وصايا الرّسول لزوج البتول عليهم السلام

السيد علي الحسيني الصدر

وصايا الرّسول لزوج البتول عليهم السلام

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : الأخلاق
الناشر: دار الامام الرضا عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-92482-1-8
الصفحات: ٦٥٥

١
٢

٣
٤

٥
٦

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون ، ولا يحصي نعماءَه العادّون ، ولا يؤدّي حقّه المجتهدون ، وصلوات الله على الرسول الأمين وخاتم النبيّين الذي بعثه لإنجاز عِدَته وتمام نبوّته وتبليغ رسالته.

وسلام الله على أهل بيته المعصومين الذين هم أساس الدين ومنار اليقين ، والذين لهم حقّ الولاية وفيهم الوراثة والوصاية ..

ولعنة الله على أعدائهم وظالميهم ومنكري فضائلهم ومناقبهم من الأوّلين والآخرين إلى قيام يوم الدين.

وبعد .. فقد إمتاز الدين الإسلامي الحنيف في خطاب الكتاب وبيان الرسول وهدى أهل البيت بخصوصية جامعيّته لجميع شؤون الإنسان في جميع العصور والأزمان ، بحيث رَسَمَ له المنهج الكامل والنهج المتكامل في عامّة المجالات وكافّة المناسبات الإعتقادية والعمليّة ، والإجتماعيّة والشخصيّة ، والأخلاقيّة والسلوكية بعباداته ومعاملاته ، وعقوده وإيقاعاته ، ومواعظه وإرشاداته .. في جميع ما يحتاج إليه الفرد والاُسرة ، للدنيا والآخرة.

وذلك ببركة كتاب الله الكريم الذي هو مصباح الهدى ومنار الحكمة ودليل المعرفة الذي من جعله أمامه قاده إلى الجنّة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار.

ثمّ بفضل رسوله العظيم الذي أرسله الله تعالى شاهداً ومبشّراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، مع أهل بيته الأكرمين الذين أنزل فيهم آية التطهير ، ثمّ

٧

جعلهم الحفظة لهذا الدين والأوصياء الخلفاء لسيّد المرسلين ، والمظهرين لأحكام الشرع المبين فكانوا نجوم الهداية وسفن النجاة التي من تمسّك بها نجى ومن تخلّف عنها غرق وهوى.

وجعل سيّدهم وسندهم أمير المؤمنين وسيّد الوصيين باباً لمدينة علم نبيّه وهادياً لاُمّته ، محوراً للحقّ وكشّافاً للحقيقة ، وعلّمه النبي ألف باب من العلم ينفتح من كلّ باب منها ألف باب .. كما ثبت بالطرق المتواترة من الخاصّة والعامّة .. (١).

وكان ممّا أفاض عليه من العلم والحكمة وصاياه الجامعة ، ومواعظه النافعة ، ومعالمه البارعة التي جمعت الخير الكامل وحثّت على أسنى الفضائل.

وقد كانت وصاياه له عليه‌السلام بالمقدار الكثير الكثير الذي لم يتحقّق وِزانُه لأيّ واحد من الأصحاب ولا لفرد آخر من الأطياب .. بل خصّه النبي بها وجعله الباب إليها ، ليرتوي منه المؤمنون ، وينتهل من نميره المسلمون ، بل يهتدي به الخَلَف أجمعون ، فتكون خير دليل لخير سبيل ، وكفاها سموّاً أنّها صدرت من أفصح من نطق بالضّاد لأفصح الناس بعده من العباد.

وحسبها علوّاً أنّها وصايا أرشد إليها عقل الكلّ لكلّ العقل.

ويكفيها رفعةً أنّها أوصى بها سيّد الأنبياء الذي عصمه الله تعالى بقوله : ( وَما يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إنْ هُوَ إلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) (٢) لسيّد العترة الذي طهّره الله عزّوجلّ

__________________

١ ـ لمزيد المعرفة لاحظ أحاديث الفريقين في أنّ علياً عليه‌السلام وصيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من طرق الخاصّة مائة حديث ومن طرق العامّة سبعون حديثاً ، في غاية المرام ، ص ١٥٠ ـ ١٩٠ ، وفي انّ علياً عليه‌السلام باب علم الرسول صلوات الله عليه وآله ومدينة علمه وحكمته من طرق الخاصّة أربعون حديثاً ، ومن طرق العامّة ثلاثة وعشرون حديثاً ، في غاية المرام ، ص ٥١٧ ـ ٥٢٤ ، ويمكنك ملاحظة الأدلّة الوافية على وصاية الأئمّة عليهم‌السلام في كتابنا العقائد الحقّة ، ص ٢٩٠.

٢ ـ سورة النجم ، الآية ٣ و ٤.

٨

بقوله : ( ... إنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١).

هذا هو موضوع الكتاب الذي بين يديك ، وكان المرجوّ فيه أن يجمع وصايا الرسول لزوج البتول.

واعلم أنّ الوصيّة لغةً هو التقدّم إلى الغير بما يعمل به مقترناً بوعظ .. مأخوذة من قولهم ، أرض واصية أي متّصلة النبات (٢).

إذ الوصيّة في الأصل فعيلة بمعنى الإتّصال من وصى يصي إذا وصل الشيء بغيره (٣).

وقد قالوا وصي البيت إذا اتّصل بعضه ببعض .. فكأنّ الموصي بالوصيّة وصل جلّ اُموره بالموصى إليه ، والوصية والأمر والعهد بمعنى واحد ، كما في مجمع البيان (٤) عند قوله تعالى : ( وَوَصّى بِها إبراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إلاّ وَأَنتُم مُسْلِمُونَ ) (٥).

وعليه فالوصية في مؤدّاها هي : ( العهد الذي يؤخذ على الإنسان في مجال النصح ، والحثّ على الفضائل والأخلاق الحسنة ، وفعل الخيرات وإجتناب المنكرات ) (٦).

ولذا قال في اللسان ، « أوصى الرجل ووصّاه ، عهد إليه » (٧).

__________________

١ ـ سورة الأحزاب ، الآية ٣٣.

٢ ـ مفردات الراغب ، ص ٥٢٥.

٣ ـ مجمع البحرين ، ص ٩٣.

٤ ـ مجمع البيان ، ج ١ ، ص ٢١٣.

٥ ـ سورة البقرة ، الآية ١٣٢.

٦ ـ وصايا الرسول ، ص ٩.

٧ ـ لسان العرب ، ج ١٥ ، ص ٣٩٤.

٩

وقال في القاموس ، « أوصاه ووصّاه توصية ، عهد إليه ، والإسم الوَصاة ، والوصاية ، والوصيّة » (١).

وفي التاج ، « أوصاه إيصاءً ، ووصّاه توصيةً ، إذا عهد إليه » (٢).

وجاء في المصباح ، « أوصيته بولده ، إستعطفته عليه ، وأوصيته بالصلاة ، أمرته بها ، ولفظ الوصيّة مشترك بين التذكير والإستعطاف وبين الأمر ، ويتعيّن حمله على الأمر » (٣).

وقال في المجمع ، « العهد ، الوصيّة والأمر ، يقال : عهد إليه بعهد من باب تعب إذا أوصاه ، ومنه قوله تعالى : ( وعَهِدنا إلى إبراهيم ) أي وصّيناه وأمرناه » (٤) فالمستفاد عرفاً ولغةً أنّ الوصايا هي العهود المأخوذة ، والأوامر الواردة والنواهي الواصلة ، والمواعظ الصادرة من الموصي للوصي.

والوصايا النبوية المقصودة هنا هي العهود والأوامر والنواهي والمواعظ والآداب الموجّهة من سيّدنا النبي لوصيّه الإمام أمير المؤمنين علي عليهما وآلهما السلام الذي هو المشكاة النبراس لهداية الناس ( ... مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاة فِيها مِصْباحٌ المِصْباحُ فِي زُجاجَة الزُّجاجَةُ كَأنّها كَوكَبٌ دُرّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَة مُبارَكَة زَيْتُونَة لاَّ شَرْقيَّة وَلاَ غَرْبِيَّة يَكادُ زَيّتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُور يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللّهُ الأمْثالَ لِلنّاسِ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْء عَلِيمٌ ) (٥).

هذا .. والذي نأمله في هذا الكتاب الجامعية في وصايا الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

١ ـ القاموس المحيط ، ج ٤ ، ص ٤٠٠.

٢ ـ تاج العروس ، ج ١٠ ، ص ٣٩٢.

٣ ـ المصباح المنير ، مادّة وَصَى.

٤ ـ مجمع البحرين / ص ٢٢٠.

٥ ـ سورة النور ، الآية ٣٥.

١٠

للإمام أمير المؤمنين عليه صلوات المصلّين ..

وقد كانت متفرّقة في مختلف الكتب على إختلاف الأبواب مطبوعها ومخطوطها فأحببت جمعها وتوضيح ما لزم بيانه وتبيانه من كلماتها ومضامينها وشرح غريبها لتكون هدىً لنفسي وهديّةً لأحبّتي.

وأسأل الله تعالى التوفيق المأمول والتفضّل بالقبول.

قم المشرّفة ـ عيد الفطر المبارك ـ سنة ١٤١٧ هجرية

علي بن السيّد محمّد الحسيني الصدر

١١
١٢

١

في كتاب الفقيه ، روى (١) حمّاد بن عمرو ، وأنس بن محمّد ، عن أبيه جميعاً ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال له :

يا علي ، اُوصيك بوصيّة فاحفظها فلا تزالُ بخير ما حفظتَ وصيّتي :

يا علي ، مَن كظَم غيظاً (٢) وهو يَقدر على إمضائِه أعقبَه اللّهُ يومَ القيامةِ أمْناً وإيماناً يجدُ طعمَه (٣).

______________________________________________________

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين وصلواته على سادة خلقه محمّد وآله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على أعدائهم إلى قيام يوم الدين ، آمين ربّ العالمين.

(١) هذه الوصيّة الشريفة من الوصايا الجامعة والمواعظ البالغة التي أوصى بها رسول الله إلى أمير المؤمنين ، فكانت منار النور ومصباح الديجور للاُمّة المهتدية بهدى نبيّها والسالكة طريق عَليِّها ... رزقنا الله تعالى الإستضاءة بنورهم والتمسّك بولايتهم التي هي سعادة الحياة وصراط النجاة .. وهي الأمان من الضلالة ، والضمان للهداية حتّى الورود على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٢) كظم الغيظ هو حبسه وتجرّعه ممّن هو قادر على إمضائه وإنفاذه.

(٣) فمرارة كظم الغيظ تثاب بحلاوة طعم الأمن والإيمان ، وتعوّض

١٣

يا علي ، مَن لم يُحسن وصيَّته عندَ موته (٤) كان نقصاً في مروءَته (٥) ،

______________________________________________________

بالطمأنينة في القلب ولذّة اليقين والإرتباط بالله تعالى.

(٤) حُسن الوصيّة إتيانها بحدودها وشروطها ومستحبّاتها كاملة مع حسن التدبير فيما خلّف ، وعدم الإضرار بالورثة والعهد إلى الله (١).

فإن لم يأت الإنسان بالوصيّة أو أوصى بخلاف المشروع أو وصّى بما لا ينفعه أو لم يوصّ بخير في ثلثه أو لم يوصّ بإنفاذ وأداء ما إشتغلت به ذمّته ، أو لم يوصّ بشيء لذوي قرابته ممّن لا يرثه لم يحسن الوصيّة ..

فاللازم أن يوصي ويحسن ويجعل أحد المؤمنين الثقات وصيّاً له بل الأولى أن يجعل وصيّه ثقتين أو يجعل أحدهما وصيّاً والآخر ناظراً على تنفيذ الوصيّة ، بل يجب إن أمكن أن يفرغ من ديونه قبل أن يموت لتحصل له البراءة اليقينيّة كما أفاده والد المجلسي قدس‌سره (٢).

(٥) المروءة بالهمزة وقد تشدّد ويقال : مروّة فُسّرت في كلام الإمام المجتبى عليه‌السلام بأنّها ، شُحّ الرجل على دينه وإصلاحه ماله وقيامه بالحقوق (٣).

هذا في الحديث ، وامّا في اللغة (٤) فالمستفاد منها أنّ المروءة من الآداب النفسية التي تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات وقد تتحقّق بمجانبة ما يؤذن بخسِّة النفس (٥).

__________________

١ ـ لاحظ وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٣٥٣ ، ب ٣ ، ح ١.

٢ ـ روضة المتّقين ، ج ١٢ ، ص.

٣ ـ سفينة البحار ، ج ٨ ، ص ٥١.

٤ ـ كثيراً ما نذكر في هذا الكتاب الحاصل المستفاد من اللغة في شرح الكلمة من دون ذكر نصوص كلمات اللغويين رعاية للإختصار فليُعلم.

٥ ـ مجمع البحرين ، مادّة مرأ ، ص ٨٢.

١٤

ولم يملِك الشفاعة (٦).

يا علي ، أفضلُ الجهادِ مَن أصبح لا يَهِمُّ بظلمِ أحد (٧).

يا علي ، مَن خاف الناسُ لسانَه فهو من أهلِ النار (٨).

______________________________________________________

وفُسّرت أيضاً بأنّها تنزيه النفس عن الدناءة التي لا تليق بأمثاله كما قاله الشهيد الأوّل قدس‌سره (١).

(٦) أي لا يستحقّ أن يشفع لأحد أو أن يشفع له أحد لتفريطه في الإحسان إلى نفسه حيث لم يوص بعمل خير في ثلثه كما في حاشية المولى التفرشي على الفقيه المسمّاة بالتعليقة السجّادية.

وهذا البيان منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكذّب قول مَن ادّعى أنّه صلوات الله عليه وآله مات ولم يوصّ إلى أحد وترك الأمر للاُمّة حتّى تختار خليفتها وحاشاه أن يترك الأمر سُدى أو يفعل ما عنه نَهى.

(٧) أي صار بحيث لا يريد أن يظلم أحداً ، وسمّي ترك الظلم جهاداً لإشتماله على مجاهدة النفس التي هي الجهاد الأكبر كما في حديث الإمام الصادق عليه‌السلام ، أنّ النبي بعث بسريّة فلمّا رجعوا قال : مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقى الجهاد الأكبر ، قيل ، يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟ قال : جهاد النفس (٢).

(٨) أي خاف الناس من لسانه بالغيبة والإفتراء والإيذاء ممّا حرّمه الله تعالى ، وفي حديث عبدالله بن سنان أيضاً عن أبي عبدالله الصادق عليه‌السلام ، « من خاف الناس لسانه فهو في النار » (٣).

__________________

١ ـ الدروس ، ص ١٩٠ ، كتاب الشهادات.

٢ ـ فروع الكافي ، ج ٥ ، ص ١٢ ، باب وجوه الجهاد ، ح ٣.

٣ ـ اُصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٣٢٧ ، ح ٣.

١٥

يا علي ، شرُّ الناسِ مَن أكرمهُ الناسُ اتّقاءَ فحشه ـ ورُوي شرّه ـ (٩).

يا علي ، شرُّ الناسِ مَن باع آخرتَه بدنياه (١٠) ، وشرٌّ من ذلك مَن باعَ آخرتَه بدنيا غيرِه (١١).

يا علي ، مَن لم يقبل العذرَ من متنصّل (١٢) صادقاً كان أو كاذباً لم يَنَلْ ...

______________________________________________________

(٩) وقد ورد في حديث أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، « انّ من شرّ عباد الله من تُكره مجالسته لفحشه » (١).

وفي حديث جابر بن عبدالله الأنصاري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، « شرّ الناس يوم القيامة الذين يُكرمون اتّقاء شرّهم » (٢).

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، « ألا ومَن أكرمه الناس إتّقاء شرّه فليس منّي » (٣).

(١٠) فإنّها بئست الصفقة لمن يبيع آخرته الباقية بدنياه الفانية ، بأن يكذب ويدلّس مثلا فيما ينفعه لدنياه ، فيخسر آخرته.

(١١) وهذا أكثر شرّاً وأخسر صفقة بأن يبيع آخرته وحياته الأبدية لا لنفع نفسه بل لدنيا غيره ، كأن يشهد شهادةً باطلة حتّى تحصل لغيره منفعة دنيويّة ، ويخسر هو حياته الاُخروية.

(١٢) التنصّل من الذنب هو التبرّي منه .. والمتنصِّل هو المتبرّي من ذنبه والمعتذر منه.

__________________

١ ـ اُصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٣٢٦ ، ح ١.

٢ ـ اُصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٣٢٦ ، ح ٤.

٣ ـ سفينة البحار ، ج ١ ، ص ٦٩٥.

١٦

... شفاعتي (١٣).

يا علي ، إنّ اللهَ عزّوجلّ أَحبَّ الكذبَ في الصلاحِ (١٤) ، وأبغَضَ الصدقَ في الفساد (١٥).

______________________________________________________

(١٣) فإنّ الندامة من الذنب كافية لقبول العذر وإن لم يكن عذره صحيحاً كما يرجو الإنسان من الله تعالى أن يقبل توبته ويعفو عن ذنبه وتشمله الشفاعة وإن لم يكن له عذر في المعصية.

(١٤) للآثار الحسنة التي تترتّب عليه فلا يكون من الكذب المحرّم بل قيل ، أنّه لا يسمّى كذباً إصطلاحاً وإن كان كذباً لغةً ، لأنّ الكذب في الشرع هو ما لا يطابق الواقع ويذمّ قائله وهذا لا يذمّ قائله كما أفاده العلاّمة المجلسي (١) ، ذاكراً بعده أحوطيّة التورية في مثل هذه المقامات ، والتورية هي ، قصد المعنى الخفي الصادق من اللفظ.

وقد ورد في فضيلة الإصلاح بين الناس باب واف من الأخبار الشريفة في اُصول الكافي ، منها ، حديث حبيب الأحول قال سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : « صدقة يحبّها الله ، إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا ، وتقارب بينهم إذا تباعدوا » (٢).

وفي حديث المفضّل قال : قال أبو عبدالله عليه‌السلام ، « إذا رأيت بين إثنين من شيعتنا منازعةً فافتدها من مالي » (٣).

(١٥) للآثار السيّئة التي تترتّب عليه وفي حديث المحاربي ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي عليه‌السلام قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، « ثلاث يحسن فيهنّ الكذب ، المكيدة في الحرب ، وعِدَتُك زوجتك ، والإصلاح بين الناس ، وقال : ثلاث يقبح فيهنّ الصدق ، النميمة ، وإخبارك الرجل عن أهله بما يكرهه ،

__________________

١ ـ مرآة العقول ، ج ٩ ، ص ١٤٦.

٢ و ٣ ـ اُصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٢٠٩ ح ١ و ٣.

١٧

يا علي ، مَن ترك الخمرَ لغيرِ اللّهِ (١٦) سقاهُ اللّهُ من الرحيقِ المختوم (١٧) ، فقال علي عليه‌السلام ، لغيرِ اللّه؟! قال : نعم واللّهِ صيانةً لنفسهِ يشكرُه اللّهُ على ذلك (١٨).

يا علي ، شاربُ الخمرِ كعابدِ وَثَن (١٩).

______________________________________________________

وتكذيبك الرجل عن الخبر ... » (١).

(١٦) أفاد المولى التقي المجلسي ، الظاهر أنّ مجرد ترك المعاصي كاف في الإمتثال وعدم العقاب ، وأمّا الثواب على تركها فهو مشروط بالنيّة ، واستثنى منها ترك شرب الخمر فانّه يؤجر ويثاب عليه وان لم ينوِ القربة أو كان الترك لأجل صيانة النفس وحفظ شرفه وكرامته أو لسلامته عن أضرار الخمر الصحّية أو مفاسدها الإجتماعية.

(١٧) الرحيق هو الشراب الخالص وخمر الجنّة ، والمختوم أي تكون رؤوس أوانيها مختومة بالمسك فلا يتغيّر طعمها بل تكون رائحتها برائحة المسك .. ويشهد له قوله تعالى : ( خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ ) (٢).

(١٨) أي يثيبه على الترك أو يذكره الله تعالى في الملأ الأعلى بأنّ عبدي لا يشرب الخمر.

(١٩) أي مثله في أنّه لا يعرف ربّه في الساعة التي يسكر فيها كما يأتي في نفس حديث الوصيّة هذه ، ومثله أيضاً في العقوبة العظمى ولهذا قرنها الله بعبادة الأصنام في قوله تعالى : ( إنَّمَا الْخَمْرُ والمَيْسِرُ والأَنصَابُ والأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ

__________________

١ ـ بحار الأنوار ، ج ٧١ ، ب ٦٠ ، ص ٨ ، ح ١١.

٢ ـ سورة المطفّفين ، الآية ٢٦.

١٨

يا علي ، شاربُ الخمرِ لا يقبل اللّهُ عزّوجلّ صلاتَه أربعينَ يوماً (٢٠) ، فإن ماتَ في الأربعينِ مات كافراً (*).

______________________________________________________

عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ ) (١) ، وأمّا في مقدار العقوبة فلا يستويان لأنّ الكافر مخلّد في النار دون الفاسق الشارب للخمر إلاّ بالمعنى الذي وجّهه الصدوق قدس‌سره يعني مستحلّ الخمر فيكون هكذا شارب للخمر كافراً كالوَثَني.

(٢٠) قال الشيخ البهائي ، لعلّ المراد بعدم القبول هنا عدم ترتّب الثواب عليها في تلك المدّة لا عدم إجزائها فإنّها مجزية إتّفاقاً وهو يؤيّد ما يستفاد من كلام السيّد المرتضى ، من أنّ قبول العبادة أمر مغاير للإجزاء ، فالعبادة المجزية هي المبرأة للذمّة المخرجة عن عهدة التكليف .. بينما العبادة المقبولة هي ما يترتّب عليها الثواب ، ولا تلازم بينهما ولا إتّحاد كما يُظن ، وممّا يدلّ على ذلك قوله تعالى : ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ المُتَّقِينَ ) (٢) ، كما نقله السيّد الشبّر (٣). ثمّ نقل عن العلاّمة المجلسي في توجيه كون عدم القبول في خصوص أربعين يوماً فقط إحتمال أن يكون بدن الإنسان على وجه يحصل التغيّر الكامل فيه بعد أربعين يوماً كالتغيّر من النطفة إلى العلقة وإلى سائر المراتب ، فالتغيّر عن الحالة التي حصلت في البدن من شرب الخمر إلى حالة اُخرى بحيث لا يبقى فيه أثر منها لا يكون إلاّ بعد مضيّ تلك المدّة ..

وذلك في حديث الصدوق في علل الشرائع ، باسناده عن الحسين بن خالد قال : قلت للرضا عليه‌السلام ، « إنّا روينا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ من شرب الخمر لم تحسب

__________________

* ـ قال الشيخ الصدوق رحمه‌الله ، يعني إذا كان مستحلاًّ لها.

١ ـ سورة المائدة ، الآية ٩٠.

٢ ـ سورة المائدة ، الآية ٢٧.

٣ ـ مصابيح الأنوار ، ج ٢ ، ص ٢٠٨.

١٩

يا علي ، كلُّ مسكر حرامٌ ، وما أسكر كثيرُه فالجرعةُ منه حرام (٢١).

يا علي ، جُعِلَت الذنوبُ كلُّها في بيت ، وجُعِلَ مفتاحُها شُربُ الخمر (٢٢).

______________________________________________________

صلاته أربعين صباحاً فقال : صدقوا ، فقلت ، وكيف لا تحسب صلاته أربعين صباحاً لا أقلّ من ذلك ولا أكثر؟ قال : لأنّ الله تعالى قدّر خلق الإنسان فصيّر النطفة أربعين يوماً ، ثمّ نقلها فصيّرها علقة أربعين يوماً ، ثمّ نقلها فصيّرها مضغة أربعين يوماً ، وهكذا إذا شرب الخمر بقيت في حشاشته على قدر ما خلق منه ، وكذلك يجتمع غذاؤه وأكله وشربه تبقى في حشاشته أربعين يوماً » (١).

(٢١) وتحريم الخمر موضع وفاق بين المسلمين وهو من ضروريّات الدين ، والمعتبر في التحريم إسكار كثيرها فيحرم قليلها أيضاً ، وحرمتها ثابتة في جميع الأديان كما يدلّ عليه حديث أبي بصير ، عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال : « ما زالت الخمر في علم الله وعند الله حرام ، وإنّه لا يبعث الله نبيّاً ولا يرسل رسولا إلاّ ويجعل في شريعته تحريم الخمر ... » (٢).

(٢٢) فإنّ شرب الخمر يفتح الباب إلى كلّ شرّ وذنب ، وفي الفقه الرضوي ، « وإنّ الله تعالى حرّم الخمر لما فيها من الفساد ، وبطلان العقول في الحقائق ، وذهاب الحياء من الوجه ، وأنّ الرجل إذا سكر فربما وقع على اُمّه أو قتل النفس التي حرّم الله ، ويفسد أمواله ، ويذهب بالدين ، ويسيء المعاشرة ، ويوقع العربدة ، وهو يورث الداء الدفين » (٣).

__________________

١ ـ علل الشرائع ، ص ٣٤٥ ، ب ٥٢ ، ح ١.

٢ ـ بحار الأنوار ، ج ٦٦ ، ص ٤٨٨ ، ب ١ ، ح ٢٣.

٣ ـ الفقه الرضوي ، ص ٣٧.

٢٠