تذكرة الفقهاء - ج ١١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: ٤٢٩

الشافعي وأبو يوسف وزفر وأحمد بن حنبل (١) لأنّه رَفْعُ عقدٍ لا يفتقر إلى رضا شخص ، فلم يفتقر إلى حضوره ، كالطلاق.

وقال أبو حنيفة : إن كان قبل القبض ، فلا بُدّ من حضور الخصم. وإن كان بعده ، فلا بدّ من رضاه أو قضاء القاضي (٢). وقد تقدّم.

مسألة ٣٠١ : الخيار ليس على الفور في العيب وغيره‌ على ما تقدّم ، خلافاً للشافعي ، فإنّه اشترط الفوريّة والمبادرة بالعادة ، فلا يؤمر بالعَدْوِ والركض ليردّ (٣).

وإن كان مشغولاً بصلاة أو أكل أو قضاء حاجة ، فله الخيار (٤) إلى أن يفرغ.

وكذا لو اطّلع حين دخل وقت هذه الأُمور فاشتغل بها ، فلا بأس إجماعاً. وكذا لو لبس ثوباً أو أغلق باباً.

ولو وقف على العيب ليلاً ، فله التأخير إلى أن يصبح.

وإن لم يكن عذر ، قال بعض الشافعيّة : إن كان البائع حاضراً ، ردّه عليه. وإن كان غائباً ، تلفّظ بالردّ ، وأشهد عليه شاهدين. وإن عجز ، حضر عند القاضي وأعلمه الردّ (٥).

__________________

(١) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٦٦ ، المجموع ٩ : ٢٠٠ ، حلية العلماء ٤ : ٢٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٩ ، النتف ١ : ٤٤٨ ، المغني ٤ : ٢٦٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٠٦.

(٢) المغني ٤ : ٢٦٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٠٦ ، حلية العلماء ٤ : ٢٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥١ ، وانظر : النتف ١ : ٤٤٨ ، والاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٩.

(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٠ ٢٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٨ ، المغني ٤ : ٢٥٨ ، الشرح الكبير ٤ : ١٠٦.

(٤) الأنسب بالعبارة : « التأخير » بدل « الخيار ».

(٥) الوسيط ٣ : ١٢٧ ١٢٨ ، الوجيز ١ : ١٤٣ ١٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٨.

١٢١

ولو رفع إلى القاضي والمردود عليه حاضر ، قال بعض الشافعيّة : هو مقصّر يسقط خياره به ، وهو الظاهر من مذهبهم (١).

وقال بعضهم : لا يقصّر ؛ لأنّ الشفيع لو ترك المشتري وابتدر إلى القاضي واستعدى عليه ، فهو فوق مطالبة المشتري ؛ لأنّه ربّما يحوجه (٢) إلى المرافعة (٣).

وكذا الوجهان لو تمكّن من الإشهاد فتركه ورفع إلى القاضي (٤).

وإن كان البائع غائباً عن البلد ، رفع الأمر إلى مجلس الحكم ، فيدّعي شراء ذلك الشي‌ء من فلان الغائب بثمنٍ معلوم ، وأنّه أقبضه الثمن ثمّ ظهر العيب ، وأنّه فسخ البيع ، ويقيم البيّنة على ذلك ، ويحلفه القاضي مع البيّنة للغيبة ، ثمّ يأخذ المبيع منه ويضعه على يد عدْلٍ ، ويبقى الثمن دَيْناً على الغائب يقضيه القاضي من ماله ، فإن لم يجد سوى المبيع ، باعه فيه إلى أن ينتهي إلى الخصم أو القاضي في الحالين.

ولو تمكّن من الإشهاد على الفسخ ، هل يلزمه؟ للشافعيّة وجهان (٥).

ويجري الخلاف فيما لو أخّر لعذر مرض وغيره (٦).

ولو عجز في الحال عن الإشهاد ، فهل عليه التلفّظ بالفسخ؟ وجهان للشافعيّة (٧).

__________________

(١) الوسيط ٣ : ١٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥١.

(٢) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « يخرجه » بدل « يحوجه ». والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥١.

(٤) الوسيط ٣ : ١٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥١.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٩.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٩.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٢ ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٩.

١٢٢

ولو لقي البائع فسلّم عليه ، لم يضرّ. ولو اشتغل بمحادثته ، بطل حقّه.

ولو أخّر الردّ مع العلم بالعيب ثمّ قال : أخّرت لأنّي لم أعلم أنّ لي حقَّ الردّ ، قال الشافعي : يعذر إن كان قريب العهد بالإسلام أو نشأ في قرية لا يعرفون الأحكام ، وإلاّ فلا (١).

ولو قال : لم أعلم أنّ الخيار والردّ يبطل بالتأخير ، قبل قوله ؛ لأنّه ممّا يخفى على العامّة.

وإذا بطل حقّ الردّ بالتقصير ، يبطل حقّ الأرش عند الشافعيّة (٢) أيضاً.

وليس بجيّد على ما عرفت.

ولمن له الردّ أن يمسك المبيع ويطلب الأرش على ما اخترناه ، وبه قال أحمد (٣) ، خلافاً للشافعي (٤).

وليس للبائع أن يمنعه من الردّ ليغرم له الأرش إلاّ برضاه ، وبه قال الشافعي (٥). ولو تراضيا على ترك الردّ بجزء من الثمن أو بغيره من الأموال ، صحّ عندنا ، وبه قال أبو حنيفة ومالك وابن سريج والشافعي في أضعف القولين. وفي الأقوى : المنع. فعلى قوله يردّ المشتري ما أخذ. وفي بطلان حقّه من الردّ وجهان : البطلان ؛ لأنّه أخّر الردّ مع الإمكان ، وأسقط حقّه. وأصحّهما : المنع ؛ لأنّه ترك حقّه على عوض ولم يسلم له‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٣٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٠.

(٣) المغني ٤ : ٢٥٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٠ ، المغني ٤ : ٢٥٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٩٧.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٠.

١٢٣

العوض ، فيبقى على حقّه (١).

وهذان الوجهان في حقّ مَنْ يظنّ صحّة الصلح ، أمّا مَنْ يعلم فساده فإنّ حقّه يبطل عند الشافعيّة كافّة (٢).

مسألة ٣٠٢ : لو انتفع المشتري بركوب الدابّة أو استخدام العبد أو حلب الشاة أو (٣) شبهها ، سقط حقّ الردّ‌ دون الأرش على ما تقدّم.

ولو كان المبيع رقيقاً فاستخدمه في مدّة طلب الخصم أو القاضي ، بطل الردّ ، وبه قال الشافعي (٤).

ولو كان بشي‌ء خفيف ، مثل : اسقني ، أو : ناولني الثوب ، أو : أغلق الباب ، سقط الردّ أيضاً.

وفي وجهٍ للشافعيّة : أنّه لا أثر له ؛ لأنّ مثل هذا قد يؤمر به غير المملوك (٥).

وليس بشي‌ء ؛ لأنّ المسقط مطلق التصرّف ، وغير المملوك قد يؤمر أيضاً بالأفعال الكثيرة.

ولو ركب الدابّة لا للردّ ، بطل ردّه.

ولو كان له أو للسقي ، فللشافعيّة وجهان ، أظهرهما : سقوط الردّ ؛ لأنّه ضرب من الانتفاع ، كما لو وقف على عيب الثوب فلبسه للردّ ، ولو كانت جموحاً يعسر قودها وسوقها ، عذر في الركوب. والثاني وبه قال أبو حنيفة ـ : أنّه لا يبطل ؛ لأنّه أسرع للردّ. فعلى الأوّل لو كان قد ركبها للانتفاع فاطّلع على عيب بها ، لم تجز استدامته وإن توجّه للردّ (٦).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٠.

(٣) في « ق ، ك‍ » : « و» بدل « أو ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٠.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٠.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٠ ، حلية العلماء ٤ : ٢٤٠ ٢٤١ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٧٠.

١٢٤

وإن كان لابساً فاطّلع على عيب الثوب في الطريق فتوجّه للردّ ولم ينزع الثوب ، فهو معذور ؛ لعدم اعتياد نزع الثوب في الطريق.

ولو علف الدابّة أو سقاها في الطريق ، لم يضرّ ؛ لأنّه ليس تصرّفاً ينفعه.

ولو كان عليها سرج أو أكاف فتركهما عليها ، بطل حقّه ؛ لأنّه استعمال وانتفاع ، ولو لا ذلك لاحتاج إلى حمل أو تحميل.

ويُعذر بترك العذار واللجام ؛ لخفّتهما ، فلا يعدّان انتفاعاً ، وللحاجة إليهما في قودها.

ولو أنعلها في الطريق ، فإن كانت تمشي بغير نعل ، بطل حقّ الردّ ، وإلاّ فلا.

مسألة ٣٠٣ : قد بيّنّا أنّ حدوث عيب عند المشتري يمنع من الردّ بالعيب السابق‌ على قبضه من البائع إلاّ في ثلاثة أيّام الحيوان ؛ لأنّه لمّا قبضه دخل في ضمانه ، فالعيب الحادث يقتضي إتلاف جزء من المبيع ، فيكون من ضمان المشتري فيسقط ردّه ؛ للنقص الحاصل في يده ، فإنّه ليس تحمّل البائع به للعيب السابق أولى من تحمّل المشتري به للعيب الحادث.

ولما روي عن أحدهما عليهما‌السلام في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد به عيباً ، قال : « إن كان الثوب قائماً بعينه ، ردّه على صاحبه وأخذ الثمن ، وإن كان الثوب قد قُطع أو خِيط أو صُبغ يرجع بنقصان العيب » (١).

إذا ثبت هذا ، فإنّ الأرش لا يسقط ؛ دفعاً لتضرّر المشتري ، فإنّه دفع الثمن في مقابلة العين الصحيحة.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٦٠ ، ٢٥٨.

١٢٥

إذا عرفت هذا ، فلو دفع المشتري إلى البائع العين ناقصةً مع الأرش ورضي البائع ، أو دفع البائع الأرش ورضي المشتري ، فلا بحث.

وإن رضي البائع به معيباً بالعيب المتجدّد عند المشتري مجّاناً ، لم يجب على المشتري القبول ، بل له المطالبة بالأرش ؛ لأنّه حقّه.

وقال الشافعي : إمّا أن يردّه المشتري ، أو يقنع به معيباً مجّاناً (١).

وإن تنازعا فدعا أحدهما إلى الإمساك وغرامة أرش العيب القديم ، ودعا الآخر إلى الردّ مع أرش العيب الحادث ، أُجبر المشتري على الإمساك مع الأرش ؛ لأنّ الأصل أن لا يلزم المشتري تمام الثمن إلاّ بمبيعٍ سليم ، فإذا تعذّر ذلك ، الزم بالعين مع جبرها بعوض الجزء الفائت منها.

وللشافعيّة أقوال :

أحدها : أنّ المتّبع رأي المشتري ، ويُجبر البائع على ما يقع له ؛ لأنّ الأصل أن لا يلزمه تمام الثمن إلاّ بمبيعٍ سليم ، فإذا تعذّر ذلك ، فُوّضت الخيرة إليه. ولأنّ البائع والمشتري قد استويا في حدوث العيب عندهما ولا بدّ من إثبات الخيار لأحدهما ، فإثباته للمشتري أولى ؛ لأنّ البائع ملبّس بترويج المبيع ، فكان رعاية جانب المشتري أولى ، فيتخيّر المشتري حينئذٍ بين أن يردّه ويدفع أرش العيب الحادث عنده ، وبين أن يمسكه ويأخذ أرش العيب القديم ، وبهذا الوجه قال مالك وأحمد ، وهو قول الشافعي في القديم.

الثاني : أنّ المتّبع رأي البائع ؛ لأنّه إمّا غارم أو آخذ ما لم يردّ العقد عليه.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤١.

١٢٦

والثالث وهو الأصحّ عندهم ـ : أنّ المتّبع رأي مَنْ يدعو إلى الإمساك والرجوع بأرش العيب القديم ، سواء كان هو البائع أو المشتري ؛ لما فيه من تقرير العقد. ولأنّ الرجوع بأرش العيب القديم يستند إلى أصل العقد ؛ لأنّ قضيّته أن لا يستقرّ الثمن بكماله إلاّ في مقابلة السليم ، وضمّ أرش العيب الحادث إدخال شي‌ء جديد لم يكن في العقد ، فكان الأوّل أولى.

فعلى هذا لو قال البائع : تردّه مع أرش العيب الحادث ، فللمشتري الامتناع ، ويأخذ أرش العيب القديم. ولو أراد المشتري أن يردّه مع أرش العيب الحادث ، فللبائع الامتناع ، ويغرم أرش القديم (١).

وقال أبو حنيفة والشافعي أيضاً : إذا لم يرض البائع بردّه معيباً ، كان للمشتري المطالبة بأرش العيب. وإن رضي بردّه معيباً ، لم يكن للمشتري أرش ؛ لأنّه عيب حدث في ضمان أحد المتبايعين لا لاستعلام العيب ، فأثبت الخيار للآخر ، كالعيب الحادث عند البائع (٢).

وقال مالك وأحمد : يتخيّر المشتري بين أن يردّه ويدفع أرش العيب الحادث عنده ، وبين أن يمسكه ويأخذ أرش العيب الحادث عند البائع (٣) ؛ لما تقدّم.

وقال حمّاد وأبو ثور : يردّه المشتري ويردّ معه أرش العيب قياساً على المصرّاة (٤) ؛ فإنّ النبي عليه‌السلام أمر بردّها وردّ صاع من تمر عوض‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٥ ٢٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤١.

(٢) لم نعثر على قولهما في حدود المصادر المتوفّرة لدينا ، وانظر : حلية العلماء ٤ : ٢٦٧.

(٣) بداية المجتهد ٢ : ١٨٣ ١٨٤ ، حلية العلماء ٤ : ٢٦٧ ، المغني ٤ : ٢٦١ ، الشرح الكبير ٤ : ٩٩.

(٤) حلية العلماء ٤ : ٢٦٧ ، المغني ٤ : ٢٦١.

١٢٧

اللبن (١).

وهو ضعيف ؛ لأنّ ذلك إنّما كان لاستعلام العيب.

مسألة ٣٠٤ : قد بيّنّا أنّ الخيار في الردّ والأرش على التراخي. وقال الشافعي : إنّه على الفور على ما تقدّم (٢).

فعلى قوله يجب على المشتري إعلام البائع على الفور ، فلو أخّره من غير عذر ، بطل حقّه من الردّ والأرش ، إلاّ أن يكون العيب الحادث قريب الزوال غالباً ، كالرمد والحُمّى ، فلا يعتبر الفور في الإعلام على أحد القولين ، بل له انتظار زواله ليردّه سليماً عن العيب الحادث من غير أرش (٣).

وعندنا أنّ العيب المتجدّد مانع من الردّ بالسابق ، سواء زال أو لا ، وللمشتري الأرش على التقديرين.

ولو زال العيب الحادث بعد ما أخذ المشتري أرش العيب القديم ، لم يكن له الفسخ ، وردّ الأرش عندنا على ما تقدّم.

وللشافعيّة وجهان ، هذا أحدهما ؛ لأنّ أخذ الأرش إسقاط. والثاني : نعم ، والأرش للحيلولة (٤).

ولو لم يأخذه لكن قضى القاضي بثبوته ، فوجهان للشافعيّة بالترتيب ، وأولى بجواز الفسخ (٥).

ولو تراضيا ولا قضاء ، فوجهان بالترتيب ، وأولى بالفسخ في هذه‌

__________________

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٩٦ ، الهامش (٣).

(٢) في ص ١٢١ ، المسألة ٣٠١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤١.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤١ ١٤٢.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٦ ، وانظر : روضة الطالبين ٣ : ١٤١ ١٤٢.

١٢٨

الصورة ، وهو الأصحّ في هذه الصورة عندهم ، وأمّا بعد الأخذ ، فالأصحّ : المنع (١).

ولو عرف العيب القديم بعد زوال الحادث (٢) ، ردّ عند الشافعي (٣) ، وفيه وجه ضعيف (٤).

ولو زال العيب القديم قبل أخذ أرشه ، لم يأخذه عندهم (٥). ولو زال بعد أخذه ، ردّه.

ومنهم مَنْ جَعَله على وجهين ، كما لو نبتت سنّ (٦) المجنيّ عليه بعد أخذ الدية ، هل [ يردّ (٧) ] الدية؟ (٨).

مسألة ٣٠٥ : كلّ ما يثبت الردّ به على البائع لو كان في يده يمنع الردّ إذا حدث في يد المشتري ، وما لا ردّ به على البائع لا يمنع الردّ إذا حدث في يد المشتري إلاّ في الأقلّ ، فلو خصى العبد ثمّ عرف عيباً قديماً ، لم يردّ وإن زادت قيمته.

ولو نسي القرآن أو الصنعة ثمّ عرف به عيباً قديماً ، فلا ردّ ؛ لنقصان القيمة.

وكذا لو زوّجها ثمّ عرف [ بها ] عيباً قديماً ؛ لأنّه بتصرّفه أسقط الردّ.

وقال بعض الشافعيّة : إلاّ أن يقول الزوج : إن ردّك المشتري بعيب‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٢.

(٢) في « ق ، ك‍ » : « العيب الحادث ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٢.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٢.

(٦) في الطبعة الحجريّة : « كما لو ثبت سبق » بدل « كما لو نبتت سنّ ». وهي تصحيف. وفي « ق ، ك‍ » : « نبت سنّ » والصحيح ما أثبتناه.

(٧) ما بين المعقوفين من المصدر. وبدله في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « يأخذ ».

(٨) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٥٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٢.

١٢٩

فأنتِ طالق ، وكان ذلك قبل الدخول ، فله الردّ ؛ لزوال المانع بالردّ (١).

مسألة ٣٠٦ : لو اشترى الأب من الابن جاريةً أو بالعكس ثمّ عرف بعيبها بعد وطئها وهي ثيّب ، لم يكن له الردّ‌ عندنا ؛ لتصرّفه.

وقال الشافعي : لا يبطل الردّ وإن حرمت على البائع ؛ لأنّ الماليّة لا تنقص بذلك. وكذا لو كانت الجارية رضيعةً فأرضعتها أُمّ البائع أو ابنته في يد المشتري ثمّ عرف بها عيباً (٢).

وهنا نحن نقول : إن كان الإرضاع بقول المشتري ، كان تصرّفاً ؛ لأنّه يخرج بذلك عن الإباحة ، فلا ردّ. وإن لم يكن بقوله ، كان له الردّ ؛ لأنّه لم يتصرّف في المبيع.

وإقرار الرقيق على نفسه في يد المشتري بدَيْن المعاملة أو بدَيْن الإتلاف مع تكذيب المولى لم يمنع من الردّ بالعيب القديم. وإن صدّقه المولى على دَيْن الإتلاف ، مَنَع ؛ لأنّه عيب تجدّد في يد المشتري. فان عفا المقرّ له بعد ما أخذ المشتري الأرش ، لم يكن له الفسخ ، وهو أحد قولي الشافعيّة. والثاني : يردّه ويردّ الأرش (٣).

والوجهان جاريان فيما إذا أخذ الأرش لرهينة العبد أو كتابته أو إباقه أو غصبه ونحوها إن مُكّن (٤) من ذلك ثمّ زال المانع من الردّ (٥) ، قال بعض الشافعيّة : أصحّهما أنّه لا فسخ (٦). وهو مقتضى مذهبنا.

تذنيب : لو اشترى عبداً وحدث في يد المشتري نكتة بياض بعينه (٧)

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٢.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « تمكّن ».

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٢.

(٦) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٥٧ ٤٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٦ ٢٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٢.

(٧) أي : بعين العبد.

١٣٠

ووجد نكتة قديمة ثمّ زالت إحداهما فاختلفا ، فقال البائع : الزائلة القديمةُ فلا ردّ ولا أرش ، وقال المشتري : بل الحادثةُ ولي الردّ ، قال الشافعي : يحلفان على ما يقولان ، فإن حلف أحدهما دون الآخر ، قُضي بموجب يمينه. وإن حلفا ، استفاد البائع بيمينه دفع الردّ ، واستفاد المشتري بيمينه أخذ الأرش ، فإن اختلفا في الأرش ، فله الأقلّ ؛ لأنّه المتيقّن (١).

مسألة ٣٠٧ : لو كان المبيع من أحد النقدين كآنية من ذهب أو فضّة اشتراها بمثل وزنها وجنسها ثمّ اطّلع على عيبٍ قديم ، كان له الردّ‌ دون الأرش ؛ لاشتماله على الربا ، فإنّه لو أخذ الأرش لنقص الثمن عن وزن الآنية ، فيصير الثمن المساوي لوزنها يقابله ما دونها (٢) ، وذلك عين الربا.

فإن حدث عند المشتري عيبٌ آخر ، لم يكن له الأرش ؛ لما تقدّم ، ولا الردّ مجّاناً ؛ إذ لا يُجبر البائع على الضرر ، ولا الردّ مع الأرش ؛ لاشتماله على الربا ، لأنّ المردود حينئذٍ يزيد على وزن الآنية. ولا يجب على المشتري الصبر على المعيب مجّاناً. فطريق التخلّص فسخ البيع ؛ لتعذّر إمضائه ، وإلزام المشتري بقيمته من غير الجنس معيباً بالقديم سليماً عن الجديد ، ويجعل بمثابة التالف.

ويحتمل الفسخ مع رضا البائع ، ويردّ المشتري العين وأرشها ، ولا ربا ، فإنّ الحليّ في مقابلة الثمن ، والأرش في مقابلة العيب المضمون ، كالمأخوذ بالسوم.

وللشافعيّة ثلاثة أوجُه ، اثنان منها هذان الاحتمالان ، إلاّ أنّهم لم يشترطوا في الاحتمال الثاني رضا البائع بالردّ.

__________________

(١) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٥٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٢.

(٢) كذا في جميع النسخ الخطيّة والحجريّة.

١٣١

والثالث : أن يرجع المشتري بأرش العيب القديم ، كما في غير هذه الصورة ، والمماثلة في مال الربا إنّما تشترط في ابتداء العقد وقد حصلت ، والأرش حقٌّ ثبت بعد ذلك لا يقدح في العقد السابق (١).

وهذا الوجه عندي لا بأس به.

والوجهان الأوّلان [ اتّفقا ] (٢) على أنّه لا يرجع بأرش العيب القديم ، وأنّه يفسخ العقد ، واختلفا في أنّه يردّ الحليّ مع أرش النقص أو يمسكه ويردّ قيمته؟.

وقياس صاحب القول الثالث تجويز الردّ مع الأرش أيضاً ، كما في سائر الأموال.

وإذا أخذ الأرش ، قيل : يجب أن يكون من غير جنس العوض ؛ لئلاّ يلزم ربا الفضل (٣).

والأقرب : أنّه يجوز أن يكون من جنسهما ؛ لأنّ الجنس لو امتنع أخذه ؛ لامتنع أخذ غير الجنس ؛ لأنّه يكون بيع مال الربا بجنسه مع شي‌ء آخر.

ولو تلفت الآنية ثمّ عرف المشتري العيب القديم ، قالت الشافعيّة : يفسخ العقد ، ويستردّ الثمن ويغرم قيمة التالف (٤). وتلف المبيع لا يمنع جواز الفسخ ؛ لأنّ الشافعي جوّز الإقامة بعد [ التلف ] (٥) (٦).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٣.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « أيضاً ». وهي تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه بقرينة السياق.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٣.

(٤) حلية العلماء ٤ : ٢٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٣.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك‍ » ، والطبعة الحجريّة : « الفسخ ». والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(٦) حلية العلماء ٤ : ٢٦١ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٩٣ ٤٩٤.

١٣٢

وكذا إذا اختلف المتبايعان بعد تلف المبيع ، تحالفا وترادّا.

ويخالف إذا كان المبيع من غير جنس الثمن الذي فيه الربا ؛ لأنّه يمكنه أخذ الأرش ، فلا يجوز له فسخ العقد مع حدوث النقص والتلف عنده ، وهنا لا يمكن ذلك ، فلم يمكن إسقاط حقّه بغير عوض ، ولا يمكن أخذ الأرش هنا ؛ للربا.

ولهم وجه آخر : أنّه يجوز أخذ الأرش (١). وحينئذٍ هل يشترط كونه من غير الجنس؟ وجهان تقدّما.

وهذه المسألة لا تختصّ بالحليّ والنقدين ، بل تجري في كلّ ربويّ بِيع بجنسه.

مسألة ٣٠٨ : قد بيّنّا أنّ تصرّف المشتري يمنع من الردّ قبل علمه بالعيب وبعده.

وقال الشافعي : لا يمنع (٢).

فلو اشترى دابّةً وأنعلها ثمّ وقف على العيب القديم ، فلا ردّ عندنا ، بل له الأرش.

وقال الشافعي : إن كان نَزْعُ النعل لا يؤثّر فيها عيباً ، نَزَعه وردَّها. وإن لم ينزع ، لم يجب على البائع القبول. وإن كان النزع يخرم ثقب المسامير ويتعيّب الحافر به فنزع ، بطل حقّه من الردّ والأرش عنده ، وكان تعيّبه (٣) بالاختيار قطعاً للخيار (٤) (٥).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٣.

(٢) الحاوي الكبير ٥ : ٢٦١.

(٣) في « ق » والطبعة الحجريّة : تعييبه.

(٤) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « للاختيار ». وما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٨ ٢٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٣.

١٣٣

وفيه احتمال عند بعضهم (١).

ولو ردّها مع النعل ، اجبر البائع على القبول عنده ، وليس للمشتري طلب قيمة النعل ، فإنّه حقير في معرض ردّ الدابّة.

ثمّ تَرْكُ النعل من المشتري تمليك حتى يكون للبائع لو سقط (٢) ، أو إعراض حتى يكون للمشتري؟ فيه لهم وجهان ، أشبههما : الثاني (٣).

وكلّ هذا ساقط عندنا.

مسألة ٣٠٩ : لو صبغ المشتري الثوب بما به تزيد قيمته ثمّ عرف عيبه السابق ، فلا ردّ‌ عندنا ، خلافاً للشافعي (٤).

فإن رضي بالردّ من غير طلب شي‌ء ، قال الشافعي : يجب على البائع قبوله ، ويصير الصبغ ملكاً [ له ] (٥) لأنّه صفة للثوب لا تزايله ، بخلاف النعل (٦).

قال الجويني : ولم يذهب أحد إلى أنّه يردّ الثوب ويبقى شريكاً بالصبغ (٧) ، كما في المغصوب ، فإنّه يكون شريكاً ، والاحتمال يتطرّق إليه (٨).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٣.

(٢) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « أو إسقاط » بدل « لو سقط ». وما أثبتناه من المصادر ما عدا التهذيب.

(٣) الوسيط ٣ : ١٣٤ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٣ ١٤٤.

(٤) الوسيط ٣ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٤.

(٥) في الطبعة الحجريّة : « ويكون الصبغ ملكه » بدل ما أثبتناه من « ق ، ك‍ ».

(٦) المصادر في الهامش (٣).

(٧) في الطبعة الحجريّة : « في الصبغ ».

(٨) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٤.

١٣٤

وإن أراد الردّ وأخذ قيمة الصبغ ، ففي وجوب الإجابة على البائع للشافعيّة وجهان ، أظهرهما : العدم ، لكن يأخذ المشتري الأرش (١).

ولو طلب المشتري أرش العيب وقال البائع : رُدّ الثوب لأغرم لك قيمة الصبغ ، فوجهان لهم : القبول [ و] (٢) أنّ المجاب البائع ، ولا أرش للمشتري (٣).

ولمّا حكى الجويني الخلاف في الطرفين ذكر أنّ الصبغ الزائد جرى مجرى أرش العيب الحادث في طرفي المطالبة ، ويريد به أنّه إذا قال البائع : ردّ مع الأرش ، وقال المشتري : أمسك وآخذ الأرش ، ففي مَنْ يجاب؟ وجهان. وكذا إذا قال المشتري : أردّه مع الأرش ، وقال البائع : بل أغرم الأرش (٤).

ووجه المشابهة بين الصبغ الزائد وأرش العيب الحادث أنّ إدخال الصبغ في ملك البائع مع أنّه دخيل في العقد كإدخال الأرش الدخيل.

ثمّ المجاب منهما في وجهٍ مَنْ يدعو إلى فضل الأمر بالأرش القديم (٥).

أمّا لو قصر الثوب ثمّ ظهر على العيب بعد القصارة ، فلا ردّ عندنا ، بل له الأرش.

وعند الشافعيّة (٦) يبنى على أنّ القصارة عين أو أثر؟ إن قلنا بالأوّل ، فهي كالصبغ. وإن قلنا بالثاني ، ردّ الثوب مجّاناً ، كالزيادات المتّصلة (٧).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٤.

(٢) أضفناها لأجل السياق.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٩.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٩.

(٦) في الطبعة الحجريّة : « الشافعي ».

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٤.

١٣٥

مسألة ٣١٠ : إذا اشترى ما المقصود منه مستور بقشره ـ كالبطّيخ والنارنج والرمّان والجوز واللوز والبندق والبيض فكسره ثمّ وجده فاسداً ، نظر إن لم يكن [ لفاسده (١) ] قيمة كالبيض الفاسد والبطّيخ الأسود رجع بجميع الثمن ؛ لأنّ العقد ورد على ما لا منفعة فيه ، فلم يكن صحيحاً ، وبه قال بعض الشافعيّة (٢).

وقال بعضهم بفساد البيع لا لهذه العلّة ، بل إنّ الردّ يثبت على سبيل استدراك الظلامة (٣).

وكما يرجع بجزء من الثمن عند انتقاص جزء من المبيع يرجع بكلّه عند فوات كلّ المبيع.

وتظهر فائدة الخلاف في أنّ القشور الباقية بمن تختصّ حتى يكون عليه تطهير الموضع عنها؟

وإن كان لفاسده قيمة كالبطّيخ الحامض أو المدود بعضُ الأطراف فله الأرش ، ولا ردّ ؛ لتصرّفه.

وللشافعيّة تفصيل ، قالوا : إنّ للكسر حالتين :

إحداهما : أن لا يوقف على ذلك الفساد إلاّ بمثله ، فقولان :

أحدهما : لا ردّ كما قلنا وبه قال أبو حنيفة والمزني ، كما لو عرف بعيب الثوب بعد قطعه ، وعلى هذا هو كسائر العيوب الحادثة ، فيرجع المشتري بأرش العيب القديم.

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « لمكسوره ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٢) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٩٢ ٢٩٣ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٦٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٦٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٤.

١٣٦

والثاني : له الردّ وبه قال مالك وأحمد في رواية لأنّه نقص لا يعرف العيب إلاّ به ، فلم يمنع الردّ ، كالمصرّاة.

فإن أثبتنا له الردّ ، فهل يغرم أرش الكسر؟ قولان ، أحدهما : نعم ، كالمصرّاة. والثاني : لا ؛ لأنّه لا يعرف العيب إلاّ به ، فهو معذور فيه ، والبائع بالبيع كأنّه (١) سلّطه عليه.

وإن قلنا بالأوّل ، غرم ما بين قيمته صحيحاً فاسد اللُّبّ ومكسوراً فاسد اللُّبّ ، ولا ينظر إلى الثمن.

الحالة الثانية : أن يمكن الوقوف على ذلك الفساد بأقلّ من ذلك الكسر ، فلا ردّ ، كما في سائر العيوب (٢).

إذا عرفت هذا ، فكسر الجوز ونحوه ونقب النارنج من صُور الحالة الأُولى ، وكسر النارنج من صُور الحالة الثانية.

وكذا البطّيخ الحامض إذا أمكن معرفة حموضته بغرز شي‌ء فيه. وكذا التقوير الكبير إذا أمكن معرفتها بالتقوير الصغير. والتدويد لا يُعرف إلاّ بالتقوير ، وقد يحتاج إلى الشقّ ليعرف.

وليست الحموضة عيباً في الرمّان ، بخلاف البطّيخ.

ولو شرط حلاوة الرمّان فظهرت حموضته بالغرر ، كان له الردّ. وإن كان بالكسر أو الشقّ ، فالأرش لا غير.

__________________

(١) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « فإنّه » بدل « كأنّه ». والصحيح ما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٦٠ ٢٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٤ ١٤٥ ، مختصر المزني : ٨٣ ، المهذّب للشيرازي ١ : ٢٩٣ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٦٣ ٤٦٤ ، حلية العلماء ٤ : ٢٦٢ ٢٦٤ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٨٤ ، المغني ٤ : ٢٧٣ ، الشرح الكبير ٤ : ١٠٥.

١٣٧

مسألة ٣١١ : إذا باع الثوب المطويّ ، صحّ البيع إذا علم باطنه كظاهره.

ولو كان مطويّاً على طاقين ، فكذلك ؛ لأنّه يرى جميع الثوب من جانبيه إن تساوى الوجهان المطويّان ، وإلاّ فلا.

فلو اشترى ثوباً مطويّاً أو ثوباً ينتقص بالنشر فنشره ووقف على عيب لا يوقف عليه إلاّ بالنشر ، فلا ردّ ؛ لانتقاصه بالنشر ، بل له الأرش.

وللشافعي قولان (١) تقدّما في البطّيخ وشبهه.

مسألة ٣١٢ : الفسخ يرفع العقد من حين وقوعه لا من أصله ؛ لأنّ العقد لا ينعطف حكمه على ما مضى ، فكذا الفسخ ، وهو أصحّ قولي الشافعيّة.

وفي الثاني : إذا اتّفق الفسخ قبل القبض ، يردّ العقد من أصله ؛ لضعف العقد ، فإذا فسخ ، فكأنّه لا عقد (٢). وليس بشي‌ء.

ولهم وجه آخر : أنّه يرفع العقد من أصله مطلقاً (٣).

إذا عرفت هذا ، فعندنا أنّ الاستخدام بل كلّ تصرّف يصدر من المشتري قبل علمه بالعيب أو بعده يمنع الردّ ، إلاّ في وطئ الجارية الحامل وحلب المصرّاة خاصّةً.

وقال الشافعي : الاستخدام لا يمنع من الردّ بالعيب ، وكذا وطؤ الثيّب ، فإذا ردّها ، لم يضمّ إليها مهراً عنده وبه قال مالك وأحمد في رواية لأنّه معنى لا يوجب نقصاً ولا يشعر رضا ، فأشبه الاستخدام (٤).

__________________

(١) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٦.

(٢) الوسيط ٣ : ١٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٠.

(٤) حلية العلماء ٤ : ٢٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٠ ، بداية المجتهد ٢ : ١٨٢ ، المغني ٤ : ٢٥٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٩٨.

١٣٨

والأصل ممنوع.

وقال أبو حنيفة : إنّه يمنع الردّ (١) ، كقولنا.

ولو وطئها البائع بشبهة ، فكوطئ المشتري لا يمنع الردّ. ووطؤها عن رضا منها زنا ، وهو عيب حادث.

هذا إذا وُطئت بعد القبض ، ولو وطئها المشتري قبل القبض ، فلا ردّ عندنا.

وقال الشافعي : له الردّ ، ولا يصير قابضاً لها ، ولا مهر عليه إن سلمت وقبضها (٢).

وإن تلفت قبل القبض ، فلا مهر عليه ؛ لأنّه وطؤ صادف ملكاً.

وللشافعيّة وجهان ، هذا أحدهما. والثاني : أنّ عليه المهر للبائع. وهُما مبنيّان على أنّ العقد إذا انفسخ بتلفٍ قبل القبض ، ينفسخ من أصله أو من حينه؟ وأصحّهما عندهم : الثاني (٣).

وإن وطئها أجنبيّ وهي زانية ، فهو عيب حدث قبل القبض. وإن كانت مكرهةً ، فللمشتري المهر ، ولا خيار له بهذا الوطي. ووطؤ البائع كوطي الأجنبيّ ، لكن لا مهر عليه إن قلنا : إنّ جناية البائع قبل القبض كالآفة السماويّة.

والوجه عندنا : أنّ عليه المهر.

وأمّا البكر فافتضاضها بعد [ القبض ] (٤) نقصٌ حادث ، وقبله جناية‌

__________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٢٥٦ ، بداية المجتهد ٢ : ١٨٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٧٦ ، المغني ٤ : ٢٥٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٩٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٧٦ ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٠.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « العقد ». والصحيح ما أثبتناه.

١٣٩

على المبيع قبل القبض.

وإن افتضّها الأجنبيّ بإصبعه ، فعليه ما نقص من قيمتها.

وإن افتضّها بالجماع ، فعليه المهر وأرش البكارة ، ولا تداخل ، وهو أحد وجهي الشافعيّة (١).

والثاني الأصحّ عندهم : الدخول ، فعليه مهر مثلها بكراً ، وعلى الأوّل عليه أرش البكارة ومهر مثلها ثيّباً (٢).

ثمّ المشتري إن أجاز العقد ، فالجميع له ، وإلاّ فقدر (٣) أرش البكارة للبائع ؛ لعودها إليه ناقصةً ، والباقي للمشتري.

وإن افتضّها البائع ، فإن أجاز المشتري ، فلا شي‌ء على البائع إن قلنا : جنايته كالآفة السماويّة. وإن قلنا : إنّها كجناية الأجنبيّ ، فالحكم كما في الأجنبيّ. وإن فسخ المشتري ، فليس على البائع أرش البكارة.

وهل عليه مهر مثلها [ ثيّباً ] (٤) إن افتضّ بالجماع؟ يبنى على أنّ جنايته كالآفة السماويّة أو لا.

وإن افتضّها المشتري ، استقرّ عليه من الثمن بقدر ما نقص من قيمتها ، فإن سلمت حتى قبضها ، فعليه الثمن بكماله. وإن تلفت قبل القبض ، فعليه بقدر نقصان الافتضاض من الثمن. وهل عليه مهر مثل ثيّبٍ إن افتضّها بالجماع؟ يبنى على أنّ العقد ينفسخ من أصله أو من حينه؟ هذا هو الصحيح عندهم (٥).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٠ ١٥١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٠ ١٥١.

(٣) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « بقدر ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « هنا ». والصحيح ما أثبتناه.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥١.

١٤٠