أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٩

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٩

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٦

فراحوا يحيونَ المواضي بأنفسٍ

صفت فسمت مجداً على كل ذي مجد

وقد أفرغوا فوق الجسوم قلوبهم

دروعاً بيومٍ للقيامة محتدّ

ولما قضوا حق المكارم والعلى

ببيض المواضي والمطهمة الجردِ

وخطّوا لهم في جبهة الدهر غُرةً

من الفخر في يوم من النفع مسودِ

تهاووا على وجه الصعيد كواكباً

وقد أكلتهم في الوغى قضب الهُندِ

ضحىً قبّلتهم في النحور وقبّلوا

عشياً نحور الحور في جنة الخلد

* * *

ولم يبق إلا قطب دائره العُلى

يدير رحى الهيجاء كالأسد الورد

وحيداً أحاطت فيه من كل جانب

جحافل لا تحصى بحصرٍ ولا عدّ

فدىً لك فرداً لم يكن لك ناصرٌ

سوى العزم والبتار والسلهب النهد

وقفت لنصر الدين في الطف موقفاً

يشيب له الطفل الذي هو في المهدِ

وأرخصت نفساً لا توازن قيمة

بجملة هذا الكون للواحدِ الفردِ

ترد سيول الجحفل المجر والحشى

لقرط الظما والحرّ والحرب في وقد

بعضب الشبا ماضٍ كأنّ فرنده

سَنا البرق في قط الكتائب والغدِ

وتحسب في الهامات وقع صليله

بكل كميّ دارعٍ زجل الرعد

فيكسو جسومَ الدارعين مطارفاً

من الضرب حمزاً ان تعرّى من الغمد

ولما دنا منه القضا شام سيفَه

وليس لما قد خطه الله من ردّ

هوى للثرى نهبَ الأسنة والظبا

بغلة قلب لم تذق بارد الورد

هوى فهوى ركن الهداية للثرى

وأمسى عماد المجد منفطم العقد

وقام عليه الدين يندب صارخاً

ويلطم في كلتا يديه على الخدّ

* * *

تحامته ان تدنو عليه عداته

صريعاً فعادوا عنه مرتعش الأيدي

فيا غيرة الإسلام أين حماته

وذي خفراتُ الوحي مسلوبة البرد

تجول بوادي الطف لم تلف مفزعاً

تلوذ به من شدة الضرب والطرد

وتستعطف الأنذال في عبراتها

فتجبهُ يا لله بالسبّ والردّ

برغم العُلى والدين تُهدى أذلةً

فمن ظالمٍ وغدٍ إلى ظالمٍ وغدِ

٣٢١

السيد حسن البغدادي

المتوفى ١٣٦٧

يا قلب زينب ما لاقيت من محن

فيك الرزايا وكل الصبر قد جُمعا

لو أنّ ما فيك من حزن ومن كمد

في قلب أقوى جبال الأرض لأنصدعا

يكفيك فخراً قلوب الناس كلهم

تقطعت للذي لاقيته جزعا

وكل رضيع يغتذي درّ أمه

ويرضع من ألبانها ثم يُفطَم

سوى أن عبد الله كان رضاعه

دماه وغذّته عن الدرّ أسهم

تبسّم لما جاءه سهم حتفه

وكل رضيع للحلوبة يبسم

تخيّله ماء ليروي غليله

ففاض عليه الغمر لكنه دم

السيد حسن ابن السيد عباس ابن السيد علي بن حسين بن درويش بن أحمد ابن قاسم بن محمد بن كاسب بن قاسم بن فاتك بن أحمد بن نصر الله بن محمود بن علي بن يحيى بن فضل بن محمد بن ناصر بن يوسف بن علي بن يوسف بن علي ابن محمد بن جعفر ( الذي يقال له الطويل وبه عرف بنوه ببني الطويل ) ابن علي بن الحسين شيتي ويُكنى بأبي عبد بن محمد الحائري ( وقبره في واسط وهو المعروف بالعكار ابن الإمام محمد الباقر إبن الإمام زين العابدين بن الحسين الشهيد ابن علي بن أبي طالب (ع).

٣٢٢

نظم والده السيد عباس المتوفى سنة ١٣٣١ ه‍. هذا النسب في ارجوزة له وهي مذكورة في ترجمته. ولد المترجم له سنة ١٢٩٨ ه‍. ونشأ في ظل والده حيث وجهه للخطابة والخدمة الروحية من طريق المنبر الحسيني ، وكان كريم الطلعة بهي المنظر تنمّ عليه السيادة وتزدهيه الشمائل العلوية قد أوتي بسطة في العلم والجسم واسع الاطلاع ملماً بالتاريخ العربي والإسلامي بل والتاريخ الاممي وعقيدتي انه بزّ اقرانه فكان منبره من أغزر المنابر مادةً ، استمعتُ اليه اكثر من مرة فرأيته متثبتاً كل التثبّت فيما يقول وكلامه كاللؤلؤ المنظوم فإنه يذكر الآية الشريفة ثم يأتي بما يناسبها من الأحاديث النبوية والأقوال الحكمية والشواهد الشعرية ، وكان يحفظ الكثير من شعر العرب اما ديوان المهيار الديلمي فيكاد ان يستظهره حفظاً وقال لي مرة ان هذا الديوان الذي طبعته دار الكتب بمصر وزعمت انها شرحته وحققته ودققته فإني سجّلت أغلاطها والمؤاخذات عليها ولعله في كل صفحة من الصفحات عشر مؤاخذات ، واستمعتُ اليه يتكلم منبرياً في موضوع الإمامة وإذا ممن اشبع الموضوع بحثاً ، وصادف مرة أن قصد زيارة الإمامين العسكريين بسامراء وكان هناك المرجع الديني الكبير السيد أبو الحسن الأصفهاني وأكثر الحوزة العلمية بخدمته ، فجاء خطيبنا للسلام عليه فطلب منه التحدث منبرياً فاستجاب وتحدث أكثر من ساعة بما لذّ وطاب عن الآل الأطياب وسلالة داحي الباب وشنف الأسماع والألباب وهكذا استمر كل يوم صباحاً يحضر ويرقى المنبر حتى أكمل شهراً كاملاً كله حول أهل بيت الرحمة السادة الأئمة وفي كل يوم يزداد السيد ابو الحسن اعجاباً به أكثر من سابقه.

مؤلفاته :

١ ـ الدر المنظوم في الحسين المظلوم وهو مقتل الحسين وما يدور حول فاجعة الطف والشعر الذي قيل فيها ب‍ ١٥٠٠ صفحة رويتُ عنه في الجزء السابق من هذه الموسوعة ، فرغ من تأليفه ١٥ جمادى الأولى سنة ١٣٣٩ ه‍.

٣٢٣

٢ ـ المطالب النفيسة. اخبرني هو عنها وقال تجمع تراجم عظماء الإسلام.

٣ ـ سفينة النجاة في الأئمة الهداة ، ابتدأ بجمعه في ١٥ شهر رمضان ١٣٢٥ ه‍. وانتهى منه في ٥ ذي القعدة سنة ١٣٣٤ ه‍.

٤ ـ الدر النضيد في رثاء الشهيد يشتمل على مجموعة كبيرة من القصائد في الإمام الحسين (ع).

٥ ـ كنانة العلم اشبه بالكشكول يضم النوادر الأدبية والتاريخية بدأ به بتاريخ ١١ صفر ١٣٤٦ ه‍. وانتهى منه ٢٦ رمضان سنة ١٣٥١ ه‍.

٦ ـ مجموع كبير يجمع الشعر والنثر وفيه ( انجيل برنابا ) المطبوع والممنوع قد كتبه بخطه بالرغم من ان ايطاليا قد جمعت هذا الانجيل ومنعت نشره.

وله مخطوطات تقارب ١٢ مخطوط كلها علم وادب وشعر ونثر محفوظة عند ولده السيد شمس الدين الخطيب.

توفي ببغداد يوم الجمعة ١٩ صفر سنة ١٣٦٧ ه‍. على أثر انفجار في الدماغ وكان موته في مستشفى المجيدية ونقل إلى كربلاء وذلك ليلة زيارة الأربعين وكانت هناك مواكب الزائرين من جميع العراق فاشتركت جميع المواكب بتشييعه وشيّعه ما لا يقل عن ربع مليون نسمة ، وقد أظهر البصريون في تلك الليلة حبهم وولاءهم له فكانوا في طليعة المشيعين لانه كان خطيبهم في محرم الحرام لمدة ٣٦ عاماً ثم نقل جثمانه إلى النجف الأشرف ودفن عند رأس الإمام أمير المؤمنين (ع) تحت الساباط من جهة يمين الداخل إلى المسجد هناك بقرب قبر الشاعر السيد حيدر الحلي رحمهما الله. كتب عنه البحاثة السيد الشريف المعاصر السيد جودت القزويني وجمع أكثر شعره ونثره قال : وله في وصف ( نهج البلاغة ) لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام :

نهجٌ له كل الأنام قد غدت

خرساً وأهدى للطريق الأعدل

فلم نجد أفصح منه منطقاً

سوى لئالى المصحف الغض الجلي

فذا كلام قاله المولى العلي

وذا كلام قاله المولى علي

٣٢٤

ومن رثائه للإمام الحسين عليه‌السلام :

تبسم باللوى ثغر الأقاح

ومنه الأرض ضاحكة النواحي

وقد نسج الربيع له رداءً

تفوّق وشيه أيدي الرياح

قد اعتنق البشام به الخزامى

معانقة المتيم للملاح

إلى أن يقول :

لعمرو أبيك ما جزعي لركب

أغذّ على ذرى النيب الطلاح

ولكن للاولى جزروا عطاشا

بعرصة كربلا جزر الاضاحي

بيوم ليس استأ منه يوم

علا فيه الفساد على الصلاح

لقد صبروا بذاك اليوم صبراً

به ظفروا بجامحة النجاح

تأسوا في أبيّ الضيم مَن قد

أقام الدين حيّ على الفلاح

ولما أن دنا المقدار منهم

هووا ما بين مشتبك الرماح

وعاد ابن النبي هناك فرداً

يعالجها ابن معتلج البطاح

جلا ليل القتام بحرّ وجه

كأن جبينه فلق الصباح

ومذ نور الإله له تجلّى

وناداه فلبّى بالرواح

بوادي الطف آنس نار قدس

فخرّ مكلّماً دامي الجراح

وبات معانقاً سمر العوالي

وبيض الهند في ليل الكفاح

وقال مذيلاً أبيات ابنة حجر بن عدي الكندي في رثاء أبيها والتي رواها المسعودي :

تُرفّع ايها القمر المنير

لعلك أن ترى حجراً يسير

يسير إلى معاوية بن حرب

ليقتله كما زعم الأمير

ترفّعت الجبابر بعد حجر

وطاب لها الخورنق والسدير

وأصبحت البلاد له محلاً

كأن لم يغنها مزنٌ مطير

ألا يا حجر حجر بني عديٍّ

تلقتك السلامة والسرور

فان تهلك فكل زعيم قوم

عن الدنيا إلى هلك يصير

ألا يا ليت حجراً مات موتاً

ولم يُنحر كما نحر البعير

٣٢٥

فقال :

وذبح السبط شابه ذبح حجر

وكلٌ ذبحه إثمٌ كبير

ولكن اين حجرٌ من حسين

وهل رضت لمن معه صدور

وهل سلبوا إلى حجر نساءً

وهل هتكت لنسوته خدور

وهل ذبحوا له طفلاً صغيراً

ألا بأبي وبي الطفل الصغير

وهل تركوه في الرمضا ثلاثاً

تريب الجسم يصهره الهجير

وهل حملوا له رأساً قطيعاً

كأن جبينه القمر المنير

وهل قادوا له مضنى عليلاً

على الأقتاب في غلٍّ يسير

وهل نكثوا له بالعود ثغراً

وهل سكبت بجانبه الخمور

حجر بن عدي الكندي رحمة الله عليه من فضلاء الصحابة ويُعدّ من الأبدال وكان صاحب راية رسول الله (ص) وهو رئيس زاهد محب وإخلاصه لأمير المؤمنين أكثر مما يذكر ، وله مواقف مشرفة في مغازي المسلمين وقائد مظفر في الفتح الإسلامي ومن أكبر قواد المسلمين يوم حرب المسلمين مع الروم وهو الذي فتح مرج عذراء (١) جعله أمير المؤمنين علي (ع) يوم صفين على كندة وفي يوم النهروان على ميسرة الأجمع. وقد قُتل حجر وأصحابه بمرج عذراء صبراً بأمر من معاوية بن أبي سفيان حيث لم يتبرأوا من علي بن أبي طالب عليه‌السلام ودفنوا هناك. وقد أوثر عنه في ساعة شهادته قوله : أما والله لئن قتلتموني بها إني لأول فارس من المسلمين سلك في واديها ، وأول رجل من المسلمين نبحته كلابها.

__________________

١ ـ عذراء بفتح المهملة وسكون المعجة. قرية بغوطة الشام.

٣٢٦

الشيخ محمد حسن دِكسن

المتوفى ١٣٦٨

حتامَ يا دنيا التصبر للكرب

وانت على البغضا أقمت على حربي

كأنك من أعدى العدى لابن حرة

فكيف تواخيني وما أنت من صحبي

طبعت على البلوى إلى أن ألفتها

وقلت لصحبي لا يهولنكم كربي

تجرعتُ للدنيا مرارة كأسها

إلى أن حلى عندي ولذّ به شربي

فقابلتُ في صبري جهات ثلاثة

رغبن باتلافي تشاركن في سلبي

ففرقة أوطان وفقد أحبة

وجور زمان حار منه ذوو اللب

فطرتُ على الضراء ما ريع لي حشى

ولكن يوم الطف روّع لي قلبي

فلله يوم طبق الدهر شجوه

وأجرى دماً فيه له أعين السحب

فذلك يوم قام فيه ابن أحمد

خطيباً بدرع الصبر واللدن القضب

أبوه علي لا يقاس بغيره

بحرب وهذا الندب من ذلك الندب

فلولاه قضاء الله يمسكه قضى

بحرب على كوفانها وبني حرب

فلم تره إلا على ظهر سابح

يشق غبار الحرب في صدره الرحب

إلى أن اتاه السهم من كف كافر

فخرّ به من صهوة المهر للترب

فكوّر نور الشمس حزناً لفقده

وأعولت الأملاك ندباً على ندب

٣٢٧

وقل ليتامى المسلمين ألا اعولي

عطوفاً عليك حلؤه عن الشرب

ويا زعماء الدين لا تتفيئوا

ظِلالاً وفي الشمس الحسين بلا ثوب

الخطيب الأديب الورع التقي الشيخ محمد حسن بن عيسى بن مال الله بن طاهر بن أحمد بن محسن بن حبيب بن ياسين الأسدي البصري نال شهرة واسعة في الخطابة. ولد في النجف سنة ١٢٩٦ ه‍. ونشأ بها على أبيه ودرس المقدمات وأخذ الخطابة عن الشيخ علي المعروف ب‍ ( ابن عياش ) فكان من ألمع أقرانه وتوالى عليه الطلب من البصرة والمحمرة للخطابة هناك وإحياء مآتم سيد الشهداء وعلى منبره مسحة من قبول فلا يكاد يخطب ويتخلص للمصيبة حتى تجري دمعته ، وألّف مجالس العلماء هناك كالسيد ناصر ابن السيد عبد الصمد البحراني ومن بعده السيد عدنان الغريفي ولمع نجم الشيخ دكسن وطلبه أمير المحمرة وحاكمها المرحوم الشيخ خزعل الكعبي فكانت له المنزلة السامية عنده وفي أيام التحصيل يكون النجف الأشرف مقره مهاجراً اليها بعياله وينكب على الدراسة إلى جنب الخطابة وكنت استمع اليه يقرأ القصائد الطوال في رثاء الحسين عليه‌السلام واكثر ما يقرأ من المراثي للحاج هاشم الكعبي فكان يحتفظ بديوانه المخطوط الذي يحتوي على المراثي والغزل والمديح والتهاني ، أما أساتذته في الدراسة فهم كما يلي :

١ ـ العلامة السيد مهدي البحراني في النحو والمنطق.

٢ ـ العلامة السيد محمد علي الصائغ في الفقه.

٣ ـ العلامة الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء معالم الاصول.

٤ ـ العلامة الشيخ نعمة الله الدامغاني الأسفار والحكمة.

مضافاً إلى انضمامه في حوزة المجتهد الكبير الشيخ علي الشيخ باقر الجواهري. وله آثار مخطوطة منه : شرح الصحيفة السجادية ، مخطوط جمع فيه النوادر والأدب والعلم والذي طبع له ( الروضة الدكسنية ) وهو ديوانه

٣٢٨

باللغة الدارجة وكله في مراثي أهل البيت من أرقّ الشعر وأعذبه نستشهد به في مجالسنا الحسينية فيهزّ العواطف ويثير الدمعة ، وله ديوان باللغة للفصحى ومنه قوله في النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

عج بالنياق ليثرب يا حادي

نبك الاولى من أهل ذاك النادي

وأذرى الدموع وخلّني ولواعج

وحشاشتي وزفيرها الوقاد

ما لي أرى الدار التي قد أشرقت

بالبشر دهراً جلببت بسواد

فأجاب بالدمع الهطول لحادث

أهل الحمى وبنفثة الأكباد

فاليك عني لا تسل عما جرى

فالأمر صعب والخطوب عوادي

وأمضّ ما لاقى الحمى يومٌ به

طرقته طارقة النوى بالهادي

ما مرّ يوم مثل يوم محمد

أشجى الأنام اسى إلى الميعاد

يوم به جبريل أعلن قائلاً

الله أكبر أكبر والدموع بوادي

ويح الزمان ويا له من غادر

أبكى الأمين وفتّ بالأعضاد

وأمض شيء في الحشي صدع الحشا

صوت البتولة من حشي وقاد

ابتاه من لي بعد فقدك سلوة

فلأبكينك يقظتي ورقادي

كيف اصطباري أن أراك مفارقي

فالعين عبرى والأسى بفؤادي

لله صبر المرتضى مما رأى

فقد النبي وفرحة الحساد

لم أدري أي رزية أبكي لها

ألغصب حقي أم لفقد الهادي

الله أكبر يا لها من فجعة

قامت نوادبها بسبع شداد

وبقبره قد أُلحدت أكبادنا

وتراجعت ثكلى بلا أكباد

توفاه الله يوم الأحد في قرية الدعيجي من لواء البصرة سنة ١٣٦٨ ه‍. ونقل جثمانه إلى النجف وارخ وفاته الخطيب الشيخ علي البازي بقوله :

ومنبر السبط بكى تاريخه

لما توفي الخطيب الحسن

وسبب تلقيبه با ( الدكسن ) يقول هو رحمه الله عندما سئل عن ذلك قال : لما كنتُ قصير القامة جهوري الصوت شبهني الناس بالبندقية المعروفة ب‍ ( الدكسن ) لامتيازها بالقصر وقوة الصوت.

٣٢٩

السيد حسن قشاقش

المتوفى ١٣٦٨

قال يصف شهداء الطف :

وردوا على الهيجا ورود الهيم

ورأوا عظيم الخطب غير عظيم

وتنازعوا كأس المنية بينهم

في غير ما لغوٍ ولا تأثيم

يتسابقون إلى الهجوم وكأنهم

خلقوا ليوم تسابق وهجوم

وكأنهم والحرب تزفر نارها

من انسهم في جنة ونعيم

و كأنما بيض الظبا بيض الدمى

لاقتهم برحيقها المختوم

تروي حديث الموت عن عزماتهم

بيض الصفاح على القضا المحتوم

من كل أصيد قد نماه أصيد

وكريم قوم ينتمي لكريم

يستعجلون البذل قبل أوانه

ويسارعون لدعوة المظلوم

نثروا كما نظموا الجماجم والطلى

فتشابه المنثور بالمنظوم

وجدوا الحياة مع الهوان ذميمة

والموت في العلياء غير ذميم

وتقدموا للموت قبل إمامهم

ولقد يجوز تقدّم المأموم

السيد حسن بن محمود بن علي بن محمد الأمين بن أبي الحسن موسى بن حيدر بن إبراهيم بن أحمد الحسيني الشقرائي العاملي المعروف ب‍ ( قشاقش ) والشهير بالأمين وينتهي نسبه إلى الحسين ذي الدمعة بن زيد الشهيد بن علي بن

٣٣٠

الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام عالم جليل وشاعر مطبوع. ولد عام ١٢٩٩ ه‍. في قرية عثرون التي انتقل اليها أبوه من شقراء ، قرأ على أخيه السيد علي وفي مدرسته ست سنوات ، قال السيد الأمين في الأعيان : هاجر إلى العراق عام ١٣١٦ ه‍. فقرأ فيها عليّ علمي الأصول والفقه إلى أن خرجت من النجف عام ١٣١٩ ه‍. وكان يسكن معي في دار واحدة نحواً من ثلاث سنوات كان فيها مكباً على التحصيل والدرس والتدريس ، وقرأ على الشيخ أحمد كاشف الغطاء ، وعلى الشيخ علي ابن الشيخ باقر آل الجواهر ثم سافرت إلى الشام وبقي هو في النجف نحواً من عشر سنين يحظر دروس الخارج ويقرأ عليه الطلاب ، وعاد إلى جبل عامل عام ١٣٣٠ ه‍. وأراد السكنى في مسقط رأسه عثرون فذهب اليها فلم تستقر به الدار فخرج منها إلى شقراء وبقي فيها عدة سنين استفاد منه جماعة وانتهلوا من علومه منهم الشيخ محمد جواد الشري قبل ذهابه للعراق ثم انتقل إلى خربة سلم بطلب من أهلها فاكرموا وفادته وقاموا بما يجب حياً وميتاً. وكان عالماً فاضلاً فقيهاً بارعاً محققاً مدققاً حاد الفهم وأديباً شاعراً متميزاً في حسن نظمه ورصانة شعره ، وترجم له صاحب الحصون المنيعة ، وخلّف من الآثار العلمية رسالة في الرد على الوهابية ، مجلد في الطهارة ، منظومة في الرضاع أسماها ( فصيلة اليراع في مسائل الرضاع ) ، منظومة في الاجتهاد والتقليد ، فمن شعره وهو يتشوق إلى الوطن عندما توجه العراق سنة ١٣١٦ ه‍.

لئن كنت مأسور الفؤاد بنأيكم

فطرفي في قاني المدامع مطلق

ومن عجب قلبي وجسمي تباعدا

فهذا شئاميٌ وذلك معرق

أنام إذا ما هزني الشوق حيلة

لعلّ خيالاً منكم اليوم يطرق

وكنا جميعاً فرّق الدهر بيننا

وما خلتُ يوماً أننا نتفرق

فيا دارنا بالشام هل لك رجعة

لصبٍ يصب الدمع طوراً ويغدق

سقاك الحيا اما تذكرت جيرة

بك استوطنوا أو شكت بالريق أشرق

٣٣١

وبين ضلوعي نار وجد تسعّرت

ولولا دموعي كدت بالوجد أحرق

لحقت بقومي في المكارم والعلى

وما كل من رام المكارم يلحق

وأصبحت لا أبغي سوى العز متجراً

وكل امرء لا يبتغي العزّ أحمق

أراب وقلبي قد تعلّق في ولا

أبي حسن الكرار والقلب يعلق

وصرت له جاراً ومن كان جاره

عليٌ أبو السبطين ذاك الموفق

ترجم له علي الخاقاني فذكر مراسلاته ومجموعة من أشعاره وقال : توفي بمدينة بيروت جمادى الآخرة عام ١٣٦٨ ه‍. ودفن في ( خربة سلّم ) بموكب مهيب مشى فيه أكثر من مائة سيارة اشترك فيه جميع الأعيان والوجوه ورثاه جمع من الشعراء في اليوم السابع وهو يوم اسبوعه ، وعدّدوا مزاياه ومميزاته وعدد الشعراء والخطباء ٢٦.

وترجم له السيد الأمين في الأعيان وذكر طائفة من أشعاره فمنها قوله :

لي جسم أضناه ذكر المغاني

وفؤاد أصماه حب الغواني

وضلوع من الغرام تثقّفن

فها هنّ كالقسي حواني

٣٣٢

الشيخ محسن ابو الحب

المتوفى ١٣٦٩

سبط النبي أبو الأئمة

من للخلائق جاء رحمه

هذا الحسين ومن بساق

العرش خطّ الله إسمه

وبقلب كل موحد

قد صوّر الرحمن رسمه

هذا سليل محمد

لبني الولا كهفٌ وعصمه

هذا ابن بنت المصطفى

مولى له شأن وحرمه

من أهل بيت زانهم

كرم ومعروف وحشمه

في شهر شعبان علينا

الخيرَ خالقنا أتمّه

ولد الحسين ونوره

مذ شعّ أذهب كل ظلمه

جبريل هنّأ جدّه

وأباه والزهراء أمه

كان النبي إذا رآه

اليه أدناه وضمّه

غذّاه من إبهامه

لبناً وقبّله وشمّه

فيه تبرّك فطرس

وبه محى الرحمن جرمه

وكذاك دردائيل اعتقه

وأذهب عنه إثمه

وله أجلّ مناقب

وفضائل في الدهر جمّه

كم قد أفاض على الورى

من جوده فضلاً ونعمه

وإذا أتاه لاجيء

يوماً كفاه ما أهمّه

٣٣٣

وله ضريح طالما

تتعاهد الزوار لثمه

قد شعّ نوره جبينه

فجلى الليالي المدلهمه

رام العدى إطفاءه

والله شاء بأن يُتمّه

بشراكم بولادة السبط

الحسين أبي الأئمه

لهفي عليه لقد غدى

جثمانه للبيض طعمه

ما راقبوا لمحمد

في آله إلا وذمه

الخطيب الشهير الشيخ محسن ابن الشيخ محمد حسن ابن الشاعر الشهير الشيخ محسن أبو الحب صاحب القصائد الحسينية المعروفة والذي سبق وأن ترجمنا له. واسرة آل أبي الحب من الاسر العربية التي تنتسب إلى خثعم وكان مبدأ هجرتها من الحويزة إلى كربلاء بقصد طلب العلم الديني. ولد المترجم له في سنة ١٣٠٥ ه‍. وهي السنة التي مات فيها جده ونشأ بتوجيه والده ودرس المقدمات وتخصص بالخطابة حتى نال شهرة واسعة واحتضنته كربلاء واعتبرته خطيبها الأول وشارك في الحفل الحسيني الكبير الذي عقدته الشبيبة الكربلائية يوم ١٣ من محرم الحرام سنة ١٣٦٧ ه‍. أي ١٩٤٧ م. لذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه‌السلام في الروضة الحسينية المقدسة وقد ألقى قصيدته ويوم أنشد شاعر العرب محمد مهدي الجواهري رائعته الخالدة ، وللمترجم له مواقف أدبية وسياسية وطبع له ديوان بعد وفاته والديوان يضم طائفة كبيرة من النتف والقصائد في أغراض شتى قد قالها بمناسبات مختلفة. وكان نشر الديوان بسعي وتحقيق الأديب الاستاذ السيد سليمان هادي الطعمة وبالمناسبة أقول ان هذا السيد الطاهر خدم بلاده بكل ما يقدر وسخّر قلمه ومواهبه لخدمتها كثّر الله من أمثاله الغيارى وكان طبع الديوان بمطبعة الآداب بالنجف الأشرف سنة ١٣٨٥ ه‍. ١٩٦٦ م.

وتوفي المترجم له في كربلاء فجأة صباح اليوم الخامس من ربيع الأول سنة ١٣٦٩ ه‍. ودفن في مقبرة خاصة له في روضة أبي الفضل العباس عليه‌السلام واقيم له حفل تأبيني رائع في الصحن الشريف يوم اربعينيه ساهم فيه ثُلّة من الادباء ، ورجال الفكر.

٣٣٤

المستدركات

٣٣٥
٣٣٦

عبد المحسن الصوري

المتوفى ٤١٩

حيّ ولا تسأم التحيات

وناج ما اسطعت من مناجاتِ

حيّ دياراً أصخت معالمها

بالطف معلومة العلامات

وقل لها يا ديار آل رسول

الله يا معدن الرسالات

وقل عليك السلام ما انبرتِ

الشمس أو البدر للبريات

نِعم مناخ الهدى ومنتجع

الوحي ومستوطن الهدايات

نِعم مصلى الأرض المضمّن مَن

صلى عليهم رب السماوات

إن يتل تالِ الكتاب فضلهم

يتل صنوفاً من التلاوات

خصوا بتلك الآيات تكرمة

أكرم بتلك الآيات آيات

هم خير ماش مشى على قدم

وخير من يمتطي المطيات

قد علّموا العالمين أن عبدوا

الله وألغوا عبادة اللات

عجتُ بأبياتهم اسائلها

فعجتُ منهم بخير أبيات

على قبور زكيةٍ ضمنت

لحودُها أعظما زكيات

أزكى نسيماً لمن تنسمّها

من زاهرات الربى الذكيات

وآصلها الغيث بالغدوّ ولا

صارمها الغيث بالعشيات

الشافعون المشفعون إذا

ما لم يُشفع ذوو الشفاعات

٣٣٧

من حين ماتوا أُحبوا وليس كمن

أحباؤهم في عداد أموات

جلّت رزاياهم فلست أرى

بعد رزياتهم رزيات

نوحاً على سيدي الحسين نعم

نوحا على سيدي ابن سادات

نوحا تنوحا منه على شرف

مجدّل بين مشرفيات

ذيدَ حسين على الفرات فيا

بليّة أحدثت بليات

ما لك ما غرت يا فرات ولم

تسق الخبيثين والخبيثات

كم فاطميين منك قد فطموا

من غير جرم وفاطميات

ويل يزيد غداة يقرع با

لقضيب من سيدي الثنيات

الجن والانس والملائكة

الكرام تبكى بلا محاشاة

على خضيب الأطراف من دمه

يا هول أطرافه الخضيبات

في لمّة من بني أبيه حوت

طيب الأبوات والبنوات

من يسلُ وقتاً فان ذكرهم

مجدد لي في كل أوقاتي

بهم أُجازي يوم الحساب إذا

ما حوسب الخلق للمجازات

تجارتي حبهم وحبّهم

ما زال من أربح التجارات (١)

عبد المحسن بن محمد بن أحمد بن غالب بن غلبون أبو محمد الصوري شاعر بديع الألفاظ حسن المعاني رائق الكلام مليح النظام مشهور بالاجادة بين شعراء أهل الشام ، من حسنات القرن الرابع الهجري جمع شعره بين جزالة اللفظ وفخامة المعنى ، وله ديوان شعر يحتوي على خمسة آلاف بيت تقريباً وهو خير شاهد على ما نقول رأيته بمكتبة دار الآثار ـ بغداد قسم المخطوطات (٢) برقم ١٤٦٢٢ وهو من أقوى النصوص على تشيعه وعدّه ابن شهر آشوب من شعراء أهل البيت المجاهدين ، ذكره في اليتيمة وذكر من محاسنه قوله :

__________________

١ ـ الطليعة من شعراء الشيعة للشيخ محمد السماوي.

٢ ـ وتوجد نسخة من الديوان بخط الشيخ جواد الشبيبي استنسخها عن نسخة كتبت في القرن السادس كانت بمكتبة السيد عيسى العطار ببغداد.

٣٣٨

عندي حدائق شكر غرس جودكم

قد مسّها عطش فليسق من غرسا

تداركوها وفي أغصانها رمق

فلن يعود اخضرار العود إن يبسا

ومن شعره قوله :

يا غزالاً صاد قلبي

بلحاظ فاصابا

بالذي ألهمَ تعذيبي

ثناياك العِذابا

والذي صيّر حظي

منك هجراً واجتنابا

والذي ألبس خديك

من الورد نقابا

ما الذي قالته عيناك

لقلبي فأجابا

ومن تلويحاته اللطيفة قوله في صبي اسمه عمر.

نادمني مَن وجهه روضة

مشرقة يمرح فيه النظر

فانظر معي تنظر إلى معجز

سيف علي بين جفني عمر

وعقد ابن خلكان له ترجمة ضافية أطراه ووصف شعره كما ترجم له ابن كثير في تاريخه ، ومن شعره :

سفرن بدوراً وانتقبن أهلّةً

ومسن غصوناً والتفتن جآذرا

وأبدين أطراف الشعور تستراً

فاغدرت الدنيا علينا غدائرا

وربّتما أطلعن والليل مقبلٌ

شموس وجوه توقف الليل حائرا

فهنّ إذا ما شئن أمسين أو إذا

تعرضن أن يسبحن كنّ قوادرا

وقال يرثي الشيخ المفيد محمد بن محمد بن نعمان المتوفى ٤١٣ :

تبارك مَن عمّ الأنام بفضله

وبالموت بين الخلق ساوى بعدله

مضى مستقلاً بالعلوم محمد

وهيهات يأتينا الزمان بمثله

وقال في صبي اسمه مقاتل وله فيه شعر كثير :

احفظ فؤادي فأنت تملكه

واستر ضميري فأنت تهتكه

هجرك سهل عليك أصعبه

وهو شديد عليّ مسلكه

٣٣٩

بسيف عينيك يا مقاتل كم

قتلت قبلي ممن كنت تملكه

أمّا عزائي فلستُ آمله

فيك وصبري ما لست أدركه

وقال تمدح بها علي بن الحسين المغربي والد أبي القاسم الوزير :

أترى بثار أم بدينِ

علقت محاسنها بعيني

في لحظها وقوامها

ما في المهند والرديني

وبوجهها ماء الشبا

ب خليط نار الوجنتين

بكرت عليّ وقالت اختر

خصلة من خصلتين

إما الصدود أو الفراق

فليس عندي غير ذين

فأجبتها ومدامعي

تنهلّ مثل المازمين

لا تفعلي إن حان صدك

أو فراقك حان حيني

فكأنما قلت انهضي

فمضت مسارعة لبيني

ثم استقلّت أين حلّت

عيسها ورمت بأين

ونوائب أظهرن أيامي

إلي بصورتين

سوّدنها وأطلنها

فرأيت يوماً ليلتين

ومنها :

هل بعد ذلك مَن يعرّفني

النضار من اللجين

فلقد جهلتهما لبعد

العهد بينهما وبيني

متكسّباً بالشعر يا

بئس الصناعة في اليدين

كانت كذلك قبل أن

يأتي علي بن الحسين

فاليوم حال الشعر

حالية كحال الشعرتين

ومن شعره الذي رأيته في ديوانه المخطوط قوله :

وأخ مسّه نزولي بقرح

مثلما مسني من الجوع قرح

بتّ ضيفاً له كما حكم الدهر

وفي حكمه على الحرّ قبح

٣٤٠