وصايا الرّسول لزوج البتول عليهم السلام

السيد علي الحسيني الصدر

وصايا الرّسول لزوج البتول عليهم السلام

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : الأخلاق
الناشر: دار الامام الرضا عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-92482-1-8
الصفحات: ٦٥٥

وأنتَ أوّلُ من يقفُ على الصراطِ معي ، وأنت أوّلُ من يُكسى إذا كُسيت ، ويحيى إذا حييتُ ، وأنت أوّلُ من يسكنُ معي في علّيّين (٣٨١) ، وأنت أوّلُ من يشربُ معي من الرحيقِ (٣٨٢) المختومِ الذي ختامُه مِسك (٣٨٣) (٣٨٤).

______________________________________________________

(٣٨١) وهي المراتب العالية ، والدرجات السامية ، المحفوفة بالجلالة والرفعة في الجنّة.

(٣٨٢) الرحيق هي الخمر الصافية الخالصة من كلّ غشّ (١) ، والمختوم بمعنى ختم أوانيها بالمسك ، وختامه مسك بمعنى أنّ آخر ما يجدون منها هي رائحة المسك.

(٣٨٣) أي إذا شربه الشارب وجد رائحة المسك فيه (٢).

أي انّه له ختامٌ وعاقبة إذا رفع الشارب فاه عن آخر شرابه وجد ريحه كريح المسك .. فهي أفضل خمر خالصة خالية عن الغول والتأثيم .. مع أفضل رائحة عبقة بالمسك .. أوّل من يتهنّأ بها هو نبيّنا أفضل النبيّين وأفضل الخلق بعده أمير المؤمنين.

وهي إشارة إلى قوله عزّ إسمه : ( إنَّ الأبرَارَ لَفِي نَعِيم * عَلَى الأرَائِكِ يَنظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَّحِيق مَخْتُوم * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنافِسُونَ ) (٣).

وهذا مسك ختام هذه الوصيّة النبوية لمقام الولاية العليّة التي رواها الشيخ الصدوق قدس‌سره وغيره.

__________________

١ ـ مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٥٦.

٢ ـ تفسير القمّي ، ج ٢ ، ص ٤١١.

٣ ـ سورة المطفّفين ، الآيات ٢٢ ـ ٢٦.

١٤١

..................................................................................

______________________________________________________

(٣٨٤) روى شيخ المحدّثين الصدوق قدس‌سره هذا الحديث كمسك الختام في آخر كتابه الجامع من لا يحضره الفقيه ، ج ٤ ، ص ٣٥٢ ، باب النوادر ، الحديث ١ ، المسلسل ٥٧٦٢. ورواه أيضاً الشيخ الطبرسي في مكارم الأخلاق ، ج ٢ ، ص ٣١٩ ، الفصل الثالث ، الحديث ١ ، المسلسل ٢٦٥٦. ورواه العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ، ج ٧٧ ، ص ٤٦ ، الباب ٣ ، الحديث ٣. وشَرَحَهُ التقي المجلسي في روضة المتّقين ، ج ١٢ ، ص ٢٦٠ ، ذاكراً في أوّله أنّ الصدوق أعلى الله مقامه حكم بصحّته إمّا لتواتره عنده أو لتواتر مضمونه .. فإنّ أكثر مسائله ورد في الأخبار المتواترة أو المستفيضة أو الصحيحة المأثورة عن الصادقين صلوات الله عليهم أجمعين ، وجاء كثير منها في الأبواب المعنونة في الأحاديث المسندة الواردة في كتاب الخصال.

١٤٢

٢

رسالة الوصايا ، روى الشيخ العالم علي بن أحمد المشهدي الغروي المعروف بابن القاساني في رسالة وصايا النبي (١) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن شيخه المولى أبي الفضل محمّد بن قطب الدين الراوندي ( ببلدة ريّ بمحلّ باب المصالح في شهور سني ستّة وتسعين وخمسمائة ) قال : حدّثني والدي ( في سنة إثنتين وأربعين وخمسمائة ) ، قال : أخبرني الشيخ العفيف أبو عبدالله جعفر بن محمّد بن أحمد بن العبّاس الدورسي ( في مسجد المأذنة في شهور سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة ) ، عن الشيخ الحافظ جعفر بن علي ابن موسى القمّي عن مشايخه ، عن أبي سعيد الخدري قال : أوصى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام سمعته وأنا أكتب مخافة أن أنسى ، وكان علي بن أبي طالب عليه‌السلام إذا سمع لا ينسى ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وصيّة :

______________________________________________________

(١) هذه النسخة خطيّة في مكتبة جامعة طهران مرقّمة برقم ١٠/١٨١٢ ضمن مجموعة ( ش ـ ٢٩٣٦) رسالة ـ رقم ١٤ من صفحة ٣٣٣ إلى صفحة ٣٣٨ في المجموعة.

صدّرت أوّل الرسالة بقوله ، الحمد لله حقّ حمده ، وصلاته على خير خلقه محمّد وصفوة ذرّيته الأئمّة الأطهار ، يقول العبد الضعيف المذنب الفقير إلى رحمة اللّه تعالى علي بن أحمد المشهدي الغروي المعبِّر المعروف بابن القاشاني أحسن الله عاقبته بمحمّد وآله الطاهرين .. حدّثني الشيخ المولى أبي الفضل ... الخ.

١٤٣

يا علي ، لا مروّةَ لكَذُوب (٢) ، ولا راحةَ لحسُود (٣) ، ولا صديقَ لنمّام (٤) ،

______________________________________________________

ذكر المولى محمّد بن قطب الدين الراوندي إلى آخر السند المتقدّم ونقل به هذه الوصيّة الشريفة.

(٢) حيث إنّ الصدق أمانة والكذب خيانة ، والكذوب يكون كثير الخيانة فلا يتّصف بصفة المروّة التي تقتضي تنزيه النفس عن الدناءة والخيانة.

(٣) فإنّ الحسود يضرّ نفسه أكثر ممّا يضرّ المحسود فلا يكون في راحة ، ولذلك ورد في الحديث العلوي ، « ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من الحاسد ، نَفَس دائم ، وقلب هائم ، وحزن لازم » (١).

وجاء في نهج البلاغة قوله عليه‌السلام ، « صحّة الجسد من قلّة الحسد » (٢).

(٤) النميمة هي نقل كلام الغير إلى المقول فيه على وجه السعاية والإفساد وإيقاع الفتنة .. ويقال لفاعله نمّام وقتّات .. ولو بأن يقول : فلان تكلّم فيك بكذا.

والنميمة من المعاصي الكبائر المذمومة في الكتاب والسنّة كما تلاحظ بيانها في الروايات المباركة (٣).

منها ما عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال لأصحابه ، « ألا اُخبركم بشراركم؟ قالوا ، بلى يا رسول الله. قال : المشّاؤون بالنميمة ، المفرّقون بين الأحبّة ، الباغون للبُراء العيب ».

ومنها ما عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « ثلاثة لا يدخلون الجنّة ، السفّاك

__________________

١ ـ بحار الأنوار ، ج ٧٣ ، ص ٢٥٦ ، باب ١٣١ ، ح ٢٩.

٢ ـ نهج البلاغة ، رقم الحكمة ٢٥٦.

٣ ـ بحار الأنوار ، ج ٧٥ ، ص ٢٦٣ ، باب ٦٧ ، الأحاديث.

١٤٤

ولا أمانةَ لبخيل (٥) ، ولا وفاءَ لشَحيح (٦) ،

______________________________________________________

للدم ، وشارب الخمر ، ومشّاء بالنميمة ». ومن مساوي هذه النميمة أنّها توجب عدم الصديق للنّمام كما في هذه الوصيّة .. من حيث أنّه سرعان ما ينكشف أمره ، ويتباعد عنه أصدقاؤه ، ويتركه أحبّاؤه ، وفي الحديث (١) ، « إنّ من أكبر السحر النميمة ، يُفَرَّق بها بين المتحابّين ، ويجلب العداوة على المتصافّين ، ويسفك بها الدماء ، ويهدم بها الدور ، ويكشف الستور ، والنمّام شرّ من وطىء الأرض بقدم ».

(٥) البخل هي صفة شحّ النفس المذمومة ، وهي صفة خسيسة قد تدعو إلى ترك الواجب ومنها ترك أداء الأمانة. فالبخيل يبخل حتّى عن ردّ مال الناس إليهم فلا أمانة له.

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام ، « البخل جامع لمساوىء العيوب ، وهو زمام يقاد به إلى كلّ سوء » (٢).

وعن الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام أنّه قال : « البخيل من بخل بما افترض الله عليه » (٣).

(٦) الشحّ هو البخل مع الحرص فهو أشدّ من البخل .. لأنّ البخل في المال ، والشحّ يكون في المال والمعروف ، ومنه قوله تعالى : ( أَشِحَّةً عَلَى الخَيْرِ ) (٤) ، فالشحّ هو اللؤم وأن تكون النفس حريصة على المنع (٥) ..

__________________

١ ـ بحار الأنوار ، ج ١٠ ، ص ١٦٩ ، باب ١٣ ، ح ٢.

٢ ـ نهج البلاغة ، رقم الحكمة ٣٧٨.

٣ ـ بحار الأنوار ، ج ٧٣ ، ص ٣٠٥ ، باب ١٣٦ ، ح ٢٦.

٤ ـ سورة الأحزاب ، الآية ١٩.

٥ ـ مجمع البحرين ، مادّة شحح ، ص ١٨٠.

١٤٥

ولا كنزَ أنفعُ من العِلم (٧) ،

______________________________________________________

والشحّ بمعناه المعروف يكون مانعاً من الوفاء والأداء .. فلا يكون وفاء لشحيح .. وفي الحديث عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، عن أبيه عليه‌السلام ، أنّ عليّاً عليه‌السلام سمع رجلا يقول : الشحيح أعذر من الظالم ، فقال عليه‌السلام ، « كذبت ، إنّ الظالم يتوب ويستغفر الله ويردّ الظُلامة على أهلها ، والشحيح إذا شَحَّ منع الزكاة ، والصدقة ، وصلة الرحم ، وإقراء الضيف. والنفقة في سبيل الله ، وأبواب البرّ ، وحرام على الجنّة أن يدخلها شحيح » (١).

وفي حديث الإمام الصادق عليه‌السلام ، « إنّما الشحيح من منع حقّ الله ، وأنفق في غير حقّ الله عزّوجلّ » (٢).

(٧) الكنز في الأصل هو المال المدفون لعاقبة ، ثمّ اتّسع واستعمل في كلّ ما يتّخذه الإنسان ويدّخره.

وخير ما يدّخره الإنسان لنفعه هو العلم ، إذ هو أشرف وأنفع من المال كما تلاحظ فضله كتاباً وسنّةً في كتب أحاديث فضل العلم.

وقد أطلق الكنز في كتاب الله تعالى على صفحة العلم المذخورة في قضيّة موسى والخضر في سورة الكهف.

ففي حديث علي بن أسباط قال : سمعت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام يقول : « كان في الكنز الذي قال الله عزّوجلّ : ( وَكانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُما ) (٣) كان فيه : ( بسم الله الرحمن الرحيم عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح ، وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف يحزن ، وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلّبها بأهلها كيف يركن إليها ، وينبغي لمن عقل عن الله

__________________

١ ـ قرب الإسناد ، ص ٧٢ ، مسلسل الحديث ٢٣٣.

٢ ـ بحار الأنوار ، ج ٧٣ ، ص ٣٠٥ ، باب ١٣٦ ، ح ٢٥.

٣ ـ سورة الكهف ، الآية ٨٢.

١٤٦

ولا مالَ أربحُ من الحِلم (٨) ، ولا حَسَبَ أرفعُ من الأدَب (٩) ،

______________________________________________________

أن لا يتّهم الله في قضائه ولا يستبطئه في رزقه ). فقلت ، جعلت فداك اُريد أن أكتبه ، قال : فقرّب والله يده إلى الدواة ليضعها بين يدي ، فتناولتُ يده فقبّلتها وأخذتُ الدواة فكتبته » (١).

(٨) الحلم ـ بكسر وسكون اللام ـ ، هو ضبط النفس عن هيجان الغضب (٢) ، أو الأناة والتثبّت في الاُمور (٣).

ومن المعلوم أنّ خلاف الحلم أي الغضب يوجب أكبر الخسران ، بل الغضب لغير الله تعالى مفتاح الشرّ والضرر ، فيكون الحلم الذي يكبحه موجباً لأكبر النفع والربح ..

وفي حديث زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كان علي بن الحسين عليهما‌السلام يقول : « إنّه ليعجبني الرجل أن يدركه حلمُه عند غضبه » (٤).

(٩) الحسب بفتحتين هي الشرافة بالآباء وما يُعد من مفاخرهم ..

وهذه الشرافة تضيع فيمن قلّ أدبه .. بينما تزيد فيمن كثر أدبه .. وإن لم يعل حسبه .. فالأدب إذن أبلغ من الحسب.

فإذا تأدّب الإنسان بالآداب الدينية والأخلاق المرضيّة نال أرفع الحسب لأنّ الأدب يغني عن الحسب ، وحسن الأدب ينوب عن الحسب كما في الحديث

__________________

١ ـ اُصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٥٩ ، ح ٩.

٢ ـ مجمع البحرين ، ص ٥١٢.

٣ ـ مرآة الأنوار ، ص ٨٩.

٤ ـ اُصول الكافي ، ج ٢ ، ص ١١٢ ، ح ٣.

١٤٧

ولا نسبَ أوضعُ من الجَهل (١٠) ، ولا معيشةَ أهنأُ من العافية (١١) ،

______________________________________________________

العلوي الشريف (١).

وقد بيّن أمير المؤمنين عليه‌السلام كلّ الأدب في كلمته الجامعة على وجازتها وإختصارها في قوله عليه‌السلام ، « كفاك أدباً لنفسك إجتناب ما تكرهه من غيرك » (٢).

(١٠) النسب هو الإنتساب إلى ما يوضّح ويميّز المنسوب .. كالإنتساب إلى الأب أو الاُمّ أو القبيلة أو الصناعة وغيرها.

وبما أنّ الجهل أوضع الأشياء تكون النسبة إليه أيضاً أوضع النسب ..

ويدلّك على وضاعة الجهل .. الصفات الخسيسة التي تنشأ منه كالجور ، والقسوة ، والتكبّر ، والقطيعة ، والغَدر ، والخيانة ، والعصيان ونحوها من الصفات الذميمة.

(١١) العافية هي دفاع الله الأسقام أو البلايا عن العبد (٣).

وهي من النعم الإلهيّة التي يهنأ بها العيش ، بل لا معيشة أهنأ منها.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، « نعمتان مكفورتان ، الأمن والعافية » (٤).

وفي حديث محمّد بن حرب الهلالي ، سمعت الصادق جعفر بن محمّد عليه‌السلام يقول : « العافية نعمة خفيّة .. إذا وُجدت نُسيت ، وإذا فُقدت ذُكرت » (٥).

وتلاحظ أحاديث فضل العافية مجموعةً في البحار (٦).

__________________

١ ـ بحار الأنوار ، ج ٧٥ ، ص ٦٨ ، باب ٤٤ ، ح ٨.

٢ ـ نهج البلاغة ، رقم الحكمة ٤١٢.

٣ ـ مجمع البحرين ، مادّة عفا ، ص ٦٢.

٤ ـ الخصال ، ص ٣٤ ، ح ٥.

٥ ـ أمالي الصدوق ، ص ١٣٨.

٦ ـ بحار الأنوار ، ج ٨١ ، ص ١٧٠ ، باب ١ ، الأحاديث.

١٤٨

ولا رفيقَ أزينُ من العَقل (١٢) ، ولا رسولَ أَعدلُ من الحَقّ (١٣) ، ولا حسنَة أعلى من الصَبر (١٤) ،

______________________________________________________

(١٢) الزينة هي ما يتزيّن به الإنسان من حُلي ولباس ممّا يوجب زيادة جماله وحُسنه .. ولا حلية أغلى من العقل ولا زينة أغنى من هذا الجوهر النفيس .. فيكون العقل أزين شيء يرافق الإنسان ، بل لا رفيق أزين منه.

لذلك ورد في الحديث عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، « عقول النساء في جمالهنّ ، وجمال الرجال في عقولهم » (١).

وعن الإمام العسكري عليه‌السلام أنّه قال : « حسن الصورة جمالٌ ظاهر ، وحسن العقل جمالٌ باطن » (٢).

(١٣) فالرسول هو السفير المبعوث ، والسفير هو المصلح بين القوم .. والإصلاح يلزم أن يكون بعدل .. وأعدل مصلح هو الحقّ والكلمة الحقّة .. فلا رسول أعدل منه.

وفي حديث أبي ذرّ قال : « أوصاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن أقول الحقّ وإنْ كان مُرّاً » (٣).

(١٤) الصبر ، حبس النفس على المكروه إمتثالا لأمر الله تعالى (٤).

وهو يمنع الباطن عن الإضطراب ، واللسان عن الشكاية ، والأعضاء عن الحركات غير المعتادة كما أفاده المحقّق الطوسي قدس‌سره (٥).

__________________

١ ـ بحار الأنوار ، ج ١ ، ص ٨٢ ، باب ١ ، ح ١.

٢ ـ بحار الأنوار ، ج ١ ، ص ٩٥ ، باب ١ ، ح ٢٧.

٣ ـ بحار الأنوار ، ج ٧٠ ، ص ١٠٦ ، باب ٤٨ ، ح ٣.

٤ ـ مجمع البيان ، ص ٢٧٢.

٥ ـ سفينة البحار ، ج ٥ ، ص ١٥.

١٤٩

ولا سيّئَة أسْرى من العُجب (١٥) ،

______________________________________________________

وهو من مكارم الأخلاق ، ومعالي السجايا ، ومحاسن الصفات.

وقد أمر به الكتاب الكريم ، وحثّت عليه أحاديث المعصومين عليهم‌السلام ، وجعلته رأس الإيمان ، وأنّ من لا يعدّ الصبر لنوائب الدهر يعجز ، وأنّ أهل الصبر يدخلون الجنّة بغير حساب ، وأنّ الصبر عند المصيبة حسنٌ جميل ، وأحسن منه الصبر على ما حرّم الله تعالى ، كما تلاحظها في أحاديث باب الصبر (١).

بل بلغ الصبر من الأهميّة أنّه أُخذ عليه العهد والميثاق .. ففي حديث داود بن كثير الرقي ، عن الإمام أبي عبدالله الصادق عليه‌السلام ، « أنّ الله تبارك وتعالى لمّا خلق نبيّه ووصيّه وإبنته وإبنيه وجميع الأئمّة وخلق شيعتهم أخذ عليهم الميثاق أن يصبروا ويصابروا ويرابطوا وأن يتّقوا الله .. وأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على جميع الأئمّة وشيعتهم الميثاق بذلك .. » (٢).

هذا بالإضافة إلى ما في الصبر من الفرج الدنيوي ، والأجر الاُخروي الذي يجعله أعلى حسنة ، بل لا حسنة أعلى منه.

(١٥) العُجب هو إستعظام العمل الصالح وإستكثاره والإبتهاج له والإدلال به وأن يرى نفسه خارجاً عن حدّ التقصير ..

وأمّا السرور بالعمل الصالح مع التواضع له تعالى والشكر له على التوفيق لذلك فهو حسن ممدوح (٣).

والعُجب من ذنوب القلب .. ويستفاد من بعض الأحاديث أنّه أشدّ من

__________________

١ ـ بحار الأنوار ، ج ٧١ ، باب ٦٢ ، ص ٥٦ ـ ٦٧.

٢ ـ اُصول الكافي ، ج ١ ، ص ٤٥١ ، ح ٣٩.

٣ ـ سفينة البحار ، ج ٦ ، ص ١٥٢.

١٥٠

ولا زهادةَ أقربُ من التَقاعد (١٦) ،

______________________________________________________

ذنوب الجوارح.

ففي حديث الحسين بن زيد ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، « لولا أن الذنب خير للمؤمن من العُجب ما خلى الله بين عبده المؤمن وبين ذنب أبداً » (١). حيث إنّه يوجب ترك الذنب مطلقاً للمؤمن العُجب ، والعُجب سيّئة تسري إلى العمل الصالح فتُبطله وتحبطه ، وتفسد الطاعات ، ولا سيّئة أسرى إلى العمل الصالح لإفساده من العُجب.

ففي الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، « ثلاث مهلكات ، شحٌّ مطاع ، وهوىً متّبع ، وإعجاب المرىء بنفسه .. وهو محبطٌ للعمل ، وهو داعية المقت من الله سبحانه » (٢).

وتلاحظ أحاديث مذمومية العُجب والأمر بتركه في اُصول الكافي (٣) ، والبحار (٤) ، والوسائل (٥) فراجعها ، ونحيل إليها رعاية للإختصار.

(١٦) التقاعد هو عدم الطلب يقال : تقعّد عن الأمر أي لم يطلبه ..

والزهد هو الترك والإعراض .. يقال : زهد عن الدنيا أي تركها ، وزهد عن الحرام أي أعرض عنه ..

وأقرب الزهد هو أن لا يطلب الإنسان الحرام. لا أن يتركها فحسب ..

فإذا لم يطلبه أساساً تركه قطعاً وأعرض عنه يقيناً ..

فيكون التقاعد عن الحرام أقرب زهادة.

__________________

١ ـ عدّة الداعي ، ص ١٧٣.

٢ ـ عدّة الداعي ، ص ١٧٢.

٣ ـ اُصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٣١٣.

٤ ـ بحار الأنوار ، ج ٧١ ، ص ٢٢٨ ، باب ٦٧ ، وج ٧٢ ، ص ٣٠٦ ، باب ١١٧.

٥ ـ وسائل الشيعة ، ج ١ ، ص ٧٣ ، باب ٢٣ ، الأحاديث.

١٥١

ولا غائبَ أقربُ من المَوت (١٧) ، ولا شفيعَ أنجحُ من التَّوبة (١٨).

______________________________________________________

(١٧) فإنّ الموت غائب يأتي لا محالة ، وأجَلٌ يعرض في كلّ حالة ..

وقد يأخذ الإنسان بكلّ سرعة ، ويخطفه على حين غِرّة ..

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام ، « الموت طالب ومطلوب ، لا يعجزه المقيم ، ولا يفوته الهارب ... » (١).

فينبغي الإستعداد لهذا الغائب بتوفيق الله تعالى بما أمر به مولى الموحّدين عليه‌السلام في حديث الإمام العسكري ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قيل لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، « ما الإستعداد للموت؟ قال : أداء الفرائض ، وإجتناب المحارم ، والإشتمال على المكارم .. ثمّ لا يبالي أوقع على الموت أم وقع الموت عليه ... » (٢).

وتلاحظ مفصّل أحاديث الموت في البحار (٣).

(١٨) وردت هذه الفقرة في وصيّة أمير المؤمنين عليه‌السلام أيضاً في تحف العقول (٤).

فالتوبة من الذنب أنجح وسيلة شافعة إلى الله تعالى للمؤمن.

حيث أمر بها الله تعالى في مثل قوله عزّ إسمه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلَى اللّهِ تَوْبَةً نَّصُوحا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكفِّرَ عَنكُم سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأَنْهَارُ ) (٥).

ففي النبوي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، « ليس شيء أحبّ إلى الله تعالى من مؤمن تائب ، أو مؤمنة

__________________

١ ـ أمالي الشيخ الطوسي ، ص ٢١٦ ، مسلسل ٣٧٨.

٢ ـ أمالي الصدوق ، ص ٦٧.

٣ ـ بحار الأنوار ، ج ٦ ، ص ١٤٥ ، باب ٦ ، و ج ٧١ ، ص ٢٦٣ ، باب ٧٩ ، الأحاديث.

٤ ـ تحف العقول ، ص ٩٣.

٥ ـ سورة التحريم ، الآية ٨.

١٥٢

يا علي ، وللعاقلِ ستّةُ خصال ، الصبرُ على البَلاء ، والإحتمالُ للظُّلم (١٩) ، والعطاءُ من القليل (٢٠) ، والرضا باليَسير (٢١) ، والإخلاصُ بالعَمَل (٢٢) ، وطلبُ العلم (٢٣).

يا علي ، وللمؤمن أربعُ خصال ، طولُ السُكوت (٢٤) ،

______________________________________________________

تائبة » (١).

وتلاحظ تفصيل بيان أحاديث التوبة في البحار (٢) فراجع ، وسيأتي معنى التوبة وحقيقتها في نفس هذه الوصيّة عند ذكر خصال التائب.

(١٩) أي تحمّله والصبر عليه بواسطة إحتسابه عند الله تعالى.

(٢٠) بأن يكون له عطيّة الخير ، وإن كان قليل ذات اليد.

(٢١) أي القناعة باليسير من الحلال ، ومن رضى باليسير من الحلال خفّت مؤونته ، وتنعّم في أهله ، وبصّره الله داء الدنيا ودواءها ، وأخرجه منها سالماً إلى دار السلام (٣).

(٢٢) إذ هو الذي يوجب قبول العمل وفوز العامل.

(٢٣) فبطلب العلم يكون عارفاً بالحلال والحرام ، وسالكاً طريق الله العلاّم ، وناجياً في الدنيا والآخرة .. وهو من كمال العقل ، والعقل الكامل.

فتكون هذه الصفات الستّة الحسنة من مميّزات العقلاء .. ومن كان جامعاً لهذه الخصال كان عاقلا في نفسه ، ومسترشداً بعقله.

(٢٤) فإنّ السكوت في محلّه نجاة من الشرّ ، وإحتراز عن الذنب ، وتفكّر في

__________________

١ ـ سفينة البحار ، ج ١ ، ص ٤٧٦.

٢ ـ بحار الأنوار ، ج ٦ ، ص ١١ ـ ٤٨ ، باب ٢٠.

٣ ـ مجمع البحرين ، مادّة رضا ، ص ٣٨.

١٥٣

ودَوامُ العَمل (٢٥) ، وحسنُ الظنِّ باللّهِ عزَّ وجلّ (٢٦) ،

______________________________________________________

الآيات ، وحفظ للنفس ، وسلامة للإنسان.

بل في الحديث أنّه لا يعرف عبدٌ حقيقة الإيمان حتّى يخزن من لسانه (١).

بل ورد أنّ شيعتنا الخرس .. (٢).

أي لا يتكلّمون بالباطل واللغو وعدم العلم ، أو مع التقيّة ، فكلامهم قليل كأنّهم خرس.

ولاحظ أحاديث فضل الصمت في بابه (٣).

(٢٥) أي المداومة على عمل الخير ، فإنّه المحبوب المطلوب للمؤمن.

وفي حديث جابر الجعفي قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : « إنّ أبا جعفر عليه‌السلام كان يقول : إنّي اُحبّ أن اُداوم على العمل إذا عوّدته نفسي ، وإنْ فاتني من الليل قضيته بالنهار ، وإنْ فاتني بالنهار قضيته بالليل ، وإنّ أحبّ الأعمال إلى الله ما ديم عليها ، فإنّ الأعمال تُعرض كلّ خميس وكلّ رأس شهر ، وأعمال السنة تعرض في النصف من شعبان ، فإذا عوّدت نفسك عملا فدُم عليه سنة » (٤).

(٢٦) فيرجو المؤمن ربّه لقبول عمله بفضله وكرمه ، ويكون خوفه من ذنبه وقصور عمله ..

وفي الحديث ، « حسن الظنّ بالله أن لا ترجو إلاّ الله ولا تخاف إلاّ ذنبك » (٥).

__________________

١ ـ اُصول الكافي ، ج ٢ ، ص ١١٤ ، ح ٧.

٢ ـ اُصول الكافي ، ج ٢ ، ص ١١٣ ، ح ٢.

٣ ـ بحار الأنوار ، ج ٧١ ، ص ٢٧٤ ـ ٣٠٨ ، باب ٧٨.

٤ ـ بحار الأنوار ، ج ٨٧ ، ص ٣٧ ، باب ١ ، ح ٢٥.

٥ ـ اُصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٧٢ ، ح ٤.

١٥٤

والاحتمالُ للمكرُوه (٢٧).

يا علي ، وللتائبِ ستّةُ خصال ، تركُ الحرام ، وطلبُ الحلال ، وطلبُ العلم ، وطولُ السكوت ، وكثرةُ الاستغفار ، وأنْ يذيقَ نفسَه مرارَةَ الطّاعةِ كما أذاقَها حلاوةَ المعصية (٢٨).

______________________________________________________

والأحاديث كثيرة في حسن الظنّ بالله ، وتفضّل الله على عبده بحسن ظنّه.

ففي حديث بريد بن معاوية ، عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال : « وجدنا في كتاب علي عليه‌السلام ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : وهو على منبره ـ ، والذي لا إله إلاّ هو ما اُعطي مؤمن قطّ خير الدنيا والآخرة إلاّ بحسن ظنّه بالله ، ورجائه له ، وحسن خُلُقه والكفّ عن إغتياب المؤمنين.

والذي لا إله إلاّ هو لا يُعذِّبُ اللهُ مؤمناً بعد التوبة والإستغفار إلاّ بسوء ظنّه بالله ، وتقصيره من رجائه ، وسوء خُلُقه ، وإغتيابه للمؤمنين.

والذي لا إله إلاّ هو لا يحسن ظنّ عبد مؤمن بالله إلاّ كان الله عند ظنّ عبده المؤمن ، لأنّ الله كريم بيده الخيرات ، يستحيي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظنّ ثمّ يخلف ظنّه ورجاءه ، فأحسنوا بالله الظنّ وارغبوا إليه » (١).

وينبغي ملاحظة مفصّل أحاديث حسن الظنّ بالله تعالى في محلّه (٢).

(٢٧) أي تحمّل المكاره والاُمور التي لا يستسيغها الإنسان.

(٢٨) فالتوبة هو الرجوع عن الذنب .. والراجع عن الذنب حقيقةً يترك الحرام ، ويطلب الحلال ، ويطلب العلم حتّى يعرفهما ، ويطيل السكوت حذراً من الزلاّت ، ويكثر الإستغفار محواً للسيّئات .. ويزيل حلاوة المعصية بمرارة الطاعة .. حتّى

__________________

١ ـ اُصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٧١ ، ح ٢.

٢ ـ بحار الأنوار ، ج ٧٠ ، ص ٣٢٣ ـ ٤٠١ ، باب ٥٩ ، الأحاديث.

١٥٥

يا علي ، وللمسلمينَ [ وللمسلمِ ظ ] أربعُ خصال ، أن يَسلَمَ الناسُ من لسانِه ، وعينِه ، ويدِه ، وفَرْجِه (٢٩).

______________________________________________________

تكمل توبته ..

وفي حديث النهج الشريف (١) قال أمير المؤمنين عليه‌السلام ، « ... الإستغفار درجة العلّيين وهو اسم واقع على ستّة معان :

أوّلها ، الندم على ما مضى.

والثاني ، العزم على ترك العود إليه أبداً.

والثالث ، أن تؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم حتّى تلقى الله أملس ليس عليك تبعة.

والرابع ، أن تَعْمدَ إلى كلّ فريضة عليك ضيّعتها فتؤدّي حقّها.

والخامس ، أن تَعْمدَ إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتّى تلصق الجلد بالعظم ، وينشأ بينهما لحم جديد.

والسادس ، أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية.

فعند ذلك تقول ، أستغفر الله » (٢).

(٢٩) فإنّ الإسلام في أصله مأخوذ من التسليم والإنقياد ، والسلم وعدم الأذى ..

فيلزم على المسلم أن يكفّ أذاه عن الناس بلسانه بمثل الكذب عليهم أو سبّهم ، وبعينه بمثل النظر إلى أعراضهم ، وبيده بمثل التطاول عليهم ، وبفرجه بمثل الخيانة بهم ، فيسلَم الناس من جميع هذه الزلل منه.

__________________

١ ـ نهج البلاغة ، رقم الحكمة ٤١٧ ، الجزء٣ ، ص ٢٥٢ ، طبعة الإستقامة بمصر.

٢ ـ نهج البلاغة ، رقم الحكمة ٤١٧ ، الجزء ٣ ، ص ٢٥٢ ، طبعة الإستقامة بمصر.

١٥٦

يا علي ، وللجاهِل خمسُ خصال ، أن يثقَ بكلِّ أَحد ، وأن يُفشي سرَّه إلى كلِّ أَحد ، وأن يغضَبَ بأدنى شيء ، ويَرضى بأدنى شَيء ، وأن يضحكَ من غيرِ عَجَب (٣٠).

يا علي ، وللمتوكّلِ أربعُ خصال ، لا يخافُ المخلوقَ ، ولا يتّكلُ على مخلوق ، ويحسنُ الظنَّ بالناس ،

______________________________________________________

(٣٠) فالجاهل بواسطة عدم علمه لا يكمل فيه التروّي والتفكير في عواقب الاُمور ، وتطبيق أعماله مع الحكمة والمناسبة ، فتراه يثق بكلّ أحد حتّى بالخائن ، ويُفشي سرّه إلى كلّ أحد حتّى المذيع ، ويغضب بأدنى شيء غير موجب للغضب ، ويرضى بشيء لا يوجب الرضا ، ويضحك ويمتلأ بالضحك بدون أن يكون الشيء موجباً للتعجّب والضحك.

وفي جواب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لشمعون بن لاوي من حواريي عيسى عليه‌السلام ذكر علامات الجاهل ومميّزاته بقوله ، « إنّ صَحِبْتَه عنّاك ـ أي أتعبك ـ ، وإن اعتزلته شتمك ، وإن أعطاك مَنَّ عليك ، وإن أعطيته كفَّرَك ، وإن أسررت إليه خانك ، وإن اُسرَّ إليك اتّهمك ـ أي بالإفشاء ـ ، وإنْ استغنى بَطَر ـ أي طغى ـ ، وكان فظّاً غليظاً ، وإن افتقر جحد نعمة الله ولم يتحرّج ، وإن فرح أسرف وطغى ، وإن حزن أيس ، وإن ضحك فهق ـ أي امتلأ من الضحك ـ وإنْ بكى خار ـ أي جزع وصاح ـ يقع الأبرار ـ أي يعيبهم ويذمّهم ـ ولا يحبّ الله ولا يراقبه ، ولا يستحيي من الله ولا يذكره ، إنْ أَرْضيتَه مدحك وقال فيك من الحسنة ما ليس فيك ، وإنْ سخط عليك ذهبت مدحته ووقع فيك من السوء ما ليس فيك ، فهذا مجرى الجاهل » (١).

__________________

١ ـ بحار الأنوار ، ج ١ ، ص ١١٩ ، باب ٤ ، ح ١١.

١٥٧

ولا يستكثرُ عمَلَه (٣١).

يا علي ، وللقانعِ أربعُ خصال ، أن لا يفرَح بالغناء ، ولا يخافَ من الفقر (٣٢) ، ولا يهتمَّ للرزق ، ولا يحرِصَ على الدنيا (٣٣).

______________________________________________________

(٣١) إذ المتوكّل على الله تعالى يعتمد في جميع اُموره على الله تعالى وينقطع إليه .. فلا يخاف إلاّ الله ، ولا يتّكل على غيره ، ويكون أمله بالله لا بالمخلوقين فلا يسيء الظنّ إليهم بل يحسن الظنّ بهم ، وهو يعتمد على سعي نفسه فلا يستكثر عمله .. فتكون الاُمور المتقدّمة علاماته.

قال العلاّمة المجلسي قدس‌سره ، « ثمّ إنّ التوكّل ليس معناه ترك السعي في الاُمور الضرورية ، وعدم الحذر عن الاُمور المحذورة بالكليّة.

بل لابدّ من التوسّل بالوسائل والأسباب على ما ورد في الشريعة من غير حرص ومبالغة فيه ، ومع ذلك لا يعتمد على سعيه وما يحصّله من الأسباب ، بل يعتمد على مسبّب الأسباب ».

ثمّ حكى قدس‌سره عن المحقّق الطوسي في أوصاف الأشراف تفسيره التوكّل بقوله ، « المراد بالتوكّل أن يَكِلَ العبد جميع ما يصدرُ عنه ويَرِدُ عليه إلى الله تعالى ، لعلمه بأنّه أقوى وأقدر ، ويضع ما قدر عليه على وجه أحسن وأكمل ، ثمّ يرضى بما فعل ، وهو مع ذلك يسعى ويجتهد فيما وكَّلَه إليه ... » (١).

(٣٢) فانّه حيث يكتفي القانع بما رزقه الله تعالى وقسمه له لا تكون الزيادة له موجبة للفرح ، ولا إحتمال الإعواز فيه موجباً للخوف.

(٣٣) القناعة ـ بالفتح ـ ، هو الرضا بالقِسَم .. والقانع هو الذي يقنع بما يصيبه

__________________

١ ـ بحار الأنوار ، ج ٧١ ، ص ١٢٧.

١٥٨

يا علي ، وللأحمقِ أربعُ خصال ، أن ينازعَ مَنْ فَوقَه ، ويتكبَّر على من دونَه ، وأن يجمعَ من الحرامِ ، وأن يبْخلَ على عيالِه (٣٤).

______________________________________________________

من الدنيا وإنْ كان قليلا ويشكر على اليسير (١).

وهذه القناعة إذا وُجدت في الإنسان كانت كنزاً باقياً ، وملكاً لا يزول ، واستغناءً في النفس.

لذلك لا يكون صاحبها مع هذا الإستغناء النفسي فَرِحاً بالغنى ، أو خائفاً من الفقر ، أو مهتّماً بالرزق ، أو حريصاً على الدنيا .. بل تكون حياته طيّبة هنيئة.

وقد حُثّ على هذه الخصلة الشريفة في الكتاب والسنّة ، ووردت فيها الأحاديث الحجّة .. من ذلك ما في الكافي قال أبو جعفر عليه‌السلام ، « إيّاك أن تطمح بصرك إلى من هو فوقك ، فكفى بما قال الله عزّوجلّ لنبيّه : ( وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ ) (٢) وقال : ( وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلَى مَا مَتَّعْنا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ... ) (٣) فإن دخلك من ذلك شيء فاذكر عيش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّما كان قوته الشعير ، وحلواه التمر ، ووقوده السَّعف إذا وجده » (٤).

ويحسن ملاحظة أحاديث فضل القناعة في المقام (٥).

(٣٤) الحمق هي قلّة العقل وفساده .. والأحمق هو من اتّصف بذلك.

وهو محذور المجالسة ومذموم المصاحبة.

__________________

١ ـ مجمع البحرين ، مادّة قنع ، ص ٣٩٠.

٢ ـ سورة التوبة ، الآية ٨٥.

٣ ـ سورة طه ، الآية ١٣١.

٤ ـ اُصول الكافي ، ج ٢ ، ص ١٣٧ ، باب القناعة ، الأحاديث أو غيره.

٥ ـ بحار الأنوار ، ج ٧٣ ، ص ١٦٨ ، باب ١٢٩ ، الأحاديث.

١٥٩

وللشقيّ ثلاثُ خِصال ، التّواني في أوقاتِ الصّلاةِ ، وكثرةُ الكلامِ في غيرِ ذكرِ اللّهِ ، وقلَّما يرغبُ في طاعةِ اللّه (٣٥).

______________________________________________________

وفسّر في حديث أبي الربيع الشامي بأنّه هو ، « المعجب برأيه ونفسه ، والذي يرى الفضل كلّه له لا عليه ، ويوجب الحقّ كلّه لنفسه ولا يوجب عليها حقّاً » (١).

وفي الحديث الصادقي ، « إذا أردت أن تختبر عقل الرجل في مجلس واحد فحدّثه في خلال حديثك بما لا يكون ، فإن أنكره فهو عاقل ، وإنْ صدّقه فهو أحمق » (٢).

ومن كانت هذه صفته فطبيعي أنّه ينازع مَنْ فوقه ، ويتكبّر على من دونه ، ويجمع المال من غير الحلال ، وبالرغم من جمعه المال .. لا ينفقه على عياله حتّى يكون كرامةً له ، بل يمسكه حتّى يكون وبالا عليه.

(٣٥) مرّ في وصيّة الفقيه أنّ هناك أربع خصال تنشأ من الشقاوة ، جمود العين ، وقساوة القلب ، وبُعْد الأمل ، وحبّ البقاء ..

وبيّن صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هنا أنّ ثلاث خصال يتّصف بها الشقيّ .. غير السعيد ، فتلك فروع الشقاء ، وهذه صفات الشقي :

أحدها ، أنّه يتواني في إتيان الصلاة في أوقاتها .. والتواني هو التقصير في العمل وعدم الإهتمام به.

ثانيها ، أنّه يكون كثير الكلام .. وكلامه في غير ذكر الله تعالى.

ثالثها ، أنّه قليل الرغبة في إطاعة الله سبحانه.

وتلاحظ أخبار السعادة والشقاوة في البحار (٣) بالتفصيل .. ويحسن أن نشير

__________________

١ ـ الإختصاص ، ص ٢٢١.

٢ ـ بحار الأنوار ، ج ١ ، ص ١٣١ ، باب ٤ ، ح ٢٨.

٣ ـ بحار الأنوار ، ج ٥ ، ص ١٥٢ ، باب ٦ ، الأحاديث.

١٦٠