أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٩

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٩

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٦

ثم عمّ السلام والعدل ظلٌ

لم يكدّر به الصفاء نزاع

ثم وافى عصر العلوم بفضل

أشرقت من سناه تلك البقاع

فاستطاعوا بسيرهم للمعالي

في المساعي ونعم ذاك الزماع

واستطاعوا بوحدة العزم والآراء

من حفظ مجدهم ما استطاعوا

أبّهذا المذكري مجد قومي

حين فاض الونى وجفّ اليراع

تلك أعلامهم بألوانها الأربع

مرفوعة وهذي الرباع

أين لا أين هم ، وأين علاهم

أسلامٌ ذكراهم أم وداع

فبرغمى أن الديار طلول

حين راحوا ومنتدى الحيّ قاع

طمعت فيهم الأعادي لوهنٍ

فأذاعوا ما بينهم ما أذاعوا

رقدوا والمخاتلون قيام

وتوانوا والحادثات سراع

رُب ظلم بالحزم أشبه حقاً

وحقوقاً أضاعها الانخداع

* * *

أيها الغرب هل تصورت يوماً

كيف تعلو على الهضاب التلاع

سترى الضغط كيف يضرم ناراً

يصطلى حرّها الكمّي الشجاع

لم تزل تظهر التلطف حتى

شفّ عن سوء ما نويت القناع

قف معي ننظر الحياة بعين

لا تغشى جفونها الأطماع

لنرى ما الذي ملكت به الشرق

فأضحى يشرى لكم ويباع

أنت والشرق في الوجود سواء

لم يميزك دونه الابداع

لكما في الحياة حرية العيش

سواء لكم بها الانتفاع

فلماذا تمتاز بالحكم فيه

وعليه لأمرك الاستماع

الفضل أضحت تدار لديه

بيديك الشؤون والأوضاع

كل ما تدعيه أنك أقوى

وبذا تدعي الوحوش السباع

ما لهذي النفوس تضرى مع القسوة

في ظلمها وتجفوا الطباع

فيخال القويّ أن له الحق

ومن واجباته الاخضاع

٨١

الشيخ جعفر العوامي

المتوفى ١٣٤٢

أفدي الحسين سري لعرصة كربلا

في اسرة شادوا العلاء وقوموا

ان جردت بيض الصفاح أكفهم

تلقى بها هام العدو يحطم

وعدوا على الأعداء اسداً مالهم

من منجد إلا الصقيل المخذم

فكأنهم تحت العجاج لدى الوغى

شمس طوالع والرماح الأنجم

بذلوا نفوسهم لسبط محمد

فسموا غداة على المنية أقدموا

ومنها في مصرع الحسين عليه‌السلام :

من مبلغنّ بني لوى أنه

في كربلا جسم الحسين مهشم

من مبلغن بني نزار وهاشماً

جذّت أكفهم وشلّ المعصم

أعلمتم أن الحسين على الثرى

للبيض والسمر الخوارق مطعم

أعلمتم أن الحسين بكربلا

أكفانه البوغاء والغسل الدم

والرأس في رأس السنان كأنه

بدر تجلّى عنه أفق مظلم

ونساؤه أسرى يشفهم الطوى

فوق الهزال تساق أم لم تعلموا

هبوا من الأجداث إن بناتكم

بين الأعادي تستهان وتشتم

الشيخ جعفر ابن الشيخ محمد ( أبي المكارم ) العوامي. ترجم له حفيده البحاثة الشيخ سعيد الشيخ علي آل أبي المكارم في كتابه ( أعلام العوامية في

٨٢

القطيف ) ونعته بوحيد العصر وعلامة الزمن ، ولد سنة ١٢٨١ ه‍. ١٥ جمادي الاولى في العوامية. وتوفي عشية ليلة الاثنين ١٣ محرم ١٣٤٢ ه‍. في البحرين ودفن مع الشيخ ميثم البحراني في صحن مسجده. نشأ في ظل أبيه أبي المكارم وورث منه السماحة والفصاحة والكمال والجلال وهاجر إلى النجف ودرس على أساتذة ، وهجرته كانت في سن مبكر وبقي في النجف ١٨ عاماً وعندما عاد كان ابن ٣٢ سنة فاعتزت به القطيف وافتخرت وأقبلت عليه تغترف من علومه وتنهل من فيوضاته ، وعدّد صاحب الاعلام العوامية مؤلفاته في مختلف العلوم فذكر من مؤلفاته في الفقه ١٩ كتاباً وأربعة كتب في الاصول وثلاثة في البيان وأربعة في الاستدلال وكتابين في المنطق وسبعة كتب في أهل البيت عليهم‌السلام ودواوين شعره التي أسماها ب‍ ( جرائد الأفكار ) وآخر باسم ( نهاية الادراك ) على حسب حروف الهجاء إلى غير ذلك من مناظراته ومحاججاته عن المبدأ والمذهب وخطبه ومواقفه الاصلاحية.

أقول وأورد نماذج من مناظراته وأتى على أقوال معاصريه في حق هذا العالم الجليل من شعر ونثر كما ذكر منظومة له في العقائد وجملة من القصائد جزاء الله خير جزاء العاملين ، وترجم له صديقنا المعاصر الشيخ علي المرهون في شعراء القطيف وذكر ما اختاره من شعره في رثاء الامام الحسين (ع).

٨٣

سليمان آل نشرة

المتوفى ١٣٤٢

الشيخ سليمان ابن الحاج أحمد بن عباس آل نشرة البحراني المتوفى ١٣٤٢ ه‍.

مشوا وفؤادي إثر ظعنهم مشى

فلم يصح قلب بالغرام قد انتشى

ومازلت أخفى الشوق والوجد والجوى

ولكن سقمي بالهوى والجوى فشى

واكتم شيباً في فؤادي شعلته

عن الناس لكن شيب فودي به وشى

وظلت اميم تستطيب ملامتي

واكره منها لومها والتحرشا

فقلت دعي عني الملام فأنني

على غير حب الآل جسمي ما نشى

فقالت على من سال دمعك في الثرى

فقلت على من في ثرى الطف عرشا

فقالت وماذا بعد ذلك قد جرى

عليه فلا تكتم وقل فيه ما تشا

فقلت لها أخشى عليك من الأسى

فقالت لي أفصح ان قلبي تشوشا

فقلت سأتلو منه أفجع حادث

عليك فشقي الجيب أو مزقي الحشا

أتاها وفيها حرب قد حشدت له

من الجيش ما سد الفلا والفضا حشا

وسامته إما أن يبايع ضارعاً

أو الموت فاختار الردى دون ما تشا

وشد عليهم بعد صحب تصرعت

له كهزبر شد في غنم وشا

وصال مكراً طعنه ورد مهلك

سقى فيه بالقاني من السمر عطشا

وأوردهم مكراً صولة حيدرية

غشتهم بها في الصبح قارعة العشا

ولا غرو ان فل الجموع ولفها

بأمثالها أو طال فيها وابطشا

ففي كل عضو منه جيش عرمرم

من البأس يقفو إثره حيث ما مشى

٨٤

وما زال يحمي خدر بنت محمد

الى ان وهت منه القوى واشتكى العشا

فكيف ولا يشكو العشاء بعينه

ومن ظمأ منه الفؤاد تحمشا

ورام بأن يرتاح في أخذ فاقة

له وأبى فيه القضا غير ما يشا

فسددت الأعدا بحبة قلبه

فلا سددت سهماً مشوماً مريشا

فخر به يهوى إلى الأرض ساجداً

كبدر كسا قاني الدما وجهه غشا

عجبت لشمر كيف شمر ساعداً

لذبح الحسين السبط والله ما اختشى

فان ضحكت سن اليه فأنما

لتبكي له عين الجوائز والرشا

وان سلبت منه الثياب امية

فقد البست ثوباً من العار مدهشا

وان فتشت ما في خباه فأنما

به كل وغد عن مساويه فتشا

وان قتلته وهو لم يطف غلة

بماء فمن قال لها الأرض رششا

وان نصبت فوق السنان كريمه

لخفض فان الله يرفع من يشا

فيا بأبي أفدي على الأرض جسمه

ورأساً برمح بالبها العقل ادهشا

ويا بأبي أفدي نساء ثواكلاً

على فقده في الدمع أرسلت الحشا

كأن يدها إذ كفكفت دمع عينها

دلاء وأهداب الجفون لها رشا

كأن سياط المارقين وقد مشت

على متنها كانت أفاعيَ رقشا

مشين بها للشام عجف وفي البكا

عليها لما قد نالها الركب أجهشا

فزعن لضوء الصبح وارتحن من حياً

إلى ساتر يحمى إذا الليل أغطشا

فأخرجن من خدر وداخلن مجلساً

به الفسق والفحشاء باضا وعشعشا

وظل يزيد يقرع الرأس شامتاً

بها بقضيب فيه للنفس أنعشا

وإن زجرته بالمواعظ غاضها

وكيف يرى في الشمس من كان أعمشا

٨٥

أسماء القزويني

المتوفاة ١٣٤٢

العلوية اسماء بنت العلامة السيد الميرزا صالح ابن العلامة الفقيه الحجة السيد مهدي القزويني ، قالت في رثاء جدها الحسين عليه‌السلام من قصيدة :

وإن قتيلا قد قضى حق دينه

وزاحم في شماء همته نسرا

فذاك لعمري لا توفّيه أعيني

وإن أصبحت للرزء باكية عبرى

اسمها الذي اشتهرت به ( سومة ) للتحبب ، وكان عمها أبو المعز السيد محمد المتوفى سنة ١٣٣٥ ه‍. يخاطبها ب‍ ( اسماء ) وعرفت بعدئذٍ بالحبابة تكريماً لمقامها.

ولدت في الحلة الفيحاء حدود سنة ١٢٨٣ ه‍. ونشأت في كنف والدها ، وكان للبيئة في نفسها أثر في بلوره ذهنيتها ، فالأجواء العلمية التي كانت تعيشها والمجالس الأدبية التي تعقد في مناسبات كانت تؤثر أثرها وتدفع بهذه الحرة للشعر والأدب فلا تفوتها النادرة الأدبية أو الشاردة المستملحة فهي تكتب هذه وتحفظ تلك وتتحدث بالكثير منها.

وقد اقترنت بابن عمها الميرزا موسى ابن الميرزا جعفر القزويني وأنجبت منه. وابنتها ( ملوك (١) ) وهي لم تزل في قيد الحياة ولا زالت تتحدث عن

__________________

١ ـ والعلوية ملوك اقترنت بابن خالها السيد باقر السيد هادي القزويني المتوفى سنة ١٣٣٣ ه‍. وهي أديبة فاضلة ، ووجه اجتماعي محبب لا زال مجلسها العامر في الحلة موئلاً للقاصدين على أنّ السن قد تقدم بها حفظها الله.

٨٦

امها وكيف كانت واسطة لحل النزاعات العائلية ، فكثيراً ما قصدت العوائل المتنافرة ولطّفت الجو وأماتت النزاع والخصام حتى ساد الوئام ، وتتحدث عن امها وملكتها الأدبية وتروى شعرها باللغتين : الفصحى والدارجة.

واشتهر عن اسماء أنها تميزت بشخصية قوية وباسلوب جميل في الحديث وكان مجلسها في الحلة عامراً بالمتأدبات وذوات المعرفة. أُصيبت بمرض لازمها شهوراً متعددة وتوفيت بعده سنة ١٣٤٢ ه‍. ونقلت بموكب كبير إلى النجف الأشرف لمقرها الأخير واقيمت الفاتحة على روحها الطاهرة صباح مساء وسارع الشعراء إلى رثائها وللتدليل على ما روينا نثبت نموذجاً من رسائلها الأدبية وهي كثيرة. كتبت على صديقة لها تعزيها بوفاة والدتها :

صبراً على نوب الزمان وإنما

شيم الكرام الصبر عند المعضل

لا تجزعي مما رزيت بفادح

فالله عوّدك الجميل فأجملي

خطب نازل ومصاب هائل ورزية ترعد منها المفاصل وتذرف منها الدموع الهوامل ، وينفطر منها الصخر ولا يحمد عندها الصبر ، ويشيب منها الوليد ولا يفتدى فيها بالطارف والتليد وعمّت كل قريب وبعيد ، ويشيب منها الوليد ولا يفتدى فيها بالطارف والتليد وعمّت كل قريب وبعيد ، غير ان الذي أطفى لهيبها وسكن وجيبها التسليم للقدر والقضاء ، وأنك الخلف عمن مضى ، فلم تفتقد مَن انت البقية ولم تذهب مَن فيك شمائلها والسجية ، فذكراها بك لم تزل مذكورة وكأنها حيةٌ غير مقبورة ، فلا طرقت بيتك الطوارق ولا حلت بساحة ربعك البوائق ، ودُمتِ برغم أنف كل حقود لا نرى فيك إلا ما يغيظ الحسود.

١ رجب المرجب ١٣٢٢ هجرية

الداعية العلوية

اسماء

٨٧

الرسالة الثانية كتبتها إلى شقيقها السيد هادي لنجاته من حادثة رعناء سنة ١٣٢٨ ه‍. وكانت يومئذ في الحلة وهو في ( الهندية ) :

أ ( هادي ) دجى الظلما بنور جبينه

وأحسا به يجلوه ان أظلم الخطب

لقد أضرم الأعداء نار حقودهم

وما علموا في رشح جودك قد يخبو

غمام جود الواقدين إذا أمحل النادي وشمس صباح السارين وبدرها ( الهادي ) حفظك الرحمن من طوارق الأسواء بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله النجباء.

أما بعد فنحن بحمد الله المتعال وما زلنا في السرور ولا نزال ، سيما بورود حديث فرح من ذوي شرف قديم وخصوص مسرود من ذوي فضل عميم يشعر أن الله قد حياك بنعمته الوافية وخصّك بسلامته الكافية ونجاك من هذه الرائعة فيا لها من قارعة ، فحمدنا الله على ذلك وشكرناه على ما هنالك ، وإلا لتركت مقلة المجد عبرى ومهجة الفخر حَرّا ، وأحنيت على وجد منا الضلوع ومنعت من عيوننا طيب الهجود والهجوع فتمثلنا بقول من قال :

فُديت با ( لمحصول ) كي يغتدي

أصلك محفوظاً لآل الرسول

اقول وسبب كتابة هذه الرسالة كما روى الخطيب السيد محمد رضا في مؤلفه ( الخبر والعيان في أحوال الأفاضل والأعيان ) ص ٦٤ في ترجمة السيد باقر ابن السيد هادي المذكور ما نصه :

ان السيد هادي دعاه بعض رؤساء العشائر إلى وليمة ليلاً ، فخرج على فرسه تحدق به جريدة من الخيل منهم ولده الباقر وجماعة من خاصته وخدمه وأخوه المرحوم السيد الحسن وكان الوقت صيفاً فانعقد المجلس في الفضاء بجنب ( مضيف ) من قصب فبينا الناس قد شغلوا بنصب الموائد واذا بصوت الرصاص يلعلع من فئة لها تراث مع صاحب المضيف ، ففزع القوم واضطربوا ، وكان

٨٨

على رأس السيد الهادي خادم واقف يقال له ( محصول ) فأصابته رصاصة سقط على أثرها جديلاً كما قتل ساقي الماء وأُصيب آخرون ثم ثار الحي ومَن كان مدعواً للوليمة فانهزم الغزاة راجعين ، أما السيد الهادي فقد ثبت بمكانه لم يتحرك ولم ينذعر ، وعندما رجع السيد إلى البلد سجد ولده الباقر شكراً لله على سلامة والده وكتب من فوره إلى عمَ أبيه في الفيحاء أبي المعز السيد محمد هذين البيتين :

بشراك في فاجعة أخطأت

وما سوى جدك خطّاها

فدت مقادير إله الورى

أبي ، ومحصول تلقّاها

فأجابه السيد يخاطب السيد الهادي :

فُديت بالمحصول كي يغتدي

اصلك محفوظاً لآل الرسول

والمثل السائر بين الورى

خير من المحصول حفظ الاصول

٨٩

الشيخ محمد حسن سميسم

المتوفي ١٣٤٣

يرثي مسلم بن عقيل وهاني بن عروة المرادي المذحجي رحمة الله عليهما :

لو كان غيرك يا بن عروة مسلما

في مصر كوفان لاوي مسلما

اويته وحميته وفديته

في مهجة ابت الحياة تكرما

ان لم تكن من ال عدنان فقد

ادركت فخر الخافقين وان سما

قد فقدت من يحمي الضعائن شيمة

حتي ربيعة بل اباه مكدما

ما بال بارقة العراق تقاعست

عن نصر من نال الفخار الاعظما

لم لا تسربلت الدماء كأميرها

كاميرها لم لا تسربلت الدما

بايعت مسلم بيعة علويه

ابدا فلم تنكث ولن تنندما

فلذا عيون بني النبي تفجرت

لما اتي الناعي اليه عليكما

بشراكم طلب ابن فاطم ثاركم

طلب ابن فاطم ثاركم بشراكما

خرج الحسين من الحجاز بعزة

رغم العدا لا خائفا متكتما

ونحا العراق بفتية مضرية

كل تراه باسمه مترنما

قوم اكفهم لمن فوق الثري

كرما تكلفت الروى والمطعما

قوم بيوم نزولهم ونزالهم

لم يكسبوا غير المكارم مغنما

رام ابن هند ان يسود معاشرا

ضربوا علي هام السماك مخيما

هبت هناك بنو علي وامتطت

من كل مفتول الذراع مطهما

٩٠

وتضرمت أسيافها بأكفهم

فكأنها نار القرى حول الحمى

حتى إذا اصطدم الكماة وحجّبت

شمس الضحى والافق أضحى مظلما

عبست وجوه الصيد مهما أبصروا

العباس أقبل ضاحكاً متبسما

متقدماً بالطف يحكي حيدراً

في ملتقى صفين حين تقدّما

وكأنه بين الكتائب عمه الطي‍

‍ار قد هزّ اللواء الأعظما

وتقاعست عنه الفوارس نكصاً

فغدا مؤخرها هناك مقدما

بكت الصبايا وهي تطلب شربة

تروي بها والفاطميات الظما

منعوه نهر العلقمى وورده

فسقاهم ورد المنية علقما

حتى إذا حسمت يداه بصارم

وأخاه أسمعه الوداع مسلّما

فانقضّ سبط المصطفى لوداعه

كالصقر إذ ينقضّ من افق السما

أهوى عليه ليلثم الجسد الذي

لم تبقَ منه السمهرية ملثما

ناداه يا عضدي ويا درعي الذي

قد كنت فيه في الملاحم معلما

فلأبكينك بالصوارم والقنا

حتى تبيد تثلّما تحطّما

اسرة آل سميسم ، اشتهرت بهذا اللقب لان جدها سميسم بن خميس بن نصار بن حافظ لهم الزعامة في بني لام بن براك بن مفرج بن سلطان بن نصير أمير بني لام حيث نزح من الشام حدودسنة ٩٠٢ ه‍. وأسس مشيخة بني لام في لواء العمارة ـ ميسان فأعقب حافظ وهو أعقب ولدين : نصار ونصر وفيهما زعامة بني لام.

وفي اسرة آل سميسم ـ اليوم ـ علماء وادباء وحقوقيين. وكان المترجم له علم الاسرة وعنوانها لما يتحلى به من فضل وأدب وسخاء مضافا إلى ديانته وزهادته وطيب سريرته وحسن سيرته يتحلى بإباء وشمم ويعتزّ بقوميته

٩١

وعروبته لا عن عصبية فقد قال الامام زين العابدين علي بن الحسين السجاد عليه‌السلام : ليس من العصبية أن يحبّ الرجل قومه ولكن العصبية أن يرى شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين ، واليك قطعة من اعتزازه بنفسه وتمدحه بأهله وقومه :

قسماً بغارب سابحي وهو الذي

في العدو لم يطأ الثرى بمناسم

جمحت فخفت الافق يصدع هامها

فمسكت فاضل عزمها بعزائمي

لا ابتغي خلعاً بشعري لا ولا

صفراً دنانيراً وبيض دراهم

كلا ولا أخشى تهكّم جاهل

أبداً ولا أرجو وكالة عالم

عيشي بحمد الله طاب ولم يكن

عيشي بتدليس وردّ مظالم

ومن شعره معرضاً بمن عرفوا بالمنسوبية والمحسوبية :

قالوا الأديب يمدّ الكف قلت لهم

أنا الأديب ولكن لا أمدّ يدا

كي لا أُصعّر خدي بعد عزته

إلى اناس يسمون الإله ( خدا )

وقال :

أترك سبيل الشعر في نيل الغنى

فالشعر في هذا الزمان هوان

علماؤنا فرس وتلك ملوكنا

ترك وجلّ سراتنا معدان

وديوانه المخطوط الذي رأيته عند ولده فضيلة الشيخ عمار ابن الشيخ محمد حسن ابن الشيخ هادي يجمع مختلف ألوان الشعر وأكثره في أهل البيت صلوات الله عليهم.

ولنستمع إلى لون من غزله :

منى النفس ما بين العذيب وحاجر

بحيث تهاب الأسد بطش الجأدر

أرى الشمس لا يمتاز ساطع نورها

إذا سفرت ما بين غيد سوافر

فمسن غصوناً وابتسمن كواكبا

وأشرقن أقماراً بليل غدائر

٩٢

مررت على الوادي فلما رأينني

نفرن كأمثال الظباء النوافر

وفيها التي أرجو طروق خيالها

كما يرتجي التأمين قلب المخاطر

حمت خدرها لا بالمواضي البواتر

ولكن حمته بالجفون الفواتر

تقسمت من شوقي لها في رياضها

لعلّي الاقيها بسيماء زائر

فبالمنحني جسمي وبالجزع مهجتي

وفي ذا الغضا قلبي وبالغور ناظري

وأقذف نفسي طالباً رسم دارها

وبي للنوى ما بالرسوم الدواثر

على ظهر مفتول الذراعين أتلع

حبيك القرى قبّ الأضالع ضامر

وغرته في وجهه وهو أدهم

مقالة حق في عقيدة كافر

إذا ما عدا ليلا يصك بأنفه

نجوم الثريا والثرى بالحوافر

أطأطئ رأسي حين اركب سرجه

مخافة تعليق السهى بمغافري

فلا أطرق الحيين حيّي وحيّها

فيعلم تغليس لها في الدياجر

وان هوّمت جاراتها رحت غائراً

ونجم الدياجي بين باد وغائر

أُسيب انسياب الصل بين خيامها

واسري مسير النوم بين المحاجر

ولما أحسّت بي اريعت وحوّلت

بناظرها نحو الاسود الخوادر

وقالت أما هبت الاسود التي غدت

مخالبها بيض السيوف البواتر

فقلت لها لا تذعري إنني امرؤ

قصارى مناي اللثم ، لستُ بفاجر

فما جمحت إلا وأمسكت شعرها

كذاك شكيم الخدر فضل الغدائر

فلما اطمأنت لي شكوت لها الهوى

وفي بعض شكوى الحب نفثة ساحر

دنت وتدلّت من فمي وتبسمت

وقالت فخذ مني قُبيلةَ زائر

رشفت ثناياها فقالت بعينها

( هنيئاً مريئاً غير داء مخامر )

فضاجعتها والسيف بيني وبينها

وسامرتها والرمح كان مسامري

٩٣

ترجم له الشيخ النقدي في ( الروض النضير ) والشيخ محمد حرز الدين في ( معارف الرجال ) فقال : فاضلاً كاملاً لبيباً أديباً شاعراً ، له نوادر أدبية وشعرية جيدة ومراث في سيد الشهداء رثى بعض معاصريه وهنأهم ، ولد سنة ١٢٧٩ ه‍. كما ترجم له الخاقاني في شعراء الغري وذكر جملة من نثره ونظمه. وافاه الأجل في ٢٥ جمادى الاولى سنة ١٣٤٣ ه‍. وكان لنعيه رنة أسف على عارفيه وأبّنه جماعة من الشعراء منهم الخطيب الشيخ محمد علي اليعقوبي بقصيدة عامرة كان مطلعها :

أيعرب قد فقدتِ أبا الجواد

فلا للجود انتِ ولا الجياد

وللمترجم له قصيدة في الزهراء فاطمة بنت النبي صلى الله عليهما وسلّم جاء في اولها :

مَن مبلغ عني الزمان عتابا

ومقرّعٌ مني له أبوابا

لا زلت أُرددها في المحافل الفاطمية. تغمده الله برحماته واسكنه فسيح جناته.

٩٤

السيد مهدي الطالقاني

المتوفى ١٣٤٣

عجّ بي على تلك الربوع

ننشق بها نشر الربيع

قف بي ولو لوث الأزا

ر ، بذلك الكهف المنيع

بتلاعها لي أتلعُ

لم تروه إلا دموعي

يرعى ، ولا يرعى الذما

مَ ، بشيح قلبي والضلوع

متنفراً كالنوم أو

كالأمن في قلب المروع

كم قد نصبت له الجفو

ن ، حبائلاً عند الهجوع

فنجا وما زُوّدتُ منه

سوى التزفّر والصدوع

وبقيتُ من أسفي أعضّ

بنانَ إبهامٍ قطيع

مَن لي بذاك الثغر وال‍

‍خصر المخصّر من شفيع؟

ما بتّ إلا بات من‍

‍ه خيال شخص لي ضجيع

يعتادني ليلاً فاغ‍

‍دو منه في ليل اللسيع

نشر الربيعُ على الربوع

نشراً له تطوى ضلوعي

ومن البلية في الحمى

داري وفي نجدٍ ولوعي

يا سعد قد حدثتني

عن ذلك الحسن البديع

فصغى لما حدّثته

لك مسمعي ، لا بل جميعي

زدني فقد زادت جنو

ني من حديثك عن ربوعي

يا حسرتي وتزفري

وخفوق قلبٍ لي وجيع

٩٥

أمسي وأصبح لم أجد

هماً سوى فيض الدموع

إن جفّ دمعي بعدهم

رعفت جفوني بالنجيع

همّ الفؤاد بأن يطي‍

‍ر اليهم لو لا ضلوعي

لهفي وما لهفي لغي‍

‍ر السبط ما بين الجموع

أمسى مروعاً بالطفو

ف وكان أمناً للمروع

يسطو بأبيض صارمٍ

كالشمس والبرق اللموع

أبداً تراه فاريَ الأو

داج صادٍ للنجيع

وبأسمرٍ كالصلّ يل‍

‍وي نافث السمّ النقيع

ريّان من مهج العدا

ينهلّ كالغيث المريع

فيخيط أسمره وأب‍

‍يضه يفصّل في الدروع

خاض الحِمام بفتيةٍ

كالأسد في سغب وجوع

أن يدعهم لمسلمةٍ

لبسوا القلوب على الدروع

طلعوا ثنيات الحت‍

‍وف وهم بدور في الطلوع

خير الأصول أصولهم

وفروعهم خير الفروع

حتى إذا ما صرّعوا

أرخى المدامع بالدموع

ضاق الفضاء بصدره

والرحب لم يك بالوسيع

فمشى إلى الموت الزؤا

م مشَمراً مشي السريع

فأتاه سهمٌ في الحشا

أحناه إحناء الركوع

فكبا على وجه الثرى

أفديه من كاب صريع

دامي الوريد معفر ال‍

‍خدين خُضّب بالنجيع

ملقىً على وجهِ البسي‍

‍طة وهو ذو المجد الرفيع

الله أكبر يا له

من حادث جلل فضيع

يلقى الحسينَ الشمرُ في

ذيالك الملقى الشنيع

ويحزّ منه الرأس ين‍

‍صبه على رمح رفيع

كالبدر في الظلماء أو

كالشمس في وقت الطلوع

٩٦

رضّت أضالعه الخيو

ل فليتها رضّت ضلوعي

وسرت نساه حُسّراً

تهدى إلى رجسٍ وضيع

من فوق جائلة النُسو

عِ شملةً هوجا شموع

أين النسوع وأين رب‍

‍ات الخدور من النسوع؟؟

تسري الغداة بهن وه‍

‍ي ودائع الهادي الشفيع

هجموا عليهن الخبا

ء وكان كالحرم المنيع

تُحمى ببيض صوارم

وبسمر خطّى شروع

السيد مهدي ابن السيد رضا ابن السيد أحمد الطالقاني النجفي ولد سنة ١٢٦٥ ه‍. وتوفي سنة ١٣٤٣ ه‍. بالنجف الأشرف ودفن بها. أديب مرموق وشاعر متفوق ، ترجم له الشيخ السماوي في الطليعة فقال : رأيته وسمعت أوصافه فكنت أرى منه الرجل الظريف العفيف فمن شعره قوله :

يميناً قدّن الرمح الرديني

ولحظك حد ماضي الشفرتينِ

هما جرحا حشاي بغير ذنب

وكان كلاهما لي قاتلينِ

نايت فلم تنم عيناي ليلاً

كأنك كنت نوم المقلتين

فرفقا بي والا صحت اني

قتلت وأنت مخضوب اليدين

وهبتك مهجتي حتى إذا ما

ملكت مطلتي وعدي وديني

فحسبك أدمعي ونحول جسمي

فقد كانا بذلك شاهدين

فصلني قبل بينك أو فعد

فقد حان السلام عليك حيني

وله رثائه عليه‌السلام :

قف بي ونح كيما نطا

رح بالنياح حمائمه

واستوقف الحادي به

ننعى الطلول الطاسمه

نندب فتىً سفك الطغا

ة بيوم عاشورا دمه

وسبت حلائله على

رغم العلى ومحارمه

أصمت سهام ضلالها

علمَ الزمان وعالمه

٩٧

ذاك الذي أحيا الرشا

د وشاد منه دعائمه

سبط النبي المصطفى

وابن الزكية فاطمه

ربّ المعالي الغرّ من

جبريل أضحى خادمه

فأقام أملاك السما

فوق السماء مآتمه

تلك المآتم لم تزل

حتى القيامة قائمه

وأظلّت السبع الطبا

ق شجونه المتراكمه

أضحت رزيّته لأر

كان المكارم هادمه

أوردت خوافي الروح في

نيرانها وقوادمه

يا ويح دهرٍ سلّ في

أبناء فاطم صارمه

كم فلّ منهم صارماً

فلّ الإله صوارمه

وكم اجترى يوم الطفو

ف فما أجلّ جرائمه

حسمت يداه يد العلى

حسمت يداه الحاسمه

جزرت جحاجحه الورى

جزر المواشي السائمه

لهفي لفتيان قضت

حول الشرائع حائمه

وسبت عقائل خير مَن

وطأ الثرى وكرائمه

فغدت بنات المصطفى ال‍

‍هادي النبي غنائمه

وله في رثائه أيضاً :

كم على سبط النبي المصطفى

جلبت ظلماً يدا عدوانها

نصرته عصبة نالت به

شرف العزّ على أقرانها

يوم أضحت لا ترى عوناً سوى ال‍

مرهفات البيض في أيمانها

وإذا ما زحفت يوم الوغى

كأسود الغاب في ميدانها

فترى الهامات من أسيافها

سجداً خرّت على أذقانها

بذلت أنفسها في نصره

فلها الحسن على إحسانها

وارتقت أطواد مجدٍ وحجىً

وسمت فخراً على كيوانها

ليتني واسيتهم في الطف إذ

أزمع الناس على خذلانها

٩٨

صرعتهم عصبة الغيّ فلم

تغض عن شيب ولا شبانها

وبقت أجسادهم تصهرها ال‍

ـشمس لا تدرج في أكفانها

فإذا مرّت بهم ريح الصبا

حملت طيب شذا أبدانها

هل درت ، يوم حسين ، هاشم

أيّ ركن هدّ من أركانها

وبه أسرى غدت نسوتها

وأُبيدَ الشُم من غرّانها

وعلاها الضيم حتى عاد ، لا

ينجلي عنها مدى أزمانها

أيُعلّى رأس سبط المصطفى

يا له خطباً ، على خرصانها؟

منعوه الماء ظلماً فقضى

ظمأ لهفي على ظمآنها

بكت السبع السموات له

ليتها أروتها من هتّانها

وبنفسي نفس قمقام عدت

خيل أعداها على جثمانها

من يُعزّي بضعة الهادي فقد

أصبحت ثكلى على فتيانها

وغدا مفخرها السامي عُلىً

جدلاً ملقىً على كثبانها

ويسيل الدم من أعضائه

في الثرى كالسيل من بطنانها

قتلوه وهو يستسقيهم

فسقوه الطَنّ من مُرّانها

لست أنسى زينباً بين العدى

تندب الأطهار من عدنانها

وكريمات النبي المصطفى

تشتكي الأعداء من طغيانها

كم دهتها نوبٌ من بعدما

شُرّدت بالرغم عن أوطانها

لهف نفسي لوجوهٍ برزت

لا يواريها سوى أردانها

أركبوهن على عجف المطا

وأداروهنّ في بلدانها

سبيت سبي الأما من بعدما

أُثكلت بالشوس من فرسانها

كم رزايا أخلقت جِدتها

ورزايا الطف في ريعانها

وانطوت في الطف منها حرقة

ذابت الأحشاء من وقدانها

من يرم عنها لنفسي سلوةً

زادها شجواً على أشجانها

يا حماة الدين كم حاربكم

آل حرب وبنو مروانها؟

فمتى ينتقم الله لكم

بالفتى القمقام من عدنانها؟

٩٩

السيد مهدي الغريفي

المتوفى ١٣٤٣

قال من قصيدة يرثي بها علي الأكبر ابن الامام الحسين (ع) :

بُنيّ اقتطعتك من مهجتي

علامَ قطعتَ جميل الوصالِ

بُنيّ عراك خسوف الردى

وشأن الخسوف قبيل الكمالِ

بُنيّ حرامٌ عليّ الرقاد

وأنت عفير بحرّ الرمالِ

بُنيّ بكتك عيون الرجال

ليوم النزيل ويوم النزالِ

السيد مهدي ابن السيد علي ابن السيد محمد ابن السيد اسماعيل ابن السيد محمد الغياث ابن السيد علي المشعل ابن السيد أحمد المقدس (١) ابن السيد هاشم البحراني ابن السيد علوي عتيق الحسين (ع) ابن السيد حسين الغريفي البحراني النجفي. صاحب الغنية وينتهي نسبه الى السيد ابراهيم المجاب بن محمد العابد ابن موسى الكاظم عليه‌السلام ، شاعر وعالم وتقي يشهد الجميع بتقواه.

__________________

١ ـ هو السيد احمد الغريفي الموسوي المعروف ب‍ ( الحمزة الشرقي ) ترجم له السيد الامين في الاعيان والشيخ الاميني في شهداء الفضيلة وكتبت عنه فصلاً مسهباً في ( الضرائح والمزارات ) بعد ما قصدت مزاره ورأيت قبته الشاهقة من القاشاني الازرق وقد ملأ الرواق والحرم والصحن بالزائرين مع سعة ذلك الصحن ، ان هذا السيد الجليل والعالم النبيل والذي ختم الله له بالشهادة وهو متوجه الى زيارة مشاهد أجداده الطاهرين بالعراق فقتله اللصوص هو وزوجته وولده في مكان قبره اليوم ـ شرقي الديوانية في أراضي لملوم ـ مساكن قبيلتي جبور والأقرع وكان ذلك في المائة الثانية عشرة وقد جدد بعض أهل الخير بناء ضريحه سنة ١٣٥٥ ه‍.

١٠٠