أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٩

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٩

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٦

أمست جسومهم لقى

ورؤوسهم فوق الرماح

لا تنشئي يا سحب غي‍

‍ثاً ترتوي منه النواحي

فلقد قضى سبط النبي

بكربلا صديان ضاحي

أدمع المدامع رزؤه

ورمى الأضالع بالبراح

فلتلطم الأقوام حزناً

حُرّ أوجهها براح

ولتدرع حلل الأسى

أبداً ولا تصغي للاحي

ساموه إما الموت تح‍

‍ت البيض أو خفض الجناح

عدمت أمية رشدها

وتنكبت نهج الفلاح

فمتى درت أن الحسي‍

‍ن تقوده سلس الجماح

وقال يرثي الحسين عليه‌السلام أيضاً :

أيدري الدهر أي دم أصابا

وأي فؤاد مولعةٍ أذابا

فهلا قطعت أيدي الأعادي

فكم أردت لفاطمة شبابا

وكم خدر لفاطمة مصون

أباحته وكم هتكت حجابا

وكم رزء تهون له الرزايا

ألمّ فالبس الدنيا مصابا

وهيج في الحشى مكنون وجدٍ

له العبرات تنسكب انسكابا

وأرسل من أكف البغي سهما

أصاب من الهداية ما أصابا

أصاب حشى البتول فلهف نفسي

لظام لم يذق يوماً شرابا

قضى فالشمس كاسفه عليه

وبدرالتم في مثواه غابا

وكم من موقف جمّ الرزايا

لو أن الطفل شاهده لشابا

به وقف الحسين ربيط جأش

وشوس الحرب تضطرب اضطرابا

يصول بأسمر لدن سناه

كومض البرق يلتهب التهابا

وبارقه يلوح الموت منها

إذا ما هزها مطرت عذابا

٦١

السيد جواد مرتضى ، ينتهي نسبه الشريف إلى الشهيد زين بن علي بن الحسين (ع). ولد في قرية عيتا من أعمال صور ـ لبنان سنة ١٢٦٦ ه‍. ودرس مبادئ العلوم على علماء لبنان وارتحل إلى النجف الأشرف لطلب العلوم الدينية والمعارف الربانية فاقام بها ثمانية عشرة سنة كلها بين مفيد ومستفيد ، درس الفقه والاصول على أساطين العلماء كالشيخ محمد حسين الكاظمي والشيخ محمد طه نجف ، وكان يقضي جلّ أوقاته في الدرس والتدريس ثم سار إلى دمشق ـ الشام لما تكاملت فيه الكفاءة ولحاجة الناس إلى أمثاله ومنها توجه إلى مسقط رأسه ( عيتا ) فكانت عنده حوزة تدريس حتى تخرّج الكثير من علماء جبل عامل على يده ، ولما رأى حاجة أهالي بعلبك إلى أمثاله سار بطلب منهم حتى أقام فيهم مدرساً ومصلحاً ومرشداً وألّف كتاب ( مفتاح الجنات ) وبمساعيه أسس الجامع الكبير المعروف ب‍ جامع النهر ومدرسة بالقرب منه ثم رجع إلى عيتا.

توفي ضحوة يوم الخميس ثاني جمادى الأول سنة ١٣٤١ ه‍. ودفن هناك إلى جنب أخيه المرحوم العلامة السيد حيدر مرتضى المتوفى سنة ١٣٣٦ ه‍. كان لوفاته رنة أسى وحزن عميق وقد اقيمت له مجالس التعزية وذكريات التأبين ورثاء جمع من شعراء عصره.

وقد جمع الاستاذ العلامة السيد عبد المطلب مرتضى جميع ما أُلقي من الشعر في تأبينه وما قاله المؤبنون في مجالس ذكراه وأسماه ب‍ ( شجى العباد في رثاء الجواد ) وطبع في مطبعة العرفان ـ صيدا سنة ١٣٤١ ه‍.

٦٢

قال يمدح السيدة زينب بنت أمير المؤمنين علي عليه‌السلام في دمشق سنة ١٣٣٠ ه‍.

حرم لزينب مشرق الاعلام

سام حباه الله بالإعظام

حرم عليه من الجلال مهابة

تدع الرؤوس مواضع الاقدام

في طيه سر الاله محجب

عن كل رائدة من الأوهام

بادي السنا كالبدر في افق السما

متجلياً يزهو بأرض الشام

فإذا حللت بذلك النادي فقم

لله مبتهلاً بخير مقام

في روضة ضربت عليها قبة

كبرت عن التشبيه بالاعلام

يحوي من الدر الثمين جمانة

لمّاعة تعزى لخير إمام

صنو النبي المصطفى ووصيه

وأبو الهداة القادة الأعلام

أسنى السلام عليه ما هبّت صبا

وشدا على الأغصان ورق حمام

وعلى بنيه الغر أعلام الهدى

ما أنهل قطر من متون غمام

٦٣

الحاج مجيد العطار

المتوفى ١٣٤٢

شهر المحرم فاتك العذر

أوجعت قلب الدين يا شهر

فكأن شيمتك الخلاف على

آل النبي وشانك الغدر

يا شهر هل لك عندهم ترة

أنى وعندك كم لهم وتر

لا ايبضّ يومك بعد نازلة

منها يكاد الدمع يحمرّ

غشيت هلالك منه غاشية

بالطف يكسف عندها البدر

سلب الأهلة بشرها فغدا

أيامها الأعياد والبشر

أيطيب عيش وابن فاطمة

نهبت حشاه البيض والسمر

تالله لا أنساه مضطهداً

حتى يضم عظامي القبر

ومشرداً ضاق الفضاء به

فكأن لا بلد ولا مصر

منع المناسك أن يوديها

بمنى فكان قضاءها النحر

أفديه مستلماً بجبهته

حجراً إذا هو فاته الحجر

أو فاته رمي الجمار فقد

أذكى لهيب فؤاده الجمر

يسعى لاخوان الصفا وهم

فوق الصعيد نسائك جزر

ويطوف حول جسومهم وبه

انتظم المصاب ودمعه نثر

حتى إذا فقد النصير وقد

نزل البلاء وأُبرم الأمر

سئم الدنية أن يقيم بها

لوث الإزار وعيشها نكر

٦٤

وعظ الكتائب بالكتاب وفي

آذانهم من وعظه وقر

فانصاع يسمعهم مهنده

آيات فصل دونها العذر

فأبوا سوى ما سنّه لهم

الأحزاب يوم تتابع الكفر

حتى جرى قلم القضاء بما

بلغ المرام بفتكه شمر

الله أكبر أي حادثة

عظمى تحير عندها الفكر

يا فهر حيّ على الردى فلقد

ذهب الردى بعلاك يا فهر

هذا حسين بالطفوف لقى

بلغت به آمالها صخر

حفّت به أجساد فتيته

كالبدر حين تحفها الزهر

أمن المروءة أن أُسرتَكم

دمهم لآل امية هدر

أمن المروءة أن أرؤسهم

مثل البدور تقلّها السمر

أين الأباء وذي حرائركم

بالطف لا سجف ولا خدر

أسرى على الأكوار حاسرة

بعد الحجال يروعها الأسر (١)

هو الحاج عبد المجيد بن محمد بن ملا أمين البغدادي الحلي الشهير بالعطار ، ولد ببغداد في شهر ذي القعدة عام ١٢٨٢ ه‍. في محلة صبابيغ الآل ، وهاجر به وبأبيه جده ملا أمين وهو طفل صغير ، فنشأ في الحلة.

وبعد وفاة والده ، وبلوغه سن الرشد فتح حانوتاً في سوق العطارين في الحلة ، وصار يمتهن بيع العقاقير اليونانية حتى غلب عليه لقب ( العطار ) وقد اتصل بأهل العلم والأدب وأكثر من مطالعة دواوين الشعر وكتب الأدب ، حتى استقامت سليقته وتقوّمت ملكته الأدبية ، وكانت الحلة آنذاك سوق عكاظ كبير ، ومجمع الادباء والشعراء في تلك الحقبة الزاهية من تاريخها ، يختلف اليها النابهون والمتأدبون.

__________________

١ ـ سوانح الافكار ج ٣ / ١٩٦.

٦٥

قال اليعقوبي : « سألته يوماً وقلت له : عن أي شيخ أخذت ، وعلى أي استاذ تخرجت. فقال : على الله » (١).

ولكن ابنه المرحوم الحاج عبد الحسين أخبرني يوماً ، قال : « ان أباه كان قد درس في المدارس الحكومية أيام الحكم العثماني ، وانه تخرج فيها ، كما أنه كان قد أتقن اللغة التركية والفارسية وتأدب بهما ، كما أتقن الفرنسية والعبرية إضافة إلى اللغة العربية ، وكان أن عُرضت عليه وظيفة حكومية بدرجة عالية ، إبان الحكم العثماني بناءً على ثقافته ودراسته ، إلا أنه امتنع عن اشغالها لاعتقاده بعدم جواز التعاون مع حكومة لا تقوم على أساس الإسلام الصحيح ، وان ما سيتسلمه من مرتب هو غير حلال ».

وقد كان المترجم له « فائق الذكاء ، سريع الخاطر ، متوقد الذهن ، حاضر البديهة ، أجاد في النظم ، وأتقن الفارسية والتركية ، وترجم عنهما كثيراً (٢) كما ترجم كثيراً من مفردات ومثنيات الشعر الفارسي والتركي ، إلى العربية شعراً.

وقد امتاز ( رحمه الله ) بسمو أخلاقه وعفه نفسه ، ووفائه لأصدقائه ، لذا كان حانوته ندوة أدب ، ومنتدى فكر ، ومدرسة شعر ، يختلف اليه الادباء والعلماء ، كما يؤمّه الشعراء والمتأدبون ...

ولما ثار الحليون على السلطة التركية ١٣٣٤ ه‍. وسادت الفوضى فيها خشي المترجم له سوء العاقبة ، وخشي هجوم الأتراك لارجاع سلطتهم ثانية ، وفتكهم فيها ( كما وقع فعلاً بعد ذلك في واقعة عاكف ) انتقل بأهله الي الكوفة التي كان قد « بنى فيها داراً وعقاراً قبل هذه الحوادث » (٣) وأقام فيها حتى

__________________

١ و ٣ ـ البابليات ج ٣ / القسم الثاني / ص ٦٩.

٢ ـ طبقات اعلام الشيعة : اغا بزرك الطهراني. وهو « للكرام البررة في القرن الرابع بعد العشرة » ج ١ / ق ٣ / ١٢٢٦.

٦٦

توفي فيها في السادس عشر من ذي القعدة سنة ١٣٤٢ ه‍. ودفن في النجف الأشرف.

كان ( رحمه الله ) قد تضلع في فن التاريخ ، وأتقن منه ألواناً ، كان ينظمه ارتجالاً ، مما كان يثير استغراب أهل الفن.

قال اليعقوبي : « ولم اشاهد أبرع من المترجم له ولا أبدع منه في هذا الفن ، فقد كان ينظم التاريخ الذي يقترح عليه مع ما يناسبه من الأبيات قبله دون اشغال فكرة ، أو إعمال روية ، كأنه من كلامه المألوف وقوله المتعارف ، وله فيه اختراعات لم يسبقه اليها أحد » (١) ، « وقد برع في نظم التواريخ الشعرية وتفوّق في هذا الفن على معاصريه » (٢).

وأكثر شعره ( رحمه الله ) في رثاء آل البيت ومدحهم عليهم‌السلام مما كان يتناقله الخطباء والقراء والذاكرون ، لجزالته وسلاسته ، وقليل ما يتجاوز ذلك في مناسبات خاصة في تهنئة أو مديح بعض الفضلاء من العلماء ، أو ممن تربطه بهم وشائج الاخوة والوفاء.

أما تواريخه الشعرية ، فانها لو جمعت كلها لكانت ديواناً مستقلاً ، وسجلاً تاريخياً تؤرخ تلك الحقبة من ذلك الزمن.

فمن ذلك البيتان اللذان ضمنهما (٢٨) تاريخاً في الحساب الأبجدي يؤرخ فيها عمارة تجديد مقام الإمام علي (ع) في الحلة سنة ١٣١٦ ه‍ :

بباب مقام الصهر مرتقبا نحا

أخو طلب بالبر من علمٍ برا

مقام برب البيت في منبر الدعا

أبو قاسم جرّ الثنا عمها أجرا

وله مثلهما أيضاً في تاريخ زفاف المرحوم السيد أحمد إبن السيد ميرزا صالح القزويني وفيهما (٢٨) تاريخاً وذلك سنة ١٣١٨ ه‍ :

__________________

١ ـ البابليات ج ٣ ـ ق ٢ ـ ص ٧٠.

٢ ـ طبقات اعلام الشيعة : « الكرام البررة في القرن الرابع بعد العشرة » ج ١ / ق ٣ / ١٢٢٦.

٦٧

أكرم بخزّان علم أمّ وارده

منكم لزاخر بحر مد آمله

زفت إلى القمر الأسنى بداركم

شمس لوار وزان البشر حامله (١)

« وعلى أثر هذه التواريخ سماه العلامه السيد محمد القزويني ب‍ ( ناسخ التواريخ ) » وقد سماه الآخرون ( شيخ المؤرخين ).

قال اليعقوبي في البابليات : وله مثلهما في السنة نفسها يؤرخ عمارة مقام المهدي في الحلة المعروف بالغيبة ، وفيهما (٢٨) تاريخاً :

توقع جميل الأجر في حرم البنا

بفتحك بالنصر العزيز رواقا

بصاحب عصر ثاقب باسمه السنا

نجد اقترابا ما أجار وراقا

وقال يؤرخ الشباك الفضي الذي عمل بنفقة المرحوم الشيخ خزعل أمير المحمّرة على قبر القاسم ابن الإمام موسى الكاظم عليهما‌السلام :

للامام القاسم الطهر

الذي قدس روحا

خزعل خير أمير

أرخوا شاد ضريحا

وله مؤرخاً وفاة العالم الزاهد السيد ياسين ابن السيد طه سنة ١٣٤١ ه‍ :

يا لسان الذكر ردد أسفا

وأبك عن دمع من القلب مذاب

وانع ياسين وارخ من له

فقدت ياسينها ام الكتاب

__________________

١ ـ البيتان على النمط التالي :

صدر الأول. عجزه. صدر الثاني. عجزه. مهمل البيت الاول. معجمه. مهمل صدر الأول مع معجم عجزه. معجم صدر الأول مع مهمل عجزه. مهمل البيت الثاني. معجمه. مهمل صدره مع معجم عجزه. معجم صدره. مع مهمل عجزه. مهمل الصدرين. معجم الصدرين. مهمل صدر الأول. مع معجم صدر الثاني. معجم صدر الأول مع مهمل صدر الثاني. مهمل العجزين.

مهمل عجز الأول مع معجم عجز الثاني. معجم عجز الأول مع مهمل عجز الثاني

معجم صدر الأول مع معجم عجز الثاني. مهمل صدر الأول مع معجم عجز الثاني

معجم صدر الأول مع مهمل عجز الثاني. مهمل عجز الأول مع مهمل صدر الثاني

معجم عجز الأول مع معجم صدر الثاني. مهمل عجز الأول مع معجم صدر الثاني

معجم عجز الأول مع مهمل صدر الثاني.

٦٨

وقال يؤرخ موت بعض المعاندين بقوله :

وناع تحمّل إثما كبيرا

غداة نعى آثما أو كفورا

وقد أحكم الله تاريخه

ليصلى سعيرا ويدعو ثبورا

وله في عصا من عوسج اهديت للسيد الجليل السيد محمد القزويني :

وإن عصا من عوسج تورق الندى

وتثمر معروفاً بيمنى محمد

لتلك التي يوم القيامة جده

يذود بها عن حوضه كل ملحد

ومن روائعه ما قاله في احدى زياراته للإمام الحسين (ع) عندما تعلق بضريحه الشريف :

يدي وجناحا فطرس قد تعلقا

بجاه ذبيح الله وابن ذبيحه

فلا عجب أن يكشف الله ما بنا

لأنا عتيقاً مهده وضريحه

وقال مخاطباً للإمام عليه‌السلام :

لمهدك آيات ظهرن لفطرس

وآية عيسى أن تكلّم في المهدِ

لئن ساد في أُمٍّ فأنت ابن فاطم

وان ساد في مهد فأنت أبو المهدي

وفطرس اسم ملك من ملائكة الله قيل قد جاء به جبرائيل إلى النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله عندما بعثه الله لتهنئة النبي بالحسين ليلة ولادته ، فتبرك الملك بمهد الحسين عليه‌السلام ومضى يفتخر بأنه عتيق الحسين كما ورد في الدعاء يوم الولادة : وعاذ فطرس بمهده ونحن عائذون بقبره.

وقوله ( وإن ساد في مهدٍ فأنت أبو المهدي ) لئن كان عيسى قد تكلم في المهد صبياً فالحسين أبو أئمة تسع آخرهم المهدي حجة آل محمد والذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً.

وقد ضاع أكثر شعره ، حيث أنه كان ممن لا يعنون بجمع أشعاره أو تدوينها ، مما نُسيَ أكثره ولم يبق منه غير ما حفظته الصدور ، ومما سُجّل

٦٩

له في بعض المجاميع الشعرية الخاصة ممن كانوا يعنون بجمع أدب تلك الفترة مما هو مبعثر الآن في النجف والحلة والهندية وبغداد وكربلاء.

وقد ترجم للحاج مجيد رحمه‌الله في الآثار المطبوعة كثيرون ، أشهرهم : الشيخ محمد علي اليعقوبي في ( البابليات ) في ج ٣ / القسم الثاني / ص ٦٩ ـ ٨٢. والشيخ علي الخاقاني في ( شعراء الحلة ) في ج ٤ / ص ٢٨٣ ـ ٢٩٩ ، والشيخ اغا بزرك الطهراني في ( طبقات أعلام الشيعة ) في ج ١ / ق ٣ / ص ١٢٢٦ ، وقد دوّن هؤلاء نماذج لا بأس بها من شعره يمكن مراجعتها والاغتراف منها. توفي رحمه الله في ١٧ ذي القعدة سنة ١٣٤٢ في النجف الأشرف ودفن بها.

ويقول الخاقاني في ( شعراء الحلة ) كان رحمه الله معتدل القامة عريض المنكبين أبيض الوجه مستطيله ، اختلط سواد لحيته بالبياض ، شعار رأسه ( الكشيدة ) مهيب الطلعة وقوراً له شخصية محبوبة لدى الرأي العام يحب الخير ويبتعد عن الشر يتردد إلى مجالس العلماء ويألف أهل التقوى ويستعمل صدقة السر.

وروى له جملة من تواريخه البديعة وأشعاره الرقيقة منها قصيدته في الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام وأولها :

سل عن الحي ربعه المأنوسا

هل عليه أبقى الزمان أنيسا

واخرى يرثي بها الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ويصف مصرعه بسيف ابن ملجم ليلة ١٩ من شهر رمضان وأولها :

شهر الصيام به الإسلام قد فجعا

وفي رزيته قلب الهدى انصدعا

وثالثة في الإمام الحسين عليه‌السلام وأولها :

هلّ المحرم والشجا بهلاله

قد أرقّ الهادي بغصة آله

ومن نوادره قوله :

عليٌ من الهادي كشقي يراعة

هما واحد لا ينبغي عدّه اثنين

فما كان من غطش على الخط لايح

فمن شعرات قد توسطن في البين

٧٠

وقال مخمساً والأصل للخليعي ـ وقد مرت ترجمته :

اراك بحيرة ملأتك رينا

وشتتك الهوى بيناً فبينا

فلا تحزن وقر بالله عينا

إذا شئت النجاة فزر حسينا

لكي تلقى الاله قرير عين

إذا علم الملائك منك عزما

تروم مزاره كتبوك رسما

وحرمت الجحيم عليك حتما

لأن النار ليس تمسّ جسما

عليه غبار زوار الحسين

وله في استجارته بحامي الجار قسيم الجنة والنار حيدر الكرار :

من حمى المرتضى التجأت لحصنٍ

قد حمى منه جانب العز ليث

فحيانا أمناً وجاد بمنٍّ

فهو في الحالتين غوث وغيث

مما لم ينشر من شعر العطار :

ومن تواريخه التي لم تُنشر ما قاله مؤرخاً ولادة السيد محمد طه ابن العلامة السيد حسين السيد راضي القزويني :

يُهني الحسين فتىً زكى ميلادُه

مَن قد أنابَ لدى الثناء وأخلصا

عمّ الوجود ببشرهِ في ساعةٍ

ارختُ « بالتنزيل ـ طه ـ خُصّصا »

وقوله في الجوادين عليهما‌السلام ، ( وقد التزم الجناس في القافية ) :

لي بالإمامين ( موسى ) و ( الجواد ) غنىً

إن أعوزَ الناس حاجاتٍ إلى الناس

الذاكرين جميل الصُنع إن وعدا

والناسُ للوعد ما فيهم سوى الناسي

وقد شطّرهما العلامة أبو المعز السيد محمد القزويني ارتجالاً بقوله :

( لي بالإمامين ( موسى ) و ( الجود ) غنىً )

إن لم يجد لي زماني عند افلاسي

وفيهما تكمل الحاجات من كثبٍ

( ان أعوزَ الناس حاجاتٍ إلى الناس )

( الذاكرين جميل الصنع إن وعدا )

والنافيين جميع الذل واليأسِ

والمنجزين مواعيداً لفضلهم

( والناس للوعد ما فيهم سوى الناسي )

٧١

ومن تواريخه أيضاً قوله مقرضاً ومؤرخاً « بغية المستفيد في علم التجويد » لأبي المعز السيد محمد القزويني وذلك سنة ١٣٢٧ ه‍. ( وقد أحسن وأجاد ) :

فضّ نجلُ المُعزّ لا فضّ فوهُ

عن رحيق مِن لفظه المختومِ

( عاصمُ ) الذهن في مراعاته مِن

خطأ الفكر ، ( نافعُ ) التعليمِ

( مدّ ) كفاً مِن لينها في الندى ( تش‍

‍بعُ ) ( بالوصل ) ( لازم ) ( التفخيمِ )

فصلت للتنزيل أبهى برودٍ

من معاني الترتيل لا من أديمِ

قُلتُ مُذ أرخوا « مقاصدَ كلمٍ

فُصّلت من لدن حكيمٍ عليمِ » (١)

وله مُؤرخاً ولادة المحروس ( هادي ) ابن السيد ( حمد ) آل كمال الدين الحلي سنة ( ١٣٢٦ ه‍ ) :

( حمد ) بن ( فاضل ) أنتَ أعظم عالمٍ

فيه المكارم قد أنارَ سبيلُها

غذتك مِن درّ المعارف فطنةٌ

وعليك من غرر العُلى اكليلها

هي ليلة فيها أتتك بشارةٌ

بولادة ( الهادي ) فعزّ مثيلُها

قد عمّت البشرى بها كل الورى

فلذاك يُحسن أرخوا « تفضيلها »

__________________

١ ـ نقلاً عن كتاب « الرجال » ـ المجلد الرابع ـ مخطوط للسيد جودت القزويني.

٧٢

الشيخ كاظم سبتي

المتوفى ١٣٤٢

برغم المجد من مضر سراةُ

سرت تحدو بعيسهم الحداةُ

سرت تطوي الفلا بجبال حلم

تخفّ لها الجبال الراسيات

كرام قوضت فلها ربوع

خلت فغدت تنوح المكرمات

وبانت فالمنازل يوم بانت

طوامس والمدارس دارسات

تحنّ لها وفي الأحشاء نار

تأجج والمدامع واكفات

أطيبة بعدها لا طبت عيشاً

وكنت حمى الورى وهي الحماة

وكنت سما العلى وبنو علي

بدور هدى بافقك ساطعات

أُباة سامها الحدثان ضيماً

ولم تهدأ على الضيم الأباة

أتهجر دار هجرتها فتقوى

وتأنس بالطفوف لهم فلاة

بدت فتأججت حرباً لحرب

ضغائن في الضمائر كامنات

يخوض بها ابن فاطمة غماراً

تظل بها تعوم السابحات

أُصيب وما مضى للحتف حتى

تثلمت الصفاح الماضيات

وقد ألوى عن الدنيا فظلت

تنوح بها عليه النائحات

تعجّ الكائنات عليه حزناً

وحق بأن تعج الكائنات

٧٣

إلى جنب الفرات بنو علي

قضت عطشا ألا غاض الفرات

تسيل دماؤها هدراً وتمسي

تغسّلها الدماء السائلات

وتنبذ في هجير الصيف ، عنها

سل الرمضاء وهي بها عراة

* * *

أهاشم طاولتك اميّ حتى

تسل عليك منها المرهفات

فأنتم للمخوف حمى ومنكم

تروع في الخدور مخدرات

أحقاً أن بين القوم جهراً

كريمات النبي مهتكات

بلوعة ذات خدر لو وعتها

لصدعت الجبال الشامخات

الشيخ كاظم سبتي هو أول شاعر ادركته ولا أقول عاصرته فاني لا أتصوره ولم أرَ شخصه لكني أتصور جيداً أني مضيت بصحبة أبي ـ وكنت في العقد الأول من عمري ـ إلى مأتم حسيني عقد في دار الخطيب السيد سعيد الفحام بمناسبة تجديد داره الواقعة في محلة المشراق في النجف الأشرف وكان الوقت عصراً ، ولما دخلنا الدار وجدناها تغصّ بالوافدين فقال لي أبي : إصعد أنت إلى الطابق العلوي ، فكنت في مكان لا يمكنني من الاطلالة على الطابق الأرضي المنعقد فيه المحفل فسمعت خطيباً ابتدأ يهدر بصوته الجهوري ونبراته المتزنة قائلاً : ومن خطبة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام : دار بالبلاء محفوفة وبالغدر معروفة ، لا تدوم أحوالها ولا يسلم نُزّالها ، أحوال مختلفة وثارات متصرفة ، العيش فيها مذموم والأمان منها معدوم ... إلى آخر الخطبة. ثم حانت مني التفاتة وإذا بصاحب الدار الخطيب الفحام جالس معنا مذهولاً يضرب على فخذه ويردد : ما هذا الافتتاح يا شيخ كاظم ، ما هذا الفأل يا شيخ كاظم ، وإلى جنبه أحد أقاربه يُهدّء عليه. ولما أتمّ الشيخ خطابه لاموه على هذا الافتتاح والتشاؤم وفعلاً هو معيب ، فاعتذر قائلاً : شيء جرى على لساني وكأن كل شيء غاب عني إلا هذه الخطبة فافتتحت بها. وكأن تفؤّله وتشؤمه

٧٤

حقاً فلقد أُصيب الخطيب الفحام بمرض عضّال عجز عنه الأطباء حتى قضى عليه وعمت النكبة جميع من في الدار وأصبحوا كأمس الدابر ، ويظهر لي أن الخطيب سبتي كان مؤمناً تتمثل فيه صفات المؤمن الكامل الايمان إذ اني لا أكاد استشهد منبرياً بشيء من شعره إلا ويترحم عليه السامعون ، هذا ما حدث أكثر من مرة ليس في محافل النجف خاصة بل في سائر البلدان ، وهذا ما يجعلني أعتقد أن له مع الله سريرة صالحة ونية خالصة كما يظهر أن الرجل كان واسع الاطلاع فكثيراً ما كنت أجلس مع ولده الخطيب الأديب الشيخ حسن سبتي واسأله عن مصدر لبعض الأحاديث والروايات فكان أول ما يجبيني به قوله : كان أبي يروي هذا منبرياً. وحفظت له شعراً ورددته مراراً فمنه قوله في التمسك بأهل البيت والحسين خاصة :

يا غافلاً عما يراد به غداً

ويؤول مقترف الذنوب اليه

خذ بالبكاء على الحسين ففي غد

تلقى ثوابك بالبكاء عليه

ترجم له ولده الشيخ حسن في صدر الديوان الموسوم ب‍ ( منتقى الدرر في النبي وآله الغرر ) كما ترجم له الشيخ المصلح كاشف الغطاء وغيرهما وهذا ما جاء في سيرته على قلم مترجميه :

الخطيب الأديب الشيخ كاظم ابن الشيخ حسن ابن الشيخ علي ابن الشيخ سبتي السهلاني الحميري. توفي عنه والده وهو صغير فأودعته امه عند السيد حسن السلطاني الصائغ ليحترف الصياغة ولكنه رغب عن صياغة الذهب والفضة إلى صياغة الكلام ومجلوّ النظام وسرعان ما مالت به نفسه لطلب العلم فأخذ ينتهل منه برغبة وشوق فدرس المقدمات وساعدته لباقته وحسن نبراته على تعاهد الخطابة وارتقاء الأعواد ، وكان المنبري ذلك اليوم لا يتعدى غير رواية قصة الحسين عليه‌السلام ومقتله يوم عاشوراء ، وإذا بهذا المتكلم يروي خطب الإمام أمير المؤمنين (ع) عن ظهر غيب فعجب الناس واعتبروه فتحاً كبيراً في عالم الخطابة ثم قام يروي السيرة النبوية وسير أهل البيت وربما روى

٧٥

سيرة الأنبياء السابقين وقصصهم فكان بهذه الخطوة يراه الناس مجدداً حيث حفظ وقرأ وهكذا من يحفظ ويقرأ يرونه مجدداً لأنهم كانوا لا يحسنون اكثر من قراءة المقاتل في ذلك الحين سمّي كل من يقوم بقراءة كتاب ( روضة الشهداء ) للشيخ الكاشفي ( روضة خون ) ان يقرأ الروضة ، ويمتاز الخطيب المترجم له انه لا يروي إلا الصحيح فلا يروي الأخبار غير المسندة او الضعيفة السند.

وكان المنبريون قبله لا يحسنون اكثر من أن يتناول الواحد منهم كتاب ( روضة الشهداء ) ويقرأه نصاً ثم تطوّرت إلى حفظ ذلك الكتاب ورواية ما فيه فقط كالسيد حسين آل طعمة المتوفى سنة ١٢٧٠ ه‍. وهو ممن ولد ونشأ ومات بكربلاء المقدسة ، وسلسلة نسبه رحمه الله هكذا : حسين بن درويش ابن احمد بن يحيى بن خليفة نقيب الاشراف ، ويتصل نسبه بالسيد ابراهيم المجاب بن محمد العابد بن الإمام موسى بن جعفر. وهكذا كان من معاصريه وهو السيد هاشم الفائزي المتوفي سنة ١٢٧٠ ه‍. ايضا ولد ونشأ وتوفي بكربلاء وهو ابن السيد سلمان ابن السيد درويش ابن السيد احمد ابن السيد يحيى آل طعمة ، وكان في اسلوبه لا يخرج عن قصة الحسين عليه‌السلام ومصرعه ومصارع اهل بيته. فجاء خطيبنا الشيخ كاظم وقد تطور منبره إلى رواية سيرة النبي والأئمة وحفظ خطب الإمام فكان انفتاحاً جديداً في المنبر الحسيني.

ولهذه الشهرة التي حازها ، طلبه جماعة من وجهاء بغداد وأكابرهم ليسكن هناك ، فهاجر اليها سنة ١٣٠٨ ه‍. وبقي سبع سنين يرقى الأعواد في المحافل الحسينية ويومئذ كانت المحافل تغص بالسامعين فلا اذاعة تشغلهم ولا تلفزيون يلهيهم ، وفي سنة ١٣١٥ ه‍. ألزمه جماعة من علماء النجف بالعودة للنجف فكان خطيب العلماء وعالم الخطباء يلتذ السامعون بحديثه ويقبلون عليه بلهفةوتشوق ولهم كلمات بحقه تدل على فضله ونبله. ترجم له معاصروه فقالوا : كان مولده في النجف عام ١٢٥٨ ه‍. والمصادف ١٨٤٢ م. وشبّ ، وهوايته العلم فدرس على الشيخ محمد حسين الكاظمي والشيخ ملا لطف الله المازندراني وأمثالهما.

٧٦

قال صاحب الحصون : فاضل معاصر وأديب محاضر ، وشاعر ذاكر ، تزهو بوعظه المنابر ، إن صعد المنبر خطيباً ضمخ منه طيباً (١) حسن المحاورة ، وله ديوان كبير في مراثي الأئمة وفي غير ذلك كثير.

وقال السيد صالح الحلي خطيب الأعواد ـ وهو المعاصر للمترجم له : الشيخ كاظم هو الرجل الوحيد الذي يقول ويفهم ما يقول.

ترجم له الشيخ السماوي في الطليعة وذكر طائفة من أشعاره ومنها قوله :

أما والحمى يا ساكني حوزة الحمى

وحاميه إن أخنى الزمان وإن جارا

فان أمير المؤمنين مجيركم

وان كنتم حمّلتم النفس أوزارا

ومن يك أدنى الناس يحمي جواره

فكيف لحامي الجار أن يسلم الجارا

وقوله مشطراً البيتين المشهورين :

بزوار الحسين خلطت نفسي

ليشفع لي غداً يوم المعاد

وصرتُ بركبهم أطوى الفيافي

لتحسب منهم عند العداد

فان عدّت فقد سعدت وإلا

فقد أدّت حقوقاً للوداد

وإن ذا لم يعدّ لها ثوابا

فقد فازت بتكثير السواد

وقال مخمساً :

زكا بالمصطفى والآل غرسي

وحبّهم غدا دأبي وانسي

لحشري قد ذخرتهم ورمسي

بزوار الحسين خلطت نفسي

لتحسب منهم عند العداد

نظرت إلى القوافل حيث تتلى

حثثتُ مطيتي والقلب سلا

تبعتُ الركب شوقاً حيث حلا

فان عدت فقد سعدت والا

فقد فازت بتكثير السواد

__________________

١ ـ اشار الشيخ الى قول محمد بن نصر المعروف بابن القيسراني المتوفى ٥٤٨ ه‍. يمدح خطيباً :

فتح المنبر صدراً

لتلقيك رحيبا

أترى ضم خطيبا

منك ام ضمخ طيبا

٧٧

وقوله في كرامة للامام موسى الكاظم سنة ١٣٢٥ ه‍. وقد سقط عامل كان ينقش في أعلى الصحن بقبة الإمام الكاظم عليه‌السلام ، وقد شاهدها الشيخ بعينيه :

إلهي بحب الكاظمين حبوتني

فقويت نفسي وهي واهية القوى

بجودك فاحلل من لساني عقدة

لأنشر من مدح الإمامين ما انطوى

هوى إذ أضاء النور من طوره امرء

كما أن موسى من ذرى الطور قد هوى

ولكن هوى موسى فخرّ إلى الثرى

ولما هوى هذا تعلّق بالهوى

أقول : كنتُ في سنة ١٣٧٧ ه‍. قد دعيت للخطابة في بغداد بالكرادة الشرقية في حسينية الحاج عبد الرسول علي ، وفي ليلة خصصتها للامام الكاظم فتحدثت منبرياً بهذه الكرامة وإذا بأحد المستمعين يبادرني فيقول : انها حدثت معي هذه الكرامة فقلت له : أرجو أن ترويها لي كما جرت ، قال : كنت في سنّ العشرين وأنا شغيل واسمي داود النقاش فكنت مع استاذي في أعلى مكان من الصحن الكاظمي ننقش بقبة الامام الكاظم والبرد قارس وقد وقفت على خشبة شُدّ طرفاها بحبلين فمالت بي فهويت فتعلق طرف قبائي بمسمار فانقلع وفقدت احساسي فما أفقتُ إلا والصحن على سعته مملوء بالناس والتصفيق والهتاف يشق الفضاء وخَدَمَة الروضة يحامون عني ويدفعون الناس لئلا تمزق ثيابي وقمت فلم أجد أي ألم وضرر ، أقول ونظمها الشيخ السماوي في أرجوزته ( صدى الفؤاد إلى حمى الكاظم والجواد ) وآخرها قوله :

قالوا وقد زيّنت البلادُ

من فرح وابتدأت بغدادُ

طبع ديوانه في النجف عام ١٣٧٢ ه‍. وعليه تقاريض لجماعة من الفضلاء ، كما طبع له ديوان آخر باللغة الدارجة وكله في أهل البيت عليهم‌السلام ولا زال يحفظ ويردد على ألسنة ذاكري الحسين وتعرض نسخة في أسواق الكتب باسم ( الروضة الكاظمية ) أما ديوانه المتقدم ذكره فهو ( منتقى الدرر في النبي وآله الغرر ). أجاب داعي ربه يوم الخميس آخر ربيع الأول سنة ١٣٤٢ ه‍. ودفن في الصحن الحيدري قرب ايوان العلامة الشيخ الشريعة.

٧٨

الشيخ حمزة قفطان

المتوفى ١٣٤٢

هواك أثار العيس تقتادها نجد

ويحدو بها من ثائر الشوق ما يحدو

تجافى عن الورد الذميم صدورها

لها السير مرعىً واللغام لها ورد

تمرّ على البطحاء وهي نطاقها

وتعلو على جيد الربى وهي العقد

عليها من الركب اليمانيّ فتية

ينكّر منها الليل ما عرف الودّ

أعدّوا إلى داعي المسير ركابهم

وأعجلهم داعي الغرام فما اعتدوا

تقرّب منهم كل بعد شملّة

عليها فتىً لم يثن من عزمه البعد

وما المرء بالانساب إلا ابن عزمه

إذا جدّ أنسى ذكر آبائه الجد

يردّ الخصوم اللد حتى زمانه

على أن هذا الدهر ليس له ردّ

ويغدو فاما ان يروح مع العلى

عزيز حياة أو إلى موته يغدو

ويغضى ولا يرضى القذى بل عن الكرى

جفوناً عن التهويم أشغلها السهد

الى قوله :

وهل قصرت كف تطول إلى العلى

لها ساعد من شيبة الحمد يمتدّ (١)

__________________

١ ـ عن شعراء الغري يرويها عن الخطيب الشيخ سلمان الانباري قال : وهي في الامام الحسين (ع).

٧٩

الشيخ حمزة ابن الشيخ مهدي الشهير بقفطان شاعر مطبوع وشخصية مرموقة ، ولد بحي واسط سنة ١٣٠٧ ه‍. ونشأ بها ودرس المقدمات على أخيه الشيخ محمد صالح الذي كفله منذ الصغر ولما وجد في نفسه القابلية هاجر إلى النجف وأكبّ على دراسة العلوم الإسلامية ولازم العلامة الشيخ عبد الحسين الحياوي ينتهل من علومه حتى فرغ من دراسة كفاية الاصول وكتب الفقه الاستدلالي ، وفي أثناء تلقي العلوم كان يتعاهد ملكته الشعرية كما درس علمي الحكمة والكلام على السيد عدنان الغريفي فبرع فيهما وساجل جماعة من العلماء الفضلاء أمثال الشيخ جعفر النقدي والشيخ عيسى البصري والسيد عدنان الغريفي فكان لديهم موضع التقدير والاجلال أما الذي استفاد منه فهو الخطيب الشيخ سلمان الأنباري وهو الذي يروي عنه المقطع الأول من القصيدة الحسينية التي هي في صدر الترجمة ، وقد جمع له أخوه الشيخ محمد صالح ديواناً حافلاً بروائع الشعر الذي كان قد نشر قسماً منه في الصحف والمجلات التي كانت تصدر آنذاك ومنها مجلة اليقين البغدادية فقد نشرت له عدة قصائد في سنتها الاولى بتاريخ ١٣٤١ ه‍. ومنها قصيدة عنوانها : العلم والحجاب ، وله اخرى عنوانها راية العز قال فيها :

راية العز شأنها الارتفاع

تتسامى منصورة إذ تُطاع

راية يقرأ المفكر فيها

ما روى مجدنا القديم المضاع

حيّ أعلامنا وحيّ قناها

يوم كانت تندك منها القلاع

يوم كانت بنو معدّ بن

عدنان مهيباً جهادها والدفاع

يوم كان العقاب يخفق في

الجوّ ومنه نسر الأعادي يراع

يوم أردى كسرى وقيصر منه

زجلٌ لا تطيقه الاسماع

ما اكتسى لون خضرة النصر إلا

بعدما احمرّ بالدماء اليفاع

ذاك عصرٌ بنوره ملأ الأرض

التي ضاء في دجاها الشعاع

ذاك عصر النبي والامناء الغرّ

إذ أمرهم مهيب مطاع

٨٠