المناهج التفسيريّة في علوم القرآن

الشيخ جعفر السبحاني

المناهج التفسيريّة في علوم القرآن

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-357-485-7
الصفحات: ٢٦٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

هو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاتم النبيين ، فلم يبق بعدَ الحجّ من دعائم الإسلام غير الجهاد ، وهو مثل سابع الأئمّة ، الذي يكون سابع اسبوعهم الأخير ، الذي هو صاحب القيامة. (١)

مع الشهرستاني في كتابه « مفاتيح الأسرار »

الرأي السائد في مذهب الشهرستاني ( ٤٦٧ ـ ٥٤٨ هـ ) هو انّه سنّي أشعري يدافع عن السنّة على ضوء المذهب الأشعري ، وقد قمنا بترجمة حياته في موسوعتنا « بحوث في الملل والنحل » على ضوء تأليفاته لا سيما كتابه المشهور « الملل والنحل » غير انّا وقفنا على كتابه في تفسير القرآن الكريم أسماه « مفاتيح الأسرار ومصابيح الأبرار » الذي طبع عام ١٤٠٩ هـ في طهران على نسخة وحيدة منه في مكتبة مجلس الشورى الإسلامي. وقد تصفّحنا بعض فصوله ووقفنا على أنّه إسماعيلي يتستر بغطاء التسنّن ، ولكنّه إسماعيلي غير متطرف فيأخذ بظواهر القرآن وفي الوقت نفسه يطلب له تأويلاً ينسجم مع الفكر الإسماعيلي.

يقول في مقدّمته : لقد كانت الصحابة ( رضي الله عنهم ) متّفقين على أنّ علم القرآن مخصوص بأهل البيت عليهم‌السلام ، إذ كانوا يسألون علي بن أبي طالب عليه‌السلام هل خصصتم أهل البيت دوننا بشيء سوى القرآن ؟ وكان يقول : « لا ، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلّا بما في قراب سيفي هذا ».

فاستثناء القرآن بالتخصيص دليل على إجماعهم بأنّ القرآن وعلمه ، تنزيله ، وتأويله مخصوص بهم ، ولقد كان حبر الأُمّة عبد الله بن عباس ( رضي الله عنه ) مصدر تفسير جميع المفسرين ، وقد دعا له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن قال : « اللّهمّ فقّهه في الدين ، وعلّمه التأويل » فتلمّذ لعلي عليه‌السلام حتى فقّهه في الدين وعلَّمه التأويل.

______________________

١. تأويل الدعائم : ١ / ٥١ ـ ٥٢.

١٢١
 &

ولقد كنت على حداثة سنّي أسمع تفسير القرآن من مشايخي سماعاً مجرداً حتى وُفقْتُ ، فعلّقته على أُستاذي ناصر السنّة أبي القاسم سلمان بن ناصر الأنصاري ( رضي الله عنهما ) تلقفاً ( كذا ).

ثمّ أطلعتني مطالعات كلمات شريفة عن أهل البيت وأوليائهم ( رضي الله عنهم ) على أسرار دفينة وأُصول متينة في علم القرآن ، وناداني من هو في شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة الطيبة ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (١) ، فطلبت الصادقين طلبَ العاشقين ، فوجدت عبداً من عباد الله الصالحين كما طلب موسى عليه‌السلام مع فتاه ( فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ) (٢) ، فتعلّمت منه مناهج الخلق والأمر ، ومدارج التضاد والترتيب ، ووجهي العموم والخصوص ، وحكمي المفروغ والمستأنف ، فشبعت من هذا المِعَا الواحد ، دون الامعاء التي هي مآكل الضُّلّال ومداخل الجُهّال ، وارتويت من شرب التسليم بكأس ، كان مزاجه من تسنيم فاهتديت إلى لسان القرآن : نظمه ، وترتيبه ، وبلاغته وجزالته ، وفصاحته ، وبراعته.

ثمّ إنّه بعد ما يشير إلى أنّ القرآن بحر لا يدرك غوره ، ولا يدرك ساحله ، والسباحة في هذا البحر كان مقروناً بالخطر ، يقول : فوجدت الحبر العالم فاتّبعته على أن يعلِّمني ممّا عُلّم رُشداً ، وآنست ناراً ، فوجدت على النار هدىٰ فنقلت القراءة والنحو واللغة ، والتفسير ، والمعاني من أصحابها على ما أوردوه في الكتب نقلاً صحيحاً ، من غير تصرّف فيها بزيادة أو نقصان ، سوى تفسير مجمل ، أو تقصير مطوّل ، وعقّبتُ كل آية بما سمعت فيها من الأسرار ، وتوسمتها من إشارات الأبرار ، ولقد مرّ على الخوض فيها فصول في علم القرآن هي مفاتيح العرفان ، وقد

______________________

١. التوبة : ١١٩.

٢. الكهف : ٦٥.

١٢٢
 &

بلغت اثنا عشر فصلاً ، قد خلت عنها سائر التفاسير وسمّيت التفسير بـ « مفاتيح الأسرار ومصابيح الأبرار » واستعيذ بالله السميع العليم من القول فيها برأي واستبداد دون رواية واسناد ، والخوض في أسرارها ومعانيها جزافاً وإسرافاً دون العرض على ميزان الحقّ والباطل ، وإقامة الوزن بالقسط وتقرير الحقّ وتزييف الرأي المقابل له. (١)

ثمّ إنّه ذكر في الفصل الثامن معنى التفسير والتأويل وبما انّ لأكثر كلامه مسحة من الحق نأتي به.

يقول : ثمّ التأويل المذكور في القرآن علىٰ أقسام :

منها : تأويل الرؤيا بمعنى التعبير ( هـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ ). (٢)

ومنها : تأويل الأحاديث ( وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ). (٣)

ومنها : تأويل الأفعال ( ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ). (٤)

ومنها : الرد إلى العاقبة والمال : ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ ). (٥)

ومنها : الرد إلى الله والرسول ( فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ). (٦)

ومنها : تأويل المتشابهات ( فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ). (٧)

وفي القرآن أحكام المفروغ ، وأحكام المستأنف ، وأحكام متقابلات على

______________________

١. مفاتيح الأسرار : ١ / ٢.

٢. يوسف : ١٠٠.

٣. يوسف : ٦.

٤. الكهف : ٨٢.

٥. الأعراف : ٥٣.

٦. النساء : ٥٩.

٧. آل عمران : ٧.

١٢٣
 &

التضاد ، وأحكام متفاصلات على الترتب ، فرؤية المستأنف هو الظاهر والتنزيل والتفسير ، ورؤية حكم المفروغ هو الباطن والتأويل والمعنى والحقيقة ( وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) (١). (٢)

فهذا المقطع من كلامه يبيّن موقفه من تأويل القرآن ، فالأسرار التي يودعها في تفسيره إن كان مستنداً إلى نص معتبر فهو مقبول ، وإلّا فيرجع إلى التفسير بالرأي. ومن أراد أن يقف على منهج تفسيره وتأويله ، فلينظر إلى تفسير قوله سبحانه ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) (٣) فلاحظ ص ١١٧ ـ ١٢١ من التفسير المذكور. (٤)

______________________

١. آل عمران : ٧.

٢. مفاتيح الأسرار ومصابيح الأبرار : ١ / ١٩.

٣. البقرة : ٣٤.

٤. ونرفع آية الاعتذار إلى القرّاء الأعزاء لإطناب الكلام فيه ، وما ذلك إلّا نتيجة الغموض الذي كان يكتنف بعض جوانب سيرة المؤلف ، حتى وقفنا على تفسيره فاطّلعنا على جانب من حياته ومذهبه الّذي كان مكتوماً حقبة طويلة من الزمن ، وإن كان في بعض الكلمات التي نقلناها في كتاب الملل والنحل إشارة إليه.

١٢٤
 &

المنهج الأوّل

٦

التفسير حسب تأويلات الصوفية

التفسير الصوفي قد تأثر إلى حد كبير بأفكار الباطنية ، واستخدم القرآن في تعقيب هدف خاص وهو دعم الأُسس العرفانية والفلسفية ، وفي الحقيقة انّهم لم يخدموا القرآن الكريم بشيء وانّما خدموا آرائهم وأفكارهم من خلال تطبيق الآيات على آرائهم.

فالتفسير الصوفي شعبة من شعب التفسير الباطني في قالب معين كما أشرنا إليه.

وهو ينقسم إلى : تفسير نظري ، وفيضي.

أمّا الأوّل ، فهو التفسير المبني على أُصول فلسفية ورثوها من أصحابها ، فحاولوا تحميل نظرياتهم على القرآن الكريم.

وأمّا التفسير الفيضي ، فهو تأويل الآيات على خلاف ما يظهر منها بمقتضى إشارات رمزية تظهر لأرباب السلوك من غير دعم بحجة أو برهان.

وبعبارة أُخرى : التفسير الفيضي يرتكز على رياضة روحية يأخذ بها الصوفي نفسه حتى يصل بها إلى درجة تنهل على قلبه من سحب الغيب ما تحمله الآيات من المعارف الإلهية.

١٢٥
 &

وعلى كلّ تقدير فتفاسيرهم من غير فرق بين النظري والفيضي مبنية على حمل القرآن على ما يعتقدون به من الأُصول والقواعد من دون حجة وبرهان.

وها نحن نذكر شيئاً من تفاسيرهم :

١. تفسير التستري

ولعلّ أوّل تفسير ظهر هو تفسير أبي محمد سهل بن عبد الله التستري ( ٢٠٠ ـ ٢٨٣ هـ ) وقد طبع بمطبعة السعادة بمصر عام ١٩٠٨ هـ ، جمعه أبو بكر محمد بن أحمد البلدي ، فهو يفسر البسملة بالشكل التالي :

أ. الباء : بهاء الله ، والسين : سناء الله ، والميم : مجد الله ، والله : هو الاسم الأعظم الذي حوى الأسماء كلها ، وبين الألف واللام منه حرف مكنّى ، غيب من غيب إلى غيب ، وسر من سر إلى سر. (١)

ب. من ذلك ما ذكره في تفسير الآية ( وَلَا تَقْرَبَا هـٰذِهِ الشَّجَرَةَ ) (٢) لم يرد الله معنى الأكل في الحقيقة ، وإنّما أراد معنى مساكنة الهمة لشيء هو غيره أي لا تهتم بشيء هو غيري ، قال : فآدم عليه‌السلام لم يعصم من الهمة والفعل في الجنة ، فلحقه ما لحقه من أجل ذلك ، قال : وكذلك كلّ من ادّعى ما ليس له وساكنه قلبه ناظراً إلى هوى نفسه ، لحقه الترك من الله مع ما جبلت عليه نفسه ، إلّا أن يرحمه الله فيعصمه من تدبيره وينصره على عدوه وعليها. (٣)

ج. ومنها ما ذكره في تفسير الآية ٩٦ من سورة آل عمران : ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ ... ) أوّل بيت وضع للناس بيت الله عزّ وجلّ بمكة ، هذا هو الظاهر ، وباطنها الرسول يؤمن به من أثبت الله في قلبه التوحيد من الناس. (٤)

______________________

١. تفسير التستري : ١٢.

٢. البقرة : ٣٥.

٣. تفسير التستري : ١٦ ـ ١٧.

٤. تفسير التستري : ٤.

١٢٦
 &

د. ومنها ما ذكره في تفسير الآية ٣٦ من سورة النساء ( وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ ... ) : وأمّا باطنها ، فالجار ذي القربى هو القلب ، والجار الجنب : هو الطبيعة ، والصاحب بالجنب : هو العقل المقتدى بالشريعة ، وابن السبيل هو الجوارح المطيعة لله. (١)

٢. حقائق التفسير للسلمي

إنّ ثاني تفاسير الصوفية التي ظهرت إلى الوجود ، هو تفسير أبي عبد الرحمن السلمي ( ٣٣٠ ـ ٤١٢ هـ ) المسمّى بـ « حقائق التفسير » وكان شيخ الصوفية ورائدهم بخراسان ، وله اليد الطولىٰ في التصوّف.

أ. قال في تفسير الآية ( وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ ). (٢)

قال محمد بن الفضل : اقتلوا أنفسكم بمخالفة هواها ، أو اخرجوا من دياركم ، أي أخرجوا حب الدنيا من قلوبكم ما فعلوه إلّا قليل منهم في العدد ، كثير في المعاني ، وهم أهل التوفيق والولايات الصادقة. (٣)

ب. وفي سورة الرعد عند قوله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ ). (٤)

يقول : قال بعضهم : هو الذي بسط الأرض ، وجعل فيها أوتاداً من أوليائه وسادة من عبيده فإليهم الملجأ وبهم النجاة ، فمن ضرب في الأرض يقصدهم فاز ونجا ، ومن كان بغيته لغيرهم خاب وخسر. (٥)

______________________

١. تفسير التستري : ٤٥.

٢. النساء : ٦٦.

٣. تفسير السلمي : ٤٩.

٤. الرعد : ٣.

٥. تفسير السلمي : ١٣٨.

١٢٧
 &

ج. وفي سورة الحجّ عند قوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً ).(١)

يقول : قال بعضهم : أنزل مياه الرحمة من سحائب القربة وفتح إلى قلوب عباده عيوناً من ماء الرحمة ، فأنبتت فاخضرّت بزينة المعرفة ، وأثمرت الإيمان ، وأينعت التوحيد ، أضاءت بالمحبة فهامت إلى سيّدها ، واشتاقت إلى ربها فطارت بهمتها ، وأناخت بين يديه ، وعكفت فأقبلت عليه ، وانقطعت عن الأكوان أجمع. ذاك آواها الحق إليه ، وفتح لها خزائن أنواره ، وأطلق لها الخيرة في بساتين الأنس ، ورياض الشوق والقدس. (٢)

د. وفي سورة الرحمن عند قوله تعالى : ( فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ ) (٣) يقول : قال جعفر : جعل الحقّ تعالى في قلوب أوليائه رياض أنسه ، فغرس فيها أشجار المعرفة أُصولها ثابتة في أسرارهم ، وفروعها قائمة بالحضرة في المشهد ، فهم يجنون ثمار الأنس في كلّ أوان ، وهو قوله تعالى : ( فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ ) أي ذات الألوان ، كلّ يجتني منه لوناً على قدر سعته ، وما كوشف له من بوادي المعرفة وآثار الولاية. (٤)

وها هنا كتب أُخرى أُلّفت على هذا الغرار نظير :

٣. لطائف الإشارات

لأبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري النيسابوري ( ٣٧٦ ـ ٤٦٥ هـ ).

______________________

١. الحج : ٦٣.

٢. تفسير السلمي : ٢١٢.

٣. الرحمن : ١١.

٤. تفسير السلمي : ٣٤٤.

١٢٨
 &

٤. تفسير الخواجه

لعبد الله الأنصاري ( المتوفّى ٤٨٠ هـ ).

٥. كشف الأسرار وعدّة الأبرار

لأبي الفضل رشيد الدين الميبدي ، وهو بسط وتوضيح لمباني تفسير الخواجه عبد الله الأنصاري.

٦. تفسير ابن عربي

هو لأبي بكر محيي الدين محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله الحاتمي الطائي الأندلسي المعروف بابن عربي ( ٥٦٠ ـ ٦٣٨ هـ ).

يقول في تفسير الآية ١٩ ـ ٢٠ من سورة الرحمن : ( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ ) بأنّ مرج البحرين هو بحر الهيولى الجسمانية الذي هو الملح الأُجاج ، وبحر الروح المجرد هو العذب الفرات ، يلتقيان في الموجود الإنساني ، وإنّ بين الهيولى الجسمانية والروح المجردة ، برزخ هو النفس الحيوانية التي ليست في صفاء الروح المجردة ولطافتها ، ولا في كثرة الأجساد الهيولائية وكثافتها ، ولكن مع ذلك لا يبغيان ، أي لا يتجاوز أحدهما حدّه فيغلب على الآخر بخاصيته ، فلا الروح المجردة تجرد البدن وتخرج به وتجعله من جنسه ، ولا البدن يجسد الروح ويجعله مادياً (١).

٧. عرائس البيان في حقائق القرآن

لأبي محمد روزبهان بن أبي نصر البقلي الشيرازي ( المتوفّى ٦٦٦ هـ ).

______________________

١. تفسير ابن عربي : ٢ / ٢٨٠.

١٢٩
 &

٨. التأويلات النجمية

لأبي بكر عبد الله الرازي المعروف بـ « داية » ( المتوفّى ٦٥٤ هـ ). إلى غير ذلك من التفاسير. (١)

وفي الختام نكتفي بما ذكره الذهبي حول هذه التفاسير ، وقال :

نحن لا ننكر على ابن عربي ان ثم أفهاماً يلقيها الله في قلوب أصفيائه وأحبائه ، ويخصّهم بها دون غيرهم ، على تفاوت بينهم في ذلك بمقدار ما بينهم من تفاوت في درجات السلوك ومراتب الوصول ، كما لا ننكر عليه أن تكون هذه الأفهام تفسيراً للقرآن وبياناً لمراد الله من كلامه ، ولكن بشرط : أن تكون هذه الأفهام يمكن أن تدخل تحت مدلول اللفظ العربي القرآني ، وأن يكون لها شاهد شرعي يؤيدها ، أمّا أن تكون هذه الأفهام خارجة عن مدلول اللفظ القرآني وليس لها من الشرع ما يؤيدها فذلك ما لا يمكن أن نقبله على أنّه تفسير للآية وبيان لمراد الله تعالى ، لأنّ القرآن عربي قبل كلّ شيء كما قلنا ، والله سبحانه وتعالى يقول في شأنه : ( كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) (٢) وحاشا لله أن يلغز في آياته أو يعمى على عباده طريق النظر في كتابه ، وهو يقول : ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) (٣). (٤)

التفسير الإشاري بين القبول والرفض

هناك منهج اصطلحوا عليه بالتفسير الإشاري وهو نفس التفسير الصوفي ، وعرّفوه بأنّ نصوص القرآن محمولة على ظواهرها ومع ذلك ففيها إشارات خفية إلى

______________________

١. وقد صدرنا في تحرير هذا الموضوع عن كتاب التفسير والمفسرون ، للمحقّق الأُستاذ محمد هادي معرفة الّذي وافاه الأجل في أواخر عام ١٤٢٧ هـ.            ٢. فصلت : ٣.

٣. القمر : ١٧.

٤. التفسير والمفسرون : ٢ / ٣٧٤.

١٣٠
 &

دقائق تنكشف على أرباب السلوك ويمكن التطبيق بينها وبين الظواهر المرادة. (١)

وبعبارة أُخرى : ما يظهر من الآيات بمقتضى إشارات خفية تظهر لأرباب السلوك ويمكن التطبيق بينها وبين الظواهر المرادة.

وبعبارة ثالثة : القائل بالتفسير الإشاري لا ينكر كون الظاهر مراداً ، ولكن يقول بأنّ في هذه الظواهر ، إشارات إلى معان خفية تفهمه عدّة من أرباب السلوك وأولو العقل والنهى ، وبذاك يمتاز عن تفسير الباطنية فانّهم يرفضون كون الظواهر مرادة ويأخذون بالبواطن ، هذا هو حاصل التفسير الإشاري.

واستدلّ القائلون بالتفسير الإشاري بوجهين :

الأوّل : انّ القرآن يدعو إلى التدبّر والتفكّر فيه ، ومعنى ذلك هو انّ القرآن يحتوي على معانٍ وحقائق لا تدرك بالنظر الأُولى ، بل لا بدّ من التأمّل والتعمّق حتى يقف الإنسان على إشاراته ورموزه ، يقول سبحانه :

( فَمَالِ هـٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ). (٢)

وقوله تعالى : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ). (٣)

وقوله تعالى : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ). (٤)

فهذه الآيات تصف الكافرين بأنّهم لا يكادون يفقهون حديثاً لا يريد بذلك أنّهم لا يفهمون نفس الكلام ، لأنّ القوم كانوا عرباً والقرآن لم يخرج عن لغتهم فهم يفهمون ظاهره بلا شك ، وإنّما أراد بذلك أنّهم لا يفهمون مراده من الخطاب ، فحضّهم على أن يتدبّروا في آياته حتى يقفوا على مقصود الله ومراده ،

______________________

١. شرح العقائد النسفية لسعد الدين التفتازاني : ١٤٢.

٢. النساء : ٧٨.

٣. النساء : ٨٢.

٤. محمد : ٢٤.

١٣١
 &

وذلك هو الباطن الذي جهلوه ولم يصلوا إليه بعقولهم. (١)

يلاحظ عليه : أوّلاً : أنّ الاستدلال بهذه الآيات من الضعف بمكان ، فانّها تدعو إلى التدبّر في نفس المفاهيم المستفاد من ظاهر الآيات وكون القرآن عربياً ، وكون القوم عُرباً لا يكفي في فهم القرآن الكريم من دون التدبّر والإمعان ، فهل يكفي كون القوم عرباً في فهم مغزى قوله سبحانه :

( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (٢) ؟

أو في فهم قوله سبحانه : ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ) (٣) ؟

أو في فهم قوله سبحانه : ( وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـٰهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) (٤) ؟

فالدعوة إلى التدبّر لا يدلّ على أنّ للقرآن وراء ما تفيده ظواهره بطناً.

وثانياً : انّه يمكن أن يكون الأمر بالتدبّر هو تطبيق العمل على ما يفهمونه من القرآن ، فربّ ناصح يدلي بكلام فيه نصيحة الأهل والولد ، ولكنّهم إذا لم يطبقوا عملهم على قول ناصحهم ، يعود الناصح إليهم ، ويقول : لماذا لا تتدبّرون في كلامي ؟ لماذا لا تعقلون ؟ مشعراً بذلك أنّكم ما وصلتم إلى ما أدعوكم إليه وإلّا لتركتم أعمالكم القبيحة وصرتم عاملين بما أدعو إليه.

الثاني : ما دلّ من الروايات على أنّ للقرآن ظهراً وبطناً ، ظاهره حكم ، وباطنه علم ، ظاهره أنيق وباطنه عميق. (٥)

______________________

١. التفسير والمفسرون ، نقلاً عن الموافقات : ٣ / ٣٨٢ ـ ٣٨٣.

٢. الحديد : ٣.

٣. الأنبياء : ٢٢.

٤. المؤمنون : ٩١.

٥. الكافي : ٢ / ٥٩٨ الحديث ٢.

١٣٢
 &

يلاحظ عليه : أنّ ما روي عن النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّ للقرآن بطناً وظهراً فالحديث فيه ذو شجون ، وسيوافيك الكلام فيه في خاتمة الكتاب وأنّه يحتمل وجوهاً على نحو مانعة الخلو :

١. المقصود من البطن هو أنّ ما ورد في القرآن حول الأقوام والأُمم من القصص ، وما أصابهم من النعم والنقم ، لا ينحصر على أُولئك الأقوام ، بل هؤلاء مظاهر لكلامه سبحانه وهو يعم غيرهم ممّن يأتون في الأجيال فقوله سبحانه : ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ) (١) وإن كان وارداً في قوم خاص ، لكنّها قاعدة كلية مضروبة على الأُمم جمعاء.

٢. المراد من بطـن القرآن هو الاهتـداء إلى المصاديـق الخفيـة التي يحتاج الوصول إليها إلى التدبّر ، أو تنصيص من الإمام ، ولأجل ذلك نرى أنّ علياً عليه‌السلام يقول في تفسير قوله سبحانه : ( وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ ) (٢) : « إنّه ما قوتل أهلها منذ نزلت حتى اليوم ».

وفي رواية أُخرى قال علي عليه‌السلام : « عذرني الله من طلحة والزبير بايعاني طائعين ، غير مكرهين ، ثم نكثا بيعتي من غير حدث أحدثته » ثم تلا هذه الآية (٣). وسيوافيك الكلام فيه عند البحث في التأويل مقابل التنزيل.

٣. وهناك احتمال ثالث للبطن ، وهو حمل الآية على مراتب مفهومها وسعة

______________________

١. النحل : ١١٢ ـ ١١٣.

٢. التوبة : ١٢.

٣. البرهان في تفسير القرآن : ١ / ١٠٥.

١٣٣
 &

معناها واختلاف الناس في الاستفادة منها حسب استعداداتهم وقابلياتهم ، لاحظ قوله سبحانه : ( أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ ). (١)

إنّ للآية مراتب ودرجات من التفسير كل يستفيد منها حسب قابليته والكل يستمد من الظاهر ، ونظيرها آية النور. (٢) فقد خاض المفسرون في تفسير الآية وتطبيقها على موارد مختلفة وكل استفاد من نورها حسب مؤهّلاته وكفاءاته.

وحاصل القول في التفسير الإشاري : إنّ ما يفهمه المفسّر من المعاني الدقيقة إن كان لها صلة بالظاهر ، فهو مقبول ، سواء سمّي تفسيراً على حسب الظاهر أو تفسيراً إشارياً ؛ وعلى كل تقدير فالمفسّر على حجّة من ربّه في حمل الآية على ما أدرك ، وأمّا إذا كان مقطوع الصلة عن الظاهر ، المتبادر إلى الأذهان ، فلا يصح له حمل القرآن عليه إلّا إذا حصل له القطع بأنّه المراد ، وعندئذ يكون القطع حجّة له لا لغيره وإن كان مخالفاً للواقع ، ولإيضاح الحال نأتي بأمثلة :

يخاطب سبحانه أُمّ المسيح بقوله : ( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ). (٣)

فلو قال أحد : إنّه سبحانه هيّأ مقدّمات الولادة ومؤخّراتها لأُمّ المسيح ، حتى الرطب في غير فصله من الشجرة اليابسة ، ومع ذلك أمرها أن تهُزَّ بجذع النخلة مع أنّ في وسع المولى سبحانه أن يرزقها الرطب بلا حاجة إلى الهز ، ـ أمرها

______________________

١. الرعد : ١٧.

٢. النور : ٣٥.

٣. مريم : ٢٥.

١٣٤
 &

بالهزّ ـ هذا لتفهيمها أنّها مسؤولة في حياتها عن معاشها ، وأنّه سبحانه لو هيّأ كل المقدّمات فلا تغني عن سعيها وحركتها ولو بالهز بجذع النخلة.

هذا ما ربما يعلق بذهن بعض المفسّرين ، ولا بأس به ، لأنّ له صلة بالظاهر.

روي أنّه بعدما نزل قوله سبحانه : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) (١) ، فرحَ الصحابة وبكى بعضهم فقال : الآية تنعي إلينا برحلة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

وكأنّه فهم الملازمة بين إكمال الدين ورحلة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

نعم هناك تفاسير باسم التفسير الإشاري لا يصح إسناده إلى الله سبحانه ، كتفسير « الم » بأنّ الألف إشارة إلى الله واللام إلى جبرئيل والميم إلى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّه أشبه بالتفسير بالرأي إلّا إذا كان هناك نصّ من المعصوم.

ولو صحّ هذا التفسير ، فيمكن تفسيره بوجوه كثيرة بأنّ يقال الألف إشارة إلى ألف الوحدانية ، واللام إلى لام اللطف ، والميم إشارة إلى الملك ، فمعنى الكلمة : من وحّدني تلطفت له فجزيته بالملك الأعلى.

وأسوأ من ذلك تفسير قوله سبحانه : ( وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) (٣) بأن يقال : ( وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ ) هو القلب ، ( وَالْجَارِ الْجُنُبِ ) هو الطبيعة ، ( وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ ) هو العقل المقتدي بالشريعة ، ( وَابْنِ السَّبِيلِ ) هو الجوارح المطيعة لله.

فمثل هذا النوع من التفسير يلتحق بتفاسير الباطنية التي مضى البحث فيها.

______________________

١. المائدة : ٣.

٢. روح المعاني للآلوسي : ٦ / ٦٠.

٣. النساء :٣٦.

١٣٥
 &

المناهج التفسيريّة

١٣٦
 &

المناهج التفسيريّة

١٣٧
 &

المناهج التفسيريّة

١٣٨
 &

المنهج الثاني

١

تفسير القرآن بالقرآن

إنّ هذا المنهج من أسمى المناهج الصحيحة الكافلة لتبيين المقصود من الآية ، كيف وقد قال سبحانه :

( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ). (١)

فإذا كان القرآن موضحاً لكل شيء ، فهو موضح لنفسه أيضاً ، كيف والقرآن كلّه « هدى » و « بيّنة » و « فرقان » و « نور » كما في قوله سبحانه :

( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ). (٢)

وقال سبحانه :

( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ). (٣)

وعن النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ القرآن يصدّق بعضه بعضاً ».

وقال علي عليه‌السلام في كلام له يصف فيه القرآن : « كتاب الله تبصرون به ، وتنطقون به ، وتسمعون به ، وينطق بعضه ببعض ، ويشهد بعضه على بعض ، ولا يختلف في الله ولا يخالف بمصاحبه عن الله » (٤).

وهذا نظير تفسير المطر الوارد في قوله سبحانه : ( وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ

______________________

١. النحل : ٨٩.

٢. البقرة : ١٨٥.

٣. النساء : ١٧٤.

٤. نهج البلاغة : الخطبة ١٢٩.

١٣٩
 &

مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ ) (١) بالحجارة الواردة في آية أُخرى في هذا الشأن قال : ( وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ ). (٢)

وفي الروايات المأثورة عن أهل البيت نماذج كثيرة من هذا المنهج يقف عليها المتتبع في الآثار الواردة عنهم عند الاستدلال بالآيات على كثير من الأحكام الشرعية الفرعية وغيرها.

وقد قام أحد الفضلاء باستقصاء جميع هذا النوع من الأحاديث المتضمّنة لهذا النمط من التفسير.

ولنذكر بعض النماذج من هذا المنهج.

١. سأل زرارة ومحمد بن مسلم أبا جعفر عليه‌السلام عن وجوب القصر في الصلاة في السفر مع أنّه سبحانه يقول : ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ ) (٣) ولم يقل افعلوا ؟

فأجاب الإمام عليه‌السلام بقوله : « أو ليس قد قال الله عزّ وجلّ في الصفا والمروة : ( فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ) (٤) ألا ترون أنّ الطواف بهما واجب مفروض » (٥).

٢. روى المفيد في إرشاده : أنّ عمر أُتي بامرأة قد ولدت لستة أشهر فهمَّ برجمها فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : « إن خاصمتك بكتاب الله خصمتك ، إنّ الله تعالى يقول : ( وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ) (٦). ويقول : ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ). (٧)

______________________

١. الشعراء : ١٧٣.

٢. الحجر : ٧٤.

٣. الأحزاب : ٥.

٤. البقرة : ١٥٨.

٥. الوسائل : ٥ ، الباب ٢٢ من أبواب صلاة المسافر ، الحديث ٢.

٦. الأحقاف : ١٥.

٧. البقرة : ٢٣٣.

١٤٠