تذكرة الفقهاء - ج ١١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: ٤٢٩

وهذه الرواية لم يُسندها الراوي إلى إمام أيضاً ، وتُحمل على ما إذا شرط. وإيجاب الأرش لا ينافي التخيير بينه وبين الردّ مع عدم التصرّف ، ووجوبه عيناً مع التصرّف.

وقال الشافعي : إذا شرط البكارة فخرجت ثيّباً ، كان له الخيار (١). وهو الذي اخترناه.

ولو شرط الثيوبة فخرجت بكراً ، فالأقرب : أنّ له الخيار ؛ لأنّه ظهر خلاف ما شرطه.

ويحتمل عدمه ؛ لأنّ البكر أرفع قيمةً وأفضل.

والثاني قول أكثر الشافعيّة ، والأوّل قول أقلّهم (٢).

ولو ادّعى الثيوبة قبل التصرّف ، لم يسمع ؛ لجواز تجدّدها بعد القبض ؛ فإنّ البكارة قد تذهب بالطفرة والنزوة ، وحمل الثقيل ، والدودة.

أمّا لو ادّعى حصولها قبل الإقباض وكان قد شرط البكارة ، حكم بشهادة أربع من النساء الثقات.

مسألة ٣٦٣ : لو اشترى جاريةً فوجدها مغنّيةً ، لم يكن له الخيار ـ وبه قال الشافعي (٣) لأنّ ذلك قد يكون طبيعيّاً. ولأنّه لو كان صناعيّاً ، لكان بمنزلة تعلّم صنعة حرام ، وذلك ليس عيباً ، بل هو زيادة في ثمنها من غير نقصان في بدنها ، كما لو كانت تعرف الخياطة.

__________________

(١) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٩٤ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٤٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٠.

(٢) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٩٤ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٤٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢١.

(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٩٣ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٤٥ ، حلية العلماء ٤ : ٢٧٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٥.

٢٠١

وقال مالك : إنّه يثبت له الخيار نقله أصحاب الشافعي دون أصحاب مالك لأنّ الغناء حرام وهو ينقصها (١).

ونمنع النقص ؛ فإنّ الغناء لهو ولعب وسخف ، والحرام استعماله دون معرفته بالطبع.

مسألة ٣٦٤ : لا خلاف في أنّ الجنون عيب يوجب الردّ‌ إلى سنة على ما تقدّم عندنا. ولو كان مخبلاً أو أبله أو سفيهاً ، ثبت له الردّ.

ولا عبرة بالسهو السريع زواله إذا لم يعدّ عيباً.

أمّا الصرع : فإنّه عيب ، وكذا الجنون الآخذ أدواراً.

مسألة ٣٦٥ : الجذام والبرص والعمى والعور والعرج والقرن والفتق والرتق والقرع والصمم والخرس عيوب إجماعاً. وكذا أنواع المرض ، سواء استمرّ كما في الممراض أو كان عارضاً ولو حمّى يوم ، والإصبع الزائدة ، والحول والحَوَص (٢) والسَّبَل وهو زيادة في الأجفان واستحقاق القتل في الردّة أو القصاص ، والقطع بالسرقة أو الجناية ، والاستسعاء في الدَّيْن عيوب إجماعاً ، دون الصيام والإحرام والاعتداد ، ومعرفة الغناء والنوح ، والعَسَر (٣) على إشكال ، ولا كونه ولد زنا ولا عدم المعرفة بالطبخ والخبز وغيرهما.

وأمّا الشلل والبكم فإنّهما عيبان. وكذا لو كان أرتّ (٤) لا يفهم أو كان‌

__________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٢٧٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٥٤ ، وكذا في المغني ٤ : ٢٦٤ ، والشرح الكبير ٤ : ٩٦.

(٢) الحوص بالتحريك ضيق في مؤخر العين. الصحاح ٣ : ١٠٣٤ « حوص ».

(٣) يقال : رجل أعسرُ بيّن العَسَر ، للّذي يعمل بيساره. الصحاح ٢ : ٧٤٥ « عسر ».

(٤) رجل أرتُّ بيّن الأرتّ : الذي في لسانه عُقْدة وحُبْسة ويعجل في كلامه فلا يطاوعه لسانه. لسان العرب ٢ : ٣٣ ٣٤ « رتت ».

٢٠٢

فقد حاسّة الذوق أو غيرها أو ناقص إصبع أو أنملة أو ظفر أو شعر أو زائد سنّ أو فاقدها أو كونه ذا قروح أو ثآليل كثيرة أو بَهَق (١) ، أو كون الحيوان مريضاً سواء المخوف وغيره ، أو كونه أبيض الشعر في غير أوانه. ولا بأس بحمرته.

وأمّا إذا كان نمّاماً أو ساحراً أو قاذفاً للمحصنات أو مقامراً أو تاركاً للصلاة أو شارباً للخمر : إشكال أقربه أنّه ليست هذه عيوباً ، وبه قال بعض الشافعيّة (٢).

مسألة ٣٦٦ : الحبل في الإماء عيب يوجب خيار الردّ للمشتري ؛ لاشتماله على تغرير بالنفس ؛ لعدم يقين السلامة بالوضع ، وبه قال الشافعي (٣).

أمّا في غير الإماء من الحيوانات : فإنّه ليس بعيب ولا يوجب الردّ ، بل ذلك زيادة في المبيع إن قلنا بدخول الحمل ، كما هو مذهب الشيخ (٤).

وقال بعض الشافعيّة : يردّ به (٥). وليس بشي‌ء.

وكون الدابّة جموحاً (٦) أو عضوضاً أو رموحاً (٧) أو خشنة المشي بحيث يخاف السقوط عيب ، بخلاف كون الماء مشمّساً ، خلافاً لبعض الشافعيّة (٨).

__________________

(١) البَهَق : بياض يعتري الجلد يخالف لونه ، ليس من البرص. الصحاح ٤ : ١٤٥٣ « بهق ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٤.

(٤) المبسوط للطوسي ٢ : ١٥٦.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٤.

(٦) جمح الفرس : إذا اعتزّ فارسه وغلبه. الصحاح ١ : ٣٦٠ « جمح ».

(٧) هي التي تضرب برِجْلها. الصحاح ١ : ٣٦٧ « رمح ».

(٨) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٤ ١٢٥.

٢٠٣

وكذا كون الرمل تحت الأرض إذا أُريدت للبناء ، والأحجار إن كانت ممّا تطلب للزرع و [ الغرس ] (١) عيب ، وبه قال الشافعي (٢).

ولو كان الرقيق رطب الكلام أو غليظ الصوت أو سيّ‌ء الأدب أو ولد زنا أو مغنّياً أو حجّاماً أو أكولاً أو زهيداً ، فلا ردّ. وتردّ الدابّة بالزهادة.

وكون الأمة عقيماً لا يوجب الردّ ؛ لعدم العلم بتحقّقه ، فربما كان من الزوج أو لعارضٍ.

مسألة ٣٦٧ : لو كان العبد عنّيناً ، كان للمشتري الردّ ؛ لأنّه عيب. وتردّ المرأة النكاح به ، وهو قول بعض الشافعيّة (٣).

وقال بعضهم : ليس بعيب (٤). وهو غلط.

ولو كان ممّن يعتق على المشتري ، لم يردّ به ؛ لأنّه ليس عيباً في حقّ كلّ الناس ، ولا تنقص ماليّته عند غيره.

وكذا لو كان زوجاً للمشترية أو زوجةً له ، وكون العبد مبيعاً (٥) في جناية عَمْدٍ وقد تاب عنها ، فلا ردّ. ولو لم يتب ، قال الشافعي : إنّه عيب (٦).

والجناية خطأ ليست عيباً وإن كثر ، خلافاً للشافعي في الكثرة (٧).

ومن العيوب كون المبيع نجساً ينقص بالغسل ، أو لا يمكن تطهيره ، وكذا شرب البهيمة لبن نفسها ، وبه قال الشافعي (٨).

وروى الهيثم بن عبد العزيز عن شريح قال : أتى عليّاً عليه‌السلام خصمان ،

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « والغرر ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٥.

(٥) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « معيباً ». والظاهر ما أثبتناه.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٥.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٥.

(٨) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٥.

٢٠٤

فقال أحدهما : إنّ هذا باعني شاةً تأكل الألبان (١) ، فقال شريح : لبن طيّب بغير علف. قال : فلم يردّها (٢).

مسألة ٣٦٨ : لو اشترى شيئاً ثمّ ظهر أنّ بايعه باعه وكالةً أو وصايةً أو ولايةً أو أمانةً ، ففي ثبوت الردّ لخطر فساد النيابة احتمال.

ومن العيوب : آثار الشجاج والقروح والكيّ وسواد الأسنان ونقص بعض السنّ وزيادته وذهاب أشفار العين والكَلَف (٣) المغيّر للبشرة وكون إحدى الثديين في الجارية أكبر من الأُخرى. وكذا طول إحدى اليدين في الرجل والمرأة على الاخرى. وكذا طول إحدى الرِّجْلين على الأُخرى ، والحَفَر في الأسنان ، وهو تراكم الوسخ الراسخ في أُصولها.

والضابط أنّ الردّ يثبت بكلّ ما في المعقود عليه من منقص القيمة أو العين نقصاً مّا يفوت به غرض صحيح بشرط أن يكون الغالب في أمثال المبيع عدمه.

مسألة ٣٦٩ : لو كان المبيع حيواناً غير الأمة فحمل عند المشتري من غير تصرّف ، لم يسقط الردّ بالعيب السابق ؛ لأنّ الحمل في غير الأمة زيادة. وهذا الحمل للمشتري ؛ لتجدّده على ملكه. أمّا لو كانت حاملاً فولدت عنده ثمّ ردّها ، ردّ الولد أيضاً.

ولو كان العبد كاتباً أو صانعاً فنسيه عند المشتري ، لم يكن له الردّ بالسابق ؛ لتجدّد عيب عنده.

__________________

(١) في المصدر : « الذبّان » بدل « الألبان ».

(٢) التهذيب ٧ : ٧٥ ، ٣٢٢.

(٣) الكَلَف : شي‌ء يعلو الوجه كالسمسم. وكذا لونٌ بين السواد والحمرة وهي حمرة كدرة تعلو الوجه. الصحاح ٤ : ١٤٢٣ « كلف ».

٢٠٥

مسألة ٣٧٠ : لو باع الجاني خطأً ، ضمن أقلّ الأمرين على رأي ، والأرش على رأي ، وصحّ البيع إن كان موسراً ، وإلاّ تخيّر المجنيّ عليه.

وإن كان عمداً ، وقف على إجازة المجنيّ عليه ، ويضمن الأقلّ من الأرش والقيمة ، لا الثمن معها ، وللمشتري الفسخ مع الجهل ، فيرجع بالثمن أو الأرش ، فإن استوعبت الجناية القيمة ، فالأرش ثمنه أيضاً ، وإلاّ فقدر الأرش ، ولا يرجع لو كان عالماً. وله أن يفديه كالمالك ، ولا يرجع به. ولو اقتصّ منه ، فلا ردّ ؛ للفرق بين كونه مستحقّاً للقطع وبين كونه مقطوعاً. فلو ردّه ، ردّه معيباً ، وله الأرش ، وهو نسبة تفاوت ما بين كونه جانياً وغير جانٍ من الثمن.

وللشافعي قولان في صحّة بيع الجاني : أحدهما : يصحّ ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد. والثاني : لا يصحّ ، وقد تقدّما (١).

واختلفت الشافعيّة في موضع القولين على ثلاث طرق.

إحداها : أنّ القولين في العمد والخطأ.

والثانية : أنّه في الخطأ ، فأمّا جناية العمد فلا تمنع قولاً واحداً ؛ لأنّها ليست بمال وإنّما تعلّق القتل برقبته ، فهو كالمرتدّ.

والثالثة : أنّ القولين في العمد ، فأمّا جناية الخطإ فإنّها تمنع البيع قولاً واحداً ؛ لأنّها آكد من الرهن ، والرهن لا يباع قولاً واحداً كذلك الجناية (٢).

مسألة ٣٧١ : كون الضيعة أو الدار منزل الجيوش عيب يثبت به الردّ‌ مع جهل المشتري لا مع علمه ؛ لأنّه يقلّل الرغبات ، وتنقص الماليّة به ، وبه‌

__________________

(١) في ج ١٠ ، ص ٤٢ و ٤٣ ، المسألة ٢٣.

(٢) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٩٤ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٨٨ ، حلية العلماء ٤ : ٢٧٨.

٢٠٦

قال بعض الشافعيّة (١).

وقال بعضهم : إنّما يكون كذلك إذا كان ما حواليها من الدور غير منزل للجيوش ، وإنّما اختصّت هذه الدار به ، فأمّا إذا كان ما حواليها من الدور بمثابتها ، فلا ردّ به (٢).

وكذا لو كانت الأرض أو البستان ثقيلةَ الخراج ، فإنّه عيب وإن كان الخراج ظلماً أو أخذه غير مستحقّ ؛ لأنّه ينقص الماليّة ، وتتفاوت القيم والرغبات.

والمراد بثقل الخراج أن يكون فوق المعتاد في أمثالها.

وقال بعض الشافعيّة : لا ردّ بثقل الخراج ولا بكونها منزل الجيوش ؛ لأنّه لا خلل في نفس المبيع (٣).

وألحق بعض الشافعيّة بهاتين ما لو اشترى داراً وإلى جانبها قصّارٌ (٤) يؤذي بصوت الدقّ ويزعزع الأبنية ، أو اشترى أرضاً فوجد بقربها خنازير تفسد الزرع (٥).

وليس هذا عندي شيئاً.

ولو اشترى أرضاً يتوهّم أنّه لا خراج عليها فظهر خلافه ، قال بعض الشافعيّة : إن لم يكن على مثلها خراج ، فله الردّ. وإن كان ، فلا ردّ (٦).

والوجه عندي : عدم الردّ ما لم يشترط عدم الخراج.

__________________

(١) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٢.

(٢) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٢.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « قصّاراً » بالنصب. ولعلّ في العبارة سقطت كلمة « وجد » كما يؤيّده سياق العبارة اللاحقة لها ، فتكون العبارة هكذا : « ما لو اشترى داراً ووجد إلى جانبها قصّاراً ».

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٢.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٢.

٢٠٧

المطلب الثاني : في التدليس.

التدليس بكلّ ما يختلف الثمن بسببه يثبت به الخيار بين الفسخ والإمضاء مع عدم التصرّف ، ومعه لا شي‌ء ؛ إذ ليس بعيب ، ولا يثبت (١) به الأرش ، وذلك مثل تحمير الوجه ووصل الشعر وأشباه ذلك من طلاء الوجه بالأبيض بحيث يستر السمرة ، والتصرية في الأنعام.

ولو مات العبد المدلَّس أو الأمة المدلَّسة أو الشاة المصرّاة ، فلا شي‌ء ؛ إذ لا عيب. وكذا لو تعيّب عنده قبل علمه بالتدليس أو بعده قبل الردّ.

ولو بيّض وجهها بالطلاء ثمّ اسمرّ أو احمرّ خدّيها (٢) ثمّ اصفرّ ، قال الشيخ : لا يكون له الخيار ؛ لعدم الدليل عليه (٣).

وقال الشافعي : يثبت الخيار (٤). وهو أقرب.

وكلّ ما يشترطه المشتري من الصفات المقصودة ممّا لا يعدّ فَقْده عيباً يثبت الخيار عند عدمه ، كاشتراط الإسلام أو البكارة أو الجعودة في الشعر والزجج (٥) في الحواجب أو معرفة الصنعة أو كونها ذات لبن أو كون الفهد صيوداً.

ولو شرط ما ليس بمقصود وظهر (٦) الخلاف ، فلا خيار ، كما لو‌

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » : « فلا يثبت ».

(٢) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « خدّيه ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) الخلاف ٣ : ١١١ ، المسألة ١٨٣.

(٤) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٩٠ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٦٨.

(٥) الزجج : دقّة الحاجبين وطولهما. الصحاح ١ : ٣١٩ ، لسان العرب ٢ : ٢٨٧ « زجج ».

(٦) في « ق ، ك‍ » : « فظهر ».

٢٠٨

شرط السبط أو الجهل.

ولو شرط الحلب كلّ يوم شيئاً معلوماً أو طحن الدابّة قدراً معيّناً ، لم يصح. ولو شرطها حاملاً ، صحّ. وإن شرطها حائلاً فظهر حملها ، فإن كانت أمةً ، تخيّر. وفي الدابّة إشكال من حيث الزيادة والعجز عن حمل ما يحتاج إليه.

المطلب الثالث : في اللواحق.

مسألة ٣٧٢ : لو ادّعى البائع التبرّي من العيوب وأنكر المشتري ، قدّم قول المشتري‌ مع اليمين وعدم البيّنة ؛ لأنّ الإنكار مقدّم ، لاعتضاده بالأصل ، فحينئذٍ يستردّ الثمن ، ويدفع المبيع إلى بائعه إن لم يتصرّف إن شاء ، وإن شاء أخذ الأرش. وإن كان قد تصرّف ، فله الأرش خاصّةً.

مسألة ٣٧٣ : لو اختلفا في قدم العيب عند البائع وحدوثه عند المشتري‌ فيدّعي البائع بعد ظهوره حدوثَه عند المشتري ويدّعي المشتري سَبْقَه على العقد أو القبض ، فإن أمكن الاستعلام من شاهد الحال ، عوّل عليه ، وذلك بأن يكون العيب مثلاً إصبعاً زائدة أو جراحة مندملة وزمان الابتياع يسير لا يمكن تجدّد هذه الأشياء بعده ، قدّم قول المشتري ؛ عملاً بشاهد الحال ، ولا حاجة هنا إلى اليمين ؛ للعلم بصدقه.

وإن كان العيب ممّا لا يمكن قِدَمه ، مثل أن يشتريه منذ عشر سنين مثلاً ، ويظهر قطع اليد مع طراوة الدم أو جرح معه ، فإنّه يقدّم قول البائع من غير يمين أيضاً ؛ للعلم بصدقه.

وإن احتمل الأمران كالحرق والجرح الذي يمكن تجدّده عند كلٍّ منهما بحيث لا يمضي زمان يتيقّن البرء فيه قبل العقد ولا يقصر الزمان‌

٢٠٩

ـ المتخلّل بين العقد وظهوره عنه ، فإن كان هناك بيّنة تشهد لأحدهما ، حكم له بها. وإن لم يكن هناك بيّنة تشهد بشي‌ء ، قدّم قول البائع مع يمينه ؛ لأصالة السلامة في المبيع حالة العقد ، وأصالة صحّة العقد ولزومه ، وعدم تطرّق التزلزل بالخيار إليه ، فكان الظاهر معه.

ولو أقاما بيّنةً ، حكم لبيّنة المشتري ؛ لأنّ القول قول البائع ؛ لأنّه منكر والبيّنة (١) على المشتري. وإذا توجّهت اليمين على البائع لعدم البيّنة ، فإن حلف ، قضي له بالثمن ولزوم العقد. وإن نكل ، فهل يقضى بمجرّد نكوله ، أو يفتقر إلى يمين الخصم؟ الأقوى : الثاني.

وإذا حلف البائع ، كيف يحلف؟

إن كان قال في جواب المشتري لمّا ادّعى أنّ بالمبيع عيباً كان قبل البيع أو قبل القبض وأراد الردّ ـ : ليس عليَّ الردّ بالعيب الذي يذكره ، أو : لا يلزمني قبوله ، حلف على ذلك ، ولا يكلّف التعرّض لعدم العيب يوم البيع ولا يوم القبض ؛ لجواز أن يكون قد أقبضه معيباً والمشتري عالم به ، أو رضي به بعد البيع [ لأنّه ] (٢) لو نطق به لصار مدّعياً وطُولب بالبيّنة وليس له بيّنة حاضرة.

وإن قال في الجواب : ما بعته إلاّ سليماً أو ما أقبضته إلاّ سليماً ، فهل يلزمه الحلف كذلك ، أو يكفيه الاقتصار على أنّه لا يستحقّ الردّ أو : لا يلزمني قبوله؟ لعلمائنا قولان :

أحدهما : أنّه يكفيه الجواب المطلق ، كما لو اقتصر عليه.

والثاني : أنّه يلزمه التعرّض ، كما تعرّض له في الجواب لتكون اليمين‌

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » « فالبيّنة ».

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

٢١٠

مطابقةً للجواب. ولو كان له غرض في الاقتصار على الجواب المطلق ، اقتصر عليه في الجواب.

وللشافعيّة (١) كالقولين.

وهذا يتأتّى في جميع الدعاوي ، كما لو ادّعى أنّه غصبه ثوباً معيّناً ، فأجاب بأنّه لا يستحقّ عندي شيئاً ، سمع منه.

ولو قال : ما غصبته ، فإن حلف عليه ، صحّ. وإن حلف على عدم الاستحقاق ، فالوجهان.

وإذا حلف البائع فإنّما يحلف على القطع والبتّ ، فيقول : بعته ولا عيب به ، ولا يحلف على نفي العلم فيقول مثلاً : بعته ولا أعلم به عيباً. ويجوز الحلف هنا على القطع إذا كان قد اختبره حال العقد واطّلع على خفايا أمره ، كما يجوز أن يشهد بالإعسار وعدالة الشاهد وغيرهما ممّا يكتفى فيه بالاختبار الظاهر. وعند عدم الاختبار (٢) يجوز الاعتماد على ظاهر السلامة إذا لم يعرف ولا ظنّ خلافه ، قال به بعض الشافعيّة (٣).

وعندي فيه نظر أقربه : الاكتفاء باليمين على نفي العلم.

مسألة ٣٧٤ : لو ادّعى المشتري أنّ بالمبيع عيباً ، وأنكره البائع ، فالقول قوله ؛ لأنّ الأصل دوام العقد والسلامة. ولو اختلفا في وصف من الأوصاف‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٨ ١٤٩.

(٢) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « الاعتبار » بدل « الاختبار » وما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز » و « روضة الطالبين ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٩.

٢١١

هل هو عيب أم لا؟ قدّم قول البائع مع يمينه إذا لم يعرف الحال من الغير.

ولو قال واحد من أهل العلم به : إنّه عيب يثبت الردّ ، لم يعتدّ به ، بل لا بُدَّ من اثنين عدلين.

وللشافعيّة قولان ، أحدهما : أنّه يكفي الواحد (١).

ولو ادّعى البائع علم المشتري بالعيب أو تقصيره في الردّ ، فالقول قول المشتري ؛ لأصالة عدم العلم وعدم التقصير ، وبه قال الشافعي (٢).

مسألة ٣٧٥ : لو كان معيباً عند البائع ثمّ زال العيب بعد البيع ثمّ قبضه وقد زال عيبه ، فلا ردّ‌ لعدم موجبه. وسَبْقُ العيب لا يوجب خياراً ، كما لو سبق على العقد وزال قبله ، بل مهما زال العيب قبل العلم أو بعده قبل الردّ ، سقط حقّ الردّ.

ولو قبض بعض المبيع ثمّ حدث في الباقي عيب عند البائع قبل قبضه ، فهو من ضمان البائع ؛ لأنّه ضامن للجميع فالبعض أولى ، فيثبت للمشتري الخيار بين الأرش وبين ردّ الجميع ، وليس له ردّ المعيب خاصّة ؛ لأنّ في ذلك تشقيصاً ، وهو عيب.

مسألة ٣٧٦ : لو باع الوكيل فوجد المشتري به عيباً يوجب الردّ ، ردّه على الموكّل ؛ لأنّه المالك والوكيل نائب عنه بطلت وكالته بفعل ما أُمر به ، فلا عهدة عليه.

__________________

(١) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٩.

٢١٢

ولو تناكر الموكّل والمشتري في قِدَم العيب وحدوثه ، لم يقبل إقرار الوكيل على موكّله بِقدَم العيب مع إمكان حدوثه ، فإن ردّه المشتري على الوكيل لجهله بالوكالة ، لم يملك الوكيل ردّه على الموكّل ؛ لبراءته باليمين. ولو أنكر الوكيل ، حلف ، فإن نكل فردّ عليه ، احتمل عدمُ ردّه على الموكّل ؛ لإجرائه مجرى الإقرار. وثبوتُه ؛ لرجوعه قهراً ، كما لو رجع بالبيّنة.

مسألة ٣٧٧ : لو ردّ المشتري السلعة لعيبٍ ، فأنكر البائع أنّها سلعته ، قدّم قوله مع اليمين‌ وعدم البيّنة ؛ لأصالة براءة ذمّته من المطالبات. ولو ردّها المشتري بخيار ، فأنكر البائع أنّها سلعته ، احتُمل المساواة ؛ عملاً بأصالة البراءة. وتقديم قول المشتري مع اليمين وعدم البيّنة ؛ لاتّفاقهما على استحقاق الفسخ ، بخلاف العيب.

* * *

٢١٣
٢١٤

المقصد الرابع : في بقايا تقاسيم البيع.

وفيه فصلان :

الفصل الأوّل : في المرابحة وتوابعها.

البيع ينقسم باعتبار ذكر الثمن وعدمه إلى أقسام أربعة ؛ لأنّ البائع إمّا أن لا يذكر الثمن الذي اشتراه به ، وهو المساومة. وإمّا أن يذكره ، فإمّا أن يزيد عليه ، وهو المرابحة ، أو ينقص منه ، وهو المواضعة ، أو يطلب المساوي ، وهو التولية.

وباعتبار التأخير والتقديم في أحد العوضين إلى أربعة أقسام : بيع الحاضر بالحاضر ، وهو النقد. وبيع المؤجّل بالمؤجّل ، وهو بيع الكالي بالكالي ، وبيع الحاضر بالثمن المؤجّل ، وهو بيع النسيئة. وبيع المؤجّل بالثمن الحاضر ، وهو السلف ، فلنشرع في مسائل الفصل الأوّل بعون الله تعالى ثمّ نتبعه بمسائل الفصل الثاني بتوفيقه تعالى.

وفي الفصل الأوّل بحثان :

الأوّل : في المرابحة.

مسألة ٣٧٨ : الأقسام الأربعة وهي المساومة والمواضعة والمرابحة والتولية ـ جائزة‌ عندنا إجماعاً ؛ إذ لا يجب على البائع ذكر رأس ماله ، بل له أن يبيع بأزيد ممّا اشتراه أضعافاً مضاعفة ، أو أقلّ ، ولا نعلم فيه خلافاً.

وأمّا بيع المرابحة : فإن نسب الربح إلى المال ، كان مكروهاً ليس‌

٢١٥

باطلاً عند علمائنا ، وذلك بأن يقول : شريت هذه السلعة بمائة وبعتكها بمائة وربح كلّ عشرة درهم ، فيكون الثمن مائةً وعشرة دراهم. وهذا هو المشهور عند الجمهور.

وبيع المرابحة أعني نسبة الربح إلى الثمن هو (١) جائز على كراهية وهو مرويّ عن عبد الله بن عباس وابن عمر (٢) لأنّه قد لا يعلم قدر الثمن حالة العقد ، ويحتاج في معرفته إلى الحساب.

ولأنّ العلاء سأل الصادقَ عليه‌السلام في الرجل يريد أن يبيع البيع فيقول : [ أبيعك (٣) ] بـ « ده دوازده » أو « ده يازده » فقال : « لا بأس إنّما هذه المراوضة ، فإذا جمع البيع جعله جملة واحدة » (٤).

وقال الصادق عليه‌السلام : « إنّي أكره بيع عشرة أحد عشر ، وعشرة اثنا عشر ، ونحو ذلك من البيع ، ولكن أبيعك بكذا وكذا مساومة » وقال : « أتاني متاع من مصر فكرهت أن أبيعه كذلك وعظم عليَّ ، فبعته مساومة » (٥).

وقال الصادق عليه‌السلام : « إنّي أكره بيع ده يازده وده دوازده ، ولكن أبيعك بكذا وكذا » (٦) لما فيه من مشابهة الربا.

وإنّما قلنا بانتفاء التحريم ؛ لما تقدّم ، وبالأصل ، وبقول عليّ بن سعيد : سُئل الصادق عليه‌السلام عن رجل يبتاع ثوباً يطلب منه مرابحة ، ترى ببيع‌

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « وهو ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٢) حلية العلماء ٤ : ٢٩٠ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٧٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٥٤ ، المغني ٤ : ٢٨٠ ، الشرح الكبير ٤ : ١١١.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناها من المصدر.

(٤) التهذيب ٧ : ٥٤ ، ٢٣٥.

(٥) الكافي ٥ : ١٩٧ ، ٤ ، التهذيب ٧ : ٥٤ ٥٥ ، ٢٣٦.

(٦) الكافي ٥ : ١٩٧ ، ٣ ، التهذيب ٧ : ٥٥ ، ٢٣٧.

٢١٦

المرابحة بأساً إذا صدق في المرابحة وسمّى ربحاً دانقين أو نصف درهم؟ فقال : « لا بأس » (١).

وقال إسحاق بن راهويه : هذا البيع لا يجوز ؛ لأنّ الثمن مجهول حالة العقد ، فلا يجوز ، كما لو باعه بما يخرج به الحساب (٢).

وهو ممنوع ؛ فإنّ رأس المال معلوم ، والربح معلوم ، فوجب أن يجوز ، كما لو قال : بعتك بمائة وربح عشرة دراهم.

وقوله ينتقض بما إذا قال : بعتك هذه الصبرة كلّ قفيز بدرهم ، وهي مجهولة ، فإنّه يجوز عنده (٣) لما كانت مجهولة الجملة معلومةً عند التفصيل ، بخلاف ما يخرج به الحساب ؛ لأنّه مجهول في الجملة والتفصيل معاً.

وقال عامّة الفقهاء : إنّه ليس بمكروه ؛ للعلم برأس المال وقدر الربح ، فكان جائزاً (٤).

والجواز لا ينافي الكراهيّة.

وحملوا ما روي (٥) عن ابن عباس وابن عمر بأنّ الكراهيّة لما فيه من أداء الأمانة وتحمّلها.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٥٥ ، ٢٣٨.

(٢) حلية العلماء ٤ : ٢٩٠ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٧٩ ، المغني ٤ : ٢٨٠ ، الشرح الكبير ٤ : ١١٢.

(٣) انظر : المغني ٤ : ٢٨٠ ، والشرح الكبير ٤ : ١١٢ ، والحاوي الكبير ٥ : ٢٧٩.

(٤) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٩٥ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٨٠ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٧٩ ، حلية العلماء ٤ : ٢٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٥ ، الهداية للمرغيناني ٣ : ٥٦ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٤٤ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٥٤ ، المغني ٤ : ٢٨٠ ، الشرح الكبير ٤ : ١١١.

(٥) في الطبعة الحجريّة : « رووا » بدل « روي ».

٢١٧

مسألة ٣٧٩ : تزول الكراهة بنسبة الربح إلى السلعة‌ بأن يقول : هذه السلعة عليَّ بعشرة وبعتكها بأحد عشر أو اثني عشر ، فإنّه جائز إجماعاً ؛ لما تقدّم من الأخبار ، وزوال مقتضي الكراهة من تطرّق الجهل ومن مشابهة الربا.

إذا ثبت هذا ، فلا بُدّ وأن يخبر برأس المال ، أو يكون معلوماً عند المشتري ، فلو قال : بعتك بما اشتريته وربح عشرة ، وكان المشتري جاهلاً بالثمن ، بطل البيع إجماعاً منّا ؛ لما فيه من الجهالة بالعوض ، فكان باطلاً ، كبيع غير المرابحة. وكذا لو كان البائع جاهلاً برأس المال والمشتري عالم به ، أو كانا جاهلين ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة (١).

فعلى ما قلناه من البطلان لو أُزيلت الجهالة في مجلس العقد ، لم ينقلب العقد صحيحاً ؛ لفوات شرط الصحّة في صلبه ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة. والثاني : أنّه ينقلب صحيحاً ، وبه قال أبو حنيفة (٢).

والثاني وهو أن يكون أحدهما جاهلاً بالقيمة للشافعي : أنّه يصحّ البيع ؛ لأنّ الثمن فيه مبني على الثمن في العقد الأوّل ، والرجوع إليه سهل ، فصار كالشفيع يطلب الشفعة قبل الإحاطة بمبلغ الثمن يجوز ؛ لسهولة معرفته (٣).

ويمنع حكم الأصل ، وينتقض بما لو قال : بعتك بشي‌ء ، ثمّ بيّنه بعد العقد في المجلس.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٧ ١٨٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٨.

٢١٨

وعلى تقدير الصحّة عندهم ففي اشتراط إزالة الجهالة في المجلس وجهان (١).

ولو كان الثمن دراهم معيّنة غير معلومة الوزن ، فالأقرب : المنع من بيعه مرابحةً ؛ لجهالة الثمن ، كغير المرابحة ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة. وفي الثاني : يجوز (٢) وليس بشي‌ء.

ولو جمع بين المكروه وغيره ، لم تزل الكراهة ، وكان العقد صحيحاً ، مثل أن يقول : اشتريته بمائة وقد بعتكه بمائتين وربح كلّ عشرة درهم ، فيكون الثمن مائتين وعشرين.

مسألة ٣٨٠ : ولبيع المرابحة عبارات‌ أكثرها دوراناً على الألسنة ثلاثة :

أ ـ بعتك بما اشتريت ، أو : بما بذلت من الثمن وربح كذا.

ب ـ بعتك بما قام عليَّ وربح كذا ، أو : بما هو عليَّ وربح كذا.

ج ـ بعتك برأس المال وربح كذا.

فإذا قال بالصيغة الأُولى ، لم يدخل فيه إلاّ الثمن خاصّةً. وإذا قال بالثانية ، دخل فيه الثمن وما غرمه من اجرة الدلاّل والكيّال والحمّال والحارس والقصّار والرفاء والصبّاغ والخيّاط وقيمة الصبغ وأُجرة الختان وتطيين الدار وسائر المؤن التي تلزم للاسترباح ، وأُجرة البيت الذي يحفظ فيه المتاع ؛ لأنّ التربّص ركن في التجارة وانتظار الأرزاق.

وأمّا المؤن التي يقصد بها استبقاء الملك دون الاسترباح كنفقة العبد وكسوته وعلف الدابّة فلا تدخل فيه ، ويقع ذلك مقابلة المنافع والفوائد المستوفاة من المبيع ، وهو أشهر وجهي الشافعيّة (٣). ولهم آخر : أنّها‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٨.

(٣) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٨٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٧.

٢١٩

تدخل (١).

أمّا العلف الزائد على المعتاد ، المتّخذ للتسمين فإنّه يدخل.

وأمّا اجرة الطبيب إن كان مريضاً (٢) فكأُجرة القصّار ، ونحوها ، فإنّ قيمته تزيد بزوال المرض ، فإن حدث المرض في يده ، فهي كالنفقة.

وأمّا مئونة السائس فالأظهر إلحاقها بالعلف ، وكذا قول الشافعيّة (٣).

ولو قصر الثوب بنفسه أو كال أو حمل أو طيّن الدار بنفسه ، لم تدخل الاجرة فيه ؛ لأنّ السلعة لا تعدّ قائمةً عليه إلاّ بما بذل. وكذا لو تطوّع متطوّع بالعمل.

ولو كان بيت الحفظ ملكه أو تطوّع بإعارة البيت متطوّعٌ ، لم يضف الأُجرة. فإن أراد استدراك ذلك ، قال : اشتريته ، أو : قام عليَّ بكذا وعملت فيه ، أو : تطوّع عليَّ متطوّع بما أُجرته كذا وقد بعتك بهما وربح كذا.

وأمّا العبارة الثالثة : فالظاهر أنّها بمنزلة الأُولى. فإذا قال : رأس مالي كذا ، فهو بمنزلة : اشتريته بكذا ؛ لأنّه المتبادر إلى الفهم من رأس المال ، فيكون حقيقةً فيه ، وهو الأظهر من مذهب الشافعي (٤).

وقال بعض أصحابه : إنّه كالعبارة الثانية وهو « بما قام عليَّ » (٥).

وهل يدخل المَكْسُ (٦) الذي يأخذه السلطان في لفظة القيام ،

__________________

(١) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٨٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٧.

(٢) أي : إن كان المشترى عبداً مريضاً.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٧.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٢٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٧.

(٦) المَكْس : الضريبة التي يأخذها الماكس ، وهو العَشّار. واصلة الجباية. لسان العرب ٦ : ٢٢٠ « مكس ».

٢٢٠