أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ١٠

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ١٠

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٠

هذا علي امير المؤمنين ومن

قد كان نورا بساق العرش قد سطعا

هذا علي أمير المؤمنين ومن

بالبيت شرفه الرحمن قد وضعا

هذا علي أمير المؤمنين ومن

أقام دين الهدى بالسيف فارتفعا

هذا علي أمير المؤمنين ومن

غذاه خير الورى بالعلم فارتضعا

صلى عليه اله الخلق ما طلعت

شمس وما البدر في الآفاق قد سطعا

أجازه جماعة من العلماء الاعلام وحجج الاسلام باجازات حرروها بخطوطهم وهم :

١ ـ العالم الجليل السيد ابو تراب الخوانساري النجفي.

٢ ـ الحجة الكبير السيد حسن الصدر الكاظمي رحمه‌الله.

٣ ـ الشيخ الاجل الشيخ محسن الطهراني المعروف ب‍ اغا بزرك ولغيرهم من شيوخ الاجازات بحيث لو جمعت لكانت كتابا خاصا.

ومن مؤلفات المترجم له ( المجموعة الحسينية ) طبعت بالنجف ـ المطبعة الحيدرية ـ سنة ١٣٧٥ تحتوي على عدة رسائل فيها مجموعة فوائد في الاوراد والادعية والاختام واعمال الايام.

في ليلة الاثنين ١٣ شهر ذي القعد الحرام بات بصحة وعافية يزاول أعماله من كتابة وقراءة وحتى مضت خمس ساعات من الليل ثم اضطجع على فراشه وكانت ليلة ممطرة وفي الساعة الثامنة غروبية جعل سقف الغرفة يقطر ويسيل فأيقظه أهله لينتقل الى غيرها فقال : ان المطر ينزل من جانب آخر وليس قريبا مني وعند الصبح جاؤوا ليوقظوه فوجدوه قد قبضه الله اليه فجهزوه وشيعوه ودفن في مقبرة القديح وذلك يوم ١٤ ذي القعدة ١٣٨٧ ه‍ ١٩٦٧ م.

٢٢١

أحمد خيري بك

المتوفى ١٣٨٧

الاستاذ احمد خيري بك من علماء مصر ترجم له البحاثة السيد مرتضى الرضوي في كتابه ( مع رجال الفكر في القاهرة ). ولد في الاسكندرية عام ١٣٢٤ الموافق ١٩٠٧ م تلقى العلم بالمدارس الحكومية وعلى بعض الاعلام الافاضل. حفظ القرآن وأتم حفظه عام ١٣٥٢ ه‍ كان عالما بالعلوم الشرعية والحديث ، والفقه وعلم المصطلح والبلاغة واللغة والتأريخ وأصبح حجة فيها. له المام باللغات الحية : العربية والانجليزية والفرنسية والايطالية ، والتركية. وله صلات كثيرة مع جميع العلماء الاعلام في مختلف البلاد الاسلامية نظم في أهل البيت والامام الحسين عليه‌السلام وقصيدته التي طبعت بمطبعة السعادة وأولها يخاطب الحسين عليه‌السلام.

بجاهك يدنو الخير والخوف يبعد

وبابك للمكروب كهف ومقصد

وله مجموعة من المدائح الحسينية مطبوعة رأيتها في مكتبة الامام أمير المؤمنين بالنجف تسلسل ٤٤٩ ـ ٤٠.

توفي يوم الثلاثاء ٦ رجب ودفن يوم الاربعاء ٧ رجب عام ١٣٨٧ ه‍ الموافق ١٢ ـ ١٠ ـ ١٩٦٧ م ودفن في روضته في حديقته بجوار منزله تغمده الله برحماته. وصفه السيد الرضوي بالعالم الجليل

٢٢٢

والمحقق الخبير والمؤلف البارع والشاعر العبقري ، يوالي أهل البيت ويقدسهم وقال : زرته في روضته بدعوة منه فقابلني باللطف والبشاشة ثم تلا الوانا من شعره وخصوصا شعره في أهل البيت عليهم‌السلام ثم صنع لنا مأدبة مفصلة فتناولنا الطعام معه في داره العامرة بالروضة وكان طعاما كثيرا طيبا. وعصرا توجهنا بمعيته الى مكتبته العامرة في تلك الروضة وكانت تزيد على سبعة وعشرين الف مجلد ، وأطلعنا على نفائس المخطوطات والكتب التي كانت بخطه كما أن فضيلته اطلعنا على بعض الآثار والنوادر التي كانت تضمها المكتبة وبالوقت أهداني مجموعة من مؤلفاته وآثاره وقصائده كما أني اهديت له مجموعة من منشوراتنا.

٢٢٣

الشيخ محمد طه الحويزي

المتوفى ١٣٨٨

اثرها تخف بفرسانها

تدك الربى فوق غيطانها

وقدها عتاقا بآدابها

تصرفها لا بأرسانها

تكاد اذا ما ارتمت بالكماة

تنسل من بين سيقانها

وتغدو تسابق من عجبها

ظلال القنا بين آذانها

وتشأو بها الريح مجدولة

كأنها عزائم فرسانها

ويرمي بها النصر بيض الجباه

بين الجبال لعقبانها

تزف الى حلبات الوغى

زفيف الصقور لاوكانها

وتسطو بصيد اذا هاجها

ندى اسرجتها بقمصانها

كماة تكاد تشيم السيوف

بأجفانها لا بأجفانها

هلم بنا يا ابن ثاوي الطفوف

وسل من قضى فوق كثبانها

ومن وسدته تريب الجبين

من شيب فهر وشبانها

ألست المعد لاخذ الترات

وأخذ العداة بعدوانها

فحتام تغفي وكم تشتكي

اليك الظبى فرط هجرانها

اصبرا نويت بلى ام طويت

حشاك وحاشا بسلوانها

وهذي الشريعة تشكو اليك

عداها وتشريع اديانها

فبادر اغاثتها فهي قد

دعت منك محكم فرقانها

وصن حوزة الحق فالمبطلون

تبانوا على هدم بنيانها

وحط دوحة الدين فالملحدون

تنادوا على جذ اغصانها

٢٢٤

رموها بمعطش اعراقها

فجد بدماهم لعطشانها

لتصلح من شأنها بالحسام

اصلاح جدك من شانها

غداة ابن أم الردى أمها

يزجي الجياد بخلصانها

بكل شديد القوى لم يزل

يقاسي الطوى حب لقيانها

طليق المحيا كأن القنا

سقته الحميا بخرصانها

تتيه المذاكي بها في الوغى

وتطفي المواضي بأيمانها

لقد أرخصت للهدى انفسا

سوى الله يعيى بأثمانها

وقد أذعنت للردى خوف أن

يفوز ابن هند باذغانها

وشدت حبى الحرب كي لا تحل

حرب حباها بسلطانها

وغالت بنصر ابن بنت النبي

غلو الجفون بأنسانها

درت انه خير أو طارها

فباعت به خير أوطانها

نضتها عزائم لو افرغت

سيوفا لقدت بأجفانها

فجادت بأرواحها دونه

وظلت تقيه بأبدانها

تحي العوالي كأن قد حلى

بأكبادها طعن مرانها

وتبدي ابتساما لبيض الظبى

كان الظبى بعض ضيفانها

وزانت سماء الوغى سمرها

بشهب رجوما لشيطانها

وأبدت اهلة اعيادها

بنصر الهدى بيض ايمانها

وراحت تلي حينها في الوغى

كنشوى تلي الراح في حانها

فمالت نشاوى بسكر الردى

تخال الظبى بعض ندمانها

وغادرت السبط لا عذرة

مروع الحمى بعد فقدانها

فعاد يقاسي الاعادي بلا

ظهير له بين ظهرانها

يشد على جمعها مفردا

بماضي المضارب ظمآنها

ويسقي صحيفته عزمه

فيمحو صحيفة ميدانها

اذا هي صلت على هامها

تخر سجودا لاذقانها

فيحظى الغرار بأوغادها

ويحظى الفرار بشجعانها

ويخطف ابصارها برقه

ويرمي بها اثر الوانها

تكاد من الرعب أرواحها

تروع الجسوم بهجرانها

ولو لم يرد قربه ربه

لاردى الاعادي بأضغانها

ولكن قضى ان يرى ابن البتول

ثار ابن هند واخدانها

فأمسى وياتيه حرب على

نزار فريسة ذؤبانها

٢٢٥

فأشفت به ظغن طاغوتها

ونالت به ثار اوثانها

بنفسي صريعا نضت نفسه

للبس العلى ثوب جثمانها

بكته السماء ولو خيرت

به لافتدته بسكّانها

يوى بين صرعى برغم العلى

ثوت بعد تشييد اركانها

فأمست وقد غسلتها الدماء

تولى الصبا نسج أكفانها

فباتت تقيها حطيم القنا

على قفره بأس سرحانها

لقى فوق جرعائها قد أبت

لهم أن يروا تحت كثبانها

وهل كيف اسرار رب السماء

ثرى الارض يحظى بكتمانها

سل الطف عنها فمنها به

فجائع يشجى بتبيانها

فكم من حشا غادرتها القنا

على الطف نهلة ظمآنها

وكم من جبين جلته الظبى

فالقته قبسة عجلانها

وكم من فتاة دهتها العدى

ففرت تعج بفتيانها

تبدت حواسر تعدو الى

كريم النقيبة غيرانها

فوافته تكبو بأذيالها

وتكسو الوجوه بأردانها

وألفته في صرعة

البرايا سواه بأحزانها

جريح الجوارح غير القرى

قتيل العدى غير اقرانها

كأن الظبى وهي تهفو عليه

نار أطافت بقربانها

فأهوت عليه واحشاؤها

كأبياتها نهب نيرانها

تصعد أنفاسها والحشا

تصوب دموعا باجفانها

وتشرق طورا بأشجانها

وطورا تلضى بأشجانها

وتحثو التراب على أرؤس

ثواكل أمست بتيجانها

لحمل الفواطم عجف السرى

بأكوارها لا بأضعانها

تساق صوارخ ما بينها

تغني الحداة بألحانها

الشيخ محمد طه الحويزي

المتولد سنة ١٣١٧ ه‍ والمتوفى سنة ١٣٨٨ ه‍ في النجف الاشرف عشية الخميس سادس محرم الحرام ، دفن يوم الجمعة سابع محرم في مقبرتهم التي اقتطعت من دارهم بمحلة العمارة بالنجف وفي مجلة الاعتدال ان ولادته بالنجف حوالي سنة ١٣٢٠ وهو من اسرة عريقة بالعروبة وسلالة متخصصة بالعلم والادب وممتازة

٢٢٦

بالتقوى والصلاح. ترعرع في كنف أبيه الشيخ نصر الله الحويزي مضرب المثل في التقوى وعلو النفس ، فأحسن الاب تربية نجله الوحيد الذي كان يتوسم فيه النبوغ والنجابة والعبقرية الفياضة فقام بنفسه على تثقيفه واعداد مواهبه فأقرأه القرآن وعلمه قواعد الخط وأصول الاملاء وغرس في نفسه حب الفضيلة ثم درسه كثيرا من النحو والصرف والفقه.

تدرج على هذا المنوال وظهر بمظهر الاستاذ الذي تلتف حوله حلقات المبتدئين وجماعات المتعلمين يدرسهم باتقان ومهارة. بدأ هذا النجم يتألق في سماء العلم والادب وتفتحت قريحته الوقادة في صفحات الكون وهذه رائعته ( اشعاع النفس ) تدل على فلسفته وعبقريته وكل شعره على هذا المنوال ، وقد حباه الله جمال الخلقة والاخلاق وصباحة الوجه وطلاقة اللسان.

تخرج على مشاهير علماء عصره فقد قرأ جملة من كتب الاصول على العلامة الكبير الشيخ عبد الرسول الجواهري كما قرأ الفقه عليه وحضر في الحكمة والفلسفة على الحجة الشيخ محمد حسين الاصفهاني وكان من خواصه والمقربين عنده. سافر ومكث أعواما في ( الحويزة ) فكان فيها الزعيم المطاع والعالم المسموع الكلمة ويحسب في عداد ملاكيها وأعيان أهل العلم فيها ثم رجع للنجف بحلة التقوى والصلاح ، ثم كثر عليه الطلب بالعودة للحويزة فعاد اليها حتى وافاه الاجل فيها. كانت وفاته عشية الخميس سادس محرم ودفن يوم الجمعة سابع محرم في مقبرتهم الخاصة بهم وقد نعته دار الاذاعة في الاهواز ودار الاذاعة في بغداد وعقدت مجالس التعزية على روحه الطاهرة في سائر البلدان الاسلامية ولا يفوتنا أن نذكر انشودة الهيئة العلمية في النجف وهي تحف بالجثمان :

يا فقيدا فجع الدين به

واكتست أندية العلم حداد

رفعوا التقوى على جثمانه

وطووا في النعش أعلام الرشاد

٢٢٧

اشعاع النفس

بربك أرشفني ولو رشفة صرفا

لتوسعني سكرا فأوسعها وصفا

الم تدر ان الراح روح لطيفة

اذا امتزجت بالقلب زاد بها لطفا

فلا تخف في خبث العناصر لطفها

فها هي كادت من لطافتها تخفى

وهب أنها تصفي المزاج بمزجها

أليس بها صرفا يبيت الحجى أصفى

يقولون لي امزج قد ضعفت وما دروا

تضاعف عقلي مذ وهى جسدي ضعفا

مررت عليها وهي قطف بكرمها

فكدت حذار المزج اشربها قطفا

وما الخمر صرفا غير مارج جذوة

اذا صهرت روح به تبرها شفا

فلست أرى الساقي ظريفا كما ترى

اذا لم يغادرني لصهبائه ظرفا

ولست أراه للنديم كما ترى

وفيا اذا لم يسقني كأسه الاوفى

فليت فمي وقف بيمنى مديرها

كما لم يزل عقلي على كأسها وقفا

فمن صرفها املأ لي صحافا وأروني

تجدني لكم أروي بتوصيفها صحفا

فما هي الا قوة ان تكهربت

قواي بها زادت أشعتها ضعفا

تجلت على حسي فوحدت خمسه

وفي كل حس صرت قوته صرفا

فكم غادرتني مذ ترشفتها فما

ومذ أشرقت عينا ومذ طبقت أنفا

فأبصرتها من كل وجه وذقتها

فأصبحت لم يفضل أمامي بها الخلفا

وتحسبها في الكأس ماء وان جرت

بقلبي ذكت نارا أضاءت له الكهفا

فكم احرقت للغيب سجفا وأظهرت

حقائق غرا دونها ظاهر السجفا

تجلى على طور الطبيعة نورها

فدكته واستقصت جراثيمه نسفا

٢٢٨

فالقيت أطمار العناصر لابسا

لجلوتها من وشي سندسها شفا

هنالك فاسألني عن السر تلفني

نبيا حفيا يعلم السر أو أخفى

ولا تتهم خبري بسكري فذوا الحجى

اذا ما انتشى صاح ويقظان ان أغفى

فما سكرتي الا ابتهاجي بفكرتي

وما فكرتي الا مشاهدتي الالفا

وان حجبت عني الطبيعة غرة

من العلم سامت سكرتي حجبها لفا

واني لاستشفي بسكري اذا على

شفا جرف صحو الصحاة بهم أشفى

وليس كما ظن الغبي نديها

بمنتزه للشرب بل هو مستشفى

فيا صاح عش بالسكر فالسكر صحة

وما الصحو الا علة تنشئ الحتفا

فمن يصح لم يستوف لذة عيشه

بلى من توفته الطلى فقد استوفى

هلم معي واشرب بكأسي تجد بها

حياة ترى هذي الحياة لها منفى

تجد نشأة ضاءت وضاعت بقدسها

وما استصبحت شمسا ولا استصحبت عرفا

تجد نشأة لا يعوز العلم أهلها

وما زاولوا فيه خلافا ولا خلفا

تجد نشأة الغى القوى الخمس أهلها

رأو ووعوا لا سمع اصغوا ولا طرفا

تجد نشأة ليست تحيط بوصفها

لغات الورى طرا وان مازجت ظرفا

وهل يدرك الكمه الجمال بوصفه

بلى ان قضوا سكرا رأوا ما وعوا وصفا

ويا راكبي البحر اتقوه فقد طغى

هلموا اركبوا كأسي معي تبلغوا المرفا

ركبتم وتيار الطبيعة هائج

زوارق انقاضا نواتيها ضعفى

فما فلك نوح غير كأسي وما ابنه

سوى من بغى مأوى سواها فما ألفى

ويا سائلي المريخ عن حال أهله

بألسنة البرق التي أفصحت خطفا

ارى البرق غيظا قد ورى مذ رآك قد

سئلت وأحفيت الذي بك لا يحفى

هلموا الى كأسي فكاسي مجهر

يريكم من المريخ ما دق واستخفى

ومن لم يجد في مجهر عدسية

زجاجة كاسي لا يحاول به كشفا

ويا من بمنطاد القذائف ازمعوا

الى القمر المسرى فطارت بهم قذفا

أراكم سلكتم للمنى غير طرقها

فحتى المنى نادت على القوم والهفا

ولو سلكوا سبلي الى القمر ارتقوا

بمنطاد كاسي واتقوا ذلك العسفا

٢٢٩

فهلا اقتفوا اثري فآبوا برحلة

وخارطة كلتاهما أثر يقفى

ويا من بشهب الكهربا رجموا الدجى

فباتت تسر الجن حولهم العزفا

وزانت عروس الارض من كهربائهم

عقود لآل مذ كساها الدجى وحفا

وباتت لها ترنو السماء فتعتري

اترنو الى المرآة أم ضرة ذلفا

فما النور ما يجلو عن البصر الدجى

بل النورما ينضي عن البصر السجفا

ولو اترعوا من زيت كأسي كؤوسهم

لعادت مصابيحا تضيء ولا تطفى

ولو بسناه استصحبوا لتصفحوا

عليه كتاب الافق حرفا يلي حرفا

وكم من كتاب للطبيعة اهملوا

مغازيه واستطرفوا الخط والغلفا

ويا محضري الارواح من رقداتها

ومستنطقيها ليس يعفى من استعفى

حنانا بها لا تفزعوها فانها

لتحسبكم تلك الزبانية الغلفا

فان تك شاقتكم فمن كأسي اشربوا

تروا وتناجوا ذا الهوان وذا الزلفى

تروا تلكم الارواح كيف تناقلت

كساها فكل في قبا غيره التفا

تروا تلكم الاخلاق كيف تكونت

جزاءا وفاقا انصف الشهم والجلفا

تروا صور الاعمال كيف تنكرت

فعرف بدا نكرا ونكر بدا عرفا

تروا كيف أسرار القلوب تصورت

على مهجة زغفا وفي مهجة رضفا

تروا نية الانسان كيف تأولت

فأخفت لما أبدى وأبدت لما أخفى

تروا نية الانسان كيف تدينه

به وهو لا يستطيع نصرا ولا صرفا

تروا نية الانسان كيف تدينه

ولم تتقبل منه عدلا ولا صرفا

وللشيخ محمد طه الحويزي :

خليلي هذي كربلاء وهذه

قبور بني الزهراء فيها قفا نبكي

هلما نذيب الدمع مع ذائب الحشا

ونسقي به بوغاء هيلت على النسك

ألا فاذكرا ما حل فيها وما جرى

على عصبة التوحيد من عصبة الشرك

وقال :

بآل أحمد ارجو نيل أمنيتي

بحيث لا مرتجى يرجى سوى الباري

هم عدتي وعديدي والولاء لهم

كنز به افتدي نفسي من الباري

٢٣٠

الشيخ حسين الحولاوي

المتوفى ١٣٨٨

بوركت يا شعبان في الشهور

فيك تجلى نور وادي الطور

يا ثالث الايام من شعبان

ابشر لقد نلت عظيم الشان

عم السرور فيه بيت المصطفى

اتحفهم رب العلى ما أتحفا

فلتهن فاطم بما قد ولدت

فانها روح الوجود أوجدت

مولده ازدانت به الافلاك

واستبشرت بنوره الاملاك

وزينت لاجله الجنان

وأطفئت لنوره النيران

العالم الجليل والموجه الديني الشيخ حسين نجل العلامة الكبير الشيخ مشكور الحولاوي النجفي كان شخصية لامعة وقدوة في الاخلاق والورع والديانة ما طلع عليه الفجر وهو نائم وما ارتفع صوته طيلة حياته ولا قهقه في ضحكه مدة عمره يبدو عليه الجلال والوقار ، وحديثه كاللؤلؤ المنظوم وكله ارشاد ونصائح وكانت سيرة أبيه الحجة الشيخ مشكور على نموذج عال من التقوى والفتى سر ابيه.

ولد الشيخ حسين في شهر رجب سنة ١٣١٣ ه‍ في النجف الاشرف ونشأ في حجر العلم والتقى ودرس العلوم العربية والمنطق وشرع في

٢٣١

الاصول وهو ابن ثلاث عشرة سنة ودرس على المرحوم آية الله السيد عبد الهادي الشيرازي ( كفاية الاصول ) كما درس كتاب ( الرياض ) و ( المكاسب ) وفرغ من السطوح وحضر بحث الشيخ ضياء العراقي في الفقه والاصول ، وكان جده العالم الباحث الشيخ محمد جواد الحولاوي يتعاهده ويختبر معلوماته وسير دراسته واشتغل بالتدريس برهة من الزمن وذلك في حياة ابيه المقدس واستقل باقامة امامة الصلاة بتاريخ ١٣٥٣ ه‍ لمدة ٣٥ سنة يقيم امامة الجماعة صبحا وظهرا ومغربا وهومحل ثقة الجماهير واطمئنان الطبقات المؤمنة مضافا الى دروسه وتدريسه فكتب تعليقة على المكاسب كما كتب تقرير بحث الشيخ اغا ضياء وتعليقة على العروة الوثقى للمرحوم السيد محمد كاظم اليزدي وكتب رسالة في حديث : من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها الى يوم القيامة ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة ونظم ارجوزة في الزكاة وارجوزة في ميلاد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأرجوزة في الصديقة فاطمة الزهراء والامام أمير المؤمنين والحسن والحسين والائمة من أهل البيت صلوات الله عليهم أما أرجوزته في حادثة كربلاء فهي أوسع أراجيزه وكان يعقد مجلسا في داره عندما تمر ذكرى أحد المعصومين ونجتمع من سائر الطبقات ممن يرتاحون الى سماع أرجوزته بهذه المناسبة اذ كان يتحرى نظم الصحيح من سيرته وكان له دور مهم في الثورة العراقية بل في كل الامور الدينية ، فان ذلك الشخص الهادئ الوادع تراه كالاسد الهصور عندما يمس تراث محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فيغضب غضبة الاسد الهصور فلا يصبر على التهاون بالدين والتسامح في الشرع المبين ولقد دعى جماعة من كبار العلماء الى مقاطعة الذين يتزيون بزي العلماء الروحانيين ويتلبسون بلباسهم وليس منهم وقام بعقد مجلس خاص اسبوعي للتذاكر في واجبات العلماء ومن هذا المجلس انبثقت فكرة تفسير القرآن فقام المجتهد الكبير الشيخ محمد جواد البلاغي بتأليف ( آلاء الرحمن في تفسير القرآن ) وفكرة ( جماعة العلماء ).

ودع الحياة في السابع من ربيع الاول سنة ١٣٨٨ ه‍ وهو في ال‍ ٧٥

٢٣٢

من العمر فكان يوما مشهودا في النجف وزحفت الناس أفواجا لتشييعه ودفن بمقبرة جده في الصحن الشريف وقد أرخت وفاته.

أودى حسين فنعاه الهدى

والعلم يذري مدمعا صيبا

وحينما ألحد في قبره

أرخت عن محرابه غيبا

٢٣٣

محمد الخليلي

المتوفى ١٣٨٨

ان كنت تحزن لادكار قتيل

فاحزن لذكرى مسلم بن عقيل

واجزع لنازلة بخير مفضل

أبكى عيون الفضل والتنزيل

واندب قتيلا ما انجلى ليلى الوغى

أبدا له عن مشبه وبديل

هو ليث غالب مسلم من أسلمت

مهج العدى لفرنده المصقول

شهم تحدر من سلالة هاشم

خير البيوت على وخير قبيل

متفرعا من دوحة مضرية

تنمى لاصل في الفخار أصيل

* * *

أم العراق مبلغا برسالة

أكرم بمرسله وبالمرسول

وأتى الى كوفان ينقذ أمة

طلبت اغاثتهم على تعجيل

فاكتض مسجدها بهم وعلت به

أصواتهم بالحمد والتهليل

وتقاطروا مثل الفراش تهافتا

طلبا لبيعته على التنزيل

يفدونه بنفيسهم والنفس لا

يبغون دون رضاه أي بديل

باتوا وبات مؤملا للنصر من

أشياخهم يا خيبة المأمول

لكنهم ما أصبحوا حتى غدا

في مصرهم لا يهتدي لسبيل

خذلوه اذ عدلوا الى ابن سمية

واستبدلوا الارشاد بالتضليل

وتجمعوا لقتاله من بعدما

عرفوه للارشاد خير دليل

وأتوه منفردا بمنزل طوعة

وقلوبهم تغلي بنار ذحول

فغدا يفرق جمعهم ويفرق الابطال

في عزم له مسلول

يلقى الكماء بعزمة مضرية

اجمالها يغني عن التفصيل

٢٣٤

ان صال أرجعهم على اعقابهم

في بطش ليث في الزحام صؤول

حتى اذا كض الظما أحشاءه

وغدت دماه تسيل كل مسيل

وافوه غدرا بالامان وخدعة

منهم فلم يخضع خضوع ذليل

لكنهم حفروا الحفيرة غيلة

فهوى بها كالليث جنب الغيل

وأتوا به قصر الامارة مثخنا

بجراحه ومقيدا بكبول

فغدا يقارعه الزنيم عداوة

ويغيظه سبا بأقبح قيل

ودعا ابن حمران به ولسانه

لهج بذكر الله والتهليل

فأبان رأسا كان يرفعه الابا

عن جسم خير مزمل مقتول

ورماه من أعلى البناء الى الثرى

كالطود اذ يهوي لبطن رمول

فقضى شهيدا في مواطن غربة

متضرجا بنجيعه المطلول

الاستاذ محمد الخليلي ابن الشيخ صادق بن الباقر بن الخليل الطبيب ولد في النجف سن ١٣١٨ ونشأ فيها في حجر والده فغذاه بروح الاخلاق ، درس المقدمات من النحو والصرف والمعاني والبيان والادب على أفاضل عصره ثم دخل المدرسة الاهلية العلوية حتى حصل على شهادة الصف الثالث الاعدادي المعادل للصف الخامس الثانوي ـ اليوم ـ ثم درس الطب على والده وتخرج على يده ثم سافر الى بغداد فحضر في الطب على بعض الدكاترة الشهيرين هناك كالدكتور عبد الرحمن المقيد وغيره لمدة سنتين ثم على الدكتور الايراني المعروف ب‍ ( وثوق الحكماء ) خريج باريس وحضر قليلا على الطبيب المعروف بمسيح الاطباء في النجف حتى برع في الطب ففتح عيادته أولا بالكوفة لمدة عشر سنين ثم رجع للنجف بعد وفاة والده فكانت عيادته تغص بالمراجعين والذي حببه للناس حسن أخلاقه ولين جانبه وعذوبة لسانه. انتهى ما كتبه عنه الكاتب محبوبة في ماضي النجف. وفي عقيدتي ان الميرزا محمد هو اديب أكثر منه طبيب فهو شاعر ناثر ، اريحي الطبع خفيف الروح لطيف العبارة حاضر النكتة ذو فهم وذكاء اذا نظم أجاد واذا كتب أفاد ، له مطارحات ومساجلات مع الادباء وتشهد له جريدة الهاتف ، فقد كتب الاستاذ جعفر الخليلي سلمه الله ( عندما كنت قاضيا ) وجاء المترجم له فنظم ذلك في

٢٣٥

أرجوزة في مطولة أبدع في التصوير وأجاد في التعبير ، ومن مؤلفاته ( معجم أدباء الاطباء ) طبع منه جزءان ، وله رسالة طب الصادق عليه‌السلام ودليل الطبيب في الطب وكتاب في الصحة وكتاب أوصاف الاشراف مترجم عن الاصل الفارسي للحكيم الفيلسوف الخواجة نصير الدين الطوسي رحمه‌الله وكتاب المغريات العشر في العادات الذميمة وكتاب الانسان والمدنية مترجم ومنظومة في الطب اليوناني.

وافاه الاجل في النجف يوم السبت ٨ ـ ٦ ـ ١٩٦٨ المصادف ١٣٨٨ له ديوان مخطوط فيه ألوان من الشعر ومختلف فنونه وفيه قصيدة في ابي الفضل العباس ابن أمير المؤمنين واخرى في علي الاكبر ابن الحسين عليه‌السلام.

٢٣٦

الشيخ كاتب الطريحي

المتوفى ١٣٨٨

صبا للحمى والخيف قلبي المعذب

فها أنا في جمر الغضا اتقلب

فكم لامني فيمن هويت عواذلي

فقلت دعوني فالهوى لي مذهب

ألا لا تلوموا من تعلق قلبه

بمن قد هوى فالحب للعقل يسلب

غداة بسفح الخيف بت وللاسى

بقلبي نيران الجوى تتلهب

فيا ليلة قد بت فيها ولم أجد

مجيبا سوى دمع على الخد يسكب

تعلمت الورق البكا من صبابتي

فباتت تنوح الليل مثلي وتنحب

فبتنا كلانا دأبنا النوح والاسى

سوى أنها للالف تبكي وتندب

وان بكائي للذي سار ضحوة

بأقمار تم في ثرى الطف غيبوا

غداة أتى ارض العراق بصفوة

عليها من الحرب المثارة مضرب

وأخرى وقد خانته غدرا واقبلت

تجر جموعا بالهداية تنصب

فجال بها في غلمة أي غلمة

اسود وغى بالكر تطفو وترسب

الى أن قضوا دون ابن احمد ضحوة

على عطش منهم وبالارض تربوا

وأصبح في جمع العدى فرد دهره

فريدا ومنه القلب بالوجد يلهب

بموقفه أحيا مواقف حيدر

بيوم به الامثال للحشر تضرب

ومذ شاقه الرحمن خر لوجهه

صريعا على البوغاء وهو مخضب

فيا عجبا للارض لما تزلزلت

وصدر حسين فوقه الشمر يركب

وشيل على العسال منه كريمه

وقد كان يتلو الذكر فيهم ويخطب

ونسوته سيرن اسرى بلا حمى

سبايا كسبي الروم والزنج تجلب (١)

__________________

١ ـ مجلة العدل النجفية ـ السنة السابعة.

٢٣٧

الشيخ كاتب ابن الشيخ راضي بن علي بن محمد بن حسين الطريحي المنتهي نسبه الى حبيب بن مظاهر الاسدي قائد ميسرة الامام الحسين في معركة كربلاء وأفضل الانصار الذين قال فيهم الشاعر الكواز :

هم خير أنصار براهم ربهم

للدين أول عالم التكوين

ولد الشيخ كاتب في النجف الاشرف صباح الجمعة ٢٦ ذي الحجة ١٣٠٥ ه‍ ونشأ نشأة عالية وتطبع بالجو الروحي والدراسة الدينية الاخلاقية أخذ الاصول على الشيخ ضياء الدين العراقي والشيخ محمد حسين الاصفهاني والفقه على الشيخ احمد كاشف الغطاء واختلف على السيد باقر الهندي فدرس عليه علم العروض كما لازم شيخ الادب الشيخ محمد جواد الشبيبي وحضر مجالسه الادبية ونوادره الفكاهية وشذراته الشعرية شارك في الثورة العراقية فصحب شيخ الشريعة والسيد الكاشاني في جبهتي القورنة والكوت ولا زال يقص على رواد مجلسه من وثائق الثورة وروائعها. له عدة بحوث وتعليقات في النحو والصرف والفقه وحاشية على المنطق له ديوان شعر أكثره في أهل البيت عليهم‌السلام.

توفي لية السبت ٢١ جمادى الاولى سنة ١٣٨٨ ه‍ وشيع جثمانه صباح السبت الى مثواه الاخير في النجف ودفن بمقبرته الخاصة تغمده الله برحمته وأقيم له حفل تأبيني ضخم بالكوفة لمرور اربعين يوما على وفاته وذلك في ٤ رجب ١٣٨٨ والمصادف ٢٧ أيلول ١٩٦٨ تبارى فيه الخطباء والشعراء حيث كان من أبرز رجال القلم في مدينة الكوفة.

٢٣٨

السيد محمد علي الغريفي

المتوفى ١٣٨٨

قال يرثي أبا الفضل العباس :

من كالزكي أبي الفضل الذي ملكت

ماء الفرات يداه حينما اندفعا

ولم يذق برد طعم الماء حين رأى

عنه ابن بنت رسول الله قد منعا

قيل ابن مامة قلت اخسأ فذاك أما

لو أدرك الماء لم يتركه بل كرعا

ابكيه حين رأى فردا أخاه ومن

فرط الظما أصبحت احشاؤه قطعا

وكل طفل به قد راح من ظمأ

يصيح واللون منه عاد ممتنعا

مناظر الهبت احشاءه وغدى

لهولها منه ركن الصبر منصرعا

فاستل مخذمه وانصاع يرفل في

ثوب الحديد ومنه القلب ما هلعا

يستقبل القوم فردا لا يهاب وفي

ماضيه للعيش ما أبقى لهم طمعا

أفناهم بشبا الهندي فانقشعوا

عنه وعاد له الميدان متسعا

سقاهم الموت قسرا حينما حسبوا

ان الفرات عليه بات ممتنعا

عليهم هو مهما شد خلتهم

مثل الحمام عليها الصقر قد وقعا

مهما ادلهمت خطوب الحرب كان ابو

الفضل السميدع بدرا في الوغى سطعا

بسيفه ملك الماء الفرات وكم

من الرؤوس على شطآنه قطعا

وراح يغرف في كفيه بارده

وقلبه لاخيه السبط قد خشعا

هيهات ما ذاق منه قطرة ورأى

أمامه عطش المظلوم فامتنعا

وراح يحمل للاطفال قربته

كالليث في حمل أعباء الوغى اضطلعا

أفنى الطغاة وكم أبقى بمخذمه

منهم جليدا على البوغاء قد طبعا

افناهم بشبا عضب له ذكر

من عزمه لفناء الصيد قد طبعا

لولا القضاء لافناهم ولابن ابي

سفيان لم تلق منهم واحدا رجعا

٢٣٩

ابكيه حيران مقطوع اليدين بلا

جرم سوى انه بالحق قد صدعا

والسهم بالعين قد أوهى عزيمته

وللثرى من عمود البغي قد ركعا

وراح يهتف بابن المصطفى ولها

ادرك أخاك فكأس الموت قد جرعا

فجاءه السبط كالطير الذي انكسرت

منه الجناحان لا يقوى اذا ارتفعا

يصيح قد طال منى يا اخي جزعي

وكنت قبلك لما اعرف الجزعا

أطلت مني اذا لاح الدجى سهري

لكن عدوي وقد فارقتني هجعا

أخي من لبنات المصطفى وبمن

يلذن بعدك اذ داعي الحفاظ دعا

من لليتامى ومن للارملات اذا

أصبحن نهبا لمن في النهب قد طمعا

كسرت ظهري وجذت مذ قضيت يدي

وكنت درعا به لا زلت مدرعا

ما كنت أحسب ترضى بالنعيم ولي

دارت خطوب وناعي البين في نعا

فاذهب سعيدا لجنات الخلود فلا

اقول الا هنيئا دائما ولعا

٢٤٠