تذكرة الفقهاء - ج ١١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: ٤٢٩

بعشرين درهماً مثلاً ، وأمره بالبيع بذلك ، فما زاد فهو للدلاّل ، ولم يواجبه البيع ، جاز ذلك ، لكن لا يخبر الدلاّل بالشراء بالعشرين ؛ لأنّه كذب ؛ إذ التقدير أنّه لا بيع هنا فلا يبيعه مرابحةً ، وإن أخبر بالحال ، جاز ؛ لأنّ الصادق عليه‌السلام سُئل عن الرجل يحمل المتاع لأهل السوق وقد قوّموا عليه قيمة ويقولون : بِعْ فما ازددت فلك ، فقال : « لا بأس بذلك ، ولكن لا يبيعهم مرابحة » (١).

وإذا قال التاجر للدلاّل : بِعْ ثوبي هذا بعشرة دراهم ، فما فضل فهو لك ، جاز على سبيل الجعالة ، ولا يكون ذلك بيعاً لازماً ، وللتاجر أن يفسخ القول قبل العقد ؛ لأنّ الصادق عليه‌السلام قال في رجل قال لرجلٍ : بِعْ ثوبي هذا بعشرة دراهم ، فما فضل فهو لك ، قال : « ليس به بأس » (٢).

واعلم أنّه لا فرق بين أن يكون الدلاّل ابتدأه للتاجر أو بالعكس.

مسألة ٤٠٤ : قد بيّنّا أنّه إذا اشترى جملة أثواب لم يجز له بيع أفرادها مرابحةً‌ بمجرّد التقويم مع نفسه ، إلاّ أن يخبر بالحال ؛ لما رواه محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : في الرجل يشتري المتاع جميعاً بثمن ثمّ يقوّم كلّ ثوب بما يسوى حتى يقع على رأس ماله يبيعه مرابحةً ثوباً ثوباً؟ قال : « لا ، حتى يبيّن له إنّما قوّمه » (٣).

ولو باعه ثياباً معيّنة من الجملة التي اشتراها على أن يعطيه خيارها بربح خمسة مثلاً في كلّ ثوب من خيارها ، لم يصح ؛ للجهالة.

ولما رواه عيسى بن أبي منصور قال : سألت الصادقَ عليه‌السلام : عن القوم‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٩٥ ، ٣ ، الفقيه ٣ : ١٣٥ ، ٥٨٨ ، التهذيب ٧ : ٥٤ ، ٢٣٣.

(٢) الكافي ٥ : ١٩٥ ، ٢ ، التهذيب ٧ : ٥٣ ٥٤ ، ٢٣١.

(٣) الفقيه ٣ : ١٣٦ ، ٥٩٠ ، التهذيب ٧ : ٥٥ ، ٢٣٩.

٢٤١

يشترون الجراب الهروي أو المروي (١) أو القوهي ، فيشتري الرجل منهم عشرة أثواب ويشترط عليه خياره كلّ ثوب بربح خمسة دراهم أقلّ أو أكثر ، فقال : « ما أُحبّ هذا البيع ، أرأيت إن لم يجد فيه خياراً غير خمسة أثواب ووجد بقيّته سواء؟ » (٢).

مسألة ٤٠٥ : يجوز لمن اشترى شيئاً بيعه قبل قبضه‌ إذا لم يكن مكيلاً أو موزوناً بربح وغيره ؛ لأصالة الإباحة.

ولما رواه الحلبي في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن قوم اشتروا بزّاً (٣) فاشتركوا فيه جميعاً ولم يقسموه (٤) ، أيصلح لأحد منهم بيع بزّه قبل أن يقبضه؟ قال : « لا بأس به » وقال : « إنّ هذا ليس بمنزلة الطعام ، لأنّ الطعام يُكال » (٥).

وسأل منصور الصادقَ عليه‌السلام : عن رجل اشترى بيعاً ليس فيه كيل ولا وزن إله أن يبيعه مرابحة قبل أن يقبضه ويأخذ ربحه؟ فقال : « لا بأس بذلك ما لم يكن كيل ولا وزن ، فإن هو قبضه فهو أبرأ لنفسه » (٦).

وسأل إسماعيل بن عبد الخالق الصادقَ عليه‌السلام : إنّا نبعث الدراهم لها صرف إلى الأهواز فيشتري لنا بها المتاع ثمّ نلبث فإذا باعه وضع عليها صرف ، فإذا بعناه كان علينا أن نذكر له صرف الدراهم في المرابحة يجزئنا عن ذلك؟ فقال : « لا ، بل إذا كانت للمرابحة فأخبره بذلك ، وإن كانت‌

__________________

(١) في المصدر : المروزي.

(٢) الفقيه ٣ : ١٣٥ ، ٥٨٧ ، التهذيب ٧ : ٥٧ ، ٢٤٦ بتفاوت يسير.

(٣) البَزّ : الثياب. الصحاح ٣ : ٨٦٥ « بزز ».

(٤) في « ق ، ك‍ » والفقيه : « ولم يقتسموه ».

(٥) الفقيه ٣ : ١٣٦ ، ٥٩٤ ، التهذيب ٧ : ٥٥ ٥٦ ، ٢٤٠.

(٦) الفقيه ٣ : ١٣٦ ، ٥٩٣ ، التهذيب ٧ : ٥٦ ، ٢٤١.

٢٤٢

مساومةً فلا بأس » (١).

مسألة ٤٠٦ : إذا أمر الإنسان غيره بشراء متاع وبربحه كذا ، فإن كان الشراء للآمر ، صحّ ، ولزمه ما جَعَله له بعد الشراء ؛ لأنّها جعالة صحيحة. وإن كان للمأمور ، جاز ذلك ، ولم يكن ما ذكره من الربح لازماً له بل ولا الشراء منه ، وليس للمأمور أن يعقد البيع مع الأمر ؛ لأنّه بيع ما ليس عنده ، وهو منهيّ عنه.

وروى يحيى بن الحجّاج عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل قال لي : اشتر هذا الثوب وهذه الدابّة وبعنيها أربحك منها كذا وكذا ، قال : « لا بأس بذلك ، اشترها ، ولا تواجبه البيع قبل أن يستوجبها وتشتريها » (٢).

مسألة ٤٠٧ : قد بيّنّا الخلاف فيما إذا اشترى شيئاً مؤجّلاً وأخفى الأجل وأخبر برأس المال ، وأنّ الوجه في ذلك : صحّة البيع‌ وتخيّر المشتري بين الرضا بالثمن حالاّ وبين فسخ البيع.

وقال الأوزاعي : للمشتري من الأجل مثل ما كان له (٣). وهو قول الشيخ في النهاية (٤) ؛ لما روى الحسن بن محبوب عن أبي محمّد الوابشي ، قال : سمعت رجلاً سأل الصادقَ عليه‌السلام : عن رجل اشترى من رجل متاعاً بتأخير إلى سنة ثمّ باعه من رجل آخر مرابحةً ، إله أن يأخذ منه ثمنه حالاّ والربح؟ قال : « ليس عليه إلا مثل الذي اشترى ، إن كان نقد شيئاً فله مثل ما نقد ، وإن لم يكن نقد شيئاً آخر فالمال عليه إلى الأجل الذي اشتراه إليه » قلت له : فإن كان الذي اشتراه منه ليس بمليّ مثله؟ قال : « فليستوثق من حقّه‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٩٨ ، ٥ ، التهذيب ٧ : ٥٨ ، ٢٤٩.

(٢) الكافي ٥ : ١٩٨ ، ٦ ، التهذيب ٧ : ٥٨ ، ٢٥٠ بتفاوت فيهما.

(٣) حلية العلماء ٤ : ٢٩٥.

(٤) النهاية : ٣٨٩.

٢٤٣

إلى الأجل الذي اشتراه » (١).

وعلى ما اخترناه تكون هذه الرواية محمولةً على ما إذا قال : بعتك بما اشتريته من القدر والوصف.

مسألة ٤٠٨ : لو أسلم في ثوبين بصفة واحدة وقبضهما وأراد بيع أحدهما مرابحةً ، لم يجز ، كما تقدّم ، إلاّ أن يخبر بصورة الحال.

وقال الشافعي : يجوز في أحد القولين ، فعلى هذا يخبر بحصّته من الثمن وهو النصف ؛ لأنّ الثمن وقع عليهما متساوياً ؛ لتساوي الصفة في الذمّة ، فكان بمنزلة شراء قفيزين ، فإن حصل في أحدهما نقصان عن الصفة ، فذلك نقصان جارٍ مجرى الحادث بعد الشراء ، فلا يمنع من بيع المرابحة. وبه قال أبو يوسف ومحمّد (٢).

وقال أبو حنيفة : لا يبيعه مرابحةً ؛ لأنّ الثوبين يختلفان حال التعيين ، فيصيرا بمنزلة العقد الواقع على ثوبين بأعيانهما (٣).

البحث الثاني : في باقي الأقسام.

مسألة ٤٠٩ : التولية نوع من البيع ، وهو أن يخبر برأس المال ويبيعه به من غير زيادة ولا نقصان. ولا خلاف في جوازه.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٥٩ ، ٢٥٤.

(٢) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٨٥ ، حلية العلماء ٤ : ٢٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٩٠ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٣١ ، ١١٠٢ ، المغني ٤ : ٢٨٣ ، الشرح الكبير ٤ : ١١٤.

(٣) مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٣١ ، ١١٠٢ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٨٥ ، حلية العلماء ٤ : ٢٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٣ ، المغني ٤ : ٢٨٢ ٢٨٣ ، الشرح الكبير ٤ : ١١٤.

٢٤٤

وعبارة الإيجاب : بعتك وولّيتك ، فيقول : قبلت. فإذا اشترى شيئاً ثمّ قال لغيره : ولّيتك هذا العقد ، جاز.

ويشترط قبوله في المجلس على قاعدة التخاطب بأن يقول : قبلت ، أو : تولّيت. ويلزمه مثل الثمن الأوّل جنساً وقدراً ووصفاً.

ويجب العلم به للمتعاقدين حالة العقد. وهو شرط في صحّته ، لا ذكره ، فلو لم يعلم برأس المال أحدهما أو كلاهما ، بطل ؛ لأنّ الجهالة في الثمن أو المثمن مبطلة. ولو لم يعلمه المشتري ، أعلمه البائع أوّلاً ثمّ ولاّه العقد.

مسألة ٤١٠ : قد بيّنّا أنّ عقد التولية بيع‌ يشترط فيه ما يشترط في مطلق البيع من القدرة على التسليم والتقابض في المجلس إن كان صرفاً وغيرهما. ويلحق به ما يلحق به (١) من الشفعة وغيرها. فلو كان المبيع شقصاً مشفوعاً وعفا الشفيع ، تجدّدت الشفعة بالتولية. ويجوز قبل القبض وإن كان طعاماً على كراهية على رأي. والزوائد المنفصلة قبل التولية إذا تجدّدت بعد الشراء للمشتري ، وقبله للمتولّي. ولو حطّ البائع بعد التولية بعض الثمن ، لم ينحطّ عن المولّى أيضاً ، خلافاً للشافعي (٢). وكذا لو حطّ الكلّ.

وللشافعيّة قولٌ آخر بجعل المشتري نائباً عن المولّي ، فتكون الزوائد للمولّى ، ولا تتجدّد الشفعة ، ويلحق الحطّ للمولّى (٣).

وعلى قولٍ آخر : تنعكس هذه الأحكام ونقول : إنّها بيع جديد (٤).

__________________

(١) بدل « به » في « ق ، ك‍ » : « بالبيع ».

(٢) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٧ ٣١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٤ ١٨٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٥.

٢٤٥

وهو الحقّ عندنا.

وعلى ظاهر مذهب الشافعيّة : الفرق بين الزوائد والشفعة وبين الحطّ. وعلى هذا لو حطّ البعض قبل التولية ، لم تجز التولية إلاّ بالباقي. ولو حطّ الكلّ ، لم تصحّ التولية (١).

مسألة ٤١١ : يشترط في التولية كون الثمن مثليّا‌ ليأخذ المولّي مثل ما بذله (٢) ، فلو اشتراه بعرض ، لم تجز التولية ، قال بعض الشافعيّة : إلاّ إذا انتقل ذلك العرض من البائع إلى إنسان فولاّه العقد. قال : ولو اشتراه بعرض وقال : قام عليَّ بكذا وقد ولّيتك العقد بما قام عليَّ ، أو أرادت المرأة عقد التولية على صداقها بلفظ القيام ، أو أراد الرجل التولية على ما أخذه من عوض الخلع ، ففي ذلك وجهان للشافعيّة (٣).

وعندنا لا تجوز التولية في مثل هذه الأشياء.

مسألة ٤١٢ : لو أخبر المولّي عمّا اشترى به وكذب ، فكالمرابحة‌ والكذب فيها ، وقد تقدّم ، وهو أحد قولي الشافعيّة. والآخر : يحطّ قدر الخيانة قولاً واحداً (٤).

ولو كان المشتري قد اشترى شيئاً وأراد أن يشرك غيره فيه ليصير له بعضه بقسطه من الثمن ، جاز بلفظ البيع والتولية أو المرابحة أو المواضعة.

ثمّ إن نصّ على المناصفة أو غيرها ، فذاك. وإن أطلق الاشتراك ، احتمل فساد العقد ؛ للجهل بمقدار العوض ، كما لو قال : بعتك بمائة ذهباً وفضّةً. والصحّة ، ويُحمل على المناصفة ، كما لو أقرّ بشي‌ء لاثنين.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٤ و ١٨٥.

(٢) في « ق ، ك‍ » : بذل.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٥.

٢٤٦

وللشافعيّة وجهان (١) كهذين.

والاشتراك في البعض كالتولية في الجميع في الأحكام السابقة.

مسألة ٤١٣ : المواضعة هي المحاطّة ، مأخوذة من الوضع ، وهو أن يخبر برأس المال ثمّ يقول : بعتك به ووضيعة كذا. وكما يجوز البيع مرابحةً يجوز مواضعةً ، وليس في ذلك جهالة ، كما لم يكن في الربح جهالة.

ويكره لو قال : بوضيعة درهم من كلّ عشرة ، كما قلنا في المرابحة ، فلو قال : الثمن مائة بعتك برأس مالي ووضيعة درهم من كلّ عشرة ، فالثمن تسعون.

ولو قال : ووضيعة درهم من كلّ أحد عشر ، كان الحطّ تسعة دراهم وجزءاً من أحد عشر جزءاً من درهم ، فيبقى الثمن أحداً وتسعين إلاّ جزءاً من أحد عشر جزءاً من درهم.

ولو قال : بعت بما اشتريت بحطّ « ده يازده » جاز أيضاً.

وفيه للشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّه يحطّ من كلّ عشرة واحد ، كما زيد في المرابحة على كلّ عشرة واحد ، فتكون الوضيعة عشرةً ، والثمن تسعين (٢). وبه قال أبو ثور ، وحكاه الشافعيّة عن محمّد بن الحسن ، ولم يحكه أصحابه عنه.

والثاني وهو الأصحّ عندهم ـ : أنّه يحطّ من كلّ أحد عشر واحد ، فالحطّ تسعة وجزء من أحد عشر جزءاً من درهم ، والثمن تسعون وعشرة أجزاء من أحدعشر [ جزءاً ] (٣) من درهم وبه قال أبو حنيفة لأنّ الربح‌

__________________

(١) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٥.

(٢) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « تسعون ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) ما بين المعقوفين من « العزيز شرح الوجيز » و « روضة الطالبين ».

٢٤٧

في المرابحة جزء من أحد عشر ، فليكن كذلك الحطّ في المحاطّة ، وليس في حطّ واحد من العشرة رعاية لنسبة « ده يازده » (١).

ولو كان قد اشترى بمائة وعشرة ، فالثمن على الوجه الأوّل تسعة وتسعون ، وعلى الثاني مائة. وعلى هذا القياس.

وأورد جماعة من فقهاء الشافعيّة صورة المسألة فيما إذا قال : بعت بما اشتريت بحطّ درهم من كلّ عشرة. وأوردوا فيها الوجهين (٢).

وهو خطأ ؛ فإنّ في هذه الصيغة يصير الحطّ واحداً من كلّ عشرة ، وإنّما موضع الخلاف لفظ « ده يازده ».

ولو قال : بحطّ درهم من كلّ (٣) عشرة ، فالمحطوط واحد من عشرة.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه يكون تسعة وجزءاً من أحد عشر جزءاً (٤).

وهو خطأ ؛ لأنّ هذا يكون حطّا من كلّ أحد عشر ، ولا وجه له.

ولو قال : بحطّ درهم لكلّ عشرة ، فالمحطوط واحد من أحد عشر ، ويكون كأنّه قال : ضع من كلّ أحد عشر درهماً ، فلو قال : بوضيعة « ده دوازده » (٥) كانت الوضيعة من كلّ اثني عشر درهماً درهماً (٦). وبيانه : أن تضيف قدر الوضيعة إلى الأحد عشر فيصير اثني عشر ، فيسقط من كلّ اثني عشر الوضيعة ، وهي درهم.

__________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٢٩٧ ٢٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٦ ، المغني ٤ : ٢٨٧ ، الشرح الكبير ٤ : ١١٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٦.

(٣) في « ق » : « لكلّ » بدل « من كلّ ».

(٤) انظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٩ ، وروضة الطالبين ٣ : ١٨٦.

(٥) كذا في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة ، والظاهر : « يازده دوازده ».

(٦) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « درهم ». والصحيح بالنصب.

٢٤٨

تمّ الجزء السابع (١) من كتاب « تذكرة الفقهاء » بحمد الله تعالى ( ويتلوه في الجزء الثامن بعون الله تعالى : الفصل الثاني : في بيع النقد والنسيئة والسلف ، وفيه مطلبان.

فرغت من تسويده سلخ ربيع الأوّل من سنة أربع عشر وسبعمائة بالسلطانيّة. وكتب حسن بن يوسف بن مطهّر الحلّي مصنّف الكتاب ، والحمد لله وحده ، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين ) (٢) (٣).

__________________

(١) حسب تجزئة المصنّف قدس‌سره.

(٢) ما بين القوسين لم يرد في « ك‍ ».

(٣) ورد في آخر نسخة « ق » : « تمّ هذا الجزء المشار إليه يوم الثلاثاء خامس عشر شوّال خُتم بالخير والإقبال من سنة أربع وسبعين وثمانمائة على يد العبد الفقير إلى الله تعالى الغنيّ ، عليّ بن منصور بن حسين المزيدي عفا الله عنه. والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين ».

وورد في آخر نسخة « ك‍ ». « تمّ ذلك في غرّة ربيع الأوّل سنة ٩١٦ في دار السلام بغداد ، لأجل داعي المؤمنين كتبه حسب .. ». ومكان النقاط كلمات ممسوحة.

٢٤٩
٢٥٠

بسم الله الرحمن الرحيم

وفّق اللهمّ لإكماله بمحمّد وكرام آله.

الفصل الثاني : في بيع النقد والنسيئة والسلف.

وفيه مطلبان :

الأوّل : في بيع النقد والنسيئة.

مسألة ٤١٤ : مَنْ باع شيئاً معيّناً بثمن ، كان الثمن حالاّ‌ مع الإطلاق واشتراط التعجيل ؛ لأنّ قضيّة البيع تقتضي انتقال كلٍّ من العوضين إلى الآخر ، فيجب الخروج عن العهدة متى طُولب صاحبها.

أمّا لو شرط تأجيل الثمن في صلب العقد ، فإنّه يصحّ ، ويكون البيع نسيئةً ؛ لأنّ الحاجة قد تدعو إلى الانتفاع بالمبيع معجّلاً ، واستغناء مالكه عنه ، وحاجته إلى الثمن مؤجّلاً ، فوجب أن يكون مشروعاً ، تحصيلاً لهذه المصلحة الخالية عن المبطلات ، ولا نعلم فيه خلافاً.

مسألة ٤١٥ : إذا شرط تأخير الثمن ، وجب تعيين الأجل‌ بما لا يحتمل الزيادة والنقصان ، بل يجب أن يكون محروساً عنهما ، مضبوطاً ، فلو جَعَله مؤجّلاً إلى قدوم الحاجّ أو إدراك الغلاّت أو جزّ الثمار أو العطاء ، إلى غير ذلك من الآجال المجهولة ، بطل البيع ؛ لتطرّق الجهالة إلى الثمن ، لأنّه يزيد عند التجار بزيادة الأجل وينقص بنقصانه. ولأنّه مشتمل على غرر عظيم‌

٢٥١

منهيّ عنه.

وكذا لو قال : بعتك نسيئةً ، ولم يذكر الأجل أصلاً ، كان البيع باطلاً.

ولو باعه بثمنين إلى أجلين ، فالأظهر : البطلان ، وقد سبق (١).

مسألة ٤١٦ : لو باع سلعةً بثمن مؤجّل ثمّ اشتراها قبل قبض الثمن بأقلّ من ذلك الثمن ، جاز. وكذا لو باعها بثمن نقداً واشتراها بأكثر منه إلى أجل ، جاز ، سواء كان قد قبض الثمن أو لم يقبض وبه قال الشافعي (٢) لأنّ البيع ناقل والعين قابلة للنقل دائماً ، والمتبايعان من أهل العقد ، فكان صحيحاً ؛ عملاً بالمقتضي السالم عن المبطل. ولأنّه ثمن يجوز بيع السلعة به من غير بائعها ، فجاز بيعها به من بائعها ، كما لو كان باعه بسلعة أو بمثل الثمن.

ولأنّ بشار بن يسار سأل الصادقَ عليه‌السلام : عن الرجل يبيع المتاع بنسأ فيشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه ، قال : « نعم ، لا بأس » فقلت له : اشترى متاعي ، قال : « ليس هو متاعك » (٣).

وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد : لا يجوز أن يشتريها بدون ذلك الثمن قبل قبض الثمن. وقال أبو حنيفة : ويجوز أن يشتري بها سلعة قيمتها أقلّ من قدر الثمن. فإن باعها بدراهم واشتراها بدنانير قيمتها أقلّ من قدر الثمن ، لم يجز استحساناً. ولو باعها بأجل ثمّ اشتراها بأكثر من ذلك الأجل ، لم يجز. ولو اشتراها وكيله له بأقلّ من الثمن ، جاز. ولو اشتراها‌

__________________

(١) في ج ١٠ ص ٢٢٤ ، المسألة ١١٢.

(٢) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٨٩ ، حلية العلماء ٤ : ٢٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٥ ١٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٥ ٨٦ ، المغني ٤ : ٢٧٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١.

(٣) الكافي ٥ : ٢٠٨ ، ٤ ، الفقيه ٣ : ١٣٤ ، ٥٨٥ ، التهذيب ٧ : ٤٧ ٤٨ ، ٢٠٤.

٢٥٢

والد البائع أو ولده أو مَنْ تردّ شهادته له لنفسه ، لم يجز بأقلّ من الثمن ؛ لما روى أبو إسحاق السبيعي عن امرأته العالية بنت أيفع بن شرحبيل أنّها قالت : دخلت أُمّ ولد زيد (١) بن أرقم وامرأة على عائشة ، فقالت أمّ ولد زيد ابن أرقم : إنّي بعت غلاماً من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم إلى العطاء ثمّ اشتريته منه بستمائة درهم ، فقالت : بئس ما شريت وبئس ما اشتريت ، أبلغي زيد بن أرقم أنّه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ أن يتوب (٢). ولأنّ ذلك ذريعة إلى الربا فإنّما أدخل السلعة ليستبيح بيع ألف بخمسمائة إلى أجل (٣).

وخبر عائشة ليس حجّةً. على أنّه لو كان عندها شي‌ء عن النبيّ عليه‌السلام روته ، ولا يجوز أن تظلّله باجتهادها وهو مخالف في ذلك. على أنّا نقول بموجبه ؛ لأنّها أنكرت شراءه إلى وقت العطاء وهو مجهول ، والعقد الثاني مبنيّ عليه ، فلهذا أنكرتهما.

وأبو حنيفة يجوّز الذرائع ، وهو أن يبيع تمراً جيّداً بدرهم ثمّ يشتري به أكثر منه (٤).

مسألة ٤١٧ : إذا باع نسيئةً ثمّ اشتراه (٥) قبل الأجل بزيادة أو نقيصة حالاّ أو مؤجّلاً ، جاز‌ إذا لم يكن شرطه في العقد ، فإن شرطه ، بطل ، وإلاّ‌

__________________

(١) في « س » والطبعة الحجريّة : « لزيد ».

(٢) سنن الدارقطني ٣ : ٥٢ ، ٢١٢ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٣٠ ٣٣١ ، المغني ٤ : ٢٧٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١.

(٣) مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١١٣ ١١٤ ، ١١٩٥ ، حلية العلماء ٤ : ٢٨٨ ٢٨٩ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٨٩ ، المغني ٤ : ٢٧٧ ٢٧٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١ ٥٢.

(٤) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

(٥) في الطبعة الحجريّة : « اشتراها ».

٢٥٣

لزم الدور. ولو حلّ الأجل فابتاعه بغير الجنس ، جاز مطلقاً ، سواء زاد عن الثمن أو نقص. وإن ابتاعه بالجنس ، فالأقوى عندي أنّه كذلك.

وقال الشيخ في النهاية : لو باعه بأجل ثمّ حضر الأجل ولم يكن مع المشتري ما يعطيه إيّاه ، جاز له أن يأخذ منه ما كان باعه إيّاه من غير نقصان من ثمنه ، فإن أخذه بنقصان من ثمنه ، لم يكن ذلك صحيحاً ، ولزمه ثمنه الذي كان أعطاه به ، فإن أخذ من المبتاع متاعاً آخر بقيمته في الحال ، لم يكن بذلك بأس (١).

والمعتمد : الأوّل ؛ لما تقدّم.

مسألة ٤١٨ : العِيْنَة جائزة‌ ليست منهيّاً عنها عندنا ، وبه قال الشافعي (٢).

وهي عندنا عبارة عن الإقراض لعين ممّن له عليه دَينٌ ليبيعها ثمّ يقضي دَيْنه منها ؛ لأنّ ذلك يجوز في حقّ الغير فيجوز في حقّه.

ولأنّ الصادق عليه‌السلام سُئل عن رجل يعين عينة إلى أجل فإذا جاء الأجل تقاضاه فيقول : لا والله ما عندي ولكن عيّنّي أيضاً حتى أقضيك ، قال : « لا بأس ببيعه » (٣).

وقال الصادق عليه‌السلام في رجل يكون له على الرجل المال فإذا حلّ قال له : بعني متاعاً حتى أبيعه فأقضي الذي لك عليَّ ، قال : « لا بأس » (٤).

وفسّرها الشافعي بأن يبيع الرجل من غيره بثمن مؤجّل ويسلّمه إلى‌

__________________

(١) النهاية : ٣٨٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٥.

(٣) التهذيب ٧ : ٤٨ ، ٢٠٩ ، الاستبصار ٣ : ٧٩ ، ٢٦٧.

(٤) الفقيه ٣ : ١٨٣ ، ٨٢٦ ، التهذيب ٧ : ٤٩ ، ٢١٠ ، الاستبصار ٣ : ٨٠ ، ٢٦٨.

٢٥٤

المشتري ثمّ يشتريه قبل قبض الثمن بأقلّ من ذلك نقداً (١). وهو أيضاً جائز عندنا على ما تقدّم.

مسألة ٤١٩ : يجوز البيع نسيئةً ونقداً‌ بزيادة عن قيمة السلعة في الحال وإن تضاعفت ، أو نقصانٍ مع علم المشتري ؛ لأصالة الصحّة ، وعملاً بمقتضى العقد السالم عن معارضة الغبن. ولا فرق بين العينة وغيرها.

واعلم أنّ العِيْنَة جائزة كما قلناه.

ولا فرق بين أن يصير بيع العِيْنَة عادةً غالبة في البلد أو لا يصير على المشهور عند الشافعي (٢).

وقال أبو إسحاق : إذا صار عادةً ، صار البيع الثاني كالمشروط في الأوّل ، فيبطلان جميعاً (٣).

مسألة ٤٢٠ : يجوز بيع الشي‌ء غير المشخّص حالاّ‌ وإن لم يكن حاضراً إذا كان عامّ الوجود ، كالحنطة والشعير وغيرهما ، ولا يجوز إذا لم يمكن حصوله في الحال ، كالفواكه والرطب والعنب في غير أوانها ؛ لوجود المقتضي في الأوّل ، وهو العقد جامعاً لشرائط الصحّة من إمكان التسليم وغيره ، وتعذّر الشرط في الثاني.

وفي الصحيح عن الصادق عليه‌السلام وقد سُئل عن الرجل يشتري الطعام من الرجل ليس عنده فيشتري منه حالاّ ، قال : « ليس به بأس » (٤).

ولو ساومه عليه ولم يواجبه البيع ثمّ حصَّله وباعه بعد ذلك ، كان جائزاً ؛ لما روى ابن سنان في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام قال : « لا بأس‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٥ ١٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٥ ٨٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٦.

(٤) التهذيب ٧ : ٤٩ ، ٢١١.

٢٥٥

بأن تبيع الرجل المتاع ليس عندك تساومه ثمّ تشتري له نحو الذي طلب ثمّ توجبه على نفسك ثمّ تبيعه منه بَعْدُ » (١).

ولو باعه قبل شرائه له ، جاز ؛ لما تقدّم.

ولما رواه ابن سنان في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام أنّه سأله عن الرجل يأتيني يريد منّي طعاماً أو بيع نسيئة وليس عندي ، أيصلح أن أبيعه إيّاه وأقطع له سعره ثمّ أشتريه من مكانٍ آخر فأدفعه إليه؟ قال : « لا بأس » (٢).

إذا عرفت هذا ، فإنّما يجوز إذا كان المبيع غير مشخّص ، أمّا إذا كان مشخّصاً بأن يكون مثلاً لزيدٍ عبد أو طعام ، فيأتي خالد إلى بكر فيطلب منه ذلك العبد أو الطعام بعينه فيشتريه منه ثمّ يذهب بكر إلى زيد فيشتريه منه ليدفعه إلى خالد ، فإنّه لا يجوز ؛ لنهيه عليه‌السلام عن بيع ما ليس عنده (٣).

إذا ثبت هذا ، فإن فَعَل ، كان العقد الأوّل باطلاً ، ويكون الثاني صحيحاً ، ثمّ يجدّد العقد الباطل بعد العقد الصحيح.

وروى معاوية بن عمّار في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام ، قال : قلت له : يجيئني الرجل يطلب المبيع (٤) الحرير وليس عندي منه شي‌ء ، فيقاولني عليه فاقاوله في الربح والأجل حتى نجتمع على شي‌ء ثمّ أذهب فأشتري له الحرير فأدعوه إليه ، فقال : « أرأيت إن وجد بيعاً هو أحبّ إليه ممّا عندك‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٠١ ، ٧ ، التهذيب ٧ : ٤٩ ، ٢١٢.

(٢) التهذيب ٧ : ٤٩ ، ٢١٣.

(٣) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٧ ، ٢١٨٧ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٣ ، ٣٥٠٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٣٤ ، ١٢٣٢ ، سنن النسائي ٧ : ٢٨٩ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٦٧ و ٣١٧ و ٣٣٩ ، مسند أحمد ٤ : ٤٠٣ ، ١٤٨٨٧ ، و ٤٥٥ ، ١٥١٤٥ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٦ : ١٩٢ ، ٥٤٠ ، المعجم الكبير للطبراني ٣ : ٢١٧ ٢١٨ ، ٣٠٩٧ ٣٠٩٩.

(٤) في التهذيب : « البيع ». وفي الفقيه : « بيع ». وفي الكافي : « المتاع » بدل « المبيع ».

٢٥٦

أيستطيع أن ينصرف إليه ويدعك؟ أو وجدت أنت ذلك أتستطيع أن تنصرف إليه عنه وتدعه؟ » قلت : نعم ، قال : « لا بأس » (١).

وينبغي حمله على المشخّص.

مسألة ٤٢١ : لو جاء إليه شخص يطلب متاعاً بقدرٍ معلوم ولم يكن عنده فاستعاره من غيره ثمّ باعه إيّاه ثمّ اشتراه منه ودفعه إلى مالكه ، لم يجز ؛ لأنّ بيعه له وهو غير مالك باطل ، والاستعارة للبيع غير جائزة وإن جازت للرهن ، فيكون الشراء منه أولى بالبطلان.

وفي رواية ابن حديد (٢) قال : قلت للصادق عليه‌السلام : يجي‌ء الرجل يطلب منّي المتاع بعشرة ألف أو أقلّ أو أكثر وليس عندي إلاّ بألف درهم فأستعيره من جاري فآخذ من ذا وذا فأبيعه ثمّ أشتريه منه ، أو آمر مَنْ يشتريه ، فأردّه على أصحابه ، قال : « لا بأس » (٣).

وهذه الرواية ضعيفة ؛ فإنّ ابن حديد ضعيف جدّاً ، فلا تعويل عليها ؛ لمنافاتها المذهب.

مسألة ٤٢٢ : يجوز تعجيل المؤجّل بإسقاط بعضه ؛ لأنّه إبراء ، وهو سائغ مطلقاً ، ولا يجوز تأخير المعجّل بزيادة فيه.

نعم ، يجوز اشتراط التأجيل في عقدٍ لازم ، كالبيع وشبهه ، لا بزيادة في الدَّيْن ، بل بزيادة في ثمن ما يبيعه إيّاه ، فلو كان عليه دَيْنٌ حالّ فطالبه فسأل منه الصبر إلى وقتٍ معلوم بشرط أن يشتري منه ما يساوي مائة بثمانين ، جاز ؛ لأنّ التأخير أمر مطلوب للعقلاء لا يتضمّن مفسدة ، وهو غير‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٠٠ ، ٥ ، الفقيه ٣ : ١٧٩ ، ٨٠٩ ، التهذيب ٧ : ٥٠ ٥١ ، ٢١٩.

(٢) كذا في « س ، ي » والطبعة الحجريّة. وفي المصدر : عن حديد.

(٣) الكافي ٥ : ١٩٩ ٢٠٠ ، ١ ، التهذيب ٧ : ٤٩ ٥٠ ، ٢١٤.

٢٥٧

واجب على صاحب الحقّ ، بل له المطالبة بالتعجيل ، وبيع ما يزيد ثمنه على قيمته جائز مطلقاً ، فلا وجه لمنعه مجتمعاً.

ولأنّ محمّد بن إسحاق بن عمّار سأل الرضا عليه‌السلام عن الرجل يكون له المال قد حلّ على صاحبه (١) يبيعه لؤلؤة تسوي مائة درهم بألف درهم ويؤخّر عنه المال إلى وقت ، قال : « لا بأس » (٢).

وسأل محمّد بن إسحاق أيضاً أبا الحسن عليه‌السلام : يكون لي على الرجل دراهم ، فيقول : أخّرني بها وأربحك فأبيعه جبّة تُقوَّم علَيَّ بألف درهم بعشرة آلاف درهم أو بعشرين ألفاً ، وأؤخّره بالمال ، قال : « لا بأس » (٣).

المطلب الثاني : في السَّلَم.

والنظر في ماهيّته وشرائطه وأحكامه.

النظر الأوّل : في الماهيّة :

مسألة ٤٢٣ : السَّلَم والسلف عبارتان عن معنى واحد ، وهو بيع شي‌ء موصوف في الذمّة مؤجّل بشي‌ء حاضر. يقال : سلف ، وأسلف ، وأسلم. ويجي‌ء فيه : سلم ، غير أنّ الفقهاء لم يستعملوه.

وذكر الفقهاء فيه عباراتٍ متقاربةً :

أ ـ أنّه عقد على موصوف في الذمّة ببدلٍ يعطى عاجلاً.

ب ـ إسلاف عرض حاضر في عرضٍ موصوف في الذمّة.

__________________

(١) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « يكون له المال يدخل عليه صاحبه ». وفي الفقيه : « .. فيدخل على صاحبه ». وما أثبتناه من الكافي والتهذيب.

(٢) الكافي ٥ : ٢٠٥ ، ١٠ ، الفقيه ٣ : ١٨٣ ، ٨٢٣ ، التهذيب ٧ : ٥٣ ، ٢٢٨.

(٣) الكافي ٥ : ٢٠٥ ، ١١ ، التهذيب ٧ : ٥٢ ٥٣ ، ٢٢٧.

٢٥٨

ج ـ تسليم عاجل في عرض لا يجب تعجيله.

وهذه تعريفات رديئة.

وهو يشارك القرض في اللفظ ، فيسمّى كلٌّ منهما سَلَفاً ؛ لاشتراكهما في معنى ، وهو أنّ كلّ واحد منهما إثبات مال في الذمّة بمبذول في الحال.

مسألة ٤٢٤ : وقد أجمع المسلمون على جوازه.

قال الله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ) (١).

قال ابن عباس : إنّ السلف المضمون إلى أجلٍ مسمّى قد أحلّه الله تعالى في كتابه وأذن فيه ، ثمّ قال : قوله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ) (٢) (٣) مع أنّ اللفظ عامّ يشمل هذا.

وما رواه العامّة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قدم المدينة وهُمْ يُسلفون في التمر السنة والسنتين ، وربما قال : والثلاث ، فقال : « مَنْ أسلف (٤) فليسلف في كيلٍ معلوم ووزنٍ معلوم وأجلٍ معلوم » (٥).

ومن طريق الخاصّة في الحسن ـ : عن الصادق عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا بأس في السَّلَم بالمتاع إذا سمّيت الطول والعرض » (٦).

__________________

(١) البقرة : ٢٨٢.

(٢) البقرة : ٢٨٢.

(٣) الام ٣ : ٩٣ ٩٤ ، مختصر المزني : ٣٨٥ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٨٨ ، سنن البيهقي ٦ : ١٨ ، المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٣ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٣٨.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « سلف ». وما أثبتناه من المصادر ما عدا مسند أحمد وكما يأتي في ص ٢٦٤ و ٢٦٨ و ٢٧٦.

(٥) صحيح مسلم ٣ : ١٢٢٦ ١٢٢٧ ، ١٦٠٤ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٦٥ ، ٢٢٨٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٦٠٢ ٦٠٣ ، ١٣١١ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٧٥ ، ٣٤٦٣ ، سنن النسائي ٧ : ٢٩٠ ، مسند أحمد ١ : ٣٦٧ ، ١٩٣٨ ، مختصر المزني : ٩٠ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٣٨.

(٦) التهذيب ٧ : ٢٧ ، ١١٥.

٢٥٩

ولأصالة ( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (١) السالم عن معارض.

مسألة ٤٢٥ : السَّلَف نوع من البيوع لا بُدّ فيه من إيجابٍ وقبول. فالإيجاب إمّا قوله : بعتك كذا وصفته كذا إلى أجلٍ كذا بكذا ، وينعقد سَلَماً ، لا بيعاً مجرّداً ، فيثبت له جميع شرائط البيع ويزيد قبض رأس المال قبل التفرّق نظراً إلى المعنى لا اللفظ ، وإمّا : أسلمت ، أو أسلفت ، أو ما أدّى معناه ، فيقول : قبلت.

ولو أسلم بلفظ الشراء ، فقال : اشتريت منك ثوباً أو طعاماً صفته كذا إلى كذا بهذه الدراهم ، فقال : بعته منك ، انعقد ؛ لأنّ كلّ سَلَم بيعٌ ، فإذا استعمل لفظ البيع فيه ، فقد استعمله في موضعه ، وإذا انعقد ، فهو سَلَم اعتباراً بالمعنى كما قلناه ، ولا يكون بيعاً اعتباراً باللفظ.

وفيه للشافعيّة وجهان ، أصحّهما عندهم : الاعتبار باللفظ ، فلا يجب تسليم الدراهم في المجلس ، ويثبت فيه خيار الشرط (٢).

وهل يجوز الاعتياض عن الثوب؟ فيه لهم قولان ، كما في الثمن (٣).

ومنهم مَنْ قطع بالمنع ؛ لأنّه مقصود الجنس ، كالمبيع (٤) [ و] (٥) في الأثمان [ الغالب] (٦) قصد الماليّة لا قصد الجنس (٧).

والحقّ ما قلناه من أنّ الاعتبار بالقصد ؛ إذ الألفاظ لا دلالة لها بمجرّد ذواتها ما لم ينضمّ القصد إليها ، ولهذا لم يعتد بعبارة الساهي والغافل والنائم‌

__________________

(١) البقرة : ٢٧٥.

(٢) التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٦.

(٣) التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٦.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « كالبيع ». وما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٥) ما بين المعقوفين من العزيز شرح الوجيز.

(٦) ما بين المعقوفين من العزيز شرح الوجيز.

(٧) التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٦.

٢٦٠