧ ، ١١٥.

(٤) صربت الأرض واصْرَأَبَّ الشي‌ء : املاسَّ وصفا. لسان العرب ١ : ٥٢٣ « صرب ».

٢٧٥

لا ينضبط بالوصف ، أو كان وأهمل ؛ لأنّ البيع لا يحتمل جهالة المعقود عليه وهو عينٌ فلأنّ لا يحتملها السَّلَم وهو دَيْنٌ أولى.

مسألة ٤٣٥ : يجب أن يذكر كلّ وصف تختلف القيمة به‌ اختلافاً ظاهراً لا يتغابن الناس بمثله في السَّلَم ؛ إذ بدونه يثبت الغرر المنهيّ عنه.

ويجب أن يأتي في ذكر الوصفين باللفظ الظاهر استعماله بين الناس غير خفيّ الدلالة على المعنى عند أهل اللغة بحيث يرجعان إليه عند الاختلاف.

ولا يجب الاستقصاء في الأوصاف إلى أن يبلغ الغاية بحيث يعزّ وجودها ويندر حصولها ، فلو أفضى الإطناب إلى عزّة الوجود ، كاللآلي الكبار التي يفتقر إلى التعرّض فيها للحجم والشكل والوزن والصفاء ، واليواقيت الكبار والزبرجد والمرجان التي تفتقر إلى الحجم والوزن والشكل والصفاء ؛ لعظم تفاوت القيمة باختلاف هذه الأوصاف ، واجتماعها نادر جدّاً ، فيكون بمنزلة السلف فيما يتعذّر حصوله في الأجل.

أمّا اللآلي الصغار التي يعمّ وجودها ويمكن ضبطها بالوزن أو الكيل وضبط أوصافها التي تختلف القيمة باختلافها فإنّه يصحّ السَّلَم فيها على الأقوى ؛ للأصل الجامع لشرائط الصحّة من إمكان الضبط بالأوصاف المطلوبة ، الخالي عن المبطل.

مسألة ٤٣٦ : كلّ ما لا يمكن ضبط أوصافه المرغوب فيها المختلفة الأثمان باختلافها لا يصحّ السَّلَم فيه ، وذلك كالخبز واللحم واللآلي والدرر والجواهر التي لا يمكن ضبطها ، وتختلف صغراً وكبراً (١) وصفاءً وكدورةً وجودةً ورداءةً وحسن تدوير وضدّه ، ولا في الجلود ؛ لاختلافها ، فالوركان‌

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « كبيراً وصغيراً ».

٢٧٦

ثخين قويّ والصدر ثخين رخو ، والبطن رقيق ضعيف ، والظهر أقوى ، فإذا كان مختلفاً ، احتاج كلّ موضع منه إلى وصفٍ ولا يمكن ضبطه ، ولا يمكن ذرعه ؛ لاختلاف أطرافه ، فمنها داخل وخارج وزائد وناقص ، ولا يمكن ضبط ذلك بالوزن ؛ لأنّ جلدين يتّفقان في الوزن ويختلفان في القيمة ؛ لخفّة أحدهما وسعته ، وثقل الآخر وضيقه.

وكذا الرقّ لا يجوز السَّلَم فيه ؛ لأنّه جلد تختلف أوصافه على ما تقدّم.

وكذا لا يجوز السلف فيما يتّخذ من الجلود ، كالنعال المحدثة ؛ لاختلاف الجلد. وكذا الخفاف ؛ لما فيها من اختلاف الجلود والحشو الذي لا يوقف عليه ، واشتمالها على ظهارة وبطانة وحشو تضيق العبارة عن ضبطها وذكر أطرافها وانعطافاتها.

وحكي عن ابن سريج جواز السَّلَم فيها (١) ، وبه قال أبو حنيفة (٢).

تذنيب : ولا يجوز السَّلَم في العقار ؛ لاختلاف البقاع ، وعدم إمكان ضبطها ، فلا يصحّ الإطلاق فيها ، بل يفتقر إلى التعيين في موضع بعينه ، فيكون بيع عين موصوفة ، ولا يكون سَلَماً.

مسألة ٤٣٧ : المختلطات على أقسام أربعة :

أ ـ المقصودة الأركان التي يمكن ضبط أقدارها وصفاتها ، كالثياب العتابيّة والخزوز المركّبة من الإبريسم والوبر.

وهذا القسم يصحّ السَّلَم فيه عندنا وهو أصحّ وجهي الشافعيّة ؛

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٨.

(٢) بدائع الصنائع ٥ : ٣٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٨.

٢٧٧

لسهولة ضبط أوصاف بسائطها ، وهو منصوص الشافعي (١) لقول الصادق عليه‌السلام : « لا بأس بالسَّلَم في المتاع إذا وصفت الطول والعرض » (٢).

والآخر : أنّه لا يجوز كالسَّلَم في الغالية والمعجونات (٣).

ونمنع حكم الأصل ، مع إمكان ضبط البسائط.

ولو كان الثوب ممّا يُعمل عليه الطراز بالإبرة بعد النسج من غير جنس الأصل ، كالإبريسم على القطن أو الكتّان ، فإن أمكن معرفة تركيبها وضبط أركانها ، جاز ، وإلاّ فلا.

ب ـ المختلطات التي لا يمكن ضبط أوصاف بسائطها كالهرائس والأمراق والحلاوات والمعاجين والجوارشات (٤) والغالية المركّبة من المسك والعنبر والكافور لا يصحّ السَّلَم فيها ؛ للجهل ببسائطها مع تعلّق الأغراض بها ، وبه قال الشافعي (٥). أمّا لو أمكن معرفة بسائطها وضبط أوصافها ، فإنّه يصحّ السَّلَم فيها ، وكانت من القسم الأوّل.

ج ـ المختلطات التي لا يقصد منها إلاّ الخليط الواحد كالخَلّ من التمر والزبيب فيه الماء لكنّه غير مقصود في نفسه ، وإنّما يطلب به إصلاح الخَلّ ، ويجوز السَّلَم فيه ؛ لإمكان ضبطه بالوصف. واحتياجه إلى الماء ؛ إذ‌

__________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٣٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٧.

(٢) الكافي ٥ : ١٩٩ ، ١ ، التهذيب ٧ : ٢٧ ، ١١٣.

(٣) التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧٩ ، حلية العلماء ٤ : ٣٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٧.

(٤) الجوارش : نوع من الحلاوات. معرّب. أقرب الموارد ٢ : ١١٦ « جرش ».

(٥) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٥ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٧.

٢٧٨

لا يمكن قوامه بدونه لا يُخرجه عن الجواز.

وللشافعيّة وجهان ، هذا أظهرهما. والثاني : المنع ؛ لاشتماله على الماء ، فأشبه المخيض (١). والأصل ممنوع.

وأمّا الخبز : فعندنا لا يجوز السَّلَم فيه ؛ لاختلاف أجزائه في النضج وعدمه والخفّة والغلظ ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة ، لا لما قلناه ، بل لأمرين : اختلاطه بالملح ، ويختلف الغرض بحسب كثرة الملح وقلّته. والثاني (٢) : تأثير النار فيه (٣).

ولا عبرة عندنا بالوجهين.

والثاني لهم : الجواز وبه قال أحمد لأنّ الملح فيه مستهلك ، فصار الخبز في حكم الشي‌ء الواحد (٤).

ونحن لم نعلّل بالمزج ، بل بالاختلاف الذي لا يمكن ضبطه.

والوجهان عند الشافعيّة جاريان في السمك الذي عليه شي‌ء من الملح (٥).

ولا بأس به عندنا مع إمكان ضبطه.

__________________

(١) التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٩ ٤١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٧ ٢٥٨.

(٢) أي : الأمر الثاني.

(٣) المهذّب الشيرازي ١ : ٣٠٤ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٦٦ ٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٧ ٢٥٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٨ ، المغني ٤ : ٣٤٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٤٤.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٨.

٢٧٩

والجبن يجوز السَّلَم فيه أيضاً مع إمكان ضبطه ، وبه قال الشافعيّة (١).

واعترض بعضهم باشتماله على الإنفحة ، وعندهم المختلط لا يجوز السَّلَم فيه.

وأجابه (٢) بأنّه ليس مقصوداً ، والممنوع منه إنّما هو السَّلَم في الأخلاط المقصودة ؛ لجهالة كلّ واحد منها (٣).

وأمّا اللبن الحليب : فيجوز السلف فيه إجماعاً مع وصفه المنضبط.

وأمّا المخيض فعندنا كذلك.

ومَنَع الشافعي منه ؛ لاشتماله على الماء ، فإنّه لا يخرج الزبد منه إلاّ به ، بخلاف خلّ التمر ؛ لأنّ الماء عماده وبه يكون ، وهذا الماء فيه ليس من مصلحته ، فصار المقصود منه مجهولاً (٤).

ونمنع صيرورة المصلحة علّةً في المعرفة وعدمها علّةً في الجهالة.

وأمّا الأقط : فإنّه يجوز السَّلَم فيه ؛ لإمكان ضبطه.

وللشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّه كالجبن يجوز السَّلَم فيه.

والثاني : أنّه كالمخيض لا يجوز ؛ لما فيه من الدقيق (٥).

وأمّا الأدهان الطيّبة كدهن البنفسج واللينوفر والبان والورد فإنّه يجوز السَّلَم فيها مع إمكان ضبطها.

وقالت الشافعيّة : إن خالطها شي‌ء من جرم الطيب ، لم يجز السَّلَم‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٨.

(٢) في هامش الطبعة الحجريّة : « وجوابه. خ ل ».

(٣) لم نعثر على الاعتراض والجواب فيما بين أيدينا من المصادر.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٠٩ و ٤١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥٨.

٢٨٠