تذكرة الفقهاء - ج ١١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: ٤٢٩

فروع :

أ ـ قد عرفت أنّ المبيع إذا تلف قبل قبضه ، فهو من مال بائعه ، فيرجع المشتري بالثمن لا غير. وإن تلف بعد قبضه وانقضاء الخيار ، فهو من مال المشتري. وإن كان في مدّة الخيار من غير تفريط ، فمن المشتري إن كان الخيار للبائع أو لهما أو لأجنبيّ. وإن كان للمشتري خاصّة ، فمن البائع.

ب ـ إذا قبض المبيع في زمن الخيار ثمّ أودعه عند البائع فتلف في يده ، فهو كما لو تلف في يد المشتري ، وبه قال الشافعي حتى إذا فرّع على أنّ الملك للبائع ، ينفسخ البيع ويستردّ المشتري الثمن ويغرم القيمة (١).

ثمّ أبدى الجويني في وجوب القيمة احتمالاً ؛ لحصول التلف بعد العود إلى يد المالك (٢).

ج ـ لا يجب على البائع تسليم المبيع ولا على المشتري تسليم الثمن في زمن الخيار. ولو تبرّع أحدهما بالتسليم ، لم يبطل خياره ، ولا يجبر الآخر على تسليم ما عنده ، وله استرداد المدفوع قضيّةً للخيار.

وقال بعض الشافعيّة : ليس له استرداده ، وله أخذ ما عند صاحبه دون رضاه ، كما لو كان التسليم بعد لزوم البيع (٣).

د ـ إذا اشترى زوجته بشرط الخيار ، بطل النكاح ؛ لانتقال الملك إليه عندنا بالعقد.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٦ ١١٧ ، المجموع ٩ : ٢٢١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٧ ، المجموع ٩ : ٢٢١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٧ ، المجموع ٩ : ٢٢١.

١٨١

وقال الشافعي : لا ينتقل ، فلو خاطبها بالطلاق في زمن الخيار ، فإن تمّ العقد بينهما وقلنا : إنّ الملك للمشتري أو موقوف ، لم يصحّ الطلاق. وإن قلنا : إنّه للبائع ، وقع. وإن فسخ وقلنا : إنّه للبائع أو موقوف ، وقع. وإن قلنا : للمشتري ، فوجهان. وليس له الوطؤ في زمن الخيار ؛ لأنّه لا يدري أيطأ بالملك أو بالزوجيّة؟ هذا قول الشافعي. وفيه لأصحابه وجه آخر (١).

مسألة ٣٤٨ : الفسخ قد يكون بالقول وقد يكون بالفعل. وكذا الإجازة.

فإن قال البائع : فسخت البيع ، أو : استرجعت المبيع ، أو : رددت الثمن ، كان فسخاً إجماعاً.

وقال بعض الشافعيّة : لو قال البائع في زمن الخيار : لا أبيع حتى تزيد في الثمن ، وقال المشتري : لا أفعل ، كان اختياراً للفسخ. وكذا قول المشتري : لا أشتري حتى تنقص لي من الثمن ، وقول البائع : لا أفعل. وكذا طلب البائع حلول الثمن المؤجّل وطلب المشتري تأجيل الثمن الحالّ (٢) ، على إشكال ، إلاّ أن يقول : لا أبيع (٣) حتى تعجّل أو تؤجّل.

وأمّا بالفعل : فكما لو وطئ البائع في مدّة خياره ، فإنّه يكون فسخاً عندنا على ما تقدّم.

وللشافعي قولان ، هذا أحدهما. والثاني : أنّه لا يكون فسخاً ، بخلاف الرجعة عنده ، فإنّها لا تحصل بالوطي (٤).

ونحن نقول : إنّها تحصل به ؛ لأنّه أبلغ في التمسّك من اللفظ.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٧ ، المجموع ٩ : ٢٢١ ٢٢٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٧ ، المجموع ٩ : ٢٠٢.

(٣) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « لا أبع ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٧ ، المجموع ٩ : ٢٠٢.

١٨٢

وفرّق بأنّ الرجعة لتدارك النكاح ، وابتداء النكاح لا يحصل بالفعل ، فكذا تداركه ، والفسخ هنا لتدارك ملك اليمين ، وابتداؤه يحصل تارة بالقول وأُخرى بالفعل وهو السبي ، فكذا تداركه جاز أن يحصل بالفعل (١). والصغرى ممنوعة.

وقال بعضهم أيضاً : إنّه ليس بفسخ تخريجاً على الخلاف في أنّ الوطء يكون تعييناً للمملوكة والمنكوحة عند إبهام العتق والطلاق (٢).

والأقوى عندنا : أنّه تعيين.

وقال بعضهم : إنّه يكون فسخاً إذا نوى به الفسخ (٣).

ولو قبّل بشهوة أو باشر فيما دون الفرج أو لمس بشهوة ، فالوجه عندنا : أنّه يكون فسخاً ؛ لأنّ الإسلام يصون صاحبه عن القبيح ، فلو لم يختر الإمساك ، لكان مُقدماً على المعصية.

وللشافعيّة وجهان (٤).

أمّا الاستخدام وركوب الدابّة : فيهما للشافعيّة وجهان (٥).

ولو أعتق البائع في زمن خياره ، كان فسخاً ، وبه قال الشافعي (٦) ، وقد سبق (٧).

أمّا لو باع ، فكذا عندنا وهو أصحّ قولي الشافعيّة (٨) لدلالته على ظهور الندم.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٧ ، المجموع ٩ : ٢٠٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٧ ، المجموع ٩ : ٢٠٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٧ ، المجموع ٩ : ٢٠٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٧ ، المجموع ٩ : ٢٠٢.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٧ ، المجموع ٩ : ٢٠٢.

(٦) التهذيب للبغوي ٣ : ٣١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٧ ، المجموع ٩ : ٢٠٢.

(٧) في ص ١٦٠ ، المسألة ٣٢٩.

(٨) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٧ ١١٨ ، المجموع ٩ : ٢٠٢.

١٨٣

وفي الثاني : لا يكون فسخاً ؛ لأصالة بقاء الملك ، فيستصحب إلى أن يوجد الفسخ صريحاً ، بخلاف العتق ؛ لقوّته (١).

وإذا كان البيع فسخاً ، كان صحيحاً ، كالعتق ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة (٢).

والثاني : المنع ؛ لأنّ الشي‌ء الواحد لا يحصل به الفسخ والعقد معاً ، كما أنّ التكبيرة الثانية في الصلاة بنيّة الشروع يخرج بها من الصلاة ، ولا يشرع بها في الصلاة (٣).

ويمنع عدم حصول الفسخ والعقد في الشي‌ء الواحد بالنسبة إلى شيئين.

ويجري الخلاف في الإجارة والتزويج والرهن والهبة إن (٤) اتّصل بها القبض ، سواء في ذلك هبة مَنْ لا يتمكّن من الرجوع فيها أو (٥) مَنْ يتمكّن ؛ لزوال الملك في الصورتين ، والرجوع إعادة لما زال (٦).

وأمّا العرض على البيع والإذن فيه والتوكيل والرهن غير المقبوض إن قلنا باشتراطه والهبة غير المقبوضة : فالأقرب أنّها من البائع فسخ ، ومن المشتري إجازة ؛ لدلالتها على طلب المبيع واستيفائه ، ولهذا يحصل بها الرجوع عن الوصيّة.

وللشافعيّة فيه وجهان ، هذا أحدهما. وأظهرهما عندهم : أنّها ليست‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٧ ١١٨ ، المجموع ٩ : ٢٠٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٨ ، المجموع ٩ : ٢٠٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٨ ، المجموع ٩ : ٢٠٢.

(٤) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « وإن » وما أثبتناه من المصادر.

(٥) في « ق ، ك‍ » : « ومَنْ ».

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٨ ، المجموع ٩ : ٢٠٢.

١٨٤

فسخاً من البائع ولا إجازةً من المشتري ، فإنّها لا تقتضي إزالة ملك ، وليست بعقود لازمة ، ويحتمل صدورها عمّن يتردّد في الفسخ والإجازة (١).

ولو باع البائع المبيع في زمن الخيار بشرط الخيار ، قال الجويني : إن قلنا : لا يزول ملك البائع ، فهو قريب من الهبة غير المقبوضة. وإن قلنا : يزول ، ففيه احتمال ؛ لأنّه أبقى لنفسه مستدركاً (٢).

مسألة ٣٤٩ : لو أعتق المشتري بإذن البائع في مدّة خيارهما أو خيار البائع ، نفذ ، وحصلت الإجازة من الطرفين. وإن كان بغير إذنه ، نفذ أيضاً ؛ لأنّه مالك أعتق فنفذ عتقه كغيره.

ثمّ إمّا أن يجعل للبائع الخيار أو يبطله كالتالف ، فإن أثبتناه ، فالأقوى أنّه يرجع بالقيمة كالتالف.

ولو باع أو وقف أو وهب وأقبض بغير إذن البائع ، فالأولى الوقوف على الإجازة ، ويكون ذلك إجازةً.

وقالت الشافعيّة : لا ينفذ شي‌ء من هذه العقود (٣).

وهل يكون إجازةً؟ قال أبو إسحاق منهم : لا يكون إجازةً ، لأنّ الإجازة لو حصلت لحصلت ضمناً للتصرّف ، فإذا أُلغي التصرّف فلا إجازة (٤).

وقال بعضهم : يكون اجازةً ؛ لدلالته على الرضا والاختيار. وهو أصحّ عندهم (٥) ، كما اخترناه.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٨ ١١٩ ، المجموع ٩ : ٢٠٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٩ ، المجموع ٩ : ٢٠٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٨ ، المجموع ٩ : ٢٠٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٣ ، المجموع ٩ : ٢٠٤.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٨ ، المجموع ٩ : ٢٠٤.

١٨٥

ولو باشر هذه التصرّفات بإذن البائع أو باع من البائع نفسه ، صحّت التصرّفات ، وهو أصحّ قولي (١) الشافعيّة (٢). وعلى الوجهين يلزم البيع ويسقط الخيار (٣).

ولو أذن له البائع في طحن الحنطة المبيعة فطحنها ، كان مجيزاً. ومجرّد الإذن في هذه التصرّفات لا يكون إجازةً من البائع حتى لو رجع قبل التصرّف ، كان على خياره.

مسألة ٣٥٠ : إذا اشترى عبداً بجارية ثمّ [ أعتقهما ] (٤) معاً ، فإن كان الخيار لهما ، عُتقت الجارية خاصّةً ؛ لأنّ إعتاق البائع مع تضمّنه للفسخ يكون نافذاً على رأي ، ولا يعتق العبد وإن كان الملك فيه لمشتريه ؛ لما فيه من إبطال حقّ الآخر ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة. وعلى الوجه الذي قالوه من نفوذ عتق المشتري تفريعاً على أنّ الملك للمشتري يُعتق العبد ولا تُعتق الجارية (٥).

وإن كان الخيار لمشتري العبد خاصّةً ، لم ينفذ عتق شي‌ء منهما ؛ لأنّ عتق كلّ واحد منهما يمنع عتق الآخر ، وليس أحدهما أولى من الآخر ، فيتدافعان ، وهو أحد وجوه الشافعيّة.

وفي الآخر : أنّه ينفذ عتق أحدهما خاصّةً ، ولا ينعتقان معاً ؛ لأنّه لا ينفذ إعتاقهما على التعاقب فكذا دفعةً واحدة (٦).

وفيمن يُعتق منهما؟ وجهان ‌:

__________________

(١) الظاهر : « وجهي » بدل « قولي » بقرينة السياق.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٨ ، المجموع ٩ : ٢٠٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٨ ، المجموع ٩ : ٢٠٤.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « أعتقا ». والصحيح ما أثبتناه.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٩ ، المجموع ٩ : ٢١٧.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٩ ، المجموع ٩ : ٢١٧.

١٨٦

أحدهما : أنّه ينفذ عتق الجارية ؛ لأنّ تنفيذ العتق فيها فسخ ، وفي العبد إجازة ، وإذا اجتمع الفسخ والإجازة ، يقدّم الفسخ ، كما يقدّم فسخ أحد المتبايعين على إجازة الآخر.

وأصحّهما عندهم : أنّه يعتق العبد ؛ لأنّ الإجازة إبقاء للعقد ، والأصل فيه الاستمرار (١).

وقال بعضهم : الوجهان مبنيّان على أنّ الملك في زمن الخيار للبائع أو للمشتري؟ إن قلنا : للبائع ، فالعبد غير مملوك لمشتريه ، وإنّما ملكه الجارية ، فينفذ العتق فيها. وإن قلنا : للمشتري ، فملكه العبد ، فينفذ العتق فيه (٢).

وقال أبو حنيفة : إنّهما يُعتقان معاً (٣).

وإن كان الخيار لبائع العبد وحده ، فالمعتق بالإضافة إلى العبد مشترٍ والخيار لصاحبه ، وبالإضافة إلى الجارية بائع والخيار لصاحبه ، قاله بعض الشافعيّة (٤) ، وقد سبق الخلاف في إعتاقهما في هذه الصورة.

والذي يخرج منه الفتوى عندهم أنّه لا يحكم بنفوذ العتق في واحدٍ منهما في الحال ، فإن فسخ صاحبه البيع ، فهو نافذ في الجارية ، وإلاّ ففي العبد (٥).

ولو كانت المسألة بحالها وأعتقهما معاً مشتري الجارية ، فالحكم بينهم بما تقدّم.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٥ ، المجموع ٩ : ٢١٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٩ ، المجموع ٩ : ٢١٧.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٩ ١٢٠ ، المجموع ٩ : ٢١٧.

١٨٧

وقال بعض الشافعيّة : إن كان الخيار لهما ، عتق العبد دون الجارية. وإن كان الخيار للمعتق وحده ، فعلى الوجوه الثلاثة : في الأوّل يُعتق العبد ، وفي الثاني تُعتق الجارية ، وحكم الثالث ظاهر (١).

فروع :

أ ـ كلّ ما جعلناه فسخاً من البائع إذا فَعَله يكون إجازةً من المشتري لو أوقعه.

ب ـ لو قبّلت الجارية مشتريها ، لم يكن ذلك تصرّفاً وإن كان مع شهوة إن لم يأمرها. ولو قبّلها ، فهو تصرّف وإن لم يكن عن شهوة.

ج ـ لو فسخ المشتري بخياره ، فالعين في يده مضمونة. ولو فسخ البائع ، فهي في يد المشتري أمانة على إشكال ينشأ من أنّه قبضها قبض ضمان ، فلا يزول إلاّ بالردّ إلى مالكها.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٠ ، المجموع ٩ : ٢١٧ ٢١٨.

١٨٨

الفصل الثاني : في العيب‌

وفيه مطالب :

الأوّل : في حقيقته.

مسألة ٣٥١ : العيب هو الخروج عن المجرى الطبيعي ، كزيادةٍ أو نقصان ، موجبة لنقص الماليّة.

روى السياري عن ابن أبي ليلى أنّه قدّم إليه رجل خصماً له ، فقال : إنّ هذا باعني هذه الجارية فلم أجد على رَكَبها (١) حين كشفتها شعراً وزعمت أنّه لم يكن لها قطّ ، قال : فقال له ابن أبي ليلى : إنّ الناس ليحتالون لهذا بالحيل حتى يذهبوه ، فما الذي كرهت؟ فقال : أيّها القاضي إن كان عيباً فاقض لي به ، قال : حتى أخرج إليك فإنّي أجد أذى في بطني ، ثمّ دخل وخرج من بابٍ آخر ، فأتى محمّد بن مسلم الثقفي ، فقال : أيّ شي‌ء تروون عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام في المرأة لا يكون على رَكَبها شعر؟ أيكون ذلك عيباً؟ فقال له محمد بن مسلم : أمّا هذا نصّاً فلا أعرفه ، ولكن حدّثني أبو جعفر عليه‌السلام عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « كلّ ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب » فقال له ابن أبي ليلى : حسبك ، ثمّ رجع إلى القوم فقضى لهم بالعيب (٢).

إذا ثبت هذا ، فإذا كان السلعة معيبةً ، لم يجب على البائع إظهار العيب ، لكن يكره له ذلك ، سواء تبرّأ من العيب أو لا ؛ لأصالة براءة الذمّة‌

__________________

(١) الرَّكَبُ : منبت العانة. الصحاح ١ : ١٣٩ « ركب ».

(٢) الكافي ٥ : ٢١٥ ٢١٦ ، ١٢ ، التهذيب ٧ : ٦٥ ٦٦ ، ٢٨٢.

١٨٩

من وجوب وتحريم ، وإنّما كره كتمانه ؛ لمشابهته الغشّ بنوع من الاعتبار.

وقال الشافعي : يجب على البائع أن يبيّنه للمشتري ؛ لأنّ النبيّ عليه‌السلام قال : « ليس منّا مَنْ غشّنا » (١) (٢).

والغشّ ممنوع ، بل إنّما يثبت في كتمان العيب بعد سؤال المشتري له وتبيّنه ، والتقصير في ذلك من المشتري.

مسألة ٣٥٢ : إطلاق العقد واشتراط السلامة يقتضيان السلامة‌ على ما مرّ من أنّ القضاء العرفي يقتضي أنّ المشتري إنّما بذل ماله بناءً على أصالة السلامة ، فكأنّها مشترطة في نفس العقد ، فإذا اشترى عبداً مطلقاً ، اقتضى سلامته من الخصاء والجبّ ، فإن ظهر به أحدهما ، كان له الردّ عندنا وبه قال الشافعي (٣) لأنّ الغرض قد يتعلّق بالفحوليّة غالباً ، والفحل يصلح لما لا يصلح له الخصيّ من الاستيلاد وغيره ، وقد دخل المشتري في العقد على ظنّ الفحوليّة ؛ لأنّ الغالب سلامة الأعضاء ، فإذا فات ما هو متعلّق الغرض ، وجب ثبوت الردّ وإن زادت قيمته باعتبارٍ آخر.

مسألة ٣٥٣ : الزنا والسرقة عيبان‌ في العبد والأمة عندنا وبه قال الشافعي (٤) لتأثيرهما في نقص القيمة وتعريضهما لإقامة الحدّ.

__________________

(١) المستدرك للحاكم ٢ : ٩ ، مسند أحمد ٤ : ٥٠٦ ، ١٥٤٠٦ ، و ٦٣٥ ٦٣٦ ، ١٦٠٥٤ ، مشكل الآثار ٢ : ١٣٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢١.

(٤) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٩٣ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٩٥ ، الوسيط ٣ : ١٢٠ ، حلية العلماء ٤ : ٢٧٠ ٢٧١ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٥٣ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٤٥ ، الوجيز ١ : ١٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢١ ، منهاج الطالبين : ١٠٠ ، المغني ٤ : ٢٦٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٩٥.

١٩٠

وقال أبو حنيفة : الزنا عيب في الإماء خاصّةً دون العبيد (١) ؛ لأنّ الجارية تفسد عليه فراشه. والسرقة تقتضي تفويت عضو منه فكان عيباً (٢).

والجواب : إقامة الحدّ بالضرب يؤدّي إلى تعطيل منافعه ، وربّما أدّى إلى إتلافه.

وكذا البحث إذا شرب العبد وسكر ، كان عيباً ؛ لأنّه مستحقّ للحدّ ، وفيه تعريض للإتلاف.

ولو [ ثبت ] زنا العبد (٣) عند الحاكم ولم يقمْ عليه الحدّ بعدُ ، ثبت الردّ عنده (٤).

واعلم أنّ الإباق من أفحش عيوب المماليك فينقص (٥) الماليّة ، ولهذا لا يصحّ بيعه منفرداً ، لأنّه في معرض التلف. ولأنّه أبلغ في السرقة ، بل هو سرقة بنفسه في الحقيقة.

والإباق الذي يوجب الردّ هو ما يحصل عند البائع وإن لم يأبق عند المشتري. ولو تجدّد في يد المشتري في الثلاث من غير تصرّف ، فكذلك ، وإلاّ فلا. والمرّة الواحدة في الإباق تكفي في أبديّة العيب ، كالوطي في إبطال العنّة.

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « العبد ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٢) تحفة الفقهاء ٢ : ٩٤ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٧٤ ، الهداية للمرغيناني ٣ : ٣٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٩ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٥٦ ، ١٢٣٠ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٤٥ ، حلية العلماء ٤ : ٢٧٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٥٣ ، الوسيط ٣ : ١٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٢ ، المغني ٤ : ٢٦٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٩٥.

(٣) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « ولو زنى العبد ». وما أثبتناه من تصحيحنا.

(٤) أي عند أبي حنيفة. انظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٢.

(٥) في « ق ، ك‍ » : « ينقص ». والظاهر : « ينقص به الماليّة ».

١٩١

مسألة ٣٥٤ : البول في الفراش عيب في العبد والأمة‌ إذا كانا كبيرين ـ وبه قال الشافعي (١) لأنّ ذلك خارج عن المجرى الطبيعي ، وينقص به الماليّة ، فيثبت به الردّ.

وأمّا إذا كانا صغيرين يبول مثلهما في الفراش ، فإنّه ليس بعيب ؛ لجريان العادة به ، فكان كالطبيعي.

وقال أبو حنيفة : ليس بول العبد الكبير في الفراش عيباً ، أمّا بول الأمة الكبيرة فإنّه عيب تردّ به الجارية ؛ لأنّ ذلك يؤذي فراش السيّد ، بخلاف العبد (٢).

وليس بصحيح ؛ لأنّ الغلام يفسد الثياب التي ينام فيها ، فيكون ذلك نقصاً.

إذا عرفت هذا ، فالضابط في الكبير والصغير العادة ، ولا قدر له ، خلافاً لبعض الشافعيّة حيث قدّره بسبع سنين (٣).

ولو كانا يبولان في اليقظة ، فإن كان ذلك لضَعْفٍ في المثانة أو لسلس أو مرض ، فإنّه عيب إجماعاً. وإن كان عن سلامة وإنّما يفعلان ذلك تعبّثاً ، فليس بعيب ، بل يؤدّبان على فعله.

وأمّا الغائط فإن كانا يفعلانه في النوم ، كان عيباً ، إلاّ أن يكونا‌

__________________

(١) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٩٣ ، الوجيز ١ : ١٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٢ ، الوسيط ٣ : ١٢٠ ، حلية العلماء ٤ : ٢٧١ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٢ ١٢٣ ، منهاج الطالبين : ١٠٠.

(٢) الوسيط ٣ : ١٢٠ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٤٥ ، حلية العلماء ٤ : ٢٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٣.

(٣) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٣.

١٩٢

صغيرين تقضي العادة بصدوره عنهما ، فإنّه ليس بعيب.

مسألة ٣٥٥ : البَخَر عيب في العبد والأمة‌ الصغيرين والكبيرين وبه قال الشافعي (١) لأنّه مؤذٍ عند المكالمة ، وتنقص به القيمة.

وقال أبو حنيفة : إنّ ذلك عيب في الأمة دون العبد ؛ لأنّها تفسد عليه فراشه ، بخلاف العبد (٢).

وليس بصحيح ؛ فإنّ العبد قد يحتاج إلى أن يُسارّه بحديثٍ ويكالمه فيؤذيه.

ولو كان البَخَر في فرج المرأة ، كان له الردّ ؛ للتأذّي به ، وبه قال الشافعي (٣).

والبَخَر الذي يعدّ عيباً هو الذي يكون من تغيّر المعدة ، دون ما يكون لقَلَح (٤) الأسنان ، فإنّ ذلك يزول بتنظيف الفم.

وأمّا الصُّنان (٥) : فإن كان مستحكماً يخالف العادة ، فهو عيب في العبد والأمة أيضاً ؛ لأنّه مؤذٍ تنقص به القيمة الماليّة. وأمّا الذي يكون‌

__________________

(١) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٩٣ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٤٥ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٥٣ ، حلية العلماء ٤ : ٢٧٠ ٢٧١ ، الوسيط ٣ : ١٢٠ ، الوجيز ١ : ١٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢١ ، المغني ٤ : ٢٦٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٩٥.

(٢) تحفة الفقهاء ٢ : ٩٤ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٧٤ ، الهداية للمرغيناني ٣ : ٣٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٩ ، الوسيط ٣ : ١٢٠ ، حلية العلماء ٤ : ٢٧٢ ، التهذيب ـ للبغوي ٣ : ٤٤٥ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٣.

(٣) لم نعثر على قوله في مظانّه ممّا بين أيدينا من المصادر.

(٤) القَلَح : صُفرة تعلو الأسنان. لسان العرب ٢ : ٥٦٥ « قلح ».

(٥) الصُّنان : ذَفَر الإبط وخبث الريح. لسان العرب ٤ : ٣٠٦ ٣٠٧ « ذفر » و ١٣ : ٢٥٠ « صنن ».

١٩٣

لعارضٍ من عرق أو حركة عنيفة أو اجتماع وسخ فإنّه ليس بعيب ، وبه قال الشافعي (١).

مسألة ٣٥٦ : من اشترى عبداً فوجده مخنّثاً أو مُمكّناً من نفسه ، ثبت له الخيار ؛

لأنّه ينقص الماليّة ، ويثبت العار به على مالكه.

ولو وجده خنثى مشكلاً أو غير مشكل ، كان له الردّ ؛ لأنّ فيه زيادةً على المجرى الطبيعي ، فكان كالإصبع الزائدة ، وبه قال أكثر الشافعيّة (٢).

وقال بعضهم : إن كان يبول من فرج الرجال ، لم يردّ (٣). وليس بصحيح.

ولو وجده غير مختون ، فإن كان صغيراً ، فلا خيار له ؛ لقضاء العادة به. وإن كان كبيراً ، فله الخيار ؛ لأنّه يخاف عليه من ذلك ، وبه قال الشافعي (٤).

وقال بعض أصحابه : لا ردّ (٥).

وأمّا الجارية فلو كانت غير مختونة ، لم يكن فيها خيار ، صغيرةً كانت أو كبيرة ؛ لأنّه سليم فيها. ولأنّ الختان فيها غير واجب بل سنّة ، بخلاف الذكر.

نعم ، لو كان العبد الكبير مجلوباً من بلاد الشرك وعلم المشتري‌

__________________

(١) الوسيط ٣ : ١٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٢.

(٢) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٤٤ ٤٤٥ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٣.

(٤) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٩٣ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٥.

(٥) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٥.

١٩٤

جلبه ، لم يكن له خيار قضاءً للعادة.

مسألة ٣٥٧ : لو اشترى أمةً فخرجت مزوّجةً ، أو اشترى عبداً فبان له زوجة ، لم يكن له خيار‌ في الردّ ولا الأرش ؛ لأنّه ليس بعيب ، وله الخيار في إجازة النكاح وفسخه في طرف المرأة والرجل ، سواء كانا عبدين أو أحدهما ، وسواء كانا لمالكٍ واحد أو لمالكين. وحينئذٍ فلا وجه للردّ ؛ لأنّه إن رضي بالتزويج ، فلا بحث. وإن لم يرض ، كان له الفسخ ، سواء حصل دخول أو لا.

وقال الشافعي : يثبت له الخيار ؛ لما فيه من نقص القيمة ، لأنّه ليس له أن يطأ الأمة ، فينقص تصرّفه فيها ، ويجب عليه نفقة الغلام ، أو على الغلام إن وجدها (١).

وهو ممنوع ؛ لأنّ ذلك مبنيّ على انتفاء خيار فسخه للنكاح ، أمّا معه فلا.

وللشافعي قول آخر : إنّه لا خيار له أيضاً (٢).

ولو ظهرت معتدّةً ، فإن كان زمان العدّة قصيراً جدّاً ، فلا خيار له ؛ لأنّه لا يعدّ عيباً ، ولا ينقص الماليّة ولا الانتفاع به.

وإن كان طويلاً ، احتمل ثبوت الخيار ؛ لتفويت منفعة البُضْع هذه المدّة ، فكان كالمبيع لو ظهر مستأجراً. ونفيُه ؛ لأنّ التزويج لا يعدّ عيباً ، فالعدّة أولى.

ويحتمل أن يقال : إن استعقب فسخ التزويج عدّةً ، كان التزويج عيباً ، وإلاّ فلا.

__________________

(١) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٩٤ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٤٦ ، حلية العلماء ٤ : ٢٦٦ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٤.

(٢) حلية العلماء ٤ : ٢٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٤.

١٩٥

مسألة ٣٥٨ : لو اشترى أمةً فوجد بينها وبينه ما يوجب التحريم ، كالرضاع والنسب وكونها موطوءة أبيه أو ابنه ، لم يكن له الخيار ـ وبه قال الشافعي (١) لأنّ ذلك لا ينقص قيمتها ، وإنّما ذلك أمر يختصّ به ، ويخالف التزويج ، عند الشافعي ؛ لأنّه يحرم به الاستمتاع على كلّ أحد ، فتنتقص بذلك قيمتها.

والعدّة والإحرام كالتزويج يثبت به الردّ عند الشافعي ؛ لأنّ التحريم فيه عامّ فيقلّل الرغبات (٢).

وقال بعض الشافعيّة : لا فرق بين التحريم المؤبّد والإحرام والعدّة (٣).

ولو كانت صائمةً ، لم يكن له خيار الردّ.

وللشافعيّة وجه آخر ضعيف (٤).

ولو وجدها رتقاء أو مفضاة أو قرناء أو مستحاضة ، فله الخيار ؛ لأنّ ذلك عيب ، والاستحاضة مرض.

مسألة ٣٥٩ : لو وجد الجارية لا تحيض ، فإن كانت صغيرةً أو آيسةً ، فلا ردّ ؛ لقضاء العادة بذلك. ولأنّ المجرى الطبيعي على ذلك. وإن كانت في سنّ مَنْ تحيض ، فله الردّ ؛ لأنّ ذلك لا يكون إلاّ للخروج عن المجرى الطبيعي. وكذا لو تباعد حيضها وبه قال الشافعي (٥) لخروجه عن المجرى الطبيعي.

ولقول الصادق عليه‌السلام وقد سئل عن رجل اشترى جارية مدركة‌

__________________

(١) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٤٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٥ و ٢١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٤ و ١٢٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٥.

(٥) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٤.

١٩٦

فلم تحض عنده حتى مضى لها ستّة أشهر وليس بها حمل ، قال : « إن كان مثلها تحيض ولم يكن ذلك من كبر ، فهذا عيب تردّ منه » (١).

مسألة ٣٦٠ : لو اشترى عبداً أو أمةً فخرجا مرتدّين ، ثبت له الردّ ؛ لأنّه يوجب الإتلاف فكان أعظم العيوب ، وبه قال الشافعي (٢).

ولو خرجا كافرين أصليّين ، فلا ردّ فيهما معاً ، سواء كان ذلك الكفر مانعاً من الاستمتاع كالتمجّس والتوثّن ، أو لم يكن كالتهوّد والتنصّر وبه قال الشافعي (٣) لأنّ هذا نقص من جهة الدين ، فلا يعدّ عيباً ، كالفسق بما لا يوجب حدّا. ولأنّه لا يؤثّر في تقليل منافع العبد والجارية وتكثيرها ، فلا ينقص به الماليّة.

وقال أبو حنيفة : له الردّ فيهما ؛ لأنّ الكفر عيب ؛ لقوله تعالى ( وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ) (٤) (٥).

وعدم الخيريّة لا ينافي السلامة من العيوب.

ولبعض الشافعيّة قول : إنّه لو وجد الجارية مجوسيّة أو وثنيّة ، كان له الردّ ؛ لنقص المنافع فيها ؛ إذ لا يمكنه (٦) الاستمتاع بها (٧). وهو حسن.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢١٣ ( باب مَنْ يشتري الرقيق .. ) الحديث ١ ، التهذيب ٧ : ٦٥ ، ٢٨١.

(٢) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٩٤ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٤.

(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٩٤ ، حلية العلماء ٤ : ٢٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٤ ، المغني ٤ : ٢٦٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٩٦.

(٤) البقرة : ٢٢١.

(٥) تحفة الفقهاء ٢ : ٩٥ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٧٥ ، الهداية للمرغيناني ٣ : ٣٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٩ ، المغني ٤ : ٢٦٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٩٦.

(٦) في الطبعة الحجريّة : « لا يمكن ».

(٧) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٤.

١٩٧

قال هذا : ولو وجد الأمة كتابيّةً أو وجد العبد كافراً أيّ كُفْرٍ كان ، فلا ردّ إن كان قريباً من بلاد الكفر بحيث لا تقلّ فيه الرغبات. وإن كان في بلاد الإسلام حيث تقلّ الرغبات (١) في الكافر وتنقص قيمته ، فله الردّ (٢). والأوّل أقوى.

تذنيب : لو شرط إسلام العبد أو الأمة فبان كافراً ، كان له الردّ قطعاً ؛ لنقصانه عمّا شرط.

ولو شرط كفره فخرج مسلماً ، فالأقرب : أنّ له الردّ وهو أحد قولي الشافعي (٣) لأنّ الراغب لبني الكفر أكثر ، فإنّ المسلم والكافر معاً يصحّ أن يملكا الكافر ، ولا يصحّ للكافر أن يملك المسلم ، فحينئذٍ يستفيد المشتري بهذا الشرط غرضاً مقصوداً عند العقلاء ، فكان له الفسخ بعدمه ، كغيره من الشروط.

والقول الآخر للشافعي : إنّه لا خيار له وهو مذهب أبي حنيفة (٤) لأنّ المسلم أفضل من الكافر (٥).

مسألة ٣٦١ : الأقوى عندي أنّه لا يشترط رؤية شعر الجارية ، بل يبنى على العادة في سواده وبياضه دون غيره ، فلو اشترى جاريةً ولم ير شعرها ، صحّ البيع ؛ لأنّه غير مقصود بالذات ، فأشبه التابع في البيع. فإن كانت في‌

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » : « الرغبة ».

(٢) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٤.

(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٩٤ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٤٧ ٤٤٨ ، حلية العلماء ٤ : ٢٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٠.

(٤) الهداية للمرغيناني ٣ : ٣٦ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٦.

(٥) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٠.

١٩٨

سنّ الكبر الذي يبيض الشعر فيه لو رآه أبيض أو أسود ، فلا خيار له. وإن كانت في سنّ أقلّ فوجده أبيض ، كان له الخيار ؛ لأنّه نقص في اللون ، وخروج عمّا يقتضيه المزاج الطبيعي.

أمّا لو اشتراها بعد أن شاهد شعرها فوجده جعداً (١) ثمّ بعد ذلك صار سبطاً (٢) وقد كان جعده بصنعة عملها ، فلا خيار وبه قال أبو حنيفة (٣) لأصالة لزوم العقد ، وكون هذا ليس عيباً.

وقال الشافعي : لا يصحّ الشراء حتى ينظر إلى شعرها ؛ لأنّ الشعر مقصود ، ويختلف الثمن باختلافه ، فإذا رآه جعداً ثمّ وجده سبطاً ، ثبت له الخيار ؛ لأنّه تدليس يختلف الثمن باختلافه ، فأشبه تسويد الشعر (٤). والفرق ظاهر.

قال أبو حنيفة : إنّ هذا تدليس بما ليس بعيب (٥).

نعم ، لو شرط كونها جعدةً وكانت سبطةً ، كان له الخيار ؛ تحقيقاً لفائدة الشرط.

وكذا لو أسلم في جارية جعدة فدفع إليه سبطة ، لم يلزمه القبول ؛ لأنّه خلاف ما شرطه في السَّلَم.

مسألة ٣٦٢ : إطلاق العقد في الأمة لا يقتضي البكارة‌ ولا الثيوبة ، فلا يثبت الخيار بأحدهما مع الإطلاق.

__________________

(١) الجعد من الشعر خلاف السبط ، أو القصير. لسان العرب ٣ : ١٢١ « جعد ».

(٢) شعر سبط : أي مسترسل غير جعد. الصحاح ٣ : ١١٢٩ « سبط ».

(٣) الحاوي الكبير ٥ : ٢٥٢ ، حلية العلماء ٤ : ٢٣٣.

(٤) التهذيب للبغوي ٣ : ٢٨٥ و ٤٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٨ و ٢٠٧ ، المغني ٤ : ٢٥٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٩٠.

(٥) المغني ٤ : ٢٥٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٩٠.

١٩٩

وقال بعض الشافعيّة : إلاّ أن تكون صغيرةً وكان المعهود في مثلها البكارة (١).

ولا بأس به عندي ؛ لأنّ البكارة أمر مرغوب إليه ، وإنّما يبذل المشتري المال بناءً على بقائها على أصل الخلقة ، فكان له الردّ ؛ قضاءً للعادة.

ولو شرط البكارة فكانت ثيّباً ، قال أصحابنا : إذا اشتراها على أنّها بكر فكانت ثيّباً ، لم يكن له الردّ ؛ لما رواه سماعة قال : سألته عن رجل باع جاريةً على أنّها بكر فلم يجدها على ذلك ، قال : « لا تردّ عليه ، ولا يجب عليه شي‌ء ، إنّه يكون يذهب في حال مرض أو أمر يصيبها » (٢).

والأقوى عندي أنّه إذا شرط البكارة فظهر أنّها كانت ثيّباً قبل الإقباض ، يكون له الردّ أو الأرش ، وهو نقص ما بينها بكراً وثيّباً. وإن تصرّف ، لم يكن له الردّ ، بل الأرش ؛ لأنّه شرط سائغ يرغب فيه العقلاء ، فكان لازماً ، فإذا فات ، وجب أن يثبت له الخيار ، كغيره.

وتُحمل الرواية وفتوى الأصحاب على أنّه اشتراها على ظاهر الحال من شهادة الحال بالبكارة وغلبة ظنّه من غير شرط. على أنّ الرواية لم يُسندها الراوي ـ وهو سماعة مع ضعفه إلى إمام ، وفي طريقها زرعة وهو ضعيف أيضاً.

وفي رواية يونس في رجل اشترى جارية على أنّها عذراء فلم يجدها عذراء ، قال : « يردّ عليه فضل القيمة إذا علم أنّه صادق » (٣).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٢٥.

(٢) التهذيب ٧ : ٦٥ ، ٢٧٩ ، الاستبصار ٣ : ٨٢ ، ٢٧٧.

(٣) الكافي ٥ : ٢١٦ ، ١٤ ، التهذيب ٧ : ٦٤ ، ٢٧٨ ، الاستبصار ٣ : ٨٢ ، ٢٧٨.

٢٠٠